وقد حده قوم بأنه ما احتمل التصديق والتكذيب، فرارا من أن يقول في صادق (1) وكاذب: إنهما صدقا، أو كذبا. وحد الخبر بأنه ما احتمل التصديق والتكذيب صحيح في نفسه، وجار مجرى ما اخترناه من الحد. والصحيح أن الخبر عن صادق وكاذب بأنهما صدقا أو كذبا لا يكون إلا كذبا، لان مخبره ليس على (2) ما هو به. والخبر (3) إنما يصير خبرا بقصد (4) المخبر (5)، لان الكلام وإن تقدمت المواضعة فيه فإنما يتعلق بما يفيده (6) بالقصد، لان قول القائل: (محمد رسول الله (7)) لا يكون خبرا عنه - عليه السلام - (8) إلا بالقصد. وحكاية الخبر كلفظه (9)، ولا تكون (10) الحكاية خبرا لارتفاع القصد. وإظهار كلمة الكفر عند الاكراه لا يكون (11) خبرا، ولو كانت كذلك، لكانت كفرا، وإنما أبيح له إظهار كلمة (12) الكفر (13) تعريضا لا إخبارا.
والخبر لا يخلو من صدق أو كذب، ولا واسطة بين الامرين، لان للخبر تعلقا بالمخبر عنه، فلا يخلو المخبر عنه من أن يكون على ما تناوله الخبر، فيكون صدقا، أو (1) ليس على ما تناوله الخبر، فيكون كذبا. وإذا لم يكن بين النفي والاثبات واسطة في مخبر الخبر، فلا واسطة في الخبر بين الصدق والكذب. وقول الجاحظ: (إنه لا يكون كاذبا إلا من (2) علم كونه كذلك) باطل، لان العقلاء يصفون (3) كل مخبر علموا أن مخبر خبره ليس على ما تناوله (4) خبره بأنه كاذب وإن لم يعلموا أنه عالم بذلك (5)، ولو كان العلم شرطا، لوجبت (6) مراعاته كما وجب مراعاة متناول الخبر. والمسلمون يصفون اليهود والنصارى بالكذب على الله، وإن كان أكثرهم لا يعلم أنه كاذب، بل يعتقد أنه صادق. ولو كان الامر (7) على ما ادعاه الجاحظ، لوجب أن يكون قول أحدنا لغيره (8): (إنه كاذب ولا يعلم بأنه عالم بكذبه (9)) مناقضة، ومما لا يمكن أن يكون حقا، ومعلوم خلاف