کشف الغمه فی معرفه الائمه جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

کشف الغمه فی معرفه الائمه - جلد 1

بهاء الدین ابوالحسن علی بن عیسی اربلی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید
فهرس كشف الغمة في معرفة الأئمة / ج 1
هذا محمد رسول الله - ذكر أسمائه
ذكر مولده (صلى الله عليه وآله وسلم)
ذكر نسبه (صلى الله عليه وآله وسلم)
ذكر مدة حياته (صلى الله عليه وآله وسلم)
ذكر آياته و معجزاته الخارقة للعوائد
فصل في فضل بني هاشم و شرفهم
رسالة أخرى في التفضيل
معنى قولهم آل الرسول و أهل البيت و العترة و تبيين من هم
فصل : في ذكر ما ورد فيما قدمناه من الآثار
في ذكر الإمامة و كونهم خصوا بها و كون عددهم منحصرا في اثني عشر إماما
ذكر الإمام علي بن أبي طالب عليه أفضل السلام
ذكر نسبه (عليه السلام) من قبل أبيه
ذكر كناه (صلى الله عليه وآله وسلم)
ألقابه (صلى الله عليه وآله وسلم)
صفته (عليه السلام)
في بيعته و ما جاء فيها
ما جاء في إسلامه و سبقه و سنه يومئذ
في ذكر الصديقين
في محبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إياه و تحريضه على محبته و موالاته و نهيه عن بغضه
في فضل مناقبه و ما أعده الله تعالى لمحبيه و ذكر غزارة علمه و كونه أقضى الأصحاب
المسألة المعروفة بالدينارية و شرحها :
المسألة المنبرية
فمن أحكامه
في بيان أنه (عليه السلام) أفضل الأصحاب
ما ورد في تفضيله (عليه السلام) على الأصحاب صريحا
في وصف زهده في الدنيا و سنته في رفضها و قناعته باليسير منها و عبادته
في شجاعته و نجدته و تورطه المهالك في الله و رسوله و شراء نفسه ابتغاء مرضاة الله تعالى
غزوة بدر
فصل : و قد أثبت رواة العامة و الخاصة معا أسماء الذين تولى ....
غزوة أحد
فصل : و قد ذكر أهل السير قتلى أحد من المشركين و كان جمهورهم قتلى
غزوة الخندق
فصل في غزاة بني النضير
فصل : و كانت غزاة الأحزاب بعد غزاة بني النضير و هي غزاة الخندق و ذلك ....
فصل : و لما انهزم الأحزاب و ولوا عن المسلمين عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ....
فصل : و كان من بلائه (عليه السلام) في بني المصطلق ما هو مشهور بين العلماء ....
فصل في : غزاة الحديبية
غزوة خيبر
فصل : ثم تلا غزاة خيبر مواقف
غزوة الفتح
فصل : لما أنفذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد إلى....
غزوة حنين
ثم كانت غزوة تبوك
فصل ثم كانت غزاة السلسلة
فصل و لما انتشر أمر الإسلام بعد الفتح و ما ولاه من الغزوات وفدت الوفود ....
فصل و تلا وفد نجران إنفاذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) إلى....
فأما حروبه في زمن خلافته (عليه السلام)
فمن ذلك وقعة الجمل
حرب صفين
أمر الخوارج
فصل في ذكر كراماته و ما جرى على لسانه من إخباره بالمغيبات
في ذكر رسوخ الإيمان في قلبه عليه أفضل الصلاة و السلام
في ذكر أنه أقرب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنه مولى من كان مولاه
في بيان أمر سورة براءة و كون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر عليا (عليه السلام) بتبليغها
في بيان ما نزل من القرآن في شأنه (عليه السلام)
في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لا تؤذوا فاطمة و عليا و ولديهما
في ذكر المؤاخاة له (عليه السلام)
في ذكر سد الأبواب
في ذكر أحاديث خاصف النعل
في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت وارثي و حامل لوائي و ما هو مكتوب على باب الجنة
ذكر مخاطبته بأمير المؤمنين في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
في ذكر تزويجه (عليه السلام) فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام)
فصل : في ذكر مناقب شتى و أحاديث متفرقة أوردها الرواة و المحدثون
في ذكر قتله و مدة خلافته و ذكر عدد أولاده (صلى الله عليه وآله وسلم)
ذكر أولاده الذكور و الإناث (عليه السلام)
الفصل الحادي عشر : في ذكر أولاده (عليه السلام)


هذا محمد رسول الله - ذكر أسمائه
أشهرها محمد و قد نطق به القرآن المجيد و اشتقاقه من الحمد يقال حمدته أحمده إذا أثبت عليه بجليل خصاله و أحمدته إذا صادفته محمودا و بناء اسمه يعطي المبالغة في بلوغه غاية المحمدة.

و من أسمائه : : أحمد و قد نطق به القرآن أيضا و اشتقاقه من الحمد كأحمر من الحمرة و يجوز أن يكون لغة في الحمد .

قال ابن عباس رضي الله عنه : اسمه في التوراة ; أحمد الضحوك القتال يركب البعير و يلبس الشملة و يجتزي بالكسرة سيفه على عاتقه.

و من أسمائه : (صلى الله عليه وآله وسلم) :الماحي .

عن جبير بن مطعم عن أبيه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن لي أسماء أنا محمد و أنا أحمد و أنا الماحي يمحى بي الكفر .

[8]
و قيل يمحى به سيئات من اتبعه و يجوز أن يمحى به الكفر و سيئات تابعيه و أنا الحاشر يحشر الناس على قدمي و أنا العاقب و هو الذي لا نبي بعده و كل شي‏ء خلف شيئا فهو عاقب و المقفي و هو بمعنى العاقب لأنه تبع الأنبياء يقال فلان يقفو أثر فلان أي يتبعه.

و من أسمائه : (صلى الله عليه وآله وسلم) :الشاهد لأنه يشهد في القيامة للأنبياء (عليهم السلام) بالتبليغ على الأمم بأنهم بلغوا قال الله تعالى فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً : أي شاهدا و قال الله تعالى وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً و البشير من البشارة لأنه يبشر أهل الإيمان بالجنة و النذير لأهل النار بالخزي نعوذ بالله العظيم و الداعي إلى الله لدعائه إلى الله و توحيده و تمجيده و السراج المنير لإضاءة الدنيا به و محو الكفر بأنوار رسالته كما قال العباس عمه رضي الله عنه يمدحه :

و أنت لما ولدت أشرقت الأرض *** و ضاءت بنورك الأفق

‏فنحن في ذلك الضياء و في *** النور و سبل الرشاد نخترق

و من أسمائه : (صلى الله عليه وآله وسلم) : نبي الرحمة قال الله تعالى عز و جل وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنما أنا رحمة مهداة .

و الرحمة في كلام العرب العطف و الرأفة و الإشفاق و كان بالمؤمنين رحيما كما وصفه الله تعالى و قال عمه أبو طالب رحمه الله يمدحه :

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) : نبي الملحمة ورد في الحديث و الملحمة الحرب و سمي بذلك لأنه بعث بالذبح و روي أنه سجد يوما فأتى بعض الكفار بسلى ناقة فألقاه على ظهره و السلى بالقصر الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من المواشي
[9]
فقال يا معشر قريش أي جوار هذا و الذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح فقام إليه أبو جهل و لاذ به من بينهم و قال يا محمد ما كنت جهولا و سمي نبي الملحمة بذلك .

و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) :الضحوك كما تقدم أنه ورد في التوراة و إنما سمي بذلك لأنه كان طيب النفس .

و قد ورد أنه كان فيه دعابة .

و قال : إني لأمزح و لا أقول إلا حقا .

و قال لعجوز : الجنة لا تدخلها العجز فبكت فقال إنهن يعدن أبكارا .

و روي عنه مثل هذا كثيرا و كان يضحك حتى يبدو ناجذه و قد ذكر الله سبحانه لينه و رفقه فقال فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ و كذلك كانت صفته (صلى الله عليه وآله وسلم ) على كثرة من ينتابه من جفاة العرب و أجلاف البادية لا يراه أحد ذا ضجر و لا ذا جفاء و لكن لطيفا في المنطق رفيقا في المعاملات لينا عند الجوار كان وجهه إذا عبست الوجوه دارة القمر عند امتلاء نوره (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) : القتال سيفه على عاتقه سمي بذلك لحرصه على الجهاد و مسارعته إلى القراع و دأبه في ذات الله و عدم إحجامه و لذلك .

قال علي (عليه السلام) : كنا إذا احمر البأس اتقيناه برسول الله لم يكن منا أحد أقرب إلى العدو منه .

و ذلك مشهور من فعله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد إذ ذهب القوم في سمع الأرض و بصرها و يوم حنين إذ ولوا مدبرين و غير ذلك من أيامه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أذل بإذن الله صناديدهم و قتل طواغيتهم و دوخهم و اصطلم جماهيرهم و كلفه الله القتال بنفسه فقال لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ فسمي القتال .

[10]
و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) : المتوكل و هو الذي يكل أموره إلى الله فإذا أمره الله بشي‏ء نهض به غير هيوب و لا ضرع و اشتقاقه من قولنا رجل وكل أي ضعيف و كان (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا دهمه أمر عظيم أو نزلت به ملمة راجعا إلى الله عز و جل غير متوكل على حول نفسه و قوتها صابرا على الضنك و الشدة غير مستريح إلى الدنيا و لذاتها لا يسحب إليها ذيلا و هو القائل ما لي و للدنيا إنما مثلي و مثل الدنيا كراكب أدركه المقيل في أصل شجرة فقال في ظلها ساعة و مضى .

و قال (عليه السلام) : إذا أصبحت آمنا في سربك معافى في بدنك عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفا .

و قال لبعض نسائه : أ لم أنهك أن تحبسي شيئا لغد فإن الله يأتي برزق كل غد .

و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) : القثم و له معنيان أحدهما من القثم و هو الإعطاء لأنه كان أجود بالخير من الريح الهابة يعطي فلا يبخل و يمنح فلا يمنع و قال الأعرابي الذي سأله أن محمدا يعطي عطاء من لا يخاف الفقر و روي أنه أعطى في يوم هوازن من العطايا ما قوم خمسمائة ألف ألف و غير ذلك مما لا يحصى و الوجه الآخر أنه من القثم و هو الجمع يقال للرجل الجموع للخير قثوم و قثم كذا حدث به الخليل فإن كان هذا الاسم من هذا فلم تبق منقبة رفيعة و لا خلة جليلة و لا فضيلة نبيلة إلا و كان لها جامعا قال ابن فارس و الأول أصح و أقرب.

و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) :الفاتح لفتحه أبواب الإيمان المنسدة و إنارته الظلم المسودة قال الله تعالى في قصة من قال
[11]
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ أي احكم فسمي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاتحا لأن الله سبحانه حكمه في خلقه يحملهم على المحجة البيضاء و يجوز أن يكون من فتحه ما استغلق من العلم و كذا روي عن علي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان يقول في صفته الفاتح لما استغلق و الوجهان متقاربان.

و من أسمائه : الأمين و هو مأخوذ من الأمانة و أدائها و صدق الوعد و كانت العرب تسميه بذلك قبل مبعثه لما شاهدوه من أمانته و كل من أمنت منه الخلف و الكذب فهو أمين و لهذا وصف به جبرئيل (عليه السلام) فقال مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ .

و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) : الخاتم قال الله تعالى خاتَمَ النَّبِيِّينَ من قولك ختمت الشي‏ء أي تممته و بلغت آخره و هي خاتمة الشي‏ء و ختامه و منه ختم القرآن و ختامه مسك أي آخر ما يستطعمونه عند فراغهم من شربه ريح المسك فسمي به لأنه آخر النبيين بعثة و إن كان في الفضل أولا .

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا و أوتيناه من بعدهم .

فأما المصطفى : فقد شاركه فيه الأنبياء صلى الله عليه و عليهم أجمعين و معنى الاصطفاء الاختيار و كذلك الصفوة و الخيرة إلا أن اسم المصطفى على الإطلاق ليس إلا له (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنا نقول آدم مصطفى نوح مصطفى إبراهيم مصطفى فإذا قلنا المصطفى تعين (صلى الله عليه وآله وسلم) و ذلك من أرفع مناقبه و أعلى مراتبه.

و من أسمائه (صلى الله عليه وآله وسلم) :الرسول ; و النبي الأمي .

والرسول و النبي قد شاركه فيهما الأنبياء (عليهم السلام) و الرسول من الرسالة و الإرسال و النبي يجوز أن يكون من الإنباء و هو الإخبار و يحتمل أن يكون من نبأ إذا ارتفع سمي بذلك لعلو مكانه و لأنه خيرة الله من خلقه.

[12]
و أما الأمي : فقال قوم إنه منسوب إلى مكة و هي أم القرى كما قال تعالى بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا و قال آخرون أراد الذي لا يكتب قال ابن فارس و هذا هو الوجه لأنه أدل على معجزه فإن الله علمه علم الأولين و الآخرين و من علم الكائنات ما لا يعلمه إلا الله تعالى و هو أمي و الدليل عليه قوله تعالى وَ ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَ لا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ .

و روي عنه : نحن أمة أمية لا نقرأ و لا نكتب .

و قد روي غير ذلك .

و من أسمائه : يا أيها المزمل ; يا أيها المدثر : و معناهما واحد يقال زمله في ثوبه أي لفه و تزمل بثيابه أي تدثر و الكريم في قوله تعالى إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ و سماه نورا في قوله تعالى قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ .

و من أسمائه : نعمة في قوله يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها و عبدا في قوله تعالى نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تدعني إلا بياعبده لأنه أشرف أسمائي .

و رءوفا و رحيما في قوله تعالى بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ و سماه عبد الله في قوله تعالى وَ أَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ و سماه طه و يس و منذرا في قوله تعالى إِنَّما أَنْتَ
[13]
مُنْذِرٌ و مذكر في قوله إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ و نبي التوبة .

و روى البيهقي في كتاب دلائل النبوة بإسناده عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله خلق الخلق [الخلائق] قسمين فجعلني في خيرهما قسما و ذلك قوله تعالى وَ أَصْحابُ الْيَمِينِ وَ أَصْحابُ الشِّمالِ فأنا من أصحاب اليمين و أنا من خير أصحاب اليمين ثم جعل القسمين أثلاثا فجعلني في خيرها ثلثا فذلك قوله فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَ أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ فأنا من السابقين و أنا خير السابقين ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة و ذلك قوله تعالى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا فأنا أتقى ولد آدم و أكرمهم على الله و لا فخر ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا و ذلك قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً فأنا و أهل بيتي مطهرون من الذنوب و قد رواه ابن الأخضر الجنابذي و ذكره في كتابه معالم العترة النبوية .

و قال عمه أبو طالب رضي الله عنه :

شعر :
و شق له من اسمه كي يجله *** فذو العرش محمود و هذا محمد

و قيل إنه لحسان من قصيدة أولها :

أ لم تر أن الله أرسل عبده *** و برهانه و الله أعلى و أمجد

و من صفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) التي وردت في الحديث راكب الجمل و محرم الميتة و خاتم النبوة و حامل الهراوة و هي العصا الضخمة و الجمع الهراوى بفتح الواو مثال المطايا و رسول الرحمة و قيل إن اسمه في التوراة بمادماد و صاحب الملحمة و كنيته أبو الأرامل و اسمه في الإنجيل الفارقليط .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا الأول و الآخر .

الأول لأنه أول في النبوة و آخر في البعثة و كنيته أبو القاسم و روى أنس أنه لما ولد
[14]
له إبراهيم من مارية القبطية أتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال السلام عليك أبا إبراهيم أو يا أبا إبراهيم (صلى الله عليه وآله وسلم) .

ذكر مولده (صلى الله عليه وآله وسلم)
نقلت من كتاب تاريخ المواليد و وفاة أهل البيت (عليهم السلام) رواية الشيخ الأديب أبي محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب عن شيوخه و النسخة التي نقلت منها بخط الشيخ علي بن محمد بن محمد بن وضاح الشهراباني رحمه الله و كان من أعيان الحنابلة في زماني رأيته و أجاز لي و توفي في ثاني صفر سنة اثنتين و سبعين و ستمائة .

عن أبي جعفر الباقر محمد بن علي (عليه السلام) قال : قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو ابن ثلاث و ستين سنة في سنة عشر من الهجرة فكان مقامه بمكة أربعين سنة ثم نزل عليه الوحي في تمام الأربعين و كان بمكة ثلاث عشرة سنة ثم هاجر إلى المدينة و هو ابن ثلاث و خمسين سنة فأقام بالمدينة عشر سنين و قبض (صلى الله عليه وآله وسلم) في شهر ربيع الأول يوم الإثنين لليلتين خلتا منه .

قال أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي رحمه الله : ولد (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة شرفها الله تعالى يوم الجمعة عند طلوع الشمس السابع عشر من ربيع الأول عام الفيل و في رواية العامة ولد (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الإثنين ثم اختلفوا فمن قائل لليلتين من ربيع الأول و من قائل لعشر خلون منه و قيل لاثنتي عشر ليلة و ذلك لأربع و ثلاثين سنة و ثمانية أشهر مضت من ملك كسرى أنو شيروان بن قباد قاتل مزدك و الزنادقة و هو الذي عنى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يزعمون .

ولدت في زمن الملك العادل أو الصالح .

و لثماني سنين و ثمانية أشهر من ملك عمرو بن هند ملك العرب و قيل بعد قدوم الفيل بشهرين و ستة أيام و روي لثماني عشرة ليلة منه قال و فيه بعث و فيه عرج به و فيه هاجر و فيه مات رواه
[15]
جابر بن عبد الله الأنصاري و رواه البغوي و قيل لعشر خلون منه و قيل لثمان بقين منه رواه ابن الجوزي و الحافظ أبو محمد بن حزم و قيل لثمان خلون من ربيع الأول .

أقول : إن اختلافهم في يوم ولادته سهل إذ لم يكونوا عارفين به و بما يكون منه و كانوا أميين لا يعرفون ضبط مواليد أبنائهم فأما اختلافهم في موته فعجيب و لا عجب من هذا مع اختلافهم في الأذان و الإقامة بل اختلافهم في موته أعجب فإن الأذان ربما ادعى كل قوم أنهم رووا فيه رواية فأما يوم موته (صلى الله عليه وآله وسلم) فيجب أن يكون معينا معلوما .

ذكر نسبه (صلى الله عليه وآله وسلم)
هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب و اسمه شيبة الحمد بن هاشم و اسمه عمرو بن عبد مناف و اسمه المغيرة بن قصي و اسمه زيد بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر و هو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .

و روي أنه قال : إذا بلغ نسبي إلى عدنان فأمسكوا .

أقول : إني أمسك عند عدنان كما أمر (صلى الله عليه وآله وسلم) و اتصال نسبه بآدم أبي البشر (عليه السلام) كثير موجود في كتب التواريخ و الأنساب و الله أعلم.

و أمه (صلى الله عليه وآله وسلم) : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة .

و أرضعته : حتى شب حليمة بنت عبد الله بن الحارث السعدية من بني سعد بن بكر بن هوازن ; و أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب قبل قدوم حليمة أياما بلبن ابنها مسروح و توفيت ثويبة مسلمة سنة سبع من الهجرة و مات ابنها قبلها و كانت ثويبة قد أرضعت قبله عمه حمزة رضي الله عنه فلهذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد حودث في التزويج بابنة حمزة إنها ابنة أخي من الرضاعة و كان حمزة أسن منه بأربع سنين .

[16]

ذكر مدة حياته (صلى الله عليه وآله وسلم)
عاش كما ذكرنا ثلاثا و ستين سنة منها مع أبيه سنتان و أربعة أشهر و مع جده عبد المطلب ثماني سنين ثم كفله عمه أبو طالب بعد وفاة عبد المطلب فكان يكرمه و يحميه و ينصره بيده و لسانه أيام حياته و قيل إن أباه مات و هو حمل و قيل مات و عمره سبعة أشهر و ماتت أمه و عمره ست سنين .

و روى مسلم في صحيحه أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي فزوروا القبور تذكركم الموت .

و تزوج خديجة و هو ابن خمس و عشرين سنة و توفي عمه أبو طالب و عمره ست و أربعون سنة و ثمانية أشهر و أربعة و عشرون يوما و توفيت خديجة (عليه السلام) بعده بثلاثة أيام فسمي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك العام عام الحزن .

و روى هشام بن عروة عن أبيه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما زالت قريش كاعة عني حتى مات أبو طالب .

يقال كع يكع كعوعا و حكى يونس يكع بالضم قال سيبويه و الكسر أجود فهو كع و كاع إذا كان جبانا ضعيفا.

و أقام بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة ثم هاجر إلى المدينة بعد أن استتر في الغار ثلاثة أيام و قيل ستة أيام و دخل المدينة يوم الإثنين الحادي عشر من ربيع الأول و بقي بها عشر سنين ثم قبض لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة للهجرة .

عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : لما حضر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل يغمى عليه فقالت فاطمة وا كرباه لكربك يا أبتاه ففتح عينيه و قال لا كرب على أبيك بعد اليوم و قال (عليه السلام) و المسلمون مجتمعون حوله أيها الناس إنه لا نبي بعدي و لا سنة بعد سنتي فمن ادعى ذلك فدعواه و باغيه في النار أيها الناس أحيوا القصاص و أحيوا الحق لصاحب الحق و لا تفرقوا و أسلموا و سلموا كتب الله لأغلبن أنا و رسلي إن الله قوي عزيز .

[17]
و من كتاب أبي إسحاق الثعلبي قال : دخل أبو بكر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو قد ثقل , فقال يا رسول الله متى الأجل ?

قال : قد حضر .

قال أبو بكر : الله المستعان على ذلك , فإلى ما المنقلب ?

قال : إلى السدرة المنتهى و جنة المأوى و إلى الرفيق الأعلى و الكأس الأوفى و العيش المهنا .

قال أبو بكر : فمن يلي غسلك ?

قال رجال أهل بيتي الأدنى فالأدنى .

قال : ففيم نكفنك ?

قال : في ثيابي [بثيابي] هذه التي علي ; أو في حلة يمانية خز ; أو في بياض مصر .

قال : كيف الصلاة عليك ? فارتجت الأرض بالبكاء .

فقال لهم النبي : مهلا عفا الله عنكم ; إذا غسلت و كفنت فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ; ثم اخرجوا عني ساعة فإن الله تبارك و تعالى أول من يصلي علي ; ثم يأذن للملائكة في الصلاة علي , فأول من ينزل جبرئيل ثم إسرافيل ثم ميكائيل ثم ملك الموت (عليه السلام) في جنود كثيرة من الملائكة بأجمعها ; ثم ادخلوا علي زمرة زمرة فصلوا علي و سلموا تسليما و لا تؤذوني بتزكية و لا رنة ; و ليبدأ بالصلاة علي الأدنى فالأدنى من أهل بيتي ; ثم النساء ; ثم الصبيان زمرا .

قال أبو بكر : فمن يدخل قبرك ?

قال : الأدنى فالأدنى من أهل بيتي مع ملائكة لا ترونهم قوموا فأدوا عني إلى من ورائكم .

فقلت للحرث بن مرة : من حدثك بهذا الحديث ?

قال : عبد الله بن مسعود .

و عن علي (عليه السلام) قال : كان جبرئيل ينزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي قبض فيه في كل يوم و في كل ليلة فيقول السلام عليك إن ربك يقرئك السلام و يقول كيف تجدك و هو أعلم بك و لكنه أراد أن يزيدك كرامة و شرفا إلى ما أعطاك على الخلق و أراد أن تكون عيادة المريض سنة في أمتك فيقول له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن كان وجعا يا جبرئيل أجدني وجعا فقال له جبرئيل (عليه السلام) اعلم يا محمد أن الله لم يشدد عليك و ما من أحد من خلقه أكرم عليه منك و لكنه أحب أن يسمع صوتك و دعاءك حتى تلقاه مستوجبا للدرجة و الثواب الذي أعد الله لك و الكرامة و
[18]
الفضيلة على الخلق و إن قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجدني مريحا في عافية قال له فاحمد الله على ذلك فإنه يحب أن تحمده و تشكره ليزيدك إلى ما أعطاك خيرا فإنه يحب أن يحمد و يزيد من شكره قال و إنه نزل عليه في الوقت الذي كان ينزل فيه فعرفنا حسه فقال علي (عليه السلام) فخرج من كان في البيت غيري فقال له جبرئيل يا محمد إن ربك يقرئك السلام و يسألك و هو أعلم بك كيف تجدك فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجدني ميتا قال له جبرئيل يا محمد أبشر فإن الله إنما أراد أن يبلغك بما تجد ما أعد لك من الكرامة قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن ملك الموت استأذن علي فأذنت له فدخل و استنظرته مجيئك فقال له جبرئيل يا محمد إن ربك إليك مشتاق فما استأذن ملك الموت على أحد قبلك و لا يستأذن على أحد بعدك فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تبرح يا جبرئيل حتى يعود ثم أذن للنساء فدخلن عليه فقال لابنته ادني مني يا فاطمة فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها و عيناها تهملان دموعا فقال لها ادني مني فدنت منه فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها و هي تضحك فتعجبنا لما رأينا فسألناها فأخبرتنا أنه نعى إليها نفسه فبكت فقال لها يا بنية لا تجزعي فإني سألت الله أن يجعلك أول أهل بيتي لحاقا بي فأخبرني أنه قد استجاب لي فضحكت قال ثم دعا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن و الحسين (عليهما السلام) فقبلهما و شمهما و جعل يترشفهما و عيناه تهملان .

و روي عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام) قال : أتى جبرئيل (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يعوده فقال السلام عليك يا محمد هذا آخر يوم أهبط فيه إلى الدنيا .

وعن عطاء بن يسار : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما حضر أتاه جبرئيل فقال يا محمد الآن أصعد إلى السماء و لا أنزل إلى الأرض أبدا .

و عن أبي جعفر ع قال : لما حضرت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفاة استأذن عليه رجل ; فخرج إليه علي (عليه السلام) فقال : ما حاجتك ?

قال : أريد الدخول على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فقال علي : لست تصل إليه ; فما حاجتك ?

فقال الرجل : إنه لابد
[19]
من الدخول عليه .

فدخل علي فاستأذن النبي (عليه السلام) ; فأذن له .

فدخل فجلس عند رأس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; ثم قال يا نبي الله : إني رسول الله إليك .

قال : و أي رسل الله أنت ?

قال : أنا ملك الموت , أرسلني إليك نخيرك بين لقائه و الرجوع إلى الدنيا .

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : فأمهلني حتى ينزل جبرئيل فأستشيره .

و نزل جبرئيل فقال : يا رسول الله ; الآخرة خير لك من الأولى و لسوف يعطيك ربك فترضى لقاء الله خير لك .

فقال (عليه السلام) : لقاء ربي خير لي ; فامض لما أمرت به .

فقال جبرئيل لملك الموت : لا تعجل حتى أعرج إلى السماء [ربي] و أهبط .

قال ملك الموت (عليه السلام) : لقد صارت نفسه في موضع لا أقدر على تأخيرها .

فعند ذلك قال جبرئيل : يا محمد هذا آخر هبوطي إلى الدنيا إنما كنت أنت حاجتي فيها .

و اختلف أهل بيته و أصحابه في دفنه .

فقال علي (عليه السلام) : إن الله لم يقبض روح نبيه إلا في أطهر البقاع و ينبغي أن يدفن حيث قبض فأخذوا بقوله .

و روى الجمهور موته : في الإثنين ثاني عشر ربيع الأول قالوا ولد يوم الإثنين و بعث يوم الإثنين و دخل المدينة يوم الإثنين و قبض يوم الإثنين كما ذكرناه آنفا و دفن يوم الأربعاء و دخل إليه العباس و علي و الفضل بن العباس و قيل و قثم أيضا و قالت بنو زهرة نحن أخواله فأدخلوا منا واحدا فأدخلوا عبد الرحمن بن عوف و يقال دخل أسامة بن زيد و قال المغيرة بن شعبة أنا أقربكم عهدا به و ذلك أنه ألقى خاتمه في القبر و نزل ليستخرجه و لحده أبو طلحة و ألقى القطيفة تحته شقران قال صاحب كتاب التنوير ذو النسبين بين دحية و الحسين لا شك أنه توفي يوم الإثنين و اختلف أصحاب السير و التواريخ فقال ابن إسحاق لاثنتي عشر ليلة و هذا باطل بيقين و أصول العلم المجمع عليها أهل الكتاب و السنة مخالف له لأنه قد ثبت أن الوقفة بعرفات في حجة الوداع كانت يوم الجمعة فيكون أول ذي الحجة الخميس فيكون أول المحرم الجمعة أو السبت فإن كان الجمعة فصفر إما السبت أو الأحد و إن كان السبت فصفر إما الأحد أو الإثنين فإن كان أول صفر السبت
[20]
فأول ربيع الأول الأحد أو الإثنين فإن كان الأحد فأول ربيع الأول إما الإثنين أو الثلاثاء فإن كان الإثنين فأول ربيع إما الثلاثاء أو الأربعاء و كيف ما دارت الحال على هذا الحساب لا يكون الإثنين ثاني عشر و ذكر القاضي أبو بكر في كتاب البرهان أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) توفي لليلتين خلتا من ربيع الأول و كذا ذكر الطبري عن ابن الكلبي و أبي مخنف و هذا لا يبعد أن كانت الأشهر الثلاثة التي قبله نواقص فتدبره و ذكر الخوارزمي أنه توفي (صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم الإثنين أول ربيع الأول و هذا أقرب مما ذكره الطبري و الذي تلخص أنه يجوز أن يكون موته في أول الشهر أو ثانيه أو ثالث عشرة أو رابع عشرة أو خامس عشرة لإجماع المسلمين أن وقفة عرفة في حجة الوداع كانت يوم الجمعة انتهى كلام ذي النسبين .
ذكر آياته و معجزاته الخارقة للعوائد
منها ما ظهر قبل مولده و منها ما ظهر بعد ذلك فمن ذلك ما روي أن أمه لما حملت به سمعت قائلا يقول إنك قد حملت بسيد هذه الأمة و علامة ذلك أنك ترين عند وضعه نورا تضي‏ء له قصور الشام و قيل قصور بصرى فإذا سقط إلى الأرض فقولي أعيذك بالواحد من شر كل حاسد و سميه محمدا فإن اسمه في التوراة أحمد يحمده أهل السماوات و الأرض و اسمه في القرآن محمد قال فسمته بذلك .

و روى ابن خالويه في كتاب الآل : أن آمنة بنت وهب أم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رأت في منامها أنه يقال لها إنك قد حملت بخير البرية و سيد العالمين فإذا ولدته فسميه محمدا فإن اسمه في التوراة حامد و في الإنجيل أحمد و علقي عليه هذه التميمة التميمة التعويذ قالت فانتبهت و عند رأسي صحيفة من ذهب مكتوب فيها أعيذه بالواحد من شر كل حاسد و كل خلق مارد من قائم و قاعد عن القبيل [السبيل] عاند على الفساد جاهد يأخذ بالمراصد من طرق الموارد أنهاهم عنه بالله
[21]
الأعلى و أحوطه باليد العليا و الكف التي لا ترى يد الله فوق أيديهم و حجاب الله دون عاديتهم لا يطوره و لا يضره في مقعد و لا مقام و لا مسير و لا منام أول الليل و آخر الأيام.

و ارتجس إيوان كسرى يوم ولادته , الرجس بالفتح : الصوت الشديد من الرعد و من هدير البعير و رجت السماء بالفتح ترج إذا رعدت و تمخضت و ارتجت مثله و سقطت منه أربع عشرة شرفة و خمدت نيران فارس و لم تخمد قبل ذلك منذ ألف سنة و غاضت بحيرة ساوة و رؤيا المؤبذان و إنفاذ عمرو بن بقيلة إلى شق و سطيح الكاهنين و إخبارهما بقرب أيامه له و ظهوره قصة مشهورة قد نقلها الرواة و تداولها الأخباريون و رأى بعض اليهود في ليلة ولادته (صلى الله عليه وآله وسلم) النجوم و انقضاضها فقال في هذه الليلة ولد نبي فإنا نجد في كتبنا أن الشياطين تمنع من استراق السمع و ترجم بالنجوم لذلك و سأل هل ولد في هذه الليلة لأحد فقيل نعم لعبد الله بن عبد المطلب فقال أرونيه فأخرج إليه في قماطه فرأى عينيه و كشف عن كتفيه فرأى شامة سوداء و عليها شعرات فوقع إلى الأرض مغشيا عليه فتعجبت منه قريش و ضحكوا فقال أ تضحكون هذا نبي السيف و ليبيرنكم بار فلان إذا هلك و أباره الله أهلكه و قد ذهبت النبوة من بني إسرائيل إلى الأبد فتفرقوا يتحدثون بما قال.

و في التوراة ما حكاه لي بعض اليهود و رأيته أنا في توراة معربة و قد نقله الرواة أيضا إسماعيل قبلت صلاته و باركت فيه و أنميته و كثرت عدده بمادماد معناه بمحمد و عدد حروفه اثنان و تسعون حرفا سأخرج اثني عشر إماما ملكا من نسله و أعطيه قوما كثير العدد و أول هذا الفصل بالعبري لإشموعيل شمعيثوخو.

[22]
و لما سافر أبو طالب إلى الشام قال يا عم إلى من تكلني و لا أب لي و لا أم فرق له فقال و الله لأخرجنك معي و لا تفارقني أبدا و لما وصل معه إلى بصرى رآه بحيراء الراهب عن بعد و الغمامة تظله فصنع لقريش طعاما و دعاهم و لم يكن له عادة بذلك فحضروه و تأخر (صلى الله عليه وآله وسلم) لصغر سنه فقال هل بقي منكم أحد فقالوا نعم صبي صغير فقال أريده فلما أكلوا و انصرفوا خلا به و بعمه و قال يا غلام أسألك باللات و العزى لأنه سمعهم يحلفون بها فقال لا تسألني بها فو الله ما أبغضت شيئا كبغضي لهما فسأله عن أشياء من حاله و يقظته و منامه و أموره فأخبره بما وافق ما عنده من صفته ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على الصفة التي يعرفها فقال لأبي طالب ما هذا الغلام منك قال ابني قال ليس ابنك و ما يكون أبوه حيا قال ابن أخي قال و ما فعل أبوه قال مات و أمه حبلى به قال صدقت ارجع بابن أخيك و احفظه من اليهود فو الله لئن رأوه و عرفوا منه ما عرفت منه ليبغينه شرا فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كائن له شأن و لما عاد به عمه تبعه جماعة من أهل الكتاب يبغون قتله فردهم بحيراء و ذكرهم الله و ما يجدون في الكتاب من ذكره و قال أبو طالب رضي الله عنه في ذلك شعر .

إن ابن آمنة النبي محمدا *** عندي بمثل منازل الأولاد

يذكر فيها حال بحيراء و رد من رده من يهود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بشارة سيف بن ذي يزن جده عبد المطلب به و تعريفه إياه حاله حين قدم عليه يهنئه بعود الملك إليه و هي معروفة منقولة و هذا باب لو أوغلت فيه أطلت و لم أبلغ مدى
[23]
عشيره و لا أتيت مع الإسهاب بيسيره :

شعر :
و أين الثريا من يد المتناول *** و كيف لي بعد الرمال و الجنادل

و أما ما ظهر من معجزاته و آياته (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد بعثته .

فالقرآن الذي أخرس الفصحاء عن مجاراته و قيد البلغاء بالعي عن مباراته فعاد سحبان بيانهم باقلا و تناصروا لمعارضته فلم يجدوا إلا خاذلا و تعاهدوا و تعاقدوا فعدموا معينا و نصيرا و عادوا بالخيبة و الخذلان فلا يأتون بمثله و لو كان بعضهم لبعض ظهيرا فأذعنوا منقادين بخزائم الذل و الصغار و عنوا خاضعين في ربق الذل و الإسار .

الخزامة : حلقة من شعر تجعل في وترة أنف البعير يجعل فيها الزمام و جمعها خزائم ; و الربق بالكسر حبل فيه عدة عرى تشد به البهم و هي أولاد الضأن و واحدها بهمة يقع على المذكر و المؤنث ; و السخال أولاد المعزى فإذا اجتمعت البهام و السخال قيل لهم أبهام و بهم و الواحدة من العرى ربقة و الجمع ربق و أرباق و رباق .

و منها مجي‏ء الشجرة إليه : و قد ذكرها علي (عليه السلام) في خطبته القاصعة .

يقال قصعت الرجل قصعا صغرته و حقرته و قصعت هامته إذا ضربتها ببسط كفك و غلام مقصوع إذا بقي قميئا [قميا صغيرا] لا يشب و لا يزداد فتكون هذه الخطبة قد فعلت في الكفار و المنافقين شيئا من هذه الأفعال .

قال له الكفار : إن دعوتها فجاءت آمنا .

فقال : أيتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله و اليوم الآخر و تعلمين أني رسول الله فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي بإذن الله .

فجاءت و لها دوي شديد ... الحديث بتمامه .

فقالوا : ساحر كذاب .

و منها خروج الماء من بين أصابعه : و ذلك حين كان في سفر
[24]
و شكا أصحابه العطش و كانوا بمعرض التلف فقال كلا إن معي ربي عليه توكلت ثم دعا بركوة فصب فيها ماء ما كان يروي إنسانا واحدا و جعل يده فيها فنبع الماء من بين أصابعه و صيح في الناس اشربوا فشربوا و سقوا حتى نهلوا و علوا - النهل : الشرب الأول ; و قد نهل بالكسر و أنهلته أنا لأن الإبل تسقى في أول الورد فترد إلى العطن ثم تسقى الثانية و هي العلل فترد إلى المرعى و العطن و المعطن واحد الأعطان و المعاطن و هي مبارك الإبل عند الماء لتشرب عللا بعد نهل -و هم ألوف و هو يقول أشهد أني رسول الله حقا .

و منها حنين الجذع إليه : حين كان يخطب عليه و فارقه حين اتخذوا له منبرا فلما صعده حن الجذع حنين الناقة التي فقدت ولدها .

و منها حديث شاة أم معبد : لما هاجر إلى المدينة فطلبوا ما يشربون فلم يجدوه و قالت إنا مرملون فرأى شاة فقال ما هذه الشاة يا أم معبد فقالت خلفها الجهد عن الغنم قال هل بها من لبن فقالت هي أجهد من ذلك قال أ تأذنين في أن أحلبها قالت نعم بأبي أنت و أمي إن رأيت بها حلبا فاحلبها فدعا بها و مسح على ضرعها و قال اللهم بارك لها في شاتها فتفاجت و درت و دعا بإناء لها فسقاها فشربت حتى رويت ثم سقى أصحابه فشربوا حتى رووا و شرب هو آخرهم و قال ساقي القوم آخرهم شربا و شربوا جميعا عللا بعد نهل ثم حلب ثانيا عودا على بدء فغادره عندها فجاء زوجها أبو معبد و معه أعنز عجاف فرأى اللبن فقال من أين لكم هذا و لا حلوبة لكم و الشاة عازب فقالت إنه مر بنا رجل مبارك من حديثه كيت و كيت و حدثته .

الحلب بالتحريك : اللبن المحلوب و مصدر حلب الناقة يحلبها حلبا و الحلوب و الحلوبة ما يحلب و جاء بالهاء لأنك تريد الشي‏ء الذي يحلب أي اتخذوه ليحلبوه و ليس لتكثير الفعل و تفاجت فرجت ما بين رجليها و وسعته و تقول فعلت ذلك عودا بعد بدء و رجع عودة على بدأة إذا رجع في الطريق الذي جاء منه و العجف بالتحريك الهزال و الأعجف المهزول و قد عجف و الأنثى عجفاء و الجمع عجاف و العازب البعيد و كيت و كيت يقال بالفتح و الكسر و التاء فيها هاء في الأصل فصارت تاء في الوصل .

[25]
و نقل الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار عن هند بنت الجون قالت : نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خيمة خالتها أم معبد فقام من رقدته فدعا بماء فغسل يديه ثم تمضمض و مج في عوسجة إلى جانب الخيمة فأصبحنا و هي كأعظم دوحة و جاءت بثمر كأعظم ما يكون في لون الورس و رائحة العنبر و طعم الشهد ما أكل منها جائع إلا و شبع و لا ظمآن إلا روي و لا سقيم إلا برئ و ما أكل من ورقها بعير و لا شاة إلا در لبنها و كنا نسميها المباركة و ينتابنا من البوادي من يستشفي بورقها و يتزود منها حتى أصبحنا ذات يوم و قد تساقط ثمرها و صغر ورقها ففزعنا فما راعنا إلا نعي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) .

