2 ـ مصحف فاطمة:
لا شك أنه كان عند فاطمة مصحفا، حسب ما تضافرت عليه الروايات، و لكن المصحف ليس اسما مختصا بالقرآن، حتى تختص بنت المصطفى بقرآن خاص، و إنما كان كتابا فيه الملاحم و الأخبار.
المصحف: من أصحف، بمعنى ما جعل فيه الصحف و إنما سمي المصحف مصحفا لأنه جعل جامعا للصحف المكتوبة بين الدفتين.
و لم يكن ذلك اللفظ علما للقرآن في عصر نزوله، و إنما صار علما له بعد رحيل رسول الله صلّى الله عليه وآله قال السيوطي: روى ابن أشتة في كتاب المصاحف انه لما جمعوا القرآن فكتبوه في الورق قال أبو بكر: التمسوا له إسما، فقال بعضهم: السفر: و قال بعضهم المصحف فان الحبشة يسمونه المصحف قال: و كان أبو بكر أول من جمع كتاب الله و سماه المصحف (33).
و أما ما هو واقع هذا الكتاب، فقد كشف عنه الروايات المتضافرة عن أئمة أهل البيت، و قد جمع قسما كبيرا منها العلامة الشيخ مصطفى قصير العاملي في دراسته كتاب علي و مصحف فاطمة.
و إليك بعضها:
روى أبو عبيدة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن فاطمة مكثت بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله خمسة و سبعين يوما، و كان دخلها حزن شديد على أبيها، و كان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها، و يطيب نفسها، و يخبرها عن أبيها و مكانه، و يخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، و كان علي عليه السلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة (34).
روى أبو حمزة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مصحف فاطمة ما فيه شي ء من كتاب الله و إنما هو شي ء ألقي إليها بعد موت أبيها صلوات الله عليهما (35). و العجب أن الدس الإعلامي قد اتخذ لفظ مصحف فاطمة ذريعة لاتهام الشيعة بأن عندهم قرآنا يسمى مصحف فاطمة، و قد سعى غير واحد من دعاة التفرقة إلى نشر تلك الفكرة الخاطئة بين المسلمين، و لكن خاب سعيهم، فإن للحق دولة، و للباطل جولة.
و لعل القارى ء يسأل نفسه عن كون فاطمة محدثة تحدثها الملائكة كما ورد في الرواية السابقة، غير أن فاطمة عليها السلام لا تقل شأنا عن مريم البتول، و لا عن امرأة الخليل. قال سبحانه: و إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك و طهرك و اصطفاك على نساء العالمين (آل عمران/42) إلى غير ذلك من الآيات الواردة في سورتي آل عمران، و مريم.
و هذه امرأة إبراهيم تسمع كلام الملك، يقول سبحانه: و لقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى و امرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحق و من وراء إسحق يعقوب * قالت يا ويلتى أ ألد و أنا عجوز و هذا بعلي شيخا إن هذا لشي ء عجيب * قالوا أ تعجبين من أمر الله رحمت الله و بركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد (هود/69 ـ 73).
فإذا كانت مريم و امرأة الخليل محدثتين، ففاطمة سيدة نساء العالمين أولى بأن تكون محدثة.