التفسير التجزيئي والتفسير التوحيدي للقرآن الكريم - مقدمات فی التفسیر الموضوعی للقرآن نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مقدمات فی التفسیر الموضوعی للقرآن - نسخه متنی

السید محمد باقر الصدر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

التفسير التجزيئي والتفسير التوحيدي للقرآن الكريم
















بسم الله الرحمن الرحيم















وأفضل الصلوات على سيد الخلق محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

















ربنا فقهنا في كتابك واكشف عن قلوبنا ظلمات الذنوب لكي نتفهم آياتك وأزح عن بصائرنا غشاوة الدنيا وبريقها الكاذب لكي نملا نفوسنا بهداك واجعلنا من حملة قرآنك وسنة نبيك والسائرين على طريق طاعتك.

ندعو بلغة القرآن وبلسان القرآن:







ربّنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنّك على كلّ شي قدير(1)، ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربّنا ولا تحمل علينا اصراً كما حملته على الّذين من قبلنا، ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين(2)، ربّنا اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا للإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا، ربّنا إنّك رؤوف رحيم(3.)







لاشك في تنوع التفسير واختلاف مذاهبه وتعدد مدارسه والتباين في كثير من الأحيان بين اهتماماته واتجاهاته: فهناك التفسير الذي يهتم بالجانب اللفظي والأدبي والبلاغي من النص القرآني.

وهناك التفسير الذي يركز على الحديث ويفسر النص القرآني بالمأثور عنهم عليهم السلام أو بالمأثور عن الصحابة والتابعين.

وهناك التفسير الذي يعتلج العقل أيضاً كأداة من عمق التفسير وفهم كتاب اللّه سبحانه وتعالى وهناك التفسير المتحيز الذي يتخذ مواقف مذهبية مسبقة، يحاول أن يطبق النص القرآني على أساسها.

وهناك التفسير غير المتحيز الذي يحاول أن يستنطق القرآن نفسه، ويطبق الرأي على القرآن لا القرآن على الرأي إلى غير ذلك من الاتجاهات المختلفة في التفسير الإسلامي، إلاّ إن الذي يهمنا بصورة خاصة ونحن على أبواب هذه الدراسة القرآنية، أن نركز على إبراز اتجاهين رئيسيين لحركة التفسير في الفكر الإسلامي:















ونطلق على أحدهما اسم «الاتجاه التجزيئي في التفسير».

















وعلى الآخر اسم «الاتجاه التوحيدي أو الموضوعي في التفسير».

















ونعني بالاتجاه التجزيئي المنهج الذي يتناول المفسر ضمن اطاره القرآن الكريم آية فآية وفقاً لتسلسل تدوين الآيات في المصحف الشريف.









والمفسر في إطار هذا المنهج يسير مع المصحف ويفسر قطعاته تدريجاً بما يؤمن به من أدوات ووسائل للتفسير من الظهور أو المأثور من الأحاديث أو بلحاظ الآيات الأخرى التي تشترك مع تلك الآية في مصطلح أو مفهوم، بالقدر الذي يلقي ضوءاً على مدلول القطعة















القرآنية التي يراد تفسيرها مع أخذ السياق الذي وقعت تلك القطعة ضمنه بعين الاعتبار من كل تلك الحالات.









وطبعاً نحن حينما نتحدث عن التفسير التجزيئي نقدمه في أوسع وأكمل صوره التي انتهى إليها، وإن التفسير التجزيئي تدرّج تاريخيا إلى أن وصل إلى مستوى الاستيعاب الشامل للقرآن الكريم بالطريقة التجزيئية.









وكان قد بدأ في عصر الصحابة التابعين على مستوى شرح تجزيئي لبعض الآيات القرآنية وتفسير لمفرداتها، وكلما امتد الزمن ازدادت الحاجة إلى تفسير المزيد من الآيات إلى أن انتهى إلى الصورة التي قدم فيها ابن ماجة والطبري غيرهما ممن كتب في التفسير في أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع، وكانت تمثل أوسع صورة للمنهج التجزيئي في التفسير.









فالمنهج التجزيئي في التفسير حيث أنه كان يستهدف فهم مدلول «اللّه»، وحيث ان فهم مدلول «اللّه» كان في البداية متيسراً لعدد كبير من الناس ثم بدأ اللفظ يتعقد من حيث المعنى بمرور الزمن وازدياد الفاصل وتراكم لقدرات والتجارب، وتطور الأحداث والأوضاع.









من هنا توسع التفسير التجزيئي تبعاً لما اعترض النص القرآني من غموض ومن شك في تحديد مفهوم «اللّه» تتكامل في الطريقة التي نراها في موسوعات التفسير حيث ان المفسر يبدأ من الآية الأولى من سورة الفاتحة إلى سورة الناس فيفسر القرآن آية آية، لان الكثير من الآيات بمرور الزمن أصبح معناها ومدلولها اللفظي بحاجة إلى إبراز أو تجربة أو تأكيد ونحو ذلك، هذا هو التفسير التجزيئي.

















