هناك تعميم افقي خاطئ وهناك تعميم زمني عمودي خاطئ: - مقدمات فی التفسیر الموضوعی للقرآن نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مقدمات فی التفسیر الموضوعی للقرآن - نسخه متنی

السید محمد باقر الصدر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

هناك تعميم افقي خاطئ وهناك تعميم زمني عمودي خاطئ:
















التعميم الافقي الخاطئ: ان ينتزع الإنسان من تصوره المستقبلي مثلا ويعتبر ان هذا المثل يضم كل قيم الإنسان التي يجاهد من اجلها، ويناضل في سبيها.

بينما هذا المثل على الرغم من صحته إلاّ انه لايمثل إلاّ جزا من هذه القيم.

فهذا التعميم تعميم افقي خاطئ هذا المثل يكون معبرا عن جز من افق الحركة بينما جرد منه ما يملاً كل افق الحركة.

















الإنسان الاوروبي الحديث في بدايات عصر النهضة وضع مثلا اعلى وهو الحرية جعل الحرية مثلا اعلى لانه رأى ان الإنسان الغربي كان محطما ومقيدا، كانت على يديه الاغلال في كل ساحات الحياة، كان مقيدا في عقائده العلمية والدينية بحكم الكنيسة وتعنت الكنيسة، كان مقيداً في قوته ورزقه بأنظمة الاقطاع، كان مقيدا اينما يسير، اراد الإنسان الاوروبي الرائد لعصر النهضة ان يحرر هذا الإنسان من هذه القيود، من قيود الكنيسة، من قيود الاقطاع اراد ان يجعل من الإنسان كائناً مختاراً إذا اراد ان يفعل يفعل، يفكر بعقله لابعقل غيره ويتصور ويتأمل بذاته ولا يستمد هذا التصور كصيغ ناجزة من الاخرين.









وهذا شي صحيح إلاّ ان الشي الخاطئ في ذلك هو التعميم الافقي فان هذه الحرية بمعنى كسر القيود عن هذا الإنسان، هذا قيمة من القيم، هذا اطار للقيم، ولكن هذا وحده لايصنع الإنسان ليس هذا هو المثل الاعلى فان هذا وحده لايصنع الإنسان، انت لاتستطيع ان تصنع الإنسان بان تكسر عنه القيود وتقول له افعل ما شئت، لايوجد انسان ولا كائن، لايوجد اقطاعي ولا قسيس ولا سلطان ولا طاغوت يضطرك إلى موقف او يفرض عليك موقفا، هذا وحده لايكفي فان كسر القيود إنما يشكل الاطار للتنمية البشرية الصالحة، يحتاج هذا إلى مضمون إلى محتوى مجرد انه يستطيع ان يتصرف، يستطيع ان يمشي في الاسواق هذا لايكفي، اما كيف يمشي؟ ما هو الهدف الذي من اجله يمشي في الاسواق؟ المحتوى والمضمون هو الذي فات الإنسان الاوروبي، الإنسان الاوروبي جعل الحرية هدفا وهذا صحيح ولكنه صيّر من هذا الهدف مثلا اعلى بينما هذا الهدف ليس إلاّ اطارا في الحقيقة وهذا الاطار بحاجة إلى محتوى والى مضمون واذا جرد هذا الاطار عن محتواه سوف يؤدي إلى الويل والدمار، إلى الويل الذي تواجهه الحضارة الغربية اليوم التي صنعت للبشرية كل وسائل الدمار لان الاطار بقي بلا محتوى بقي بلامضمون.

حينئذ هذا هو مثال للتعميم الافقي، التعميم الافقي للمثل الاعلى.









