حسن خلقها وكيفية معاشرتها مع علي عليهماالسلام
1ـ عن أبي سعيد الخدري قال: أصبح علي بن أبيطالب عليه السلام ذات يوم ساغباً فقال: يافاطمة هل عندك شيء تغذينيه؟ قالت: لا،والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ماأصبح الغداة عندي شيء وما كان شيء أطعمناهمذ يومين إلا شيء كنت أؤثرك به على نفسيوعلى ابني هذين الحسن والحسين، فقال علي:يا فاطمة ألا كنت أعلمتيني فأبغيكم شيئاً؟فقالت: يا أبا الحسن إني لأستحي من إلهي أنأكلف نفسك ما لا تقدر عليه(1).
2ـ دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله علىعلي، فوجده هو وفاطمة عليهما السلاميطحنان في الجاروش، فقال النبي صلّى اللهعليه وآله: أيكما أعيى؟ فقال علي: فاطمة يارسول الله، فقال لها: قومي يا بنية، فقامت،وجلس النبي صلّى الله عليه وآله موضعها مععلي عليه السلام فواساه في طحن الحب(2).
3ـ عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلامقال: تقاضى علي وفاطمة إلى رسول الله صلّىالله عليه وآله في الخدمة، فقضى على فاطمةبخدمة ما دون الباب، وقضى على علي بماخلفه، قال: فقالت فاطمة: فلا يعلم ما دخلنيمن السرور إلا الله بإكفائي رسول اللهتحمل رقاب الرجال.
قال العلامة المجلسي (ره) في بيانه: تحملرقاب الرجال أي تحمل أمور تحملها رقابهممن حمل القرب والحطب. ويحتمل أن يكون كنايةعن التبرز من بين الرجال، أو المشي علىرقاب النائمين عند خروجها ليلاً للاستقاءأي التحمل على رقابهم، ولا يبعد أن يكونأصله (ما تحمل)، فأسقطت كلمة (ما) منالنساخ(3).
4ـ عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كانأمير المؤمنين عليه السلام يحتطب ويستقيويكنس، وكانت فاطمة عليها السلام تطحنوتعجن وتخبز(4).
مجعولات المعاندين طعناً على أميرالمؤمنين عليه السلام
عن علي عليه السلام في حديث: فو الله ماأغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضهاالله عز وجل، ولا أغضبتني، ولا عصت ليأمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عنيالهموم والأحزان(5).
سبحان الله! ما أطيب نفسهما، وأكرمشأنهما، وأعظم خلقهما! بلى هما واللهكذلك، لأنهما مثلان من الإنسانيةالكاملة، ولهما أسوة فيمن له الخلقالعظيم، ولكن الجاهلين بعلو شأنهما،والمعاندين لعلي عليه السلام لأغراضهمالفاسدة تمسكوا بأمور مجعولة موضوعةطعناً بها على أمير المؤمنين وسيدالوصيين، ورميه بالإساءة إلى بضعة النبيصلّى الله عليه وآله. وما أشد عنادهم بوصيالرسول صلّى الله عليه وآله ومن هو نفسهوناطق القرآن وعدله! هلم معي أيها القارئأتلو عليك ما جاء في هذا الموقف.
قال شيخ الطائفة وعميد الملة (ره): فإن قيل:أليس قد روي عن أمير المؤمنين عليه السلامأنه قد خطب بنت أبي جهل بن هشام في حياةرسول الله صلّى الله عليه وآله حتى بلغ ذلكفاطمة عليها السلام فشكته إلى النبي صلّىالله عليه وآله، فقام على المنبر قائلاً:(إن علياً آذاني بخطبة بنت أبي جهل بن هشامليجمع بينها وبين فاطمة، وليس يستقيمالجمع بين بنت ولي الله وبين بنت عدو الله.أما علمتم معشر الناس أن من آذى فاطمة فقدآذاني، ومن آذاني فقد آذى الله تعالى)؟ فماالوجه في ذلك؟
قيل: هذا خبر باطل موضوع غير معروف ولاثابت عند أهل النقل، وإنما ذكرهالكرابيسي(6) طاعناً به على أمير المؤمنينعليه السلام ومعارضاً بذكره لبعض ما تذكرهالشنعة من الأخبار في أعدائه، وهيهات أنيشتبه الحق بالباطل. ولو لم يكن في ضعفهإلا رواية الكرابيسي له واعتماده عليه ومنهو في العداوة لأهل البيت والمناصبة لهموالإزراء عليهم والإنكار لفضائلهمومآثرهم ـ على ما هو المشهور ـ لكفى.
على أن هذا الخبر قد تضمن ما يشهدببطلانه، ويقضي على كذبه، من حيث ادعى فيهأن النبي صلّى الله عليه وآله ذم هذا الفعلوخطب بإنكاره على المنابر.
ومعلوم أن أمير المؤمنين عليه السلام لوكان فعل ذلك ـ على ما حكي ـ لما كان فاعلاًلمحظور في الشريعة، لأن نكاح الأربع علىلسان نبينا صلّى الله عليه وآله مباح،والمباح لا ينكره الرسول صلّى الله عليهوآله ويصرح بذمه وبأنه يؤذيه، وقد رفعهالله تعالى عن هذه المنزلة، وأعلاه مـن كلمنقصة ومذمة. ولو كان صلّى الله عليه وآلهنافراً من الجمع بين بنته وبين غيرها(7)بالطباع التي تنفر من الحسن والقبيح لماجاز أن ينكره بلسانه، ثم ما جاز أن يبالغفي الإنكار ويعلن على المنابر وفوق رؤوسالأشهاد ولو بلغ من إيلامه كل مبلغ في ماهو صلّى الله عليه وآله من الحلم وكظمالغيظ، ووصفه الله تعالى به من جميلالأخلاق وكريم الآداب ينافي ذلك ويحيلهويمنع من إضافته إليه وتصديقه عليه. أو ليسما يفعله مثله عليه السلام في هذا الأمرإذا ثقل على قلبه أن يعاتب عليه سراً،ويتكلم في العدول عنه خفياً على وجه جميلبقول لطيف؟
وهذا المأمون الذي لا قياس بينه وبينالرسول صلّى الله عليه وآله قد أنكح أباجعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلامبنته ونقلها إليه وأنفذها معه إلى مدينةالرسول صلّى الله عليه وآله، لما كاتبتهبنته تذكر أنه قد تزوج عليها أو تسرى،فيقول مجيباً لها ومنكراً عليها: (إنا ماأنكحناه لنحظر عليه ما أباحه الله له)والمأمون أولى بالامتعاض من غيره لبنته،وحاله أحمل للمنع من هذا الباب والإنكارله.
والله إن الطعن على النبي صلّى الله عليهوآله بما تضمنه هذا الخبر الخبيث أعظم منالطعن على أمير المؤمنين عليه السلام، وماصنع هذا الخبر إلا ملحد قاصد إلى الطعنعليهما، وناصب معاند لا يبالي أن يشفيغيظه بما يهدم أصوله، على أنه لا خلاف بينأهل النقل: أن الله تعالى هو الذي اختارأمير المؤمنين عليه السلام لنكاح سيدةالنساء عليها السلام، وأن النبي صلّى اللهعليه وآله رد عنها جملة أصحابه وقدخطبوها، وقال صلّى الله عليه وآله: (إني لمأزوج فاطمة حتى زوجها الله تعالى منسمائه). ونحن نعلم أن الله تعالى لا يختارلها من بين الخلائق من يضيرها ويؤذيهاويغمها، وأن ذلك من أول (أدل) دليل على كذبالراوي.
وبعد، فإن الشيء إنما يحمل على نظائرهويلحق بأمثاله، وقد علم كل من سمع الأخبارأنه لم يعد لأمير المؤمنين عليه السلامخلاف على الرسول صلّى الله عليه وآله ولاكان بحيث يكره على اختلاف الأحوال وتقلبالزمان وطول الصحبة، ولا عاتبه على شيء منأفعاله، مع أن أحداً من أصحابه لم يخل منعتاب على هفوة، ونكير لأجل زلة، فكيف خرقبهذا الفعل عادته وفارق سجيته وسنته لولاتخرص الأعداء.
وبعد، فأين كان أعداؤه عليه السلام من بنيأمية وشيعتهم عن هذه الفرصة المنتهزة؟وكيف لم يجعلوها عنواناً لما يتخرصونه منالعيوب والقروف؟(8) وكيف تمحلوا الكذب،وعدلوا عن الحق؟ وفي علمنا بأن أحداً منالأعداء متقدماً لم يذكر ذلك دليل على أنهباطل موضوع(9).
