ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبى قحافة؟
فلما سمع القوم صوتها و بكاءها، انصرفوا باكين، و كادت قلوبهم تنصدع، و أكبادهم تنفطر.
و بقى عمر و معه قوم، فأخرجوا عليا، فمضوا به الى أبى بكر، فقالوا له: بايع.
فقال: ان أنا لم أفعل فمه؟
قالوا: اذا والله الذى لا اله الا هو نضرب عنقك.
فقال: اذا تقتلون عبدالله و أخا رسوله.
قال عمر: أما عبدالله فنعم، و أما أخو رسوله فلا.
و أبوبكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟
فقال: لا أكرهه على شى ء ما كانت فاطمة الى جنبه، فلحق على بقبر رسول الله (ص) يصيح و يبكى، و ينادى: يا بن أم ان القوم استضعفونى و كادوا يقتلوننى [ الامامة و السياسة: ج 1 ص و راجع: تلخيص الشافى: ج 2 ص 144 و 145. و أعلام النساء: ج 4 ص 114، و مصادر كثيرة أخرى نقلت ذلك عن ابن قتيبة، مثل تشييد المطاعن، و غيره.]
87- قال عمر لأبى بكر، (رض): انطلق بنا الى فاطمة، فانا
قد أغضبناها، فانطلقا جميعا، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما.
فأتيا عليا فكلماه، فأدخلهما عليها، فلما قعدا عندها، حولت وجهها الى الحائط، فسلما عليها، فلم ترد عليهماالسلام.
فتكلم أبوبكر فقال: يا حبيبة رسول الله! والله ان قرابة رسول الله أحب الى من قرابتى، و انك لأحب الى من عائشة ابنتى، و لوددت يوم مات أبوك أنى مت، و لا أبقى بعده، أفترانى أعرفك و أعرف فضلك و شرفك و أمنعك حقك و ميراثك من رسول الله؟! الا أنى سمعت أباك رسول الله (ص) يقول: «لا نورث، ما تركنا فهو صدقة».
فقالت: أرأيتكما ان حدثتكما حديثا عن رسول الله (ص) تعرفانه و تفعلان به؟
قالا: نعم.
فقالت: نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: «رضى فاطمة من رضاى، و سخط فاطمة من سخطى، فمن أحب فاطمة ابنتى فقد أحبنى، و من أرضى فاطمة فقد أرضانى، و من أسخط فاطمة فقد أسخطنى؟».
قالا: نعم سمعناه من رسول الله (ص).
قالت: فانى أشهد الله و ملائكته أنكما أسخطتمانى و ما أرضيتمانى، و لئن لقيت النبى لأشكونكما اليه.
فقال أبوبكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه و سخطك يا فاطمة، ثم انتحب أبوبكر يبكى، حتى كادت نفسه أن تزهق.
و هى تقول: والله لأدعون الله عليك فى كل صلاة أصليها.
ثم خرج باكيا فاجتمع اليه الناس، فقال لهم: يبيت كل رجل منكم معانقا حليلته، مسرورا بأهله، و تركتمونى و ما أنا فيه، لا حاجة لى فى بيعتكم، أقيلونى بيعتى.
قالوا: يا خليفة رسول الله، ان هذا الامر لا يستقيم، و أنت أعلمنا بذلك، انه ان كان هذا لم يقم لله دين.
فقال: والله لو لا ذلك و ما أخافه من رخاوة هذه العروة ما بت ليلة ولى فى عنق مسلم بيعة، بعدما سمعت و رأيت من فاطمة.
قال: فلم يبايع على كرم الله وجهه حتى ماتت فاطمة (رض)، و لم تمكث بعد أبيها الا خمسا و سبعين ليلة. قال: فلما توفيت ارسل. الخ [ قد تقدمت مصادر هذا الحديث فى فصل سابق.]
88- و قال عمر رضا كحالة: ان الاخباريين من الشيعة رووا: ان أبابكر كتب لفاطمة «بفدك كتابا، فلما خرجت به، وجدها عمر، فمد يده اليه ليأخذه مغالبة، فمنعته، فدفع بيده فى صدرها، و أخذ الصحيفة فرحقها» [ أعلام النساء: ج 4 ص 124.]
