ثروة الخلق الحسن
قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم:"إنكم لا تقدرون على أن تسعوا الناسبأموالكم فسعوهم بأخلاقكم".
إن ثروة الأخلاق لا تعادلها ثروة فيالوجود، ذلك أن ثروة المال مهما كانتفإنها محدودة يمكن أن تطال فائدتها شخصاًفي حين يبقى آخرون محرومون منها بل إنها قدتؤدي إلى البغض والحقد لدى البعض.
إن الفضيلة والطهر وطاعة الله وعمل الخيروما إلى ذلك من الصفات والخصال الإنسانيةالرفيعة تزين الإنسان وتجعله محبوباً لدىالجميع دون أن يكون هناك مصلحة في هذاالحب؛ فالحقيقة عندما تلج قلب الإنسانتجعله عظيماً سامياً، فهل يمكن لأحد أنيحصر منظر النجوم وهو تتلألأ في السماء،أو الشمس وهي تسطع في النهار في طبقة معينةمن الناس؟
لماذا أصبح الرجال العظماء ومعلموالبشرية ملكاً للجميع؟ كيف تمكنوا من كسرقيود اللون واللغة والعرق؟ لأنهم كانوا فيمقام إنساني جعلهم محبوبين لدى جميعالشعوب في جميع قارات الأرض.
ولذا فإن رسول الله صلّى الله عليه وآلهوسلّم عندما يقول إذا أردتم أن يكونوجودكم عاماً يشمل الجميع كالسحاب والمطروالشمس والقمر، فينبغي أن تكونوا عظماء،ولكن من أين يتأتى ذلك؟ إن العظمة والسمومن الصفات الإنسانية العالية وهي لا علاقةلها بالمال والثروة المعرضة لأخطار الغرقوالحرق والسرقة، كما لا تنشأ عن منصباجتماعي تقرره الجهات العليا، فإذا هو عدمفي لحظة ما، إن السمو والعظمة معجونتانبروح الإنسان.
إن الصراع إنما ينشأ عن محدودية فيالأشياء، فعندما يزداد الطلب ويقل العرض،وعندما يكون الجوع أكثر من الطعام تنشأالحروب والنزاعات، ويبدأ نزيف الدماء؛وقد تنشأ الصراعات حتى مع انعدام حالةالضيق في الأشياء ومحدوديتها. ولكن الضيقهنا يكون في روح الإنسان نفسها حيث الحرصوضيق النظر، وإذ ذاك تشتد الحالة السبعيةوالافتراس لدى الإنسان، فنراه يندفعللاستيلاء على كل شيء انطلاقاً من حرصهفيستتب في بؤس الآخرين غير آبه بمعاناتهموهموهم؛ ولذا قال رسول الله صلّى اللهعليه وآله وسلّم: "من بات ولم يفكر في أمورالمسلمين فليس منهم" وقال أيضاً: "المسلممن سلم المسلمون من لسانه ويده".
إن الفرد ينبغي أن يكون منسجماً مع روحالجماعة فعلاً وقولاً، يفكر في شقائهموسعادتهم ويهتم بشؤونهم ومصلحتهم ويرىسعادته في سعادتهم وشقاءه في شقائهم.
إن هذه الأحاديث الشريفة وغيرها تعتبر منأرقى الإرشادات الإسلامية في المجالالاجتماعي؛ لقد جسد أهل البيت النبوي ذلكفي حياتهم ليكونوا قدوة وأسوة لغيرهم؛ فقدفكر الإمام الصادق عليه السلام وبعد أنكثر عياله في التجارة، فاستدعى مولى لهيقال له (مصادف) فأعطاه ألف دينار ليتاجربها، وقال له: تجهز حتى تخرج إلى مصر فإنعيالي كثروا. فتجهز مصادف بمتاع وخرج معالتجار إلى مصر، فاستقبلتهم قافلة منالتجار خارجة من مصر فسألوهم عن المتاعالذي معهم ما حاله في المدينة وكان متاعالعامة فأخبروهم أنه ليس في مصر منه شيء،فتحالفوا وتعاقدوا على أن لا ينقصوامتاعهم من ربح الدينار ديناراً فباعواتجارتهم بهذا الربح ورجعوا إلى المدينة؛فدخل مصادف على الإمام الصادق عليه السلامومعه كيسان في كل واحد منهم ألف دينار وقالله: جعلت فداك، هذا رأس المال وهذا الآخرربحه. فقال له الإمام: إن هذا الربح كثيركيف صنعت في المتاع الذي اشتريته حتى ربحتهذا الربح؟ فحدثه بحاجة البلاد إلى المتاعوكيف تحالف مع التجار وتعاهد معهم أن لايبيعوا ما معهم إلا بربح الدينار ديناراً.فقال الإمام: سبحان الله تتحالفون على قوممسلمين ألا تبيعوهم إلا بربح الدينارديناراً. ثم أخذ رأس المال وقال: "هذامالنا" ثم رد عليه الربح وقال: يا مصادف!مجادلة السيوف أهون من طلب الحلال.