قال المجلسيان الاول و الثانى، و هما من أعاظم علمائنا: هذا الحديث صحيح [ مرآة العقول: ج 5 ص 315، و روضة المتقين: ج 5 ص 342.]
38- و روى العلامة الجليل العابد الزاهد، السيد ابن طاووس باسناده عن الامام الكاظم (ع)، عن أبيه (ع) قال:
قال رسول الله (ص): يا على، ما أنت صانع لو قد تآمر القوم عليك بعدى، و تقدموا عليك، و بعث اليك (...) يدعوك الى البيعة، ثم لببت بثوبك تقاد، كما يقاد الشارد من الابل، مذموما مخذولا، محزونا مهموما. و بعد ذلك ينزل بهذه الذل [ البحار: ح 22 ص 493.] الخ...
ما روى عن الامام الرضا:
39- قال العالم العابد الزاهد السيد ابن طاووس رحمه الله:
دعاء آخر لمولانا الرضا (ع) فى سجدة الشكر، رويناه باسنادنا الى سعد بن عبدالله فى كتاب فضل الدعاء، قال أبوجعفر، عن محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا.
و بكير بن صالح، عن سليمان بن جعفر، عن الرضا، قالا: دخلنا عليه و هو ساجد فى سجدة الشكر، فأطال فى سجوده، ثم رفع
رأسه، فقلنا له: أطلت السجود؟!
فقال: من دعا فى سجدة الشكر بهذا الدعاء، كان كالرامى مع رسول الله (ص) يوم بدر.
قال: قلنا: فنكتبه؟
قال: اكتبا، اذا أنتما سجدتما سجدة الشكر، فتقولا:... ثم ذكر الدعاء و فيه الفقرة التالية: «... و استهزءا برسولك، و قتلا ابن نبيك الخ...» [ مهج الدعوات: ص 257 و 258، و المصباح للشيخ الكفعمى: ص 553 و 554، و بحارالانوار: ج 30 ص 393، و ج 83 ص 223، و مسند الامام الرضا (ع) للعطاردى: ج 2 ص 65.]
ما روى عن الامام الجواد:
40- عن محمد بن هارون بن موسى، عن ابيه، عن محمد بن الحسن بن احمد بن الوليد، عن أحمد بن أبى عبدالله البرقى، عن زكريا بن آدم، قال:
انى لعند الرضا اذ جى ء بأبى جعفر عليه السلام، و سنه أقل من أربع سنين، فضرب بيده الى الأرض، و رفع رأسه الى السماء فأطال الفكر؛ فقال له الرضا عليه السلام:
بنفسى أنت، فلم طال فكرك؟!
فقال: فيما صنع بأمى فاطمة، أما والله...
ثم ذكر عليه السلام ما سوف يعاقب به من فعل ذلك. [ البحار: ج 50 ص 59 عن دلائل الامامة للطبرى.]
و نقول:
و هذه الرواية و ان لم تكن صريحة فى تفاصيل ما جرى، ولكنها أيضا تعبر عن أنها عليهاالسلام- شخصيا- قد تعرضت لظلم فاحش.
ما روى عن الامام العسكرى:
41- عن السيد ابن طاووس فى زوائد الفوائد، و عن كتاب المختصر لشيخ حسن بن سليمان، عن خط على بن مظاهر الواسطى، باسناد متصل عن محمد بن العلاء الهمدانى الواسطى.
ثم نقله عن كتاب المختصر، و قال فى آخره: نقلته من خط محمد بن على بن طى، و فيه:
ان ابن أبى العلاء الهمدانى، و يحيى بن محمد بن حويج تنازعا فى أمر ابن الخطاب، فتحاكما الى أحمد بن اسحاق القمى، صاحب الامام الحسن العسكرى، فروى لهم عن الامام العسكرى، عن أبيه (ع): ان حذيفة روى عن النبى (ص) حديثا مطولا يخبر النبى (ص) فيه حذيفة بن اليمان عن أمور ستجرى بعده، ثم قال حذيفة و هو يذكر انه رأى تصديق ما سمعه:
«.. و حرف القرآن، و أحرق بيت الوحى... الى أن قال: و لطم وجه الزكية..» [ البحار: ج 95 ص 351، و 353 و 354 و ج 31 ص 126، و عن المحتضر للشيخ حسن بن سليمان: ص 44- 55 (كما فى هامش البحار) و ذكر فى الهامش أيضا: ان الطبرى قد رواه فى دلائل الامامة، فى الفصل المتعلق بأميرالمؤمنين (ع)، و رواه الشيخ هاشم بن محمد (من علماء القرن السادس) فى كتاب مصباح الانوار. و الجزائرى فى الانوار النعمانية باسناد آخر. فراجع.]