واما التعميم الزمني أيضاً، كذلك على مر التاريخ توجد خطوات ناجحة تاريخيا ولكنها لايجوز ان تحول من حدودها كخطوة إلى مطلق، إلى مثل اعلى يجب ان تكون ممارسة تلك الخطوة ضمن المثل الاعلى لا ان تحول هذه الخطوة إلى مثل اعلى حينما اجتمع في التاريخ مجموعة من الاسر فشكلوا القبيلة، حينما اجتمعت مجموعة من القبائل فشكلت عشيرة، حينما اجتمعت مجموعة من القبائل فشكلت عشيرة، حينما اجتمعت مجموعة من العشائر فشكلت أمة، هذه الخطوات صحيحة في تقدم البشرية وتوحيد البشرية ولكن كل خطوة من هذه لايجب ان تتحول إلى مثل اعلى لايجوز ان تتحول إلى مطلق، لا يجوز ان تكون العشيرة هي المطلق الذي تحارب من أجله هذا الإنسان، وإنما المطلق الذي يحارب من اجله الإنسان يبقى هو ذاك المطلق الحقيقي، يبقى هو اللّه سبحانه وتعالى، الخطوة تبقى كأسلوب ولكن المطلق يبقى هو















اللّه سبحانه وتعالى هذا التعميم الزمني أيضاًً هو شكل من التعميم الخاطئ حينما يحول هذا المثل المنتزع من خطوة محدودة عبر الزمن يحول إلى مثل اعلى.









وحال هذا الإنسان الذي يحول هذه الرؤية المحدودة من عبر الزمن يحولها إلى مطلق حاله حال الإنسان الذي يتطلع إلى الافق فلا تساعده عينه الاعلى النظر إلى مسافة محدودة فيخيل له بأن الدنيا تنتهي عند الافق الذي يراه، ان السماء تنطبق على الأرض على مسافة قريبة منه وقد يخيل له وجود الماء، وجود السراب على مقربة منه.

إلاّ ان هذا في الحقيقة ناشئ من عجز عينه عن ان يتابع المسافة الارضية الطويلة الامد.









كذلك هنا هذا الإنسان الذي يقف على طريق التاريخ الطويل، على طريق المسيرة البشرية، له افق بحكم قصوره الذهني، بحكم محدودية الذهن البشري، له افق كذلك الافق الجغرافي ولكن هذا الافق يجب ان يتعامل معه كافق، لاكمطلق كما اننا نحن على الصعيد الجغرافي لانتعامل مع هذا الافق الذي نراه على بعد عشرين متراً او مائتي متر انه نهآية الأرض، وإنما نتعامل معه بأنه أفق، كذلك أيضاًً هنا يجب ان يتعامل هذا الإنسان معه كافق لايحول هذا الافق التاريخي إلى مثل اعلى والا كان من قبيل من يسير نحو سراب.









انظروا إلى التمثيل الرائع في قوله سبحانه وتعالى: (والّذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء حتّى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد اللّه عنده فوفّاه حسابه واللّه سريع الحساب)(82)، يعبر القرآن عن كل هذه المثل المصطنعة من دون اللّه سبحانه وتعالى بانها كبيت العنكبوت يقول سبحانه وتعالى: (مثل الّذين اتخذوا من دون اللّه أولياء كمثل العنكبوت اتّخذ ت بيتاً وانّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)(83.)







اذا قارنا بين هذين النوعين من المثل العليا: المثل العليا من الواقع والمثل العليا المشتقة من طموح محدود، يمكننا ان نلاحظ ان المثل العليا المشتقة من الواقع كثيرا ما تكون قد مرت بمرحلة هذه المثل العليا التي تعبر عن طموح محدود، يعني كثيرا ما تكون تلك المثل من النوع الاول امتدادا للمثل من النوع الثاني، بأن يبدأ المثل ويبدأ هذا المثل الاعلى مشتقا من طموح، لكن حينما يتحقق هذا الطموح المحدود، حينما تصل البشرية إلى النقطة التي أثارت هذا المثل، يتحول هذا المثل إلى واقع محدود بحسب الخارج، حينئذ يصبح مثلا تكراريا.









من هنا قلنا في ماسبق أننا لو رجعنا خطوة إلى الوراء بالنسبة إلى آلهة النوع الاول، مثل النوع الاول، لورجعنا خطوة إلى الوراء لوجدنا آلهة النوع الثاني فالمسألة في كثير من الاحيان تبدأ هكذا، تبدأ بمثل اعلى له طموح مشتق من طموح مستقبلي ثم يتحول هذا المثل الاعلى إلى مثل تكراري، ثم يتمزق هذا المثل التكراري كما قلنا وتتحول الامة إلى شبح أمة.









