نصرتها لعلي عليهما السلام ودفاعها عنالإمامة
1 ـ وخرجت عليها السلام مع أبيها وبعلهايوم فتح مكة وضربت للنبي صلّى الله عليهوآله قبة بأعلى الوادي وجلس فيها يغتسلوفاطمة تستره، وذهب علي إلى بيت أخته أمهانئ حين بلغه إنها آوت أناساً من بنيمخزوم أقرباء زوجها، فلم تعرفه أم هانئلأنه مقنع بالحديد، وقالت له: يا عبد اللهأنا أم هانئ ابنة عم رسول الله وأخت علي بنأبي طالب، انصرف عن داري، فقال: أخرجوا منآويتم، فقالت: والله لأشكونك إلى رسولالله، فنزع المغفر فعرفته وقالت: فديتكحلفت لأشكونك إلى رسول الله صلّى اللهعليه وآله، فقال: اذهبي فبري قسمك، فجاءتفأخبرته، فقال: أجرت من أجرت.
فقالت فاطمة (عليها السلام) منتصرةلبعلها: إنما جئت يا أم هانئ تشكين علياًفي أنه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله(1).
2 ـ خرج علي كرم الله وجه (بعد بيعة أبي بكر)يحمل فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليهوآله على دابة ليلاً في مجالس الأنصار،تسألهم النصرة، فكانوا يقولون: يا بنترسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولوأن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ماعدلنا به، فيقول علي كرم الله وجهه: أفكنتأدع رسول الله صلّى الله عليه وآله في بيتهلم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه؟
فقالت فاطمة (عليها السلام): ما صنع أباالحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ماالله حسيبهم وطالبهم(2).
3 ـ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهماالسلام قالا: إن فاطمة عليها السلام لما أنكان من أمرهم ما كان، أخذت بتلابيب عمرفجذبته إليها ثم قالت: أما والله يا أبنالخطاب لولا أني أكره أن يصيب البلاء من لاذنب له، لعملت أني سأقسم على الله ثم أجدهسريع الإجابة(3).
4 ـ عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهمالسلام قال: لما حضرت فاطمة الوفاة بكت،فقال لها أمير المؤمنين عليها السلام: ياسيدتي ما يبكيك؟ قالت: أبكي لما تلقى بعدي،فقال لها: لا تبكي فو الله إن ذلك لصغيرعندي في ذات الله. قال: وأوصته أن لا يؤذنبها الشيخين، ففعل(4).
5 ـ دخلت أم سلمة على فاطمة عليها السلامفقالت لها: كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسولالله صلّى الله عليه وآله؟ قالت: أصبحت بينكمد وكرب: فقد النبي صلّى الله عليه وآلهوظلم الوصي؟ هتك والله حجابه من أصبحتإمامته (مقتضبة)(5).
6 ـ قالت عليها السلام في حديث طويل: أماوالله لو تركوا الحق على أهله واتبعواعترة نبيه، ما اختلف في الله اثنان،وورثها سلف عن سلف وخلف بعد خلف حتى يقومقائمنا التاسع من ولد الحسين عليه السلام،ولكن قدموا من أخره الله وأخروا من قدمهالله(6).
أقول: إن ما مر عليك هو بعض الموارد فيدفاعها عليها السلام عن بعلها عليه السلاملا بما أنه بعلها بل من حيث إمامته وقيادتهللأمة، وقد كان دورها العظيم في الذود عنهعليه السلام في أقوالها وأفعالها التيصدرت منها في الحوادث القريبة بموت النبيصلّى الله عليه وآله من الهجوم على دارهاوضربها وإسقاط جنينها، الأحداث التي تحرققلب كل من لم يشذ عن الفطرة الإنسانيةمسلماً كان أو غيره، وأنا لا أدري أيهاأذكر؟ أأذكر جعلها قميص رسول الله صلّىالله عليه وآله على رأسها آخذة بيديابنيها قائلة: مالي ولك يا أبا بكر.
أو أقولها: لولا أن تكون سيئة لنشرت شعري،ولصرخت إلى ربي(7). أو حيلولتها بينهم وبينبعلها قائلة: والله لا أدعكم تجرون ابن عميظلماً... وأمر عمر قنفذ بن عمران يضربهابالسوط على ظهرها وجنينها(8).
أو قولها لأبي بكر: والله لأدعون اللهعليك في كل صلاة أصليها(9).
أو قولها: والله لو لم تكف عنه لأنشرنشعري، ولأشقن جيبي، ولآتين قبر أبي،ولأصيحن إلى ربي(10).
أو قولها: خلوا عن ابن عمي، فو الذي بعثمحمداً بالحق لئن لم تخلوا عنه لأنشرنشعري، ولأضعن قميص رسول الله صلّى اللهعليه وآله على رأسي، ولأصرخن إلى اللهتبارك وتعالى، فما ناقة صالح بأكرم علىالله من ولدي(11).