طبعاً نحن لا نعني بالتجزيئية لمثل هذا المنهج التفسيري أن المفسر يقطع نظره عن سائر الآيات ولا يستعين بها في فهم الآية المطروحة للبحث، بل انه قد يستعين بآيات أخرى في هذا المجال كما يستعين بالأحاديث والروايات، ولكن هذه الاستعانة تتم بقصد الكشف عن المدلول اللفظي الذي تحمله الآية المطروحة للبحث، فالهدف في كل خطوة من هذا التفسير فهم مدلول الآية التي يواجهها المفسر بكل الوسائل الممكنة أي أن الهدف «هدف تجزيئي»، لأنه يقف دائما عند حدود فهم هذا الجزأ وذاك من النص القرآني ولا يتجاوز ذلك غالبا، وحصيلة تفسير تجزيئي للقرآن الكريم كله تساوي على أفضل تقدير مجموعة مدلولات القرآن الكريم ملحوظة بنظرة تجزيئية أيضاً، أي أنه سوف نحصل على عدد كبير من المعارف والمدلولات القرآنية، ولكن في حالة تناثر وتراكم عددي دون أن نكتشف أوجه الارتباط، دون أن نكتشف التركيب العضوي لهذه المجاميع من الأفكار، دون أن نحدد في نهاية المطاف نظرية قرآنية لكل مجال من مجالات الحياة فهناك تراكم عددي للمعلومات، إلاّ أن مجموع ما بين هذه المعلومات، الروابط والعلاقات ما بين هذه المعلومات التي تحولها إلى مركبات نظرية ومجاميع فكرية بالإمكان ان نحضّر على أساسها نظرية القرآن لمختلف المجالات والمواضيع، أما هذا فليس















مستهدفا بالذات في منهج التفسير التجزيئي وان كان قد يحصل أحيانا، ولكن ليس هو المستهدف بالذات في منهج التفسير التجزيئي.









وقد أدت حالة التناثر ونزعة الاتجاه التجزيئي إلى ظهور التناقضات المذهبية العديدة في الحياة الإسلامية، إذ كان يكفي أن يجد هذا المفسر أو ذاك آية تبرر مذهبه لكي يعلن عنه ويجمع حوله الأنصار والأشياع كما وقع في كثير من المسائل الكلامية كمسألة الجبر والتفويض والاختيار مثلا.









بينما كان بالإمكان تفادي كثير من هذه التناقضات لو أن المفسر التجزيئي خطا خطوة أخرى ولم يقتصر على هذا التجميع العددي كما نري ذلك في الاتجاه الثاني.

















الاتجاه الثاني: نسميه الاتجاه التوحيدي أو الموضوعي في التفسير.

















هذا الاتجاه لا يتناول تفسير القرآن آية فآية بالطريقة التي يمارسها التفسير التجزيئي، بل يحاول القيام بالدراسة القرآنية لموضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية فيبين ويبحث ويدرس، مثلا عقيدة التوحيد في القرآن أو يبحث عن النبوة في القرآن أو عن المذهب الاقتصادي في القرآن أو عن سنن التاريخ في القرآن أو عن السماوات والأرض في القرآن الكريم وهكذا.









ويستهدف التفسير التوحيدي الموضوعي من القيام بهذه الدراسات تحديد موقف نظري للقرآن الكريم وبالتالي للرسالة الإسلامية من ذلك الموضوع من موضوعات الحياة أو الكون.









وينبغي أن يكون واضحا أن الفصل بين الاتجاهين المذكورين ليس حديا على مستوى الواقع العملي والممارسة التاريخية لعملية التفسير لان الاتجاه الموضوعي بحاجة طبعاً إلى تحديد المدلولات التجزيئية في الآيات التي يريد التعامل معها ضمن اطار الموضوع الذي يتبناه.

كما أن الاتجاه التجزيئي قد يعثر في أثناء الطريق بحقيقة قرآنية من حقائق الحياة الأخرى، ولكن الاتجاهين على أي حال يظلان على الرغم من ذلك مختلفين في ملامحهما واهدافهما وحصيلتهما الفكرية.









ومما ساعد على شيوع الاتجاه التجزيئي للتفسير وسيطرته على الساحة قرونا عديدة، النزعة الروائية والحديثية للتفسير، حيث أن التفسير لم يكن في الحقيقة وفي البداية إلاّ شعبة من الحديث بصورة أو بأخرى وكان الحديث هو الأساس الوحيد تقريبا، مضافا إلى بعض المعلومات اللغوية والأدبية والتاريخية، كان هو الأساس الوحيد مضافاً إلى بعض هذه المعلومات التي يعتمد عليها التفسير طيلة فترة طويلة من الزمن.









ومن هنا لم يكن بإمكان تفسير يقف عند حدود المأثور من الروايات عن الصحابة والتابعين وعن الرسول والائمة، الروايات التي كانت تثيرها استفهامات عقلية على الأغلب من قبل الناس، من قبل السائلين لم يكن بإمكان تفسير يعتمد على هذه الروايات التي تستثار من قبل















أسئلة عقلية من هذا القبيل، لم يكن بإمكانه أن يتقدم خطوة أخري وأن يحاول تركيب مدلولات القرآن والمقارنة بينها واستخراج النظرية من وراء هذه المدلولات اللفظية.

التفسير كان بطبعه تفسيرا لفظيا تفسيرا للمفردات لما استبدل من المفردات وشرح بعض المستجد من المصطلحات وتطبيق بعض المفاهيم على أسباب النزول ومثل هذه العملية لم يكن بإمكانها أن تقوم بدور اجتهادي مبدع، في التوصل إلى ما وراء المدلول اللغوي واللفظي التوصل إلى الأفكار الأساسية التي حاول القرآن الكريم ان يعطيها من خلال المتناثر من آياته الشريفة.









