صدور مثل هذا العقد الخارج عن طريقةالعقلاء في تلك الحالة يكشف عن زوال العقلالتام عنه في تلك الحالة في كمال البعد.أما أولا: فلأن نقصان العقل و تمامه في آنواحد مما هو خارج عن المعتاد، بل هو منالمحالات عادة. و أما ثانيا: فلأن المفروضعدم تغيير فيه يوجب نقصان عقله و تمامه، بلهو على حاله الأول. و أما ثالثا: فلأن الغرضإذا تعلق بصدور فعل من الإنسان غير ملائملفعل العقلاء فلا يخرج الإنسان عن كونهعاقلا، لأنا نرى أن الناس يتعمدون الإتيانبأفعال المجانين، بل أفعال البهائم، و معذلك هم عقلاء ممتازون بالعقل، فكذا في مانحن فيه، و ليس تعلق غرض ما مخرجا عنالسفهية، إذ لا ريب أن صدور الفعل من دونملاحظة غاية ممتنع عن الفاعل المختار، بلالمخرج عن السفهية ملاحظة غاية معتد بهاعند العقلاء، أما ملاحظة غاية لا يعتنىبها فلا يخرج الفعل عن السفهية، فيمكنملاحظة غاية غير معتد بها و صدور الفعللأجلها تعمدا في ذلك، و هذا غير قادح فيالعقل و الرشد، فتدبر. و بالجملة: فالمسألةواضحة، فحاصل المراد من المعاملة السفهية:كونه على نحو لا يعتد به العقلاء و ينبغيصدوره عن السفهاء.
الثاني أن السفهية و إن فرض في كلامالشهيد رحمه الله و غيره في البيع، لكنه لا[يختص به]
يختص به، بل يعم سائر المعاوضات: من إجارةو صلح و نكاح و مسابقة و جعالة و مزارعة ومساقاة و مضاربة و نحو ذلك، بل يعم غير مافيه المعاوضة أيضا كالوكالة و نحوها، والوجه فيه: أنك قد عرفت أن الميزان في كونالعقد سفهيا صدوره على نحو لا يعتد به عندالناس، و هذا معقول في سائر العقود، بل هذاجار في الشروط أيضا، فإن الشرط قد يكونسفهيا، و توضيح ذلك بالأمثلة في الجملة أنيقال: مثلا لو زاد في عوض الإجارة و غيرهامن المعاوضات ما لا يقدم عليه إلا سفيه أونقص كذلك فيصير كالبيع، أو جعل أحدالعوضين مما لا ينتفع به عقلا أو شرعا كبيعالحشار و الديدان و المزارعة على أرض لاماء لها بالمرة و لو بالغيث في العادة، أوعلى أرض لا يتمكن من زرعه، أو زارعه على أنيزرع فيه شيئا من الحبوب لا يؤكل، أو جعلعوض الجعالة ما لا نفع فيه، أو جعل العوضلما لا نفع فيه كرفع صخرة أو ذهاب إلى أرضمظلم أو نحو ذلك، و كالمضاربة بشرط أنيشتري بزائد و يبيع بناقص و نظائر ذلك، ونحوه الرهن الذي اشترط الراهن لنفسهالخيار في فك الرهن و فسخ العقد و أن لم يؤدالمال، و الوكالة على أمر جزئي كأخذ حبةحنطة أو حفظها و نحو ذلك. و بالجملة: قدقدمنا في ضبط موارد العقود أن المعتبر فيأغلب المعاملات إنما هو ما عليه طريقةأغلب الناس و عادة أكثر العقلاء، و ما خرجعن ذلك فمما لا يعتد به عندهم، و يندرج تحتأفعال السفهاء بحسب الشأن، و هذه تعدمعاملة سفهية في أي عقد من العقود اتفقت، وفي أي باب كانت، و يندرج في هذا المقامفروع كثيرة حكم فيها الأصحاب بالفساد، وليس شيء منها فاسدا إلا لأجل كونه معاملةسفهية. و مما أشرنا إليه في الأمثلة تتنبهعلى استخراج الفروع المسطورة في كلمةالأصحاب و تنتقل إلى استنباط ما أغفلوه.