ظلم الزهراء فى الاحتجاجات المذهبية عبر الاجيال
توطئة و بيان:
ثم ان قضية التعدى على الزهراء (عليهاالسلام) بالضرب، و مهاجمة بيتها، و محاولة احراقه، و مباشرة ذلك بالفعل، بل و اسقاط جنينها، و غير ذلك من أمور،- ان كل ذلك- قد دخل فى مجالات الحجاج و الاحتجاج المذهبى، منذ الصدر الاول، و الى يومنا هذا...
و نحن نذكر عينات من احتجاجات المتكلمين و غيرهم من أعيان الطائفة على خصومهم عبر العصور المتلاحقة. ليظهر ان هذه المفردات لم يخترعها قراء العزاء لاستنزاف دموع الناس بالكلمة الصادقة و الكاذبة على حد تعبير البعض. و نترك أمر تقصى ذلك الى من يشاء.
فنقول:
و على الله نتوكل، و منه نستمد الحول و القوة و السداد.
القاضى عبدالجبار (ت 415 ه).
قال القاضى عبدالجبار، و هو من أعاظم المعتزلة، ردا على الشيعة:
«... و من جملة ما ذكروه من الطعن ادعاؤهم: ان فاطمة (ع)
لغضبها على أبى بكر و عمر أوصت أن لا يصليا عليها، و أن تدفن سرا منهما، فدفنت ليلا و ادعوا برواية رووها عن جعفر بن محمد و غيره: ان عمر ضرب فاطمة بسوط، و ضرب الزبير بالسيف.
و ذكروا: ان عمر قصد منزلها، و على، و الزبير، و المقداد، و جماعة ممن تخلف عن أبى بكر يجتمعون هناك، فقال لها: ما أجد بعد أبيك أحب الى منك. و أيم الله، لئن اجتمع هؤلاء النفر عندك ليحرقن عليهم، فمنعت القوم من الاجتماع، و لم يرجعوا اليها حتى بايعوا لابى بكر الى غير ذلك من الروايات البعيدة.
الجواب: انا لا نصدق بذلك...» [ المغنى للقاضى عبدالجبار: ج 20 ق 1 ص 335، و راجع: الشافى للسيد المرتضى: ج 4 ص 110، و شرح نهج البلاغة للمعتزلى: ج 16 ص 271.]
و قال: «... فأما ما ذكروه من حديث عمر فى باب الاحراق، فلو صح لم يكن طعنا على عمر، لأن له أن يهدد من امتنع عن المبايعة [ المغنى: ج 2 ق 1 ص 337، و الشافى: ج 4 ص 112 و 119.]
السيد المرتضى علم الهدى (ت 436 ه).
و قال السيد المرتضى علم الهدى، ردا على كلام القاضى:
«قد بينا: ان خبر الاحراق قد رواه غير الشيعة ممن لا يتهم على القوم». الى أن قال: «و الذى اعتذر به من حديث الاحراق اذا صح طريف، و أى عذر لمن أراد أن يحرق على أميرالمؤمنين، و فاطمة (ع) منزلهما؟! [ الشافى للسيد المرتضى: ج 4 ص 119 و 120.]».
و قال: ردا على انكار عبدالجبار ضرب فاطمة (ع) و الهجوم على دارها، و التهديد بالاحراق، و قوله: لا نصدق ذلك و لا نجوزه:
«فانك لم تسند انكارك الى حجة أو شبهة فنتكلم عليها. و الدفع لما يروى بغير حجة لا يلتفت اليه» [ الشافى للسيد المرتضى: ج 4 ص 110- 113. و نقول هنا للسيد المرتضى رحمه الله: ما أشبه الليلة بالبارحة!!]
و حين ادعى عبدالجبار: ان أخبار ضرب فاطمة (ع) كروايات الحلول، أجابه السيد المرتضى رحمه الله بقوله:
«ألست تعلم: ان هذا المذهب يذهب اليه أصحاب الحلول، و العقل دال على بطلان قولهم؟! فهل العقل دال على استحالة ما روى من ضرب فاطمة (ع)؟!
فان قال: هما سيان.
قيل له: فبين استحالة ذلك فى العقل، كما بينت استحالة الحلول، و قد ثبت مرادك. و معلوم عجزك عن ذلك» [ الشافى: ج 4 ص 117.]
