و أما جواب القوشجى عن هذا بأن تأخر على عن بيعة أبى بكر لم يكن عن شقاق و مخالفة، و انما كان لعذر، و طرو أمر.
ففيه: ان لو كان الامر كذلك، فأى وجه لاضرام النار فى بيته، و اخراجه منه عنفا.
الى أن قال: هذا التأخر ان كان لعذر يسوغ معه التأخر عن البيعة فالامر على ما عرفته من وجوب الاهمال و الاعتذار، و حينئذ فلا وجه لاخراجه عنفا، و احراق بيته بالنار.
و ان لم يكن كذلك فكيف يسوغ لمثل على (ع) ان يتخلف بلا عذر عن بيعة امام يعتقد صلاحيته للامامة؟ و من مات و ليس فى عنقه بيعة امام مات ميتة جاهلية. كما رواه ميمون بن مهران، الخ..» [ الرسائل الاعتقادية: ص 444.]
و يقول أيضا و هو يتابع مناقشة ما قاله القوشجى:
«.. ثم أى تقصير فى ذلك لفاطمة (ع) الطاهرة؟ أو بم استحقت الضرب الى حد ألقت جنينها؟!
و بعد اللتيا والتى، ففيه تصريح فى المطلوب لأنه لما سلم صحة الرواية، و لم يقدح فيها [ المقصود هو القوشجى.]
و فيها دلالة صريحة على ضربهم فاطمة ضربا شديدا. و قد سبق أن ايذاءها ايذاء رسول الله الخ...» [ الرسائل الاعتقادية: ص 446.]
و قال أيضا بعد أن ذكر طائفة مما رواه الجمهور فى حق أهل البيت (ع) و فى حق السيدة الزهراء صلوات الله و سلامه عليها:
«كيف يروى الجمهور هذه الروايات، ثم يظلمونها، و يؤذونها، و يأخذون حقها، و ينسبونها الى الكذب و دعوى الباطل، و يكسرون ضلعها، و يجهضون ولدها من بطنها» [ (رسالة: طريق الارشاد) للخواجوئى المازندرانى (ضمن الرسائل الاعتقادية): ص 465.]
و قال أيضا:
«... فانظر أيها العاقل الرشيد، و صاحب الرأى السديد، كيف يروى الجمهور هذه الروايات. ثم يظلمونها، و يأخذون حقها، و يكسرون ضلعها، و يجهضون ولدها من بطنها، فليحذر المقلد..
الى ان قال رحمه الله: هذا، و ورد فى طريقنا: أنها (ع) كانت معصومة صديقة شهيدة رضية الخ...» [ الرسائل الاعتقادية: ص 301.]
الشيخ يوسف البحرانى (ت 1186 ه).
قال الفقيه الكبير المحدث الشيخ يوسف البحرانى فى معرض الاحتجاج أيضا:
«.. و أخرجه قهرا، منقادا، يساق بين جملة العالمين، و أدار الحطب على بيته ليحرقه عليه، و على من فيه».
و قال: «.. و ضرب الزهراء (ع) حتى أسقطها جنينها، و لطمها حتى خرت لوجهها، و جبينها، و خرجت لوعتها و حنينها» [ راجع: الحدائق الناضرة: ج 5 ص 180.]
الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت 1228 ه. ق.).
قال الامام العلم الشيخ جعفر كاشف الغطاء الكبير، و هو يستدل على عدم صحة خلافة أبى بكر:
«.. و منه احراق بيت فاطمة الزهراء لما جلس فيه على (ع)، و معه الحسنان، و امتنع (ع) عن المبايعة، نقله جماعه من أهل السنة، منهم: الطبرى، و الواقدى، و ابن حزامة (كذا) عن زيد بن أسلم، و ابن عبد ربه، و هو من أعيانهم، و روى فى كتاب المحاسن و غير ذلك» [ كشف الغطاء ص 18.]
و قال و هو يورد اشكالاته على الخليفة الثانى: «.. و منه قصد بيت النبوة و ذرية الرسول بالاحراق» [ المصدر السابق.]
السيد عبدالله شبر (ت 1243 ه. ق.).