في هذه الفترة الزمنية تمر الامة بمراحل في الحقيقة، يمكننا تلخيصها في أربعة مراحل:















المرحلة الأولى:

هي مرحلة فاعلية هذا المثل بحكم انه قد بدأ مشتقا من طموح مستقبلي ومن نظرة مستقبلية فهذا المثل يكون له في المرحلة الأولى فاعلية وعطاء وتجديد بقدر مايكون له من ارتباط بالمستقبل، ولكن طبعا هذه الفاعلية وهذا العطاء وهذا التجديد هو عطاء يسميه القرآن بالعاجل، مكاسب عاجلة، وليست مكاسب على الخط الطويل.









هذه المكاسب مكاسب عاجلة لان عمر هذا المثل قصير، لان عطاء هذا المثل محدود، لان هذا المثل سوف يتحول في لحظة من اللحظات إلى قوة ابادة لكل ما اعطاه من مكاسب ولهذا يسمى هذا بالعاجل.









انظروا إلى قوله تعالى (من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدخوراً.

ومن أراد الاخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً كلاً نمدّ هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّك وما كان عطاء ربّك محظوراً)(84) اللّه سبحانه وتعالى خير محض، عطاء محض، جود كله، فبقدر ما تتبنى الامة مثلا قابلا للتحريك، اللّه سبحانه وتعالى أيضاً يعطي، لكنه يعطي بقدر قابلية هذا المثل يعطي شيئا عاجلا لا اكثر.

في حالة من هذا القبيل تكون السلطة التي تمثل هذا المثل، تكون هذه السلطة ذات مثل اعلى، ذات مثل يعطي ويبدع وتكون قيادة موجهة للامة في حدود هذا المثل وتكون للامة دور المشاركة في صنع هذا المثل وفي تحقيق هذا المثل.









هذه المرحلة سوف تؤدي إلى مكاسب، ولكنها في النظر القرآني العميق الطويل الأمد مكاسب عاجلة تعقبها جهنم، جهنم في الدنيا وجهنم في الآخرة.

هذه المرحلة الأولى مرحلة الإبداع والتجديد.









المرحلة الثانية:

حينما يتجمد هذا المثل الأعلى حينما يستنفذ طاقته وقدرته على العطاء حينئذ يتحول هذا المثل إلى تمثال ولا يبقى مثلاً وإنما سوف يتحول إلى تمثال، والقادة الذين كانوا يعطون ويوجهون على أساسه يتحولون إلى سادة وكبراء لا إلى قادة، وجمهور الامة يتحول إلى مطيعين ومنقادين لا إلى مشاركين في الابداع والتطوير وهذه المرحلة هي المرحلة التى عبر عنها القرآن الكريم بقوله: (وقالوا ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبرأنا فأضلّونا السّبيلا)(85.)







ثم تأتي المرحلة الثالثة:

مرحلة الامتداد التاريخي لهؤلا، هذه السلطة تتحول إلى طبقة بعد ذلك تتوراث مقاعدها عائليا او طبقيا وراثيا بشكل من اشكال الوراثة، وحينئذ تصبح هذه الطبقة هي الطبقة المترفة المنعمة الخالية من الاغراض الكبيرة، المشغولة بهمومها الصغيرة وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم بقوله (وكذلك ماأرسلنا من قبلك في قريةٍ من نذير إلاّ قال مترفوها انّا وجدنا آبأنا على أمّةٍ وانّا على آثارهم مقتدون)(86)هؤلاء نتاج آباء، هؤلاء امتداد















تاريخي لابألهم تاريخ وهم امتداد تاريخي، وهذا الامتداد التاريخي تحول من مستوى مثل وعطاء إلى مستوى طبقة







مترفة تتوراث هذا المقعد بشكل من اشكال التوراث.

هذه هي المرحلة الثالثة.









