يزاد فيها الألفاظ، بل الصيغ الخاصةالجامعة لصراحة الدلالة و غيرها مما اعتبرفيها، و إن هذا إلا توثيق للعهد الصادقبمجرد النية بلا شبهة. فالمناقشة في كونالعقود الفقهية عقدا لغة موهون جدا، سيمامع إطلاق بعض أهل اللغة كونه بمعنى العهد،أو الربط بين الشيئين، فتدبر.
و خامسها: أن العقد إذا صار بمعنى العهد،فنقول: للعهد معان كثيرة
منها: الوصية و الأمر و اليمين و غير ذلك،و ما نحن بصدد إثباته ليس داخلا في شيء منذلك، و لو سلم أن يكون للعهد معنى يشملالمبحوث عنه، فإرادته منه في الآية غيرمعلوم، فيمكن أن يراد الوصايا الإلهيةالموثقة أو التكاليف اللازمة، أو يرادمطلق الوصايا، أو يراد الأوامر و الايمانو الضمانات. و أنت خبير بأن هذا الكلام منالوهن بمكان. أما أولا: فلأن تفسير أهلاللغة (العقد) بمعنى (العهد) لا يجعله قابلالهذه الشقوق، إذ هذا الكلام إنما هو فيمالو أطلق لفظ (العهد) و بينهما فرق عميق. وأما ثانيا: فلأن المفسرين له بمعنى العهدأدخلوا فيه العقود الفقهية كما ذكر فيعبائر أهل اللغة و عبائر أهل التفسير فلاوجه للرمي بالإجمال. و ثالثا: أن عد هذهالأمور معاني للعهد ممنوع، إذ كلها مندرجتحت معنى عام هو المسمى بالعهد. و ليسمشتركا لفظيا حتى يقع الأجمال، و لا يخفىكونه مشتركا معنويا على من له ربط بطريقةأهل اللغة و العرف و أنس بضوابط أهلالاشتقاق. فاللائق إرادة كل ما هو عهد وإلزام و التزام و توطئة و تمهيد، و هو شامللسائر ما ذكره، كما يشمل كل العقود. هذا معما في كلام أهل التفسير كلمات الأصحاب منالشهادة على دخول العقود الفقهية في الآيةالمرجح لهذا الاحتمال المخرج عن الأجمال.
و سادسها: أن العقد على ما علم من اللغة هوالجمع بين الشيئين بحيث [يعسر الانفصال]
يعسر الانفصال، فإذا كان هو المعنىالحقيقي فيكون المراد في الآية معناهالمجازي، فيتسع دائرة الكلام و مجالالجدال في الآية، كما لا يخفى. و فيه: أنالعقد في كلامهم إنما هو العهد كما عرفت أومطلق الربط بحيث يشمل المحسوس و غيره. و لوفرض اختصاصه بما ذكره، فنقول: لا ريب أنالآية لإيراد بها أن الأشياء التي جمعتمبينها و أوصلتم بعضها ببعض لا تفصلوابينها، إذ هذا لا ربط له بمنصب الشرع، وليس مراد الله: أن من وصل حبلا بحبل أوبعيرا بحمار أو خشبا بجدار يحرم أن يفصلبينهما، فليس إلا أن يراد به أقربالمجازات، و ليس إلا ارتباط المعاملات والشروط و نحو ذلك و ما قبله العباد منالالتزام بالتكاليف الإلهية و الروابطالمجعولة بين الصانع و بين مخلوقاته، و هوشامل لمحل البحث، و يؤيده إطباق كلمةالمفسرين على هذا المعنى في الجملة. فلامجال للتكلم في الآية بما يوجب نقصا فيالدلالة و الله أعلم.