ثم إنها بعد ثلاثين سنة أصبحت ذات شوك من أسفلها إلى أعلاها و تساقط ثمرها فذهب فما شعرنا إلا بمقتل أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم) فما أثمرت بعد ذلك و كنا ننتفع بورقها .

ثم أصبحنا و إذا بها قد نبع من ساقها دم عبيط و قد ذبل ورقها فبينا نحن فزعون مهمومون إذ أتانا مقتل الحسين (عليه السلام) و يبست الشجرة على أثر ذلك و ذهبت .

و العجب كيف لم يشهر أمر هذه الشجرة كما اشتهر أمر الشاة في قصة هي من أعلام القصص ... آخر كلامه.

و منها حديث سراقة : حين أدركه عند توجهه مهاجرا إلى المدينة ليتقرب إلى قريش بأخذه و قتله فلما ظن أنه نال غرضه دعا عليه فساخت قوائم فرسه في الأرض حتى تغيبت بأجمعها و هو بموضع جدب و قاع صفصف فقال يا محمد ادع ربك يطلق قوائم فرسي و لك ذمة الله على أن لا أدل عليك أحدا فدعا له فوثب كأنما أفلت من أنشوطة و كان رجلا ذا هيئة علم أنه سيكون له شأن فطلب منه أمانا و قال لأبي بكر أجب الذين
[26]
يسألونك عنا في الطريق فإنه لا يجوز لي أن أكذب فكان إذا سأل أبو بكر ما أنت قال أنا باغ فإذا قيل من الذي معك قال هاد يهديني الجدب ضد الخصب و القاع المستوي من الأرض و كذلك الصفصف و الجمع أقوع و أقواع قيعان صارت الواو ياء لكسرة ما قبلها و الأنشوطة عقدة يسهل انحلالها يقال نشطت الحبل أنشطها أنشطه نشطا عقدته أنشوطة و أنشطته أحللته يقال كأنما نشط من عقال و الباغي الذي ينشد الضالة أي يطلبها و هو (صلى الله عليه وآله وسلم) الهادي يهدي إلى طرق الرشاد و سبل الخيرات .

و منها : حديث الغار و كان قريبا من مكة كان يعتوره الناس و يأوي إليه الرعاء فخرجوا في طلبه فأعماهم الله عنه و حمى نبيه من كيدهم و مكرهم و هم دهاة العرب و أصحاب تلك الأرض و العارفون بسبلها و مخارمها كما قيل أهل مكة أعرف بشعابها و في ذلك يقول السيد الحميري رحمه الله .

حتى إذا قصدوا لباب مغارة *** ألفوا عليه مثل نسج العنكب

‏صنع الإله لهم فقال فريقهم *** ما في المغار لطالب من مطلب

‏ميلوا و صدهم المليك و من *** يرد عنه الدفاع مليكه لم يعطب

يعتوره الناس يقصدونه و يتداولونه و الرعاء جمع راع و السبل الطرق و المخارم جمع مخرم بكسر الراء فهو منقطع أنف الجبل و هي أفواه الفجاج و الفج الطريق الواسع بين الجبلين و الشعاب جمع شعب و هو الطريق في الجبل و العنكب العنكبوت.

و بعث الله حمامتين وحشيتين فوقعتا بفم الغار و أقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم و سيوفهم حتى إذا كانوا منه بمقدار أربعين ذراعا تعجل رجل لينظر في الغار فرجع فقالوا ما لك لا تنظر في الغار فقال رأيت بفمه حمامتين و سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قال فدعا لهن.

[27]
و منها كلام الذئب : و ذلك أن رجلا كان في غنمه فأخذ منه الذئب شاة فأقبل يعدو خلفه فطرحها و قال بلسان فصيح تمنعني رزقا ساقه الله إلي فقال الرجل يا عجبا للذئب يتكلم قال أنتم أعجب و في شأنكم عبرة للمعتبرين هذا محمد ص يدعو إلى الحق ببطن مكة و أنتم عنه لاهون فأبصر الرجل رشده و هداه الله و أقبل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أبقى لعقبه شرفا و كانوا يعرفون ببني مكلم الذئب .

و منها : أنه كلمه الذراع و قال إني مسموم و ذلك حين أهدته إليه اليهودية و قصته معروفة .

و منها : أنه أطعم من القليل الجم الغفير في غير موضع .

و منها : أنه شكا إليه قوم ملوحة بئرهم و قلة مائها و أنهم يجدون من الظماء شدة فتفل فيها فغزر ماؤها و طاب و عذب و أهلها يفخرون بها و يتوارثونها الجم الغفير و الجماء الغفير أي جماعتهم الشريف و الوضيع الذين لا يعلم عددهم لكثرتهم .

و منها : حديث الاستسقاء و ذلك حين شكا إليه أهل المدينة فدعا الله فمطروا حتى أشفقوا من خراب دورها فسألوه في كشفه فقال اللهم حوالينا و لا علينا فاستدار حتى صار كالإكليل و الشمس طالعة في المدينة و المطر يجي‏ء على ما حولها يرى ذلك مؤمنهم و كافرهم فضحك (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال لله در أبي طالب لو كان حيا قرت عيناه فقام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) و قال يا رسول الله كأنك تريد قوله شعر .

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للأرامل

[28]
يطوف به الهلاك من آل هاشم *** فهم عنده في نعمة و فواضل

الثمال بالكسر الغياث يقال فلان ثمال قومه أي غياث لهم يقوم بأمرهم .

و منها : انشقاق القمر و قصته معروفة و غير ذلك من إخباره بالمغيبات و الكائنات مما هو مشهور في الكتب و السير و التواريخ لو تتبع و جمع لجاء في عدة مجاليد و لتعذر جمعه لكثرته و سعة أقطاره و من أين و كيف يصف اللسان فضله و شرفه و هو خلاصة الوجود أنكره من أنكره و عرفه من عرفه.

فأما أخلاقه و كرمه و شجاعته و فصاحته و أمانته و ذكره و شكره و عبادته و كرم عترته و شفقته و أدبه و رفقه و أناته و تجاوزه و بأسه و نجدته و عزمه و همته و علمه و حكمته و زهده و ورعه و رضاه و صبره و فكره و اعتباره و تبصره و خوفه من ربه و خشوعه و تواضعه و خضوعه و كرم آبائه و جدوده و سخاؤه و جوده و صمته و بيانه و صدق لهجته و رعايته للعهد و وفاؤه بالوعد و عدم تلونه و استمرار طريقته و إنصافه في معاملته و حسن خلقه و خلقه و جده و وقاره و ضياؤه و أنواره و حياؤه و لينه و ثقته و يقينه و عفوه و رحمته و صفحه و قناعته و صدق توكله و مكانته من الله تعالى التي يدل عليها .

ما نقلته من مسند أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن عوف قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فاتبعته حتى دخل نخلا فسجد و أطال السجود حتى خفت أو خشيت أن يكون الله عز و جل قد توفاه و قبضه فجئت أنظر فرفع رأسه فقال ما لك يا عبد الرحمن قال فذكرت ذلك له قال فقال لي إن جبرئيل (عليه السلام) قال لي أ لا أبشرك أن الله عز و جل يقول لك من صلى عليك صليت عليه و من سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله شكرا .

و من ذلك ما نقلته من كتاب اليواقيت لأبي عمرو الزاهد قال أخبرني العطافي عن رجاله عن جعفر بن محمد (عليه السلام) عن آبائه الطاهرين عن ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد ألا ليقم من اسمه محمد فليدخل الجنة لكرامة سميه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فانظر إلى شرفه الذي فاق به الأوائل و الأواخر مفخرا و تدبر معا في كماله التي بلغت السماء و إنا لنرجو فوق ذلك مظهرا و هذه صفات بلغ فيها النهاية التي أعجزت البشر و استولى
[29]
على الأمد فيها و من أبى فقد كفر و توقل من تحصيل كمالاتها إلى الذروة التي فاقت الشمس و القمر و سبق الأوائل و الأواخر إلى قنن الشرف فنهى فيها و أمر و شهد الله سبحانه ببلوغه هذه الكمالات فيما ضمن الآيات و السور و لو أراد مريد أن يجمع في كل صفة من هذه الصفات كتابا مطولا أمكنه لما جمعه الله فيه من محاسنها و خصه به من صفاياها فأما ذكر باقي أحواله و مغازيه و تسمية أعمامه و عماته و ذكر أزواجه و ذكر عبيده و خيله و سياقة سنته و غير ذلك من أحاديثه و خطبه و مواعظه فليس ذلك من غرض هذا الكتاب فلنقتصر على ما ذكرناه .
فصل في فضل بني هاشم و شرفهم
قبل الشروع في ذكر علي و أولاده (عليه السلام) نذكر شيئا مما يتعلق بفضل بني هاشم و شرفهم و ما لهم من المزايا التي فضلوا بها الناس.

و من ذلك رسالة وقعت إلي من كلام أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ أذكرها مختصرا لها قال : اعلم حفظك الله أن أصول الخصومات معروفة بينة و أبوابها مشهورة كالخصومة بين الشعوبية و العرب ; و الكوفي و البصري ; و العدناني و القحطاني ; فهذه الأبواب الثلاثة أنقض للعقول السليمة و أفسد للأخلاق الحسنة من المنازعة في القدر و التشبيه و في الوعد و الوعيد و في الأسماء و الأحكام و في الآثار و تصحيح الأخبار و أنقض من هذه للعقول تمييز الرجال و ترتيب الطبقات و ذكر تقديم علي و أبي بكر فأولى الأشياء بك القصد و ترك الهوى فإن اليهود نازعت النصارى في المسيح فلج بهما القول حتى قالت اليهود إنه ابن يوسف النجار و إنه لغير رشدة و إنه صاحب نيرنج و خدع و مخاريق و ناصب شرك و صياد سمك و صاحب شص و شبك فما يبلغ من عقل صياد و ربيب نجار .

و زعمت النصارى أنه رب العالمين و خالق السماوات و الأرضين و إله الأولين و الآخرين.

فلو وجدت اليهود أسوأ من ذلك القول لقالته فيه و لو وجدت النصارى أرفع من ذلك القول لقالته فيه و على هذا .

قال علي (عليه السلام) : يهلك فيّ رجلان محب مفرط و مبغض مفرط .

و الرأي كل الرأي أن لا يدعوك حب الصحابة إلى بخس عترة
[30]
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حقوقهم و حظوظهم فإن عمر لما كتبوا الدواوين و قدموا ذكره أنكر ذلك و قال ابدءوا بطرفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ضعوا آل الخطاب حيث وضعهم الله .

قالوا : فأنت أمير المؤمنين ; فأبى إلا تقديم بني هاشم و تأخر نفسه فلم ينكر عليه منكر و صوبوا رأيه و عدوا ذلك من مناقبه و اعلم أن الله لو أراد أن يسوي بين بني هاشم و بين الناس لما أبانهم بسهم ذوي القربى و لما قال وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ و قال تعالى وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ .

و إذا كان لقومه في ذلك ما ليس لغيرهم فكل من كان أقرب كان أرفع و لو سواهم بالناس لما حرم عليهم الصدقة و ما هذا التحريم إلا لإكرامهم على الله و لذلك قال للعباس حيث طلب ولاية الصدقات : لا أوليك غسالات خطايا الناس و أوزارهم بل أوليك سقاية الحاج و الإنفاق على زوار الله و لهذا كان رباه أول ربا وضع و دم ربيعة بن حارث أول دم أهدر لأنهما القدوة في النفس و المال و لهذا .

قال علي (عليه السلام) على منبر الجماعة : نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد .

و صدق (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف يقاس بقوم منهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأطيبان علي و فاطمة و السبطان الحسن و الحسين و الشهيدان أسد الله حمزة و ذو الجناحين جعفر و سيد الوادي عبد المطلب و ساقي الحجيج العباس و حليم البطحاء و النجدة و الخير فيهم و الأنصار أنصارهم و المهاجر من هاجر إليهم و معهم و الصديق من صدقهم و الفاروق من فرق بين الحق و الباطل فيهم و الحواري حواريهم و ذو الشهادتين لأنه شهد لهم و لا خير إلا فيهم و لهم و منهم و معهم .

وقال (عليه السلام) فيما أبان به أهل بيته : إني تارك فيكم الخليفتين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .

و لو كانوا كغيرهم لما قال عمر حين طلب مصاهرة علي :

إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول :كل سبب و نسب منقطع يوم القيامة إلا سببي و نسبي .

و اعلم أن الرجل قد ينازع في تفضيل ماء دجلة على ماء الفرات فإن لم يتحفظ وجد في قلبه على شارب ماء دجلة رقة لم يكن يجدها و وجد في قلبه غلظة
[31]
على شارب ماء الفرات لم يكن يجدها فالحمد لله الذي جعلنا لا نفرق بين أبناء نبينا و رسلنا نحكم لجميع المرسلين بالتصديق و لجميع السلف بالولاية و نخص بني هاشم بالمحبة و نعطي كل امرئ قسطه من المنزلة.

فأما علي بن أبي طالب (عليه السلام) فلو أفردنا لأيامه الشريفة و مقاماته الكريمة و مناقبه السنية كلاما لأفنينا في ذلك الطوامير الطوال العرق صحيح و المنشأ كريم و الشأن عظيم و العمل جسيم و العلم كثير و البيان عجيب و اللسان خطيب و الصدر رحيب فأخلاقه وفق أعراقه و حديثه يشهد لقديمه و ليس التدبير في وصف مثله إلا ذكر جمل قدره و استقصاء جميع حقه فإذا كان كتابنا لا يحتمل تفسير جميع أمره ففي هذه الجملة بلاغ لمن أراد معرفة فضله.

و أما الحسن و الحسين (عليهما السلام) فمثلهما مثل الشمس و القمر فمن أعطي ما في الشمس و القمر من المنافع العامة و النعم الشاملة التامة و لو لم يكونا ابني علي من فاطمة (عليه السلام) و رفعت من دهمك كل رواية و كل سبب توجبه القرابة لكنت لا تقرن بهما أحدا من أجلة من أولاد المهاجرين و الصحابة إلا أراك فيهما الإنصاف من تصديق قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنهما سيدا شباب أهل الجنة و جميع من هما سادته سادة و الجنة لا تدخل إلا بالصدق و الصبر و إلا بالحلم و العلم و إلا بالطهارة و الزهد و إلا بالعبادة و الطاعة الكثيرة و الأعمال الشريفة و الاجتهاد و الأثرة و الإخلاص في النية فدل على أن حظهما في الأعمال المرضية و المذاهب الزكية فوق كل حظ و أما محمد بن الحنفية فقد أقر الصادر و الوارد و الحاضر و البادي أنه كان واحد دهره و رجل عصره و كان أتم الناس تماما و كمالا.

و أما علي بن الحسين (عليه السلام) فالناس على اختلاف مذاهبهم مجمعون عليه لا يمتري أحد في تدبيره و لا يشك أحد في تقديمه و كان أهل الحجاز يقولون لم نر ثلاثة في دهر يرجعون إلى أب قريب كلهم يسمى عليا و كلهم يصلح للخلافة لتكامل خصال الخير فيهم يعنون علي بن الحسين بن علي (عليه السلام) و علي بن عبد الله بن جعفر و علي بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهم و لو عزونا لكتابنا هذا ترتيبهم .

[32]
لذكرنا رجال أولاد علي لصلبه و ولد الحسين و علي بن الحسين و محمد بن عبد الله بن جعفر و محمد بن علي بن عبد الله بن العباس إلا أنا ذكرنا جملة من القول فيهم فاقتصرنا من الكثير على القليل.

فأما النجدة فقد علم أصحاب الأخبار و حمال الآثار أنهم لم يسمعوا بمثل نجدة علي بن أبي طالب (عليه السلام) و حمزة رضي الله عنه و لا بصبر جعفر الطيار رضوان الله عليه و ليس في الأرض قوم أثبت جنانا و لا أكثر مقتولا تحت ظلال السيوف و لا أجدر أن يقاتلوا و قد فرت الأخيار و ذهبت الصنائع و خام ذو البصيرة و جاد أهل النجدة من رجالات بني هاشم و هم كما قيل شعر :

و خام الكمي و طاح اللواء *** و لا تأكل الحرب إلا سمينا

و كذلك قال دغفل حين وصفهم : أنجاد أمجاد ذوو ألسنة حداد .

و كذلك قال علي (عليه السلام) حين سئل عن بني هاشم و بني أمية : نحن أنجد و أمجد و أجود و هم أنكر و أمكر و أغدر .

و قال أيضا : نحن أطعم للطعام و أضرب للهام .

و قد عرفت جفاء المكيين و طيش المدنيين و أعراق بني هاشم مكية و مناسبهم مدنية ثم ليس في الأرض أحسن أخلاقا و لا أطهر بشرا و لا أدوم دماثة و لا ألين عريكة و لا أطيب عشيرة و لا أبعد من كبر منهم و الحدة لا يكاد يعدمها الحجازي و التهامي إلا أن حليمهم لا يشق غباره و ذلك في الخاص و الجمهور على خلاف ذلك حتى تصير إلى بني هاشم فالحلم في جمهورهم و ذلك يوجد في الناس كافة و لكنا نضمن أنهم أتم الناس فضلا و أقلهم نقصا و حسن الخلق في البخيل أسرع و في الذليل أوجد و فيهم مع فرط جودهم و ظهور عزهم من البشر الحسن و الاحتمال و كرم التفاضل
[33]
ما لا يوجد مع البخيل الموسر و الذليل المكثر اللذين يجعلان البشر وقاية دون المال و ليس في الأرض خصلة تدعو إلى الطغيان و التهاون بالأمور و تفسد العقول و تورث السكر إلا و هي تعتريهم و تعرض لهم دون غيرهم إذا قد جمعوا من الشرف العالي و المغرس الكريم العز و المنعة مع إبقاء الناس عليهم و الهيبة لهم و هم في كل أوقاتهم و جميع أعصارهم فوق من هم على مثل ميلادهم في الهيئة الحسنة و المروءة الظاهرة و الأخلاق المرضية و قد عرفت الحدث العزيز من فتيانهم و ذوو الغرامة من شبانهم أنه إن افترى لم يفتر عليه و إن ضرب لم يضرب ثم لا تجده إلا قوي الشهوة بعيد الهمة كثير المعرفة مع خفة ذات اليد و تعذر الأمور ثم لا تجد عند أفسدهم شيئا من المنكر إلا رأيت في غيره من الناس أكثر منه من مشايخ القبائل و جمهور العشائر و إذا كان فاضلهم فوق كل فاضل و ناقصهم أنقص نقصانا من كل ناقص فأي دليل أدل و أي برهان أوضح مما قلته و قد علمت أن الرجل منهم ينعت بالتعظيم و الرواية في دخول الجنة بغير حساب و يتأول القرآن له و يزاد في طمعه بكل حيلة و ينقص من خوفه و يحتج له بأن النار لا تمسه و أنه ليشفع في مثل ربيعة و مضر و أنت تجد لهم مع ذلك العدد الكثير من الصوام و المصلين و التالين الذين لا يجارهم أحد و لا يقاربهم.

كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يصلي في كل ليلة ألف ركعة و كذا علي بن الحسين بن علي و علي بن عبد الله بن جعفر و علي بن عبد الله بن العباس (عليه السلام) مع الحلم و العلم و كظم الغيظ و الصفح الجميل و الاجتهاد المبرز فلو أن خصلة من هذه الخصال أو داعية من هذه الدواعي عرضت لغيرهم لهلك و أهلك.

اعلم أنهم لم يمتحنوا بهذه المحن و لم يتحملوا هذه البلوى إلا لما قدموا من العزائم التامة و الأدوات الممكنة و لم يكن الله ليزيدهم في المحنة إلا و هم يزدادون على شدة المحن خبرا و على التكشف تهذيبا.

[34]
و جملة أخرى مما لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) خاصة : الأب : أبو طالب و الجد : عبد المطلب بن هاشم و الأم : فاطمة بنت أسد بن هاشم و الزوجة : فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيدة نساء أهل الجنة و الولد : الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة و الأخ : جعفر الطيار في الجنة و العم : العباس و حمزة سيد الشهداء في الجنة و العمة : صفية بنت عبد المطلب و ابن العم : رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و أول هاشمي بين هاشميين كان في الأرض ; ولد أبو طالب و الأعمال التي يستحق بها الخير أربعة : التقدم في الإسلام , و الذب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) , و عن الدين و الفقه في الحلال و الحرام , و الزهد في الدنيا , و هي مجتمعة في علي بن أبي طالب متفرقة في الصحابة .

و في علي يقول أسد بن رقيم يحرض عليه قريشا و إنه قد بلغ منهم على حداثة سنه ما لم يبلغه ذوو الأسنان . شعر :

في كل مجمع غاية أخزاكم *** جذع أبر على المذاكي القرحي

‏لله دركم أ لما تنكروا قد *** ينكر الضيم الكريم و يستحي

‏هذا ابن فاطمة الذي أفناكم *** ذبحا و يمشي آمنا لم يجرح

‏أين الكهول و أين كل دعامة *** للمعضلات و أين زين الأبطح

‏أفناهم ضربا بكل مهند صلت *** و حد غزاره لم يصفح

و أما الجود فليس على ظهر الأرض جواد جاهلي و لا إسلامي و لا عربي و لا عجمي إلا و جوده يكاد يصير بخلا إذا ذكر جود علي بن أبي طالب و عبد الله بن جعفر و عبد الله
[35]
بن عباس و المذكورون بالجود منهم كثير لكنا اقتصرنا ثم ليس في الأرض قوم أنطق خطيبا و لا أكثر بليغا من غير تكلف و لا تكسب من بني هاشم و قال أبو سفيان بن الحرث شعر :

لقد علمت قريش غير فخر *** بأنا نحن أجودهم حصانا

و أكثرهم دروعا سابغات *** و أمضاهم إذا طعنوا سنانا

و أدفعهم عن الضراء فيهم *** و أثبتهم إذا نطقوا لسانا

و مما يضم إلى جملة القول في فضل علي بن أبي طالب (عليه السلام) : أنه أطاع قبلهم و معهم و بعدهم ; و امتحن بما لم يمتحن به ذو عزم ; و ابتلي بما لم يبتل به ذو صبر.

وأما جملة القول في ولد علي (عليه السلام) فإن الناس لا يعظمون أحدا من الناس إلا بعد أن يصيبوا منهم و ينالوا من فضلهم و إلا بعد أن تظهر قدرتهم و هم معظمون قبل الاختبار و هم بذلك واثقون و به موقنون فلو لا أن هناك سرا كريما و خيما عجيبا و فضلا مبينا و عرقا ناميا لاكتفوا بذلك التعظيم و لم يعانوا تلك التكاليف الشداد و المحن الغلاظ. و أما المنطق و الخطب فقد علم الناس كيف كان علي بن أبي طالب عند التفكير و التحبير و عند الارتجال و البدأة و عند الإطناب و الإيجاز في وقتيهما و كيف كان كلامه قاعدا و قائما و في الجماعات و منفردا مع الخبرة بالأحكام و العلم بالحلال و الحرام و كيف كان عبد الله بن العباس رضوان الله عليه الذي كان يقال له الحبر و البحر و مثل عمر بن الخطاب يقول له غص يا غواص و شنشنة أعرفها من أخزم قلب عقول و لسان قئول و لو لم يكن لجماعتهم إلا لسان زيد بن علي بن الحسين و عبد الله بن معاوية بن جعفر لقرعوا بهما جميع البلغاء و علوا بهما على جميع الخطباء و لذلك قالوا أجواد أمجاد و ألسنة حداد و قد ألقيت
[36]
إليك جملة من ذكر آل الرسول يستدل بالقليل منها على الكثير و بالبعض على الكل و البغية في ذكرهم أنك متى عرفت منازلهم و منازل طاعاتهم و مراتب أعمالهم و أقدار أفعالهم و شدة محنتهم و أضفت ذلك إلى حق القرابة كان أدنى ما يجب علينا و عليك الاحتجاج لهم و جعلت بدل التوقف في أمرهم الرد على من أضاف إليهم ما لا يليق بهم و قد تقدم من قولنا فيهم متفرقا و مجملا ما أغنى عن الاستقصاء في هذا الكتاب تمت الرسالة و هي بخط عبد الله بن الحسن الطبري.
رسالة أخرى في التفضيل
و وقع إلي رسالة أخرى من كلامه أيضا في التفضيل أثبتها أيضا مختصرا ألفاظها و ترجمتها :

رسالة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في الترجيح و التفضيل نسخ من مجموع للأمير أبي محمد الحسن بن عيسى المقتدر بالله قال : هذا كتاب من اعتزل الشك و الظن و الدعوى و الأهواء و أخذ باليقين و الثقة من طاعة الله و طاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) و إجماع الأمة بعد نبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) مما تضمنه الكتاب و السنة و ترك القول بالآراء فإنها تخطئ و تصيب لأن الأمة أجمعت أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) شاور أصحابه في الأسرى ببدر و اتفق رأيهم على قبول الفداء منهم فأنزل الله تعالى ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى ... الآية فقد بان لك أن الرأي يخطئ و يصيب و لا يعطي اليقين و إنما الحجة لله و لرسوله و ما أجمعت عليه الأمة من كتاب الله و سنة نبيها و نحن لم ندرك النبي و لا أحدا من أصحابه الذين اختلفت الأمة في أحقهم فنعلم أيهم أولى و نكون معهم كما قال تعالى وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ و نعلم أيهم على الباطل فنجتنبهم و كما قال تعالى وَ اللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً حتى أدركنا العلم فطلبنا معرفة الدين و أهله و أهل الصدق و الحق فوجدنا الناس مختلفين يبرأ بعضهم من بعض و يجمعهم في حال اختلافهم فريقان أحدهما قالوا إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مات و لم يستخلف أحدا و جعل ذلك إلى المسلمين يختارونه فاختاروا أبا بكر.

و الآخرون قالوا إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استخلف عليا فجعله إماما للمسلمين بعده .

[37]
و ادعى كل فريق منهم الحق فلما رأينا ذلك وقفنا الفريقين لنبحث و نعلم المحق من المبطل.

فسألناهم جميعا : هل للناس بد من وال يقيم أعيادهم و يجبي زكواتهم و يفرقها على مستحقيها و يقضي بينهم و يأخذ لضعيفهم من قويهم و يقيم حدودهم ?

فقالوا : لا بد من ذلك .

فقلنا: هل لأحد أن يختار أحدا فيوليه بغير نظر في كتاب الله و سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ?

فقالوا : لا يجوز ذلك إلا بالنظر .

فسألناهم جميعا : عن الإسلام الذي أمر الله به ?

فقالوا : إنه الشهادتان و الإقرار بما جاء من عند الله و الصلاة و الصوم و الحج بشرط الاستطاعة و العمل بالقرآن يحل حلاله و يحرم حرامه.

فقبلنا ذلك منهم ثم , سألناهم جميعا : هل لله خيرة من خلقه اصطفاهم و اختارهم ?

فقالوا : نعم .

فقلنا : ما برهانكم ?

فقالوا : قوله تعالى وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ من أمرهم .

فسألناهم ; من الخيرة ?

فقالوا : هم المتقون .

قلنا : ما برهانكم ?

قالوا : قوله تعالى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ .

فقلنا : هل لله خيرة من المتقين ?

قالوا : نعم المجاهدون بأموالهم , بدليل قوله تعالى فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً .

فقلنا : هل لله خيرة من المجاهدين ?

قالوا جميعا : نعم السابقون من المهاجرين إلى الجهاد , بدليل قوله تعالى لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ ... الآية .

فقبلنا ذلك منهم لإجماعهم عليه و علمنا أن خيرة الله من خلقه المجاهدون السابقون إلى الجهاد ; ثم قلنا : هل لله منهم خيرة ?

قالوا : نعم .

قلنا : من هم ?

قالوا : أكثرهم عناء في الجهاد و طعنا و ضربا و قتلا في سبيل الله ; بدليل قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ .

فقبلنا ذلك منهم و علمناه و عرفنا أن خيرة الخيرة أكثرهم في الجهاد عناء و أبذلهم لنفسه في طاعة الله و أقتلهم لعدوه ; فسألناهم عن هذين الرجلين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و أبي بكر أيهما كان أكثر عناء في الحرب و أحسن بلاء في سبيل الله ?

فأجمع الفريقان على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أنه كان أكثر طعنا و ضربا و أشد قتالا و أذب عن دين الله و رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فثبت بما ذكرناه من إجماع الفريقين و دلالة

[38]
الكتاب و السنة أن عليا (عليه السلام) أفضل.

و سألناهم ثانيا عن خيرته من المتقين ?

فقالوا : هم الخاشعون ; بدليل قوله تعالى وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ إلى قوله مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ و قال تعالى أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ .

ثم سألناهم ; من الخاشعون ?

قالوا : هم العلماء ; لقوله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ .

ثم سألناهم جميعا ; من أعلم الناس ?

قالوا : أعلمهم بالقول و أهداهم إلى الحق و أحقهم أن يكون متبوعا و لا يكون تابعا ; بدليل قوله تعالى يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ فجعل الحكومة إلى أهل العدل .

فقبلنا ذلك منهم ; ثم سألناهم عن أعلم الناس بالعدل من هو ?

قالوا : أدلهم عليه .

قلنا : فمن أدل الناس عليه ?

قالوا : أهداهم إلى الحق و أحقهم أن يكون متبوعا و لا يكون تابعا ; بدليل قوله تعالى أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ... الآية .

فدل كتاب الله و سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) و الإجماع أن أفضل الأمة بعد نبيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لأنه : إذا كان أكثرهم جهادا كان أتقاهم ; و إذا كان أتقاهم كان أخشاهم ; و إذا كان أخشاهم كان أعلمهم ; و إذا كان أعلمهم كان أدل على العدل ; و إذا كان أدل على العدل كان أهدى الأمة إلى الحق ; و إذا كان أهدى كان أولى أن يكون متبوعا و أن يكون حاكما لا تابعا و لا محكوما عليه.

و أجمعت الأمة بعد نبيها أنه خلف كتاب الله تعالى ذكره و أمرهم بالرجوع إليه إذا نابهم أمر و إلى سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فيتدبرونها و يستنبطون منهما ما يزول به الاشتباه فإذا قرأ قارئهم وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ يَخْتارُ فيقال له أثبتها ثم يقرأ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ و في قراءة ابن مسعود إن خيركم عند الله أتقاكم ثم يقرأ وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فدلت هذه الآية على أن المتقين هم الخاشعون ثم يقرأ حتى إذا بلغ إلى قوله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ فيقال له اقرأ حتى ننظر هل العلماء أفضل من غيرهم أم لا حتى إذا بلغ إلى قوله تعالى هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ علم أن العلماء أفضل من غيرهم ثم يقال اقرأ فإذا بلغ إلى قوله تعالى يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ قيل قد دلت هذه

[39]
الآية على أن الله تعالى قد اختار العلماء و فضلهم و رفعهم درجات .

و قد أجمعت الأمة على أن العلماء من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين يؤخذ عنهم العلم كانوا أربعة : علي بن أبي طالب (عليه السلام) ; و عبد الله بن العباس ; و ابن مسعود ; و زيد بن ثابت ;رضي الله عنهم .

و قالت طائفة :عمر بن الخطاب رض .

فسألنا الأمة ; من أولى الناس بالتقديم إذا حضرت الصلاة ?

فقالوا : إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : يؤم بالقوم أقرؤهم .

ثم أجمعوا أن الأربعة كانوا أقرأ لكتاب الله تعالى من عمر ; فسقط عمر .

ثم سألنا الأمة ; أي هؤلاء الأربعة أقرأ لكتاب الله و أفقه لدينه ?

فاختلفوا , فوقفناهم حتى نعلم .

ثم سألناهم ; أيهم أولى بالإمامة ?

فأجمعوا على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : الأئمة من قريش .

فسقط ابن مسعود و زيد بن ثابت ; و بقي علي بن أبي طالب و ابن عباس .

فسألنا أيهما أولى بالإمامة ?

فأجمعوا على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إذا كانا عالمين فقيهين قرشيين فأكبرهما سنا , و أقدمهما هجرة .

فسقط عبد الله بن العباس ; و بقي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ; فيكون أحق بالإمامة لما أجمعت عليه الأمة و لدلالة الكتاب و السنة عليه .

هذا آخر رسالة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ.

أقول : إن أبا عثمان من رجال الإسلام و أفراد الزمان في الفضل و العلم و صحة الذهن و حسن الفهم و الاطلاع على حقائق العلوم و المعرفة بكل جليل و دقيق و لم يكن شيعيا فيتهم و كان عثمانيا مروانيا و له في ذلك كتب مصنفة و قد شهد في هاتين الرسالتين من فضل بني هاشم و تقديمهم و فضل علي (عليه السلام) و تقديمه بما لا شك فيه و لا شبهة و هو أشهر من فلق الصباح و هذا إن كان مذهبه فذاك و ليس بمذهبه و إلا فقد أنطقه الله تعالى بالحق و أجرى لسانه بالصدق و قال ما يكون حجة عليه في الدنيا و الآخرة و نطق بما لو اعتقد غيره لكان خصمه في محشره فإن الله عند لسان كل قائل فلينظر قائل ما يقول و أصعب الأمور و أشقها أن يذكر الإنسان شيئا يستحق به الجنة ثم يكون ذلك موجبا لدخوله النار نعوذ بالله من ذلك.

[40]
شعر :

أحرم منكم بما أقول و قد *** نال به العاشقون من عشق

‏صرت كأني ذبالة نصبت *** تضي‏ء للناس و هي تحترق

و ليكن هذا القدر كافيا فإنه حيث ثبت ما طلبناه بشهادة هذا الرجل شرعنا فيما نحن بصدده بعون الله و حوله و لا بد من ذكر أشياء مهمة نقدمها أمام ما وجهنا إليه وجه قصدنا و صرفنا إليه اهتمامنا و بالله التوفيق.
معنى قولهم آل الرسول و أهل البيت و العترة و تبيين من هم
فمن ذلك تفسير معنى قولهم آل الرسول و أهل البيت و العترة و تبيين من هم و ما ورد في ذلك من الأخبار و أقوال أرباب اللغة .

قال أبو عبد الله الحسين بن خالويه : الآل ينقسم في اللغة خمسة و عشرين قسما آل الله قريش قال الشاعر هو عبد المطلب شعر :

نحن آل الله في كعبته لم *** يزل ذاك على عهد إبرهم

و قال آخرون أراد نحن آل بيت الله أي قطان مكة و سكان حرم الله و العرب تقول في الاستغاثة يال الله يريدون قريشا و آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بنو هاشم من آل إليه بحسب أو قرابة و قيل آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) كل تقي و قيل آل محمد من حرمت عليه الصدقة فأما قوله تعالى يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ قيل يرث نبوتهم و علمهم عن الحسن البصري و قوله تعالى وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ و قال ابن عباس ورثه الحبورة يعني العلم و الحكمة و لذلك سمي العالم حبرا من الحبار و هو الحسن و الجمال و آل الله أهل القرآن .

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إن لله أهلين قيل من هم قال أهل القرآن .

و في حديث آخر : أهل القرآن عرفاء أهل الجنة .

و إذا فضل الله شيئا نسبه
[41]
إليه كما قيل للكعبة بيت الله و لرجب شهر الله و جمع الأهل في السلامة أهلون و أهلين في المذكر و المؤنث أهلات فيكون جمعا لأهلة و لأهل قال الشاعر :

شعر :
و هم أهلات حول قيس بن عاصم *** إذا أدلجوا بالليل يدعون كوثرا

و الكوثر الكثير العطاء و هو فوعل من الكثرة فإن قيل ما الفرق بين الآل و الأهل قلت هما سؤالان الهمزة في آل مبدلة من الهاء في أهل ثم لينت كما قيل هياك و إياك و هيهات و أيهات و دليل ذلك إجماع النحويين على أن تصغير آل أهيل برده إلى أصله لا خلاف فيه إلا أن الكسائي أجاز أويلا و أهيلا تارة على اللفظ و تارة على الأصل كما قيل في جمع قيل و هو الملك أقيال على لفظ قيل و أقوال على الأصل و قال آخرون الاختيار أن تقول في الجماد و الأسماء المجهولة أهل و في الحيوان و الأسماء المعروفة آل يقال أهل بغداد و آل القوم و آل محمد و الآل السراب الذي تراه في الصحراء و عند الهاجرة كأنه قال الشاعر يهجو بخيلا .

شعر :

إني لأعلم أن خبزك دونه *** نكد البخيل و دونه الأقفال

‏و إذا انتجعت لحاجة لم يقضها *** و إذا وعدت فإن وعدك آل

و قد فرقوا بين الآل و السراب فقالوا السراب قبل الظهر و الآل بعده و الآل أعواد الخيمة و الآل اسم جبل بعينه و الآل الشخص تقول رأيت آل زيد و شخصه و سواده بمعنى رأيت شخصه و الآل الإنسان نفسه يقال جاءني آل أحمد أي جاءني أحمد و رأيت آل الرجال أي الرجال و هذا حرف غريب نادر ذكره الفضل بن سلمة في ضياء
[42]
القلوب و احتج بقوله تعالى وَ بَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسى وَ آلُ هارُونَ أي مما ترك موسى و هارون و بقول جميل شعر :

بثينة من آل النساء و إنما *** يكن لأدنى لا وصال لغائب

أي هي من النساء في غدرهن و تلونهن و يقال فلان من آل النساء أي خلق منهن و فلان من آل النساء أي يتبعهن و يحب مجالستهن و العزهاة ضد ذلك و آل فرعون من كان على دينه و مذهبه قال تعالى وَ أَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ و الذين غرقوا ثلاثة آلاف ألف أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ * وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ أي بالجدب و القحط.

فإن قال قائل : فما حقيقة الآل في اللغة عندك دون المجاز هل هو خاص لأقوام بأعيانهم أم عام في جميعهم متى سمعناه مطلقا غير مقيد.

فقل : حقيقة الآل في اللغة القرابة خاصة دون سائر الأمة و كذلك العترة ولد فاطمة (عليها السلام) خاصة و قد يتجوز فيه بأن يجعل لغيرهم كما تقول جاءنا في أخي فهذا يدل على أخوة النسب و تقول أخي تريد في الإسلام و أخي في الصداقة و أخي في القبيل و الحي قال تعالى وَ إِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحاً و لم يكن أخاهم في دين و لا صداقة و لا نسب و إنما أراد الحي و القبيل و الإخوة الأصفياء و الخلصان و هو قول
[43]
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) إنه أخوه .

قال علي (عليه السلام) : أنا عبد الله و أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يقولها بعدي إلا مفتر .

فلو لا أن لهذه الأخوة مزية على غيرها ما خصه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك و في رواية أخرى لا يقولهما بعدي إلا كذاب.

و من ذلك قوله تعالى حكاية عن لوط هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ و لم يكن بناته لصلبه و لكن بنات أمته فأضافهن إلى نفسه رحمة و تعطفا و تحننا و .

قد بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث سئل فقال إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفونني فيهما قلنا فمن أهل بيتك قال آل علي و آل جعفر و آل عقيل و آل العباس .

و سئل ثعلب : لم سميا الثقلين قال لأن الأخذ بهما ثقيل قيل و لم سميت العترة قال العترة القطعة من المسك و العترة أصل الشجرة .

قال أبو حاتم السجستاني روى عبد العزيز بن الخطاب عن عمرو بن شمر عن جابر قال : أجمع آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ; و على أن لا يمسحوا على الخفين .

قال ابن خالويه : هذا مذهب الشيعة و مذهب أهل البيت .

و قد تخصص ذلك العموم ; قال الله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .

قالت أم سلمة رضي الله عنها : نزلت في : النبي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (صلى الله عليهم وآله وسلم) .

عن أنس قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمر ببيت فاطمة بعد أن بنى عليها علي (عليه السلام) ستة أشهر و يقول : الصلاة أهل البيت إِنَّما يُرِيدُ
[44]
اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ قال :

و كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول في دعائه : اللهم إن استغفاري لك مع مخالفتي للؤم و إن تركي الاستغفار مع سعة رحمتك لعجز فيا سيدي إلى كم تتقرب إلي و تتحبب و أنت عني غني و إلى كم أتبعد منك و أنا إليك محتاج فقير اللهم صل على محمد و على أهل بيته .

و يدعو بما شاء فمتى قلنا آل فلان مطلقا فإنما نريد : من آل إليه بحسب أو قرابة و متى تجوزنا وقع على جميع الأمة.

و تحقيق هذا أنه لو أوصى بماله لآل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم تدفعه الفقهاء إلا إلى الذين حرمت عليهم الصدقة و كان بعض من يدعي الخلافة يخطب فلا يصلي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل له في ذلك فقال إن له أهيل سوء إذا ذكرته اشرأبوا فمن المعلوم أنه لم يرد نفسه لأنه كان من قريش و لما قصد العباس الحقيقة .

قال لأبي بكر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : شجرة نحن أغصانها و أنتم جيرانها .

