الجانب الثابت من حياة الإنسان:
1 ـ إن للحياة الإنسانية جانبين: متغير و ثابت، فالثابت منها عبارة عن الغرائز الثابتة و الروحيات الخالدة التي لا تتغير و لا تتبدل ما دام الإنسان إنسانا و لا يتسرب التغير إليها.
فالإنسان الاجتماعي بما هو موجود ذو غرائز يحتاج لحفظ حياته و بقاء نفسه إلى العيش الاجتماعي و الحياة العائلية، و هذان الأمران من أسس حياة الإنسان لا تفتأ تقوم عليهما حياته منذ وجوده إلى يومنا هذا.
فإذا كان التشريع الموضوع منسجما و متطلبات الغرائز و معدلا إياها عن الإفراط و التفريط و مرتكزا على العدل و الاعتدال فذلك التشريع يكون خالدا في ظل خلود الغرائز.
2 ـ إن التفاوت بين الرجل و المرأة أمر لا ينكر فهما موجودان مختلفان اختلافا عضويا و روحيا رغم كل الدعايات السخيفة المنكرة لذلك الاختلاف فلكل من الرجل و المرأة متطلب وفق تركيبه، فلو كان التشريع متجاوبا مع التركيب و الفطرة، يكون خالدا حسب خلود الفكرة و التركيب.
3 ـ الروابط العائلية كعلاقة الأب بولده و بالعكس، علاقات طبيعية مبنية على الفطرة، فالأحكام الموضوعية وفق هذه الروابط من التوارث و لزوم التكريم ثابته لا تتغير بتغير الزمان.
إن السؤال مبني على أن الإنسان بفطرته و تركيبه يقع في مهب التغير، و التطور، فلا يبقى منه شي ء عبر القرون، فكأن الإنسان الحالي غير الإنسان الغابر، مع أنها فكرة باطلة، فلو كان هناك تغير فإنما يعود هذا إلى غير الجانب الثابت من حياته.
4 ـ إن في حياة الإنسان قضايا أخلاقية ثابتة عبر الزمان لا يتسرب إليها التغيير ككون الظلم قبيحا و العدل حسنا، و جزاء الإحسان بالإحسان حسنا و بالسيى ء قبيحا، و العمل بالميثاق حسنا و نقضه قبيحا، إلى غيرها من القضايا الأخلاقية الثابتة في حياة الإنسان. سواء أ قلنا بأنها أحكام فطرية نابعة من الخلقة أو قلنا ان هناك عوامل عبر التاريخ رسخت هذه المفاهيم في ذهن الإنسان، فإن الاختلاف في جذور تلك المثل لا يضر بما نحن بصدده لأنها على كل تقدير ثابتة في حياة الإنسان، و التشريع الموضوع وفقها يتمتع بالثبات.
إن هناك موضوعات في الحياة الإنسانية لم تزل ذات مصالح و مفاسد أبدية، فما دام الإنسان إنسانا فالخمر يزيل عقله و الميسر ينبت العداوة في المجتمع، و الإباحة الجنسية تفسد النسل و الحرث مدى الدهور و الأجيال، فبما أن هذه القضايا قضايا ثابتة في حياته، فالتشريع على وفقها يكون ثابتا وفق ثباتها.
فهذه نماذج من الجانب الثابت من حياة الإنسان تناولناها لإيقاف القارى ء على أن التغير في حياة الإنسان ليس أمرا كليا و لا يتسرب إلى أعماق حياته، و إنما التغير يرجع إلى صور من حياته فالتغير ـ كما سيوافيك بيانه ـ إنما يكون مثلا: في المواصلات، و في التكتيك الحربي، و في طراز البناء و أشكاله و في معالجة الأمراض و غيرها، فأين مثل هذا التغير من حرمة الظلم، و وجوب العدل، و لزوم أداء الأمانات، و دفع الغرامات، و لزوم الوفاء بالعهد و الأيمان، و تكريم ذوي الحقوق إلى غير ذلك من القوانين الثابتة الموضوعة على غرار الفطرة مبنيا على الجانب الثابت من حياته فهو يحتل مكان التشريع الدائم.