وعن ابن شهاب، عن علي بن حسين حدثه أنهمحين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاويةمقتل حسين بن علي رحمة الله عليه لقيهالمسور بن مخرمة فقال له: هل لك إلي حاجةتأمرني بها؟ (وساق الكلام إلى أن قال) إنعلي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل علىفاطمة عليها السلام، فسمعت رسول الله صلّىالله عليه وآله يخطب الناس في ذلك علىمنبره هذا وأنا يومئذ محتلم، فقال: (إنفاطمة مني، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها)ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس فأثنى عليهفي مصاهرته إياه قال: (حدثني فصدقني،ووعدني فوفى لي... والله لا تجتمع بنت رسولالله وبنت عدو الله أبداً)(10).
أقول: يا للأسف والعجب من البخاري كيفيجيب الله ورسوله، وهو لم يكن يحتجبأحاديث العترة عليهم السلام إلا في هذاالمورد الذي فيه طعن على أمير المؤمنينوسيد الوصيين، وتعريض لمن هو عدل القرآن،ونعوذ بالله مما في هذا الحديث من أن النبيصلّى الله عليه وآله أثنى في خطبته على أبيالعاص في مصاهرته له ثناء جميلاً بقوله:(إنه حدثني فصدقني...) فإن هذا الكلام تعريضليعسوب الدين وإمام المتقين، وتفضيل لأبيالعاص عليه. والمراد من تصديقه له صلّىالله عليه وآله أن أبا العاص حدثه فصدقهووعده في ابنته زينب بعد وقعة بدر أنيرسلها إليه، وهو في البدر مع المشركين،فأسره المسلمون ثم أطلقوه بدون الفداءلشفاعة النبي صلّى الله عليه وآله.
وراوي الخبر هو محمد بن مسلم بن شهابالزهري الذي عده ابن أبي الحديد في شرحهج4، ص102 من المنحرفين عن علي عليه السلام.فلاحظ الجزاف والزور والافتراء في هذاالحديث، أليس علي أول من آمن برسول اللهصلّى الله عليه وآله وصدقه في جميعأقواله، ووفى له بكل ما لديه؟ هل يجوز أنيفضل رسول الله صلّى الله عليه وآله أباالعاص على علي عليه السلام مع إحرازه هذهالمقامات؟ وهل كان المسور بن مخرمة أعرفبعلي المرتضى وفاطمة الزهراء عليهماالسلام من زين العابدين وسيد الساجدين حتىيحدثه عليه السلام بأن علياً خطب ابنة أبيجهل؟ لا، ولكن الشيطان اتخذ معاندي أهلالبيت لأمره ملاكاً، فباض وفرخ في صدورهم،ودب ودرج في حجورهم، ونطق بألسنتهم ونظربأعينهم.
ثم انظر ما قاله بعض من علماء العامة فيهذا المورد: قال ابن حجر: ووقع في (صحيحمسلم) من حديثه في خطبة علي لابنة أبي جهل،قال المسور: سمعت النبي صلّى الله عليهوآله وأنا محتلم يخطب الناس فذكر الحديث،وهو مشكل المأخذ، لأن المؤرخين لم يختلفواأن مولده كان بعد الهجرة وقصة خطبة عليكانت بعد مولد المسور بنحو من ست سنين أوسبع سنين، فكيف يسمى محتلماً؟ فيحتمل أنهأراد الاحتلام اللغوي وهو العقل، واللهتعالى أعلم(11).
وقال ابن أبي الحديد: ذكر شيخنا أبو جعفرالإسكافي رحمه الله أن معاوية وضع قوماًمن الصحابة وقوماً من التابعين على روايةأخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضيالطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلكجعلاً يرغب في مثله. فاختلقوا ما أرضاه،منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرةبن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير...وأما أبو هريرة فروي عنه الحديث الذيمعناه أن علياً عليه السلام خطب ابنة أبيجهل في حياة رسول الله صلّى الله عليه وآلهفأسخطه فخطب على المنبر وقال: (لا هالله،لا تجتمع ابنة ولي الله وابنة عدو الله أبيجهل، إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها،فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل فليفارقابنتي وليفعل ما يريد) أو كلاماً هذامعناه. والحديث مشهور من رواية الكرابيسي.
قلت: هذا الحديث أيضاً مخرج في صحيحي مسلموالبخاري، عن المسور بن مخرمة الزهري، وقدذكره المرتضى في كتابه المسمى (تنزيهالأنبياء والأئمة) وذكر أنه رواية حسينالكرابيسي وأنه مشهور بالانحراف عن أهلالبيت وعداوتهم والمناصبة لهم... وعندي هذاالخبر لو صح لم يكن على أمير المؤمنين فيهغضاضة ولا قدح، لأن الأمة مجتمعة على أنهلو نكح ابنة أبي جهل مضافاً إلى نكاح فاطمةعليها السلام لجاز، لأنه داخل تحت عمومالآية المبيحة للنساء الأربع(12).