و آل أعوج و آل ذي العقال نسل أفراس من عتاق الخيل يقال هذا الفرس من آل أعوج إذا كان من نسلهم لأن البهائم بطل بينهما القرابة و الدين كذلك آل محمد من تناسله فاعرفه قال تعالى إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ أي عالمي زمانهم فأخبر أن الآل بالتناسل لقوله تعالى ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ .

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سألت ربي أن لا يدخل أحدا من أهل .

و أما قولهم قرأت آل حم فهي السور السبعة التي أولهن حم و لا تقل الحواميم و قال أبو عبيدة الحواميم سور في القرآن على غير القياس و آل يس آل محمد و آل يس خربيل و حبيب النجار و قد قال ابن دريد مخصصا لذلك
[45]
العموم و إن لم يكن بنا حاجة إلى الاحتجاج بقوله لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد ذكره في عدة مواضع كآية المباهلة و خص عليا و فاطمة و حسنا و حسينا (عليهم السلام) بقوله اللهم هؤلاء أهلي .

و كما روي عن أم سلمة رضي الله عنها : أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) أدخل عليا و فاطمة و حسنا و حسينا (عليهم السلام) في كسائه و قال اللهم إن هؤلاء أهلي أو أهل بيتي فقالت أم سلمة و أنا منكم قال أنت بخير أو على خير .

كما يأتي في موضعه و إنما ذكرنا ما قاله ابن دريد من قبل [و من شعر ابن دريد] .

شعر :

إن النبي محمدا و وصيه و ابنيه *** و ابنته البتول الطاهرة

أهل العباء فإنني بولائهم أرجو *** السلامة و النجا في الآخرة

و أرى محبة من يقول بفضلهم *** سببا يجير من السبيل الجابرة

أرجو بذاك رضا المهيمن وحده *** يوم الوقوف على ظهور الساهرة

قال ; الساهرة :أرض القيامة , و آل مرامر أول من وضع الكتابة بالعربية و أصلهم من الأنبار و الحيرة فقد أمللت آل الله و آل محمد و آل القرآن و آل السراب و الآل الشخص و آل أعوج فرسا و آل جبلا و آل يس و آل حم و آل زيد نفسه و آل فرعون آل دينه و آل مرامر و الآل الروح و الآل الحزانة و الخاصة و الآل قرابة و الآل كل تقي و الأل جمع ألة و هي خشبة و الأل حربة يصاد بها السمك فأما الأهل فأهل الله أهل القرآن و أهل البيت و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) على ما فسرته أم سلمة و ذلك :

أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بينا هو ذات يوم جالسا إذ أتته فاطمة (عليها السلام) ببرمة فيها عصيدة فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أين علي و ابناه قالت في البيت قال ادعيهم لي فأقبل علي و الحسن و الحسين بين يديه و فاطمة أمامه فلما بصر بهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تناول كساء كان على المنامة
[46]
خيبريا فجلل به نفسه و عليا و الحسن و الحسين و فاطمة ثم قال اللهم إن هؤلاء أهل بيتي و أحب الخلق إلي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فأنزل الله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ ... الآية .

و في رواية أخرى قالت : فقلت يا رسول الله ; أ لست من أهل بيتك ?

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنك على خير أو إلى خير .

و من مسند أحمد بن حنبل رض عن أم سلمة رض قالت : بينما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيتي يوما إذ قالت الخادم إن عليا و فاطمة و الحسن و الحسين بالسدة قالت فقال لي قومي فتنحي لي عن أهل بيتي قالت فقمت فتنحيت من البيت قريبا فدخل علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليه السلام) و هما صبيان صغيران فأخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما قالت و اعتنق عليا بإحدى يديه و فاطمة باليد الأخرى فقبل فاطمة و قبل عليا فأعذف عليهم خميصة سوداء فقال اللهم إليك لا إلى النار أنا و أهل بيتي قالت و قلت و أنا يا رسول الله فقال و أنت .

فإن سأل سائل فقال إنما أنزلت هذه في أزواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأن قبلها يا نساء النبي.

فقل ذلك غلط رواية و دراية أما الرواية فحديث أم سلمة و في بيتها نزلت هذه الآية و أما الدراية فلو كان في نساء النبي لقيل ليذهب عنكن الرجس و يطهركن فلما نزلت في أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء على التذكير لأنهما متى اجتمعا غلب التذكير و أهل الكتاب اليهود و النصارى و أما قوله تعالى اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ فشكرا ينتصب على المصدر تقديره اشكروني بطاعتكم شكرا فصلاة العبد و صومه و صدقته شكر لله و أفضل الشكر الحمد لله فإنه
[47]
يعني ما وهب لهم من النبوة و الملك العظيم فقد كان يحرس داود في كل ليلة ثلاثون ألفا و ألان الله له الحديد و رزقه حسن الصوت بالقراءة و آتاه الحكمة و فصل الخطاب قيل فصل الخطاب كلمة أما بعد و الجبال يسبحن معه و الطير و أعطى سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده و سخرت له الريح و الجن و علم منطق الطير .
فصل : في ذكر ما ورد فيما قدمناه من الآثار
عن علي بن موسى عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة و أمرنا بإسباغ الوضوء و لا ننزي حمارا على عتيقة .

و عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أبغضنا أهل البيت فهو منافق .

حدث العوام بن حوشب قال حدثني ابن عمي مجمع قال : دخلت على عائشة فسألتها عن مسيرها يوم الجمل فقالت كان قدرا من الله فسألتها عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقالت تسألني عن أحب الناس كان إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و زوج أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه و آله أجمعين لقد رأيت عليا و حسنا و حسينا و جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهم ثوبه فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا فقلت يا رسول الله أنا من أهلك فقال تنحي و إنك على خير .

ففي هذا الحديث و حديث أم سلمة بيان الآل و الأهل
[48]
و أنه لو كان عاما لأمكن عائشة و أم سلمة أن تقولا نحن من أهله و لما قالتا ذلك لم يرد عليهما و لكان لا يرد أبا بكر لما توجه ببراءة و لما رجع و قال له لا يبلغها إلا أنا أو رجل مني أو من أهلي أمكنه أن يقول أنا منك أو من أهلك فظهر بهذه الأمور أن لآل علي (عليه السلام) خصوصية ليست لغيرهم و هذا بين واضح .

و حدث زيد بن أرقم قال : أقبل نبي الله من حجة الوداع حتى إذا نزل بغدير الجحفة بين مكة و المدينة قام بالدوحات فقم ما تحتهن من شوك و نادى الصلاة جامعة .

قال : فخرجنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم شديد الحر و إن منا من يضع بعض ردائه تحت قدميه من شدة الرمضاء حتى انتهينا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فصلى بنا ; ثم انصرف فقال :

الحمد لله نحمده و نستعينه و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا الذي لا هادي لمن أضل و لا مضل لمن هدى و أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله أما بعد أيها الناس إنه لم يكن لنبي من العمر إلا نصف عمر الذي كان قبله فإن عيسى لبث في قومه أربعين سنة ألا و إني قد أشرعت في العشرين ألا و إني أوشك أن أفارقكم و إني مسئول و إنكم مسئولون هل بلغت فيما أنتم قائلون ?

فقام من كل ناحية مجيب يقولون :

نشهد أنك عبد الله و رسوله و أنك قد بلغت رسالاته و جاهدت في سبيله و صدعت
[49]
بأمره و عبدته حتى أتاك اليقين فجزاك الله خير ما جازى نبيا عن أمته .

قال : أ لستم تشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله و أن الجنة حق و النار حق و البعث بعد الموت حق و تؤمنون بالكتاب كله ?

قالوا : بلى .

قال : فإني أشهد أن قد صدقتم ثم صدقتم , ألا و إني فرطكم على الحوض و أنتم معي توشكون أن تردوا علي الحوض فأسألكم حين تلقوني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما ?

قال : فعيل علينا فلم ندر ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين فقال : بأبي أنت و أمي ما الثقلان ?

قال : الأكبر منهما كتاب الله سبب طرف بيد الله عز و جل و طرف بأيديكم فتمسكوا به لا تزلوا و لا تضلوا ; و الأصغر منهما عترتي لا تقتلوهم و لا تقهروهم فإني سألت اللطيف الخبير أن يردوا علي الحوض فأعطاني فقاهرهما قاهري و خاذلهما خاذلي و وليهما وليي ; و عدوهما عدوي , ثم أعاد ألا و إنه لم تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها و تظاهر على نبيها و تقتل من قام بالقسط فيهما ; ثم أخذ بيد علي فرفعها ثم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه .

و قد روى الزهري قال : لما حج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حجة الوداع قام بغدير خم عند الهاجرة ; و قال :

أيها الناس إني مسئول و إنكم مسئولون ; هل بلغت ?

قالوا : نشهد أنك قد بلغت و نصحت .

قال : و أنا أشهد أني قد بلغت و نصحت لكم ; ثم قال : أيها الناس أ ليس تشهدون أن لا إله إلا الله و أني رسول الله ?

قال : نشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسوله .

قال : و أنا أشهد مثل ما شهدتم .

[50]
فقال : أيها الناس إني قد خلفت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله و أهل بيتي ألا و إن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ; حوض ما بين بصرى و صنعاء فيه من الآنية كعدد نجوم السماء إن الله سائلكم كيف خلفتموني في كتابه و في أهل بيتي .

ثم قال : أيها الناس من أولى الناس بالمؤمنين ?

قالوا : الله و رسوله أولى بالمؤمنين ; يقول ذلك ثلاث مرات .

ثم قام في الرابعة , و أخذ بيد علي (عليه السلام) فقال : اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه - ثلاث مرات -ألا فليبلغ الشاهد الغائب .

أقول : لو تدبر متدبر هذا الكلام و مقاصده و أطرح الهواء جانبا و قدم الإنصاف أمامه لاتضح له أن هذا نص جلي على علي بالإمامة و إقامة للحجة على من نابذه و نازعه الأمر و كم له (صلى الله عليه وآله وسلم) من الحجج الدالة و البراهين الظاهرة أذكر ما يتفق منها عند ذكر ترجمته فأما هنا فقصدي مصروف إلى إيراد ما جاء في الآل و الأهل و العترة على سبيل الإجمال و قال في ذلك الكميت :

شعر :
و يوم الدوح يوم غدير خم *** أبان له الولاية لو أطيعا

و لكن الرجال تبايعوها فلم *** أر مثلها خطرا أضيعا

فلم أبلغ بهم لعنا و لكن *** أساء بذاك أولهم صنيعا

فصار لذاك أقربهم لعدل *** إلى جور و أحفظهم مضيعا

أضاعوا أمر قائدهم فضلوا *** و أقومهم لدى الحدثان ريعا

تناسوا حقه و بغوا عليه *** بلا ترة و كان لهم قريعا

[51]
فقل لبني أمية حيث حلوا *** و إن خفت المهند و القطيعا

أجاع الله من أشبعتموه و *** أشبع من بجودكم أجيعا

بمرضي السياسة هاشمي *** يكون حيا لأمته ربيعا

و ليثا في المشاهد غير نكس *** لتقويم البرية مستطيعا

يقوم أمرها و يذب عنها *** و يترك جدبها أبدا مريعا

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها زخ في النار .

و روي : أن علي بن الحسين (عليه السلام) قال ذات يوم معاشر الناس إن كل صمت ليس فيه فكر فهو عي و كل كلام ليس فيه ذكر الله فهو هباء الهباء الذي تراه منبثا في ضوء الشمس إذا دخل في البيت و دقاق التراب أيضا هباء يقال له إذا ارتفع هبا يهبو هبوا ألا إن الله ذكر أقواما بآبائهم فحفظ الأبناء بالآباء قال الله تعالى وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً و لقد خبرني أبي عن آبائه (عليهم السلام) كان العاشر من ولده ; و نحن عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاحفظونا لرسول الله .

قال : فرأيت الناس يبكون من كل جانب .

و عن ابن عباس قال .

و روي : سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول بأذني و إلا صمتا أنا شجرة و فاطمة حملها و علي لقاحها و الحسن و الحسين ثمرها و محبونا أهل البيت
[52]
ورقها في الجنة حقا حقا و قد أورده أيضا صاحب كتاب الفردوس .

و عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الجنة تشتاق إلى أربعة من أهلي قد أحبهم الله و أمرني بحبهم : علي بن أبي طالب ; و الحسن ; و الحسين ; و المهدي ; صلى الله عليهم , الذي يصلي خلفه عيسى ابن مريم (عليه السلام) .

قال عمر بن ساكن سمعت ثابتا البناني يقول في قوله تعالى وَ إِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى قال : إلى ولاية أهل البيت (عليهم السلام) .

و قال (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرم لذريتي ; و القاضي حوائجهم ; و الساعي لهم في أمورهم عند ما اضطروا إليه ; و المحب لهم بقلبه و لسانه .

و نقلت من كتاب الفردوس تأليف شيرويه الديلمي عن عبد الله بن عمر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) : أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب ... الحديث بتمامه .

و عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنا و علي من شجرة واحدة و الناس من أشجار شتى .

و إنما ذكرت هذا الحديث هنا لأنه بمعنى ما تقدم من تخصيص الأهل و الآل لقرابته الأدنين (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عن أنس بن مالك عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنا معشر بني عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا و حمزة و جعفر و علي و الحسن و الحسين و المهدي .

و رأيت في رواية أخرى : إنا بني عبد المطلب سادات الناس .

و بني : منصوب على المدح كما قال إنا بني نهشل و نحن بني ضبة في أمثال ذلك كثير ; و إنما خصهم بالذكر دون باقي الأئمة لأنه هو (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يحتاج في إثبات سيادته إلى دليل لأنه سيد ولد آدم.

و أما الباقون عدا المهدي فإنهم رزقوا الشهادة فلهم مزية على غيرهم و أما المهدي (عليه السلام) فصاحب دولة جديدة و سعادة مستأنفة يعيد الله به دينه و يعز
[53]
بإقامة دعوته سلطانه و يشيد بعز نصره برهانه و يرفع بإيالته مناره فلا عجب إذا ساد الناس و خص بالذكر و نبه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على فضله و كانوا أحق بها و أهلها .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنا أهل بيت قد أذهب الله عنا الرجس و الفواحش ما ظهر منها و ما بطن .

ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) : إنا أهل بيت اختار الله عز و جل لنا الآخرة على الدنيا .

ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) : حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة و من مات عليه دخل الجنة .

زيد بن أرقم : خمس من أوتيهن لم يعذر عن ترك عمل الآخرة زوجة صالحة و بنون أبرار و حسن مخالطة الناس و معيشة في بلده و حب آل محمد (عليهم السلام) .

أم سلمة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) : علي و شيعته هم الفائزون يوم القيامة .

و قيل في العترة : زيادة على ما ذكرنا ما نقلته من مطالب السئوال في مناقب آل الرسول تصنيف الشيخ العالم كمال الدين محمد بن طلحة و كان شيخا مشهورا و فاضلا مذكورا أظنه مات (رهـ) في سنة أربع و خمسين و ستمائة و حاله في ترفعه و زهده و تركه وزارة الشام و انقطاعه و رفضه الدنيا حال معلومة قرب العهد بها و في انقطاعه عمل هذا الكتاب و كتاب الدائرة و كان شافعي المذهب من أعيانهم و رؤسائهم قال : العترة هي العشيرة و قيل هي الذرية و قد وجد الأمران فيهم (عليه السلام) فإنهم عشيرته و ذريته أما العترة فهم الأهل الأدنون و هم كذلك و أما الذرية فإن أولاد بنت الرجل ذريته و يدل عليه قوله تعالى عن إبراهيم وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَ زَكَرِيَّا وَ يَحْيى وَ عِيسى وَ إِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ فجعل عيسى من ذرية إبراهيم (عليه السلام) و لم يتصل به إلا من جهة مريم (عليها السلام) .

أقول مشيدا لما قاله الشيخ كمال الدين و ذلك :

بما أورده صاحب كتاب الفردوس عن جابر بن عبد الله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أن الله عز و جل جعل ذرية كل نبي في صلبه و أن الله عز و جل جعل ذريتي في صلب علي .

و نقلت مما خرجه العز المحدث عن
[54]
عمر قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول كل قوم فعصبتهم لأبيهم إلا أولاد فاطمة فإني أنا عصبتهم و أنا أبوهم .

نرجع إلى كلام كمال الدين و أما ذوو القربى فمستنده :

ما رواه الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي في تفسيره يرفعه بسنده إلى ابن عباس رض قال : لما نزل قوله تعالى قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين أمرنا الله بمودتهم قال علي و فاطمة و ابناهما .
في ذكر الإمامة و كونهم خصوا بها و كون عددهم منحصرا في اثني عشر إماما
قال ابن طلحة و ألخص أنا كلامه على عادتي : أما ثبوت الإمامة لكل واحد منهم فإنه حصل ذلك بالنص : من علي لابنه الحسن (عليه السلام) ; و منه لأخيه الحسين ; و منه لابنه علي (عليه السلام) ; و هلم جرا إلى الخلف الحجة (عليه السلام) كما سيأتي.

و أما انحصارهم في هذا العدد المخصوص فقد قال العلماء فمنهم من طول فأفرط إفراط المليم و منهم من قلل فقصر فزال عن السنن القويم و كل واحد من ذوي الإفراط و التفريط قد اعتلق بطرف ذميم و الهداية إلى الطريقة الوسطى حسنة و لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم ; و ها أنا ذاكر في ذلك ما أظنه أحسن نتائج الفطن و أعده من محاسن الأفكار الجارية لاستخراج جواهر الخواطر في سنن السنن و الأقدار و إن كانت فاطمة كثيرة من الفطن عن إدراك الحكم في السر و العلن فإنها والدة لقرائح أهل التوفيق و التأييد و من نتاجها كل حسين و حسن و تلخيص ذلك من وجوه :

الوجه الأول : ذكر فيه شيئا مما يتعلق بالحروف و العدد فقال إن الإيمان و الإسلام مبني على كلمتي لا إله إلا الله محمد رسول الله و كل واحد من هذين الأصلين اثنا عشر حرفا و الإمامة فرع الإيمان فيجب أن يكون القائم بها اثني عشر إماما.

الوجه الثاني : أن الله أنزل في كتابه العزيز وَ لَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ
[55]
وَ بَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً فجعل عدة القائمين بذلك الأمر اثني عشر فتكون عدة أئمة القائمين بهذا كذلك و لما بايع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الأنصار ليلة العقبة قال أخرجوا لي منكم اثني عشر نقيبا كنقباء بني إسرائيل فصار ذلك طريقا متبعا و عددا مطلوبا.

الوجه الثالث : قال الله تعالى وَ مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ وَ قَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً فجعل الأسباط الهداة إلى الحق بهذه العدة فتكون الأئمة كذلك.

الوجه الرابع : أن مصالح العالم في تصرفاتهم لما كانت في حصولها مفتقرة إلى الزمان و كان عبارة عن الليل و النهار و كل واحد منهما حال الاعتدال مركب من اثنتي عشرة ساعة و كانت مصالح العالم مفتقرة إلى الأئمة (عليه السلام) و إرشادها فجعلت عدتهم كذلك.

الوجه الخامس : قال و هو وجه صباحته واضحة و أنواره لائحة و تقريره أن نور الإمامة يهدي القلوب و العقول إلى سلوك طريق الحق كما يهدي نور الشمس و القمر أبصار الخلائق إلى سلوك الطرق و لما كان محل هذين النورين الهاديين للأبصار البروج الاثنا عشر فمحل النور الثاني الهادي للبصائر و هو نور الإمامة الأئمة الاثني عشر.

تنبيه : و قد ورد في الحديث النبوي أن الأرض بما عليها محمولة على الحوت و في هذا إشارة لطيفة و حكمة شريفة و هو أن آخر محل ذلك النور الحوت و هو آخر البروج و هو حامل لأثقال الوجود فآخر محال النور الثاني عشر و هو نور الإمامة حامل أثقال مصالح أديانهم و هو المهدي ع.

الوجه السادس : و هو من جميع الوجوه أولاها مساقا و أجلاها إشراقا و أحلاها مذاقا و أعلاها في ذرى الحكم طباقا و تقريره .

أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال الأئمة من قريش .

فحصرها فيهم فلا تكون في غيرهم .

[56]
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : قدموا قريشا و لا تتقدموها .

و قال النسابون : كل من ولده النضر بن كنانة قرشي و بين النضر و بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اثنا عشر أبا فإذا جعلنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مركزا كان متصاعدا في درجة الآباء إلى النضر و منحدرا في الأبناء إلى المهدي (عليه السلام) لما ثبت من أن الخطوط الخارجة من المركز إلى المحيط متساوية فانظر بعين الاعتبار إلى أدوار الأقدار كيف جرت بإظهار هذه الأسرار من حجب الأستار بأنوار مشكاة الأفكار و في هذا المقدار غنية و بلاغ لذوي الاستبصار . هذا آخر كلام كمال الدين ملخصا.

و أنا أقول : إن الذي ذكره لا يكون دليلا يعول عليه في إثبات المطلوب و لا حجة يستند إليها ممن يريد إظهار الحق من أستار الغيوب و لا يدفع نزاع من جرى في الخلاف و الشقاق على أسلوب فإنه مستند إلى استخراج ما في القرائح و الأذهان و معول فيه على مطابقة عدد لعدد و أين ذلك و البرهان فإنه لو قال قائل إن كل واحد من السماء و الأرض و النجوم المتحيرة و الأيام و البحار و الأقاليم سبعة سبعة فيجب أن يكون الأئمة سبعة لم يكن القائل الأول أولى أن نسلم إليه و نصدقه من الثاني و لكن الاعتماد في أمثال هذه الأمور على النقل إما عن النبي أو عن الأئمة (عليهم السلام) فإن العقل و إن اقتضى أنه لا بد من قائم بأمور الناس و مصالحهم هاد لهم إلى طرق الخيرات مهتم بإقامة الحدود و استيفاء الأموال و تفريقها في وجوهها حافظ لنظام العالم إلى غير ذلك من المصالح فإنه لا يقتضي تعيين عدة معلومة و لا انحصارها في عدد دون عدد و إنما يعرف ذلك بصريح النقل أو بتأويل إن وقع ما يحتاج إلى التأويل .

و الذي عندي في ذلك ما نقلته من الجمع بين الصحيحين جمع الحافظ أبي عبد الله محمد بن أبي نصر بن عبد الله الحميدي المتفق عليه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يكون من بعدي اثنا عشر أميرا فقال كلمة لم أسمعها فقال لي أبي إنه قال كلهم من قريش ... كذا في حديث شعبة .

و في حديث ابن عيينة قال : لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا ثم تكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكلمة خفيت
[57]
علي فسألت أبي ما ذا قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال قال كلهم من قريش .

و في رواية مسلم من حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص قال كتبت إلى جابر بن سمرة مع غلامي نافع أخبرني بشي‏ء سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكتب إلي : سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم جمعة عشية رجم الأسلمي قال ; لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش .

و عن عامر الشعبي عن جابر بن سمرة قال انطلقت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و معي أبي فسمعته يقول : لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلى اثني عشر خليفة فقال كلمة فقلت لأبي ما قال ?

قال : كلهم من قريش .

و مثله عن حصين بن عبد الرحمن عن جابر قال : دخلت مع أبي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ; إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ثم تكلم بكلام خفي علي فقلت لأبي ما قال ?

قال : كلهم من قريش .

و في حديث سماك بن حرب عن جابر بن سمرة عنه (عليه السلام) : لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة . ... ثم ذكر مثله .

و نقلت من مسند أحمد بن حنبل عن مسروق قال : كنا مع عبد الله جلوسا في المسجد يقرئنا فأتاه رجل فقال يا ابن مسعود هل حدثكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة قال نعم كعدة نقباء بني إسرائيل .

نقلته من المجلد الثالث من مسند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .

و نحن نطالبهم بعد نقل هذه الأخبار بتعيين هؤلاء الاثني عشر فلا بد لهم من أحد أمرين إما تعيين هذه العدة في غير الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) و لا يمكنهم ذلك لأن ولاة هذا الأمر من الصحابة و بني أمية و بني العباس يزيدون على الخمسين و إما أن يقروا و يسلموا أن الأخبار الواردة في هذا الكتاب واهية ضعيفة غير مصححة و لا يحل أن يعتمد عليها فنحن نرضى منهم بذلك و نشكرهم عليه لما يترتب لنا عليه من المصالح الغزيرة و الفوائد الكثيرة أو يلتزموا بالقسم الثالث و هو الإقرار بالأئمة الاثني عشر لانحصار ذلك في هذه الأقسام .

و هذا الإلزام يلزم الزيدية كما يلزمهم و هذا إلزام لا محيص لهم عنه متى استعملوا الإنصاف و سلكوا
[58]
طريق الحق و عدلوا عن سنن المكابرة و المباهتة و تركوا بنيات الطريق و قد خلصنا نحن من هذه العهدة فإن الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) قد تعينوا عندنا بنصوص واضحة جلية لا شك فيها و لا لبس و لم نحتج في الإقرار بهم (عليهم السلام) و الاعتراف بإمامتهم إلى استنباط ذلك من كتبهم و إنما أوردنا من ذلك ما أوردناه ليكون حجة عليهم و لا يقدح في مرادنا كونهم (عليهم السلام) منعوا الخلافة و عزلوا عن المنصب الذي اختارهم الله له و استبد به دونهم إذ لم يقدح في نبوة الأنبياء (عليهم السلام) تكذيب من كذبهم و لا وقع الشك فيهم لانحراف من انحرف عنهم و لا شوه وجوه محاسنهم تقبيح من قبحها و لا نقص شرفهم خلاف من عاندهم و نصب لهم العداوة و جاهرهم بالعصيان .

و قد قال علي (عليه السلام) و ما على المؤمن من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكا في دينه و لا مرتابا بيقينه .

و قال عمار بن ياسر رضي الله عنه في أيام صفين و الله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل و هذا واضح لمن تأمله.

فأما النص فكما قال الشيخ كمال الدين و هو أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نصها في علي (عليه السلام) كما سنذكره في بابه عند وصولنا إليه من طرقنا و طرقهم و أما العدة و تعيينها فإن صدقهم (عليهم السلام) و عصمتهم ثابتة في كتب أصولنا و هم أخبرونا بولاية كل واحد واحد منهم (عليهم السلام) و أخبرونا بالإمام الثاني عشر و اسمه و صفته و اسم أبيه و حال غيبته و أمر ظهوره و صح ذلك عندنا و ثبت ثبوتا لم نحتج معه إلى غيرنا و إنما نذكر ذلك من أقوالهم ليكون حجة عليهم و بسط هذا القول و مفصل هذه الجملة يرد في أخبار مولانا الخلف الصالح صاحب الأمر صلى الله عليه و على آله الطاهرين .

[59]

ذكر الإمام علي بن أبي طالب عليه أفضل السلام
ولد (عليه السلام) بمكة في البيت الحرام يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأصم رجب بعد عام الفيل بثلاثين سنة و لم يولد في البيت الحرام أحد سواء قبله و لا بعده و هي فضيلة خصه الله بها إجلالا له و إعلاء لرتبته و إظهارا لتكرمته.

و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف و كانت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمنزلة الأم ربته في حجرها و كانت من السابقات إلى الإيمان و هاجرت معه إلى المدينة و كفنها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقميصه ليدرأ به عنها هوام الأرض و توسد في قبرها لتأمن بذلك ضغطة القبر و لقنها الإقرار بولاية ابنها كما اشتهرت الرواية.

و كان (عليه السلام) هاشميا من هاشميين و أول من ولده هاشم مرتين و قيل ولد سنة ثمان و عشرين من عام الفيل و الأول عندنا أصح .

خبر من مناقب ابن المغازلي الفقيه المالكي مرفوع إلى علي بن الحسين (عليه السلام) قال : كنا زوار الحسين (عليه السلام) و هناك نسوان كثيرة إذ أقبلت منهن امرأة , فقلت : من أنت رحمك الله?

قالت : أنا زبدة ابنة العجلان من بني ساعدة .

فقلت لها : هل عندك من شي‏ء تحدثينا به ?

قالت : إي و الله , حدثتني أم عمارة بنت عبادة بن فضلة بن مالك بن العجلان الساعدي أنها كانت ذات يوم في نساء من العرب إذ أقبل أبو طالب كئيبا حزينا فقلت ما شأنك?

قال : إن فاطمة بنت أسد في شدة من المخاض ; و أخذ بيدها و جاء بها إلى الكعبة و قال : اجلسي على اسم الله , فطلقت طلقة واحدة , فولدت غلاما مسرورا نظيفا منظفا لم أر كحسن وجهه , فسماه عليا , و حمله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أداه إلى منزلها .

قال علي بن الحسين (عليه السلام) : فو الله ما سمعت بشي‏ء قط إلا و هذا أحسن منه .

[60]
و من بشائر المصطفى مرفوع إلى يزيد بن قعنب قال : كنت جالسا مع العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه و فريق من بني عبد العزى بإزاء بيت الله الحرام إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين ( عليه السلام) و كانت حاملا به لتسعة أشهر و قد أخذها الطلق ; فقالت : يا رب إني مؤمنة بك و بما جاء من عندك من رسل و كتب و إني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل (عليه السلام) و إنه بنى البيت العتيق فبحق الذي بنى هذا البيت و المولود الذي في بطني إلا ما يسرت علي ولادتي .

قال يزيد بن قعنب : فرأيت البيت قد انشق عن ظهره و دخلت فاطمة فيه و غابت عن أبصارنا و عاد إلى حاله .

فرمنا أن ينفتح لنا قفل الباب , فلم ينفتح .

فعلمنا أن ذلك من أمر الله تعالى .

ثم خرجت في اليوم الرابع و على يدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم قالت إني فضلت على من تقدمني من النساء لأن آسية بنت مزاحم عبدت الله سرا في موضع لا يحب الله أن يعبد فيه إلا اضطرارا ; و إن مريم بنت عمران هزت النخلة اليابسة بيدها حتى أكلت منها رطبا جنيا ; و إني دخلت بيت الله الحرام فأكلت من ثمار الجنة و أرزاقها ; فلما أردت أن أخرج هتف بي هاتف , و قال : يا فاطمة سميه (عليا) فهو علي و الله العلي الأعلى يقول اشتققت اسمه من اسمي و أدبته بأدبي و أوقفته على غامض علمي ; و هو الذي يكسر الأصنام في بيتي ; و هو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي و يقدسني و يمجدني فطوبى لمن أحبه و أطاعه و ويل لمن أبغضه و عصاه .

قالت : فولدت عليا و لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثون سنة .

فأحبه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) حبا شديدا , و قال لها : اجعلي مهده بقرب فراشي , و كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يلي أكثر تربيته , و كان يطهر عليا في وقت غسله , و يؤجره اللبن عند شربه , و يحرك مهده عند نومه , و يناغيه في يقظته , و يحمله على صدره و رقبته .

و يقول : هذا أخي و وليي و ناصري و صفيي و ذخري و كهفي و صهري و وصيي و زوج كريمتي و أميني على وصيتي و خليفتي .

[61]
و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحمله دائما و يطوف به جبال مكة و شعابها و أوديتها و فجاجها صلى الله على الحامل و المحمول.

و حكى أبو عمرو الزاهد في كتاب اليواقيت قال : قال ابن الأعرابي كانت فاطمة بنت أسد أم علي (صلى الله عليه وآله وسلم) حاملا بعلي و أبو طالب غائب فوضعته فسمته أسدا لتحيي به ذكر أبيها , فلما قدم أبو طالب سماه عليا .

و هو أول من آمن بالله تعالى و برسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل البيت و الأصحاب , و أول ذكر دعاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإسلام فأجاب , و لم يزل ينصر الدين و يجاهد المشركين و يذب عن الإيمان و يقتل أهل الزيغ و الطغيان و ينشر العدل و يولي الإحسان و يشيد معالم الكتاب و السنة , و كان مقامه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد البعثة ثلاثا و عشرين سنة , منها ثلاث عشرة سنة بمكة قبل الهجرة مشاركا له في محنته كلها متحملا عنه أكثر أثقالها صابرا معه على اضطهاد قريش و تكذيبهم له قائما بما يأمره به صابرا محتسبا راضيا , و عشر سنين بعد الهجرة بالمدينة يكافح دونه و يجالد و يجهد بين يديه في قمع الكافرين و يجاهد و يقيه بنفسه في المواقف و المشاهد و يثبت إذا تزلزلت الأقدام و كلت السواعد إلى أن قبضه الله إلى رحمته [جنته] و اختار له دار كرامته و رفعه في عليين فمضى صلوات الله عليه و آله الطاهرين و لأمير المؤمنين (عليه السلام) يومئذ من العمر ثلاث و ثلاثون سنة.

و اختلفت الأمة في إمامته بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قالت شيعته و هم بنو هاشم كافة و سلمان و عمار و أبو ذر و المقداد و خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين و أبو أيوب الأنصاري و جابر بن عبد الله و أبو سعيد الخدري في أمثالهم من أجلة المهاجرين
[62]
و الأنصار إنه كان الخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما اجتمع له من صفات الفضل و الكمال و الخصائص التي لم تكن في غيره من سبقه إلى الإسلام و معرفته بالأحكام و حسن بلائه في الجهاد و بلوغه الغاية القصوى في الزهد و الورع و الصلاح و ما كان له من حق القربى ثم للنص الوارد في القرآن و هو قوله تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ و هذه الآية نزلت بالإجماع فيه (عليه السلام) حين تصدق بخاتمه في صلاته.

و إذا ثبت هذا فكلما ثبت لله و لرسوله من الولاية فهو ثابت لعلي (عليه السلام) بنص القرآن و بقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الدار و قد جمع بني عبد المطلب خاصة :

من يوازرني على هذا الأمر يكن أخي و وصيي و وزيري و وارثي و خليفتي فيكم من بعدي .

فقام أمير المؤمنين (عليه السلام) و قال : و كنت أصغرهم سنا و أرمصهم عينا و أحمشهم ساقا و أكبرهم بطنا ; فقلت : أنا يا رسول الله .

و هذا صريح في استخلافه و قد أورد ابن جرير الطبري و ابن الأثير الجزري هذا الحديث في تاريخهما بألفاظ تقارب هذه.

و بقوله في غدير خم و هو حديث مجمع على صحته أورده نقلة الحديث و أصحاب الصحاح .

أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ?

فقالوا : بلى .

فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه .

الحديث بتمامه .... فأوجب له من الولاية ما كان واجبا له (صلى الله عليه وآله وسلم) و هذا نص ظاهر جلي لو لا الهوى .

[53]
و بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين توجه إلى تبوك : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .

و هذا أيضا من الصحاح و قد أورده الجماعة و نقلته من مسند أحمد بن حنبل من عدة طرق .

فثبتت له وزارته (صلى الله عليه وآله وسلم) و القيام بكل ما كان هارون يقوم به و لم يستثن عليه إلا النبوة كما أخبر الله تعالى وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي و قال في استخلافه له اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ أَصْلِحْ وَ لا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ .

فثبتت له خلافته بمحكم التنزيل فجعل له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كل ما لهارون (عليه السلام) عدا النبوة و جعل [حصل] له استخلافه و شد أزره و شركته في أمره و قيامه بنصره و أمثال هذا كثير يرد في مواضعه من هذا الكتاب بحول الله و قوته.

فكانت إمامته بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاثين سنة منها أربع و عشرون سنة و أشهر ممنوعا من التصرف آخذا بالتقية و المداراة محلا عن مورد الخلافة قليل الأنصار
[64]
كما قال :

فطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء .

يقال ارتأى في الأمر إذا تفكر فيه و نظر وجه المصلحة فأتاه و الجذ القطع و الجذاء (عليه السلام) المقطوعة و الطخية قطعة من سحاب و الطخياء الليلة المظلمة.

و منها خمس سنين و أشهر ممتحنا بجهاد المنافقين من الناكثين و القاسطين و المارقين مضطهدا بفتن الضالين واجدا من العناء ما وجده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعا من أحكامها خائفا و محبوسا و هاربا و مطرودا لا يتمكن من جهاد الكافرين و لا يستطيع الدفع عن المؤمنين و أقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهدا للكافرين ممتحنا بالمنافقين و سيرد تفصيل هذا فيما بعد إن شاء الله .
ذكر نسبه (عليه السلام) من قبل أبيه
و هو أبو الحسن علي بن أبي طالب و اسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب و اسم عبد المطلب شيبة الحمد و كنيته أبو الحارث و عنده يجتمع نسبه بنسب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد تقدم ذكره و كان ولد أبي طالب طالبا و لا عقب له و عقيلا و جعفرا و عليا كل واحد أسن من الآخر بعشر سنين كذا ذكر ضياء الدين أبو المؤيد موفق بن أحمد الخوارزمي في كتابه المناقب و منه نقلت و أم هانئ و اسمها فاختة و أمهم جميعا فاطمة بنت أسد .

و قال أبو المؤيد الخوارزمي : إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا أسامة بن زيد و أبا أيوب الأنصاري و عمر بن الخطاب و غلاما أسود فحفروا قبرها فلما بلغوا لحدها حفره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيده و أخرج ترابه بيده و لما فرغ اضطجع فيه ثم قال الله الذي يحيي و يميت و هو حي لا يموت اغفر لأمي فاطمة بنت أسد و لقنها حجتها و وسع عليها مدخلها بحق نبيك محمد و الأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين .

قال الخوارزمي و من قولي فيه :

نسب المطهر بين أنساب الورى *** كالشمس بين كواكب الأنساب‏

و الشمس إن طلعت فما من كوكب *** إلا تغيب في نقاب حجاب

قال رضي الله عنه : و وجدت ثلاثة أبيات لنصراني بخط الزجاج في مدح أمير
[65]
المؤمنين (عليه السلام) .

شعر :

علي أمير المؤمنين صريمه *** و ما لسواه في الخلافة مطمع

‏له النسب العالي و إسلامه الذي *** تقدم فيه و الفضائل أجمع‏

و لو كنت أهوى ملة غير ملتي *** لما كنت إلا مسلما أتشيع

و نقلت من كتاب مواليد الأئمة تصنيف الشيخ ابن الخشاب بخط ابن وضاح في عمره و نسبه (عليه السلام) ما هذا صورته : مضى أمير المؤمنين و هو ابن خمس و ستين سنة سنة أربعين من الهجرة و نزل الوحي و له اثنتا عشرة سنة و أقام بمكة مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث عشرة سنة ثم هاجر فأقام معه بالمدينة عشر سنين و أقام بعده ثلاثين سنة فكان عمره خمسا و ستين سنة قال و قبض في ليلة الجمعة قبره بالغري كنيته أبو الحسن و أبو الحسين لقبه سيد الوصيين و قائد الغر المحجلين و أمير المؤمنين و الصديق الأكبر و الفاروق الأعظم و قسيم النار و الجنة و الوصي و حيدرة و أبو تراب هذا آخر كلامه في هذا فانظر و اعتبر إلى هذا الكتاب و مصنفه و كاتبه و هما من أعيان أصحاب أحمد بن حنبل و اعترافهما بأنه الصديق الأكبر و الفاروق الأعظم و يفضلون عليه غيره و يحطونه عن رتبة من قد أقروا أنه أكبر منه ما هذا إلا عجيب .
ذكر كناه (صلى الله عليه وآله وسلم)
أبو الحسن و أبو الحسين و أبو تراب و ذكر الخوارزمي أبو محمد :

قال علي (عليه السلام) : كان الحسن يدعوني في حياة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا حسين و الحسين يدعوني أبا حسن و لا يريان أبا إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما مات دعواني أباهما .

و من كنياته أيضا ما نقلته من كتاب مناقب ابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) قبل موته بثلاث سلام عليك أبا الريحانتين أوصيك بريحانتي من الدنيا فعن قليل ينهد ركناك و الله خليفتي عليك .

[66]
قال : فلما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; قال علي (عليه السلام) : هذا أحد ركني الذي قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فلما ماتت فاطمة (عليها السلام) , قال : هذا الركن الثاني الذي قال لي رسول الله ص .

و نقلت من كتاب مناقب الخوارزمي عن سهل بن سعد قال : استعمل على المدينة رجل من آل مروان قال فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم عليا قال فأبى سهل فقال أما إذا أبيت فقل لعن الله أبا تراب فقال سهل ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب و إنه كان ليفرح إذا دعي به فقال له أخبرني عن قصته لم سمي أبا تراب فقال جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيت فاطمة (عليها السلام) فلم يجد عليا في البيت فقال ابن عمك فقالت كان بيني و بينه شي‏ء فغاضبني فخرج و لم يقل عندي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لإنسان انظر أين هو فجاء فقال يا رسول الله هو في المسجد راقد فجاءه رسول الله و هو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمسحه عنه و يقول : قم أبا تراب ; قم أبا تراب .