89- و يقول عبدالفتاح عبد المقصود: «و كذلك سبقت الشائعات خطوات ابن الخطاب ذلك النهار و هو يسير فى جمع من صحبه و معاونيه الى دار فاطمة، و فى باله أن يحمل ابن عم رسول الله- ان طوعا أو كرها- على اقرار ما أباه حتى الآن...
الى أن قال: و هل على ألسنة الناس عقال يمنعها أن تروى قصة حطب أمر به ابن الخطاب فأحاط بدار فاطمة، و فيها على و صحبه، ليكون عدة الاقناع أو عدة الايقاع. أقبل الرجل محنقا مندلع الثورة على دار على. و قد ظاهره معاونوه و من جاء بهم، فاقتحموا أو أوشكوا على اقتحام؛ فاذا وجه كوجه رسول الله يبدو بالباب حائلا عن حزن، على قسماته آلام و فى عينيه لمعات دمع، و فوق جبينه عبسة غضب فائر، و حنق ثائر، و راحت الزهراء و هى تستقبل المثوى الطاهر تستنجد بهذا الغائب الحاضر يا أبت يا رسول الله... ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب و ابن أبى قحافة، فما تركت كلماتها الا قلوبا صدعها الحزن [ الامام على بن أبى طالب: ج 1 ص 190 و 191 و عنه فى الغدير: ج 3 ص 103 و 104. ]
90- ذكر ابن ابى الحديد المعتزلى الشافعى: أنه قرأ على شيخه ابى جعفر النقيب قصة زينب حين روعها هبار بن الاسود، فقال له أبوجعفر:
«ان كان رسول الله (ص) أباح دم هبار، لأنه روع زينب، فالقت ذا بطنها، فظاهر الحال: أنه لو كان حيا لأباح دم من روع فاطمة حتى القت ذا بطنها.
فقلت: أروى عنك ما يقوله قوم: ان فاطمة روعت، فالقت المحسن؟!
فقال: لا تروه عنى، و لا ترو عنى بطلانه، فانى متوقف فى هذا
الموضوع لتعارض الاخبار عندى فيه» [ شرح نهج البلاغة: ج 14 ص 193 و البحار: ج 28 ص 323 و اثبات الهداة: ج 2 ص 360 و 337 و 338.]
91- و قالوا عن احمد بن محمد، بن محمد، بن السرى، بن يحيى بن ابى دارم المحدث: كان مستقيم الامر عامة دهره، ثم فى آخر أيامه كان اكثر ما يقرأ عليه المثالب، حضرته، و رجل يقرأ عليه: «ان عمر رفس فاطمة حتى اسقطت بمحسن» [ ميزان الاعتدال: ج 1 ص 139 و سير اعلام النبلاء: ج 15 ص 578 و لسان الميزان ج 1 ص 268.]
أبواب بيوت المدينة فى عهد الرسول نصوص و آثار
لابد الاشارة اليه:
بسمه تعالى، و الحمدلله، و الصلاة و السلام على محمد و آله الطاهرين.
هذا الباب كتب فى الاساس لينشر مستقبلا جوابا على شبهة طرحت، فيما يرتبط بقضية السيدة الزهراء عليهاالسلام.
ثم لما كتبنا عن الزهراء ما نجيب به على شكوك أخرى أثيرت- لسبب أو لآخر، و لا حظنا مدى الترابط بين هذا و ذاك، رأينا ان نلحقه به- كما هو- تيسيرا على القارى الكريم، الذى لو اردنا أن نحيله عليه- فيما اذا طبع مستقلا- فقد لا يتمكن من الاستفادة منه بسبب عدم توفره له...
تقديم:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمدلله رب العالمين، و الصلاة و السلام على محمد المصطفى، و على آله الطيبين الطاهرين.
و بعد.
فاننى قبل كل شى ء أحب أن يكون القارى ء الكريم على بينة من الأمر بالنسبة للنقاط التالية:
1- ان ما سوف يطلع عليه القارى ء الكريم فيما يلى من صفحات ليس بحثا علميا و تحليليا لقضية حياتية و حساسة. و انما هو مجرد عرض لطائفة من النصوص يهدف الى اقناع بعض الناس بأن عليهم أن لا يتسرعوا فى احكامهم، و ان لا يطلقوا لتصوراتهم العنان الى درجة الايحاء بأنهم يسخرون من عقول الناس، و يحتقرون و عيهم، و يهزأون بالمستوى الثقافى و العلمى لهم.