وقال أيضاً: وكان الزهري من المنحرفين عنهعليه السلام. وروى جرير بن عبد الحميد، عنمحمد بن شيبة قال: شهدت مسجد المدينة فإذاالزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكرانعلياً عليه السلام فنالا منه، فبلغ ذلكعلي بن الحسين عليهما السلام فجاء حتى وقفعليهما ـ الخ(13).
وأيضاً عن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسولالله صلّى الله عليه وآله يقول وهو علىالمنبر: (إن بني هشام بن المغيرة استأذنوافي أن ينكحوا ابنتهم على بن أبي طالب، فلاآذن ثم فلا آذن، إلا أن يريد ابن أبي طالبأن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فإنما هيبضعة مني، يريبني ما أرابها، ويؤذيني ماآذاها)(14).
وقد جاء حديث خطبة علي عليه السلام ابنةأبي جهل اللعين في الجزء الخامس منه فيكتاب بدء الخلق، باب إصهار النبي صلّىالله عليه وآله، ص28. ورواه مسلم بطرقوألفاظ مختلفة في باب فضائل فاطمة عليهاالسلام، وابن ماجه في سننه، باب الغيرة،من كتاب النكاح، وابن حنبل في مسنده، فيأحاديث المسور(15).
ومن المعاندين الذين ذكروا هذا الحديثالموضوع هو مروان بن أبي حفصة شاعر الرشيد.قال الخطيب في ترجمة مروان: مروان بنسليمان بن يحيى بن أبي حفصة، كان أبو حفصةمولى مروان بن الحكم، أعتقه يوم الدار،لأنه أبلى يومئذ بلاء حسناً، واسمه يزيد،وقيل: إنه كان يهودياً طبيباً أسلم على يدعثمان بن عفان... قدم مروان بن أبي حفصةبغداد، ومدح المهدي والرشيد، وكان يتقربإلى الرشيد بهجاء العلوية(16).
وقال ابن أبي الحديد: ولشياع هذا الخبروانتشاره ذكره مروان بن أبي حفصة في قصيدةيمدح بها الرشيد، ويذكر فيها ولد فاطمةعليهم السلام، وينحي عليهم ويذمهم، وقدبالغ حين ذم علياً عليه السلام ونال منه،وأولها:
سلام على جمل وهيهات من جمل
ويا حبذاجمل وإن صرمت حبلي
ويا حبذاجمل وإن صرمت حبلي
ويا حبذاجمل وإن صرمت حبلي
يقول فيها:
علي أبوكم كان أفضل منكم
وساء رسول الله إذ ساء بنته
فذم رسول الله صهر أبيكم
وحكم فيها حاكمين، أبوكم
وقد باعها من بعده الحسن ابنـه
وخليتموها وهي في غير أهلها
وطالبتموهاحين صارت إلى أهل(17)
أباه ذووالشورى وكانوا ذوي الفضل
بخطبته بنتاللعين أبي جهل
على منبربالمنطق الصادع الفصل
هما خلعاه خلعذي النعل للنعل
فقدأبطلت دعواكم الرثة الحبل
وطالبتموهاحين صارت إلى أهل(17)
وطالبتموهاحين صارت إلى أهل(17)
وقد رد على هذا المعاند الكافر اللعين هذهالأكذوبة رداً مبيناً سيد الأعلام ومولىفضلاء الإسلام، علامة دهره وزمانه، ووحيدعصره وأوانه، صاحب المكرمات الباهرات،المؤيد من الله الملك الحي القيوم،المشهور في الآفاق ببحر العلوم، آية اللهالعظمى السيد المهدي الطباطبائي (ره)،مصرحاً بكفره وبغضه وعداوته، فلعنة اللهعلى المادح والممدوح فيها، وسلام الله علىالمطعون عليه. وهي قصيدة تناهز ثلاثمائةبيت، أولها:
ألا عد عن ذكرى بثينـة أو جمل
ولا أطربتني البيض غير صحائف
محبرةبالفضل ما برحت شغلي
فما ذكرهاعندي يمر ولا يحلي(18)
محبرةبالفضل ما برحت شغلي
محبرةبالفضل ما برحت شغلي
إلى قوله:
وقل للذي خاض الضلالة والعمى
ومن بـاع بالأثمان جوهرة الهدى
هجوت أناساً فـي الكتاب مديحهم
ولفقت زوراً كادت السبع تنطوي
علوا حسباً عن أن يصابوا بوصمة
فيدفع عنأحسابهم أنا ومثلي
ومن خبطالعشواء في ظلمة الجهل
كما باعبالخسران جوهـرة العقل
وفيالعقل بان الفضل منهم وفي النقل
لهوالجبال الشم تهوي إلى السفل(19)
فيدفع عنأحسابهم أنا ومثلي
فيدفع عنأحسابهم أنا ومثلي
إلى قوله:
علي أبونا كان كالطهر جدنا
وذو الفضل محسود لذي الجهل والعمى
لذاحسد الهادي النبي أبو جهل
له ما له إلاالنبوة من فضل
لذاحسد الهادي النبي أبو جهل
لذاحسد الهادي النبي أبو جهل
إلى قوله:
لئن كانت الشورى أبته وقبلها
فقد كان أهل الرحلتين وندوة
وحاربه أهل الكتاب لبغيهم
وقد كذب الرسل الكرام وقوتلوا
ولو كانت الشورى لقوم ذي فضل
أبوا حيدراً إذ لم يكونوا كمثله
أبوه ويأبى الله إلا الذي أتوا
وزوجه المختار بضعته وما
وإن إله العرش رب العلى قضى
وكم خاطب قد رد فيها ولم يجب
ولولا علي ما استجيبت لخاطب
فأعظم بزوجيـن الإله ارتضاهما
لذلك ما هم الوصي بخطبة
بذا أخبر المختار والصدق قوله
فأضحى بريئاً والرسول مبرئاً
بذلك فاعلم جهل قوم تحدثوا
نعم رغبت مخزوم فيه وحاولت
فلما أبى الصهر الوصي و لم يجب
وساعدها الرجسان فيه و حاولا
وقد جاء تحريم النكاح لحيدر
فإن كان حقاً فالوصي أحق من
وكيف يظن السوء بالطهر حيدر
وكيف يحوم الوهم حول مطهر
فما كانت الزهراء ليسخطها الذي
وما ساء خير الناس غير شرارهم
وما ضر شأن المرتضى ظلمهم له
ولا ضره جهل ابن قيس وقد هوى
وقد بان عجز الأشعري (وعزه) وضعفه
نهاهم عن التحكيم والحكم بالهوى
أيعزل منصوب الإله بعزلهم
وما شان شأن المجتبى سبط أحمد
فقد صالح المختار من صالح ابنه
وقد قال في السبطين قولاً جهلتم
إمامان إن قاما وإن قعدا فما
لئن كنتم أنكرتم حسن ما أتى
لفي مثلها ذم الذميم محمداً
ولولاهم ما كان شورى ونعثل
ولا كان مخضوباً علي بضربة
ولا سيئت الزهراء و لا ابتز حقها
ولا جنح السبط الزكي ابن أحمد
ولا كان بالطف الحسين مجدلاً
زعمتم بني العباس عقدة أمرها
وجدهم قد كان أفضل منهم
لقد ظلموا العباس إن كان أهلها
فما بالكم صيرتموها لولده
وأثبتمواللفرع ما ليس للأصل(20)
سقيفتهمأصل المفاسد والختل
أبو قبلهامن جهلهم سيد الرسل
وكانوا بهيستفتحون لدى الوهل
فما ضرهمخذلان قوم ذي جهل
لما عدلوابالأمر يوماً إلى الرذل
وماالناس إلا مائلون إلى المثل
وهل بعدحكم الله لذي عدل إلى قوله
لها غيره فيالناس من كفة عدل
بذا وتولىالأمر والعقد من قبلي
وكم طالبصهراً وما كان بالأهل
ولا كانتالزهراء تزف إلى بعل
جليلينجلاً عن شبيه وعن مثل
حياة البتولالطاهر فاقدة المثل
أبو حسنذاك المصدق في النقل
قد أبطلادعواكما الرثة الحبل
بخطبة بنتاللعين أبي جهل
بذلك فضلاًلو أجيبت إلى الفضل
رمته بمارامت ومالت إلى العذل
إثارةبغضاء من الحقد في الأهل
على فاطمفيما الرواة له تملي
تجنبمحظوراً من القول والفعل
و رب العلىفي ذكره فضله يعلي
من الرجس فيفصل من القول لا هزل
به اللهراض حاكم فيه بالعدل
كعجل بنيتيم وصاحبه الرذل
و لا فلتةمنهم وشورى ذوي خذل
ودلاه ابنالعاص في المدحض الزل
وماكان بالمرضي والحكم العدل
فلمينتهوا حتى رأوا آية الجهل
إذاً فلهمعزل النبيين والرسل
مصالحةالباغي الغوي على ذخل
وصد عنالبيت الحرام إلى الحل
معانيهلكن قد وعاه ذوو الفضل
يضرهماخذلان من هم بالخذل
به الحسنالأخلاق و الخيم والعقل
على صلحهكفار مكة من قبل
ولا جملوالقاسطون ذوو الدخل
لأشقىالأنام الكافر الفاجر الوغل
ولادفنت سراً ولا يقتل الطفل
لسلم ابنحرب حرب كل أخي فضل
ولا رأسهللشام يهدى إلى النذل
وما صلحواللعقد يوماً ولا الحل
وما أدخل الشورىولا عد للفضل
وإن لميكن أهلاً فما الولد بالأهل
وأثبتمواللفرع ما ليس للأصل(20)
وأثبتمواللفرع ما ليس للأصل(20)
اختلاق آخر
ورد في بعض الأخبار حصول اختلاف بين عليوفاطمة عليهما السلام وإصلاح النبي صلّىالله عليه وآله بينهما كما أشار إليهشيخنا الصدوق عليه الرحمة في (العلل) فيالباب 125: العلة التي من أجلها كنى رسولالله صلّى الله عليه وآله أمير المؤمنينعلي بن أبي طالب عليه السلام أبا تراب، قال(ره) بحذف الإسناد: عن أبي هريرة قال: صلىبنا رسول الله صلّى الله عليه وآله الفجرثم قام بوجه كئيب، وقمنا معه حتى صار إلىمنزل فاطمة عليها السلام فأبصر علياًنائماً بين يدي الباب على الدقعاء، فجلسالنبي صلّى الله عليه وآله فجعل يمسحالتراب عن ظهره ويقول: قم فداك أبي وأمي ياأبا تراب، ثم أخذ بيده ودخلا منزل فاطمة.
فمكثا منية، ثم سمعنا ضحكاً عالياً، ثمخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وآلهبوجه مشرق، فقلنا: يا رسول الله دخلت بوجهكئيب، وخرجت بخلافه؟ فقال: كيف لا أفرح وقدأصلحت بين اثنين أحب أهل الأرض إلي وإلىأهل السماء؟
وبإسناده عن حبيب بن أبي ثابت قال: كان بينعلي وفاطمة عليهما السلام كلام، فدخل رسولالله صلّى الله عليه وآله... ثم خرج، فقيلله: يا رسول الله دخلت وأنت على حال، وخرجتونحن نرى البشرى في وجهك؟ قال: ما يمنعنيوقد أصلحت بين اثنين أحب من على وجه الأرضإلي.
قال الصدوق عليه الرحمة: ليس هذا الخبرعندي بمعتمد، ولا هو لي بمعتقد في هذهالعلة، لأن علياً وفاطمة عليهما السلام ماكان ليقع بينهما كلام يحتاج رسول اللهصلّى الله عليه وآله إلى الإصلاح بينهما،لأنه عليه السلام سيد الوصيين، وهي سيدةنساء العالمين، مقتديان بنبي الله صلّىالله عليه وآله في حسن الخلق، لكني أعتمدفي ذلك (أي في علة تكنية علي عليه السلامبأبي تراب) على ما حدثني به... عن عباية بنربعي قال: قلت لعبد الله بن عباس: لم كنىرسول الله علياً عليه السلام أبا تراب؟قال: لأنه صاحب الأرض، وحجة الله على أهلهابعده، وبه بقاؤها، وإليه سكونها، ولقدسمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول:إنه إذا كان يوم القيامة ورأى الكافر ماأعد الله تبارك وتعالى لشيعة علي منالثواب والزلفى والكرامة قال: يا ليتنيكنت تراباً ـ يعني من شيعة علي ـ وذلك قولالله عز وجل: (ويقول الكافر يا ليتني كنتتراباً)(21).