و قال العلامة المتبحر السيد عبدالله شبر، فى جملة مؤاخذاته
على عمر بن الخطاب:
«انه هم باراق بيت فاطمة (ع)، و قد كان فيه أميرالمؤمنين (ع) و فاطمة (ع)، و الحسنان و آذاهم الخ..» [ حق اليقين: ص 187 و 188.]
السيد محمد قلى الموسوى (ت 1260 ه).
و للسيد محمد قلى الموسوى النيشابورى الهندى، والد صاحب عبقات الانوار كتاب اسمه تشييد المطاعن أورد فيه عشرات الصفحات المشتملة على النصوص الكثيرة. فكان منها ما ترجمته:
ان عمر قد هدد فاطمة بالاحراق، و جمع الحطب حول بيتها. كما رواه ثقاة أهل السنة، و أعاظم معتمديهم، و أكابر محدثيهم، من المتقدمين و المتأخرين، كالطبرى، و الواقدى، و عثمان بن أبى شيبة، و ابن عبد ربه، و ابن جراية، و مصنف المحاسن و أنفاس الجواهر، و عبد البر بن أبى شيبة، و البلاذرى، و ابن عبدالبر صاحب الاستيعاب، و أبى بكر الجوهرى، صاحب كتاب السقيفة، و القاضى جمال الدين واصل، و أبوالفداء: اسماعيل بن على بن محمود صاحب كتاب: المختصر، و ابن قتيبة، و ابراهيم بن عبدالله اليمنى الشافعى صاحب كتاب الاكتفاء، و السيوطى صاحب كتاب جمع الجوامع، و ملا على المتقى صاحب كنز العمال، و شاه ولى الله الدهلوى...» [ تشييد المطاعن: ج 1 ص 433 و 434 و قبلها و بعدها عشرات الصفحات المليئة بالاستدلالات و النصوص، و كتاب تشييد المطاعن قد ألف ردا على كتاب: التحفة الاثنى عشرية للدهلوى.]
ثم ذكر كلمات هؤلاء...
و قال أيضا:
وقوع احراق بيت الزهراء، ورد فى الروايات، و تؤيده القرائن الصادقة الموجودة فى كتب أهل السنة.
السيد محمد المهدى الحسينى القزوينى (ت 1300 ه).
و يقول العالم العلم و الآية الكبرى السيد محمد بن المهدى بن الحسن الحسينى القزوينى، و هو من أعاظم العلماء و كبار مراجع التقليد فى عصره:
«فلم يكفهم ذلك كله حتى انهم قهروا عليا و بنى هاشم على البيعة، و أضرموا النار على بيوت آل محمد. و وقفت دونها فاطمة فلم تقدر على منعهم. و لما فتحت الباب صكوا عليها الباب، و كسروا ضلعها و أسقطوا جنينها المحسن، و كسروا سيف الزبير فى صحن الدار، و قادوا عليا بحمائل سيفه، كما يقاد الجمل المخشوش، كما نص على ذلك الطبرى، و الواقدى، و ابن جراية فى النور، و ابن عبد ربه، و مصنف كتاب نفائس الجواهر لابن سهلويه و هو فى المدرات النظامية ببغداد و عمر بن شيبة فى كتابه و غيرهم. و ذلك بعد تأخر على عن البيعة ستة أشهر. مضافا الى منعهم فاطمة ميراث أبيها، و غصبهم فدكا و العوالى فيها، ورد دعواها، ورد شهادة على والحسنين و أم أيمن، و تمزيق صكها المرسوم من النبى الامين الذى هو بركة العالمين و غير ذلك مما صدر من المؤذيات لرحمه الله، و تحريجهم على بكائها حتى اتخاذها بيت الاحزان، و مرضها من جهتهم، و دفنها سرا، و موتها و هى
واجدة كما صرح البخارى و غيره، فاذا ثبت هذا كله..» [ الصوارم الماضية، ص 56، (مخطوط) توجد نسخة مصورة منه فى مكتبة المركز الاسلامى للدراسات فى بيروت.]
السيد الخونسارى (ت 1313 ه. ق.).