ويمكننا ان نقرب إلى اذهانكم فكرة هذين الاتجاهين المختلفين في تفسير القرآن الكريم بمثال من تجربتكم الفقهية، فالفقه هو بمعنى من المعاني تفسير للأحاديث الواردة عن النبي والائمة عليهم السلام ونحن نعرف من البحث الفقهي ان هناك كتبا فقهية شرحت الأحاديث حديثا حديثا، تناولت كل حديث وشرحته، وتكملت عنه دلالة أو سندا أو متناً، أو دلالة وسندا ومتنا، على اختلاف اتجاهات الشراح.

كما نجد ذلك في شراح الكتب الأربعة وشراح الوسائل، غير ان القسم الأعظم من الكتب الفقهية والدراسات العلمية في هذا المجال لم تتجه هذا الاتجاه بل صنفت البحث إلى مسائل وفقا لوقائع الحياة وجعلت في إطار كل مسألة الأحاديث التي تتصل بها وفسرتها بالقدر الذي يلقي ضوءاً على تلك المسألة ويؤدي إلى تحديد موقف الإسلام من تلك الواقعة التي تفترضها المسألة المذكورة وهذا هو الاتجاه الموضوعي على الصعيد الفقهي، بينما ذاك هو الاتجاه التجزيئي في تفسير الأحاديث على هذا الصعيد.









كتاب الجواهر في الحقيقة شرح كامل شامل لروايات الكتب الأربعة ولكنه ليس شرحا يبدأ بالكتب الأربعة روآية روآية وإنما يصنف روايات الكتب الأربعة وفقا للحياة، وفقا لمواضيع الحياة، كتاب البيع، كتاب الجعالة، كتاب إحياء الموات، كتاب النكاح، ثم يجمع تحت كل عنوان من هذه العناوين الروايات التي تتصل بذلك الموضوع ويشرحها ويقارن فيما بينها يخرج بنظرية لأنه لا يكتفي بأن يفهم معنى هذه الروآية فقط بصورة متفردة، ومعنى هذه الروآية بصورة منفردة إذ مع هذه الحالة من الفردية لا يمكن أن يصل إلى الحكم الشرعي، وإنما يصل إلى الحكم الشرعي عن طريق دراسة مجموعة من الروايات التي تحمل مسؤولية توضيح حكم واحد أو باب واحد من أبواب الحياة، ثم عن طريق هذه الدراسة الشاملة يستخرج نظرية واحدة التي تعطى من قبل مجموعة من الروايات لا من قبل روآية روآية.

















هذا هو الاتجاه الموضوعي عن شرح الأحاديث.

















ومن خلال المقارنة بين الدراسات القرآنية والدراسات الفقهية نلاحظ اختلاف مواقع الاتجاهين على الصعيدين فبينما انتشر الاتجاه الموضوعي والتوحيدي على الصعيد الفقهي وما خطا الفقه والفكر الفقهي خطوات في مجال نموه وتطوره حتى ساد هذا الاتجاه جل البحوث الفقهية، نجد أن العكس هو الصحيح على الصعيد القرآني حيث سيطر الاتجاه التجزيئي















للتفسير على الساحة عبر ثلاثة عشر قرنا تقريبا، إذ كان كل مفسر يبدأ كما بدأ سلفه فيفسر القرآن آية آية.









إذن الاتجاه الموضوعي هو الذي سيطر على الساحة الفقهية بينما الاتجاه التجزيئي هو الذي سيطر على الساحة القرآنية.

وأما ما ظهر على الصعيد القرآني من دراسات تسمى بالتفسير الموضوعي أحيانا من قبيل دراسات بعض المفسرين حول موضوعات معينة تتعلق بالقرآن الكريم كأسباب النزول أو القراءات أو الناسخ والمنسوخ أو مجازات القرآن فليست من التفسير التوحيدي والموضوعي بالمعنى الذي نريده فإن هذه الدراسات ليست في الحقيقة إلاّ تجميعا عدديا لقضايا من التفسير التجزيئي لوحظ فيما بينها شي من التشابه وفي كلمة أخرى ليست كل عملية تجميع أو عزل دراسة موضوعية، وإنما الدراسة الموضوعية هي التي تطرح موضوعا من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية وتتجه إلى درسه وتقييمه من زاوية قرآنية للخروج بنظرية قرآنية بصدده.









واكثر ظني ان الاتجاه التوحيدي والموضوعي في الفقه بامتداده وانتشار ساعد بدرجة كبيرة على تطوير الفكر الفقهي وإثراء الدراسات العلمية في هذا المجال بقدر ما ساعد انتشار الاتجاه التجزيئي في التفسير على إعاقة الفكر الإسلامي القرآني عن النمو المكتمل وساعد على اكتسابه حالة تشبه الحالات التكرارية حتى نكاد نقول ان قرونا من الزمن متراكمة مرت بعد تفاسير الطبري والرازي والشيخ الطوسي، لم يحقق فيها الفكر الإسلامي مكاسب حقيقية جديدة، وظل التفسير ثابتا لا يتغير إلاّ قليلا خلال تلك القرون على الرغم من ألوان التغير التي حفلت بها الحياة في مختلف الميادين وسوف يتضح إن شاء اللّه تعالى من خلال المقارنة بين الاتجاهين: الاتجاه التجزيئي والاتجاه التوحيدي، السبب والسر الذي يكمن وراء هذه الظاهرة.









