احداهما: صيغة رباعية وقد اطلق عليها اسم «الصيغة الرباعية». - مقدمات فی التفسیر الموضوعی للقرآن نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مقدمات فی التفسیر الموضوعی للقرآن - نسخه متنی

السید محمد باقر الصدر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

احداهما: صيغة رباعية وقد اطلق عليها اسم «الصيغة الرباعية».

















والاخرى: صيغة ثلاثية.
















الصيغة للرباعية: هي الصيغة التي ترتبط بموجبها الطبيعة والإنسان مع الإنسان، هذه اطراف ثلاثة فالعلاقة إذا اتخذت صيغة تربط بموجبها بين هذه الاطراف الثلاثة وهي.

الطبيعة والإنسان مع اخيه الإنسان ولكن مع افتراض طرف رابع أيضاً، في هذه العلاقة فاسمي هذه الصيغة بالصيغة الرباعية، الصيغة الرباعية تربط بين هذه الصيغة بالصيغة الرباعية، الصيغة الرباعية تربط بين هذه الاطراف الثلاثة ولكنها تفترض طرفاً رابعاً، بعداً رابعاً للعلاقة الاجتماعية، وهذا الطرف الرابع ليس داخلا في اطار المجتمع، خارج عن اطار المجتمع، ولكن الصيغة الرباعية للعلاقة الاجتماعية تعتبر هذا الطرف الرابع مقوما من المقومات الاساسية للعلاقة الاجتماعية على الرغم من انه خارج اطار المجتمع، وهذه الصيغة الرباعية للعلاقد الاجتماعية ذات الابعاد الاربعة هي التي طرحها القرآن الكريم تحت اسم الاستخلاف.









الاستخلاف هو العلاقة الاجتماعية من زاوية نظر القرآن الكريم والاستخلاف عند التحليل نجد انه ذواربعة اطراف لان الاستخلاف يفترض مستحلفا أيضاً.

لابد من مستخلف ومستخلف عليه، ومستخلف.

فهناك اضافة إلى الإنسان واخيه الإنسان والطبيعة يوجد طرف رابع في طبيعة وتكوين علاقة الاستخلاف وهو المستخلف اذ لا استخلاف بدون مستخلف، فالمستخلف















هو اللّه سبحانه وتعالى والمستخلف هو الإنسان واخوه الإنسان، أي الإنسانية ككل الجماعة البشرية والمستخلف عليه هو الارض وما عليها ومن عليها فالعلاقة الاجتماعية ضمن صيغة الاستخلاف تكون ذات اطراف اربعة وهذه الصيغة ترتبط بوجهة نظر معينة نحو الحياة والكون بوجهة نظر قائلة بانه لا سيد ولا مالك ولا إله للكون وللحياة إلاّ اللّه سبحانه وتعالى وان دور الإنسان في ممارسة حياته إنما هو دور الاستخلاف والاستئمام وأي علاقة تنشأ بين الإنسان والطبيعة فهي في جوهرها ليست علاقة مالك بمملوك وإنما هي علاقة أمين على امانة استؤمن عليها واي علاقة تنشأ بين الإنسان واخيه الإنسان مهما كان المركز الاجتماعي لهذا او لذاك فهي علاقة استخلاف وتفاعل بقدر مايكون هذا الإنسان او ذاك مؤديا لواجبه بهذه الخلافة وليست علاقة سيادة او الوهية أو مالكية، هذه الصيغة الاجتماعية الرباعية الاطراف التي صاغها القرآن الكريم تحت اسم الاستخلاف ترتبط بوجهة النظر المعينة للحياة والكون.

في مقابلها يوجد للعلاقة الاجتماعية صيغة ثلاثية الاطراف، صيغة تربط بين الإنسان والإنسان والطبيعة ولكنها تقطع صلة هذه الاطراف مع الطرف الرابع، تجرد تركيب العلاقة الاجتماعية عن البعد الرابع، عن اللّه سبحانه وتعالى، وبهذا تتحول نظرة كل جز إلى الجز الاخر داخل هذا التركيب وداخل هذه الصيغة.

