الجماعة السادسة والاخيرة في عملية التجزئة الفرعونية للمجتمع هم:
المستضعفون. الفرعونية حينما جزأت المجتمع إلى طوائف، فرعون حينما اتخذ من قومه شيعاً استضعف طائفة معينة منهم خصها بالاستضعاف والإذلال وهدر الكرامة لأنها كانت هي الطائفة التي يتوسم ان تشكل اطاراً للتحرك ضده ولهذا استضعفها بالذات. (وإذ نجّبيناكم من آل فرعون يسمومونكم سوء العذاب يذبّحون أبنائكم ويستحيون نسأكم وفي ذالكم بلا من ربّكم عظيم)(110)، هذه هي الطائفة السادسة وقد علمنا القران الكريم ضمن سنة من سنن التاريخ أيضاً ان موقع أي طائفة في التركيب الفرعوني لمجتمع الظلم يتناسب عكساً مع موقعه بعد انحسار الظلم، وهذا معنى قوله سبحانه وتعالى (ونريد أن نمنّ على الّذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)(111.)
تلك الطائفة السادسة التي كانت هي منحدر التركيب يريد اللّه سبحانه وتعالى ان يجعلهم أئمة ويجعلهم الوارثين وهذه علاقة أخرى وسنة تاريخية أخرى يأتي الحديث عنها إنشاء اللّه تعالى.
إذن فإلى هنا استخلصنا هذه الحقيقة وهي: ان المجتمع يتناسب مدى الظلم فيه تناسباً عكسياً مع ازدهار علاقات الإنسان مع الطبيعة، ويتناسب مدى العدل فيه تناسباً طردياً مع ازدهار علاقات الإنسان مع الطبيعة. مجتمع الفرعونية المجزأ المشتت مهدور القابليات والطاقات والامكانيات ومن هنا تحبس السماء قطرها، وتمنع الأرض بركاتها. واما مجتمع العدل فهو على العكس تماماً هو مجتمع تتوحد فيه كل القابليات وتتساوى فيه كل الفرص والإمكانيات هذا المجتمع الذي تحدثنا الروايات عنه، تحدثنا عنه من خلال ظهور الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام، تحدثنا عما تحتفل به الأرض والسماء في ظل الإمام المهدي (عليه السلام) من بركات وخيرات وليس ذلك إلاّ لان العدالة دائماً وأبداً تتناسب طرداً مع ازدهار علاقات الإنسان مع الطبيعة، هذه العلاقة الثانية بين الخطين.
اعوذ باللّه من الشيطان الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
افضل الصلوات على خير خلقه محمد وعلى آله الميامين الطاهرين
خرجنا مما سبق بنظرية تحليلية قرآنية كاملة لعناصر المجتمع ولا دوار هذه العناصر وللعلاقة القائمة بين الخطين المزدوجين في العلاقة الاجتماعية، خط علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان، وخط علاقات الإنسان مع الطبيعة، وانتهينا على ضوء هذه النظرية القرآنية الشاملة إلى ان هذين الخطين أحدهما مستقل عن الآخر استقلالا نسبيا ولكن كل واحد منهما له نحو تأثير في الآخر على الرغم من ذلك الاستقلال النسبي وهذه النظرية القرآنية في تحليل عناصر المجتمع وفهم المجتمع فهما موضوعيا تشكل أساسا للاتجاه العام في التشريع الإسلامي، فان التشريع الإسلامي في اتجاهاته العامة وخطوطه يتأثر ويتبثق ويتفاعل مع وجهة النظر القرآنية والإسلامية إلى المجتمع وعناصره وادوار هذه العناصر والعلاقات المتبادلة بين الخطين، هذه النظريات التي قرأناها والتي انتهينا إليها على ضوء المجموعة المذكورة سابقا من النصوص القرآنية هذه النظريات هي في الحقيقة الأساس النظري للاتجاه العام للتشريع الإسلامي فان الاستقلال النسبي بين الخطين، خط علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان وخط علاقات الإنسان مع الطبيعة، هذا الاستقلال النسبي يشكل القاعدة لعنصر الثبات في الشريعة الإسلامية والأساس لتلك المنطقة الثابتة من التشريع التي تحتوي على الأحكام العامة المنصوصة ذات الطابع الدائم المستمر في التشريع الإسلامي بينما منطقة التفاعل بين الخطين، بين خط علاقات الإنسان مع الطبيعة وخط علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان، منطقة التفاعل والمرونة تشكل في الحقيقة الأساس لما أسميناه في كتاب «اقتصادنا» بمنطقة الفراغ تشكل الأساس للعناصر المرنة والمتحركة في التشريع الإسلامي، هذه العناصر المرنة والمتحركة في التشريع الإسلامي، هذه العناصر المرنة والمتحركة في التشريع الإسلامي هي انعكاس تشريعي لواقع تلك المرونة وذلك التفاعل بين الخطين، والعناصر الأولى الثابتة والصامدة في التشريع الإسلامي هي انعكاس تشريعي لذلك الاستقلال النسبي الموجود بين الخطين، بين خط علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان وخط علاقات الإنسان مع الطبيعة، ومن هنا نؤمن بأن الصورة التشريعية الإسلامية الكاملة لمجتمع هي في الحقيقة تحتوي على جانبين، تحتوي على عناصر ثابتة، وتحتوي على عناصر متحركة ومرنة وهذه العناصر المتحركة والمرنة التي ترك للحاكم الشرعي ان يملاها فرضت أمامه مؤشرات إسلامية عامة أيضاً لكي يملا هذه العناصر المتحركة وفقا لتلك المؤشرات الإسلامية العامة، وهذا بحث يحتاج إلى كلام اكثر من هذا، تفصيلا واطنابا، من المفروض ان نستوعب هذا البحث إنشاء اللّه تعالى لكي نربط الجانب
التشريعي من الإسلام بالجانب النظري التحليلي من القرآن الكريم لعناصر المجتمع وبعد ذلك يبقى علينا بحث آخر في نظرية الإسلام عن أدوار التاريخ، عن أدوار الإنسان على الأرض فان القرآن الكريم يقسم حياة الإنسان على الأرض إلى ثلاثة أدوار: