الخاتمية فى الكتاب و السنة و العقل الصريح
المؤلف: الشيخ المحقق جعفر السبحانى
على مائدة العقيدة (14)
تقديم:
ملامح الشريعة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
و به وحده نستعين و عليه وحده نتوكل
و الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيد رسله، و خاتم أنبيائه و آله و من سار على خطاهم و تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يهتم المسلمون اهتماما كبيرا بالعقيدة الصحيحة لأنها تشكل حجر الزاوية في سلوكهم و منارا يضي ء دروبهم و زادا لمعادهم.
و لهذا كرس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الفترة المكية من حياته الرسالية نفسه لإرساء أسس التوحيد الخالص، و مكافحة الشرك و الوثنية، ثم بنى عليها في الفترة المدنية صرح النظام الأخلاقي و الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي.
و لهذا ـ و نظرا للحاجة المتزايدة ـ رأينا أن نقدم للأمة الإسلامية الكريمة دراسات عقائدية عابرة مستمدة من كتاب الله العزيز، و السنة الشريفة الصحيحة، و العقل السليم، و ما اتفق عليه علماء الأمة الكرام، و الله الموفق.
معاونية التعليم و البحوث الإسلامية
تمتاز الشريعة الإسلامية بنقطتين رئيستين:
الأولى: عالميتها و شموليتها.
الثانية: كونها خاتمة الشرائع.
أما الاولى: فمعناها أن دعوتها عالمية لا تنحصر بإقليم معين و هي من أبرز الملامح التي يستهدفها القرآن في دعوته و رسالته.
يقول سبحانه: تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا (الفرقان/1).
و يقول أيضا: و ما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا و نذيرا و لكن أكثر الناس لا يعلمون (سبأ/28).
و قال سبحانه: قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا (الأعراف/158).
لقد بعث الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله سفراءه إلى أنحاء المعمورة لنشر دعوته فيها و بيد كل واحد منهم كتاب يعبر عن عالمية دعوته، فقد بعث إلى قيصر الروم، و كسرى فارس و عظيم القبط و ملك الحبشة، و الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام و حوزة بن علي الحنفي ملك اليمامة، و غيرهم من ملوك العرب و شيوخ القبائل و الأساقفة، و المرازبة، و العمال، و هذه المواثيق أوضح دليل على أن رسالته عالمية لا تحد بحد، بل تجعل الأرض كلها ساحة لإشاعة دينه و تطبيق شريعته.
هذا و البراهين على عالمية دعوته كثيرة لا مجال لذكرها.
نعم ربما قد تظهر بعض المغالطات من النصارى القدامى في هذه النقطة، حيث حاولوا تحجيم أمر الرسالة و تخصيصها بمكان و عنصر خاصين، و ليست شبهاتهم قابلة للذكر.
كيف و بيانات القرآن و خطاباته للبشر كافة و مواثيق الرسول و دعواته المتجاوزة حدود الجزيرة العربية، و اجتياح جيوش المسلمين و رجالهم أرض غير العرب و استقرار الامة الإسلامية في أكثر مناطق المعمورة بل معظمها يومذاك، أبطلت هذه المغالطات و جعلتها في مدحرة البطلان و لذلك نعود إلى الملمح الثاني من ملامح الشريعة الإسلامية، في بحثنا و هو خاتميتها تعني:
أنها آخر الشرائع و أن المبعوث بها، هو خاتم الأنبياء فشريعته خاتمة الشرائع، و هذا ما نحاول دراسته في هذه الرسالة و نستدل عليه عن طريق الكتاب و السنة و نحلل الإشكالات المثارة حوله كل ذلك في ضمن فصول.