(ونحن نذكر لك في خاتمة هذا الفصل حديثاً،وهو يدل دلالة واضحة على فساد ما في حديثالمسور من غضب النبي صلّى الله عليه وآلهعلى علي عليه السلام والغيرة لفاطمةالزهراء عليها السلام وهو ما جاء فيالكتاب القيم (المراجعات) للعلامة البحاثةالسيد شرف الدين رحمة الله عليه وجزاه عنصاحب الولاية خير الجزاء، قال: فيالمراجعة 36:
بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله سريةواستعمل عليهم (علي) بن أبي طالب، فاصطفىلنفسه من الخمس جارية، فأنكروا ذلك عليه،وتعاقد أربعة منهم على شكايته إلى النبيصلّى الله عليه وآله، فلما قدموا قام أحدالأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر أنعلياً صنع كذا وكذا؟ فأعرض عنه. فقامالثاني فقال مثل ذلك، فأعرض عنه. وقامالثالث فقال مثل ما قال صاحباه، فأعرض عنه.وقام الرابع فقال مثال ما قالوا، فأقبلعليهم رسول الله صلّى الله عليه وآلهوالغضب يبصر في وجهه، فقال: (ما تريدون منعلي؟ إن علياً مني، وأنا منه، وهو ولي كلمؤمن بعدي).
وكذلك حديث بريدة، ولفظه في ص356 من الجزءالخامس من (مسند أحمد) قال: بعث رسول اللهبعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبيطالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال:إذا التقيتم فعلي على الناس، وإن افترقتمفكل واحد منكما على جنده.
قال: فلقينا بني زبيدة من أهل اليمن،فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين،فقاتلنا المقاتلة، وسبينا الذرية، فاصطفىعلي امرأة من السبي لنفسه. قال بريدة: فكتبمعي خالد إلى رسول الله صلّى الله عليهوآله يخبره بذلك، فلما أتيت النبي صلّىالله عليه وآله دفعت الكتاب، فقرئ عليه،فرأيت الغضب في وجهه، فقلت: يا رسول اللههذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتنيأن أطيعه، ففعلت ما أرسلت به. فقال رسولالله صلّى الله عليه وآله: (لا تقع في عليفإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي)...
والطبراني قد أخرج هذا الحديث على وجهالتفصيل، وقد جاء فيما رواه: إن بريدة لماقدم من اليمن ودخل المسجد وجد جماعة علىباب حجرة النبي صلّى الله عليه وآله،فقاموا إليه يسلمون عليه ويسألونه،فقالوا: ما وراءك؟ قال: خير، فتح الله علىالمسلمين، قالوا: ما أقدمك؟ قال: جاريةأخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبيصلّى الله عليه وآله بذلك، فقالوا: أخبرهأخبره يسقط علياً من عينه، ورسول اللهصلّى الله عليه وآله يسمع كلامهم من وراءالباب، فخرج مغضباً فقال: (ما بال أقوامينتقصون علياً؟ من أبغض علياً فقد أبغضني،ومن فارق علياً فقد فارقني، إن علياً منيوأنا منه، خلق من طينتي...
يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر منالجارية التي أخذ، وإنه وليكم بعدي)؟
أقول: فلاحظ كيف أراد المعاندونوالمبغضون لعلي عليه السلام التفريقوالاختلاف بين علي ورسول الله صلّى اللهعليه وآله، فاتخذوا اصطفاء الجارية وسيلةلإسقاط علي عن عينه صلّى الله عليه وآلهلمكان ابنته فاطمة عليها السلام، وبالرغممن ذلك لما سمع النبي صلّى الله عليه وآلهذلك لم تأخذه الغيرة والعصبية لبضعته، بلغضب على الساعين إليه، فعليه يعلم فساد مافي حديث المسور ونظائره.