لماذا كانت الطريقة التجزيئية عاملاً في إعاقة النمو؟ ولماذا تكون الطريقة الموضوعية والاتجاه التوحيدي عاملا في النمو والإبداع وتوسيع نطاق حركة الاجتهاد؟ لكي نعرف لماذا كان هذا ولماذا كان ذاك؟ يجب أن نكوّن انطباعات أوضح وأكثر تحديدا عن هذين الاتجاهين: الاتجاه التجزيئي، والاتجاه التوحيدي، وإنما يتضح ذلك بعد أن نشرح بعض أوجه الاختلاف بين الاتجاهين.

ويمكن توضيح بعض أوجه الاختلاف بين هذين الاتجاهين التفسيريين فيما يلي:.









أولاً: إن المفسر التجزيئي دوره في التفسير على الأغلب سلبي فهو يبدأ أولا بتناول النص القرآني المحدد آية مثلا أو مقطعاً قرآنيا دون أي افتراضات أو مطروحات مسبقة ويحاول أن يحدد المدلول القرآني على ضوء ما يسعفه به اللفظ مع ما يتاح له من القرائن المتصلة والمنفصلة، العملية في طابعها العام، عملية تفسير نص معين وكأن دور النص فيها دور المتحدث ودور المفسر هو الإصغاء والتفهم وهذا ما نسميه بالدور السلبي، المفسر هنا شغله















أن يستمع لكن بذهن مضي، بفكر صاف، بروح محيطة بآداب اللغة وأساليبها، في التعبير بمثل هذه الروح، بمثل هذه الذهنية وبمثل هذا الفكر يجلس بين يدي القرآن ليستمع فهو ذو دور سلبي والقرآن ذو دور إيجابي والقرآن يعطي حينئذ وبقدر ما يفهم هذا المفسر من مدلول اللفظ يسجل في تفسيره.









وخلافا لذلك المفسر التوحيدي والموضوعي فانه لا يبدأ عمله من النص بل من واقع الحياة يركز نظره على موضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية ويستوعب ما اثارته تجارب الفكر الإنساني حول ذلك الموضوع من مشاكل وما قدمه الفكر الإنساني من حلول، وما طرحه التطبيق التاريخي من أسئلة ومن نقاط‍ فراغ ثم يأخذ النص القرآني، لا ليتخذ من نفسه بالنسبة إلى النص دور المستمع والمسجل فحسب، بل ليطرح بين يدي النص موضوعا جاهزا مشرباً بعدد كبير من الأفكار والمواقف البشرية ويبدأ مع النص القرآني حواراً سؤال وجواب، المفسر يسأل والقرآن يجيب، المفسر على ضوء الحصيلة التي استطاع ان يجمعها من خلال التجارب البشرية الناقصة من خلال أعمال الخطأ والصواب التي مارسها المفكرون على الأرض لابد وان يكون قد جمع حصيلة ترتبط بذلك الموضوع ثم ينفصل عن هذه الحصيلة ليأتي ويجلس بين يدي القرآن الكريم لا يجلس ساكتاً ليستمع فقط بل يجلس محاوراً، يجلس سائلاً ومستفهماً ومتدبراً فيبدأ مع النص القرآني حواراً حول هذا الموضوع، وهو يستهدف من ذلك ان يكتشف موقف القرآن الكريم من الموضوع المطروح والنظرية التي بإمكانه أن يستلهمها من النص، من خلال مقارنة هذا النص بما استوعبه الباحث عن الموضوع من أفكار واتجاهات.









ومن هنا كانت نتائج التفسير الموضوعي نتائج مرتبطة دائما بتيار التجربة البشرية لأنها تمثل المعالم والاتجاهات القرآنية لتحديد النظرية الإسلامية بشأن موضوع من مواضيع الحياة.









ومن هنا أيضاً كانت عملية التفسير الموضوعي عملية حوار مع القرآن الكريم واستنطاق له، وليست مجرد استجابة سلبية بل استجابة فعالة وتوظيفا هادفا للنص القرآني في سبيل الكشف عن حقيقة من حقائق الحياة الكبرى.









قال أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو يتحدث عن القرآن الكريم «ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق ولكن أخبركم عنه، إلاّ ان فيه علم ما يأتي والحديث عن الماضي ودواء دائكم ونظم ما بينكم»(4) التعبير بالاستنطاق الذي جاء في كلام ابن القرآن (عليه السلام) أروع تعبير عن عملية التفسير الموضوعي بوصفها حواراً مع القرآن الكريم وطرحا للمشاكل الموضوعية عليه بقصد الحصول على الإجابة القرآنية عليها.









إذن فأول اوجه الاختلاف الرئيسية بين الاتجاه التجزيئي في التفسير والاتجاه الموضوعي في التفسير ان الاتجاه التجزيئي يكون دور المفسر فيه دورا سلبيا يستمع ويسجل بينما التفسير















الموضوعي ليس هذا معناه وليس هذا كنهه وإنما وظيفة التفسير الموضوعي دائما في كل مرحلة وفي كل عصر ان يحمل المقولات التي تعلمها في تجربته البشرية ثم يضعها بين يدي القرآن الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ليحكم على هذه الحصيلة بما يمكن لهذا المفسر ان يفهمه ان يستشفه ان يتبينه من خلال مجموعة آياته الشريفة.









