يسع أحدا من العالمين إلا اتباعه ومن يبتغ غير دينه دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين. (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) (1). (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا أو نذيرا) (2). ولما كانت الاديان السابقة لم يقدر الله لها الخلود، لم يتعهد بحفظها ولم يهئ لها من يقوم برعايتها وصيانتها، فلم تسلم من التحريف حتى كتبهم المقدسة المنزلة إليهم. وذلك بشهادة القرآن العظيم. (من الذين هادوا يحرقون الكلم عن مواضعه، ويقولون سمعنا وعصينا) (3). وندد بهم في قوله تعالى: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله، ليشتروا به ثمنا قليلا) (4). وأما شريعتنا الحنيفية البيضاء فقد وعد الله وتعهد بفضله ورحمته بحفظها قال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر، وإنا له لحافظون) (5). وهيأ لها رجالا ونساءا في كل عصر ومصر وفي كل قرن وزمن لحفظها من جميع نواحيها.
(1) سورة الفتح: 28، سورة الصف: 9. (2) سورة سبأ: 28. (3) سورة النساء: 46. (4) سورة البقرة: 79. (5) سورة الحجر: 9. (*)
[ 9 ]
هيأ لها رجالا يقومون بحفظ كتابه عن ظهر قلب ويتلونه ويدارسونه، ويحفظونه بين الدقتين، يحفظونه بدراسته وتقويم معانيه بالتفسير واستنباط الاحكام وجميع ما يتعلق به. ثم تدبره والعمل بما فيه، ولما كانت آيات القرآن الكريم مجملة، أكرم الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بتكليفه بيان ما فيها من الاجمال، وتوضيح ما يحتاج إلى توضيح وتفصيل. قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (1). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان، على أريكته، يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال، فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام، فحرموه ألا لا يحل لكم لحم الحمار الاهلي... (2). وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته بتبليغ ما يعلمون منه إلى غيرهم فقال: بلغوا عني ولو آيتي (3). وقال: ليبلغ الشاهد منكم الغائب (4). وقال: تركت فيكم شيئين، لن تضلوا بعدهما، كتاب الله وسنتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض (5).
(1) سورة النحل: 44. (2) صحيح الجامع الصغير 2: 375. (3) صحيح البخاري 6: 496. (4) صحيح البخاري 1: 199. (5) صحيح الجامع الصغير 3: 39. (*)