وهذا التقسيم غير خال عن الإشكال، لانّلازمه أن يكون الشكّ في التكليف مطلقاً،مجرى للبراءة وأن يكون الشكّ في المكلّفبه كذلك مجرى للاشتغال، مع انّ هذهالضابطة ليست بمطردة، إذ ربما يكون الشكّفي التكليف مجرى للاشتغال كما في الأمثلةالتالية. أ. إذا شكّ في التكليف قبل الفحص عن الدليلالاجتهادي فهو مجرى للاحتياط. ب. إذا شكّ في حلّية الدماء والأعراض والأموال فهو مجرى للاحتياط أيضاً، وإنكانت الشبهة موضوعية، كدوران حال الشخصبين كونه محقون الدم أو مهدوره. وربما يكون الشكّ في المكلّف به مجرىللبراءة كما في الشبهة غير المحصورة. فالأولى في بيان الضابطة لمجرى البراءةوالاشتغال أن يقال: إذا لم تكن الحالة السابقة ملحوظة وكانالاحتياط ممكناً، فإمّا أن لا يدل دليلعقلي أو نقلي على ثبوت العقاب بمخالفةالواقع المجهول، أو يدلّ؟ والأوّل موردالبراءة والثاني مورد الاحتياط. وعلى ضوء ذلك فليس الميزان في جريانالبراءة والاشتغال، الشكّ في التكليفوالمكلّف به، بل الميزان في جريان البراءةهو عدم وجود الدليل العقلي و النقلي علىالعقاب، كما انّ الميزان في جريانالاشتغال وجودهما، وبما انّه قام الدليلالعقلي والنقلي على العقاب في المواردالثلاثة فصار مجرى للاشتغال وإن كان الشكّفي التكليف. كما قام الدليل على عدم العقابفي الشبهة غير المحصورة فصار مورداًللبراءة وإن كان الشكّ في المكلّف به. فبذلك ظهر أنّ مجاري الأُصول أربعة كنفسالأُصول، و لنقدم البحث عن البراءةأوّلاً، ثمّ التخيير، ثمّ الاحتياط، ثمّالاستصحاب، حفظاً للنهج الدارج في الكتبالأُصولية.