أذن فهنا يلتحم القرآن مع الواقع، يلتحم القرآن مع الحياة، لان التفسير يبدأ من الواقع وينتهي إلى القرآن لا انه يبدأ من القرآن وينتهي بالقرآن وينتهي بالقرآن فتكون عملية منعزلة عن الواقع منفصلة عن تراث التجربة البشرية بل هذه العملية تبدأ من الواقع وتنتهي بالقرآن بوصفه القيم والمصدر الذي يحدد على ضوئه الاتجاهات الربانية بالنسبة إلى ذلك الواقع.









ومن هنا تبقى للقرآن حينئذ قدرته على القيمومة دائماً قدرته على العطاء المستجد دائماً قدرته على الإبداع لان المسألة هنا ليست مسألة تفسير لفظ فان طاقات التفسير اللغوي ليست طاقات لا متناهية بينما القرآن الكريم دلت الروايات على انه لا ينفد وصرح القرآن الكريم بأن كلمات اللّه لا تنفد، القرآن الكريم عطاء لا ينفد بينما التفسير اللغوي ينفد لان اللغة لها طاقات محدودة، وليس هناك تجدد في المدلول اللغوي، ولو وجد لغة أخرى بعد القرآن لا معنى لان يفهم القرآن من خلال لغة جديدة أو مصطلحات جديدة أو ألفاظ تحمل مدلولات وضعية استهدفت بعد القرآن.









إذن هذا العطاء الذي لا ينفد للقرآن، هذه المعاني التي لا تنتهي للقرآن التي نص عليها القرآن نفسه، ونصحت عليه أحاديث أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، هذه الحالة من عدم النفاد، تكمن في هذا المنهج، منهج التفسير الموضوعي لأننا نستنطق القرآن وان في القرآن علم ما كان وعلم ما يأتي لان في القرآن دواء دائنا، لان في







القرآن نظم ما بيننا، ولان في القرآن ما يمكن ان نستشف منه مواقف السماء تجاه تجربة الأرض.









فمن هنا كان التفسير الموضوعي قادرا على ان يتطور على ان، ينمو على ان يثرى لان التجربة البشرية تثريه والدرس القرآني والتأمل القرآني على ضوء التجربة البشرية يجعل هذا الثراء محمولا إلى فهم إسلامي قرآني صحيح.

















والحمد لله رب العالمين.

































بسم الله الرحمن الرحيم















وأفضل الصلوات على أفضل النبيين وآله الطيبين الطاهرين.

















كنا بصدد توضيح اوجه الاختلاف الرئيسية بين اتجاهين أساسيين في التفسير أحدهما الاتجاه الموضوعي في التفسير والآخر الاتجاه التجزيئي في التفسير: يمكن ان يستخلص مما ذكرناه بالأمس من التوضيحات انه يوجد هناك فارقان بارزان رئيسيان بين هذين الاتجاهين وتنبع من هذين الفارقين فوارق أخرى ثانوية:







الفارق الرئيسي الأول هو ان التفسير الموضوعي كما شرحنا بالأمس يبدأ بالواقع الخارجي بحصيلة التجربة البشرية يتزود بكل ما وصلت إلى يده من حصيلة هذه التجربة ومن أفكارها ومن مضامينها.

ثم يعود إلى القرآن الكريم ليحكم القرآن الكريم ويستنطق القرآن الكريم على حد تعبير الإمام أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام







ويكون دوره دور المستنطق، دور الحوار، يكون دور المفسر دورا ايجابياً أيضاً، دور المحاور، دور من يطرح المشاكل من يطرح الأسئلة، من يطرح الاستفهامات على ضوء تلك الحصيلة البشرية على ضوء تلك التجربة الثقافية التي استطاع الحصول عليها ثم يتلقى من خلال عملية الاستنطاق، من خلال عملية الحوار مع اشرف كتاب يتلقى الأجوبة من ثنايا الآيات المتفرقة.









فهنا الابتداء بالتفسير الموضوعي يكون من الواقع ويعود إلى القرآن الكريم، بينما التفسير التجزيئي يبدأ من القرآن وينتهي إلى القرآن ليس فيه حركة من الواقع إلى القرآن ومن القرآن إلى الواقع وإنما يبدأ بالقرآن وينتهي بالقرآن، دور المفسر هنا دور سلبي كما شرحنا بالأمس(5) يخلي ذهنه من أي سوابق من أي طروحات يجلس جلوس المستمع، لا جلوس المحاور لا جلوس المستفهم بل جلوس من يستمع ويسجل ما ينطبق في ذهنه نتيجة هذا الاستماع.

















هذا هو الأمر الأول الذي شرحناه بالأمس(6.)















والأمر الثاني في المقام هو: ان التفسير الموضوعي يتجاوز التفسير التجزيئي خطوة لان التفسير التجزيئي يكتفي بإبراز المدلولات التفصيلية للآيات القرآنية الكريمة، بينما التفسير الموضوعي يطمح إلى اكثر من ذلك يتطلع إلى ما هو أوسع من ذلك يحاول ان يستحصل اوجه الارتباط بين هذه المدلولات التفصيلية يحاول ان يصل إلى مركب نظري قرآني وهذا المركب النظري القرآني يحتل في اطاره كل واحد من تلك المدلولات التفصيلية، موقعه المناسب وهذا ما نسميه بلغة اليوم بالنظرية يصل إلى نظرية قرآنية عن النبوة، نظرية قرآنية عن المذهب الاقتصادي نظرية قرآنية عن سنن التاريخ وهكذا عن السماوات والأرض فهنا















التفسير الموضوعي يتقدم خطوة على التفسير التجزيئي بقصد الحصول على هذا المركب النظري الذي لابد ان يكون معبراً عن موقف قرآني تجاه موضوع من موضوعات الحياة العقائدية أو الاجتماعية أو الكونية.