ثم حينما تتفتت الامة، حينما تتمزق الامة، حينما تفقد ولاها لذلك المثل التكراري على ضوء ماقلناه تدخل في مرحلة رابعة وهي اخطر مراحلها ففي هذه المرحلة يسيطر عليها مجرموها، يسيطر عليها اناس لايرعون عهداً ولاذمة وهذا ماعبر عنه القرآن الكريم في قوله سبحانه وتعالى: (وكذلك جعلنا في كلّ قريةٍ أكابر مجرميها ليمكروا فيها وما يمكرون إلاّ بأنفسهم)(87)، حينئذ يسيطر مجموعة من هؤلاء المجرمين، يسيطر هتر والنازية مثلا في جز من أوروبا لكي يحطم كل ما في أوروبا من خير وكل ما في اوروبا من ابداع، لكي يقضي على كل تبعات ذلك المثل الاعلى الذي رفعه الإنسان الاوروبي الحديث والذي تحول بالتدريج إلى مثل تكراري ثم تفسخ هذا المثل لكن بقيت مكاسبه في المجتمع الاوروبي، يأتي شخص كهتلر لكي يمزق كل تلك المكاسب ويقضي على كل تلك المكاسب.









الان نصل إلى النوع الثالث من المثل العليا.

النوع الثالث من المثل العليا هو المثل الاعلى الحقيقي وهو اللّه سبحانه وتعالى.

في هذا المثل التناقض الذي واجهناه سوف يحل بأروع صورة كنا نجد تناقضا وحاصل هذا التناقص هو ان الوجود الذهني للانسان محدود، والمثل يجب ان يكون غير محدود فكيف توفير المحدود وغير المحدود وكيف يمكن التنسيق بين المحدود وغير المحدود، هذا التنسيق بين المحدود وغير المحدود سوف نجده في المثل الاعلى الذي هو اللّه سبحانه وتعالى. لماذا؟ لان هذا المثل الاعلى ليس من نتاج الإنسان، ليس افرازا ذهنيا للانسان، بل هو مثل أعلى عيني له واقع عيني، هو موجود مطلق في الخارج، له قدرته المطلقة وله علمه المطلق وله عدله المطلق.

هذا الموجود العيني بواقع العين يكون مثلا اعلى لانه مطلق لكن الإنسان حينما يريد ان يستلهم من هذا النور، حينما يريد ان يمسك بحزمة من هذا النور، حينما يريد ان يمسك بحزمة من هذا النور، طبعا هو لايمسك إلاّ بالمقيد، إلاّ بقدر محدود من هذا النور إلاّ انه يميز بين ما يمسك به وبين مثله الاعلى، المثل الاعلى خارج حدود ذهنه، لكنه يمسك بحزمة من النور، هذه الحزمة مقيدة لكن المثل الاعلى مطلق.









ومن هنا حرص الاسلام على التمييز دائما بين الوجود الذهني وما بين اللّه سبحانه وتعالى الذي هو المثل الاعلى.

فرق حتى بين الاسم والمسمى وأكد على انه لايجوز عبادة الاسم، وإنما العبادة تكون للمسمى لان الاسم ليس إلاّ وجودا ذهنيا، إلاّ واجهة ذهنية للّه سبحانه وتعالى، بينما الواجهات الذهنية دائما محدودة، العبادة يجب ان تكون للمسمى لاللاسم، لان المسمى هو المطلق اما الاسم فهو مقيد ومحدود، الواجهات الذهنية تبقى كواجهات ذهنية















محدودة مرحلية واما صفة المثل الاعلى تبقى قائمة باللّه سبحانه وتعالى.

وهذا ما يأتي انشاء اللّه توضيحه.

