و قال العلم العلامة المتتبع السيد الخونسارى رحمه الله معلقا على أحاديث: فاطمة بضعة منى، يؤذينى ما آذاها:
«.. فلم أدر من آذاها، و من أبغضها، و من أسقط جنينها، و من رفع أنينها، و من لطم وجهها، و من ضرب جنبها» [ روضات الجنات: ج 1 ص 358.]
آية الله المظفر (ت 1375 ه. ق.).
و قال العلامة آيةالله الشيخ محمد حسن المظفر:
«... و بالجملة، يكفى فى ثبوت قصد الاحراق رواية جملة من علمائهم له، بل رواية الواحد منهم له، لا سيما مع تواتره عند الشيعة، و لا يحتاج الى رواية البخارى و مسلم و أمثالهم ممن أجهده العداء لآل محمد (ص)، و الولاء لأعدائهم، و أدام التزلف الى ملوكهم و أمرائهم، و حسن السمعة عند عوامهم» [ دلائل الصدق: ج 3 ق 1 ص 91.]
و قال: «من عرف سيرة عمر و غلظته مع رسول الله (ص) قولا و فعلا لا يستبعد منه وقوع الاحراق، فضلا عن مقدماته».
و قال: «على أن الاحراق لو وقع ليس بأعظم من غصب
الخلافة» [ المصدر السابق، ص 89 و 90.]
السيد شرف الدين (ت 1377 ه. ق.).
قدمنا فى فصل سابق بعض الحديث عن احتجاجات الامام العلم السيد عبدالحسين شرف الدين على الآخرين، بالتهديد بالاحراق، الثابت بالتواتر القطعى [ المراجعات: ص 357، (ط سنة 1413 ه.)) انتشارات اسوة- قم- ايران.] و بأن أبابكر قد كشف بيت فاطمة، و غير ذلك، فلا نعيد.
الشهيد الصدر (ت 1400 ه. ق.)
و قال المفكر الاسلامى الكبير الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر تغمده الله برحمته:
«.. ان عمر الذى هجم عليك فى بيتك المكى، الذى أقامه النبى مركزا لدعوته قد هجم على آل محمد (ص) فى دارهم، و أشعل النار فيها أو كاد» [ فدك فى التاريخ: ص 26 (ط سنة 1987 م) الدار العالمية للطباعه و النشر و التوزيع.]
و قال: «سيرة الخليفة و أصحابه مع على، التى بلغت من الشدة: ان عمر هدد بحرق بيته، و ان كانت فاطمة فيه.
و معنى هذا: اعلان ان فاطمة و غير فاطمة من آلها، ليس لهم حرمة تمنعهم عن أن يتخذ معهم نفس الطريقة التى سار عليها مع سعد
بن عبادة حين أمر الناس بقتله» [ المصدر السابق ص 91.]
المحسن فى النصوص و الآثار
هل مات المحسن صغيرا؟
ان من الواضح: ان موضوع قتل المحسن سيحرج علماء و أعلام طائفة عظيمة من المسلمين تدين بالولاء لأولئك الذين كان لهم دور فى ما جرى على الزهراء.
نعم سيحرجهم ذلك مع أتباعهم و مؤيديهم اولا و سيحرجهم- ثانيا- فى مجالات الحجاج و الاستدلال مع غيرهم.
فكان لا بد من أن يجدوا حلا لهذه المعضلة التى تواجههم. فحاول بعضهم انكار وجود المحسن من الاساس، قال عمر أبوالنصر: «اختلف المؤرخون فى وجوده ما قدمنا- و ان كان ليعقوبى و السمعودى و غيرهما يؤكدون وجوده» [ فاطمة بنت رسول الله محمد (ص): ص 94 (ط بيروت).]
ثم يقول: «ينكر بعض المؤرخين وجود المحسن. ولكن غيرهم يثبته، كالمسعودى و أبوالفداء [ المصدر السابق: هامش ص 93.] و قد تجد لذلك تلميحات قليلة و نادرة أخرى، لسنا فى مجال ملاحقتها.
و حيث ان هذا الانكار يعتبر مجازفة خطيرة، و لا يجد مبررات تكفى للاصرار عليه، كما انه لا مجال لانكار الهجوم على بيت