و كان من مفردات هذا الاتجاه سكوت فريق من الناس عن ذكر المحسن، مع امكان الاعتذار عن هذا السكوت بأنه انما يتصدى للحديث عمن عاش من أبناء على و فاطمة (ع).
ولكن ذلك كله لما لم يكن كافيا فى تحقيق النتائج المرجوة.
فان وجود محسن فى جملة اولاد الزهراء (ع)، كالنار على المنار، و كالشمس فى رابعة النهار. و ليس من السهل تجاهله، أو انكاره، فقد لجأ البعض الى ابعاد الشهبة عن أولئك الذين تسبوا فى قتل هذا الجنين المظلوم. و تجرؤا على سيدة نساءالعالمين. ولكن بطريقة ذكية، تحمل فى طياتها انكارا مبطنا، و ابطالا لمقولة حصول الاسقاط، من حيث نفى موضوعه.
فادعوا: ان محسنا قد ولد فى عهد النبى (ص)، فسماه النبى (ص) «محسنا».
و يذكرون فى كيفية ذلك ما من شأنه أن يلحق الاهانه بعلى (ع) حيث تظهر الرواية: اصرار على (ع) ثلاث مرات على أن يسمى المولود حربا، و اصرار الرسول (ص) على خلافه..
حيث يراد الايحاء بأن عليا (ع) كان يعيش خلقية الرجل المحارب، فلا يفكر بما سوى ذلك. و تكون نتيجة ذلك بصورة ظاهرها العفوية هى انه (ع) كان يقتل الناس فى الحروب، لان لديه شهوة قتل
فلم تكن القضية اذن، قضية تضحية، و فداء، و اندفاع دينى، من منطلق الاحساس بالتكليف الشرعى الالهى، فحقد الناس على على (ع) يصبح وجيها و فى محله..
و مهما يكن من أمر، فان ابن شهر آشوب المازندرانى اعتبر دعوى ولادة المحسن فى زمان النبى (ص)- سقطا- صادرة من جماعة من السفساف حملهم على ابتكارها العناد، فهو يقول:
«و جماعة: من السفساف [ السفاسف جمع سفساف، و هو الردى ء.]، حملهم العناد على أن قالوا:
كان أبوبكر أشجع من على.
و ان مرحبا قتله بمصر.
و أن فى أداء سورة براءة كان أبوبكر أميرا على على، و ربما قالوا: قرأها أنس بن مالك.
و أن «محسنا» ولدته فاطمة فى زمن النبى سقطا..
و ان النبى.. الى أن قال:
و من ركب الباطل زلت قدمه: «و زين لهم الشيطان أعمالهم، فصدهم عن السبيل، و كانوا مستبصرين..» [ سورة العنكبوت، آية 38.] و جماعة جاهروهم بالعداوة... [ مناقب آل أبى طالب: ج 1 ص 16.]».
و هكذا... يتضح: ان هؤلاء قد حاولوا أن يجمعوا بين مقولة كون المحسن سقطا، و بين كون الآخرين فوق الشبهات، و أتقى و أجل من أن يرتكبوا جريمة كهذه. فقرروا: ان هذا المولود سقط بلا شك، ولكنه سقط فى زمن رسول الله (ص).
ثم جاءت الرواية الصحيحة السند- عندهم- لتؤكد هذا المعنى، و تقول:
روى الامام أحمد بن حنبل فى مسنده، و رواه غيره بسند صحيح [ أى صحيح وفق معايير اهل السنة. راجع: شرح المواهب للزرقانى ج 4 ص 239.]، قال:
حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا اسرائيل، عن ابى اسحاق، عن هانى به هانى، عن على، قال:
«لما ولد الحسن سميته حربا، فجاء رسول الله (ص)، فقال: أرونى ابنى، ما سميتموه؟
قال: قلت: حربا.
قال: بل هو حسن.
فلما ولد الحسين سميته حربا، فجاء رسول الله (ص)، فقال: أرونى ابنى ما سميتموه؟
قال: قلت: حربا.