اعوذ باللّه من الشيطان الرجيم















بسم الله الرحمن الرحيم
















وافضل الصلوات على سيد الخلق محمد وعلى الهداة الميامين من اله الطاهرين







قال اللّه سبحانه وتعالى (يا أيّها الإنسان انّك كادح إلى ربّك كدحاً فملاقيه)(88)، هذه الآية الكريمة تضع اللّه سبحانه وتعالى هدفاً أعلى للانسان والإنسان هنا بمعنى الإنسانية ككل، فالإنسانية بمجموعها تكدح نحو اللّه سبحانه وتعالى والكدح كدح الإنسانية ككل، نحو اللّه سبحانه وتعالى، يعني السير المستمر بالمعاناة وبالجهد وبالمجاهدة، لان هذا السير ليس سيراً اعتياديا، بل هو سير إرتقائي، هو تصاعد وتكامل، هو سير تسلق.









فهؤلاء الذين يتسلقون الجبال ليصلوا إلى القمم يكدحون نحو هذه القمم، يسيرون سير معاناة وجهد.









كذلك الإنسانية حينما تكدح نحو اللّه فانما هي تتسلق إلى قمم كمالها وتكاملها وتطورها إلى الافضل باستمرار.









وهذا السير الذي يحتوي على المعاناة باستمرار، هذا السير يفترض طريقا لا محالة فان السير نحو هدف يفترض حتماً طريقاً ممتدا بين السائر وبين ذلك الهدف، وهذا الطريق هو الذي تحدثت عنه الآيات الكريمة في المواضع المتفرقة تحت اسم سبيل اللّه واسم الصراط واسم صراط اللّه، هذه الصيغ القرآنية المتعددة كلها تتحدث عن الطريق الذي يفترضه ذلك السير وكما ان السير يفترض الطريق، كذلك الطريق يفترض السير أيضاً وهذه الآية الكريمة (يا أيّها الإنسان انّك كادحٌ إلى ربّك كدحاً فملاقيه)(89) تتحدث عن حقيقة قائمة، عن واقع موضوعي ثابت، فهي ليست بصدد ان تدعو الناس إلى أن يسيروا في طريق اللّه سبحانه وتعالى، ليست بصدد الطلب والتحريك كما هو الحال في آيات أخرى في مقامات وسياقات قرآنية أخرى.









الآية الكريمة لا تقول يا أيها الناس تعالوا إلى سبيل اللّه، توبوا إلى اللّه، بل تقول: (ياأيّها الإنسان انّك كادحٌ إلى ربّك كدحاً فملاقيه)، لغة الآية لغة التحدث عن واقع ثابت وحقيقة قائمة وهي أن كل سير وكل تقدم للإنسان في مسيرته التاريخية الطويلة الأمد، فهو تقدم نحو اللّه سبحانه وتعالى وسير نحو الله سبحانه وتعالى حتى تلك الجماعات التي تمسكت بالمثل المنخفضة وبالآلهة المصطنعة واستطاعت ان تحقق لها سيراً ضمن خطوة على هذا الطريق الطويل، حتى هذه الجماعات التي يسميها القرآن بالمشركين حتى هؤلاء هم يسيرون هذه الخطوة نحو اللّه، هذا التقدم بقدر فاعليته وبقدر زخمة هو اقتراب نحو اللّه سبحانه وتعالى، لكن فرق بين تقدم مسؤول وتقدم غير مسؤول (على ما يأتي شرحه ان شاء اللّه)، حينما تتقدم الإنسانية في هذا المسار واعية على المثل الأعلى وعياً موضوعيا يكون التقدم تقدماً مسؤولاً،















يكون عبادة بحسب لغة الفقه، لونا من العبادة يكون لهم امتداد على الخط الطويل وانسجام مع الوضع العريض للكون، وأما حينما يكون التقدم منفصلاً عن الوعي على ذلك المثل فهو تقدم على أي حال، سير نحو اللّه على أي حال، ولكنه تقدم غير مسؤول على ما يأتي تفصيله.









إذن كل تقدم هو تقدم نحو اللّه، حتى أولئك الذين ركضوا وراء سراب كما تحدثت الآية الكريمة فان هؤلاء الذين يركضون وراء السراب الاجتماعي، وراء المثل المنخفضة، هؤلاء حينما يصلوا إلى هذا السراب لا يجدون شيئا، ويجدون اللّه سبحانه وتعالى فيوفيهم حسابهم كما تتحدث الآية الكريمة التي قرأناها فيما سبق.