أخرجه أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري و أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري .

و من مناقب الخوارزمي عن ابن عباس قال : لما آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أصحابه و بين المهاجرين و الأنصار فلم يؤاخ بين علي بن أبي طالب و بين أحد منهم خرج علي مغضبا [ مبغضا] حتى أتى جدولا من الأرض و توسد ذراعه فتسفي الريح عليه فطلبه النبي ص حتى وجده فوكزه برجله و قال له قم فما صلحت أن تكون إلا أبا تراب أ غضبت علي حين آخيت بين المهاجرين و الأنصار و لم أؤاخ بينك و بين أحد منهم أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي
[67]
نبي ألا من أحبك حف بالأمن و الإيمان و من أبغضك أماته الله ميتة جاهلية و حوسب بعمله في الإسلام .

قال العباس عمه رضي الله عنه حين بويع أبو بكر يمدحه عليه أفضل الصلاة و السلام شعر :

ما كنت أحسب أن الأمر منصرف *** عن هاشم ثم منها عن أبي حسن

‏أ ليس أول من صلى لقبلتكم و أعلم *** الناس بالآثار و السنن

‏و أقرب الناس عهدا بالنبي و من *** جبريل عون له في الغسل و الكفن‏

من فيه ما في جميع الناس كلهم *** و ليس في الناس ما فيه من الحسن

‏ما ذا الذي ردكم عنه فنعرفه *** ها إن بيعتكم من أول الفتن
ألقابه (صلى الله عليه وآله وسلم)
أمير المؤمنين و يعسوب الدين و المسلمين اليعسوب ملك النحل و منه قيل للسيد يعسوب و مبير الشرك و المشركين البوار الهلاك و المبير المهلك و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين نكث الحبل و العهد فانتكث أي نقضه فانتقض و هي إشارة إلى أصحاب الجمل و الزبير بايعاه بالمدينة و نكثا عهده و خرجا عليه و قاتلاه و القسوط الجور و العدول عن الحق قال الله تعالى وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً و هذه حال معاوية و أصحابه فإنهم عدلوا عن الحق فجاروا عن القصد و طلبوا ما ليس لهم و وسموا غير إبلهم و مروق السهم خروجه عن القوس و هذه صفة الخوارج لأنهم مرقوا عن الإسلام و خرجوا من الدين و مولى المؤمنين و شبيه هارون و المرتضى و نفس الرسول
[68]
و أخوه و زوج البتول و سيف الله المسلول و أبو السبطين و أمير البررة و قاتل الفجرة و قسيم الجنة و النار و صاحب اللواء و سيد العرب و خاصف النعل و كشاف الكرب و الصديق الأكبر و أبو الريحانتين و ذو القرنين و الهادي و الفاروق و الداعي و الشاهد و باب المدينة و بيضة البلد بيضة البلد تستعمل في المدح و الذم أما استعمالها في المدح فقول أخت عمرو ترثيه و قد قتله أمير المؤمنين علي (عليه السلام) :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله *** لكنت أبكي عليه آخر الأبد

لكن قاتله من لا يعاب به و *** كان يدعى قديما بيضة البلد

و أما استعمالها في الذم فقولهم هو أذل من بيضة البلد أي من بيضة النعام التي تتركها قال شعر :

لو كان حوض حمار ما شربت به *** إلا بإذن حمار آخر الأبد

[69]
لكنه حوض من أودى بإخوته *** ريب الزمان فأمسى بيضة البلد

و الولي و الوصي و قاضي دين الرسول و منجز وعده .

قال الخوارزمي و أنا أقول في ألقابه : هو أمير المؤمنين و يعسوب المسلمين و غرة المهاجرين و صفوة الهاشميين و قاتل الكافرين و الناكثين و القاسطين و المارقين و الكرار غير الفرار فصال فقار كل ذي ختر بذي الفقار الختر الغدر يقال ختره فهو ختار صنو جعفر الطيار إذا خرج نخلتان أو ثلاث من أصل واحد فكل واحدة منهن صنو و الاثنتان صنوان و الجمع صنوان برفع النون و في الحديث عم الرجل صنو أبيه قسيم الجنة و النار مقعص الجيش الجرار ضربه فأقعصه أي مكانه و القعص الموت الوحي يقال مات قعصا إذا أصابته ضربة أو رمية فمات مكانه و القعاص داء يأخذ الغنم و لا يلبثها أن تموت و الجرار الجيش الثقيل السير لكثرته لاطم وجوه اللجين و النضار بيد الاحتقار أبو تراب مجدل الأتراب معفرين بالتراب رجل الكتيبة و الكتاب و المحراب و الحراب و الطعن و الضراب و الخير الحساب بلا حساب مطعم السغاب بجفان كالجواب راد المعضلات بالجواب
[70]
الصواب أعضل الأمر اشتد و استغلق و أمر معضل لا يهتدى لوجهه و المعضلات الشدائد مضيف النسور و الذئاب بالبتار الماضي الذباب ذباب السيف طرفه الذي يضرب به هازم الأحزاب قاصم الأصلاب القصم الكسر و القاصم الكاسر قاسم الأسلاب جزاز الرقاب بأين القراب مفتوح الباب إلى المحراب عند سد أبواب سائر الأصحاب هذا إشارة إلى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بسد الأبواب التي كانت إلى المسجد و لم يترك منها مفتوحا إلا باب علي (عليه السلام) جديد الرغبات في الطاعات بالي الجلباب رث الثياب رواض الصعاب معسول الخطاب عديم الحجاب و الحجاب ثابت اللب في مدحض الألباب مكان دحض و دحض بالتحريك أي زلق و دحضت حجته دحوضا بطلت و أدحضه الله و الإدحاض الإزلاق شقيق الخير رفيق الطير قوله مضيف النسور و الذئاب و رفيق الطير مثل قول الشاعر هو مسلم بن الوليد شعر :

قد عود الطير عادات وثقن بها *** فهن يصحبنه في كل مرتحل

في أمثال ذلك كثير صاحب القرابة و القربة كاسر أصنام الكعبة مناوش الحتوف المناوشة في القتال إذا تدانى الفريقان و هو اشتداده و كثرته و التناوش التناول و الحتف الموت و جمعه حتوف قتال الألوف مخرق الصفوف ضرغام يوم الجمل الضرغام و الضرغامة الأسد المردود له الشمس عند الطفل الطفل بالتحريك بعد العصر و تطفيل
[71]
الشمس ميلها إلى الغروب و طفل الليل ظلامه تراك السلب ضراب القلل شعر :

إن الأسود أسود الغاب همتها *** يوم الكريهة في المسلوب لا السلب

قلة كل شي‏ء أعلاه و رأس الإنسان قلة و جمعه قلل حليف البيض و الأسل شجاع السهل و الجبل زوج فاطمة الزهراء سيدة النساء مذل الأعداء معز الأولياء أخطب الخطباء قدوة أهل الكساء إمام الأئمة الأتقياء الشهيد أبو الشهداء أشهر أهل البطحاء مضمخ مردة الحروب بالدماء الخارج عن بيت المال صفر اليدين عن الصفراء و الحمراء و البيضاء مثكل أمهات الكفرة و مفلق هامات الفجرة و مقوي أعضاد البررة و ثمرة بيعة الشجرة و فاقئ عيون السحرة يقال فقأت عينه فقاء و فقأتها تفقية إذا نجفتها أي أخرجتها و داحي أرض الدماء دحا الشي‏ء دحوا بسطه و مطلع شهب الأسنة في سماء القترة القترة الغبار المسمي نفسه يوم الغبرة بحيدرة الحيدرة الأسد و قد قدمنا أن أمه رضي الله عنها سمته أسدا على أحد الأقوال خواض الغمرات حمال الألوية و الرايات الغمرة جمعها غمرات و هي شديد
[72]
الموت مميت البدعة محيي السنة و كاتب جوائز أهل الجنة و مصرف الأعنة و اللاعب بالأسنة ساد أنفاق النفاق شاق جماجم ذوي الشقاق النفق سرب في الأرض له مخلص في مكان و جمعه أنفاق سيد العرب موضع العجب المخصوص بأشرف النسب الهاشمي الأم و الأب المفترع أنواع أبكار الخطب يقال افترع البكر إذا افتضها نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم المباهلة و ساعده المساعد يوم المصاولة المصاولة المواثبة و خطيبه المصقع يوم المقاولة المصقع البليغ و خليفته في مهاده المهاد الفراش و موضع سره في إصداره و إيراده و ملين عرائك أضداده و أبو أولاده العريكة الطبيعة يقال لانت عريكته إذا انكسرت نخوته و واسطة قلادة الفتوة و نقطة دائرة المروة و ملتقى شرفي الأبوة و البنوة و وارث علم الرسالة و النبوة و سيف الله المسلول و جواد الخلق المأمول ليث الغابة و أقضى الصحابة و الحصن الحصين و الخليفة الأمين أعلم من فوق رقعة الغبراء و تحت أديم السماء المستأنس بالمناجاة في ظلمة ليلة الليلاء و أنشد أبو المؤيد (رهـ) .

هذي المكارم لا قعبان من لبن *** شيبا بماء فعادا بعد أبوالا

و أنا أنشد :

أساميا لم تزده معرفة *** و إنما لذة ذكرناها

راقع مدرعته و الدنيا بأسرها قائمة بين يديه حتى استحيا من راقعها منزه نفسه النفيسة عن الدنيا الدنية و مصارعها و مثبتها بلجام تقواه عن مطامعها و فاطمها بتهجدها عن وثير مضاجعها التهجد صلاة الليل و الوثير الوطي‏ء أخو رسول الله ص و ابن عمه و كشاف كربه و غمه و مساهمه في طمه و رمه أي في أموره كلها و أحواله جميعا بعضه بعض البتول و ولده ولد الرسول هو من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دمه دمه و لحمه لحمه و عظمه عظمه و علمه علمه و سلمه سلمه و حربه حربه و حزبه
[73]
حزبه و فرعه فرعه و نبعه نبعه و نجره نجره النجر الأصل و الحسب و فخره فخره و جده جده و حده حده أنهار الفضائل في الدنيا من بحور فضائله و رياض التوحيد و العدل من بساتين خطبه و رسائله و كبش أهل العراق و الشام و الحجاز و شجا حلوق الأبطال عند البراز الشجا ما ينشب في الحلق من عظم و غيره و ابن عم المصطفى و شفيق النبي المجتبى ليث الشرى الشرى طريق في سلمى كثير الأسد غيث الورى حتف العدى مفتاح الندى قطب رحى الهدى مصباح الدجى جوهر النهى بحر اللهى مسعر الوغى النهية بالضم واحدة النهى و هو العقول لأنها تنهى عن القبيح و المسعر و المسعار الخشب الذي تسعر به النار و منه قيل إنه لمسعر حرب أي تسعر به و تحمى و الوغى الحرب لما فيها من الصوت و الجلبة و الوغى مثله قطاع الطلى و هي الرقاب شمس الضحى أبو القرى في أم القرى المبشر بأعظم البشرى مطلق الدنيا مؤثر الآخرة على الأولى رب الحجى بعيد المدى ممتطي صهوة العلى مستند الفتوى الصهوة موضع اللبد من ظهر الفرس و أعلى كل جبل صهوته مثوى التقى نديد هارون من موسى الند و النديد المثل و النظير مولى كل من له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مولى كثير الجدوى و هي العطية شديد القوى سالك الطريقة المثلى المثلى تأنيث الأمثل و هو القريب من الخير و أماثل القوم خيارهم و أفاضلهم المعتصم بالعروة الوثقى الفتى أخو الفتى الذي أنزل فيه هل أتى أكرم من ارتدى و أشرف من احتذى أفضل من راح و اغتدى أشجع من ركب و مشى أهدى من صام و صلى مراقب حق الله إن أمر أو نهى الذي ما صبا في الصبا و سيفه عن قرنه ما نبا و نور هداه ما خبا و مهر إقدامه ما كبا دعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى التوحيد فلبى و جلا ظلم الشرك و جلى و سلك المحجة البيضاء و أقام الحجة الزهراء جنيت ثمار النصر من علمه و التقطت جواهر العلم من قلمه و نشأت ضراغم المعارك من
[74]
أجمه الضرغام و الضرغامة الأسد و بأس كيوان أقدام هممه و اخضرت ربى الأماني من ديم كرمه الديمة المطر ليس فيه رعد و برق أقله ثلث النهار أو ثلث الليل و أكثره ما بلغ و جمعه ديم نعم هو أبو الحسن القليل الوسن الذي لم يسجد للوثن هو عصرة المنجود العصرة الملجأ و المنجود المكروب هو من الذين أحيوا أموات الآمال بحباء الجود هو من الذين سيماهم في وجوههم من أثر السجود هو محارب الكفرة و الفجرة بالتأويل و التنزيل هو الذي مثله مذكور في التوراة و الإنجيل هو الذي كان للمؤمنين وليا حفيا و للرسول بعده وصيا نصره كبيرا و آمن به صبيا هو الذي كان لجنود الحق سندا و لأنصار الدين يدا و عضدا و مددا و لضعفاء المسلمين مجيرا و لصناديد الكافرين مبيرا الصنديد السيد الشجاع و لكئوس العطاء على الفقراء [العاجزين] مديرا حتى أنزل فيه و في أهل بيته الذين طهرهم الله تطهيرا وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً هو علي العلي الوصي الولي الهاشمي المكي المدني الأبطحي الطالبي الرضي المرضي المنافي القوي الجري اللوذعي الأريحي المولوي الصفي الوفي الذي بصره الله حقائق اليقين و رتق به فتوق الدين الذي صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و صدق و بخاتمه في الركوع تصدق و اعتصب بالسماحة و الحماسة و تطوق و دقق في علومه و معارفه و حقق و ذكرنا بقتل الوليد بدرا و بقتل عمرو الخندق و مزق من أبناء الحروب ما مزق و غرق في لجة سيفه من أسود الهياج من غرق و حرق بشهاب صارمه من شياطين العراك من حرق حتى استوسق الإسلام و اتسق استوسق اجتمع و اتسق انتظم هو أطول بني هاشم

[75]
باعا و أمضاهم زماعا يقال للرجل الشجاع المقدام زميع بين الزماع و الزماع الإسراع و العجلة أرحبهم ذراعا و أكثرهم أشياعا و أخلصهم أتباعا و أشهرهم قراعا و أحدهم سنانا و أعربهم لسانا و أقواهم جنانا هو حيدر و ما أدراك ما حيدر و هو الكوكب الأزهر و الصارم المذكر صاحب براءة و غدير خم و رأيه خيبر و كمي أحد و حنين و الخندق و بدر الأكبر هو ساقي وراد الكوثر يوم المحشر أبو السبطين و مصلي القبلتين و أنسب من في الأخشبين الأخشبان جبلا مكة و في الحديث لا تزول مكة حتى يزول أخشباها و أعلم من في الحرمين هذا آخر ما ذكر أبو المؤيد رحمه الله من ألقابه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم أزد فيها إلا شرح غريبها و ربما حذفت منها شيئا قليلا .
صفته (عليه السلام)
قال الخطيب أبو المؤيد الخوارزمي عن أبي إسحاق قال : لقد رأيت عليا أبيض الرأس و اللحية ضخم البطن ربعة من الرجال .

و ذكر ابن مندة : أنه (عليه السلام) كان شديد الأدمة ثقيل العينين عظيمهما ذا بطن و هو إلى القصر أقرب أبيض الرأس و اللحية .

و زاد محمد بن حبيب البغدادي صاحب المحبر الكبير في صفاته (عليه السلام) : أدم اللون حسن الوجه ضخم الكراديس.

[76]
الأدمة : السمرة كل عظمين التقيا في مفصل فهو كردوس نحو المنكبين و الركبتين و الوركين و الجمع كراديس.

و اشتهر (عليه السلام) بالأنزع البطين أما في الصورة فيقال رجل أنزع بين النزع و هو انحسر الشعر عن جانبي جبهته و موضعه النزعة و هما النزعتان و لا يقال لامرأة نزعاء و لكن زعراء و البطين الكبير البطن و أما المعنى فإن نفسه نزعت يقال نزع إلى أهله ينزع نزاعا اشتاق و نزع عن الأمور نزوعا انتهى عنها أي نزعت نفسه عن ارتكاب الشهوات فاجتنبها و نزعت إلى اجتناب السيئات فسد عليه مذهبها و نزعت إلى اكتساب الطاعات فأدركها حين طلبها و نزعت إلى استصحاب الحسنات فارتدى بها و تجلببها و امتلأ علما فلقب بالبطين و أظهر بعضا و أبطن بعضا حسب ما اقتضاه علمه الذي عرف به الحق اليقين.

أما ما ظهر من علومه فأشهر من الصباح و أسير في الآفاق من سري الرياح و أما ما بطن فقد قال .

بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة .

اندمج : إذا دخل في الشي‏ء و استتر فيه , و الأرشية : الحبال واحدها رشاء و الطوي البئر المطوية و قد نظم بعض الشعراء هذا المعنى فقال :

من كان قد عزقته مدية دهره *** و مرت له أخلاف سم منقع

‏فليعتصم بعرى الدعاء و يبتهل *** بإمامة الهادي البطين الأنزع

‏نزعت عن الآثام طرا نفسه *** ورعا فمن كالأنزع المتورع‏

و حوى العلوم عن النبي وراثة *** فهو البطين لكل علم مودع

[77]
و مما ورد في صفته (عليه السلام) ما أورده صديقنا العز المحدث و ذلك حين طلب منه السعيد بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل (رهـ) أن يخرج أحاديث صحاحا و شيئا مما ورد في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) و صفاته و كتبت على الأنوار الشمع الاثني عشر التي حملت إلى مشهده (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنا رأيتها قال : كان ربعة من الرجال أدعج العينين حسن الوجه كأنه القمر ليلة البدر حسنا ضخم البطن عريض المنكبين شتن الكفين أغيد , كأن عنقه إبريق فضة , أصلع كث اللحية لمنكبيه مشاش كمشاش السبع الضاري لا يبين عضده من ساعده و قد أدمجت إدماجا , إن أمسك بذراع رجل أمسك بنفسه فلم يستطع أن يتنفس , شديد الساعد و اليد , إذا مشى إلى الحرب هرول , ثبت الجنان قوي شجاع منصور على من لاقاه .

وقال معاوية لضرار بن ضمرة صف لي عليا .

قال : اعفني .

قال : لتصفنه .

قال : أما إذ لا بد : فإنه , و الله كان بعيد المدى , شديد القوى , يقول فصلا و يحكم عدلا , يتفجر العلم من جوانبه , وتنطق الحكمة من نواحيه , يستوحش من الدنيا و زهرتها و يأنس بالليل و وحشته , و كان غزير الدمعة طويل الفكرة , يعجبه من اللباس ما خشن و من الطعام ما جشب , و كان فينا كأحدنا , مجيبنا إذا سألناه و يأتينا إذا دعوناه , و نحن و الله مع تقريبه إيانا
[78]
و قربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له , يعظم أهل الدين و يقرب المساكين , لا يطمع القوي في باطله و لا ييئس الضعيف من عدله , فأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه و قد أرخى الليل سدوله و غارت نجومه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم وهو اللذيع و يبكي بكاء الحزين و هو يقول :

يا دنيا غري غيري أ بي تعرضت أم إلي تشوقت هيهات هيهات قد بينتك ثلاثا لا رجعة فيها فعمرك قصير و خطرك كبير و عيشك حقير آه من قلة الزاد للسفر و وحشة الطريق .

فبكى معاوية و قال : رحم الله أبا الحسن كان و الله كذلك .

فكيف حزنك عليه يا ضرار ?

قال : حزن من ذبح ولدها بحجرها فهي لا ترقأ عبرتها و لا يسكن حزنها .
في بيعته و ما جاء فيها
عن سعيد بن المسيب قال : لما قتل عثمان جاء الناس أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى دخلوا داره فقالوا نبايعك فمد يدك فلا بد للناس من أمير فقال ليس ذلك إليكم إنما ذلك لأهل بدر فمن رضوا به فهو خليفة فلم يبق أحد من أهل بدر إلا أتى عليا (عليه السلام) و قالوا ما نرى أحدا أحق بها منك فمد يدك نبايعك فقال أين طلحة و الزبير فكان أول من بايعه طلحة فبايعه بيده و كانت إصبعه شلاء فتطير منها علي (عليه السلام) و قال ما أخلفه أن ينكث ثم بايعه الزبير و سعد و أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جميعا .

عن الأسود بن يزيد النخعي قال : لما بويع علي بن أبي طالب (عليه السلام) على
[79]
منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال خزيمة بن ثابت الأنصاري و هو واقف بين يدي المنبر :

إذا نحن بايعنا عليا فحسبنا *** أبو حسن مما نخاف من الفتن

‏وجدناه أولى الناس بالناس إنه *** أطب قريش بالكتاب و بالسنن

‏فإن قريشا ما تشق غباره إذا *** ما جرى يوما على الضمر البدن‏

و فيه الذي فيهم من الخير كله *** و ما فيهم بعض الذي فيه من حسن
ما جاء في إسلامه و سبقه و سنه يومئذ
قال أبو المؤيد و بهذا الإسناد عن محمد بن إسحاق : أن أول ذكر آمن برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب (عليه السلام) و صدق بما جاء به عن الله تعالى و عمره يومئذ عشر سنين و كان من نعمة الله عليه أنه ربي في حجره (صلى الله عليه وآله وسلم) و ذلك أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة و هي السنة المجدبة و كان أبو طالب ذا عيال فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) للعباس عمه رضي الله عنه و كان موسرا يا عباس إن أخاك كثير العيال و قد أصاب الناس ما ترى فانطلق حتى تخفف عنه من عياله فانطلقا إليه و قالا له فقال اتركوا لي عقيلا و خذوا من شئتم فأخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا و أخذ العباس جعفرا فلم يزل مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى بعثه الله نبيا فاتبعه و آمن به و صدقه.

أبو المؤيد ذكر أخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا و لم يذكر أخذ العباس جعفرا و القصة مشهورة .

قال و بهذا الإسناد عن سلمان رضي الله عنه قال : سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول أول الناس ورودا على الحوض يوم القيامة أولهم إسلاما علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلت الملائكة علي و على علي سبع سنين قيل و لم ذلك يا رسول الله قال لم يكن معي من الرجال غيره .

و في رواية من مناقب الخوارزمي أيضا قال : صلت الملائكة علي و على علي
[80]
سبع سنين و ذلك أنه لم ترفع شهادة أن لا إله إلا الله إلى السماء إلا مني و من علي و قد أورده النطنزي صاحب الخصائص و قال إلا منه و مني .

و نقلت من كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد عن ليلى الغفارية قالت : كنت امرأة أخرج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) أداوي الجرحى فلما كان يوم الجمل أقبلت مع علي كرم الله وجهه فلما فرغ دخلت على زينب عشية فقلت حدثيني هل سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الرجل شيئا قالت نعم دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو و عائشة على فراش و عليهما قطيفة قالت فأقعى علي كجلسة الأعرابي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن هذا أول الناس إيمانا و أول الناس لقاء لي يوم القيامة و آخر الناس بي عهدا عند الموت .

و منه عن ابن عباس قال : نظر علي يوما في وجوه الناس فقال إني لأخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و وزيره و لقد علمتم أني أولكم إيمانا بالله عز و جل و رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم دخلتم في الإسلام بعدي رسلا رسلا الرسل اللين و السكون يقال تكلم على رسلك أي هينتك و الرسل الجماعة و الرسل مثله و أصله بالتحريك و إني لابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أخوه و شريكه في نسبه و أبو ولده و زوج سيدة ولده و سيدة نساء العالمين و لقد عرفتم إذا ما خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مخرجا قط إلا رجعنا و أنا أحبكم إليه و أوثقكم في نفسه و أشدكم نكاية و أثرا في العدو و لقد رأيتم بعثته إياي ببراءة و وقفته لي يوم غدير خم و قيامه إياي معه و رفعه بيدي و لقد آخى بين المسلمين فما اختار أحدا لنفسه غيري و لقد قال لي أنت أخي و أنا أخوك في الدنيا و الآخرة و لقد أخرج الناس من المسجد و تركني و لقد قال لي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .

و منه عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لعلي أربع خصال ليست لأحد من الناس
[81]
غيره هو أول عربي و عجمي صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; و هو الذي كان لواؤه معه في كل زحف ; و هو الذي صبر معه يوم المهراس - يوم المهراس : يوم حنين , و هو الحوض من الحجارة أيضا و إنما سمي بذلك لشدته مأخوذ من الهرس و هو الدق - و هو الذي غسله و أدخله قبره (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و نقلت من مسند أحمد بن حنبل عن أبي مريم عن علي (عليه السلام) قال : انطلقت أنا و النبي حتى أتينا الكعبة فقال لي رسول الله اجلس و صعد على منكبي فذهبت لأنهض به فرأى مني ضعفا فنزل و جلس و قال لي نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اصعد على منكبي فصعدت على منكبيه قال فنهض بي قال فإنه تخيل إلي أني لو شئت لنلت أفق السماء حتى صعدت على البيت و عليه تمثال صفر أو نحاس فجعلت أزاوله عن يمينه و عن شماله و بين [من] يديه و من خلفه حتى إذا استمكنت منه قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اقذف به فقذفت به فتكسر كما تتكسر القوارير ثم نزلت و انطلقت أنا و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نستبق حتى توارينا بالبيوت خشية أن يلقانا أحد من الناس .

و منه عن حديث في آخر المجلد الأول عن علي (عليه السلام) أنه قال : اللهم لا أعرف أن عبدا لك من هذه الأمة عبدك قبلي غير نبيك ثلاث مرات و لقد صليت قبل أن يصلي الناس سبعا .

و منه عن حبة العرني قال : سمعت عليا (عليه السلام) يقول أنا أول من صلى مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و من مسند أحمد بن حنبل عن عمرو بن ميمون قال : إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا يا ابن عباس إما أن تقوم معنا و إما أن تخلونا بهؤلاء قال فقال ابن عباس بل أقوم معكم قال و هو يومئذ صحيح لم يعم قال فابتدءوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا قال فجاء ينفض ثوبه و هو يقول أف و تف
[82]
وقعوا في رجل له عشر , وقعوا في رجل قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله .

قال فاستشرف لها من استشرف .

قال : أين علي ?

قالوا : هو في الرحل يطحن .

قال : و ما كان أحدكم يطحن مكانه ?

قال : فجاء و هو أرمد لا يكاد أن يبصر شيئا .

قال : فنفث في عينه - والنفث : ريح بلا ريق و هو شبيه بالنفخ - ثم هز الراية ثلاثا فأعطاها إياه .

فجاءه بصفية بنت حي .

قال : ثم بعث فلانا بسورة التوبة ; فبعث عليا خلفه فأخذها منه .

قال : لا يذهب بها إلا رجل هو مني و أنا منه .

قال : و قال لبني عمه ; أيكم يواليني في الدنيا و الآخرة .

قال : و علي جالس معهم ; فأبوا , فقال علي : أنا أواليك في الدنيا و الآخرة .

فقال أنت وليي في الدنيا و الآخرة .

قال : فتركه , ثم أقبل على رجل منهم و قال : أيكم يواليني في الدنيا و الآخرة ?

فأبوا , قال : فقال علي : أنا أواليك في الدنيا و الآخرة .

فقال : أنت وليي في الدنيا و الآخرة .

فقال : كان أول من أسلم من الناس بعد خديجة .

قال : و أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثوبه فوضعه على علي و فاطمة و حسن و حسين فقال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .

قال : و شرى علي نفسه لبس ثوب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم نام مكانه .

قال : و كان المشركون يرومون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجاء أبو بكر و علي (عليه السلام) نائم و أبو بكر يحسب أنه نبي الله .

قال : فقال له علي ; إن نبي الله قد انطلق إلى بئر ميمون فأدركه .

فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار .

قال : و جعل علي يرمى بالحجارة كما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرمى و هو يتضور قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح , ثم كشف عن رأسه ; فقالوا إنك للئيم كان صاحبك نرميه فلا يتضور و أنت تتضور و قد استنكرنا ذلك .

قال : و خرج بالناس في غزوة تبوك .

قال : فقال له علي : أخرج معك .

فقال له نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا .

فبكى علي , فقال له : أ لا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي ; لا ينبغي أن أذهب إلا و أنت خليفتي .

[83]
قال : و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت وليي في كل مؤمن بعدي .

قال : و سد أبواب المسجد غير باب علي .

قال : فيدخل المسجد جنبا و هو طريقه ليس له طريق غيره .

قال : و قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من كنت مولاه فإن مولاه علي .

قال : و أخبرنا الله عز و جل أنه قد رضي عنهم عن أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم , هل حدثنا أحد أنه سخط عليهم بعد .

و من المسند عن ابن عباس قال : أول من صلى مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد خديجة علي (عليه السلام) و قال مرة أسلم .

قال أبو المؤيد و عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) السبق ثلاثة فالسابق إلى موسى يوشع بن نون و السابق إلى عيسى صاحب ياسين و السابق إلى محمد علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و من المناقب عن عبد الله بن مسعود قال : إن أول شي‏ء علمته من أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أني قدمت مكة في عمومة لي فأرشدونا على العباس بن عبد المطلب فانتهينا إليه و هو جالس إلى من ثم فجلسنا إليه فبينا نحن عنده إذ أقبل رجل من باب الصفا تعلوه حمرة و له وفرة جعدة إلى أنصاف أذنيه أقنى الأنف براق الثنايا أدعج العينين كث اللحية دقيق المسربة شثن الكفين حسن الوجه معه مراهق أو محتلم تقفوه امرأة قد سترت محاسنها حتى قصدوا نحو الحجر فاستلمه ثم استلم الغلام ثم استلمته المرأة ثم طاف بالبيت سبعا و الغلام و المرأة يطوفان معه فقلنا يا أبا الفضل إن هذا الدين لم نكن نعرفه فيكم أ و شي‏ء حدث قال هذا ابن أخي محمد بن عبد الله و الغلام علي بن أبي طالب و المرأة امرأته خديجة بنت خويلد ما على وجه الأرض أحد يعبد الله تعالى بهذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة .

يقال إن الوفرة الشعرة إلى شحمة الأذن ثم الجمة ثم اللمة و هي التي ألمت بالمنكبين و القنا احديداب في الأنف يقال رجل أقنى الأنف و امرأة قنواء بينة القنا و هو عيب في الخيل و الدعج شدة سواد العين مع سعتها يقال عين دعجاء كث اللحية كاثة أي كثف و لحية كثة و كثاء أيضا و رجل كث اللحية المسربة بضم الراء الشعر المستدق الذي يأخذ من الصدر إلى السرة يقال شثنت كفه بالكسر أي خشنت
[84]
و غلظت و رجل شثن الأصابع بالتسكين و المراهق المقارب للاحتلام و استلم الحجر لمسه إما بالقبلة أو باليد و لا يهمز .

و مثله عن عفيف الكندي قال : كنت امرأ تاجرا فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة و كان امرأ تاجرا فو الله إني لعنده بمنى إذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر إلى الشمس فلما رآها قد مالت قام يصلي قال ثم خرجت امرأة من الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت خلفه فصلت ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه فصلى قال فقلت للعباس من هذه يا عباس قال هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي قال فقلت من هذه المرأة قال امرأته خديجة بنت خويلد قال فقلت من هذا الفتى قال علي بن أبي طالب ابن عمه (عليه السلام) قال فقلت له ما هذا الذي يصنع قال يصلي و هو يزعم أنه نبي و لم يتبعه على أمره إلا امرأته و ابن عمه هذا الفتى و هو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز كسرى و قيصر و كان عفيف و هو ابن عم الأشعث بن قيس يقول بعد ذلك و قد أسلم و حسن إسلامه لو كان رزقني الله الإسلام يومئذ فأكون ثانيا مع علي (عليه السلام) و قد رواه بطوله أحمد بن حنبل في مسنده نقلته من الذي اختاره و جمعه عز الدين المحدث و تمامه من الخصائص بعد قوله ثم استقبل الركن و رفع يديه فكبر و قام الغلام و رفع يديه و كبر و رفعت المرأة يديها و كبرت و ركع و ركعا و سجد و سجدا و قنت و قنتا فرأينا شيئا لم نعرفه أو شيئا حدث بمكة فأنكرنا ذلك و أقبلنا على العباس فقلنا له يا أبا الفضل الحديث بتمامه .

و من كتاب المناقب عن زيد بن أرقم قال : أول من صلى مع النبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و منه عن أبي رافع قال : صلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أول يوم الإثنين و صلت خديجة آخر يوم الإثنين و صلى علي يوم الثلاثاء من الغد و صلى مستخفيا قبل أن يصلي مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبع سنين و أشهر .

[85]
قال الخوارزمي هذا الحديث إن صح فتأويله أنه صلى مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل جماعة تأخر إسلامهم لا أنه صلى سبع سنين قبل عبد الرحمن بن عوف و عثمان و سعد بن أبي وقاص و طلحة و الزبير فإن المدة بين إسلام هؤلاء و إسلام علي (عليه السلام) لا تمتد إلى هذه الغاية عند أصحاب السير و التواريخ كلهم .

و بهذا الإسناد عن عروة قال : أسلم علي (عليه السلام) و هو ابن ثمان سنين .

و لبعض أهل الكوفة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في أيام صفين :

أنت الإمام الذي نرجو بطاعته *** يوم النشور من الرحمن غفرانا

أوضحت من ديننا ما كان ملتبسا *** جزاك ربك عنا فيه إحسانا

نفسي فداء لخير الناس كلهم بعد *** النبي علي الخير مولانا

أخي النبي و مولى المؤمنين معا *** و أول الناس تصديقا و إيمانا

و نقلت من أحاديث نقلها صديقنا عز الدين عبد الرزاق بن رزق الله بن أبي بكر المحدث الحنبلي الرسعني الأصل الموصلي المنشأ و كان رجلا فاضلا أديبا حسن المعاشرة حلو الحديث فصيح العبارة اجتمعت به في الموصل و تجارينا في أحاديث فقلت له يا عز الدين أريد أن أسألك عن شي‏ء و تنصفني فقال نعم فقلت هل يجوز أن تلزمونا معشر الشيعة بما في صحاحكم و من رجالها عمرو بن العاص و معاوية بن أبي سفيان و عمران بن حطان و كان من الخوارج فقال : لا و الله , و كان منصفا (رهـ) و قتل في سنة أخذ الموصل و هي سنة ستين و ستمائة .

عن عمرو : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لعلي إنك أول المؤمنين معي إيمانا و أعلمهم بآيات الله أوفاهم بعهد الله و أرأفهم بالرعية و أقسمهم بالسوية و أعظمهم عند الله مزية .

و مما خرجه المذكور من مسند أحمد بن حنبل من حديث معقل بن يسار : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
[86]
قال لفاطمة (عليها السلام) أ لا ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما .

و من تفسير الثعلبي في تفسير قوله تعالى وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ قال الثعلبي : قد اتفقت العلماء على أن أول من آمن بعد خديجة من الذكور برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب و هو قول ابن عباس و جابر بن عبد الله الأنصاري و زيد بن أرقم و محمد بن المنكدر و ربيعة الرأي و أبي الجارود المدني و قال الكلبي أسلم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو ابن سبع سنين .

و من الخصائص للنطنزي عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نزلت علي النبوة يوم الإثنين و صلى علي معي يوم الثلاثاء .

و من الخصائص في قوله تعالى وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ قال : إنما نزلت في النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و علي ع خاصة لأنهما أول من صلى و ركع .

و من كتاب الخصائص عن أبي ذر و سلمان رضي الله عنهما قالا : أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد علي فقال إن هذا أول من آمن بي و هذا فاروق هذه الأمة و هذا يعسوب المؤمنين و أول من يصافحني يوم القيامة و هذا الصديق الأكبر .

و من كتاب الخصائص عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال : سمعت عمر بن الخطاب و هو يقول كفوا عن ذكر علي بن أبي طالب فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول في علي ثلاث خصال وددت أن لي واحدة منهن فواحدة منهن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس كنت أنا و أبو بكر و أبو عبيدة بن الجراح و نفر من أصحاب
[87]
رسول الله ص إذ ضرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على كتف علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال يا علي أنت أول المسلمين إسلاما و أنت أول المؤمنين إيمانا و أنت مني بمنزلة هارون من موسى كذب يا علي من زعم أنه يحبني و يبغضك و اسم علي مشتق من اسم الله الأعلى .

قال أبو طالب رضي الله عنه :

سميته بعلي كي يدوم له *** عز العلو و فخر العز أدومه

و من تفسير ابن الحجام في قوله تعالى وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ... الآية قال : قال علي (عليه السلام) يا رسول الله هل نقدر أن نزورك في الجنة كلما أردنا قال يا علي إن لكل نبي رفيقا أول من أسلم من أمته فنزلت هذه الآية فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا فقال له إن الله قد أنزل بيان ما سألت فجعلك رفيقي لأنك أول من أسلم و أنت الصديق الأكبر .

و من كتاب المسترشد عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) خير هذه الأمة بعدي أولها إسلاما علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و من دلائل النبوة للبيهقي عن علي (عليه السلام) قال : كنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة فخرج في بعض نواحيها فما استقبله شجر و لا جبل إلا قال له السلام عليك يا رسول الله .

ذكر علي بن إبراهيم بن هاشم و هو من أجل رواة أصحابنا في كتابه : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أتى له سبع و ثلاثون سنة كان يرى في نومه كأن آتيا أتاه فيقول يا رسول الله فينكر ذلك فلما طال عليه الأمر و كان بين الجبال يرعى غنما لأبي طالب فنظر إلى شخص يقول له يا رسول الله فقال من أنت قال أنا جبرئيل أرسلني الله إليك ليتخذك رسولا فأخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خديجة بذلك و كانت خديجة قد انتهى إليها خبر اليهودي و خبر
[88]
بحيراء و ما حدثت به آمنة أمه فقالت يا محمد إني لأرجو أن تكون كذلك و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يكتم ذلك فنزل عليه جبرئيل و أنزل عليه ماء من السماء فقال له يا محمد قم توضأ للصلاة فعلمه جبرئيل (عليه السلام) الوضوء على الوجه و اليدين من المرفق و مسح الرأس و الرجلين إلى الكعبين و علمه السجود و الركوع فلما تم له أربعون سنة أمره بالصلاة و علمه حدودها و لم ينزل عليه أوقاتها فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي ركعتين ركعتين في كل وقت و كان علي بن أبي طالب يألفه و يكون معه في مجيئه و ذهابه و لا يفارقه فدخل علي (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو يصلي فلما نظر إليه يصلي قال يا أبا القاسم ما هذا قال هذه الصلاة التي أمرني الله بها فدعاه إلى الإسلام فأسلم و صلى معه و أسلمت خديجة و كان لا يصلي إلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و علي و خديجة خلفه فلما أتى لذلك أيام دخل أبو طالب إلى منزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و معه جعفر فنظر إلى رسول الله و علي بجنبه يصليان فقال لجعفر يا جعفر صل جناح ابن عمك فوقف جعفر بن أبي طالب من الجانب الآخر فلما وقف جعفر على يساره بدر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بينهما و تقدم و أنشأ أبو طالب في ذلك يقول :

إن عليا و جعفرا ثقتي *** عند ملم الزمان و الكرب‏

و الله لا أخذل النبي و *** لا يخذله من بني ذو حسب

‏لا تخذلا و انصرا ابن عمكما *** أخي لأمي من بينهم و أبي

كان عبد الله و أبو طالب لأم واحدة .
في ذكر الصديقين
من مناقب ابن المغازلي عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ قال : سبق يوشع بن نون إلى موسى و سبق صاحب آل ياسين إلى
[89]
عيسى و سبق علي بن أبي طالب إلى محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو أفضلهم .

و من مسند أحمد بن حنبل عن عمر بن عبادة عن عبد الله قال : سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول أنا عبد الله و أخو رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر و لقد صليت قبل الناس بسبع سنين .

و من المسند عن أبي ليلى قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الصديقون ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل ياسين الذي قال يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ و خربيل مؤمن آل فرعون الذي قال أَ تَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ و علي بن أبي طالب و هو أفضلهم .

و من بصائر الدرجات عن أبي جعفر عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن أمتي عرضت علي عند أخذ الميثاق فكان أول من آمن بي و صدقني علي بن أبي طالب (عليه السلام) حين بعثت و هو الصديق الأكبر .

و من الرضويات عن علي بن موسى الرضا عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس في القيامة راكب غيرنا و نحن أربعة قال فقام إليه رجل من الأنصار و قال فداك أبي و أمي يا رسول الله أنت و من فقال أنا على البراق و أخي صالح على ناقة الله التي عقرت و عمي حمزة على ناقتي العضباء و أخي علي على ناقة من نوق الجنة بيده لواء الحمد بين يدي العرش فيقول لا إله إلا الله محمد رسول الله قال فيقول الآدميون ما هذا إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو حامل عرش رب العالمين قال فيجيبهم ملك من بطنان العرش معاشر الآدميين ما هذا ملك و لا نبي مرسل و لا حامل العرش بل هذا الصديق الأكبر علي بن أبي طالب (صلى الله عليه وآله وسلم) .

[90]
في محبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إياه و تحريضه على محبته و موالاته و نهيه عن بغضه
نقلت من مسند أحمد بن حنبل رحمه الله من المجلد الأول من الجزء السابع منه عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ بيد حسن و حسين و قال من أحبني و أحب هذين و أباهما و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة .

و من المسند عن زر بن حبيش قال : قال علي (عليه السلام) و الله إنه لما عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لا يبغضني إلا منافق و لا يحبني إلا مؤمن .

و من المسند من المجلد الثاني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى و كان يسمر مع علي (عليه السلام) قال : كان يلبس ثياب الصيف في الشتاء و ثياب الشتاء في الصيف فقيل له لو سألته فسأله فقال إن رسول الله ص بعث إلي و أنا أرمد العين فتفل في عيني و قال اللهم أذهب عنه الحر و البرد فما وجدت حرا و لا بردا منذ يومئذ و قال لأعطين الراية رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله ليس بفرار فتشرف لها أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعطانيها .

و من المسند : قال علي كانت لي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منزلة لم تكن لأحد من الخلائق كنت آتيه كل سحر فأسلم عليه و في حديث آخر منه فأستأذن عليه فإن كان في صلاة سبح و إن كان في غير صلاة أذن لي .

و نقلت من كتاب الآل لابن خالويه عن حذيفة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحب أن يتمسك بقصبة الياقوت التي خلقها الله بيده ثم قال لها كوني فكانت فليتول علي بن أبي طالب من بعدي .

و مثله عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من سره أن يحيا حياتي و يموت ميتتي و يتمسك بالقصبة الياقوتة التي خلقها
[91]
الله ثم قال لها كوني فكانت فليتول علي بن أبي طالب من بعدي قلت رواه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء و تفرد به بشر عن شريك .

و من كتاب الآل في حديث أم سلمة رضي الله عنها لما أتت فاطمة (عليها السلام) بالعصيدة قال : أين علي و ابناه قالت في البيت قال ادعيهم لي فأقبل علي و الحسن و الحسين بين يديه و تناول الكساء على ما قلناه آنفا و قال اللهم إن هؤلاء أهل بيتي و أحب الخلق إلي الحديث بتمامه .

و من كتاب ابن خالويه عن أبي سعيد قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) حبك إيمان و بغضك نفاق و أول من يدخل الجنة محبك و أول من يدخل النار مبغضك و قد جعلك الله أهلا لذلك فأنت مني و أنا منك و لا نبي بعدي .

و منه أيضا عن عبد الله بن مسعود قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بيت زينب بنت جحش حتى أتى بيت أم سلمة فجاء داق فدق الباب فقال يا أم سلمة قومي فافتحي له قالت فقلت و من هذا يا رسول الله الذي بلغ من خطره أن أفتح له الباب و أتلقاه بمعاصمي و قد نزلت في بالأمس آيات من كتاب الله فقال يا أم سلمة إن طاعة الرسول طاعة الله و إن معصية الرسول معصية الله عز و جل و إن بالباب لرجلا [رجلا] ليس بنزق و لا خرق و ما كان ليدخل منزلا حتى لا يسمع حسا و هو يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله قالت ففتحت الباب فأخذ بعضادتي الباب ثم جئت حتى دخلت الخدر فلما أن لم يسمع وطئي دخل ثم سلم على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال يا أم سلمة و أنا من وراء الخدر أ تعرفين هذا قلت نعم هذا علي بن أبي طالب قال هو أخي سجيته سجيتي السجية الخلق و الطبيعة و لحمه من لحمي و دمه من دمي يا أم سلمة هذا قاضي عداتي من بعدي فاسمعي و اشهدي يا أم سلمة هذا وليي من بعدي فاسمعي و اشهدي يا أم
[92]
سلمة لو أن رجلا عبد الله ألف سنة بين الركن و المقام و لقي الله مبغضا لهذا أكبه الله عز و جل على وجهه في نار جهنم و قد رواه الخطيب في كتاب المناقب و فيه زيادة و دمه من دمي و هو عيبة علمي اسمعي و اشهدي هو قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين من بعدي اسمعي و اشهدي هو و الله محيي سنتي اسمعي و اشهدي لو أن عبدا عبد الله ألف عام من بعد ألف عام بين الركن و المقام ثم لقي الله مبغضا لعلي أكبه الله على منخريه في نار جهنم .

و من كتاب الآل عن مالك بن حمامة قال : طلع علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم متبسما يضحك فقام عليه عبد الرحمن بن عوف فقال بأبي أنت و أمي يا رسول الله ما الذي أضحكك قال بشارة أتتني من عند الله في ابن عمي و أخي و ابنتي إن الله تعالى لما زوج فاطمة أمر رضوان فهز شجرة طوبى فحملت رقاقا يعني بذلك صكاكا و هي جمع صك و هو الكتاب بعدد محبينا أهل البيت ثم أنشأ من تحتها ملائكة من نور فأخذ كل ملك رقا فإذا استوت القيامة بأهلها هاجت الملائكة و الخلائق فلا يلقون محبا لنا محضا أهل البيت إلا أعطوه رقا فيه براءة من النار فنثار عمي و ابن أخي و ابن عمي و ابنتي فكاك رقاب رجال و نساء من أمتي من النار .

كان ينبغي أن أذكر هذا الحديث عند ذكر تزويج أمير المؤمنين بسيدة نساء العالمين فاطمة (عليها السلام) و لكن جرى القلم بسطره و أينما ذكر فهو من أدلة شرفها و شرفه و فخرها و فخره و مهما ظن أنه مبالغة في أوصافهما فهو على الحقيقة دون قدرها و قدره.

خير البرايا كلها آدم *** و خير حي بعده هاشم

‏و صفوة الرحمن من خلفه *** محمد و ابنته فاطم‏

و بعلها الهادي و سبطاهما *** و قائم يتبعه قائم

‏منهم إلى الحشر فمن قال لا *** فقل له لا أفلح النادم

[93]
و من الكتاب المذكور عن شقيق بن سلمة عن عبد الله قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو آخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو يقول هذا وليي و أنا وليه عاديت من عادى و سالمت من سالم .

و روى الحافظ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي في كتابه مرفوعا إلى فاطمة (عليها السلام) قالت : خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشية عرفة فقال إن الله عز و جل باهى بكم و غفر لكم عامة و لعلي خاصة و إني رسول الله عز و جل إليكم غير محاب لقرابتي إن السعيد كل السعيد من أحب عليا في حياته و بعد موته .

قال كهمس : قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) يهلك في ثلاثة و ينجو في ثلاثة اللاعن و المستمع و المفرط و الملك المترف يتقرب إليه بلعني و يتبرأ إليه من ديني و يقضب عنده حسبي و إنما ديني دين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و حسبي حسب رسول الله و ينجو في ثلاثة المحب و الموالي لمن والاني و المعادي لمن عاداني فإن أحبني محب أحب محبي و أبغض مبغضي و شايع مشايعي فليمتحن أحدكم قلبه فإن الله عز و جل لم يجعل لرجل من قلبين في جوفه فيحب بأحدهما و يبغض بالآخر .

و روي : أنه قال سلمان لعلي (عليه السلام) ما جئت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنا عنده إلا ضرب عضدي أو بين كتفي و قال (صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا سلمان هذا و حزبه المفلحون .

و من الفردوس عن معاذ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : حب علي بن أبي طالب حسنة لا تضر معها سيئة و بغضه سيئة لا تنفع معها حسنة .

و منه ابن مسعود : حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة , و من مات عليه دخل الجنة . و قد تقدم ذكرنا له .

و منه أبو ذر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : علي باب علمي و هديي و مبين لأمتي ما أرسلت
[94]
به من بعدي حبه إيمان و بغضه نفاق و النظر إليه رأفة و مودته عبادة .

و عن أنس مما خرجه المحدث قال : كنت جالسا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل علي (عليه السلام) فقال النبي أنا و هذا حجة الله على خلقه .

و روي أن أبا ذر رضي الله عنه و أرضاه قال لعلي (عليه السلام) : أشهد لك بالولاية و الإخاء و يزاد [زاد] الحكم و الوصية .

و نقلت من الأحاديث التي جمعها العز المحدث .

روى المنصور عن أبيه محمد بن علي عن جده علي بن عبد الله بن العباس قال : كنت أنا و أبي العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهم جالسين عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ دخل علي بن أبي طالب (عليه السلام) فسلم فرد عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) السلام و بش به و قام إليه و اعتنقه و قبل بين عينيه و أجلسه عن يمينه فقال العباس أ تحب هذا يا رسول الله قال يا عم رسول الله و الله لله أشد حبا له مني إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه و جعل ذريتي في صلب هذا .

و منه قال ابن عباس : نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال : أنت سيد في الدنيا و سيد في الآخرة من أحبك فقد أحبني و حبيبي حبيب الله و من أبغضك فقد أبغضني و بغيضي بغيض الله فالويل لمن أبغضك بعدي .

و منه قال ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله علي حبيب الله الحسن و الحسين صفوة الله فاطمة أمة الله على باغضهم لعنة الله .

و منه عن أنس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي : كذب من زعم أنه يحبني و يبغضك .

و منه عن أبي ذر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي من فارقني فارق الله و من فارقك يا علي فارقني .

و منه عن عبد الله بن مسعود قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آخذا بيد علي و هو يقول :

[95]
الله وليي و أنا وليك و معادي من عاداك و مسالم من سالمك .

و منه قالت عائشة : سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أي الناس أحب إليك قال فاطمة فقلت و من الرجال قال زوجها .

و منه عن أبي علقمة مولى بني هاشم قال : صلى بنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الصبح ثم التفت إلينا فقال معاشر أصحابي رأيت البارحة عمي حمزة بن عبد المطلب و أخي جعفر بن أبي طالب و بين أيديهما طبق من نبق فأكلا ساعة ثم تحول النبق عنبا فأكلا ساعة ثم تحول العنب رطبا فأكلا ساعة فدنوت منهما و قلت بأبي و أمي أنتما أي الأعمال وجدتما أفضل قالا فديناك بالآباء و الأمهات وجدنا أفضل الأعمال الصلاة عليك و سقي الماء و حب علي بن أبي طالب و قد أورده الخوارزمي في مناقبه .

و نقلت من كتاب الأربعين الذي خرجه الحافظ أبو بكر محمد بن أبي نصر بن أبي بكر اللفتواني عن ابن عباس قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا بني هاشم إني سألت الله عز و جل لكم ثلاثا يهدي ضالكم و يعلم جاهلكم و يثبت قائلكم و سألت الله أن يجعلكم جوداء رحماء نجباء و لو أن رجلا صفن بين الركن و المقام فصلى و صام ثم مات و هو مبغض أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل النار .

و منه عن زيد بن أرقم : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي و فاطمة و حسن و حسين (عليهم السلام) أنا سلم لمن سالمكم و حرب لمن حاربكم .

و منه عن زيد بن أرقم قال : مر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على بيت فيه فاطمة و علي و حسن و حسين فقال :أنا حرب لمن حاربتم و سلم لمن سالمتم .

[96]
و منه عن زياد بن مطرف عن زيد بن أرقم و ربما لم يذكر زيد بن أرقم قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحب أن يحيا حياتي و يموت ميتتي و يسكن جنة الخلد التي وعدني ربي فإن ربي عز و جل غرس قضبانها بيده فليتول علي بن أبي طالب فإنه لن يخرجكم من هدى و لن يدخلكم في ضلالة .

و نقلت من مناقب الخوارزمي عن عبد خير عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : أهدي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قنو موز فجعل يقشر الموزة و يجعلها في فمي فقال له قائل يا رسول الله إنك تحب عليا قال أ و ما علمت أن عليا مني و أنا منه .

قلت : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) هو مني و أنا منه يدل على مكانة أمير المؤمنين (عليه السلام) و منزلته و أنه قد بلغ من الشرف و الكمال إلى أقصى غايته و تسنم من كاهل المجد أعلى ذروته و رفعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما أثبته من تنبيهه على محله منه و نسبته و بيان هذه الجملة التي أسفر محياها و إيضاح هذه المنقبة التي تضوع عرفها و فاح رياها و كشف غطاء هذه الفضيلة التي اتفق لفظها و معناها أنه لما .

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : سلمان منا أهل البيت .

حصل لسلمان رضي الله عنه بذلك شرف مد أطنابه و نصب على قمة الجوزاء قبابه و فاق به أمثاله من الأصحاب و أضرابه فلما ذكر عليا و خصه بأنت مني سما به عن تلك الرتبة و تجاوز به عن تلك المحلة و لو اختصر عليها كانت مع كونها متعالية عن رتبة سلمان قريبة منها فلما قال له فأنا منك تم المنقبة و كملها و زين سيرته بهذه الفريدة و جملها فإنها عظيمة المحل ظاهرة الفضل
[97]
تشهد لشرفه و مكانه و رجاحة فضله و ثقل ميزانه و ذلك لأنها دلت أن كل واحد منهما (صلى الله عليه وآله وسلم) أصل للآخر و نازل منزلته و أنه لم يرض أن يقتصر له (عليه السلام) بأن عليا منه حتى جعل نفسه من علي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و قد أورد ابن جرير الطبري و ابن أثير الجزري في تاريخهما أنه كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي في يوم أحد و قد فر من الزحف من فر و قر مع النبي من قر : يا علي اكفني أمر هؤلاء اكفني أمر هؤلاء إشارة إلى الكفار و علي (عليه السلام) يجالد بين يديه باذلا نفسه دونه خائضا غمار الحرب في نصره صابرا على منازلة الأقران و مصاولة الشجعان و مقارعة صناديد العرب و مصارعة الفرسان الجاهلية بعزم لا ينثني و همة لا تني و بأس يذل مردة الطغيان و نجدة تقيد شياطين الكفر في أشطان الذل و الهوان فقال جبرئيل و الله يا محمد ما هذه المواساة فقال هو مني و أنا منه فقال و أنا منكما .

فانظر إلى هذه الحال التي خص بها الإمام (عليه السلام) ما أجلها و المنزلة التي طلب جبرئيل (عليه السلام) أن ينالها و يتفيأ ظلها و الحديث ذو شجون أي يدخل بعضه في بعض .

و من كتاب المناقب عن عائشة قالت : رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) التزم عليا و قبله و يقول ; بأبي الوحيد الشهيد .

[98]
و من المناقب أيضا عن علي بن أبي طالب قال : كنت أمشي مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض طرق المدينة فأتينا على حديقة و هي الروضة ذات الشجر فقلت يا رسول الله ما أحسن هذه الحديقة فقال ما أحسنها و لك في الجنة أحسن منها ثم أتينا على حديقة أخرى فقلت يا رسول الله ما أحسنها من حديقة فقال لك في الجنة أحسن منها حتى أتينا على سبع حدائق أقول يا رسول الله ما أحسنها فيقول (صلى الله عليه وآله وسلم) لك في الجنة أحسن منها فلما خلا له الطريق اعتنقني و أجهش باكيا فقلت يا رسول الله ما يبكيك قال ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها إلا بعدي فقلت في سلامة من ديني قال في سلامة من دينك .

الجهش أن يفزع الإنسان إلى غيره و هو مع ذلك يريد البكاء كالصبي يفزع إلى أمه و قد تهيأ للبكاء يقال جهش إليه يجهش و الضغائن الأحقاد .

و منه عن أسامة بن زيد عن أبيه قال : اجتمع علي و جعفر و زيد بن حارثة فقال جعفر أنا أحبكم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال علي أنا أحبكم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال زيد أنا معتق النبي أنا أحبكم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فانطلقوا بنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنسأله قال أسامة فاستأذنوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنا عنده قال اخرج فانظر من هؤلاء فخرجت ثم جئت فقلت هذا جعفر و علي و زيد بن حارثة يستأذنون قال ائذن لهم فدخلوا فقالوا يا رسول الله جئنا نسألك من أحب الناس إليك قال فاطمة قالوا إنما نسألك عن الرجال فقال أما أنت يا جعفر فيشبه خلقك خلقي و خلقك
[99]
خلقي و أنت إلي و من شجرتي و أما أنت يا علي فختني و أبو ولدي و مني و إلي و أحب القوم إلي .

و قريب منه ما نقلته من مسند أحمد بن حنبل (رهـ) حين اختصم علي و جعفر و زيد في ابنة حمزة رضي الله عنه و قضى بها لخالتها قال لعلي : أنت مني و أنا منك ; و قال لجعفر أشبهت خلقي و خلقي ; و قال لزيد أنت أخونا و مولانا يريد عبدنا .

بل أراد (صلى الله عليه وآله وسلم) به حبيبنا و ناصرنا و ذو عهدنا و لا يقال إنه أخونا و عبدنا و إن كان عبدا فتبصر كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم) و حسن مقصده و بلاغة لفظه و عذوبة مورده و اقطع بأنه أوتي جواهر الكلم فاختارها و انتقاها و حكم في الفصاحة فتسنم ذراها و افترع رباها فإنه أضاف عليا إلى نفسه فقال أنت مني و أجرى جعفرا مجراه فقال أشبهت خلقي و خلقي و لما لم يكن زيد رحمه الله من رجال هذا الميدان أولاه من لطفه إحسانا و أدبه بقوله أنت أخونا و مولانا فأضافه إلى نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) و إليهما بنون الجماعة ليعلم أن رتبته لا تبلغ تلك الرتب المنيفة و محله يقصر عن محالهم الشريفة و كيف و من أين يقع المولى موقع الخليفة .

و من كتاب المناقب عن جابر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءني جبرئيل من عند الله عز و جل بورقة آس خضراء مكتوب فيها ببياض إني افترضت محبة علي بن أبي طالب على خلقي فبلغهم ذلك عني .

و منه عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو اجتمع الناس على حب علي بن أبي طالب (عليه السلام) لما خلق الله عز و جل النار .

أقول : ربما وقف على هذا الحديث بعض من يميل إلى العناد طبعه و يتسع في الخلاف و النصب ذرعه فيرد عليه منه ما يضيق به [عنه] وسعه فيجزم بخفض مناره عند ما يعييه دفعه [رفعه] و يسارع إلى القدح في راويه و معتقده و ينكر على ناقله بلسانه و قلبه و يده و هو لا يعلم أنه إنما أصيب من
[100]
قبل طبعه الذميم و أتي من قبل تصوره السقيم و وجه تبيينه أن محبة علي (عليه السلام) فرع على محبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و تصديقه في جميع ما جاء به و محبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و تصديقه فرع على معرفة الله تعالى و وحدانيته و العمل بأوامره و اجتناب نواهيه و الأخذ بكتابه و سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) و من المعلوم أن الناس كافة لو خلقوا على هذه الفطرة لم يخلق الله النار و كيف يحب عليا من خالف مذهبه في علمه و حلمه و زهده و ورعه و صلاته و صيامه و مسارعته إلى طاعات الله و إقدامه و الأخذ بكتاب الله في تحليل حلاله و تحريم حرامه و مجاهدته في ذات الله شارعا لرمحه شاهرا لحسامه و قناعته بخشونة ملبسه و جشوبة مأكله و انتصابه في محرابه يقطع الليل بصالح عمله و هذه أوصاف لا يستطيعها غيره من العباد و لكنه .

قال (عليه السلام) أعينوني بورع و اجتهاد .

و قد وصف شيعته فقال.

إنهم خمص البطون من الطوى عمش العيون من البكاء .

و قال (عليه السلام) و قد سأله همام عن المؤمنين و كان همام هذا رجلا عابدا و الكلام مذكور في نهج البلاغة أذكر منه شيئا .

فالمتقون فيها - و الضمير للدنيا - ; هم أهل الفضائل منطقهم الصواب و ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم و وقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء و لو لا الأجل الذي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب و خوفا من العقاب عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم فهم و الجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون و هم و النار كمن قد رآها فهم فيها معذبون قلوبهم محزونة و شرورهم مأمونة و أجسادهم نحيفة و حاجتهم خفيفة و أنفسهم عفيفة صبروا أياما قصيرة أعقبتهم
[101]
راحة طويلة تجارة مربحة يسرها لهم ربهم أرادتهم الدنيا و لم يريدوها و أسرتهم ففدوا أنفسهم منها أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلون ترتيلا يحزنون به أنفسهم و يستثيرون به دواء دائهم فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا و تطلعت نفوسهم إليها شوقا و ظنوا أنها نصب أعينهم و إذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم و ظنوا أن زفير جهنم و شهيقها في أصول آذانهم فهم حانون على أوساطهم مفترشون لجباههم و أكفهم و ركبهم و أطراف أقدامهم يطلبون إلى الله في فكاك رقابهم و أما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء قد براهم الخوف بري القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى و ما بالقوم من مرض و يقول قد خولطوا و لقد خالطهم أمر عظيم لا يرضون من أعمالهم القليل و لا يستكثرون الكثير فهم لأنفسهم متهمون و من أعمالهم مشفقون إذا زكا أحد منهم خاف مما يقال له فيقول أنا أعلم بنفسي من غيري و ربي أعلم مني بنفسي اللهم لا تؤاخذني بما يقولون و اجعلني أفضل مما يظنون و اغفر لي ما لا يعلمون فمن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين و حزما في لين و إيمانا في يقين و حرصا في علم و علما في حلم و قصدا في غنى و خشوعا في عبادة و تحملا في فاقة و صبرا في شدة
[102]
و طلبا في حلال و نشاطا في هدى و تحرجا في طمع إلى آخرها .

و هي من محاسن الكلام و بديعه و كيف لا و مصدرها من بحر العلوم و مرعاها جنى الشيخ و القيصوم سيد العرب و أميرها و وصي الرسالة و وزيرها .

و من كتاب المناقب لأبي المؤيد الخوارزمي (رهـ) عن علي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : يا علي لو أن عبدا عبد الله عز و جل مثل ما قام نوح في قومه و كان له مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله و مد في عمره حتى حج ألف عام على قدميه ثم قتل بين الصفا و المروة مظلوما ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة و لم يدخلها .

و منه قال و أخبرنا بهذا الحديث عاليا الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الأصفهاني مرفوعا إلى عائشة قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو في بيتي لما حضرته الوفاة ادعوا لي حبيبي فدعوت أبا بكر فنظر إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم وضع رأسه ثم قال ادعوا لي حبيبي فقلت ويلكم ادعوا له علي بن أبي طالب فو الله ما يريد غيره فلما رآه فرج الثوب الذي كان عليه ثم أدخله فيه فلم يزل يحتضنه حتى قبض و يده عليه .

و منه عن معاوية بن ثعلبة قال : جاء رجل إلى أبي ذر و هو جالس في المسجد و علي يصلي أمامه فقال يا أبا ذر أ لا تحدثني بأحب الناس إليك فو الله لقد علمت أن أحبهم إليك أحبهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) قال أجل و الذي نفسي بيده إن أحبهم إلي أحبهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو ذاك الشيخ و أشار بيده إلى علي (عليه السلام) .

[103]
و من المناقب أيضا قال رجل لسلمان ما أشد حبك لعلي قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : من أحب عليا فقد أحبني و من أبغض عليا فقد أبغضني .

و منه عن أم عطية : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث عليا في سرية قالت فرأيته رافعا يديه يقول اللهم لا تمتني حتى تريني عليا .

هذا حديث صحيح أخرجه أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي في صحيحه . و مثله من كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد إلا أن فيه حتى تريني وجه علي .

و من المناقب قال أنبأني الإمام الحافظ صدر الحفاظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار الهمداني عن أنس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خلق الله من نور وجه علي بن أبي طالب سبعين ألف ملك يستغفرون له و لمحبيه إلى يوم القيامة .

و منه عن الحسن البصري عن عبد الله قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان يوم القيامة يقعد علي بن أبي طالب على الفردوس و هو جبل قد علا على الجنة و فوقه عرش رب العالمين و من سفحه تتفجر أنهار الجنة و تتفرق في الجنة و هو جالس على كرسي من نور يجري من بين يديه التسنيم لا يجوز أحد الصراط إلا و معه براءة بولايته و ولاية أهل بيته يشرف على الجنة و النار فيدخل محبيه الجنة و مبغضيه النار .

التسنيم ماء في الجنة سمي بذلك لأنه يجري فوق الغرف و القصور يقال تسنمه إذا علاه .

و منه عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أول من اتخذ علي بن أبي طالب أخا من أهل السماء إسرافيل ثم ميكائيل ثم جبرئيل و أول من أحبه من أهل السماء حملة العرش ثم رضوان خازن الجنان ثم ملك الموت و إن ملك الموت يترحم على محبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) كما يترحم على الأنبياء (عليهم السلام) .

[104]
و منه عن أنس قال : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد رأيته في النوم ما حملك على أن لا تؤدي ما سمعت مني في علي بن أبي طالب حتى أدركتك العقوبة و لو لا استغفار علي بن أبي طالب لك ما شممت رائحة الجنة أبدا و لكن أبشر في بقية عمرك إن أولياء علي و ذريته و محبيهم السابقون الأولون إلى الجنة و هم جيران الله و أولياء الله حمزة و جعفر و الحسن و الحسين و أما علي فهو الصديق الأكبر لا يخشى القيامة من أحبه .

و منه عن ابن عمرقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحب عليا قبل الله عنه [منه] صلاته و صيامه و قيامه و استجاب دعاءه ألا و من أحب عليا أعطاه الله بكل عرق في بدنه مدينة في الجنة ألا و من أحب آل محمد أمن من الحساب و الميزان و الصراط ألا و من تاب على حب آل محمد فأنا كفيله بالجنة مع الأنبياء ألا و من أبغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله .

و منه عن ابن بريدة عن أبيه رضي الله عنهقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم إن الله أمرني أن أحب أربعة من أصحابي أخبرني أنه يحبهم قال فقلنا من هم يا رسول الله قال فإن منهم عليا ثم ذكر ذلك في اليوم الثاني مثل ما قال في اليوم الأول فقلنا من هم يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إن عليا منهم ثم قال
[105]
مثل ذلك في اليوم الثالث فقلنا من هم يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إن عليا منهم و أبا ذر الغفاري و مقداد بن الأسود الكندي و سلمان الفارسي رضي الله عنهم أجمعين .

و منه عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عن أبيه الإمام محمد بن علي الباقر عن أبيه الإمام علي بن الحسين زين العابدين عن أبيه الإمام الحسين بن علي الشهيد ع قال : سمعت جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من أحب أن يحيا حياتي و يموت ميتتي و يدخل الجنة التي وعدني ربي فليتول علي بن أبي طالب و ذريته الطاهرين أئمة الهدى و مصابيح الدجى من بعده فإنهم لن يخرجوكم من باب الهدى إلى باب الضلالة .

و منه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حب علي بن أبي طالب حسنة لا يضر معها سيئة و بغضه سيئة لا ينفع معها حسنة .

و منه عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من زعم أنه آمن بي و بما جئت به و هو يبغض عليا فهو كاذب ليس بمؤمن .

و منه عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحب أن يستمسك بالقضيب الأحمر الذي غرسه الله في جنة عدن بيمينه فليستمسك بحب علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و قد تقدم مثله .

و منه عن أبي برزة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و نحن جلوس ذات يوم و الذي نفسي بيده لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأله تبارك و تعالى عن أربع عن عمره فيما أفناه و عن جسده فيما أبلاه و عن ماله مما كسبه و فيم أنفقه و عن حب أهل البيت فقال له عمر فما آية حبكم من بعدكم فوضع يده
[106]
على رأس علي (عليه السلام) و هو إلى جانبه فقال إن حبي من بعدي حب هذا .

و منه عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سئل بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج قال خاطبني بلغة علي بن أبي طالب فألهمني أن قلت يا رب أنت خاطبتني أم علي فقال يا أحمد أنا شي‏ء لا كالأشياء و لا أقاس بالناس و لا أوصف بالأشياء خلقتك من نوري و خلقت عليا من نورك فاطلعت على سرائر قلبك فلم أجد إلى قلبك أحب من علي بن أبي طالب فخاطبتك بلسانه كيما يطمئن قلبك .

في قوله تعالى قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى من الكشاف روي أنها لما أنزلت قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال علي و فاطمة و ابناهما .

و يدل عليه ما روي عن علي (عليه السلام) شكوت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حسد الناس لي فقال أ ما ترضى أن تكون رابع أربعة أول من يدخل الجنة أنا و أنت و الحسن و الحسين و أزواجنا عن أيماننا و شمائلنا و ذرياتنا خلف أزواجنا .

و عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي و آذاني في عشيرتي و من اصطنع صنيعة إلى أحد من ولد عبد المطلب و لم يجازه عليها فأنا أجازيه عليها غدا إذا لقيني يوم القيامة .

و روي : أن الأنصار قالوا فعلنا و فعلنا كأنهم افتخروا فقال عباس أو ابن عباس لنا الفضل عليكم فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتاهم في مجالسهم فقال يا معشر الأنصار أ لم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي قالوا بلى يا رسول الله قال أ لم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي قالوا بلى يا رسول الله قال أ فلا تجيبونني قالوا فما نقول
[107]
يا رسول الله قال أ فلا تقولون أ لم يخرجك قومك فآويناك أ و لم يكذبوك فصدقناك أ و لم يخذلوك فنصرناك قال فما زال يقول حتى جثوا على الركب و قالوا أموالنا و ما في أيدينا لله و لرسوله فنزلت الآية .

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ألا من مات على حب آل محمد مات شهيدا ألا و من مات على حب آل محمد مات مغفورا له ألا و من مات على حب آل محمد مات تائبا ألا و من مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ألا و من مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة و منكر و نكير ألا و من مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ألا و من مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ألا و من مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ألا و من مات على حب آل محمد مات على السنة و الجماعة ألا و من مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ألا و من مات على بغض آل محمد مات كافرا ألا و من مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة و قيل لم تكن بطن من بطون قريش إلا و بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و بينهم قربى فلما كذبوه و أبوا أن يبايعوه نزلت هذه الآية .

و من كتاب المناقب قال من المراسيل في معجم الطبراني بإسناده إلى فاطمة الزهراء (عليها السلام) قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله عز و جل باهى بكم و غفر لكم عامة و لعلي خاصة و إني رسول الله إليكم غير هائب لقومي و لا محاب لقرابتي هذا جبرئيل يخبرني أن السعيد كل السعيد من أحب عليا في حياته و بعد موته و أن الشقي كل الشقي من أبغض عليا في حياته و بعد وفاته .

و منه قال :

قال البديع الهمداني :

يقولون لي ما تحب الوصي *** فقلت الثرى بفم الكاذب

‏أحب النبي و آل النبي *** و أختص آل أبي طالب

[108]
و نقلت من كتاب كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب تأليف الشيخ الإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي و قرأته عليه بإربل في مجلسين آخرهما الخميس سادس عشر جمادى الآخرة من سنة ثمان و أربعين و ستمائة و أجاز لي و خطه بذلك عندي قرأته عليه حدثني أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي بإربل أخبرنا عبد اللطيف بن محمد بن علي بن القبيطي ببغداد و الشريف أبو تمام علي بن أبي الفخار بن الواثق بالله بالكرخ قالا حدثنا أبو الفتح محمد بن عبد الباقي المعروف بابن النبطي قال حدثنا أحمد بن أحمد الحداد حدثنا الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله حدثنا أبو بكر الطلحي حدثنا محمد بن علي بن رحيم حدثنا عباد بن سعيد الجعفي حدثنا محمد بن عثمان بن أبي بهلول حدثنا صالح بن أبي الأسود عن أبي المطهر الرازي عن الأعمش الثقفي عن سلام الجعفي عن أبي بردة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) إن الله عهد إلي عهدا في علي بن أبي طالب فقلت يا رب بينه لي .

فقال : اسمع .

فقلت : سمعت .

فقال : إن عليا راية الهدى و منار الإيمان و إمام الأولياء و نور من أطاعني و هو الكلمة التي ألزمتها المتقين من أحبه أحبني و من أبغضه أبغضني ; فبشره بذلك .

فجاء علي فبشرته .

فقال : يا رسول الله أنا عبد الله و في قبضته فإن يعذبني فبذنوبي و إن يتم لي الذي بشرتني به فالله أولى بي .

قال : فقلت اللهم أجل قلبه و اجعل ربيعه الإيمان .

فقال الله عز و جل : قد فعلت به ذلك .

ثم إنه رفع إلي : أنه سيخصه من البلاء بشي‏ء لم يخص به أحدا من أصحابي .

فقلت : يا رب أخي و صاحبي .

فقال : إن هذا شي‏ء قد سبق أنه مبتلى و مبتلى به .

أخرجه الحافظ في الحلية .

و منه عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى من آمن بي و صدقني بولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) من تولاه فقد تولاني و من تولاني فقد تولى الله عز و جل .

و منه عن أبي ذرقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يرد على الحوض راية أمير المؤمنين و إمام الغر المحجلين فأقوم آخذ بيده فيبيض وجهه و وجوه أصحابه فأقول ما
[109]
خلفتموني في الثقلين بعدي فيقولون تبعنا الأكبر و صدقناه و وازرنا الأصغر و نصرناه و قاتلنا معه فأقول ردوا رواء مرويين فيشربون شربة لا يظمئون بعدها أبدا وجه إمامهم كالشمس الطالعة و وجوههم كالقمر ليلة البدر أو كأضواء نجم في السماء .

و منه عن عبد الله بن عباس : و كان سعيد بن جبير يقوده فمر على صفة زمزم فإذا قوم من أهل الشام يشتمون [يسبون] علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

فقال لسعيد بن جبير : ردني إليهم .

فوقف عليهم فقال : أيكم الساب لله عز و جل .

فقالوا : سبحان الله ما فينا أحد سب الله .

فقال : أيكم الساب رسول الله ?

قالوا : ما فينا أحد سب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال : فأيكم الساب علي بن أبي طالب (عليه السلام) ?

قالوا : أما هذا فقد كان .

قال : فأشهد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سمعته أذناي و وعاه قلبي يقول لعلي بن أبي طالب : يا علي من سبك فقد سبني , و من سبني فقد سب الله , و من سب الله فقد كبه على منخريه في النار .

ثم ولى عنهم , و قال : يا بني ما ذا رأيتهم صنعوا ?

قال :قلت له يا أبة :

نظروا إليك بأعين محمرة *** نظر التيوس إلى شفار الجازر

فقال زدني فداك أبوك فقلت :

خزر العيون نواكس أبصارهم *** نظر الذليل إلى العزيز القاهر

فقال زدني فداك أبوك فقلت ليس عندي من مزيد فقال لكن عندي :

أحياؤهم عار على أمواتهم *** و الميتون مسبة للغابر

الغابر ; من الأضداد , الغابر هنا الباقون .

و منه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا بسب علي بن أبي طالب (عليه السلام)
[110]
فامتنع .

فقال ما منعك أن تسب أبا تراب ?

قال : أما ما ذكرت ثلاث قالهن له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلن أسبه ; لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم :

سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول له و قد خلفه في بعض مغازيه فقال علي يا رسول الله خلفتني مع النساء و الصبيان .

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .

و سمعته يقول له يوم خيبر : لأعطين الراية رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله .

قال فتطاولنا لها , فقال ادعوا لي عليا ; فأتي به أرمد , فبصق في عينه و دفع الراية إليه ففتح الله عليه .

و لما نزلت هذه الآية نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال : اللهم هؤلاء أهلي .

هكذا رواه مسلم في صحيحه و غيره من الحفاظ .

قال محمد بن يوسف الكنجي : نعوذ بالله من الحور بعد الكور أي من النقصان بعد الزيادة و أورد صاحب كفاية الطالب بعد هذا الحديث هذا الذي أذكر و هو .

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنكم محشورون حفاة عراة غرلا ثم قرأ كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ ألا و إن أول من يكسى إبراهيم (عليه السلام) ألا و إن [أ] ناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي [أصحابي] قال فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم مذ فارقتهم فأقول كما قال العبد الصالح عيسى (عليه السلام) وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً
[111]
ما دُمْتُ فِيهِمْ إلى قوله الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .

قلت هذا حديث صحيح متفق على صحته من حديث المغيرة بن النعمان رواه البخاري في صحيحه عن محمد بن كثير عن سفيان و رواه مسلم في صحيحه عن محمد بن بندار عن محمد بن جعفر غندر عن شعبة و رزقناه بحمد الله عاليا من هذا الطريق هذا آخر كلامه و ليس هذا موضع هذا الحديث و لعله ذكره من أجل قوله نعوذ بالله من الحور بعد الكور .

و روى الحافظ أبو نعيم يرفعه بسنده في حليته عن الحسن بن علي (عليه السلام) قال : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ادع لي سيد العرب يعني عليا (عليه السلام) فقالت عائشة أ لست سيد العرب فقال أنا سيد ولد آدم و علي سيد العرب فلما جاءه أرسل إلى الأنصار فأتوه فقال لهم يا معشر الأنصار أ لا أدلكم على ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعده أبدا قالوا بلى يا رسول الله فقال هذا علي فأحبوه بحبي و أكرموه بكرامتي فإن جبرئيل (عليه السلام) أمرني بالذي قلت لكم عن الله عز و علا .
في فضل مناقبه و ما أعده الله تعالى لمحبيه و ذكر غزارة علمه و كونه أقضى الأصحاب
من مناقب الخوارزمي عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال
[112]
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو أن الرياض أقلام و البحر مداد و الجن حساب و الإنس كتاب ما أحصوا فضائل علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و بالإسناد عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله تعالى جعل لأخي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فضائل لا تحصى كثرة فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرا بها غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و من كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقي لتلك الكتابة رسم و من استمع فضيلة من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالاستماع و من نظر إلى كتاب من فضائله غفر الله له الذنوب التي اكتسبها بالنظر ثم قال النظر إلى وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عبادة و ذكره عبادة لا يقبل الله إيمان عبد إلا بولايته و البراءة من أعدائه .

و بالإسناد قال الخطيب الخوارزمي أنبأني الحافظ أبو العلاء الهمداني مرفوعا إلى عبد الله بن العباس و قد قال له رجل سبحان الله ما أكثر مناقب علي و فضائله إني لأحسبها ثلاثة آلاف منقبة قال ابن عباس : أ و لا تقول إنها إلى ثلاثين ألف أقرب .

و بالإسناد عن الحسين بن علي بن أبي طالب عن علي (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : لو حدثت بكل ما أنزل في علي ما وطئ على موضع في الأرض إلا أخذ ترابه إلى الماء .

و من كتاب المناقب قال حدثني الإمام العلامة فخر خوارزم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري مرفوعا إلى الحسن : أن عمر بن الخطاب أتي بامرأة مجنونة حبلى قد زنت فأراد أن يرجمها فقال له علي يا أمير المؤمنين أ ما سمعت ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال و ما قال ? قال : قال رسول الله ص رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون حتى يبرأ و عن الغلام حتى يدرك و عن النائم حتى يستيقظ .

قال فخلى عنها .

و قد ذكره أحمد في المسند رواية عن علي (عليه السلام) : رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ و عن الطفل حتى يحتلم و عن المجنون حتى يبرأ .

قال : فخلى عنها عمر .

قاله لعمر حين أراد رجم المجنونة رواية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و منه عن علي (عليه السلام) قال لما كان في ولاية عمر : أتي بامرأة حامل فسألها
[113]
عمر فاعترفت بالفجور فأمر بها عمر أن ترجم فلقيها علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال ما بال هذه ?

فقالوا : أمر بها أمير المؤمنين أن ترجم .

فردها علي , فقال : أمرت بها أن ترجم ?

فقال : نعم , اعترفت عندي بالفجور .

فقال : هذا سلطانك عليها ; فما سلطانك على ما في بطنها ?

ثم قال له علي : فلعلك انتهرتها أو أخفتها ?

فقال : قد كان ذلك .

قال : أ و ما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لا حد على معترف بعد بلاء إنه من قيدت أو حبست أو تهددت فلا إقرار له .

فخلى عمر سبيلها .

ثم قال : عجزت النساء أن تلد مثل علي بن أبي طالب ; لو لا علي لهلك عمر .

و من المناقب عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أقضى أمتي علي بن أبي طالب .

قال و أخبرني سيد الحفاظ أبو منصور شهردار بن شيرويه بن شهردار الديلمي الهمداني مرفوعا إلى سلمان رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : أعلم أمتي بعدي علي بن أبي طالب .

