الفصل الخامس
حجّية قول اللغوي
إنّ لإثبات الظواهر طرقاً ذكرناها فيمحلّها (1) بقي الكلام في حجّية قول اللغويفي إثبات الظاهر و تعيين الموضوع له، و قداستدل جمع من العلماء على حجّية قولاللغوي بأنّ الرجوع إلى قول اللغوي من بابالرجوع إلى أهل الخبرة، و لا إشكال فيحجّية قول أهل الخبرة فيما هم خبرة فيه.
أُشكل عليه: بأنّ الكبرى ـ و هي حجّية قولأهل الخبرة ـ مسلّمة، إنّما الكلام فيالصغرى وهي كون اللغوي خبيراً في تعيينالموضوع له عن غيره، و بالتالي في تعيينالمعنى الحقيقي عن المجازي، مع أنّ ديدناللغويين في كتبهم ذكر المعاني التي شاعاستعمال اللفظ فيها، سواء كان معنىحقيقياً أو مجازياً.
و لكن يمكن أن يقال: أنّ أكثر المعاجماللغوية و إن كانت على ما وصفت، و لكنبعضها أُلِّف لغاية تمييز المعنى الأصليعن المعنى الذي استعمل فيه بمناسبة بينه وبين المعنى الأصلي، و هذا كالمقاييس لمحمدبن فارس بن زكريا المتوفّى(395هـ) فقد قامببراعة خاصة بعرض أُصول المعاني و تمييزهاعن فروعها و مشتقاتها، و مثله كتاب أساساللغة للزمخشري المتوفّى(538هـ).
على أنّ الإنسان إذا ألِفَ بالمعاجمالموجودة، استطاع أن يميز المعانيالأصلية عن المعاني الفرعية المشتقةمنها، ولا يتم ذلك إلاّ مع قريحة أدبية وأُنس باللغة والأدب. نعم تكون الحجة عندذلك هو قطعه ويقينه لا قول اللغويّ.
1. راجع مقدمة الكتاب، بحثَ علائم الحقيقةوالمجاز.