اكتمل المجلس بحضور المأمون وعدد كبير منقادة الدولة والعلماء والرواة وزعماءالأسرة العباسية؛ طرح يحيى بن أكثم سؤالاقصيراً على الإمام الجواد حول حُكم (محرمقتل صيداً) فأجابه الإمام الجواد (عليهالسلام) بصيغة سؤال: «هل قتله في حلّ أوحرم؟ عالماً كان المحرم أو جاهلا؟ قتلهعمداً أو خطأ؟ حرّاً كان المحرم أو عبداً؟صغيراً كان أو كبيراً؟ مبتدئاً بالقتل أومعيداً؟ من ذوات الطير كان أم من غيرها؟ منصغار الصيد أم من كباره؟ مصرّاً على ما فعلأو نادماً؟ في الليل كان قتله للصيد أمبالنهار؟ محرماً كان بالعمرة إذ قتله أوبالحج كان محرماً؟». فتحيّر يحيى ابن أكثموعجز عن مجاراة الإمام. حينها طلب المأمونمن الإمام الجواد أن يفصّل أحكام كلّتشقيق من التشقيقات التي وضعها الإمامللسؤال. فأجاب عليها الإمام الجوادبالتفصيل واحدة تلو الاخرى. مما أسقط في يديحيى وبطانة المأمون ما كانوا يضمرونهللإمام الجواد (ابن السنوات التسع فقط)(1).
ولعلّ هذه المناظرة وما أسفر عنها مننتائج تكفي وحدها للدلالة على أهميّةاسلوب المناظرات وفاعليته في الكشف عنمرجعية أهل البيت، دون أن يؤثّر في ذلك:سنُّ أو زمان أو مكان. فلا يمكن أن يكونالنجاح الدائم والمطلق في المناظرات ـالتي كان كثير منها يأخذ طابع الامتحان ـمجرد صدفة، فالصدفة هنا مستحيلة ـ كمايقول أحد الفقهاء(2) ـ: لأنها ممكنة في حدودامتحان ما لشخص ما وفي مجال ما، ولكن أنيكون الامتحان في مختلف المجالات، ويتكررباستمرار، سواء بالنسبة لكلّ واحد منالأئمة أو بالنسبة لجميع الأئمة صغارهموكبارهم، فهو ما لا يمكن أن يكون صدفةأبداً خصوصاً إذا لا حظنا أنهم كانوامصحرين بآرائهم ومرجعيتهم.
الإنتاج العلمي لأهل البيت (عليهم السلام)
ترك أهل البيت«عليهم السلام» للأمّةإنتاجاً علمياً ضخماً، استثمرته فيماضيها، وستبقى تنتفع به في حاضرهاومستقبلها؛ فهذا الإنتاج لم يكن لزمانهوحسب، بل هو خالد على مرّ العصور؛ وتمثّلإنتاج أهل البيت في أحاديثهم وخطبهموكتاباتهم ودروسهم، وما تضمنته من مناهجوقواعد وتعليمات وعلوم. فضلا عن الجامعاتالعلمية التي أسّسوها والطاقات العلميةالتي ربّوها ورعوها وغذّوها بالعلموالمعرفة.
فعلى مستوى التأليف والتصنيف فالإمام علي(عليه السلام) نقطة الانطلاق في تاريخالإسلام، وكانت أولى أعماله جمع القرآنالكريم مرتباً حسب النزول، وبيّن أسبابنزول آياته، عامّها وخاصّها مطلقهاومقيّدها، محكمها و متشابهها، ناسخهاومنسوخها، وعزائمها ورخصها وسننهاوآدابها. حتى أن أبا سيرين قال: لو أصبت ذلكالكتاب لكان فيه العلم(3).
(1). انظر: الصواعق المحترقة: 204، الاحتجاج:444 و غيرهما.
(2). السيد محمد تقي الحكيم في الاصولالعامة للفقه المقارن: 184.
(3). انظر: المراجعات للسيد عبد الحسين شرفالدين، المراجعة 110.