واللّه سبحانه وتعالى هو نهآية هذا الطريق ولكنه ليس نهآية جغرافية ليس نهآية على نمط النهايات الجغرافية للطريق الممتدة مكانياً، كربلاء مثلا نهآية طريق ممتد بين النجف وكربلاء، كربلاء بمعناها المكاني نهآية جغرافية، ومعنى انها نهآية جغرافية انها موجدة على آخر الطريق، ليست موجودة على طول الطريق، لو أن إنسانا سار نحو كربلاء ووقف في نصف الطريق لا يحصل على شي من كبلاء ووقف في نصف الطريق لا يحصل على شي من كربلاء، نهآية جغرافية موجودة في آخر الطريق، ولكن اللّه سبحانه وتعالى ليس نهآية على نمط‍ النهايات الجغرافية، اللّه سبحانه وتعالى هو المطلق، هو المثل الأعلى، أي المطلق الحقيقي العيني، وبحكم كونه هو المطلق، إذن هو موجود على طول الطريق أيضاً، ليس هناك فراغ منه، ليس هناك انحسار عنه، ليس هناك حد له، اللّه سبحانه وتعالى هو نهآية الطريق ولكنه موجود أيضاً على طول الطريق، من وصل إلى نصف الطريق، من وصل إلى سرابه، فتوقف واكتشف انه سراب، ماذا يجد؟ ماذا وجد في الآية؟. وجد اللّه فوفّاه اللّه حسابه لان المطلق موجود على طول الطريق وبقدر زخم الطريق وبقدر التقدم في الطريق يجد الإنسان مثله الأعلى، يلقى اللّه سبحانه وتعالى أينما توقف بحجم سيره، وبحجم تقدمه على هذا الطريق، وبحكم أن اللّه سبحانه وتعالى هو المطلق إذن الطريق أيضاً لا ينتهي، هذا الطريق طريق الإنسان نحو اللّه هو اقتراب مستمر بقدر التقدم الحقيقي نحو اللّه، ولكن هذا الاقتراب يبقى اقترابا نسبيا، يبقى مجرد خطوات على الطريق من دون أن يجتاز هذا الطريق، لان المحدود لا يصل إلى المطلق، الكائن المتناهي لا يمكن ان يصل إلى اللامتناهي، فالفسحة الممتدة بين الإنسان وبين المثل الأعلى هنا، فسحة لا متناهية، أي انه ترك له مجال الإبداع إلى اللانهآية، مجال التطور التكاملي إلى اللانهآية، باعتبار أن الطريق الممتد طريق لا نهائي.

وهذا المثل الأعلى الحقيقي حينما تتبناه المسيرة الإنسانية وتوفق بين وعيها البشري والواقع الكوني الذي يفترض هذا المثل الأعلى حقيقة قائمة كما افترضته الآية، المسيرة الإنسانية حينما توفق بين وعيها على المسيرة وبين الواقع الكوني لهذه المسيرة بوصفها سائرة ومتجهة















نحو اللّه، سوف يحدث تغيير كمي وكيفي على هذه المسيرة، هذه الحركة سوف يحدث فيها تغيير كمي وكيفي:







أما التغيير الكمي على هذه الحركة فهو باعتبار ما أشرنا إليه من أن الطريق حينما يكون طريقاً إلى المثل الأعلى الحق يكون طريقا غير متناهٍ، أي أن مجال التطور والإبداع، والنمو قائم أبداً ودائما، ومفتوح للإنسان باستمرار من دون توقف، هذا المثل الأعلى حينما يتبنى سوف تمسح من الطريق كل الآلهة المزورة، كل الأصنام وكل الأقزام المتصنّمة على طريق الإنسان التي تقف عقبة بين الإنسان وبين وصوله إلى اللّه سبحانه وتعالى.









ومن هنا كان دين التوحيد صراعا مستمرا مع مختلف أشكال الآلهة والمثل المنخفضة والتكرارية التي حاولت ان تحدد من كمية الحركة من ان توصل الحركة إلى نقطة ثم تقول قف أيها الإنسان.