و بالإسناد عن شهردار هذا يرفعه إلى عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) قسمت الحكمة على عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة و الناس جزءا واحدا .

و رواه الحافظ في الحلية أيضا و روى الترمذي في صحيحه في صفة أمير المؤمنين (عليه السلام) بالأنزع البطين أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : أنا مدينة العلم و علي بابها .

و ذكر البغوي في الصحاح : أنا دار الحكمة و علي بابها .

و منه عن ابن عباس قال قال رسول الله : أنا مدينة العلم و علي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب .

و منه عن أبي الحمراء قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه و إلى نوح في فهمه و إلى يحيى بن زكريا في زهده و إلى موسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

قال أحمد بن الحسين البيهقي لم أكتبه إلا بهذا الإسناد .

[114]
و قد روى البيهقي في كتابه المصنف في فضائل الصحابة يرفعه بسنده إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه و إلى نوح في تقواه و إلى إبراهيم في حلمه و إلى موسى في هيبته و إلى عيسى في عبادته فلينظر إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

فقد ثبت لعلي (عليه السلام) ما ثبت لهم (عليه السلام) من هذه الصفات المحمودة و اجتمع فيه ما تفرق في غيره :

تركت فيك المنى مفرقة و *** أنت منها بمجمع الطرق

و منه عن علي (عليه السلام) قال : بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليمن فقلت تبعثني و أنا شاب أقضي بينهم و لا أدري ما القضاء فضرب في صدري و قال اللهم اهد قلبه و ثبت لسانه قال فو الذي فلق الحبة ما شككت بعد في قضاء بين اثنين و قد ذكره النسائي و ساقه في صحيحه و قد ذكره أحمد بن حنبل في مسنده .

قال علي (عليه السلام) : بعثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى اليمن و أنا حدث السن قال قلت تبعثني إلى قوم يكون بينهم أحداث و لا علم لي بالقضاء قال (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله سيهدي لسانك و يثبت قلبك فما شككت في قضاء بين اثنين بعد .

و من المناقب عن علي (عليه السلام) قال : قلت يا رسول الله أوصني فقال قل ربي الله ثم استقم فقلتها و زدت و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب فقال ليهنئك العلم يا أبا الحسن لقد شربت العلم شربا و نهلته نهلا .

و هو الشرب الأول و قد ذكرته قبل .

و منه عن أبي بريدةقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكل نبي وصي و وارث و إن عليا وصيي و وارثي .

و من المناقب عن أنس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أنس اسكب لي وضوءا ثم
[115]
قام فصلى ركعتين ثم قال يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب أمير المؤمنين و سيد المسلمين و قائد الغر المحجلين و خاتم الوصيين .

قال : قلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار و كتمته ; إذ جاء علي .

فقال : من هذا يا أنس ?

فقلت : علي .

فقام مستبشرا فاعتنقه ; ثم جعل يمسح عرق وجهه و يمسح عرق وجه علي على وجهه .

فقال علي (عليه السلام) : يا رسول الله لقد رأيتك صنعت شيئا ما صنعته بي قبل .

قال : و ما يمنعني , و أنت تؤدي عني و تسمعهم صوتي , و تبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي .

و قد رواه الحافظ أبو نعيم في حليته : ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه و عرق وجه علي بوجهه .

و من المناقب عن أبي ذر قال : كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو ببقيع الغرقد فقال و الذي نفسي بيده إن فيكم رجلا يقاتل الناس بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت المشركين على تنزيله و هم يشهدون أن لا إله إلا الله فيكبر قتلهم على الناس حتى يطعنوا على ولي الله و يسخطوا عمله كما سخط موسى أمر السفينة و قتل الغلام و أمر الجدار و كان خرق السفينة و قتل الغلام و إقامة الجدار لله رضا و سخط ذلك موسى أراد بالرجل علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و من كتاب المناقب عن الحارث الأعور صاحب راية علي (عليه السلام) قال : بلغنا أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) و كان في جمع من أصحابه فقال أريكم آدم في علمه و نوحا في فهمه و إبراهيم في حكمته فلم يكن بأسرع من أن طلع علي (عليه السلام) فقال أبو بكر يا رسول الله أ قست رجلا بثلاثة من الرسل بخ بخ لهذا الرجل من هو يا رسول الله قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أ لا تعرفه يا أبا بكر قال الله و رسوله أعلم قال أبو الحسن علي بن أبي طالب قال أبو بكر بخ بخ لك يا أبا الحسن و أين مثلك يا أبا الحسن .

بخ كلمة تقال عند المدح و الرضا بالشي‏ء و تكرر للمبالغة فيقال بخ بخ فإن
[116]
وصلت خفضت و نونت يقال بخ بخ و ربما شددت كالاسم و قد جمعها الشاعر فقال يصف بيتا :

و وافدت أكرم الوافدات بخ *** لك بخ لبحر خضم

و بخبخت الرجل إذا قلت له ذلك .

و منه عن مسروق قال : شاممت أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فوجدت علمهم انتهى إلى علي و عبد الله و أبي الدرداء و معاذ بن جبل و زيد بن ثابت ثم شاممت الستة فوجدت علمهم انتهى إلى رجلين علي و عبد الله رضي الله عنه ثم شاممت الاثنين فوجدت عليا يفضل على عبد الله .

يقال شاممت الرجل إذا قاربته و دنوت منه و شاممه انظر ما عنده .

و منه قال علي : و الله ما نزلت آية إلا و قد علمت فيم أنزلت و أين أنزلت إن ربي وهب لي قلبا عقولا و لسانا سئولا .

و منه عن أبي البختري قال : رأيت عليا (عليه السلام) صعد المنبر بالكوفة و عليه مدرعة كانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) متقلدا بسيف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متعمما بعمامة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في إصبعه خاتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فقعد على المنبر و كشف عن بطنه فقال سلوني من قبل أن تفقدوني فإنما بين الجوانح مني علم جم هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا ما زقني رسول الله زقا من غير وحي أوحي إلي فو الله لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت لأهل التوراة بتوراتهم و لأهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الله التوراة و الإنجيل فتقول صدق علي قد أفتاكم بما أنزل في و أنتم تتلون الكتاب أ فلا تعقلون .

و من مسند أحمد (رهـ) من حديث معقل بن يسار : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة (عليها السلام) أ لا ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما .

و نقلت مما خرجه صديقنا العز المحدث الحنبلي الذي قدمت ذكره قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أقضاكم علي .

[117]
و قال ابن عباس و الله لقد أعطي علي بن أبي طالب تسعة أعشار العلم و ايم الله لقد شاركهم في العشر العاشر .

و قال أبو الطفيل : شهدت عليا يخطب و هو يقول سلوني فو الله لا تسألوني عن شي‏ء إلا أخبرتكم به و اسألوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلا و أنا أعلم أ بليل نزلت أم نهار أم في سهل أم في جبل و رواه أبو المؤيد في مناقبه أيضا .

و قيل لعطاء : أ كان في أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أحد أعلم من علي قال لا و الله ما أعلمه .

و قال عمر بن سعيد : قلت لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة يا عم لم كان صغو الناس إلى علي فقال يا ابن أخي إن عليا كان له ما شئت من ضرس قاطع في العلم و كان له السلطة في العشيرة و القدم في الإسلام و الصهر لرسول الله و الفقه في السنة و النجدة في الحرب و الجود في الماعون .

يقال صغا يصغو و يصغي صغوا إذا مال و كذلك صغي بالكسر يصغي صغى و صغيا و صغت النجوم إذا مالت إلى الغروب و يقال صغوه معك و صغوه و صغاه أي ميله و وسطت القوم أسطهم وسطا و سطة أي توسطتهم و فلان وسط في قومه إذا كان أوسطهم نسبا و أرفعهم محلا و الماعون في الجاهلية كل منفعة و عطية و في الإسلام الطاعة و الزكاة و من الناس من يقول أصله معونة و الألف عوض من الهاء .

و قالت عائشة رضي الله عنها : علي أعلم الناس بالسنة .

و من مناقب أبي المؤيد عن ابن عباس قال : خطبنا عمر فقال علي أقضانا و أبي أقرؤنا .

و من المناقب عن ابن عباس قال : العلم ستة أسداس لعلي من ذلك خمسة أسداس و للناس سدس و لقد شاركنا في السدس حتى لهو أعلم به منا و عن ابن عباس أيضا و قال مثله .

و منه عن عبد الله قال : قرأت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سبعين سورة و ختمت القرآن
[118]
على خير الناس علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و منه عن عبد خير عن علي (عليه السلام) قال : لما قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أقسمت أو حلفت لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين فما وضعت ردائي عن ظهري حتى جمعت القرآن .

و من المناقب : أن عمر أتي بامرأة وضعت لستة أشهر فهم برجمها فبلغ ذلك عليا فقال ليس لك عليها رجم فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه يسأله فقال علي وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ و قال وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً فستة أشهر حمله و حولان تمام الرضاعة لا حد عليها و إن شئت لا رجم عليها قال فخلى عنها .

و منه عن سعيد بن المسيب قال : سمعت عمر يقول اللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها علي بن أبي طالب حيا .

يقال أمر معضل لا يهتدى لوجهه .

و منه عن محمد بن خالد الضبي قال : خطبهم عمر بن الخطاب , فقال : لو صرفناكم عما تعرفون إلى ما تنكرون ما كنتم صانعين ?

قال : فأزموا .

قال محمد : فسكتوا ; و هما بمعنى .

فقال ذلك ثلاثا .

فقام علي ع فقال : إذا كنا نستتيبك , فإن تبت قبلناك .

قال : و إن لم أتب ?

قال : إذا نضرب الذي فيه عيناك .

فقال : الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من إذا اعوججنا أقام أودنا .

و هكذا رواه أبو المؤيد الخوارزمي .

و هو عجيب و فيه خب‏ء يظهر لمن تأمله .

و منه عن جابر قال : قال عمر كانت لأصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانية عشر سابقة فخص منها علي بثلاث عشرة و شركنا في الخمس .

[119]
و عن أبي الدرداء : العلماء ثلاثة ; رجل بالشام : يعني نفسه ,و رجل بالكوفة : يعني عبد الله بن مسعود , و رجل بالمدينة : يعني عليا .

فالذي بالشام يسأل الذي بالكوفة ; و الذي بالكوفة يسأل الذي بالمدينة ; و الذي بالمدينة لا يسأل أحدا .

و من المسند عن علي بن أبي ربيعة قال : رأيت عليا (عليه السلام) أتي بدابة ليركبها فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله فلما استوى عليها قال الحمد لله الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و إنا إلى ربنا لمنقلبون ثم حمد الله ثلاثا و كبر ثلاثا ثم قال سبحانك لا إله إلا أنت قد ظلمت نفسي فاغفر لي ثم ضحك فقلت مما ضحكت يا أمير المؤمنين قال رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فعل مثل ما فعلت ثم ضحك فقلت مما ضحكت يا رسول الله قال يعجب الرب من عبده إذا قال رب اغفر لي و يقول علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري .

و روى الحافظ أبو نعيم : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي يوما مرحبا بسيد المسلمين و إمام المتقين .

و قال ابن طلحة : و إذا وصفه بكونه إمام أهل التقوى كان مقدما عليهم بزيادة تقواه و التقوى ثابتة له بصفة الزيادة على غيره من المتقين و أما زهده في الدنيا فقد ذكرنا في الفصل المعقود له ما فيه غنية و كفاية فيلزم من حصول صفة التقوى و صفة الزهد له أن يترتب عليهما مقتضاهما من حصول العلم المفاض على قلبه من غير دراسة بل بتعليم الله تعالى إياه.

و قال ابن طلحة في الفصل الذي أفرده في فضله و علمه : هذا فصل في أرجائه مجال المقال واسع و لسان البيان ضارع و ثاقب المناقب لامع و فجر المآثر طالع و مراح الامتداح جامع و فضاء الفضائل شاسع فهو لمن تمسك بهداه نافع و لمن تمسك بعراه رافع فيا له من فضل فضل كئوس ينبوعه لذة للشاربين و دروس مضمونه مفرحة للكرام الكاتبين و غروس مستودعه من مستحسنات حسنات المقربين يعظم عند التحقيق قدر وقعه و يعم أهل التوفيق شمول نفعه و يتم أجر
[120]
مؤلفه بجمعه و هو لمن وقف عليه قيد بصره و سمعه و لم أورد فيه ما يصل إليه وارد الاضطراب و لا أودعته ما يدخل عليه زائد الارتياب و لا ضمنه غثا تمجه أصداف الأسماع و لا غثاء تقذفه أصناف الألباب بل مرتب له أخلاف رواية الخلف عن السلف حتى اكتنف بزبد الأوطاب و نظمت فيه جواهر در صرحت بها ألسن السنن و نطقت بها آيات الكتاب و قررته بأدلة نظر محكمة الأسباب بالصواب هامية السحاب بالمحاب و مفتحة الأبواب للطلاب مثمرة إن شاء الله لجامعها جميل الثناء و جزيل الثواب فمن ذلك قوله تعالى و تقدس لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ .

روى الإمام أبو إسحاق إبراهيم الثعلبي في تفسيره يرفعه بسنده قال : لما نزلت هذه الآية وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) سألت الله أن يجعلها أذنك يا علي قال علي فما نسيت شيئا بعد ذلك و ما كان لي أن أنسى .

و روى الثعلبي و الواحدي كل واحد منهما يرفعه بسنده الثعلبي في تفسيره و الواحدي في تصنيفه الموسوم بأسباب النزول إلى بريدة الأسلمي قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي إن الله أمرني أن أدنيك و لا أقصيك و أن أعلمك و أن تعي و حق على الله أن تعي قال فنزلت وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ .

و من ذلك قوله تعالى أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ رواه المذكوران في تفسيرهما : أنها نزلت في علي (عليه السلام) و في الوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان رضي الله عنه لأمه و ذلك أنه كان بينهما تنازع في شي‏ء
[121]
فقال الوليد لعلي (عليه السلام) اسكت فإنك صبي و أنا و الله أبسط منك لسانا و أحد سنانا و أملأ للكتيبة منك .

فقال له علي (عليه السلام) : اسكت فإنك فاسق .

فأنزل الله سبحانه تصديقا لعلي أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ .

يعني بالمؤمن عليا و بالفاسق الوليد و كفى بهذه القصة شهادة من الله عز و علا لعلي بكمال فضيلته و إنزاله قرآنا يتلى على الأبد بتصديق مقالته و وصفه إياه بالإيمان الذي هو عنوان عمله و نتيجة معرفته و قد نظم هذه القصة حسان بن ثابت فقال :

أنزل الله و الكتاب عزيز *** في علي و في الوليد قرآنا

فتبوأ الوليد من ذاك فسقا *** و علي مبوأ إيمانا

ليس من كان مؤمنا عرف *** الله كمن كان فاسقا خوانا

سوف يجزى الوليد خزيا *** و نارا و علي لا شك يجزى جنانا

فعلي يلقى لدى الله عزا *** و وليد يلقى هناك هوانا

و فشت هذه الأبيات من قول حسان و هذا الوليد جده أبو معيط كان أبوه ذكوان يقول إنه ابن أمية بن عبد شمس و قيل لم يكن ابنه بل كان عبده فاستخلفه فكان ينسب إلى غير أبيه و أسلم يوم فتح مكة و ولاه عثمان الكوفة في خلافته إذ كان أخاه لأمه فبقي واليا يشرب الخمر حتى صلى الفجر في مسجدها بالناس أربع ركعات و هو سكران ثم قال أزيدكم و روي أنه قاء في المحراب و عرف الناس ذلك و قال الحطيئة فيه :

شهد الحطيئة يوم يلقى ربه *** أن الوليد معاقر الخمر

الأبيات بتمامها و قصته و أخذ الحد منه معلوم و اشتهر حاله و ظهر فسقه و عزل عن الكوفة و مات بالرقة فانظر إلى الحكمة الإلهية التي هي سر هذه القضية فإنه حيث أخبر علي (عليه السلام) بفسقه أظهره الله ذلك للناس من عالم الغيب إلى عالم
[122]
الشهادة و من الخبر إلى المعاينة فكان الخمر جامعا لأسباب الفسوق و سوء السمعة ثم أخذ الحد منه على رءوس الأشهاد ليتحقق له ما وصفه به أمير المؤمنين (عليه السلام) و إذا ثبتت هذه الصفة للوليد تعين ثبوت الصفة الأخرى لعلي (عليه السلام) و هي الإيمان .

و من ذلك ما نقله القاضي الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي عن أنس : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما خصص جماعة من الصحابة كل واحد بفضيلة خصص عليا (عليه السلام) بعلم القضاء فقال و أقضاهم علي .

و قد صدع هذا الحديث بمنطوقه و صرح بمفهومه أن أنواع العلم و أقسامه قد جمعها لعلي دون غيره فإن كل واحد ممن اختص بصفة لا يتوقف حصولها على غيرها من الصفات و الفضائل .

فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أفرضهم زيد بن ثابت و أقرؤهم أبي و أعرفهم بالحلال و الحرام معاذ بن جبل .

و كل واحدة من هذه لا تفتقر إلى غيرها بخلاف علم القضاء و قد حصلت لعلي بصيغة أفعل و هي تقتضي وجود أصل ذلك الوصف و زيادة فيه على غيره و المتصف بها يجب أن يكون كامل العقل صحيح التمييز جيد الفطنة بعيدا عن السهو و الغفلة يتوصل بفطنته إلى وضوح ما أشكل و فصل ما أعضل ذا عدالة تحجزه عن أن يحوم حول حمى المحارم و مروة تحمله على محاسن الشيم و مجانبة الدنايا صادق اللهجة ظاهر الأمانة عفيفا عن المحظورات مأمونا في السخط و الرضا عارفا بالكتاب و السنة و الإتقان للاختلاف و القياس و لغة العرب ليقدم المحكم على المتشابه و الخاص على العام و المبين على المجمل و الناسخ على المنسوخ و يبني المطلق على المقيد و يقضي بالتواتر دون الآحاد و المسند دون المرسل و المتصل دون المنقطع و بالإتقان دون الاختلاف و يعرف أنواع الأقيسة من الجلي و الواضح و الخفي ليتوصل بها إلى الأحكام و يعرف أقسام الأحكام من الواجب و المحظور و المندوب و المكروه و لا يتصف بالقضاء من لم يجمع هذه الأمور و يستولي على الأمد و الغاية فيها.

[123]
و من المعلوم أن عليا (عليه السلام) حاز فيها قصبات السبق و شأى في إحراز غاياتها جميع الخلق و هذا حصل له ببركة دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أنفذه إلى اليمن و قد تقدم ذكر ذلك .

فقال ترسلني و لا علم لي بالقضاء فقال له إن الله سيهدي قلبك و يثبت لسانك فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول فإنه أحرى أن تبين لك القضاء قال فما زلت قاضيا و ما شككت في قضاء بعد .

و من ذلك ما نقله البغوي في كتابه شرح السنة يرفعه إلى أبي سعيد الخدري قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فقال أبو بكر أنا هو يا رسول الله قال لا قال عمر أنا هو يا رسول الله قال لا و لكن خاصف النعل و كان علي (عليه السلام) قد أخذ نعل رسول الله و هو يخصفها .

فقضى (صلى الله عليه وآله وسلم) أن عليا يقوم بالقتال على تأويل القرآن كما قام هو (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقتال على تنزيله و التنزيل مختص برسول الله فإن الله أنزله عليه لأنواع من الحكم أرادها .

قال الله تعالى : كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ و قال عز و جل وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ و قال عز من قائل وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذه الحكم التي تنزيله طريق إلى تحصيلها يختص بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و لا يمكن حصولها إلا بتنزيله فمن أنكر التنزيل فقد كذب به و جحده و اتصف بالكفر كما قال وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ وَ ما
[124]
يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ.

فأنكروا التنزيل على ما نطق به القرآن المجيد وَ ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْ‏ءٍ فتعين قتالهم إلى أن يؤمنوا فقاتلهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن دخلوا في دين الله أفواجا فهذا بيان القتال على تنزيله و أما تأويله فهو تفسيره و ما يئول إليه آخر مدلوله فمن حمل القرآن على معناه الذي يقتضيه لفظه من مدلول الخطاب و فسره بما يتأوله من معانيه المرادة به فقد أصاب سنن الصواب و من صدف عن ذلك و صرفه عن مدلوله و مقتضاه و حمله على غير ما أريد به مما يوافق هواه و تأوله بما يضل به عن نهج هداه معتقدا أن مجمله الذي ادعاه و مقصده الذي افتراه فنحاه هو المدلول الذي أراده الله فقد ألحد في القرآن حيث مال به عن مدلوله و سلك غير سبيله و خالف فيه أئمة الهدى و اتبع داعي الهوى فتعين قتاله إن أصر على ضلالته و دام على مخالفته و استمر على جهالته و تمادى في مقالته إلى أن يفي‏ء إلى أمر الله و طاعته و لهذا جعل رسول الله ص القتال على تأويله كالقتال على تنزيله فقاتل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من جريمته أقوى لموضع النبوة و وكل قتال من جريمته دون تلك إلى الإمام إذ كانت الإمامة فرع النبوة فقاتلهم علي (عليه السلام) بعهد من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه و لقد كان يصرح بذلك في يوم قتالهم و عند سؤاله عن ذي الثدية و إخراجه من بين القتلى و يقول و الله ما كذبت و لا كذبت.

و هذا بتمامه نذكره عند ذكرنا لحروبه (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما وجده من اختلاف الأمة عليه (عليه السلام) و تظاهرهم على منابذته و محاربته و شق العصا عليه و سبه على المنابر و التبري منه و تتبع أولاده و شيعته من بعده و قتلهم و إخافتهم في كل ناحية و قطر و التقرب
[125]
إلى ولاة كل زمان بدمائهم و الطعن في عقائدهم و منعهم حقوقهم بل بغضهم و تطريدهم و تشريدهم حتى لعلك لا تجد مدينة من مدن الإسلام و لا جهة من الجهات إلا و فيها لطالبي دم مطلول و ثأر مطلوب تشارك في قتلهم الأموي و العباسي و استوى في إخافتهم العدناني و القحطاني و رضي بإذلالهم العراقي و الشامي لم يبلغ من الكفار ما بلغ منهم و لا حل بأهل الكتاب ما حل بهم هذا حال من قتل فأما من استبقي فليته أصاب القوت أو وجد البلغة و كيف و من أين يجدها و هو مهان مضطهد فقير مسكين قد عاداه الزمان و أرهقه السلطان و هذا الكلام و إن لم يكن من غرض كتابنا هذا فإن القلم جرى بسطره و الحال ساق إلى ذكره.

و أذكر شيئا من تأويلهم الذي استحقوا به العقاب و العذاب و خالفوا فيه السنة و الكتاب فإنهم عمدوا إلى آيات نزلت في الكفار فصرفوها عن محل مدلولها و حملوها على المؤمنين فإن أئمة التفسير و علماء الإسلام أجمعوا على أن قوله تعالى أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَ هُمْ مُعْرِضُونَ أنها نزلت في اليهود و هي مختصة بهم و ذكروا في سبب نزولها وجوها فقيل :

لما دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اليهود إلى الإسلام قالوا هلم نخاصمك إلى الأحبار فقال بل إلى كتاب الله فأبوا و قيل بل لما دعاهم إلى الإسلام قال له بعضهم على أي دين أنت فقال على دين إبراهيم فقالوا إن إبراهيم كان يهوديا فقال هلموا بالتوراة فهي بيني و بينكم فأبوا و قيل بل لما أنكروا أن يكون رجم الزاني في التوراة قال هلموا بالتوراة فهي بيني و بينكم فأبوا فأنزل الله هذه الآية هكذا ذكر الواحدي في كتابه أسباب النزول .

فقد اتفق الجميع أنها اختصت باليهود فجعلها الخوارج في المسلمين و أقاموها عمدة لهم و مرجعا في اتباع ضلالتهم و احتجوا بها في خروجهم من الطاعة
[126]
المفروضة عليهم اللازمة لهم.

فإذا علمت حقيقة المقاتلة على التنزيل و المقاتلة على التأويل بان لك أن بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بين علي (عليه السلام) رابطة الاتصال و الأخوة و العلاقة و أنه ليس لغيره ذلك كما وردت به النصوص المتقدمة من .

قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : علي مني و أنا من علي .

و قوله : أنت مني و أنا منك .

و قوله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى .

فهذه النصوص مشيرة إلى خصوصية بينهما فاقتضت تلك الخصوصية أنه أعلمه أنه يبلى بمقاتلة الخارجين كما بلي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمقاتلة الكافرين و أنه يلقى في أيام إمامته من الشدائد كما لقي (صلى الله عليه وآله وسلم) في أيام نبوته .

قال الشافعي : أخذ المسلمون السيرة في قتال المشركين من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أخذوا السيرة في قتال البغاة من علي (عليه السلام) فتدبر هذا المقام و اعرف منه فضله (عليه السلام) .

و من ذلك ما نقله القاضي الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود في كتابه المذكور يرفعه بسنده عن ابن مسعود قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتى منزل أم سلمة فجاء علي (عليه السلام) فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أم سلمة هذا و الله قاتل القاسطين و الناكثين و المارقين من بعدي .

و قد تقدم الحديث بتمامه فذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) فرقا ثلاثة صرح بأن عليا (عليه السلام) يقاتلهم من بعده و الأسماء التي سماهم بها تشير إلى أن وجود كل صفة منها في الفرقة المختصة بها علة لقتالهم و الناكثون هم الناقضون عهد بيعتهم الموجبة عليهم الطاعة و المبايعة [و المتابعة] لإمامهم الذي بايعوه فإذا نقضوا ذلك و صدفوا عن طاعته و خرجوا عن حكمه و أخذوا في قتاله بغيا و عنادا كانوا ناكثين باغين فيتعين قتالهم كما فعل (صلى الله عليه وآله وسلم) في قتال أصحاب الجمل .

و نقلت من مسند أحمد بن حنبل من مسند ابن عمر عن نافع قال : لما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع عبد الله بن عمر بنيه و أهله ثم تشهد ثم قال أما بعد فإنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله تبارك و تعالى و رسوله .

و إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة .

يقال هذه غدرة فلان و إن من أعظم الغدر إلا أن يكون الإشراك بالله تعالى أن يبايع رجل رجلا على بيع الله
[127]
تبارك و تعالى و رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم ينكث بيعته و لا يخلعن أحد منكم يزيد و لا يشرفن أحد منكم هذا الأمر فيكون صيلم بيني و بينه الصيلم الداهية.

و في حديث آخر من المسند : أن ذلك قاله حين بايعوا ابن الزبير .

فليقض متأمل العجب من عبد الله و توقفه من نقض بيعة يزيد و إنذار أهله و ولده و التشديد عليهم و تحذيرهم من ذلك و أنه لا شي‏ء أعظم منه إلا أن يكون الإشراك فأين يذهب بعبد الله و علي قوله : فما عذر طلحة و الزبير في نقض عهد علي (عليه السلام) و خلع طاعته و نكث بيعته و الخروج عن حكمه و نصب الحرب له فلو أن عبد الله بن عمر بحث مع طلحة و الزبير بشرط أن ينصح عليا (عليه السلام) نصحه ليزيد و يعرفهما ما في خلع الطاعة و مفارقة الجماعة من الإثم التام و الخطيئة العظيمة لأمكن أن يتوقفا عما أقدما عليه و يدخلا فيما خرجا منه و التوفيق عزيز .

أو أنهما كانا يسهلان على عبد الله نقض بيعة يزيد و يقولان إنا خلعنا عليا و نقضنا عهده فتأس بنا و قس علينا و اجعلنا حجة .

و إنما قلنا ذلك على سبيل الفرض و إلا فطلحة و الزبير قتلا و لم يدركا خلافة معاوية فضلا عن خلع يزيد.

و أما القاسطون : فهم الجائزون عن سنن الحق الجانحون إلى الباطل المعرضون عن اتباع الهدى الخارجون عن طاعة الإمام الواجبة طاعته فإذا فعلوا ذلك و اتصفوا به تعين قتالهم كما جرى من قتاله (صلى الله عليه وآله وسلم) معاوية و أصحابه و هي حروب صفين و قد صرح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكونهم بغاة .

و روى المحدثون في مسانيدهم الصحاح : أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعمار تقتلك الفئة الباغية .

و في آخر : تقتل عمارا الفئة الباغية .

و في حديث آخر أنه قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمار : أبشر تقتلك الفئة الباغية .

و هذه أحاديث لا خلل في أسنادها و لا اضطراب في متونها.

[128]
و أما المارقون : فهم الخارجون عن متابعة الحق المصرون على مخالفة الإمام المصرحون بخلعه و متى فعلوا ذلك تعين قتالهم كما فعل (عليه السلام) بأهل حروراء و النهروان و هم الخوارج .

ذكر الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث في مسنده المسمى بالسنن يرفعه إلى أبي سعيد الخدري و أنس بن مالك : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال سيكون في أمتي اختلاف و فرقة قوم يحسنون القيل و يسيئون الفعل يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية هم شر الخلق طوبى لمن قتلهم و قتلوه يدعون إلى كتاب الله و ليسوا منه في شي‏ء من قاتلهم كان أولى بالله منهم .

نقل مسلم بن حجاج في صحيحه و وافقه أبو داود بسندهما عن زيد بن وهب : أنه كان في الجيش الذي كانوا مع علي (عليه السلام) فقال علي (عليه السلام) أيها الناس إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يخرج قوم من أمتي يقرءون القرآن ليس قرآنكم إلى قرآنهم
[129]
بشي‏ء و لا صلاتكم إلى صلاتهم بشي‏ء و لا صيامكم إلى صيامهم بشي‏ء يقرءون القرآن يحسبون أنه لهم و هو عليهم لا تجاوز قراءتهم تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم لنكلوا عن العمل و آية ذلك أن فيهم رجلا له عضد ليس له ذراع على عضده مثل حلمة الثدي عليه شعرات بيض فتذهبون إلى معاوية و أهل الشام و يتركون هؤلاء يخلفونكم في ذراريكم و أموالكم و الله إني لأرجو أن يكونوا هؤلاء القوم فإنهم قد سفكوا الدم الحرام و أغاروا على سرج الناس فسيروا قال سلمة فنزلني زيد بن وهب منزلا منزلا حتى قال مررنا على قنطرة فلما التقينا و على الخوارج يومئذ عبد الله بن وهب الراسبي فقال لهم ألقوا الرماح و سلوا السيوف من جفونها فإني أخاف أن يناشدوكم كما ناشدوكم أيام حروراء فرجعوا فوحشوا برماحهم يقال وحش الرجل إذا رمى بسلاحه و ثوبه مخافة أن يلحق و سلوا السيوف ثم شجرهم الناس بالرماح قال و قتل بعضهم على بعض و ما أصيب يومئذ من الناس إلا رجلان فقال علي (عليه السلام) التمسوا فيهم المخدج و هو الناقص فالتمسوه فلم يجدوه فقام علي ع بنفسه حتى أتى ناسا و قد قتل بعضهم على بعض قال أخرجوهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبر ثم قال (عليه السلام) صدق الله لنا و بلغ رسوله قال فقام إليه عبيدة السلماني فقال يا أمير المؤمنين بالله الذي لا إله إلا هو أ سمعت هذا الحديث من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إي و الله الذي لا إله إلا هو حتى استحلفه ثلاثا و هو يحلف .

و نقل البخاري و مسلم و مالك في الموطأ أن أبا سعيد الخدري قال : أشهد أني لسمعت هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم و أنا معه و أمر بذلك الرجل فالتمس فوجد و أتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي نعت .

و نقل البخاري و النسائي و مسلم و أبو داود في صحاحهم قال سويد بن غفلة : قال علي (عليه السلام) إذا حدثتكم عن رسول الله حديثا فو الله لئن أخر من السماء لأحب إلي
[130]
من أن أكذب عليه و في رواية من أن أقول عليه ما لم يقل و إذا حدثتكم فيما بيني و بينكم فإن الحرب خدعة و إني سمعت رسول الله يقول سيخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية و يقرءون القرآن لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة .

فقد دلت هذه الأحاديث على ما أصلناه من قتاله ( عليه السلام) على التأويل كما قاتل ص على التنزيل و اقتدائه به و قيامه و أمره و نيابته عنه في هذا الأمر المهم الذي حفظ به نظام الدين و أقام به الأود كف عادية الخوارج المارقين و قتل من قتل منهم و استبقاء من فاء منهم و رجع كما اعتمده مع المشركين حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة.

و قد تقدم أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان شديد الحرص على تربية علي و الإشفاق عليه مهتما بتعليمه و إرشاده إلى الفضائل و كان في حجره من صغره ملازما له متأدبا بآدابه مقتفيا أفعاله آخذا بطرائقه جاريا على سننه متشبها به (صلى الله عليه وآله وسلم) و زوجه ابنته (عليها السلام) فكان يدخل عليه في غالب أوقاته و في أوقات لم يكن غيره يدخل عليه فيها .

و قد نقلت من مسند أحمد بن حنبل : قال علي كانت لي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منزلة لم يكن لأحد من الخلائق أني كنت آتيه كل سحرة و في حديث آخر فأستأذن عليه فإن كان في صلاة سبح و إن كان في غير صلاة أذن لي .

فإذا كان المربي المؤدب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو أكمل العالمين و أعلاهم في المعارف و أرفعهم درجات مجد و منازل شرف و كان التلميذ المؤدب عليا (عليه السلام) و أضيف إلى استعداده و فطنته و ذكائه نظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إليه و تفرسه فيه قبول ما يلقي إليه مع طول ملازمته له فلا جرم أنه يبلغ أقصى غايات الكمال و ينال نهايات معارج المعرفة فتمكن من قول .

سلوني قبل أن تفقدوني و سلوني عن طرق السماوات فإني أعرف بها من طرق الأرض .

و قال (عليه السلام) مرة : لو شئت لأوقرت بعيرا من تفسير بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ .

و قال مرة : لو كسرت لي الوسادة ثم جلست عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم و بين أهل الإنجيل بإنجيلهم
[131]
و بين أهل الزبور بزبورهم و بين أهل الفرقان بفرقانهم و الله ما من آية نزلت في بر أو بحر و لا سهل و لا جبل و لا ليل و لا نهار إلا و أنا أعلم فيمن أنزلت و في أي شي‏ء نزلت .

و في هذا القول إشارة إلى علمه (صلى الله عليه وآله وسلم) بهذه الكتب المنزلة .

و أما تفصيل العلوم فمنه ابتداؤها و إليه تنسب .

أما علم الكلام فالقائم بها الأشاعرة و المعتزلة و الشيعة و الخوارج هؤلاء أشهر فرقهم و أئمة هذه الطوائف إليه (عليه السلام) يعتزون.

أما المعتزلة فينسبون أنفسهم إليه و أما الأشاعرة فإمامهم أبو الحسن كان تلميذا لأبي علي الجبائي و كان الجبائي ينسب إليه و أما الشيعة فانتسابهم إليه ظاهر و أما الخوارج فأكابرهم و رؤساؤهم تلامذة له.

فإذا كان علماء الإسلام و أئمة علم الأصول ينتسبون إليه كفى ذلك دليلا على غزارة علمه و أقصى المطالب في علم الأصول علم التوحيد و العلم بالقضاء و القدر و العلم بالنبوة و العلم بالمعاد و البعث و الآخرة و كلامه (عليه السلام) يشهد بمكانه من هذه العلوم و معرفته بها و بلوغه فيها ما تعجز الأوائل و الأواخر فمن تدبر معاني كلامه و عرف مواقعه علم أنه البحر الذي لا يساحل و الحبر الذي لا يطاول.

و أما علم الفروع فهو ينقسم إلى قسمين قسم يتعلق بالأحياء و هو أنواع من الأحكام و غيرها و قسم يتعلق بالأموات و هو علم الفرائض و قسمة التركات و بهذا الاعتبار سمى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) الفرائض نصف العلم حيث قال :

تعلموا الفرائض و علموها فإنها نصف العلم .

و هو أول ما ينزع من أمتي و علي (عليه السلام) قد تسنم هذه الذرى و فضل فيها جميع الورى فأسمع به و أبصر فلا تسمع بمثله غيره و لا ترى و اهتد إلى اعتقاد فضله بناره فما كل نار أضرمت نار قرى و اعلم يقينا أنه في علومه
[132]
كالبحر و في سماحه كالغيث و في بأسه كليث الشرى.

أما الفرائض و قسمة التركات فقدمه فيها ثابتة و نكتفي بذكر ما وقع منها فمن ذلك :
المسألة المعروفة بالدينارية و شرحها :
أن امرأة جاءت إليه (عليه السلام) و قد وضع رجله في الركاب فقالت يا أمير المؤمنين إن أخي مات و خلف ستمائة دينار و قد دفعوا إلي من ماله دينارا واحدا فأسألك إنصافي فقال (عليه السلام) لها خلف أخوك بنتين قالت نعم قال لهما الثلثان أربعمائة و خلف أما قالت نعم قال لها السدس مائة و خلف زوجة قالت نعم قال لها الثمن خمسة و سبعون دينارا و خلف معك اثني عشر أخا قالت نعم قال لكل أخ ديناران و لك دينار فقد أخذت حقك فانصرفي و ركب .

فسميت هذه المسألة الدينارية.

و منه :
المسألة المنبرية
و ذلك أنه كان على منبر الكوفة فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين إن ابنتي قد مات زوجها و لها من تركته الثمن و قد أعطوها التسع فأسألك الإنصاف فقال (عليه السلام) خلف صهرك بنتين قال نعم قال و أبواه باقيان قال نعم قال صار ثمنها تسعا فلا تطلب سواه إرثا ثم مضى في خطبته .

فانظر إلى استحضاره الأجوبة في أسرع من رجع الطرف و اعلم أنه (عليه السلام) قد تجاوز غايات الوصف.

و أما علوم الأحياء فكان (صلى الله عليه وآله وسلم) فارس ميدانها و سابق حلباتها و حاوي قصبات رهانها و مبين غوامضها و صاحب بيانها و الفارس المتقدم عند إحجام فرسانها و تأخر أقرانها و يكفي في إيضاح ذلك ما نقل عنه (عليه السلام) :

أنه قال : علمني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ألف باب من العلم فانفتح لي من كل باب ألف باب .

أما علم القرآن فقد استفاض بين الأمة أن أعلمهم بالتفسير عبد الله بن العباس
[133]
و كان تلميذا لعلي (عليه السلام) مقتديا به آخذا عنه.

و أما القراءة فإمام الكوفيين فيها عاصم و قراءته مشهورة في الدنيا و هو تلميذ أبي عبد الرحمن السلمي و أبو عبد الرحمن هذا تلميذ علي (عليه السلام) و علي أخذها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أما النحو فقد عرف الناس قاطبة أن عليا (عليه السلام) هو الواضع الأول الذي اخترعه و ابتدعه و نصبه علما لأبي الأسود و وضعه .

و أما علم البلاغة و البيان فهو فارسه المجلى في ميدانه و الناطق الذي تقر الشقاشق عند بيانه و البحر الذي يقذف بجواهره و يحكم على القلوب باتباع نواهيه و أوامره و يدل على الخيرات بترغيباته و ينهى عن المنكرات بقوارعه و زواجره و متى شئت أن تجعل الخبر عيانا فدونك نهج البلاغة فهو دليل واضح و نهج إلى البلاغة لائح و لو لا اشتهاره و وجوده لأفردت لشي‏ء منه فصلا يعرف منه مقداره و يعلم أنه الجواد الذي لا يدرك شأوه و لا يشق غباره.

و أما علم تصفية الباطن و تزكية النفس فقد أجمع أهل التصوف من أرباب الطريقة و أصحاب الحقيقة أن انتساب خرقتهم إليه و معولهم في سلوك طرقهم عليه.

و أما علم التذكير بأيام الله و التحذير من عذابه و عقابه فالمقتدي به في ذلك الحسن البصري و كان تلميذا له (عليه السلام) و بذلك كان شرفه و فخره و به طلع بين المذكرين فجره.

و أما علم الزهد و الورع فقد كان في الصحابة جماعة من الزهاد كأبي الدرداء و أبي ذر و سلمان الفارسي رضي الله عنهم و كانوا جميعا تلامذة لعلي بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) اهتدوا و بعلي اقتدوا و سأذكر فصلا في زهده (عليه السلام) إن شاء الله.

و أما علم مكارم الأخلاق و حسن الخلق فإنه (صلى الله عليه وآله وسلم) بلغ في ذلك الغاية القصوى حتى قال عنه أعداؤه فيه دعابة و إنه امرؤ تلعابة و إنما كانت سهولة أخلاقه مع
[134]
ذوي الدين و صالحي المؤمنين و أما من كان من غيرهم فإنه كان يوليه غلظة و شدة طلبا لتأديبه و رغبة في تهذيبه فكان (عليه السلام) في ذلك من الموصوفين بقوله تعالى فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ.