وجدت الالوان المختلفة للملكية وللسيادة، سيادة الإنسان على أخيه الإنسان باشكالها المختلفة التي استعرضها التاريخ بعد ان عطل البعد الرابع وبعد ان افترض ان البدآية هي الإنسان، حينئذ تنوعت على مسرح الصيغة الثلاثية اشكال الملكية واشكال السيادة، سيادة الإنسان على اخيه الإنسان.

وبالتدقيق في المقارنة بين الصيغتين، الصيغة الرباعية والصيغة الثلاثية يتضح ان اضافه الطرف الرابع للصيغة الرباعية ليس مجرد اضافة عددية، ليس مجرد طرف جديد يضاف إلى الاطراف الاخرى، بل ان هذه الاضافة تحدث تغييرا نوعيا في بنية العلاقة الاجتماعية وفي تركيب الاطراف الثلاثة الاخرى نفسها من هنا ليس هذا مجرد عملية جمع ثلاثة زائد واحد، بل هذا الواحد الذي يضاف إلى الثلاثة سوف يعطي للثلاثة روحا أخرى ومفهوما آخر، سوف يحدث تغييرا اساسيا في بنية هذه العلاقة ذات الاطراف الاربعة كما رأينا، إذا يعود الإنسان مع اخيه الإنسان مجرد شركا، في حمل هذه الامانة والاستخلاف وتعود الطبيعة بكل ما فيها من ثروات وبكل ما عليها ومن عليها مجرد امانة لابد من رعآية واجبها واداء حقها.









هذه الطرف الرابع هو في الحقيقة مغير نوعي لتركيب العلاقة اذن امامنا للعلاقة الاجتماعية صيغتان صيغة رباعية وصيغة ثلاثية والقرآن الكريم آمن بالصيغة الرباعية كما رأينا في الآية الكريمة، الاستخلاف هو الصيغة الرباعية للعلاقة الاجتماعية لكن القرآن الكريم اكثر من أنه آمن بالصيغة الرباعية في المقام اعتبر الصيغة الرباعية سنة من سنن التاريخ، كما رأينا في الآية السابقة كيف اعتبر الدين سنة من سنن التاريخ كذلك اعتبر الصيغة















الرباعية للعلاقة الاجتماعية التي هي صيغة الدين في الحياة.

اعتبر هذه العلاقة بصيغتها الرباعية سنة من سنن التاريخ، كيف؟







هذه الصيغة الرباعية عرضها القرآن الكريم على نحوين: عرضها تارة بوصفها فاعلية ربانية من زاوية دور اللّه سبحانه وتعالى في العطاء.

وهذا هو العرض الذي قرأناه «انّي جاعل في الأرض خليفة» هذه العلاقة الرباعية معروضة في هذا النص الشريف باعتبارها عطاءا من اللّه، جعلا من اللّه يمثل الدور الايجابي والتكريمي من رب العالمين للانسان وعرض الصيغة الرباعية نفسها من زاوية اخرى.

عرضها بوصفها وبنحو ارتباطها مع الإنسان بما هي أمر يتقبله الإنسان.

عرضها من زوآية تقبل الإنسان لهذه الخلاقة وذلك في قوله سبحانه وتعالى (انّا عرضنا الامانة على السّماوات والأرض والجبال فأبين ان يحملنها واشفقن منها وحملها الإنسان انّه كان ظلوماً جهولاً)(64) الامانة هي الوجه التقبلي للخلافة، والخلافة هي الوجه الفاعلي والعطائي للامانة، الامانة والخلافة عبارة عن الاستخلاف والاستئمان وتحمل الاعباء، عبارة عن الصيغة الرباعية هذه الصيغة الرباعية تارة نلحظها من زاوية ربطها بالفاعل وهو اللّه سبحانه وتعالى، يأتي قوله (إنّي جاعل في الأرض خليفة) واخرى نلحظها من زاوية القابل كما يقول الفلاسفة، من ناحية دور الإنسان في تقبل هذه الخلافة وتحمل هذه الامانة، يأتي قوله سبحانه وتعالى (انّا عرضنا الامانة على السّماوات والأرض والجبال ) وهذه الامانة التي تقبلها الإنسان وتحملها الإنسان عرضت على الإنسان فتقبلها الإنسان بنفس هذه الآية الكريمة، هذه الامانة او هذه الخلافة او بالتعبير الذي قلناه هذه العلاقة الاجتماعية بصيغتها الرباعية هذه لم تعرض على الإنسان في هذه الآية بوصفها تكليفا او طلبا ليس المقصود من عرضها عل يالإنسان هو العرض على مستوى التكليف والطلب، وليس المقصود من تقبل الامانة هو تقبل هذه الخلافة على مستوى الامتثال والطاعة، ليس المقصود ان يكون هكذا العرض وان يكون هكذا التقبل بقرينة ان هذا العرض كان معروضا على الجبال أيضاً، على السماوات والأرض والجبال أيضاً، فمن الواضح انه لامعنى لتكليف السماوات والجبال أيضاً، فمن الواضح انه لامعنى لتكليف السماوات والجبال والأرض.

هذا العرض نعرف من ذلك انه عرض تكويني لاعرض تشريعي، هذا العرض معناه ان هذه العطية الربانية كانت تفتش عن الموضع القابل لها في الطبيعة، الموضع المنسجم معها بطبيعته، بفطرته، بتركيبه التاريخي والكوني، الجبال لاتنسجم مع هذه الخلافة، السماوات والأرض لاتنسجم مع هذه العلاقة الاجتماعية الرباعية، الكائن الوحيد الذي بحكم تركيبه، بحكم بنيته، بحكم فطرة اللّه التي قرأناها في الآية السابقة كان منسجما مع هذه العلاقة الاجتماعية ذات الاطراف الاربعة التي بها تصبح أمانة، تصبح خلافة.

















اذن العرض هنا عرض تكويني والقبول هنا قبول تكويني وهو معنى سنة التاريخ يعني ان هذه العلاقة الاجتماعية ذات الاطراف الاربعة داخلة في تكوينة الإنسان وفي تركيب مسار الإنسان الطبيعي والتاريخى ونلاحظ انه في هذه الآية الكريمة أيضاً جاءت الاشارة إلى هوية هذه السنة التاريخية وانها سنة من الشكل الثالث، سنة تقبل التحدي وتقبل العصيان، ليست من تلك السنن التي لا تقبل التحدي ابدا ولو لحظة، لا. هي سنة، هي فطرة ولكن هذه الفطرة تقبل التحدي.

كيف اشار القرآن الكريم إلى ذلك بعد ان وضّح انها سنة من سنن التاريخ؟ قال: (وحملها الإنسان انّهُ كان ظلوماً جهولاً) هذه العبارة الاخيرة (انّه كان ظلوماً جهولاً) تأكيد على طابع هذه السنة وان هذه السنة على الرغم من انها سنة من سنن التاريخ ولكنها تقبل التحدي، تقبل ان يقف الإنسان منها موقفا سلبيا، هذا التعبير يوازي تعبير (ولكنّ اكثر النّاس لايعلمون) في الآية السابقة.









اذن الآية السابقة استخلصنا منها ان الدين سنة من سنن الحياة ومن سنن التاريخ ومن هذه الآية نستخلص ان صيغة الدين للحياد التي هي عبارة عن العلاقة الاجتماعية الرباعية، العلاقة الاجتماعية ذات الاطراف الاربعة التي يسميها القرآن بالخلافة والامانة والاستخلاف، هذه العلاقة الاجتماعية هي أيضاً بدورها سنة من سنن التاريخ بحسب مفهوم القرآن الكريم.









