بیشترتوضیحاتافزودن یادداشت جدید
ودرس الامام أبعاد التضحية بعمق وشمول، فراى أن يزج بجميع ثقله في المعركة، ويقدم أروع النضحيات التي تهز الضمير الانساني على امتداد التاريخ، وتعيد للامة أصالتها ووعيها عبر أجيالها الصاعدة... لقد خطط الامام فصول ماساته، وفصول تضحيته على أسس عميقة من الوعي والادراك بحيث تؤدي إلى النتائج المشرقة التي منها انتصار القضية الاسلامية وإعادة الحياة الدينية الى شرايين الامة، وازالة التخدير الذي بسطه الامويون على جميع أجزائها . وقد أعلن سلام الله عليه ما صمم عليه، وأذاع فصول ماساته الخالدة في كثير من المناسبات، وهذه بعضها . 1 - أدلى بمصرعه، وهو بمكة في خطابه الذي أعلن فيه الثورة على بني امية، فقد جاء فيه " وخير لي مصرع أنا لاقيه كاني باوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا... " أليس في هذا الكلام دلالة على روعة العزم والتصميم على التضحية ؟ ! أليس فيه اخبار جازم عن مصرعه الكريم، وأنه في كربلاء، فهي التي تحضى بموارة جثمانه الطاهر كما أذاع ذلك جده وأبوه من قبل . 2 - وأعلن الامام العظيم الماسي الاليمة، والخطوب المفجعة التي تحل باهل بيته من القتل والسبي والاسر، وذلك حينما أشار عليه ابن عباس بان لا يحمل معه مخدرات النبوة وعقائل الوحي الى العراق، ويتركهن في يثرب حتى تستقيم له الامور، فاجابه الامام قائلا : " قد شاء الله أن يراهن سبايا " . لقد صحب معه عياله وهو يعلم ما سيجري عليها من الاسر والسبي لان بها سوف تستكمل رسالته، وتؤدي فعاليتها في القضاء على العرش الاموي واعادة الحياة الاسلامية الى واقعها المضيئ . 3 - كان الامام يتحدث وهو في طريقه الى العراق من أن راسه الشريف سوف يرفع على الحراب فيطاف به في الاقطار والامصار، ويهدى الى بغي من بغايا بني أمية كما صنع براس أخيه يحيى بن زكريا حيث أهدي الى بغي من بغايا بني اسرائيل . لقد استهان بجميع ما يعانيه في سبيل احقاق الحق، واعلاء كلمة الله في الارض . ـ 7 ـ وفجر الامام ثورته الكبرى التي أوضح الله بها الكتاب، وجعلها عبرة لاولي الالباب، وهي بجميع مخططاتها جزء من رسالته الاسلام وامتداد مشرق لثورة الرسول الاعظم، وتجسيد حي لاهدافه وآماله، ولولاها لذهبت جهود النبي، وضاعت آماله، ولم يبق للاسلام أثر ولا عين . لقد انتصر الامام الحسين (ع) وفتح الله له الفتح المبين، فقد أشرقت سماء الاسلام بثورته الخالدة، وتفاعلت تضحيته مع مشاعر الناس وعواطفهم، وامتزجت بقلوبهم، وأصبحت أعظم مدرسة للايمان بالله ، تبث روح العقيدة والفداء في سبيل الحق والعدل، وتغدي الناس بالقيم الكريمة والمثل العليا، وتعمل على توجيههم نحو الخير وتهديهم إلى سواء السبيل . لقد أقبل الناس بلهفة على ماساة أبي الاحرار، وهم يمنعون النظر في فصولها ويقتبسون منها أروع الدروس عن الكرامة والتضحية ، والبطولات الخارقة والعزة التي لا يلويها الظلم والجور . إن الانسانية لتنحني اجلالا واكبارا للامام العظيم الذي رفع راية الحق عالية خفاقة. وتبنى حقوق المظلومين، ودافع عن مصالح المضطهدين... وانها لتمجد ذكره أكثر مما تمجد أي مصلح اجتماعي في الارض، وقد أحرز الامام العظيم بذلك من النصر ما لم يحرزه غير من المصلحين في العالم . لقد كان من أوليات النصر الذي حققه الامام تحطيم الكيان الاموي فقد وضعت ثورته الخالدة العبوات الناسفة في قصور الامويين، وألغمت طريقهم، فلم يمض قليل من الزمن حتى تفجرت فاطاحت برؤوس الامويين واكتسحت نشوة نصرهم، وجعلتهم أثرا بعد عين، ويعرض هذا الكتاب بصورة موضوعية إلى بعض ما قدمته الثورة من المعطيات المشرقة على الصعيد الفكري والاجتماعي للعالم الاسلامي . - 8 - ولن يستطيع التاريخ الاسلامي أن ياخذ حظه من الحياة اذا كان مثقلا بالقيود والاغلال، ولم يخضع للدراسة والنقد، فلا بد أن تتسلط مجاهر البحث العلمي النزيه على أحداثه، وتدرس بدقة وتجرد، شان غيره من تاريخ الاممم الحية التي تتناول أحداثه أقلام المفكرين والباحثين بكثير من العمق والتحليل، فان دراسة التاريخ عندهم تحتل الصدارة في دراساتهم الثقافية والعلمية . إنا إذا أردنا للتاريخ الاسلامي أن يزدهر، ويساير النهضة الفكرية ، والتطور العلمي في هذه العصور، فلا بد من دراسته