و أما الشجاعة و النجدة و القوة فاتصافه بذلك أشهر من النهار و أظهر من الشمس لذوي الأبصار أقر بذلك المؤالف و المخالف و اعترف به العدو و المخالف و شهد به الولي و الحسود و أسجل بصحته السيد و المسود و ذل لسطوته و صرامته الأساود و الأسود هو الذي دوخ الفرسان و أذل الشجعان و كان و كان من كأبي حسن إذا احمر البأس و حام الناس قسوا و لانوا فلهم هذه و هذه في العنف و الرفق و سأذكر في تضاعيف هذا الكتاب من ذلك ما يكون عبرة لأولي الألباب.

و أما علم القضاء و الأحكام و معرفة الحلال و الحرام فقد تقدم من ذكره ما لعله كاف شاف و بما يراد من الغرض واف و قضاياه التي اشتهرت و أحكامه التي ظهرت تشهد بمكانه و محله و تنبئ عن شرفه و نيله و تقضي بعلو مكانه و فضله.
فمن أحكامه
أنه رفع إليه (عليه السلام) أن شريحا القاضي قد قضى في امرأة ماتت و خلفت زوجا و ابني عم أحدهما أخ لأم و قد أعطى الزوج النصف من تركتها و أعطى الباقي لابن عمها الذي هو أخوها من أمها و حرم الآخر فأحضره علي (عليه السلام) قال له ما أمر بلغني عن قضائك في قضية الامرأة المتوفاة قال يا أمير المؤمنين قضيت بكتاب الله تعالى و أجريت ابن العم بكونه أخا من أم مجرى أخوين أحدهما من أب و الآخر من أم فأنكر عليه علي (عليه السلام) و قال أ في كتاب الله تعالى أن الباقي بعد الزوج لابن العم الذي هو أخ من أم قال لا قال فقد قال الله تعالى وَ إِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَ لَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ
[135]
واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فجعل للزوج النصف و أعطى الأخ من الأم السدس ثم قسم الباقي بين ابني العم فحصل لابن العم الذي هو أخ من الأم ثلث و لابن العم الذي ليس بأخ سدس و للزوج نصف فتكملت الفريضة و رد قضاء شريح و استدركه .

و منها : أنه (عليه السلام) حيث كان بالكوفة حاكم يهوديا في درع إلى شريح و ادعى أن الدرع بيد اليهودي فأنكر اليهودي دعواه فطالبه شريح بمن يشهد بها فشهد الحسن بن علي (عليه السلام) بالدرع فرد شريح شهادته و قال يا أمير المؤمنين كيف أقبل شهادة ابنك لك و الولد لا تقبل شهادته لوالده فقال له علي (عليه السلام) في أي كتاب و في أي سنة وجدت أن هذه الشهادة لا تقبل ثم عزله عن القضاء و أخرجه إلى قرية تركه بها نيفا و عشرين يوما ثم أعاده إلى مكانه و ولايته و كشف سر هذه الواقعة .

و ما صدر من أمير المؤمنين (عليه السلام) في حق شريح أنه لم يدع الدرع لنفسه و إنما ادعاها لبيت المال فإنه نائب المسلمين و الإمام القائم بمصالحهم فادعى الدرع لهم و شهادة الحسن (عليه السلام) بها لهم فتسرع شريح و ظن أنها لعلي و أن الحسن يشهد بها له فأدبه لتركه الفحص و تدقيق النظر فإن ذلك موجب لتعطيل الحقوق و إيصالها إلى غير مستحقيها .

قال ابن طلحة : و من العجائب و الغرائب أن جماعة من العلماء منهم إسحاق بن راهويه و أبو ثور و ابن المنذر و المزني و أحمد بن حنبل في إحدى الروايات عنه لما بلغهم هذه القصة و ما اعتمده أمير المؤمنين مع شريح استدلوا بذلك على جواز شهادة الولد لوالده و جعلوا ذلك مذهبا لهم و أجروه مجرى شهادة الأخ لأخيه استنادا إلى هذه الواقعة و استدلالا بفعله (عليه السلام) و غفلوا عن سرها و حقيقة أمرها .

أقول : إن هذه القسمة في هذه المسائل و قسمة الفرائض أوردها ابن طلحة و غيره من علماء الجمهور و ليست مذهب أمير المؤمنين (عليه السلام) و لكنه لشرفه
[136]
و محله من العلم و مكانه من هذا الدين يحب أهل كل طائفة أن ينسبوا إليه دقائق فتاويهم و محاسن ما يجدونه في مذاهبهم و يجعلونه مرجعا يستندون إليه في ترويج مسائلهم و يأتمون به في مصالح أديانهم .

تشبه الخفرات الآنسات بها في *** مشيها فينلن الحسن بالحيل

و قد رواها أصحابنا عنه (عليه السلام) و على هذا يكون قد أفتى بها على مذهبهم فإنه كان (عليه السلام) ممنوعا في أيام خلافته عن كثير من إرادته الدينية حتى إنه أراد عزل شريح و قال عزب ذهنك و علت سنك و ارتشى ابنك فلم يمكن من عزله و الاستبدال به و كم مثلها مما منع عنه (عليه السلام) أن يجريه على الحق الذي لا لبس فيه حتى قيل له رأيك مع رأي عمر أحب إلينا من رأيك على انفرادك و الخطب جليل و بالله المستعان و لما قيل له ع رأيك مع رأي عمر أحب إلينا قال لعبيدة السلماني اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلاف و كان عبيدة هذا قاضيا و ذكر علومه (عليه السلام) بحر لا يدرك ساحله و هو (عليه السلام) الماجد الذي لا يظفر بالغلب مساجله فأما ما أعده الله لمحبيهم من الثواب الجزيل و الأجر العريض الطويل و ارتفاع المنزلة و علو المكان و ما وعدهم الله به من درجات الجنان فإني أورد من ذلك ما يلتزم به العقلاء و يكون بلاغا لمن أراد الحق و موجبا لمودتهم و حبهم .

فمن ذلك ما نقلته من مسند أحمد بن حنبل من المجلد الأول من مسند علي (عليه السلام) عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ بيد حسن و حسين و قال من أحبني و أحب هذين و أباهما و أمهما كان معي في درجتي يوم القيامة .

هذا الحديث نقله أحمد في مواضع من مسنده و هو حديث خطره عظيم و مجده كريم و وجده وسيم و شرفه قديم فإنه جعل درجة محبيهم مع درجته و هذا محل يقف دونه الخليل و الكليم و هاهنا ينقاد إلى المنقول و المعقول و هو (صلى الله عليه وآله وسلم) أعلم بما يقول .

[137]
و نقلت من الجزء الذي جمعه صديقنا العز المحدث الحنبلي عن فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالت : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي أما إنك يا ابن أبي طالب و شيعتك في الجنة .

و من كتاب الفردوس عن معاذ بن جبل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : حب علي بن أبي طالب حسنة لا يضر معها سيئة و بغضه سيئة لا ينفع معها حسنة .

و منه عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : حب آل محمد يوما خير من عبادة سنة و من مات عليه دخل الجنة .

و منه عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : خيركم خيركم لأهلي .

و منه عن أم سلمة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : علي و شيعته الفائزون يوم القيامة .

و قد تقدم هذا و أمثاله .

و من بشائر المصطفى عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد من الأولين و الآخرين عراة حفاة فيوقفون على طريق المحشر حتى يعرقوا عرقا شديدا و تشتد أنفاسهم فيمكثون كذلك ما شاء الله و ذلك قوله تعالى فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً قال ثم ينادي مناد من قبل العرش أين النبي الأمي قال فيقول الناس قد أسمعت فسمه باسمه فينادي أين نبي الرحمة محمد بن عبد الله قال فيقوم رسول الله ص فيتقدم أمام الناس كلهم حتى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة و صنعاء فيقف عليه ثم ينادي بصاحبكم فيقوم أمام الناس فيقف معه ثم يؤذن للناس فيمرون قال أبو جعفر ع فبين وارد و بين منصرف فإذا رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من يصرف عنه من محبينا أهل البيت بكى فقال يا رب شيعة علي بن أبي طالب قال فيقول الله عز و جل يا محمد قد وهبتهم لك و صفحت لك عن ذنوبهم
[138]
و ألحقتهم بك و بمن كانوا يتولونه من ذريتك و جعلتهم في زمرتك و أوردتهم حوضك و قبلت شفاعتك فيهم و أكرمتك بذلك ثم قال أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) فكم من باك يومئذ و باكية ينادون وا محمداه إذا رأوا ذلك فلا يبقى أحد يومئذ كان يتولانا و يحبنا إلا كان في حزبنا و معنا و ورد حوضنا .

و منه عن عبد الرحمن بن قيس قال : كنت جالسا مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) على باب القصر حتى ألجأته الشمس إلى حائط القصر فوثب ليدخل فقام إليه رجل من همدان فتعلق بثوبه و قال يا أمير المؤمنين حدثني حديثا جامعا ينفعني الله به قال له حدثني خليلي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أني أرد أنا و شيعتي الحوض رواء مرويين مبيضة وجوههم و يرد عدونا ظماء مظمئين مسودة وجوههم خذها إليك قصيرة من طويلة أنت مع من أحببت و لك ما اكتسبت أرسلني يا أخا همدان .

و في هذا الحديث لذكرى لمن كان له قلب .

و نقل الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار عن علي (عليه السلام) رفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : لما أسري بي إلى السماء أخذ جبرئيل بيدي و أقعدني على درنوك من درانيك الجنة ثم ناولني سفرجلة فأنا أقلبها إذ انفلقت فخرجت منها جارية حوراء لم أر أحسن منها فقالت السلام عليك يا محمد قلت من أنت قالت أنا الراضية المرضية خلقني الجبار من ثلاثة أصناف أسفلي من مسك و وسطي من كافور و أعلائي من عنبر عجنني من ماء الحيوان قال الجبار كوني فكنت خلقني لأخيك و ابن عمك علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و من مناقب ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : أقبلت ذات يوم قاصدا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لي يا أبا سعيد فقلت لبيك يا رسول الله قال إن لله عمودا تحت العرش يضي‏ء لأهل الجنة كما تضي‏ء الشمس لأهل الدنيا لا يناله إلا علي و محبوه .

و من مناقب ابن المغازلي عن أبي هريرة قال : صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة الفجر ثم قال أ تدرون بما هبط بي جبرئيل (عليه السلام) قلنا الله و رسوله أعلم ثم
[139]
قال هبط جبرئيل (عليه السلام) فقال يا محمد إن الله غرس قضيبا في الجنة ثلثه من ياقوتة حمراء و ثلثه من زبرجدة خضراء و ثلثه من لؤلؤة رطبة ضرب عليها طاقات جعل بين الطاقات غرفا و جعل في كل غرفة شجرة و جعل حملها الحور العين و أجرى عليه عين السلم ثم أمسك فوثب رجل من القوم فقال يا رسول الله لمن ذلك القضيب فقال من أحب أن يتمسك بذلك القضيب فليتمسك بحب علي بن أبي طالب .

و نقلت من كتاب كفاية الطالب المقدم ذكره يرفعه إلى أبي ذر الغفاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ترد على الحوض راية علي أمير المؤمنين و إمام الغر المحجلين فأقوم و آخذ بيده فيبيض وجهه و وجوه أصحابه فأقول ما خلفتموني في الثقلين بعدي فيقولون تبعنا الأكبر و صدقناه و وازرنا الأصغر و نصرناه و قاتلنا معه فأقول ردوا رواء مرويين فيشربون شربة لا يظمئون بعدها أبدا وجه إمامهم كالشمس الطالعة و وجوههم كالقمر ليلة البدر أو كأضوإ نجم في السماء .

و منه عن أنس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مررت ليلة أسري بي إلى السماء فإذا أنا بملك جالس على منبر من نور و الملائكة تحدق به فقلت يا جبرئيل من هذا الملك قال ادن منه و سلم عليه فدنوت منه و سلمت عليه فإذا أخي و ابن عمي علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقلت يا جبرئيل سبقني علي إلى السماء الرابعة فقال لي يا محمد لا و لكن الملائكة شكت حبها لعلي فخلق الله هذا الملك من نور على صورة علي فالملائكة تزوره في كل ليلة جمعة و يوم جمعة سبعين ألف مرة و يسبحون الله و يقدسونه و يهدون ثوابه لمحب علي (عليه السلام) .

قال هذا حديث حسن عال لم نكتبه إلا من هذا الوجه تفرد به يزيد بن هارون عن حميد الطويل عن أنس و هو ثقة .

و عن أبي إسحاق السبيعي قال : دخلنا على مسروق الأجدع فإذا عنده ضيف لا نعرفه و هما يطعمان من طعام لهما فقال الضيف كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بخيبر فلما قالها عرفنا أنه كانت له صحبة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال جاءت صفية بنت حي بن
[140]
أخطب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت يا رسول الله إني لست كأحد نسائك قتلت الأب و الأخ و العم فإن حدث بك حدث فإلى من فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذا و أشار بيده إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم قال أ لا أحدثكم بما حدثني به الحارث الأعور قال قلت بلى قال دخلت على علي بن أبي طالب ع فقال ما جاءك يا أعور قال قلت حبك يا أمير المؤمنين قال الله قلت الله فناشدني ثلاثا ثم قال أما إنه ليس عبد من عباد الله ممن امتحن الله قلبه بالإيمان إلا و هو يجد مودتنا على قلبه فيحبنا و ليس عبد من عباد الله ممن سخط الله عليه إلا و هو يجد بغضنا على قلبه فهو يبغضنا فأصبح محبنا ينتظر الرحمة فكان أبواب الرحمة قد فتحت له و أصبح مبغضنا على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم فهنيئا لأهل الجنة رحمتهم و تعسا لأهل النار مثواهم .

و عن الحارث الهمداني قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال ما جاء بك فقلت حبي لك يا أمير المؤمنين فقال يا حارث أ تحبني فقلت نعم و الله يا أمير المؤمنين فقال أما لو بلغت نفسك الحلقوم لرأيتني حيث تحب و لو رأيتني و أنا أذود الرجال عن الحوض ذود غريبة الإبل لرأيتني حيث تحب و لو رأيتني و أنا مار على الصراط بلواء الحمد بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لرأيتني حيث تحب .

و قيل إن آخر شعر قاله السيد بن محمد قبل وفاته
[141]
بساعة قوله :

أحب الذي من مات من أهل وده *** تلقاه بالبشرى لدى الموت يضحك‏

و من مات يهوى غيره من عدوه *** فليس له إلا إلى النار مسلك

‏أبا حسن تفديك نفسي و أسرتي *** و مالي و ما أصبحت في الأرض أملك

‏أبا حسن إني بفضلك عارف *** و إني بحبل من هواك لممسك‏

و أنت وصي المصطفى و ابن عمه *** و إنا نعادي مبغضيك و نترك

‏مواليك ناج مؤمن بين الهدى و *** قاليك معروف الضلالة مشرك‏

و لاح لحاني في علي و حزبه *** فقلت لحاك الله إنك أعفك

الأعفك الأحمق .

و عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش أين خليفة الله في أرضه فيقوم داود النبي (عليه السلام) فيأتي النداء من عند الله عز و جل لسنا إياك أردنا و إن كنت لله تعالى خليفة ثم ينادي مناد أين خليفة الله في أرضه فيقوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيأتي النداء من قبل الله عز و جل يا معشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في أرضه و حجته على عباده فمن تعلق بحبله في دار الدنيا فليتعلق بحبله في هذا اليوم يستضي‏ء بنوره و ليتبعه إلى الدرجات العلى من الجنان قال فيقوم أناس قد تعلقوا بحبله في الدنيا فيتبعونه إلى الجنة ثم يأتي النداء من عند الله جل جلاله ألا من ائتم بإمام في دار الدنيا فليتبعه إلى حيث يذهب به فحينئذ يتبرءوا الذين اتبعوا من الذين اتبعوا و رأوا
[142]
العذاب و تقطعت بهم الأسباب .

و عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال : إذا كان يوم القيامة و جمع الناس في صعيد واحد حفاة عراة يقفون على طريق المحشر فيعرقون عرقا شديدا و تشتد أنفاسهم فيمكثون ما شاء الله كما قال فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً فينادي مناد من تلقاء العرش أين نبي الرحمة محمد بن عبد الله فيتقدم (صلى الله عليه وآله وسلم) أمام الناس حتى ينتهي إلى الحوض فينادي بصاحبكم فيقف معه ثم يؤذن للناس فيمرون قال أبو جعفر (عليه السلام) فبين وارد يومئذ و مصروف فإذا رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) من يصرف من محبينا أهل البيت بكى و قال يا رب شيعة علي يا رب شيعة علي فيبعث الله إليه ملكا فيقول ما يبكيك فيقول كيف لا أبكي لأناس من شيعة أخي علي بن أبي طالب أراهم قد صرفوا تلقاء أصحاب النار و منعوا من ورود حوضي قال فيقول الله قد وهبتهم لك و صفحت عن ذنوبهم و ألحقتهم بك و بمن كانوا يتولون من ذريتك و جعلتهم في زمرتك و أوردتهم حوضك و قبلت شفاعتك و أكرمتك بذلك قال أبو جعفر (عليه السلام) فكم من باك يومئذ و باكية ينادون وا محمداه فلا يبقى أحد كان يتولانا و يحبنا إلا كان في حزبنا و معنا و ورد حوضنا .

و عن جابر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) أ لا أبشرك أ لا أمنحك قال بلى يا رسول الله قال فإني خلقت أنا و أنت من طينة واحدة ففضلت منها فضلة فخلق منها شيعتنا فإذا كان يوم القيامة دعي الناس بأمهاتهم إلا شيعتك فإنهم يدعون بآبائهم لطيب مولدهم .

[143]
في بيان أنه مع الحق و الحق معه و أنه مع القرآن و القرآن معه .

نقلت من المناقب للإمام أبي المؤيد الخوارزمي عن أبي ليلى قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) : ستكون من بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه الفاروق بين الحق و الباطل .

و منه عن ابن عمرقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من فارق عليا فارقني و من فارقني فارق الله عز و جل .

و منه عن أبي أيوب الأنصاري قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية و أنت مع الحق و الحق معك يا عمار إذا رأيت عليا سلك واديا و سلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي و دع الناس إنه لن يدليك في ردى و لن يخرجك من الهدى يا عمار إنه من تقلد سيفا أعان به عليا على عدوه قلده الله تعالى يوم القيامة وشاحا من در و من تقلد سيفا أعان به عدو علي (عليه السلام) قلده الله يوم القيامة وشاحا من نار .

و من مناقب ابن مردويه عن عبد الرحمن بن أبي سعيد قال : كنا جلوسا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في نفر من المهاجرين و مر علي بن أبي طالب فقال الحق مع ذا .

و منه عن عائشة أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : الحق مع علي يزول معه حيث ما زال .

و منه عن أبي ذر عن أم سلمة رضي الله عنهما قالت : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن عليا مع الحق و الحق معه لن يزولا حتى يردا علي الحوض .

و منه عن أم سلمة قالت : كان علي على الحق من اتبعه اتبع الحق و من تركه
[144]
ترك الحق عهدا معهودا قبل يومه هذا .

و منه عن عبيد الله بن عبد الله الكندي قال : حج معاوية فأتى المدينة و أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) متوافرون فجلس في حلقة بين عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر فضرب بيده على فخذ ابن عباس ثم قال أ ما كنت أحق و أولى بالأمر من ابن عمك قال ابن عباس و بم قال لأني ابن عم الخليفة المقتول ظلما قال هذا إذا يعني ابن عمر أولى بالأمر منك لأن أبا هذا قتل قبل ابن عمك قال فانصاع عن ابن عباس أي انفتل أو كلمة نحو هذا و أقبل على سعد قال و أنت يا سعد الذي لم تعرف حقنا من باطل غيرنا فتكون معنا أو علينا قال سعد إني لما رأيت الظلمة قد غشيت الأرض قلت لبعيري هخ فأنخته حتى إذا استقرت مضيت قال و الله لقد قرأت المصحف يوما بين الدفتين ما وجدت فيه هخ فقال أما إذ أبيت فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي أنت مع الحق و الحق معك قال لتجيئني بمن سمعه معك أو لأفعلن قال أم سلمة قال فقام و قاموا معه حتى دخلوا على أم سلمة قال فبدأ معاوية فتكلم فقال يا أم المؤمنين إن الكذابة قد كثرت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعده فلا يزال قائل يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لم يقل فإن سعدا روى حديثا زعم أنك سمعته معه قالت ما هو قال زعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعلي أنت مع الحق و الحق معك قالت صدق في بيتي قاله فأقبل على سعد فقال الآن ألزم ما كنت عندي و الله لو سمعت هذا من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما زلت خادما لعلي حتى أموت .

قلت : فانظر هداك الله إلى سلوك طريقه و أيدك بمعرفة توضح لك بطل كل أمر من حقه إلى معاوية و استمراره على بغيه و عنقه في سبل غيه و مكابرته الحق اللائح و تنكبه الجدد الواضح و عدوله عن السنن و بقائه على غمط حق أبي الحسن و كيف تستر الشمس بالنقاب أو يقاس الشراب بالسراب فإنه قد
[145]
أبان في هذا الحديث عن عدة أمور تدل على بهتانه و تنبئ أنه ثنى عن الهدى فضل عنانه و ركب هواه جامحا في باطله تابعا لشيطانه و ملك حب الدنيا قلبه فقاده في أشطانه و صدفه عن الآخرة فما تخطر على قلبه و لا تجري على لسانه.

و بيان ذلك أنه قد يغلب على الإنسان هواه عند ميل نفسه إلى أمر ما فيعمى عن الحق و يضل عن الصواب و يترك الهدى كما قيل حبك الشي‏ء يعمي و يصم فلا يزال خابطا في جهالته راكبا لهواه متبعا ميل نفسه حتى إذا بلغ غرضه و نال منيته و سكنت دواعيه الهائجة و قرت نفسه التواقة الثائرة راجع الحق و عرفه و لام هواه و عنفه و استرجع و ندم و أضرب عن ذلك الأمر و نسيه أو تناساه و أحب أن لا يذكر و لا تجري به الألسنة و سكت من عساه يفيض فيه و بكته و عادى من أعاده و ردده و نكبه و عرف أنه كان مخطئا غير مصيب و تعلل بأنه جرى القضاء و فات الأمر و نفد السهم و هذا معاوية كان أعرف الناس بفضل علي (عليه السلام) و شرفه و استحقاقه هذا الأمر و مكانه و قرابته من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فغلب حب الدنيا معرفته و ترك حظه من الآخرة و فعل ما فعل من حرب علي (عليه السلام) و مناصبته و خسر الدنيا و الآخرة بما أقدم عليه ثم هو بعد بلوغه ما أراد و انتقال أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى جوار الله تعالى مستمر على ما كان عليه لا يراقب الله و لا رسوله و لا يستحيي من الصحابة ناطقا بملإ فيه أ ما كنت أحق و أولى بهذا الأمر من ابن عمك ثم جعله الدليل على استحقاقه كونه ابن عم عثمان و هل هذا إلا جهل محض أو تغاب عن الحق و قوله لسعد لم تعرف حقنا من باطل غيرنا استهانة بالله و رسوله و استخفافا بجلة الصحابة و جرأة على قول المحال ثم إنكاره ما أورده سعد حتى سأل عنه أم سلمة و هذا القول و أمثاله من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حق علي (عليه السلام) أشهر من فلق الصباح ثم حلفه أني لو سمعت هذا لكنت خادما لعلي حتى أموت و بداية العقول تقتضي كذبه و فجوره فإنه عرف من فضل علي أكثر من هذا و نبهه علي (عليه السلام) فيما كاتبه به و عرفه ما يلزمه فما ارعوى ثم على تقدير صدقه و تصديقه أن الحق مع علي بما شهد به عنده سعد و أم سلمة فعلي (عليه السلام) قد سلم هذا الأمر
[146]
إلى ابنه الحسن (عليه السلام) بذلك الحق الذي هو معه فهلا سلم الأمر إليه عملا بما قد استثبته و هيهات أن يميل ذلك الإنسان إلى حق أو يرغب في هدى و قد طبع الله على قلبه و جعل على بصره غشاوة و نعوذ بالله تعالى .

و منه عن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : الحق مع علي و علي مع الحق و لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .

و منه عن أم سلمة قالت : علي مع الحق من اتبعه اتبع الحق و من تركه ترك الحق عهد معهود قبل موته و منه عنها و قد تقدم مثله قالت و الله إن علي بن أبي طالب لعلى الحق قبل اليوم عهدا معهودا و قضاء مقضيا .

و منه عن أبي اليسر عن أبيه قال : كنا عند عائشة فقالت من قتل الخوارج فقلت قتلهم علي بن أبي طالب فقالت كذبت فقلت ما كان أغناني يا أم المؤمنين أن تكذبيني قال فدخل مسروق فقالت من قتل الخوارج فقال قتلهم علي بن أبي طالب و ذكروا ذا الثدية فقالت ما يمنعني أن أقول الذي سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سمعته يقول علي مع الحق و الحق معه .

و منه عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي إن الحق معك و الحق على لسانك و في قلبك و بين عينيك .

و منه عن أبي رافع : أنه دخل على أم سلمة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرها بيوم الجمل فقالت إلى أين طار قلبك إذ طارت القلوب مطائرها قال كنت يا أم المؤمنين مع علي بن أبي طالب قالت أحسنت و أصبت أما إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يرد علي الحوض و أشياعه و الحق معهم لا يفارقونه .

و منه عن أبي رافع : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يا أبا رافع كيف أنت و قوم يقاتلون عليا و هو على الحق و هم على الباطل يكون حقا في الله جهادهم فمن لم يستطع جهادهم بيده فيجاهدهم بلسانه فمن لم يستطع بلسانه فيجاهدهم بقلبه و ليس وراء ذلك شي‏ء قال قلت ادع الله لي إن أدركتهم أن يعينني و يقويني على قتالهم فلما بايع الناس علي بن أبي طالب و خالفه معاوية و سار طلحة و الزبير إلى
[147]
البصرة قلت هؤلاء القوم الذين قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قال فباع أرضه بخيبر و داره بالمدينة و يقوى بها هو و ولده ثم خرج مع علي بجميع أهله و ولده و كان معه حتى استشهد علي (عليه السلام) فرجع إلى المدينة مع الحسن و لا أرض له بالمدينة و لا دارا فأقطعه الحسن (عليه السلام) أرضا بينبع من صدقة علي (عليه السلام) و أعطاه دارا .

و منه عن أبي موسى الأشعري قال أ: شهد أن الحق مع علي و لكن مالت الدنيا بأهلها و لقد سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول له يا علي أنت مع الحق و الحق بعدي معك .

و منه عن أبي حيان التيمي عن أبيه عن علي : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار .

و منه : أن عائشة لما عقر جملها و دخلت دارا بالبصرة فقال لها أخوها محمد أنشدك بالله أ تذكرين يوم حدثتني عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال الحق لن يزال مع علي و علي مع الحق لن يختلفا و لن يفترقا فقالت نعم .

و منه عن مسروق قال : سألتني عائشة عن أصحاب النهروان عن ذي الثدية فأخبرتها فقالت يا مسروق أ تستطيع أن تأتيني بأناس ممن شهدوا فأتيتها من كل سبع برجل فشهدوا أنهم رأوه و شهدوه فقالت رحم الله عليا إنه كان على الحق و لكنني كنت امرأة من الأحماء .

و منه : لما أصيب زيد بن صوحان يوم الجمل أتاه علي (عليه السلام) و به رمق فوقف عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) و هو لما به فقال رحمك الله يا زيد فو الله ما عرفتك إلا خفيف المئونة كثير المعونة قال فرفع إليه رأسه فقال و أنت فرحمك الله فو الله ما
[148]
عرفتك إلا بالله عالما و بآياته عارفا و الله ما قاتلت معك من جهل و لكني سمعت حذيفة بن اليمان يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول علي أمير البررة و قاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله ألا و إن الحق معه يتبعه ألا فميلوا معه .

و منه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول علي مع القرآن و القرآن معه لا يفترقا حتى يردا علي الحوض .

و منه عنها قالت : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول علي مع القرآن و القرآن مع علي و لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .

و بالإسناد : لن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة .

و منه قال شهر بن حوشب: كنت عند أم سلمة رضي الله عنها فسلم رجل فقيل من أنت قال أنا أبو ثابت مولى أبي ذر قالت مرحبا بأبي ثابت ادخل فدخل فرحبت به و قالت أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها قال مع علي بن أبي طالب قالت وفقت و الذي نفس أم سلمة بيده لسمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول علي مع القرآن و القرآن مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض و لقد بعثت ابني عمر و ابن أخي عبد الله بن أبي أمية و أمرتهما أن يقاتلا مع علي من قاتله و لو لا أن رسول الله أمرنا أن نقر في حجالنا و في بيوتنا لخرجت حتى أقف في صف علي (عليه السلام) .

الحجلة : بالتحريك واحدة حجال ; العروس و هي بيت يزين بالثياب و الأسرة و الستور .
في بيان أنه (عليه السلام) أفضل الأصحاب
قد سبق فيما أوردناه من رسالة أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في تفضيل بني هاشم على سبيل الإجمال ما فيه غنية و بلاغ و وصفنا ما ورد و نقل من شرف نسبه و مكانه من قريش و قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و علمه الذي اشتهر و فاق به الأصحاب كافة و حب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له و أمره بمحبته و الكون من أتباعه و أصحابه
[149]
و النهي عن التخلف عنه و كونه مع الحق و القرآن و كونهما معه لا يفارقانه حتى يردا معه الحوض يوم القيامة حسب ما رواه الرواة و الأثبات من علماء الجمهور نقلا عن جلة الصحابة و أعيان التابعين ما يكتفي به من أراد الحق و طلبه و رغب في الهدى و مال إليه فأما من جنح إلى الهوى و تورط في العمى و تبع كل ناعق فذاك لا يهتدي إلى صواب و لا يفرق بين مسألة و جواب فهو يخبط خبط العشواء و يهوي على أم رأسه في غياهب الظلماء و لا يتبع دليلا و لا يسلك سبيلا ضال تابع ضلال و جاهل مقلد جهال فلا طمع في هدايته و لا رغبة في إنقاذه من هوة غوايته و إنما خاطب الله تعالى ذوي العلم و أرباب الفهم الذين عضدهم الله بمعاونة التوفيق و هداهم إلى سواء الطريق فهم يستخرجون الغوامض بالفكر الدقيق و ينظرون إلى الغيب من وراء ستر رقيق و قليل ما هم.
ما ورد في تفضيله (عليه السلام) على الأصحاب صريحا
و نذكر هاهنا ما ورد في تفضيله (عليه السلام) على الأصحاب صريحا و بالله المستعان .

نقلت من مناقب الخوارزمي عن بريدة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قم بنا يا بريدة نعود فاطمة فلما أن دخلنا عليها أبصرت أباها دمعت عيناها قال ما يبكيك يا ابنتي قالت قلة الطعم و كثرة الهم و شدة السقم قال لها أما و الله ما عند الله خير مما ترغبين إليه يا فاطمة أ ما ترضين أني زوجتك خير أمتي أقدمهم سلما و أكثرهم علما و أفضلهم حلما و الله إن ابنيك سيدا شباب أهل الجنة .

و قريب منه ما نقلته من كتاب الذرية الطاهرة للدولابي بخط الشيخ
[150]
ابن وضاع قال : لما بلغ فاطمة تزويجها بعلي بكت فدخل عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال ما لك يا فاطمة تبكين فو الله لقد أنكحتك أكثرهم علما و أفضلهم حلما و أولهم سلما .

و من مسند أحمد بن حنبل عن معقل بن يسار قال : وضأت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم فقال هل لك في فاطمة نعودها فقلت نعم فقام متوكئا علي فقال أما إنه سيحمل ثقلها غيرك و يكون أجرها لك قال فكأنه لم يكن علي شي‏ء حتى دخلنا على فاطمة فقال كيف تجدينك قالت و الله لقد اشتد حزني و اشتدت فاقتي و طال سقمي حدثنا عبد الله قال وجدت في كتاب أبي بخط يده في هذا الحديث قال أ و ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما .

و من مناقب الخوارزمي عن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : لمبارزة علي بن أبي طالب لعمرو بن عبد ود يوم الخندق أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة .

و منه عن ابن عباس قال : أتي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بطائر فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك فجاءه علي بن أبي طالب ع فقال اللهم واله .

و منه عن أنس بن مالك قال : كان عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) طير فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير فجاءه علي فأكل معه قال رضي الله عنه أخرج أبو عيسى الترمذي هذا الحديث في جامعه و ذكره النسائي في حديثه .

و بالإسناد عن أبي عيسى الترمذي هذا عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا بسب علي فامتنع فقال ما منعك أن تسب أبا تراب قال أما ما ذكرت فثلاث قالهن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلن أسبه لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم سمعت رسول الله ص يقول لعلي
[151]
و خلفه في بعض مغازيه فقال له علي (عليه السلام) يا رسول الله تخلفني مع الصبيان و النساء فقال له رسول الله أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبوة بعدي و سمعته يقول يوم خيبر لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله قال فتطاولنا لها فقال ادعوا لي عليا قال فأتاه و به رمد فبصق في عينه فدفع الراية إليه ففتح الله عليه و أنزلت هذه الآية نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ... الآية دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا و فاطمة و حسنا و حسينا فقال اللهم هؤلاء أهلي .

أبو عيسى الترمذي هذا حديث حسن غريب صحيح من هذا الوجه قال رضي الله عنه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أ ما ترضى أن تكون معي بمنزلة هارون من موسى أخرجه الشيخان في صحيحهما بطرق كثيرة.

قلت و رواه أحمد بن حنبل في مسنده بطرق كثيرة أيضا و أما حديث الراية فقد أخرجه مسلم في صحيحه و نظم ذلك حسان بن ثابت فقال :

و كان علي أرمد العين يبتغي *** دواء فلما لم يحس مداويا

شفاه رسول الله منه بتفلة *** فبورك مرقيا و بورك راقيا

و قال سأعطي الراية اليوم فارسا *** كميا شجاعا في الحروب محاميا

يحب الإله و الإله يحبه *** به يفتح الله الحصون الأوابيا

فخص به دون البرية كلها *** عليا و سماه الوصي المواخيا

و قد تقدم ذكرنا لهذا الحديث.

و أما آية المباهلة فيجب أن تذكر في أخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و الحال فيها مشهور و الإجماع عليها معلوم و قد ذكرت هذا الحديث قبل فأما المباهلة و سببها فإني أذكرها بعد هذا إن شاء الله تعالى .

و من كتاب المناقب عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه : أنه قال جاءنا رسول
[152]
الله ص و نحن مضطجعون في المسجد و في يده عسيب رطب فقال ترقدون في المسجد قلنا قد أجفلنا و أجفل علي معنا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تعال يا علي إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي أ لا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة و الذي نفسي بيده إنك لذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه رجالا كما يذاد البعير الضال عن الماء بعصا لك من عوسج كأني أنظر إلى مقامك من حوضي .

العسيب جريد النخل و هو سعفه و جفل الناس و أجفلوا أسرعوا في الهرب و الذياد الطرد يقال ذدته عن كذا طردته .

و منه عن علي (عليه السلام) قال : وجعت وجعا فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنامني في مكانه و قام يصلي فألقى علي طرف ثوبه فصلى ما شاء الله ثم قال يا ابن أبي طالب قد برأت فلا بأس عليك ما سألت الله تعالى شيئا إلا و سألت لك مثله و لا سألت الله شيئا إلا أعطانيه إلا أنه قال لا نبي بعدك .

و منه عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي أخصمك بالنبوة و لا نبوة بعدي و تخصم الناس بسبع و لا يحاجك فيهن أحد من قريش أنت أولهم إيمانا بالله و أوفاهم بعهد الله و أقومهم بأمر الله و أقسمهم بالسوية و أعدلهم في الرعية و أبصرهم في القضية و أعظمهم عند الله يوم القيامة مزية قال صاحب كفاية الطالب هذا حديث حسن عال رواه الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء و آخر الحديث و أعظمهم عند الله عز و جل مزية .

و من كتاب المناقب عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : علي خير البرية .

و منه عن جابر قال : كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل علي بن أبي طالب فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أتاكم أخي ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال و الذي نفسي بيده إن هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة ثم قال إنه أولكم إيمانا معي و أوفاكم بعهد الله تعالى و أقومكم بأمر الله و أعدلكم في الرعية و أقسمكم بالسوية و أعظمكم عند الله
[153]
مزية قال و نزلت هذه الآية إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ قال و كان أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أقبل علي (عليه السلام) قالوا قد جاء خير البرية .

و منه عن سلمان الفارسي (ره) : أنه سمع نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن أخي و وزيري و خير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب .

و منه عن أبي أيوب الأنصاري : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرض مرضة فأتته فاطمة (عليها السلام) تعوده فلما رأت ما برسول الله من الجهد و الضعف استعبرت فبكت حتى سال الدمع على خديها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا فاطمة إن لكرامة الله إياك زوجتك من أقدمهم سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما إن الله تعالى اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارني منهم فبعثني نبيا مرسلا ثم اطلع اطلاعة فاختار منهم بعلك فأوحى لي أن أزوجه إياك و أتخذه وصيا .

قلت : هذا الحديث قد أخرجه الدارقطني صاحب الجرح و التعديل أتم من هذا و كان في عزمي أن أؤخر ذكره إلى أن أذكر الإمام الخلف الحجة (عليه السلام) لكني ذكرته هنا .

هو من كتاب كفاية الطالب عن الدارقطني عن رجاله عن أبي هارون العبدي قال : أتيت أبا سعيد الخدري فقلت له هل شهدت بدرا فقال نعم فقلت أ لا تحدثني بشي‏ء مما سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في علي و فضله فقال بلى أخبرك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرض مرضة نقه منها فدخلت عليه فاطمة (عليها السلام) تعوده و أنا جالس عن يمين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما رأت ما برسول الله من الضعف خنقتها العبرة حتى بدت دموعها على خدها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يبكيك يا فاطمة قالت أخشى الضيعة يا رسول الله فقال يا فاطمة أ ما علمت أن الله
[154]
اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه نبيا ثم اطلع ثانية فاختار منهم بعلك فأوحى إلي فأنكحته و اتخذته وصيا أ ما علمت أنك بكرامة الله إياك زوجك أعلمهم علما و أكثرهم حلما و أقدمهم سلما فضحكت و استبشرت فأراد رسول الله أن يزيدها مزيد الخير كله الذي قسمه الله لمحمد و آل محمد فقال لها يا فاطمة و لعلي ثمانية أضراس يعني مناقب إيمان بالله و رسوله و حكمته و زوجته و سبطاه الحسن و الحسين و أمره بالمعروف و النهي عن المنكر يا فاطمة إنا أهل البيت أعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين و لم يدركها أحد من الآخرين غيرنا نبينا خير الأنبياء و هو أبوك و وصينا خير الأوصياء و هو بعلك و شهيدنا خير الشهداء و هو حمزة عم أبيك و منا سبطا هذه الأمة و هما ابناك و منا مهدي هذه الأمة الذي يصلي خلفه عيسى ثم ضرب على منكب الحسين فقال من هذا مهدي الأمة قال محمد بن يوسف بن محمد الكنجي الشافعي هكذا أخرجه الدارقطني صاحب الجرح و التعديل .

قلت قد أورده الحافظ أبو نعيم في كتاب الأربعين في أخبار المهدي ع أذكره هناك إن شاء الله و هو أبسط من هذا .

و من مناقب الخوارزمي حدثنا عبد الرحمن بن القاسم الهمداني حدثنا أبو حاتم محمد بن محمد الطالقاني حدثنا أبو مسلم عن الخالص الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن الناصح علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن الثقة محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن الرضا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن الأمين موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن الباقر محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن الزكي زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن البر الحسين بن علي بن أبي طالب عن المرتضى أمير المؤمنين
[155]
علي بن أبي طالب عن المصطفى محمد الأمين سيد الأولين و الآخرين صلى الله عليه و آله أجمعين : أنه قال لعلي بن أبي طالب يا أبا الحسن كلم الشمس فإنها تكلمك .

فقال علي (عليه السلام) : السلام عليك أيها العبد المطيع لله .

فقالت الشمس : و عليك السلام يا أمير المؤمنين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين ; يا علي أنت و شيعتك في الجنة ; يا علي أول من تنشق عنه الأرض محمد ثم أنت , و أول من يحيى محمد ثم أنت , و أول من يكسى محمد ثم أنت .