ولا يخفى عليك أن ما ذكرنا من حديث المسوربن مخرمة والزهري من الكذب والجعل ما لمنذكره كحديث عبد الله بن الزبير المبغضلعلي عليه السلام والمنحرف عنه على ما في(شرح النهج) لابن أبي الحديد ج4، ص79، فيخطبة علي عليه السلام ابنة أبي جهل كما جاءفي (مسند أحمد) ج4، ص5، وحديث عبد الله بنأبي مليكة الراوي عنه وعن المسور هذهالأسطورة لا يضر بأصل الحديث (حديثالبضعة)، لأنه لو لم يكن للحديث أصل لماأمكنهم أن يبنوا عليه هذه الأسطورة، وقدورد أصل الحديث في مواطن عديدة بأسانيدمتفاوتة وألفاظ مختلفة، فراجع في كتابناهذا فصل (حجابها وعفافها) و(منزلتها عندالنبي صلّى الله عليه وآله) و(فضائلهاالمشتركة) سلام الله عليها، و(الغدير) ج7،ص232، فقد ذكر العلامة الأميني (ره) لهذاالحديث تسعة وخمسين مصدراً. وإن شئت زيادةتوضيح في اختلاق حديث المسور ونظرائهفلاحظ هامش (المناقب) لابن المغازليالشافعي، ص282، والجزء الرابع من (الصحيح منسيرة النبي) ص52، و(زبدة البيان في سيدةالنسوان) و(فاطمة الزهراء عليها السلام منالمهد إلى اللحد)، تجد في هذه الكتب مطالبثمينة وتحقيقات جيدة في هذا الموقف، فلاتغفل.
ولا يخفى أيضاً أن الأعداء اختلقواأساطير أخرى لتنقيصه عليه السلام لا يغيبعن البصير المتأمل الناقد كذبها أوتحريفها كخبر الناقة الذي نقلها المجلسي(ره) في (البحار) ج41، ص44، عن (أمالي الصدوق)(ره)، ونحن أعرضنا عن ذكره، فراجعه هناكوبيانه (ره) له.
(1). البحار: ج43، ص59، 51.
(2). البحار: ج43، ص59، 51.
(3). المصدر: ص81، 151.
(4). المصدر: ص81، 151.
(5). المصدر: ص134.
(6). الكرابيسي هو أبو علي الحسين بن علي بنيزيد البغدادي صاحب الإمام الشافعي،وأشهرهم بانتياب مجلسه وأحفظهم لمذهبه،صاحب المصنفات في الفقه والأصول. توفي سنة245، أو 248، والكرابيسي نسبة إلى كرابيس وهيالثياب الغليظة، واحدها كرباس ـ بكسرالكاف ـ وهو لفظ فارسي عرب، ولعلالكرابيسي كان يبيعها فنسب إليها. قال ابنالنديم: إنه كان من المجبرة وعارفاًبالحديث والفقه، وله من الكتب كتابالمدلسين في الحديث، كتاب الإمامة، وفيهغمز على علي عليه السلام… (الكنىوالألقاب، ج3، ص93 ـ94).
(7). قال العلامة السيد محسن الأمين (ره) في(المجالس السنية) ج2، ص127: لماذا خص راووالخبر بنت أبي جهل بهذا الشرف؟ ولماذا لمينسبوا إلى علي محاولة التزويج على فاصلةمن غير بنت أبي جهل؟ أكان ذلك لأن بنت أبيجهل كانت من الجمال والكمال بحيث لم تكن أيفتاة عربية غيرها على شيء من مثلها؟ إنماخصوا بذلك بنت أبي جهل ليكون الطعن في عليأبلغ وأنفذ، فهو لم يختر لإغاظة النبيصلّى الله عليه وآله وابنته فاطمة إلا بنتأعدى عدو النبي والإسلام.
(8). القروف، بالفتح فالضم: جمع قرف،بفتحتين: التهمة وقول الزور.
(9). تلخيص الشافي: ج2، ص276 ـ279.
(10). صحيح البخاري: ج4 ص101، كتاب الخمس، بابما ذكر من درع النبي صلّى الله عليه وآلهوعصاه وسيفه...
(11). تهذيب التهذيب: ج10، ص151.
(12). شرح نهج البلاغة: ج4، ص13 و102.
(13). شرح نهج البلاغة: ج4، ص13 و102.
(14). صحيح البخاري: ج7، ص47. باب ذب الرجل عنابنته في الغيرة والانصاف.
(15). الحاكم في المستدرك: ج3، ص158 ـ159.
(16). تاريخ بغداد: ج13، ص142.
(17). شرح نهج البلاغة: ج4، ص65. والجمل: جماعةمن الناس.
(18). عد: من العدى، أمر من باب التفعيل.بثينة: امرأة جميلة التي ظهرت الدنيا لعليعليه السلام على صورتها، أي أعرض عن ذكربثينة أو غيرها.
(19). الشمم: الطول والارتفاع.
(20). تحفة العالم في شرح خطبة المعالم،للعلامة السيد جعفر آل بحر العلوم (ره)، ص247ـ248. ومقدمة رجال بحر العلوم، والقصيدةطويلة أخذنا منها مواضع الحاجة
(21). سورة النبأ: الآية40.