أو قولها: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضرمنكم تركتم رسول الله جنازة بين أيديناوقطعتم أمركم بينكم ولم تستأ مرونا، ولمتردوا لنا حقاً.
أو قولها لها: فإني أشهد الله وملائكتهأنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئنلقيت النبي لأشكونكما إليه(12).
أو قولها مشتكية عنهم: فجمعوا الحطب الجزلعلى بابها (بابي ظ) وأتوا بالنار ليحرقوهويحرقونا، فوقفت بعضاضة الباب وناشدتهمالله، بالله وبأبي أن يكفوا عنا وينصرونا،فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكرفضرب به على عضدي، حتى صار كالدملج، وركلالباب برجله، فرده علي وأنا حامل، فسقطتلوجهي، والنار تسعر ويسفع في وجهي،فيضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني،وجاءني المخاض فأسقطت محسناً بغير جرم.
أو أنها ماتت وهي واجدة على أبي بكر وعمر،وأنها أوصت أن لا يصليا عليها.
أو أنها أوصت بإخفاء قبرها، وأن لا يشهدأحد جنازتها.
أو بكاءها ليلاً ونهاراً حتى منعوها منالبكاء.
أو أنها هجرت أبا بكر فلم تكلمه حتى توفيت.
أو أنها حولت وجهها إلى الحائط، فسلماعليها، فلم ترد عليهما السلام. أو... أو...وفي الختام فاستمع لما يتلى من كلام أحدأفذاذ العامة: قال فكري أبو النصر مدرسالأدب العربي: لو كانت الولاية في أهلالبيت يوحد الصفوف وتقارع دولة الفاتيكانالرومية، والشيعة في ذلك التقيد بأحاديثالعترة الطاهرة لهم حججهم الفلسفية أنهمهم الذين أحاطوا بالإمام أمير المؤمنينعلي بن أبي طالب، ونادوا بأحقيته فيالخلافة وأنه أحق بها وأهلها. لقد أحاطوابهذا الحق وناصروه نصراً عزيزاً،وتساقطوا من حوله جماعات أنه حق الإمامعلي وخلفه في ولاية المسلمين. لعمري اتجاهمن الشيعة ينبئ عن قلوب عامرة بالإيمان،صادقة في الإحساس، حرة في التفكير، صادقةفي العزيمة، وهو ما يشتهر به إخوانناالشيعة في أقطار المسلمين في العراقوإيران والبحرين واليمن والهند وباكستانوالبرازيل و...
ومن الخطأ البين أن يعتقد ويظن أن الشيعةلم تتكون إلا في غمرة تلك الأحداث المروعةالتي أثارها معاوية. لا.. لقد تشيع الناسلعلي بعد وفاة رسول عليه السلام يوم نادىالأنصار بالخلافة فيهم، ونادى بها سائرالعرب للمهاجرين والقرشيين من آل الرسول،ولم ينته الخلاف إلا بعد أن حسمه عمر. ولمالم ينظر لها نظرة فلسفية بعيدة المدىعميقة الغور فقد أخطأ هذه النظرة الفلسفيةالتي حققت صدقها الأحداث هي أنه بخروجولاية المسلمين عن آل البيت حتى ولو كانتلأبي بكر وعمر وعثمان قد أصبحت معرضة لأنينتزعها الأقوى والأدهى ـ فيما بعد أبيبكر وعثمان ـ وتصبح هدفاً للطامعينوالمغايرين.
أما لو كانت في آل البيت وحدهم مع العملبمبادئ الشورى والنصيحة التي أقرهاالإسلام ـ لو أن عمر أيد هذا الاتجاه ونظرهذه النظرة وتعمق هذا التعمق ـ لما وقعتهذه المآسي بل لظل الإسلام أبد الدهر أعلىمكانة، وأبسط نفوذاً، وأقوى إشراقاًوأهدى سبيلاً، ولكانت لنا في الشرق خلافةإسلامية ودولة عربية تضارع دولةالفاتيكان الرومية وقوة الغرب المادية(13).
(1). أعيان الشيعة: ج1، ص310، ط بيروت.
(2). الإمامة والسياسة: ص12، ط القاهرة.
(3). الكافي: ج1، ص460، باب مولد الزهراءعليها السلام.
(4). البحار: ج 43، ص 218 و 156.
(5). البحار: ج43، ص218 و156. وتقدم في كلامهاتحت الرقم 41.
(6). البحار: ج36، ص353.
(7). علم اليقين: ج2، ص687.
(8). الإمامة والسياسة: ج1، ص14.
(9). الإمامة والسياسة: ج 1، ص 13.
(10). الإمامة والسياسة: ج1، ص13.
(11). بيت الأحزان: 87.
(12). المصدر، ص14.
(13). وسائل الشيعة ومستدركاتها: ج1، ص13، طالقاهرة 1377.