2- انى لآسف كل الاسف على هذه الايام من العمر التى صرفت فى جمع هذه النصوص، و كم كنت أتمنى لو اننى عوضا عن ذلك عالجت بعض الأمور الحياتية التى تفيد الناس. ولكن عزائى الوحيد هو أننى قد اكون بعملى هذا قد أسهمت بتحصين اولئك
الطيبين، الذين هم فى أعلى درجات الطهر و الصفاء، حتى لا تبهرهم العناوين الكبيرة الخادعة، و لا الأسماء اللامعة، فلا تؤثر عليهم الدعاوى العريضة التى يطلقها مثقف هنا، أو صاحب مقام هناك.
3- ان سبب المبادرة الى جمع هذه النصوص، و التاليف بينها، هو أن البعض ينسب الى أستاذ جامعى لمادة التاريخ الاسلامى فى جامعة دمشق [ المقصود هو الدكتور سهيل زكار.] أنه يقول: انه لم يكن فى عهد النبى لمداخل البيوت مصاريع خشبية تفتح و تغلق أو تقرع و تطرق، بل كانوا يسترون مداخل بيوتهم بالمسوح و الستائر.
و لا ندرى مدى صحة نسبة ذلك الى ذلك الرجل، و لا نعلم أيضا حدود و قيود هذه الدعوى، لو صحت النسبة اليه...
و استدل ذلك البعض على صحة كلام ذلك الاستاذ الجامعى بما يذكرونه من ان النبى (ص) قدم من سفر و وجد على باب بيت الزهراء [ و يلاحظ: ان عامة الروايات، و جل ان لم يكن كل النصوص التاريخية، و الكلمات التى وردت على لسان الصحابة و غيرهم، قد عبرت ببيت الزهراء: أو باب بيت الزهراء (ع)، و شذ و ندر أن تجد تعبيرا ببيت على (ع). و هذا أمر يلفت النظر حقا و لا بد من دراسة أسبابه و دوافعه لدى المحبين و المبغضين على حد سواء.] ستارا فيه تصاوير، فأزعجه ذلك، و كذلك قصة اكتشاف زنا المغيرة بن شعبة من رفع الريح لستار الباب، فرآه الشهود على تلك الحال المريبة...
و الهدف من ذلك كله هو التأكيد على عدم صحة ما ورد فى النصوص الصحيحة فى الحديث و التاريخ. من محاولة احراق باب
بيت فاطمة، و كسر ذلك الباب، أو ضغطها (عليهاالسلام) بين الباب و الحائط، و غير ذلك من أحداث مؤلمة و مسيئة للمبادى ء و القيم السلامية و الانسانية..
4- لقد ذكرت فى هذا العرض الذى سوف يسرح القارى ء طائفة من النصوص التى تدل على وجود أبواب ذات مصاريع فى المدينة المنرة، و فى مكة، و الكعبة فى عهد الرسول الاعظم (صلى الله عليه و آله و سلم) بالاضافة الى باقة صغيرة جدا مما يدل على وجود الابواب للبيوت فى عهد الخلفاء الأوائل. و لم ننس كذلك ان نورد بعض ما يدل على محاولتهم احراق باب بيت الزهراء عليهاالسلام، او التهديد بذلك حسبما سنرى.
5- اننى لم أقصد فيما عرضته هنا الى الاستيعاب، و الاستقصاء التام، لأننى أعلم: أن ذلك سينتج كتابا ضخما، يتألف من عدة مئات من الصفحات المشوحنة بالنصوص، و لم اجد مبررا لصرف العمر فى امر كهذا، ليس هو فى عداد المسلمات و البديهيات و حسب، بل كاد أن يكون الحديث فيه فظا و ممجوجا ايضا.
فكان أن اقتصرت فى الاكثر على مصادر محدودة، كالصحاح الستة، و مسند أحمد، و كنز العمال، من مصادر اهل السنة، و على البحار و بعض مصادره من مصادر شيعة اهل البيت، بالاضافة الى بعض ما يعرض امام الناظر فى المصادر الاخرى، و لم يكن ثمة عمد فى تقصى ما ورد فى هذا و ذاك على حد سواء.
و كأننى أشعر: أننى قد استدرجت الى صرف العمر فى أمر كنت أحسبه قليل الجدوى أو عديمها، لو لا اننى أردت كما قلت تحصين اولئك الذى قد تخدعهم الالقاب و الاسماء.