موت طبيعي وموت مخروم.
الموت الطبيعي للمجتمع يكون عن طريق توسع هذه الفئة الثالثة وازديادها نوعياً وعددياً في المجتمع إلى أن تحل الكارثة فينهار المجتمع. هذه الطائفة الثالثة في عملية التجزئة الفرعونية.
أما الطائفة الرابعة: هم أولئك الذين يستنكرون الظلم في أنفسهم، أولئك الذين لم يفقدوا لبهم أمام فرعون والفرعونية فهم يستنكرون الظلم لكنهم يهادنونه ويسكتون عنه فيعيشون حالة التوتر والقلق في أنفسهم وهذه الحالة، حالة التوتر والقلق أبعد ما تكون عن حالة تسمح للإنسان بالإبداع والتجديد والنمو على ساحة علاقات الإنسان مع الطبيعة؛ هؤلاء يسميهم القرآن الكريم (ظالمي أنفسهم) قال اللّه سبحانه وتعالى (انّ الّذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها)(107) هؤلاء لم يظلموا الآخرين، ليسوا من الظالمين المستضعفين كالطائفة الأولى، وليسوا من الحاشية المتملقين، وليسوا أيضاً من الهمج الرعاع الذين فقدوا لبهم بل بالعكس هم يشعرون بأنهم مستضعفون. (قالوا كنّا مستضعفين في الأرض) هؤلاء لم يفقدوا لبهم، يدركون واقعهم ولكنهم كانوا عملياً مهادنين ولهذا عبر عنهم القرآن بأنهم ظلموا أنفسهم هذه الطائفة هل يترقب منها أن تساعد بإبداع حقيقي في مجال علاقات الإنسان مع الطبيعة؟ طبعاً كلا.
الطائفة الخامسة: في عملية التجزئة الفرعونية للمجتمع هي: الطائفة التي تتهرب من مسرح الحياة، تبتعد عن المسرح وتتهرب منه وتترهب. وهذه الرهبانية موجودة في كل
مجتمعات الظلم على مرّ التاريخ وهي تتخذ صيغتين: الأولى صيغة جادة، رهبانية جادة تريد ان تفر بنفسها لكي لا تتلوث بأوحال المجتمع، هذه الرهبانية الجادة التي عبر عنها القرآن الكريم بقوله (ورهبانيّة ابتدعوها)(108) هذه الرهبانية يشجبها الإسلام لأنها موقف سلبي تجاه مسؤولية خلافة الإنسان على الأرض. وهناك صيغة مفتعلة للرهبانية، يترهب ويلبس مسوح الرهبان ولكنه ليس راهباً في أعماق نفسه، وإنما يريد بذلك ان يخدر الناس ويشغلهم عن فرعون وظلم فرعون ويسطو عليهم نفسياً وروحياً.
وهذا هو الذي عبر عنه القرآن الكريم بقوله (إنّ كثيراً من الأحبار والرّهبان ليأكلون أموال النّاس بالباطل ويصدّون عن سبيل اللّه)(109.)