فالحقيقة ان الآية الأولى والآية الثانية متطابقتان تماما في مفادهما لانه في الآية السابقة قال (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرة الله الّتي فطر النّاس عليها لاتبديل لخلق اللّه ذلك الدّين القيّم)(65) التعبير بالدين القيم تأكيد على أن ما هو الفطرة وما هو داخل في تكوين الإنسان وتركيبه وفي مسار تاريخه هو الدين القيم، يعني أن يكون هذا الدين قيماً على الحياة، ان يكون مهيمنا على الحياة، هذه القيومة في الدين هي التعبير المجمل في تلك الآية عن العلاقة الاجتماعية الرباعية التي طرحت في الايتين، في آية (انّي جاعلٌ في الأرض خليفة) وآية (انّا عرضنا الامانة على السّماوات والأرض) اذن فالدين سنة الحياة والتاريخ والدين هو الدين القيم، والدين القيم هو العلاقة الاجتماعية الرباعية الاطراف التي يدخل فيها اللّه بعدا رابعا لكي يحدث تغييراً في بنية هذه العلاقة لا لكي تكون مجرد اضافة عددية.









هذه مفاهيم القرآن الكريم مستخلصة من هذه الايات عن هذه السنة، اما كيف؟







نريد ان نتعرف بصورة اوضح وأوسع عن هذه السنة، عن دور التاريخ كسنة، عن دور الدين، عن دور الدين القيم ودور الخلافة والامانة، عن دور العلاقة الاجتماعية ذات الاطراف الاربعة، دور الطرف الرابع، دوره كسنة من سنن التاريخ، ما هو هذا الطرف الرابع كسنة من سنن التاريخ؟ وكيف كان سنة من سنن التاريخ؟، وكيف كان مقوما اساسيا لمسار الإنسان على الساحة التاريخية؟ لكي نتعرف على ذلك لابد من ان نتعرف على الدكنين الثابتين في















العلاقة الاجتماعية، هناك ركنان ثابتان في العلاقة الاجتماعية: احدهما الإنسان واخوه الإنسان والاخر الطبيعة، الكون، الأرض.









هذان الركنان داخلان في الصيغة الثلاثية وداخلان في الصيغة الرباعية، ومن هنا نسميهما بالركنين الثابتين في العلاقة الاجتماعية لكي نعرف دور الركن الجديد دور هذا الطرف الرابع، دور اللّه سبحانه وتعالى في تركيب العلاقة الاجتماعية، يجب ان نعرف مقدمة لذلك دور الركنين الثابتين.









ما هو دور الإنسان في عملية التاريخ من زاوية النظرة القرآنية، من زاوية النظرة للقرآن والفهم الرباني من القرآن للتاريخ وسنن الحياة؟ ما هو دور الإنسان في العلاقة الاجتماعية؟ وما هو دور الطبيعة في العلاقة الاجتماعية على ضوء تشخيص هذين الدورين وتحديد الموقفين؟ سوف يتضح حينئذ دور هذا الطرف الجديد، دور الطرف الرابع الذي تتميز به الصيغة الرباعية عن الصيغة الثلاثية، ويتضح ان هذا الطرف الرابع عنصر ضروري بحكم سنة التاريخ وتركيب خلقة الإنسان ولا بد وان يندمج مع الاطراف الاخرى لتكوين علاقة اجتماعية رباعية الاطراف.









اذن ففهم هذه السنة التاريخية يتطلب منا ان نتحدث عن دور الإنسان والطبيعة في عملية التاريخ من زاوية نظر القرآن الكريم وهذا ما يأتي انشاء اللّه.

































أعوذ باللّه من الشيطان الرجيم















بسم الله الرحمن الرحيم















الحمدللّه رب العالمين وصلى اللّه على محمد و على الميامين من آله الطاهرين.