و قال:
«... و بعد، فلا فرق بين أن يهدد بالاحراق للعلة التى ذكرها، و بين ضرب فاطمة لمثل هذه العلة، فان احراق المنازل أعظم من ضربة بالسوط... فلا وجه لا متعاض صاحب الكتاب من ضربة سوط، و تكذيب ناقلها» [ الشافى: ج 4 ص 120.]
الشيخ الطوسى (ت 460 ه).
و قال شيخ الطائفة، الشيخ محمد بن الحسن الطوسى رحمه الله تعالى.
«و مما أنكر عليه: ضربهم لفاطمة (ع)، و قد روى: انهم ضربوها بالسياط، و المشهور الذى لا خلاف فيه بين الشيعة: ان عمر ضرب على بطنها حتى أسقطت، فسمى السقط (محسنا). و الرواية بذلك مشهورة عندهم. و ما أرادوا من احراق البيت عليها- حين التجأ اليها قوم، و امتنعوا من بيعته.
و ليس لأحد أن ينكر الرواية بذلك، لأنا قد بينا الرواية الواردة من جهة العامة من طريق البلاذرى و غيره، و رواية الشيعة مستفيضة به، لا يختلفون فى ذلك.
و ليس لأحد أن يقول: انه لو صح ذلك لم يكن طعنا، لأن للامام أن يهدد من امتنع من بيعته ارادة للخلاف على المسلمين. و ذلك: انه لا يجوز أن يقوم عذر فى احراق الدار على فاطمة (ع) و أميرالمؤمنين والحسن والحسين (عليهماالسلام ). و هل فى مثل ذلك عذر يسمع؟
و انما يكون مخالفا للمسلمين و خارقا لاجماعهم اذا كان الاجماع قد تقرر و ثبت، و انما يصح ذلك و يثبت متى كان أميرالمؤمنين و من قعد عن بيعته ممن انحاز الى بيت فاطمة (ع) داخلا فيه غير خارج عنه.
و أى اجماع يصح مع خلاف أميرالمؤمنين (عليه السلام )- وحده، فضلا عن أن يبايعه على ذلك غيره.؟ و من قال هذا من الجبائى
و غيره- بانت عداوته، و عصبيته، لأن قصة الاحراق جرت قبل مبايعة أميرالمؤمنين (عليه السلام) و الجماعة الذين كانوا معه فى منزله، و هم انما يدعون الاجماع- فيما بعد- لما بايع الممتنعون.. فبان: ان الذى انكرناه منكر [ تلخيص الشافى: ج 3 ص 156 و 157.]».
و قال الشيخ الطوسى أيضا:
و قد روى البلاذرى، عن المدائنى، عن مسلمة بن محارب، عن سليمان التميمى عن أبى عون: ان أبابكر أرسل الى على (عليه السلام) يريده على البيعة، فلم يبايع- و معه قبس- فتلقه فاطمة (عليهاالسلام) على الباب، فقالت: يا ابن الخطاب، أتراك محرقا على بابى؟ قال: نعم [ تلخيص الشافى: ج 3 ص 76، و الشافى للسيد المرتضى: ج 3 ص 241. و راجع: البحار: ج 28 ص 389 و 411، و هامش ص 268، و أنساب الاشراف: ج 1 ص 586.
و راجع: المصادر التالية، فان بعضها أبدل كلمة: بابى، بكلمة: بيتى:
العقد الفريد: ج 4 ص 259 و 260، و كنز العمال: ج 3 ص 49، و الرياض النضرة: ج 1 ص 167، و المختصر فى أخبار البشر: ج 1 ص 156، و الطرائف: ص 239، و تاريخ الخميس: ج 1 ص 178، و نهج الحق: ص 271، و نفحات اللاهوت، ص 79، و راجع: العوالم ج 11 ص 602 و 408، والشافى لابن حمزة: ج 4 ص 174.] و ذلك أقوى فيما جاء به أبوك. و جاء على (ع)، فبايع.
قال الشيخ الطوسى: و هذا الخبر قد روته الشيعد من طرق كثيرة، و انما الطريف أن يرويه شيوخ محدثى العامة، لكنهم كانوا يروون ما سمعوا بالسلامة. و ربما تنبهوا على ما فى بعض ما يروونه عليهم، فكفوا منه، و أى اختيار لمن يحرق عليه بابه حتى يبايع؟ [ تلخيص الشافى: ج 3 ص 76.]