قال: بل هو حسين.
فلما ولد الثالث سميته حربا.
فجاء النبى (ص)، فقال: أرونى ابنى، ما سميتموه؟
قلت: حربا.
قال: بل هو محسن.
ثم قال: سميتهم بأسماء ولد هارون: شبر، و شبير، و مشبر [ مسند الامام أحمد ج 1 ص 98، و 118 و تاريخ دمشق: (ترجمة الامام الحسين بتحقيق المحمودى) ص 18، و السنن الكبرى: ج 6 ص 166، و ج 7 ص 63، و تهذيب تاريخ دمشق، ج 4 ص 204، عن أحمد، و الطبرانى، و ابن أبى شيبة، و ابن جرير، و ابن حبان، و الحاكم، و الدولابى، و الادب المفرد: ص 121، و أسد الغابه: ج 2 ص 18، و ج 4 ص 308، و الاصابة: ج 3 ص 471، و المعجم الكبير للطبرانى: ج 3 ص 28 و 96 و 97 و الذرية الطاهرة: ص 97، و الاستيعاب: (مطبوع بهامش الاصابة)، ج 1 ص 369. و نهاية الارب: 18 ص 213، و الرياض المستطابة: ص 293، و تاريخ الخميس: ج 1 ص 418، و منتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد)، ج 5 ص 108، و مختصر تاريخ دمشق: ج 7 ص 7 و 117، و مستدرك الحاكم: ج 3 ص 165 و 166، و مجمع الزوائد: ج 8 ص 52، عن البزار و الطبرانى، فى الكبير و أحمد، و قال: رجال أحمد و البزار رجال الصحيح غير هانى بن هانى، و هو ثقة. و تلخيص المستدرك للذهبى (مطبوع بهامش المستدرك) و صححه و ذخائر العقبى: ص 119 عن أحمد، و ابى حاتم، و أنساب الاشراف (بتحقيق المحمودى) ج 3 ص 144، و راجع هوامشه، و التبيين فى أنساب القرشيين: ص 133، و 192، و كفاية الطالب: ص 208، و تذكرة الخواص: ص 193، و شرح المواهب للزرقانى: ج 4 ص 339، و البداية و النهاية: ج 7 ص 332 و تاج العروس: ج 3 ص 389، و عن كنز العمال: ج 6 ص 221. و ترجمه الامام الحسن (ع) «من القسم غير المطبوع من الطبقات الكبرى لابن سعد»: ص 34، و الاحسان فى تقريب صحيح ابن حبان: ج 15 ص 410، و كشف الاستار عن مسند البزار: ج 2 ص 216، و موارد الظمآن: ص 551، عن السيرة الحلبية: ج 3 ص 292.]
التابعون من اولى الأربة:
ثم قرر الآخرون مضمون هذه الرواية، و أرسلوه ارسال المسلمات فى كتبهم و مولفاتهم، و نحن نعرض هنا ما توفر لدينا من أقوالهم التى تعترف بوجود المحسن، ولكنها تزعم انه مات صغيرا، و نلفت النظر الى أن دعوى موته صغيرا لا تلازم بالضرورة التزامهم بأنه مات فى زمن النبى (ص)، بل هى لا نافى القول الآخر بأنه مات سقطا.
و النصوص هى التالية:
1- قال الطبرى، و ابن الاثير: «.. و قد ذكر انه كان له منها ابن آخر، يقال له: «محسن «و أنه توفى صغيرا» [ الكامل لابن الاثير: ج 3 ص 397، و تاريخ الامم و الملوك: ج 5 ص 153.]
2- قال يونس: سمعت ابن اسحق يقول: «فولدت فاطمة لعلى حسنا، و حسينا، و محسنا، فذهب محسن صغيرا...» [ دلائل النبوة للبيهقى: ج 3 ص 161.]
3- و قال ابن اسحاق: فولدت فاطمة لعلى حسنا، و حسينا و محسنا، مات صغيرا» [ البداية و النهاية: ج 3 ص 346.]