قلنا في ما سبق ان اكتشاف الابعاد الحقيقية لدور الدين في حركة التاريخ، والمسيرة الاجتماعية للانسان، تتوقف على تحديد وتقييم دور العنصرين او الركنين الثابتين في الصيغة، وهما الإنسان والطبيعة.









الان نتحدث عن الإنسان، ودور الإنسان في الحركة التاريخية من زوآية مفهوم القرآن الكريم.









من الواضح على ضوء المفاهيم التي قرأناها سابقا أن الإنسان أو المحتوى الداخلي للانسان هو الاساس لحركة التاريخ، وأننا ذكرنا ان حركة التاريخ تتميز عن كل الحركات الاخرى بانها حركة غائية لاسببية فقط، ليست مشدودة إلى سببها، إلى ماضيها، بل هي مشدودة إلى الغآية، لانها حركة هادفة لها علة غائية متطلعة إلى المستقبل.

فالمستقبل هو المحرك لاي نشاط من النشاطات التاريخية.

والمستقبل معدوم فعلا وإنما يحرك من خلال الوجود الذهني الذي يتمثل فيه هذا المستقبل.

اذن، الوجود الذهني هو الحافز والمحرك والمدار لحركة التاريخ، وهذا الوجود الذهني يجسد من ناحية جانبا فكريا وهو الجانب الذي يضم تصورات الهدف، وايضا يمثل من جانب آخر الطاقة الارادة التي تحفز الإنسان نحو هذا الهدف وتنشطه للتحرك نحو هذا الهدف.

اذن هذا الوجود الذهني الذي يجسد المستقبل المحرك، هذا الوجود الذهني يعبر بجانب منه عن الفكر والارادة تتحقق فاعلية المستقبل ومحركيته للنشاط التاريخي على الساحة الاجتماعية.









وهذان الامران الفكر و الارادة هما في الحقيقة المحتوى الداخلي الشعوري للانسان، ان المحتوى الداخلي الشعوري للانسان يتمثل في هذين الركنين الاساسيين وهما الفكر والارادة.

اذن المحتوى الداخلي للانسان هو الذي يصنع الغايات، ويجسد هذه الاهداف من خلال مزجه بين فكرة وارادة.









وبهذا صحّ القول بأن المحتوى الداخلي للانسان هو الاساس لحركة التاريخ، والبناء الاجتماعي العلوي بكل ما يضم من علاقات ومن انظمة ومن افكار وتفاصيل هذا البناء العلوي في الحقيقة مرتبط بهذه القاعدة، بالمحتوى الداخلي للانسان مرتبط بهذه القاعدة ويكون تغيره وتطوره تابعا لتغير هذه القاعدة وتطورها، فاذا تغير الاساس تغير البناء العلوي، واذا بقي الاساس ثابتا، بقي البناء العلوي ثباتا.

















فالعلاقة بين المحتوى الداخلي للانسان والبناء الفوقي والتاريخي للمجتمع، هذه العلاقة علاقة تبعية، علاقة سبب بسبب، هذه العلاقة تمثل سنة تاريخية تقدم الكلام عنها في قوله سبحانه وتعالى (انّ اللّه لايغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم)(66)، هذه الآية واضحة جداً في المفهوم الذي اعطيناه وهو ان المحتوى الداخلي للانسان، هو القاعدة والاساس للبناء العلوي، للحركة التاريخية، لان الآية الكريمة تتحدث عن تغييرين: احدهما تغيير القوم (انّ اللّه لايغيّر مابقوم) يعني تغيير اوضاع القوم، شؤون القوم، ألابنية العلوية للقوم، ظواهر القوم، هذه لا تتغيير حتى يتغير ما بأنفسهم.