هذان فارقان رئيسيان بين التفسير والاتجاه التجزيئى في التفسير ونحن ذكرنا بأن البحث الفقهي اتجه اتجاهاً موضوعياً بينما التفسير لم يتجه على الأكثر اتجاهاً موضوعياً بل كان اتجاها تجزيئيا.









اصطلاح الموضوعية هنا على ضوء الأمر الأول، بمعنى انه يبدأ من الموضوع، من الواقع الخارجي، من الشي الخارجي ويعود إلى القرآن الكريم ويعبر عن التفسير بأنه موضوعي على ضوء الأمر الأول باعتبار انه يبدأ من الموضوع الخارجي وينتهي إلى القرآن الكريم.

وتوحيدي باعتبار انه يوحد بين التجربة البشرية وبين القرآن الكريم لا بمعنى انه يحمل التجربة البشرية على القرآن، لا بمعنى انه يخضع القرآن للتجربة البشرية بل بمعنى انه يوحد بينهما في سياق بحث واحد لكي يستخرج نتيجة هذا السياق الموحد من البحث، يستخرج المفهوم القرآني الذي يمكن ان يحدد موقف الإسلام تجاه هذه التجربة أو المقولة الفكرية التي ادخلها في سياق بحثه.









إذن التفسير موضوعي وتوحيدي على أساس الأمر الأول، على أساس الأمر الثاني أيضاً كون التفسير موضوعياً باعتبار انه يختار مجموعة من الآيات تشترك في موضوع واحد.

وهو توحيدي باعتبار انه يوحد بين هذه الآيات، يوحد بين مدّلولات هذه الآيات ضمن مركب نظري واحد، إذن اصطلاح الموضوعية واصطلاح التوحيدية في التفسير ينسجم مع كل من هذين الفارقين بما بيناه.









ولا نقصد بالموضوعية هنا الموضوعية في مقابل التحيز مثلاً ما يقال عادة من ان هذا البحث موضوعي في مقابل ان يكون بحثا متحيزاً أو منحازاً طبعاً الموضوعية بذلك المعنى مرفوضة في التفسير التجزيئي والتفسير الموضوعي معاً.









ليست الموضوعية بذلك المعنى من مزايا التفسير الموضوعي في مقابل التفسير التجزيئي الموضوعية بذلك المعنى عبارة عن الأمانة في البحث، عبارة عن الاستقامة عل جادة البحث، تلك الموضوعية مفترضة في كلا الاتجاهين وإنما الموضوعية التي نجعلها في مقابل التجزيئية غير تلك الموضوعية التي تقابل الذاتية والتحيز، الموضوعية هنا بمعنى ان يبدأ من الموضوع وينتهي إلى القرآن هذا الأمر الأول.









الأمر الثاني: أن يختار مجموعة من الآيات تشترك في موضوع واحد يقوم بعملية توحيد بين مدلولاتها.

من أجل أن يستخرج نظرية قرآنية شاملة بالنسبة إلى ذلك الموضوع.









إن الأبحاث الفقهية سارت في الاتجاه الموضوعي بينما الأبحاث التفسيرية سارت في الاتجاه التجزيئي طبعا لم نكن نعني من ذلك أيضاً ان البحث الفقهي استنفذ طاقة الاتجاه














الموضوعي، البحث الفقهي سار في الاتجاه الموضوعي ولكنه لم يستنفد أيضاً طاقة الاتجاه الموضوعي والبحث الفقهي اليوم مدعوا أيضاً إلى ان يستنفد طاقة هذا الاتجاه الموضوعي افقيا وعموديا.









أما أفقيا لابد وأن يستنفد طاقة الاتجاه الموضوعي باعتبار ان الاتجاه الموضوعي كما قلنا عبارة عن ان يبدأ الإنسان من الواقع وينتهي إلى الشريعة.









هذا كان ديدن العلماء ديدن الفقهاء كانوا بالواقع، وقائع الحياة تكاد تنعكس عليهم على شكل جعالة، مضاربة، مزارعة، مساقات، نكاح كانت هذه الحوادث وهذه الوقائع تنعكس عليهم ثم يأخذون هذا الواقع ويأتون إلى مصادر الشريعة ليستنبطوا الحكم من مصادر الشريعة هذا اتجاه موضوعي لأنه يبدأ بالواقع وينتهي إلى الشريعة في مقام التعرف على حكم هذا الواقع.









لكن هنا لابد أن يمتد الفقه أفقيا على هذه الساحة كثر لان العلماء الذين ساهموا في تكوين هذا الاتجاه الموضوعي عبر قرون متعددة كانوا حريصين على ان يأخذوا هذه الوقائع ويحولوها دائماً إلى الشريعة لكي يستنبطوا أحكام الشريعة المرتبطة بتلك الوقائع ولكن وقائع الحياة تتجدد وتتكاثر باستمرار وتتولد ميادين جديدة من وقائع الحياة، لابد لهذه العملية من النمو باستمرار من ان تنمو من ان تحول كل ما يستجد من وقائع الحياة، من ان تبدأ من الواقع لكن ذاك الواقع الساكن المحدود الذي كان يعيشه الشيخ الطوسي أو الذي كان يعيشه المحقق الحلي، ذاك الواقع كان يفي بحاجات عصر الشيخ الطوسي، كان يفي بحاجات عصر المحقق الحلي.

