فنهره الإمام علي وفضح أمره بل إن الإمامعليّاً لم يبخل بأية مشورة للخلفاءالراشدين. ويكفي أن راجع الخطبة الشقشقيةوكتابه إلى أهل مصر الذي بعثه مع مالكالأشتر، لنقف على مجمل هذه الحقائق.
ففى كتابه إلى أهل مصر قال الإمام علي(عليه السلام): «...إن الله سبحانه بعثمحمداً نذيراً للعالمين ومهيمناً علىالمسلمين، فلمّا مضى تنازع المسلمونالأمر من بعده، فوالله ما كان يلقي في روعيولا يخطر ببالي أنّ العرب تزيح هذا الأمرمن بعده عن أهل بيته ولا أنهم مُنحّوه عنّيمن بعده، فما راعني إلاّ والناس على فلانيبايعونه، فأمسكت يدي حتى رأيت راجعةالناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محقدين محمد، فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلاموأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكونالمصيبة به عليّ أعظم من فوت ولا يتكم التيإنّما هي متاع أيام قلائل يزول منها ماكان... كما يزول السراب، أو كما ينقشعالسحاب، فنهضت في تلك الأحداث، حتى زاحالباطل وزهق واطمأن الدين»(1).
وهذه الكلمات واضحة الدلالة تماماً علىتغليب الإمام علي (عليه السلام) مصلحةالإسلام، برغم تصريحه بأحقيّته في خلافهرسول الله، ولم يقف الإمام على الحيادتجاه قضايا الإسلام، بل ظلّ في خضمالأحداث فاعلا وعاملا، ومن ذلك موقفه منحروب الردّة ومانعي الزكاة، ثم موقفه منالتجاوزات التي قام بها بعض قادة الجيشالإسلامي خلالها. ففي كليهما تصرّفبالطريقة التي يمليها عليه موقفه الشرعي.
وفي السياق نفسه تأتي مواقفة في مرحلةخلافة عمر، فحين استشاره الخليفة في أنيخرج بنفسه لغزو الروم، فإن الإمام عليّاً(عليه السلام) أشار على عمر بعدم الخروجبنفسه، لأنه خليفة المسلمين ومحوروحدتهم(2). وفعل الشىء نفسه حين استشاره عمربأن يخرج بنفسه لقيادة جيش المسلمينالمتوجه لفتح إيران، لأنه ـ كما يقولالإمام علي ـ لابد أن يكون القطب الذي تدورالرحاحوله، فخروجه يعني تشتّت أمرالمسلمين(3).
وفي السياق نفسه جاء صلح الإمام الحسن(عليه السلام) مع معاوية في إطار الظروفالاستثنائية التي مرّ بها الإمام وعانتمنها الأمّة، ثم ثورة الإمام الحسين (عليهالسلام)، إذ ضحّى الحسين (عليه السلام)بنفسه وبصحبه وأهل بيته من أجل مصلحةالأمّة والحيلولة دون استشراء الانحراففي جسدها.
ويلفت الإمام السجاد (عليه السلام)الأنظار بدعائه للجيش الإسلامي، برغمخضوع هذا الجيش لقيادة الأمويين الذينأذاقوا أهل البيت الأمرين، وهو دعاؤهالمعروف بدعاء أهل الثغور الذي يقول فيه:«اللهم صلى على محمد وآله وحصّن ثغورالمسلمين بعزّتك، وأيّد حماتها بقوّتك...كثّر
(1). نهج البلاغة، الرسالة رقم 62.
(2). المصدر السابق، الخطبة 134.
(3). المصدر السابق، الخطبة 146.