اذن التغيير الاساس هو تغيير ما بنفس القوم و التغيير النابع المترتب على ذلك هو تغيير حالة القوم، النوعية، التاريخية، الاجتماعية ومن الواضح ان المقصود من تغيير ما بالانفس، تغيير ما بأنفس القوم، بحيث يكون المحتوى الداخلي للقوم كقوم وكأمة وكشجرة مباركة تؤتي أكلها كل حين، متغيرا، والا تغير الفرد الواحد او الفردين او الافراد الثلاثة لايشكل الاساس لتغير ما بالقوم، وإنما يكون تغير مابالقوم تابعا لتغير ما بأنفسهم كقوم، كأمة، كشجرة مباركة تؤتي اكلها كل حين.









فالمحتوى النفسي والداخلي للامة كأمة لا لهذا الفرد او لذلك الفرد هو الذي يعتبر أساساً وقاعدة للتغييرات في البناء العلوي للحركة التاريخية كلها.









والاسلام والقرآن الكريم يؤمن بأن العمليتين يجب ان تسيرا جنباً إلى جنب، عملية صنع الإنسان لمحتواه الداخلي وبناء الإنسان لنفسه، لفكره، لارادته، لطموحاته، هذا البناء الدخلي يجب ان يسير جنبا إلى جنب مع النباء الخارجي، مع بناء الابنية العلوية ولا يمكن ان يفترض انفكاك البناء الخارجي عن البناء الداخلي إلاّ إذا بقي البناء الخارجي بناءاً مهزوزاً متداعيا.









ولهذا سمى الاسلام عملية بنائ‍ المحتوى الداخلي إذا اتجهت اتجاهاً صالحاً سمّاها «بالجهاد الاكبر».

وسمى عملية النباء الخارجي إذا اتجهت اتجاها صالحا بعملية «الجهاد الاصغر» وربط الجهاد الاصغر بالجهاد الاكبر، واعتبر ان الجهاد الاصغر إذا فصل عن الجهاد الاكبر فقد محتواه وفقد مضمونه، وفقد قدرته على التغيير الحقيقي على الساحة التاريخية والاجتماعية.









اذن هاتان العمليتان يجب ان تسيرا جنبا إلى جنب.

واذا انفكت احداهما عن الاخرى فقدت حقيقتها ومحتواها، وسمى الاسلام العملية الأولى، عملية بناء المحتوى الدخلي بالجهاد الاكبر تأكيدا على الصفة الاساسية للمحتوى الداخلي وتوضيحا لهذه الحقيقة، حقيقة ان المحتوى الداخلي للانسان هو الاساس، ولهذا سمي بالجهاد الاكبر.

فاذا بقي الجهاد الاصغر منفصلا عن الجهاد الاكبر، حينئذ لا يحقق ذلك في الحقيقة أي مضمون تغييري صالح.









القرآن الكريم يعرض لحالة من حالات انفصال عملية البناء الخارجي عن عملية البناء الداخلي قال سبحانه وتعالى (ومن النّاس من يعجبك قوله في الحياة الدّنيا ويشهد اللّه على ما















في قلبه وهو ألدّ الخصام.

وإذا تولّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنّسل واللّه لايحبّ الفساد)(67) يريد ان يقول بان الإنسان إذا لم ينفذ بعملية التغيير إلى قلبه، إلى اعماق روحه، إذا لم يبن نفسه بناءا صالحا لايمكنه ابدا ان يطرح الكلمات الصالحة، الكلمات الصالحة إنما يمكن ان تتحول إلى بناء صالح في المجتمع إذا نبعت عن قلب يعمر بتلك القيم التي تدل عليها تلك الكلمات، والا فتبقى الكلمات مجرد الفاظ جوفاء دون ان يكون لها مضمون ومحتوى.









فمسألة القلب هي التي تعطي للكلمات معناها، للشعارات ابعادها ولعملية البناء الخارجي اهدافها ومسارها.









الى هنا عرفنا ان الاساس في حركة التاريخ هو المحتوى الداخلي للانسان، وهذا المحتوى الداخلي للانسان يشكل القاعدة.