هذه الآلهة التي أرادت أن توقف الإنسان في وسط الطريق، وفي نقطة معينة كان دين التوحيد على مر التاريخ هو حامل لواء المعركة ضدها، هذا المثل الأعلى إذن سوف يُحدث تغييرا كمياً على الحركة لأنه يطلقها من عقالها، يطلقها من هذه الحدود المصطنعة لكي تسير باستمرار.









وأما التغيير الكيفي الذي يحدثه المثل الأعلى على هذه المسيرة فهذا التغيير الكيفي هو إعطاء الحل الموضوعي الوحيد للجدل الإنساني، للتناقض الإنساني، إعطاء الشعور بالمسؤولية الموضوعية لدى الإنسان، الإنسان من خلال إيمانه بهذه المثل الأعلى ووعيه على طريقه بحدوده الكونية الواقعية من هذا الوعي ينشأ بصورة موضوعية، شعور معمق لديه بالمسؤولية تجاه هذا المثل الأعلى، لأول مرة في تاريخ المثل البشرية التي حركت البشر على من التاريخ؟















لماذا؟















لان هذا المثل الأعلى حقيقة وواقع عيني منفصل عن الإنسان وبهذا يعطي للمسؤولية شرطها المنطقي فان المسؤولية الحقيقة لا تقوم إلاّ بين جهتين مسؤول، ومسؤول لديه.

إذا لم يكن هناك جهة أعلى من هذا الكائن المسؤول وإذا لم يكن هذا الكائن المسؤول مؤمنا بأنه بين يدي جهة أعلى، لا يمكن ان يكون شعوره بالمسؤولية شعوراً موضوعياً، شعورا حقيقيا، مثلاً تلك المثل المنخفضة، تلك الآلهة، تلك الأقزام المتعملقة على مرّ التاريخ، على مرّ المسيرة البشرية هي في الحقيقة لم تكن كما رأينا وكما حللنا إلاّ افرازاً بشريا، إلاّ إنتاجا إنسانيا، يعني إنها جز من الإنسان، جز من كيان الإنسان، والإنسان لا يمكن ان يستشعر بصورة موضوعية حقيقة، المسؤولية تجاه ما يفرزه، هو اتجاه ما يصنعه هو (انّ هي إلاّ أسماء سمّيتموها)(90) تلك المثل لا تصنع الشعور الموضوعي بالمسؤولية، نعم قد تصنع قوانين، قد تصنع عادات، قد تصنع أخلاق، ولكنها كلها غطاء ظاهري، وكلما وجد هذا الإنسان مجالا للتحلل من هذه















العادات، ومن هذه الأخلاق، ومن هذه القوانين فسوف يتحلل، بينما المثل الأعلى لدين التوحيد، للأنبياء على مرّ التاريخ باعتباره واقعا عينيا منفصلا عن الإنسان، باعتباره جهة أعلى من الإنسان ليست إفرازا بشريا، ليست إنتاجا إنسانيا، إذن سوف يتوصل للشعور بالمسؤولية، شرطه الموضوعي في المقام، لماذا كان الأنبياء على مر التاريخ أصلب الثوار على الساحة التاريخية؟ انظف الثوار على الساحة التاريخية؟ لماذا كانوا على الساحة التاريخية؟ انظف الثوار على الساحة التاريخية؟ لماذا كانوا على الساحة التاريخية فوق كل مساومة، فوق كل مهادنة، فوق كل تململ يمنة أو يسرة؟ لماذا كانوا هكذا؟ لماذا انهار كثير من الثوار على مر التاريخ ولم يسمع أن نبياً من أنبياء التوحيد انهار أو تململ أو انحرف يمنة أو يسيرة عن الرسالة التي بيده وعن الكتاب الذي يحمله من السماء؟ لان المثل الأعلى المنفصل عنه الذي هو فوقه الذي اعطاه نفحة موضوعية من الشعور بالمسؤولية، وهذا الشعور بالمسؤولية تجسد في كل كيانه، في كل مشاعره وافكاره وعواطفه.

















/ 22