4- و قال حسام الدين حميد بن أحمد المحلى: «الحسن و الحسين صلوات الله عليهما والمحسن درج صغيرا» [ الحدائق الوردية: ج 1 ص 52.]
5- قال القسطلانى: «و ولدت حسنا، و حسينا، و محسنا.
مات محسن صغيرا.. الخ» [ المواهب اللدنية: ج 1 ص 198.]
6- و قال ابن حزم الاندلسى: «تزوج فاطمة على بن أبى طالب، فولدت له الحسن، و الحسين، والمحسن. مات المحسن صغيرا» [ جمهرة أنساب العرب: ص 16. و راجع: ص 37.]
قال اعقب هولاء كلهم حاشا المحسن، فلا عقب له، مات صغيرا جدا اثر ولادته [ جمهرة أنساب العرب: ص 37.]
7- و قال البدخشانى الحارثى: «أما أولادها، فانها ولدت ثلاثة بنين: الحسن، والحسين، و محسن. أما الحسن والحسين، فسيجى ء ذكرهما، و أما محسن فمات رضيعا» [ نزل الابرار: ص 134.]
8- و قال المحب الطبرى: «الحسن والحسين، و قد استوعبنا ذكرهما فى مناقب ذوى القربى، و لهما عقب، و محسن، مات صغيرا، أمهم فاطمة» [ الرياض النضرة، المجلد الثانى، ج 4 ص 239، و ذخائر العقبى ص 116 و 117.]
9- و قال المحب الطبرى أيضا: «و قال غيره (أى غير الليث بن سعد): ولدت حسنا، و حسينا، و محسنا، فهلك محسن صغيرا، و أم كلثوم الخ..» [ ذخائر العقبى: ص 55 و ارشاد السارى: ج 6 ص 141.]
10- قال ابن المرتضى عن فاطمة (ع): «و ولدت له الحسن،
والحسين، و محسنا، مات صغيرا» [ البحر الزخار: ج 1 ص 208.]
و قال: «و أولاده الحسن، والحسين، و محسن من فاطمة (ع)، ثم محمد بن الحنفية» [ البحر الزخار: ج 1 ص 221.]
11- و قال المناوى: «.. قال الليث: فولدت له حسنا، و حسينا، و محسنا- مات صغيرا- و أم كلثوم.. الخ» [ اتحاف السائل: ص 33.]
و يظهر ان عبارة: «مات صغيرا»، هى من اضافات المناوى، حيث ان الآخرين قد نقلوا كلام الليث و لم يذكروا هذه العبارة.
12- و قال ابن فندق و هو يعدد أولاد أميرالمؤمنين (ع) من فاطمة: «الحسن بن على، و الحسين بن على، و المحسن بن على (ع)، هلك صغيرا» [ لباب الانساب و الالقاب، و الاعقاب: ج 1 ص 337.]
13- و قال البرى التلمسانى: «ولدت فاطمة لعلى (رض): الحسن، والحسين، و محسنا، درج صغيرا» [ الجوهرة فى نسب الامام على و آله: ص 19.]
14- و عنونه ابن الاثير فى جملة الصحابة، فقال: «محسن بن على بن أبى طالب بن عبدالمطلب القرشى الهاشمى. أمه فاطمة بنت رسول الله (ص).. ثم ذكر تسمية رسول الله (ص)، له ثم قال: «و توفى المحسن صغيرا، أخرجه أبوموسى» [ اسد الغابة: ج 4 ص 308.]
15- و قال العسقلانى عن المحسن: «استدركه ابن فتحون على ابن عبدالبر، و قال: أراه مات صغيرا» [ الاصابة ج 4 ص 471.]
و لا ندرى لماذا لا يقول: أراه مات سقطا.
16- و قال ابن قدامة المقدسى: «محسن بن على بن أبى طالب، لا نعرفه الا فى الحديث الذى يرويه هانى بن هانى عن على (ثم ذكر قصة تسمية المحسن بحرب، ثم تسمية النبى ((ص) له، ثم قال): «و الظاهر انه مات طفلا» [ التبيين فى أنساب القرشيين: ص 133.]
