الدنيا مزرعة الآخرة
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:"الدنيا مزرعة الآخرة".
قال سبحانه في كتابه الكريم: (من كان يريدالعاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمجعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً.ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمنفأُولئك كان سعيهم مشكوراً)(4).
ثم يقول سبحانه: (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء منعطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً).(الاسراء: 20)
إن كلمة الرب تعني في هذه الآية أن اللهيمد الجميع بفيضه، ذلك أنه خالق العالموخالق جميع الموجودات، فمن خصائصالربوبية أن يرزقهم جميعاً لا فرق في ذلكبين مؤمن وكافر.
نعم، إن ناموس العلم يقضي بأن كل بذرةتزرع تنمو في أحضان الوجود، هناك نظاممساعد يرعى هذه الزراعة.
إن الأعمال التي نقوم بها حسنة كانت أوسيئة كلها بذور تنمو في مزرعة هذا العالم،ولذا قال رسول الله صلّى الله عليه وآلهوسلّم: الدنيا مزرعة الآخرة. وكل امرئ يحصدما يزرع. لا يضيع عمل في هذا العالم، بل إنهينبت في أعماق أرواحنا وفي أعماق المجتمع،ومن ثم في طيات هذا العالم الذي تحيطه شتىالعوامل المساعدة على النمو.
قال سبحانه في محكم كتابه مشيراً إلىالجدل بين النصارى واليهود وطائفة منالذين آمنوا: (وقالت اليهود ليست النصارىعلى شيء وقالت النصارى ليست اليهود علىشيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لايعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يومالقيامة فيما كانوا فيه يختلفون). (البقرة:113)
كل يلقى جزاء عمله وثمرة ما قد زرعه؛فالقانون الالهي لا يقبل التغيير، وهذا مابشر به جميع الأنبياء عليهم السلام. لقدجاءوا يعلمون الإنسان أن "الحمد لله ربالعالمين" لا حمد إلا للذات الإلهيةالمقدسة رب جميع الموجودات، والتي تنطويعلى الاستعداد الذي يوصلها إلى الكمالالمنشود؛ فحبة القمح تنمو لتصبح نباتاًمكتملاً، وحبة الشعير هي الأخرى تنموفتصبح نباتاً محملاً بالسنابل، كذلكالنواة تنمو فتنشأ عنها نخلة هيفاء.
إن مقام الربوبية يقضي بأن جميعالموجودات في حالة نمو وتكامل، ولذا فإنسعادة كل إنسان إنما تتوقف عليه نفسه،عليه أن يدرك أن كل عمل يقوم به إنما هوبذرة يزرعها في مزرعة الوجود وأنه سيذوقثمرة ما قد بذر حلوة كانت أم مرة، ذلك أنهلا يستطيع أن يذوق أو يستفيد من ثمار إنسانآخر، كما أن أي إنسان لا يمكنه أن يستفيدأو يتناول من ثماره، وإن أي إنسان لا يمكنهأن يزرع السيئات فيحصد منها الحسنات.
كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّميوصي ابنته الصديقة فاطمة الزهراء والتيكانت تحتل من قلبه منزلة لا يدانيها فيهاأحد، وكان يعتبرها فلذة كبده، كان يوصيهابقوله: إني لا أغني عنكِ شيئاً.
وهذه حقيقة كثيراً ما كان الرسول يؤكدهامنذ فجر الدعوة الإسلامية فقد جمع رجالاًمن عشيرته الأقربين وذلك من بعثته صلّىالله عليه وآله وسلّم وأنذرهم قائلاً: يابني عبد المطلب لا تقولوا محمد منا،فوالذي نفسي بيده لا أغني عنكم من اللهشيئاً، وإن كل امرئ وما كسبت يداه خيراًفخير وإن شراً فشر.
طلب أحدهم من أميرالمؤمنين عليه السلامأن يعظه، فقال عليه السلام: "لا تكن ممنيرجو الآخرة بغير عمل ويرجو التوبة بطولالأمل(5)".