الان نتسأل:







ماهو الاساس في هذا المحتوى الداخلي نفسه؟ ماهي نقطة البد في بناء‍ هذا المحتوى الداخلي للانسان؟ وما هو المحور الذي يستقطب عملية بناء المحتوى الداخلي للانسانية؟ المحور الذي يستقطب عملية البناء الداخلي للانسانية هو المثل الاعلى.









عرفنا ان المحتوى الداخلي للانسان يجسد الغايات التي تحرك التاريخ، يجسدها من خلال وجودات ذهنية تمتزج فيها الارادة بالتفكير.

وهذه الغايات التي تحرك التاريخ يحددها المثل الاعلى.

فانها جميعا تنبثق عن وجهة نظر رئيسية إلى مثل اعلى للانسان في حياته، للجماعة البشرية في حياتها.

وهذا المثل الاعلى هو الذي يحدد الغايات التفصيلية، وينبثق عنه هذا الهدف الجزئي وذلك الهدف الجزئي، فالغايات بنفسها محركات للتاريخ وهي بدورها نتاج لقاعدة اعمق منها في المحتوى الداخلي للانسان وهو المثل الاعلى الذي تتمحور فيه كل تلك الغايات وتعود اليه كل تلك الاهداف.









فبقدر مايكون المثل الاعلى للجماعة البشرية صالحاً وعالياً وممتداً تكون الغايات صالحة وممتدة، وبقدر ما يكون هذا المثل الاعلى محدودا او منخفضا تكون الغايات المنبثقة عنه محدودة ومنخفضة أيضاً.









اذن المثل الاعلى هو نقطة البد في بناء المحتوى الداخلي للجماعة البشرية، وهذا المثل الاعلى يرتبط في الحقيقة بوجهة نظر عامة إلى الحياة والكون، يتححد من قبل كل جماعة بشرية على اساس وجهة نظرها العامة نحو الحياة والكون، على ضوء ذلك تحدد مثلها الاعلى، ومن خلال الطاقة الروحية التي تتناسب مع ذلك المثل الاعلى ومع وجهة نظرها إلى الحياة والكون تحقق ارادتها للسير نحو هذا المثل، وفي طريق هذا المثل.

















اذن هذا المثل الاعلى هو في الحقيقة أيضاً يتجسد من خلال رؤية فكرية، ومن خلال طاقة روحية تزحف بالإنسان في طريقه، وكل جماعة اختارت مثلها الاعلى، فقد اختارت في الحقيقة سبيلها وطريقها ومنعطفات هذا السبيل وهذا الطريق.









كما رأينا ان الحركة التاريخية تتميّز عن اي حركة أخرى في الكون بانها حركة غائية، حركة هادفة، كذلك تتميز وتتمايز الحركات التاريخية انفسها بعضها عن بعض بمثلها العليا.

فلكل حركة تاريخية مثلها الاعلى، وهذا المثل الاعلى هو الذي يحدد الغايات والاهداف وهذه الاهداف والغايات هي التي تحدد النشاطات والتحركات ضمن مسار ذلك المثل الاعلى.









والقرآن الكريم والتعبير الديني يطلق على المثل الاعلى في جملة من الحالات اسم الاله، باعتبار ان المثل الاعلى هو القائد الامر المطاع الموجّه، وهذا صفات يراها القرآن للاله، ولهذا يعبر عن كل من يكون مثلاً اعلى، كل ما يحتل هذا المركز مركز المثل الاعلى يعبر عنه بالاله لانه هو الذي يصنع مسار التاريخ.

حتى ورد في قوله سبحانه وتعالى (أرأيت من اتّخذ الهه هواه)(68) عبر حتى عن الهوى بانه إله حينما يتصاعد هذا الهوى تصاعدا مصطنعا فيصبح هو المثل الاعلى وهو الغآية القصوى لهذا الفرد او لذاك.

فالمثل العليا بحسب التعبير القرآني والديني هي آلهة في الحقيقة لانها هي المعبودة حقا وهي الامرة والناهية حقا وهي المحركة حقا، فهي آلهة في المفهوم الديني والاجتماعى.

















/ 22