لكن كم من باب و باب من أبواب الحياة فتحت بالتدريج لابد من عرض هذه الأبواب على الشريعة إذا أردنا أن يستمر الاتجاه الموضوعي في البحث الفقهي، لابد وأن نمدده أفقياً على مستوى ما استجد من أبواب الحياة، كم من باب من أبواب الحياة استجد لم يكن معروفاً سابقاً: التجارة والمضاربة والمزارعة والمساقات كانت تمثل السوق قبل ألف سنة أو قبل ثمانمائة سنة ولكن اليوم السوق المعاملات العلاقات الاقتصادية أوسع من هذا النطاق وأكثر تشابكا من هذا النطاق، اذن لابد للفقه من أن يكون كما كان على يد هؤلاء العلماء الذين كانوا حريصين على ان يعكسوا كل ما يستجد من وقائع الحياة على الشريعة ليأخذوا حكم الشريعة.

لابد أيضاً من ان هذه العملية تسير أفقيا كما سارت أفقيا في البدآية.

هذا من الناحية الأفقية.









من الناحية العمودية أيضاً لابد من ان يتوغل هذا الاتجاه الموضوعي في الفقه، لابد وان يتوغل، لابد وان ينفذ عموديا، لابد وان يصل إلى النظريات الأساسية، لابد وان يكتفي بالبناءات العلوية وبالتشريعات التفصيلية، لابد وان ينفذ من خلال هذه البناءات العلوية إلى النظريات الأساسية التي تمثل وجهة نظر الإسلام لأننا نعلم ان كل مجموعة من التشريعات في كل باب من أبواب الحياة ترتبط بنظريات أساسية، ترتبط بتطورات رئيسية.

أحكام















الإسلام، تشريعات الإسلام، في مجال الحياة الاقتصادية ترتبط بنظرية الإسلام بالمذهب الاقتصادي في الإسلام، أحكام الإسلام في مجال النكاح والطلاق والزوج وعلاقات المرأة مع الرجل، ترتبط بنظرياته الأساسية عن المرأة والرجل ودور المرأة والرجل.

هذه النظريات الأساسية التى تشكل القواعد النظرية لهذه الأبنية العلوية، لابد أيضاً من التوغل إليها، لا ينبغي أن ينظر إلى ذلك بوصفه عملا منفصلا عن الفقه، بوصفه ترفا، بوصفه نوع تفنن، بوصفه نوع أدب ليس كذلك بل هذا ضرورة من ضرورات الفقه، لابد من النفاذ لابد من التوغل عمودياً أيضاً إلى تلك النظريات ومحاولة اكتشافها بقدر الطاقة البشرية.









الآن نعود إلى التفسير بما ذكرناه من اوجه الاختلاف بين التفسير الموضوعي والتفسير التجزيئي، تبينت عدة افضليات تدعو إلى تفضيل المنهج الموضوعي في التفسير على المنهج التجزيئي في التفسير فان المنهج الموضوعي في التفسير على ضوء ما ذكرناه يكون اوسع افقا وأرحب واكثر عطاءً باعتبار انه يتقدم خطوة على التفسير التجزيئي كما انه قادر على التجدد باستمرار، على التطور والإبداع باستمرار، باعتبار ان التجربة البشرية تغني هذا التفسير بما تقدمه من مواد، ثم هذه المواد تطرح بين يدي القرآن الكريم لكي يستطيع هذا المفسر أن يتحصل الأجوبة من القرآن الكريم وهذا هو الطريق الوحيد للحصول على النظريات الأساسية للإسلام وللقرآن تجاه موضوعات الحياة المختلفة.









وقد يقال: بأنه ما الضرورة إلى تحصيل هذه النظريات الأساسية؟ ما الضرورة إلى ان نفهم نظرية الإسلام في النبوة مثلا بشكل عام أو ان نفهم نظرية الإسلام في سنن التاريخ وفي التغير الاجتماعي بشكل عام؟ ان نفهم نظرية الإسلام في الاقتصاد الإسلامي بشكل عام؟ ان نفهم مفهوم الإسلام عن السماوات والأرض؟ ما الضرورة إلى ان ندرس ونحدد هذه النظريات؟ فإننا نجد بان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يعط هذه النظريات على شكل نظريات محدودة وبصيغ عامة، وإنما اعطى القرآن بهذا الترتيب للمسلمين، ما الضرورة إلى ان نتعب أنفسنا في سبيل تحصيل هذه النظريات وتحديدها بعد ان لاحظنا ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم اكتفى بإعطاء هذا المجموع، هذا الشكل المتراكم بهذا الشكل؟ ما الضرورة إلى ان نستحصل هذه النظريات؟







الحقيقة بأن هناك اليوم ضرورة أساسية لتحديد هذه النظريات ولتحصيل هذه النظريات ولا يمكن ان يفترض الاستغناء عن ذلك.

النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يعطي هذه النظريات ولكن من خلال التطبيق من خلال المناخ القرآني العام الذي كان يبينه في الحياة الإسلامية، وكان كل فرد مسلم في إطار هذا المناخ، يفهم هذه النظرية ولو فهما إجماليا ارتكازا لان المناخ والإطار الروحي والاجتماعي والفكري والتربوي الذي وصفه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان قادرا على ان يعطي النظرة السليمة، والقدرة السليمة على تقييم المواقع والمواقف والأحداث إذا أردنا ان نقرب هذه الفكرة نقول: حالة بين حالتين: حالة إنسان يعيش داخل عرف لغة من اللغات، وإنسان يريد ان















يفهم بان أبناء هذه اللغة، أبناء هذه العرف، كيف تنتقل أذهانهم إلى المعاني من الألفاظ؟ وكيف يحددون المعاني من الألفاظ؟















هنا توجد حالتان:















إحداهما: ان نأتي بهذا الإنسان ونجعله يعيش في أعماق هذا العرف، في أعماق هذه اللغة إذا جعلته يعيش في أعماق هذه العرف وفي أعماق هذه اللغة واستمرت به الحياة في إطار هذا العرف وهذه اللغة فترة طويلة من الزمن سوف يتكون لديه الإطار اللغوي، والإطار العرفي الذي يستطيع من خلاله ان يتحرك ذهنه وفقا لما يريده العرف واللغة منه لان مدلولات اللغة وقواعد اللغة تكون موجودة وجودا إجماليا ارتكازا في ذهنه، اللفظة السليمة، التقييم السليم للكلمة الصحيحة، وتمييزها عن الكلمة غير الصحيحة تكون موجودة عنده باعتبار انه عاش عمق اللغة، عاش وجدانها، عاش إطارها، عاش تطبيقها بينما إذا كان الإنسان خارج مناخ تلك اللغة، خارج عرف تلك اللغة عرفها وأردت أن تنشئ في ذهنه القدرة على التمييز اللغوي الصحيح، كيف تستطيع ان تنشئ في ذهنه القدرة على التمييز اللغوي الصحيح؟ يكون ذلك عن طريق الرجوع إلى قواعد تلك اللغة، حينئذ لابد ان ترجع إلى ذلك العرف الذي تربى في ذلك الإنسان ترجع إلى ذلك العرف ما وقع بالنسبة إلى علوم العربية كيف أن ابن اللغة لم يكن بحاجة إلى أن يتعلم علوم العرب في البدآية؟ لأنه كان يعيش في أعماق عرف اللغة، لكن بعد أن ابتعد عن تلك الأعماق بعد ان اختلفت الأجواء بعد ان ضعفت اللغة، بعد أن تراكمت لغات أخرى إندست إلى داخل حياة هؤلاء، بدأ هؤلاء يحتاجون إلى علم اللغة، بدأ هؤلاء يحتاجون إلى نظريات اللغة لان الواقع لا يسعفهم بنظرة سليمة فلابد إذن من علم لابد من نظريات لكي يفكرون ولكي يناقشون ولكي يناقشون ولكي يتصرفون لغويا وفقا لتلك القواعد والنظريات، هذا المثال مثال تقريبي لأجل توضيح الفكرة.









إذن الصحابة الذين عاشوا في كنف الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله وسلّم، إذا كانوا لم يتلقوا النظريات يصيغ عامة فقد تلقوها تلقيا إجماليا ارتكازيا، انتقشت في أذهانهم وسرت في أفكارهم، كان المناخ العام الإطار الاجتماعي والروحي والفكري الذي يعيشونه مساعدا على تفهم هذه النظريات ولو تفهما إجماليا وعلى توليد المقياس الصحيح في مقام التقييم.

أما حيث لا يوجد ذلك المناخ، أما حيث لا يوجد ذلك الإطار إذن تكون الحاجة إلى النظريات يعني الحاجة إلى دراسة نظريات القرآن والإسلام، حاجة حقيقية ملحة خصوصا مع بروز النظريات الحديثة من خلال التفاعل بين إنسان العالم الإسلامي وإنسان العالم الغربي بكل ما يملك من رصيد عظيم ومن ثقافة متنوعة في مختلف مجالات المعرفة البشرية حينما وقع هذا التفاعل بين إنسان العالم الإسلامي وإنسان العالم الغربي وجد الإنسان المسلم نفسه أمام نظريات كثيرة في















مختلف مجالات الحياة فكان لابد لكي يحدد موقف الإسلام من هذه النظريات، كان لابد وان يستنطق نصوص الإسلام، ويتوغل في أعماق هذه النصوص لكي يكتشف نظريات الإسلام التي تعالج نفس هذه المواضيع التي عالجتها التجارب البشرية الذكية في مختلف مجالات الحياة.









إذن فالتفسير الموضوعي في المقام هو افضل الاتجاهين في التفسير إلاّ ان هذا لا ينبغي ان يكون المقصود منه الاستغناء عن التفسير التجزيئي، هذه الأفضلية لا تعني استبدال اتجاه باتجاه وطرح التفسير التجزيئي رأسا والأخذ بالتفسير الموضوعي، وإنما إضافة اتجاه إلى اتجاه، لان التفسير الموضوعي ليس إلاّ خطوة إلى الأمام بالنسبة إلى التفسير التجزيئي ولا معنى للاستغناء عن التفسير التجزيئي باتجاه الموضوعي.

إذن فالمسألة هنا ليست مسألة استبدال وإنما هي مسألة ضم الاتجاه الموضوعي في التفسير إلى الاتجاه التجزيئي في التفسير، يعني افتراض خطوتين، خطوة هي التفسير التجزيئي وخطوة أخرى هي التفسير الموضوعي































/ 22