و قال: «ولدت لعلى (رض): الحسن، والحسين، و أم كلثوم، و زينب.
و روى انها ولدت ابنا ثالثا، سماه رسول الله (ص) محسنا، و قال: سميتهم بأسماء ولد هارون: شبر، و شبير، و مشبر» [ المصدر السابق ص 91 و 92.]
17- و قد ولدت من على رضى الله عنهما: سيدنا الحسن، و سيدنا الحسين، و سيدتنا السيدة زينب، و سيدنا محسن، الذى مات صغيرا» [ تاريخ الهجرة النبوية ص 58.]
18- قال ابن الجوزى: «.. و زاد ابن اسحاق فى أولاد فاطمة من على: محسنا، قال: و مات صغيرا» [ صفة الصفوة ج 2 ص 9.]
19- و قال السخاوى: «... و للرابعة [ أى من بنات النبى (ص)، و هى الزهراء (ع).] من على، التى لم تتزوج غيره، الحسن، والحسين، و محسن، و أم كلثوم، و زينب، فمسحن مات صغيرا..» [ التحفة اللطيفة فى تاريخ المدينة الشريفة، ج 1 ص 19.]
20- و قال العامرى: «فصل فى ذكر أولادها، و تنزيل بطونهم، هم: حسن، و حسين، و محسن، و أم كلثوم و زينب... الى أن قال، انه (ص) سمى أولاد فاطمة حسنا و حسينا و محسنا بأولاد هارون بن عمران (ع)، و هلك محسن صغيرا» [ راجع: الرياض المستطابة للعامرى اليمنى: ص 292 و 293.]
21- و قال الشبلنجى: «.. و أما أولادها رضى الله عنها فالحسن، والحسين، و محسن، و هذا مات صغيرا» [ نور الابصار: ص 147.]
22- «و قال غيره [ أى غير الليث بن سعد.]: «ولدت حسنا، و حسينا، و محسنا، فهلك محسن صغيرا» [ تاريخ الخميس: ج 1 ص 279.]
23- و قال ابن كثير: «فأول زوجة تزوجها على (رض) فاطمة بنت رسول الله (ص) بنى بها بعد وقعة بدر، فولدت له الحسن و حسينا، و يقال: و محسنا و مات و هو صغير الخ...» [ البداية و النهاية: ج 7 ص 332.]
24- و قال عمادالدين اسماعيل ابى الفدا: «... و ولد له منها
الحسن، و الحسين، و محسن، و مات صغيرا و زينب الخ...» [ المختصر فى أخبار البشر: ج 1 ص 181.]
25- روى الدولابى عن أحمد بن عبدالجبار عن يونس بن بكير قال: «سمعت ابن اسحق يقول: ولدت فاطمة بنت رسول الله (ص) لعلى بن أبى طالب: حسنا، و حسينا، و محسنا. فذهب محسن صغيرا و ولدت أم كلثوم و زينب» [ الذرية الطاهرة: ص 90 و 155.]
26- و قال ابن قتيبة: «ولدت لعلى: الحسن، والحسين، و محسنا، و أم كلثوم الخ [ المعارف ص 143 و 210.]
و قال أيضا: «و أما محسن بن على فهلك و هو صغير» [ المعارف: ص 211.]
27- قال النويرى: «و قد قيل: انها ولدت ابنا اسمه محسن توفى صغيرا» [ نهاية الارب: ج 20 ص 221.]
و قال فى مورد آخر: «فولدت (رض) له حسنا، و حسينا، و محسنا. فذهب محسن صغيرا» [ نهاية الارب: ج 18 ص 213.]
و قال: «فجميع أولاد على (رض) خمسة عشر ذكرا، و هم الحسن والحسين، و محسن على خلاف فيه..» [ نهاية الارب: ج 20 ص 223.]
28- قال سبط ابن الجوزى: «و قد زاد ابن اسحق فى أولاد