ثم انكب علي ساجدا و عيناه تذرفان بالدموع .

فانكب عليه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فقال : يا أخي و حبيبي ارفع رأسك فقد باهى الله بك أهل سبع سماواته .

و من المناقب قال أنبأني الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد العطار يرفعه إلى عبد الله بن مسعود قال : كنت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد أصحر يقال أصحر إذا خرج إلى الصحراء فتنفس الصعداء فقلت يا رسول الله ما لك تتنفس قال يا ابن مسعود نعيت إلي نفسي قلت استخلف يا رسول الله قال من قلت أبا بكر فسكت ثم تنفس فقلت ما لي أراك تتنفس يا رسول الله قال نعيت إلي نفسي قلت استخلف يا رسول الله قال من قلت عمر بن الخطاب فسكت ثم تنفس فقلت ما لي أراك تتنفس يا رسول الله قال نعيت إلي نفسي قلت استخلف يا رسول الله قال من قلت علي بن أبي طالب قال أوه و لن تفعلوا إذا أبدا و الله لئن فعلتموه ليدخلنكم الجنة .

قلت نقلت من مسند أحمد بن حنبل من المجلد الأول منه عن أبي ظبيان عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي إن أنت وليت الأمر من بعدي فأخرج أهل نجران من جزيرة العرب .

عن حذيفة بن اليمان قال : قالوا يا رسول الله أ لا تستخلف عليا قال إن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم .

و إنما ذكرت هذا ليعلم أنه كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يميل إلى ولايته الأمر فيذكر ذلك مرة تعريضا و مرة
[156]
تصريحا و سأفرد فصلا أضمنه ما أورد عنه من تسمية أمير المؤمنين في عدة مواضع مصرحا بذلك في كل مشهد و محفل و عند كل مجمع .

و لكن لا حياة لمن تنادي .

و قد أنشدني بعض أصحابنا بيتين لهما نصيب من الحسن و حظ من اللطف و الرشاقة و هما :

أوصى النبي فقال قائلهم قد *** ظل يهجر سيد البشر

و أرى أبا بكر أصاب و لم *** يهجر و قد أوصى إلى عمر

و من كتاب مناقب الخوارزمي عن أنس بن مالك قال : أهدي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طير فقال اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير فقلت اللهم اجعله رجلا من الأنصار فجاء علي فقلت إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على حاجة فذهب ثم جاء فقلت له مثل ذلك فذهب ثم جاء فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) افتح ففتحت ثم دخل فقال ما حديثك يا علي قال هذه آخر ثلاث كرات يردني أنس يزعم أنك على حاجة قال ما حملك على ما صنعت يا أنس قال سمعت دعاءك فأحببت أن يكون في رجل من قومي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الرجل قد يحب قومه إن الرجل قد يحب قومه .

و نقلت من مناقب الحافظ أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه عن حذيفة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي خير البشر من أبى فقد كفر و عن حذيفة أيضا مثله .

و منه قال : سئل حذيفة عن علي فقال خير هذه الأمة بعد نبيها و لا يشك فيه إلا منافق .

و منه عن سلمان الفارسي قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن علي بن أبي طالب خير من أخلف بعدي .

و منه عن أبي سعيد الخدري قال : قال سلمان رآني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فناداني
[157]
فقلت لبيك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أشهدك اليوم أن علي بن أبي طالب خيرهم و أفضلهم .

و منه عن أبي سعيد الخدري عن سلمان قال : قلت يا رسول الله إن لكل نبي وصي فمن وصيك فسكت عني فلما كان بعد رآني فقال يا سلمان فأسرعت إليه و قلت لبيك قال تعلم من وصي موسى قلت نعم يوشع بن نون قال لم قلت لأنه كان أعلمهم يومئذ قال فإن وصيي و موضع سري و خير من أترك بعدي ينجز عدتي و يقضي ديني علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و منه عن أنس بن مالك قال : حدثني سلمان الفارسي أنه سمع رسول الله يقول إن أخي و وزيري و خير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب .

و رواه صديقنا العز المحدث الحنبلي مرفوعا إلى أنس بن مالك قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي أخي و صاحبي و ابن عمي و خير من أترك بعدي يقضي ديني و ينجز موعدي .

و عن أنس عن سلمان قال : قلت يا رسول الله عمن نأخذ بعدك و بمن نثق قال فسكت عني حتى سألت عشرا ثم قال يا سلمان إن وصيي و خليفتي و أخي و وزيري و خير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب يؤدي عني و ينجز موعدي .

و منه عن سلمان رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هل تدري من كان وصي موسى قلت يوشع بن نون قال فإن وصيي في أهلي و خير من أخلفه بعدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و منه عن أبي رافع عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) أنت خير أمتي في الدنيا و الآخرة .

و منه عن حبشي بن جنادة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خير من يمشي على وجه الأرض بعدي علي بن أبي طالب .

و منه عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي خير من تركت بعدي .

و منه عن أنس أيضا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إن خليلي و وزيري و خليفتي و خير من أترك بعدي يقضي ديني و ينجز موعدي علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

[158]
و منه عن عطية بن سعد قال : دخلنا على جابر بن عبد الله و هو شيخ كبير فقلنا أخبرنا عن هذا الرجل علي بن أبي طالب فرفع حاجبيه ثم قال ذلك من خير البشر و منه عن عطية مثله بعدة روايات .

و منه : سئل جابر عن علي فقال كان خير البشر و في رواية فقيل له و ما تقول في رجل يبغض عليا قال ما يبغض عليا إلا كافر .

و منه عن سالم بن أبي الجعد قال : تذاكروا فضل علي عند جابر بن عبد الله فقال و تشكون فيه فقال بعض القوم إنه قد أحدث قال و لا يشك فيه إلا كافر أو منافق .

و في رواية قال : كان خير البشر قلت يا جابر كيف تقول فيمن يبغض عليا قال ما يبغضه إلا كافر .

و منه عن جابر بن عبد الله قال : بعث النبي الوليد بن عقبة إلى بني وليعة و كان بينهم شحناء في الجاهلية فلما بلغ بني وليعة استقبلوه لينظروا ما في نفسه قال فخشي القوم فرجع إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إن بني وليعة أرادوا قتلي و منعوا الصدقة فلما بلغ بني وليعة الذي قال عنهم الوليد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا يا رسول الله و الله لقد كذب الوليد و لكنه قد كانت بيننا و بينه شحناء فخشينا أن يعاقبنا بالذي كان بيننا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتنتهن يا بني وليعة أو لأبعثن إليكم رجلا عندي كنفسي يقتل مقاتلتكم و يسبي ذراريكم و هو هذا خير من ترون و ضرب على كتف علي بن أبي طالب و أنزل الله في الوليد بن عقبة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ إلى آخرها .

و منه عن عطاء قال : سألت عائشة عن علي (عليه السلام) فقالت ذاك من خير البرية و لا يشك فيه إلا كافر .

و منه عن ابن أبي اليسر الأنصاري عن أبيه قال : دخلت على أم المؤمنين عائشة قال فقالت من قتل الخارجية قال قلت قتلهم علي قالت ما يمنعني الذي في نفسي على علي أن أقول الحق سمعت رسول الله يقول يقتلهم خير أمتي من بعدي
[159]
و سمعته يقول علي مع الحق و الحق مع علي (عليه السلام) .

و منه عن مسروق قال : دخلت على عائشة فقالت لي من قتل الخوارج فقلت قتلهم علي قال فسكتت قال فقلت لها يا أم المؤمنين إني أنشدك بالله و بحق نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) إن كنت سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا أخبرينيه قال فقالت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول هم شر الخلق و الخليقة يقتلهم خير الخلق و الخليقة و أعظمهم عند الله تعالى يوم القيامة وسيلة .

و منه عن مسروق أيضا قال : قالت لي عائشة يا مسروق إنك من أكرم بني علي و أحبهم إلي فهل عندك علم من المخدج قال قلت نعم قتله علي على نهر يقال لأسفله تامرا و أعلاه النهروان بين أخاقيق و طرفا قال فقالت فائتني معك بمن يشهد قال فأتيتها بسبعين رجلا من كل سبع عشرة و كان الناس إذ ذاك أسباعا فشهدوا عندها أن عليا قتله على نهر يقال لأسفله تامرا و أعلاه النهروان بين أخاقيق و طرفا قالت لعن الله عمرو بن العاص فإنه كتب إلي أنه قتله على نيل مصر قال قلت يا أم المؤمنين أخبريني أي شي‏ء سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول فيهم قالت سمعت رسول الله يقول هم شر الخلق و الخليقة يقتلهم خير الخلق و الخليقة و أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة .

و منه عن مسروق أيضا من حديث آخر حيث شهد عندها الشهود فقالت : قاتل الله عمرو بن العاص فإنه كتب إلي أنه أصابه بمصر قال يزيد بن زياد فحدثني من سمع عائشة و ذكر عندها أهل النهر فقالت ما كنت أحب أن يوليه الله إياه قالوا و لم ذلك قالت لأني سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إنهم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي و ما كان بيني و بينه إلا ما يكون بين المرأة و أحمائها .

[160]
و بالإسناد عنه أنها قالت اكتب لي بشهادة من شهد مع علي النهروان فكتبت شهادة سبعين ممن شهده ثم أتيتها بالكتاب فقلت يا أم المؤمنين لم استشهدت قالت إن عمرو بن العاص أخبرني أنه أصابه على نيل مصر قال يا أم المؤمنين أسألك بحق الله و بحق رسوله و حقي عليك إلا ما أخبرتني بما سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه قالت إذ نشدتني فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول هم شر الخلق و الخليقة يقتلهم خير الخلق و الخليقة و أقربهم عند الله وسيلة .

و في آخر عنه أنها سألته و أخبرها أن عليا قتلهم فقالت انظر ما تقول قلت و الله لهو قتلهم فقالت مثل ما تقدم و زادت فيه و إجابة دعوة و أورده صديقنا العز المحدث الحنبلي الموصلي أيضا و قد ورد هذا عن مسروق عن عائشة بعدة طرق اقتصرنا منها على ما أوردناه .

و منه عن سليمان بن بريدة عن أبيه : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لفاطمة إن زوجك خير أمتي أقدمهم سلما و أكثرهم علما .

و نقلت من كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد قال أخبرني بعض الثقات عن رجاله قالوا : دخل أحمد بن حنبل إلى الكوفة و كان فيها رجل يظهر الإمامة فسأل الرجل عن أحمد ما له لا يقصدني فقالوا له إن أحمد ليس يعتقد ما تظهر فلا يأتيك إلا أن تسكت عن إظهار مقالتك له قال فقال لا بد من إظهاري له ديني و لغيره و امتنع أحمد من المجي‏ء إليه فلما عزم على الخروج من الكوفة قالت له الشيعة يا أبا عبد الله أ تخرج من الكوفة و لم تكتب عن هذا الرجل فقال ما أصنع به لو سكت عن إعلانه بذلك كتبت عنه قالوا ما نحب أن يفوتك مثله فأعطاهم موعدا على أن يتقدموا إلى الشيخ أن يكتم ما هو فيه و جاءوا من فورهم إلى المحدث يقال مشيت إلى موضع كذا و كذا و عدت من فوري من قبل أن أسكن و ليس أحمد معهم فقالوا إن أحمد عالم بغداد فإن خرج و لم يكتب عنك فلا بد أن يسأله أهل بغداد لم لم تكتب عن فلان فتشهر ببغداد و تلعن و قد
[161]
جئناك نطلب حاجة قال هي مقضية فأخذوا منه موعدا و جاءوا إلى أحمد و قالوا قد كفيناك قم معنا فقام فدخلوا على الشيخ فرحب بأحمد و رفع مجلسه و حدثه ما سأل فيه أحمد من الحديث فلما فرغ أحمد مسح القلم و تهيأ للقيام فقال له الشيخ يا أبا عبد الله لي إليك حاجة قال له أحمد مقضية قال ليس أحب أن تخرج من عندي حتى أعلمك مذهبي فقال أحمد هاته فقال له الشيخ إني أعتقد أن أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم ) كان خير الناس بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و إني أقول إنه كان خيرهم و إنه كان أفضلهم و أعلمهم و إنه كان الإمام بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فما تم كلامه حتى أجابه أحمد فقال يا هذا و ما عليك في هذا القول قد تقدمك في هذا القول أربعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جابر و أبو ذر و المقداد و سلمان فكاد الشيخ يطير فرحا بقول أحمد فلما خرجنا شكرنا أحمد و دعونا له .

و من كتاب كفاية الطالب عن حذيفة بن اليمان قال : قالوا يا رسول الله أ لا تستخلف عليا قال إن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم قال هذا حديث حسن عال .

و منه عن ابن التيمي عن أبيه قال : فضل علي بن أبي طالب على سائر أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمائة منقبة و شاركهم في مناقبهم .

قال و ابن التيمي هو موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ثقة ابن ثقة أسند عنه العلماء و الأثبات و رواه غيره مرفوعا لكن لم يعتمد عليه .

و نقلت من كتاب الأربعين للحافظ أبي بكر محمد بن أبي نصر بن أبي بكر اللفتواني عن عطاء بن ميمون عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا و علي حجة الله على عباده .

قلت : و قد أورده صديقنا العز المحدث الحنبلي الموصلي عن أنس أنه قال : كنت جالسا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل علي بن أبي طالب فقال يا أنس أنا و هذا حجة الله على خلقه .

قلت هذا الحديث دليل على أن مكانة أمير المؤمنين (عليه السلام) لا
[162]
يدانيها أحد من الناس و أن محله من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عالي البناء محكم الأساس و أن شرفه قد بلغ الغاية التي تحير صفتها الألباب و يعجز إدراكها الأصحاب و يجب على العقلاء أن يلقوا إليها بالمقاليد إذعانا لشأوها البعيد فإنه جعل حاله مثل حاله و نزله منزلته في هذا و في كثير من أقواله و من كان حجة على العباد فمن ينسج على منواله أو يحذو على مثاله أم كيف يمنع عن أفعاله و هو حجة على الناس و هم من عياله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و نزيده إيضاحا و هو أن هذا يدل على أن كلما كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلعلي مثله لاشتراكهما في أنهما حجة الله على عباده فأما النبوة فإنها خرجت بدليل آخر فبقي ما عداها من الولاية عليهم و جباية خراجهم و قسمته بينهم و إقامة حدودهم و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و هذا واضح لمن تأمله و أنصف .
في وصف زهده في الدنيا و سنته في رفضها و قناعته باليسير منها و عبادته
قال الخوارزمي و نقلته من مناقبه عن أبي مريم قال سمعت عمار بن ياسر قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يا علي إن الله تعالى زينك بزينة لم يزين العباد بزينة هي أحب إليه منها زهدك فيها و بغضها إليك و حبب إليك الفقراء فرضيت بهم أتباعا و رضوا بك إماما يا علي طوبى لمن أحبك و صدق عليك و الويل لمن أبغضك و كذب عليك أما من أحبك و صدق عليك فإخوانك في دينك و شركاؤك في جنتك و أما من أبغضك و كذب عليك فحقيق على الله تعالى يوم القيامة أن يقيمه مقام الكذابين .

و منه عن عبد الله بن أبي الهذيل قال : رأيت على علي (عليه السلام) قميصا زريا إذا مده بلغ الظفر و إذا أرسله كان مع نصف الذراع .

و منه قال عمر بن عبد العزيز : ما علمنا أن أحدا كان في هذه الأمة بعد
[163]
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) أزهد من علي بن أبي طالب قال حدثنا أبو النجيب سعد بن عبد الله الهمداني المعروف بالمروزي قال حدثنا بهذا الحديث عاليا الإمام الحافظ سليمان بن إبراهيم الأصفهاني .

و منه عن سويد بن غفلة قال : دخلت على علي بن أبي طالب القصر فوجدته جالسا و بين يديه صحيفة فيها لبن حازر أجد ريحه من شدة حموضته و في يده رغيف أرى قشار الشعير في وجهه و هو يكسر بيده أحيانا فإذا غلبه كسره بركبته و طرحه فيه فقال ادن و أصب من طعامنا هذا فقلت إني صائم فقال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من منعه الصوم من طعام يشتهيه كان حقا على الله أن يطعمه من طعام الجنة و يسقيه من شرابها قال فقلت لجاريته و هي قائمة بقريب منه ويحك يا فضة أ لا تتقين الله في هذا الشيخ أ لا تنخلون له طعاما مما أرى فيه من النخالة فقالت لقد تقدم إلينا أن لا ننخل له طعاما قال (عليه السلام) ما قلت لها فأخبرته فقال بأبي و أمي من لم ينخل له طعام و لم يشبع من خبز البر ثلاثة أيام حتى قبضه الله عز و جل .

الحازر اللبن الحامض انظر هداك الله و إيانا إلى شدة زهده و قناعته فإن إيراده الحديث و قوله (عليه السلام) من منع نفسه من طعام يشتهيه دليل على رضاه بطعامه و كونه عنده طعاما مشتهى يرغب فيه من يراه و ما ذاك لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يهتدي إلى الأطعمة المتخيرة و الألوان المعجبة و لكنه اقتدى برسول الله و وطن نفسه الشريفة على الصبر على جشوبة المأكل و خشونة الملبس رجاء ما عند الله و تأسيا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فصار ذلك له ملكة و طبيعة و من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل .

و منه و فيه دليل على ما قلته عن عدي بن ثابت قال : أتي علي بن أبي طالب ع بفالوذج فأبى أن يأكل منه و قال شي‏ء لم يأكل منه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا أحب أن آكل منه .

و منه عن أبي مطر قال : خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي ارفع إزارك فإنه أتقى لثوبك و أبقى لك و خذ من رأسك إن كنت مسلما فمشيت خلفه
[164]
و هو مؤتزر بإزار و مرتد برداء و معه الدرة كأنه أعرابي بدوي فقلت من هذا فقال لي رجل أراك غريبا بهذا البلد قلت أجل رجل من أهل البصرة قال هذا علي أمير المؤمنين حتى انتهى إلى دار بني أبي معيط و هو سوق الإبل فقال بيعوا و لا تحلفوا فإن اليمين تنفق السلعة و تمحق البركة ثم أتى أصحاب التمر فإذا خادم تبكي فقال ما يبكيك قالت باعني هذا الرجل تمرا بدرهم فردوه موالي فأبى أن يقبله فقال خذ تمرك و أعطها درهمها فإنها خادم ليس لها أمر فدفعه فقلت أ تدري من هذا قال لا قلت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين فصب تمره و أعطاها درهمها و قال أحب أن ترضى عني فقال ما أرضاني عنك إذا وفيتهم حقوقهم ثم مر مجتازا بأصحاب التمر فقال يا أصحاب التمر أطعموا المساكين يربو كسبكم ثم مر مجتازا و معه المسلمون حتى أتى أصحاب السمك فقال لا يباع في سوقنا طاف ثم أتى دار فرات و هو سوق الكرابيس فقال يا شيخ أحسن بيعي في قميصي بثلاثة دراهم فلما عرفه لم يشتر منه شيئا ثم أتى آخر فلما عرفه لم يشتر منه شيئا فأتى غلاما حدثا فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم و لبسه ما بين الرسغين إلى الكعبين و قال حين لبسه الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس و أواري به عورتي فقيل له يا أمير المؤمنين هذا شي‏ء ترويه عن نفسك أو شي‏ء سمعته من رسول الله قال بل شي‏ء سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوله عند الكسوة فجاء أبو الغلام صاحب الثوب فقيل يا فلان قد باع ابنك اليوم من أمير المؤمنين (عليه السلام) قميصا بثلاثة دراهم قال أ فلا أخذت منه درهمين فأخذ أبوه درهما و جاء به
[165]
إلى أمير المؤمنين و هو جالس على باب الرحبة و معه المسلمون فقال أمسك هذا الدرهم يا أمير المؤمنين قال ما شأن هذا الدرهم قال كان ثمن قميصك درهمين فقال باعني رضاي و أخذ رضاه .

و منه عن قميصة بن جابر قال : ما رأيت أزهد في الدنيا من علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

و نقلت من كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) و قد أمر بكنس بيت المال و رشه فقال يا صفراء غري غيري يا بيضاء غري غيري ثم تمثل شعرا :

هذا جناي و خياره فيه *** إذ كل جان يده إلى فيه

و منه قال ابن الأعرابي : إن عليا دخل السوق و هو أمير المؤمنين فاشترى قميصا بثلاثة دراهم و نصف فلبسه في السوق فطال أصابعه فقال للخياط قصه قال فقصه و قال الخياط أحوصه يا أمير المؤمنين قال لا و مشى و الدرة على
[166]
كتفه و هو يقول شرعك ما بلغك المحل شرعك ما بلغك المحل .

الحوص الخياطة و شرعك حسبك أي كفاك .

قال ابن طلحة : حقيقة العبادة هي الطاعة و كل من أطاع الله بامتثال الأوامر و اجتناب النواهي فهو عابد و لما كانت متعلقات الأوامر الصادرة من الله تعالى على لسان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) متنوعة كانت العبادة متنوعة فمنها الصلاة و منها الصدقة و منها الصيام إلى غيرها من الأنواع و في كل ذلك كان علي (عليه السلام) غاية لا تدرك و كان متحليا بها مقبلا عليها حتى أدرك بمسارعته إلى طاعة الله و رسوله ما فات غيره و قصر عنه سواه فإنه جمع بين الصلاة و الصدقة فتصدق و هو راكع في صلاته فجمع بينهما في وقت واحد فأنزل الله تعالى فيه قرآنا تتلى آياته و تجلى بيناته .

قال أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي في تفسيره يرفعه بسنده قال : بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل رجل متعمم بعمامة فجعل ابن عباس لا يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا قال الرجل قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ابن عباس سألتك بالله من أنت فكشف العمامة عن وجهه و قال يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بهاتين و إلا فصمتا و رأيته بهاتين و إلا فعميتا يقول عن علي إنه قائد البررة و قاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله أما إني صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما من الأيام الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا فرفع السائل يده إلى السماء و قال اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يعطني أحد شيئا و كان علي في الصلاة راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمنى و كان متختما فيها فأقبل السائل فأخذ الخاتم من خنصره و ذلك بمرأى من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو يصلي فلما فرغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من صلاته رفع رأسه إلى السماء و قال اللهم إن أخي موسى (عليه السلام) سألك فقال رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ
[167]
أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فأنزلت فيه قرآنا ناطقا سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا اللهم أنا محمد نبيك و صفيك فاشرح لي صدري و يسر لي أمري و اجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به أزري قال أبو ذر فما استتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلامه حتى نزل جبرئيل (عليه السلام) من عند الله عز و جل فقال يا محمد اقرأ فأنزل الله عليه إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ .

و قال الثعلبي عقيب هذه القصة سمعت أبا منصور الحمشادي يقول سمعت محمد بن عبد الله الحافظ يقول سمعت أبا الحسن علي بن الحسين يقول سمعت أبا حامد محمد بن هارون الحضرمي يقول سمعت محمد بن منصور الطوسي يقول سمعت أحمد بن حنبل يقول : ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و رضي عنهم من الفضائل ما جاء لعلي .

و في إيراده قول أحمد عقيب هذه القصة إشارة إلى أن هذه المنقبة العلية و هي الجمع بين هاتين العبادتين العظيمتين البدنية و المالية في وقت واحد حتى نزل القرآن الكريم بمدح القائم بهما المسارع إليهما قد اختص بها علي (عليه السلام) و انفرد بشرفها و لم يشاركه فيها أحد من الصحابة قبله و لا بعده .

أقول : صدقته بالخاتم في الصلاة أمر مجمع عليه لم يتفرد به الثعلبي رحمه الله و رحم الله ابن طلحة فإنه قد جعل ذكر الثعلبي ما ذكره من قول أحمد بن حنبل بعد هذه القصة دليلا على علو مقدارها و شاهدا بارتفاع منارها و غفل عما أورده فيها من فرح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بها و شدة أثرها في نفسه و تحريكها أريحيته
[168]
(صلى الله عليه وآله وسلم) حتى استدعت دعاءه لعلي (عليه السلام) لفرط سروره به و انفعال نفسه لفعله فإنها تشهد بعظم شأن هذه الفضيلة و القائم بها .

و من ذلك ما أورده الثعلبي و الواحدي و غيرهما من علماء التفسير : أن الأغنياء أكثروا مناجاة النبي ص و غلبوا الفقراء على المجالس عنده حتى كره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك و استطال جلوسهم و كثرة مناجاتهم فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ أَطْهَرُ فأمر بالصدقة أمام النجوى فأما أهل العسرة فلم يجدوا و أما الأغنياء فبخلوا و خف ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و خف ذلك الزحام و غلبوا على حبه و الرغبة في مناجاته حب الحطام و اشتد على أصحابه فنزلت الآية التي بعدها راشقة لهم بسهام الملام ناسخة بحكمها حيث أحجم من كان دأبه الإقدام و قال علي (عليه السلام) إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي و لا يعمل بها أحد بعدي و هي آية المناجاة فإنها لما نزلت كان لي دينار فبعته بدراهم و كنت إذا ناجيت الرسول تصدقت حتى فنيت فنسخت بقوله أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ... الآية .

و نقل الثعلبي قال : قال علي (عليه السلام) لما نزلت دعاني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ما ترى ترى دينارا فقلت لا يطيقونه قال فكم قلت حبة أو شعيرة فقال إنك لزهيد فنزلت أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ... الآية .

الزهيد القليل و كأنه يريد مقلل :

شعر :
إذا اشتبهت دموع في خدود *** تبين من بكى ممن تباكى

و قال ابن عمر : ثلاث كن لعلي لو أن لي واحدة منهن كانت أحب إلي من حمر النعم تزويجه بفاطمة و إعطاؤه الراية يوم خيبر و آية النجوى .

[169]
قلت : لو أن ابن عمر نظر في حقيقة أمره و عرف كنه قدره و راقب الله و العربية في سره و جهره لم يجعل فاطمة (عليها السلام) من أمانيه , و لكان يوجه أمله إلى غير ذلك من المناقب التي جمعها الله فيه ; و لكن عبد الله يرث الفظاظة و يقتضي طبعه الغلاظة فإنه غسل باطن عينيه في الوضوء حتى عمي ; و شك في قتال علي (عليه السلام) فقعد عنه و تخلف و ندم عند موته .

قال ابن عبد البر صاحب كتاب الاستيعاب قال : قال عبد الله بن عمر عند موته : ما أجد في نفسي من أمر الدنيا شيئا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب .

فأشكل عليه أمر علي (عليه السلام) و بايع معاوية و يزيد ابنه ; و حث ولده و أهله على لزوم طاعة يزيد و الاستمرار على بيعته , و قال : لا يكون أصعب من نقضها إلا الإشراك و من نقضها كانت صيلم بيني و بينه و ذلك حين قام الناس مع ابن الزبير و قد تقدم ذكر هذا و حاله حين جاء إلى الحجاج ليأخذ بيعته لعبد الملك معلوم و الحجاج قتله في آخر الأمر بأن دس عليه في رخام من جرح رجله بحربة مسمومة و الغرض في جمع هذا الكتاب غير هذا.

و روى الواحدي في تفسيره : أن عليا (عليه السلام) آجر نفسه ليلة إلى الصبح يسقي نخلا بشي‏ء من شعير فلما قبضه طحن ثلثه و اتخذوا منه طعاما فلما تم أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام و عملوا الثلث الثاني فأتاهم يتيم فأخرجوه إليه و عملوا الثلث الثالث فأتاهم أسير فأخرجوا الطعام إليه و طوى علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام و علم الله حسن مقصدهم و صدق نياتهم و أنهم إنما أرادوا بما فعلوه وجهه و طلبوا بما أتوه ما عنده و التمسوا الجزاء منه عز و جل فأنزل الله فيهم قرآنا و أولاهم من لدنه إحسانا و نشر لهم بين العالمين ديوانا و عوضهم عما بذلوا جنانا و حورا و ولدانا فقال وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً إلى آخرها و هذه منقبة لها عند الله محل كريم و جودهم بالطعام مع شدة الحاجة إليه أمر عظيم و لهذا تتابع فيها وعده سبحانه بفنون
[170]
الألطاف و ضروب الإنعام و الإسعاف و قيل إن الضمير في حبه يعود إلى الله تعالى و هو الظاهر و قيل إلى الطعام.

و اعلم أن أنواع العبادة كثيرة و هي متوقفة على قوة اليقين بالله تعالى و ما عنده و ما أعده لأوليائه في دار الجزاء و على شدة الخوف من الله تعالى و أليم عقابه نعوذ بالله منه .

و علي (عليه السلام) القائل : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا .

فشدة يقينه دالة على قوة دينه و رجاحة موازينه و قد تظاهرت الروايات أنه لم يكن نوع من أنواع العبادة و الزهد و الورع إلا و حظه منه وافر الأقسام و نصيبه منه تام بل زائد على التمام و ما اجتمع الأصحاب على خير إلا كانت له رتبة الأمام و لا ارتقوا قبة مجد إلا و له ذروة الغارب و قلة السنام و لا احتكموا في قصة شرف إلا و ألقوا إليه أزمة الأحكام .

و روى الحافظ أبو نعيم بسنده في حليته أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : يا علي إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها هي زينه الأبرار عند الله تعالى الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئا و لا ترزأ منك الدنيا شيئا .

أي لا تنقص منها و لا تنقص منك و ارتزأ الشي‏ء نقص .

و قد أورده صاحب كفاية الطالب أبسط من هذا قال : سمعت أبا مريم السلولي يقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول يا علي إن الله قد زينك بزينة لم يزين العباد بزينة أحب إلى الله منها الزهد في الدنيا و جعلك لا تنال من الدنيا شيئا و لا تنال الدنيا منك شيئا و وهب لك حب المساكين فرضوا بك إماما و رضيت بهم أتباعا فطوبى لمن أحبك و صدق فيك و ويل لمن أبغضك و كذب عليك فأما الذين أحبوك و صدقوا فيك فهم جيرانك في دارك و رفقاؤك في قصرك و أما الذين أبغضوك و كذبوا عليك فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم
[171]
القيامة و ذكره ابن مردويه في مناقبه .

فقد ثبت لعلي الزهد في الدنيا بشهادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له بذلك و لا يصح الزهد في الشي‏ء إلا بعد معرفته و العلم به و علي (عليه السلام) عرف الدنيا بعينها و تبرجت له فلم يحفل بزينتها لشينها و تحقق زوالها فعاف وصالها و تبين انتقالها فصرم حبالها و استبان قبح عواقبها و كدر مشاربها فألقى حبلها على غاربها و تركها لطالبها و تيقن بؤسها و ضررها فطلقها ثلاثا و هجرها و عصاها إذ أمرته فعصته إذ أمرها و علمت أنه ليس من رجالها و لا من ذوي الرغبة في جاهها و مالها و لا ممن تقوده في حبالها و تورده موارد وبالها فصاحبته هدنة على دخن و ابتلته بأنواع المحن و جرت في معاداته على سنن و غالته بعده في ابنيه الحسين و الحسن و هو (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يزداد على شدة اللأواء إلا صبرا و على تظاهر الأعداء إلا حمدا لله و شكرا مستمرا في ذات الله شديدا على أعداء الله و أوفى بأولياء الله شاكرا لآلاء الله مستمرا على طريقة لا يغيرها جاريا على وتيرة لا يبدلها آخذا بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يحول عنها مقتفيا لآثاره لا يفارقها واطيا لعقبه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يجاوزها حتى نقله الله إلى جواره و اختار له دارا خيرا من داره فمضى (صلى الله عليه وآله وسلم) محمود الأثر مشكور الورد و الصدر مستبدلا بدار الصفا من دار الكدر قد لقي محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بوجه لم يشوهه التبديل و قلب لم تزدهه الأباطيل .

قال علي (عليه السلام)
[172]
يوما و قد أحدق به الناس : أحذركم الدنيا فإنها منزل قلعة و ليست بدار نجعة هانت على ربها فخلط شرها بخيرها و حلوها بمرها لم يصفها لأوليائه و لم يضن بها على أعدائه و هي دار ممر لا دار مستقر و الناس فيها رجلان رجل باع نفسه فأوبقها و رجل ابتاع نفسه فأعتقها إن اعذوذب منها جانب فجلا أمر منها جانب فأوبى أولها عناء و آخرها فناء من استغنى فيها فتن و من افتقر فيها حزن و من ساعاها فاتته و من قعد عنها أتته و من أبصرها بصرته و من أبصر إليها أعمته فالإنسان فيها غرض المنايا مع كل جرعة شرق و مع كل أكلة غصص لا ينال منها نعمة إلا بفراق أخرى .

و كلامه (عليه السلام) في الدنيا و صفتها و التنبيه على أحوالها و معرفتها و كثرة خدعها و مكرها و تنوع إفسادها و غرها و إيلامها بنيها و ضرها كثير جدا و هو موجود في تضاعيف الكتب و في نهج البلاغة فيستغنى بما هناك عن ذكرها هنا لئلا
[173]
يخرج من غرض الكتاب .

و لما علمه من حال الدنيا رفضها و تركها و ترفع عنها و فركها و عاملها معاملة من لم يدركها حين أدركها و خاف على نفسه التورط في مهاويها فما انتهجها و لا سلكها و خشي أن تملكه بزخارفها فلم يحفل بها لما ملكها و احترز من آلامها و آثامها و خلص من أمراضها و أسقامها و عرفها تعريف خبير بحدها و رسمها و أنزلها على حكمه و لم ينزل على حكمها فصار زهده مسألة إجماع لا شك فيه و لا إنكار و ورعه مما اشتهر في النواحي و الأقطار و عبادته و نزاهته مما أطبق عليه علماء الأمصار و هو الذي فرق بيت المال على مستحقيه و قال :

هذا جناي و خياره فيه *** إذ كل جان يده إلى فيه

و كان يرشه و يصلي فيه رجاء أن يشهد له يوم القيامة .

قال هارون بن عنترة قال حدثني أبي قال : دخلت على علي بن أبي طالب (عليه السلام) بالخورنق و هو يرعد تحت سمل قطيفة فقلت يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قد جعل لك و لأهل بيتك في هذا المال ما يعم و أنت تصنع بنفسك ما تصنع فقال و الله ما أرزأكم من أموالكم شيئا و إن هذه لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي [منزلنا] من المدينة ما عندي غيرها .

السمل الخلق من الثياب يقال ثوب أسمال كما قالوا رمح أقصاد و القطيفة ما له خمل.

و من هذا أن سودة بنت عمارة الهمدانية دخلت على معاوية بعد موت علي فجعل يؤنبها على تحريضها عليه أيام صفين و آل أمره إلى أن قال ما حاجتك قالت إن الله مسائلك عن أمرنا و ما افترض عليك من حقنا و لا يزال يقدم علينا من قبلك من يسمو بمكانك و يبطش بقوة سلطانك فيحصدنا حصيد السنبل و
[174]
يدوسنا دوس الحرمل يسومنا الخسف و يذيقنا الحتف هذا بسر بن أرطاة قدم علينا فقتل رجالنا و أخذ أموالنا و لو لا الطاعة لكان فينا عز و منعة فإن عزلته عنا شكرناك و إلا كفرناك .

فقال معاوية : إياي تهددين بقومك يا سودة لقد هممت أن أحملك على قتب أشوس فأردك إليه فينفذ فيك حكمه .

فأطرقت سودة ساعة ثم قالت :

صلى الإله على روح تضمنها *** قبر فأصبح فيه العدل مدفونا

قد حالف الحق لا يبغي به بدلا *** فصار بالحق و الإيمان مقرونا

فقال معاوية من هذا يا سودة ?

قالت : و الله هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و الله لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا فصادفته قائما يصلي فلما رآني انفتل من صلاته ثم أقبل علي برحمة و رفق و رأفة و تعطف , و قال : أ لك حاجة ?

قلت : نعم , فأخبرته الخبر .

فبكى , ثم قال : اللهم أنت الشاهد علي و عليهم و أني لم آمرهم بظلم خلقك و لا بترك حقك .

ثم أخرج قطعة جلد فكتب فيها :

بسم الله الرحمن الرحيم قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل و الميزان و لا تبخسوا الناس أشياءهم و لا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلكم خير لكم إن كنتم مؤمنين ; فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك و السلام .

ثم دفع الرقعة إلي فو الله ما ختمها بطين و لا خذمها فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنا معزولا .

فقال معاوية : اكتبوا لها كما تريد و اصرفوها إلى بلدها غير شاكية.

و كم له (صلى الله عليه وآله وسلم) من الآثار و الأخبار و المناقب التي لا تستر أو يستر وجه النهار و السيرة التي هي عنوان السير و المفاخر التي يتعلم منها من فخر و المآثر التي
[175]
تعجز من بقي كما أعجزت من غبر.

و خرج (عليه السلام) يوما و عليه إزار مرقوع فعوتب عليه فقال يخشع القلب بلبسه و يقتدي بي المؤمن إذا رآه علي.

و اشترى (عليه السلام) يوما ثوبين غليظين فخير قنبرا فيهما فأخذ واحدا فلبس هو الآخر و رأى في كمه طولا عن أصابعه فقطعه .

و خرج يوما إلى السوق و معه سيفه ليبيعه فقال : من يشترى مني هذا السيف فو الذي فلق الحبة لطال ما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لو كان عندي ثمن إزار لما بعته .

و كان (عليه السلام) قد ولى على عكبرا رجلا من ثقيف قال قال لي علي (عليه السلام) إذا صليت الظهر غدا فعد إلي فعدت إليه في الوقت المعين فلم أجد عنده حاجبا يحبسني دونه فوجدته جالسا و عنده قدح و كوز ماء فدعا بوعاء مشدود مختوم فقلت في نفسي قد أمنني حتى يخرج إلي جوهرا فكسر الختم و حله فإذا فيه سويق فأخرج منه فصبه في القدح و صب عليه ماء فشرب و سقاني فلم أصبر فقلت له يا أمير المؤمنين أ تصنع هذا في العراق و طعامه كما ترى في كثرته فقال أما و الله ما أختم عليه بخلا به و لكني أبتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن ينقص فيوضع فيه من غيره و أنا أكره أن أدخل بطني إلا طيبا فلذلك أحترز عليه كما ترى فإياك و تناول ما لا تعلم حله .

و من ذلك ما حكاه عنه مجاهد قال : قال لي علي جعت يوما بالمدينة جوعا شديدا فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فظننتها تريد بله فأتيتها فقاطعتها عليه كل ذنوب على تمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي ثم أتيت الماء فأصبت منه ثم أتيتها فقلت بكفي هكذا بين يديها و بسط
[176]
الراوي كفيه و جمعها فعدت لي ستة عشرة تمرة فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرته فأكل معي منها .

الذنوب الدلو الملأى ماء و مجلت يده تمجل مجلا إذا تنفطت من العمل و مجلت بالكسر مجلا و أمجل العمل يده .

و من ذلك : أنه أتي بزقاق فيها عسل من اليمن و نزل بالحسن (عليه السلام) ضيف فاشترى خبزا و طلب من قنبر أدما ففتح زقا و أعطاه منه رطلا فلما قعد (عليه السلام) ليقسمها قال يا قنبر قد حدث في هذا الزق حدث قال صدقت يا أمير المؤمنين و أخبره فغضب و قال علي به فلما حضر هم بضربه فأقسم عليه بعمه جعفر و كان (عليه السلام) إذا أقسم به عليه سكن فقال ما حملك على أن أخذت قبل القسمة قال إن لنا فيه حقا فإذا أعطيتنا رددناه قال لا يجوز أن تنتفع بحقك قبل انتفاع الناس لو لا أني رأيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقبل ثنيتك لأوجعتك ضربا ثم دفع إلى قنبر درهما و قال اشتر به من أجود عسل يوجد قال الراوي فكأني أنظر إلى يد علي على فم الزق و قنبر يقلب العسل فيه ثم شده بيده و هو يبكي و يقول اللهم اغفرها للحسن فإنه لم يعلم .

فأعجب بهذه المكارم و الأفعال و القضايا التي هي غرر في جبهات الأيام و الزهادة التي فاق بها جميع الأنام و الورع الذي حمله على ترك الحلال فضلا عن الحرام و العبادة التي أوصلته إلى مقام وقف دونه كل الأقوام .

مناقب لجت في علو كأنها *** تحاول نارا عند بعض الكواكب

‏محاسن من مجد متى يقرنوا بها *** محاسن أقوام تعد كالمعايب

و لما ألزم نفسه الشريفة تحمل هذه المتاعب و قادها إلى أتباعه فانقادت انقياد الجنائب و ملكها حتى صاحب منها أكرم عشير و خير مصاحب و استشارها ليختبرها فلم تنه إلا عن منكر و لا أمرت إلا بواجب صار له ذلك طبعا و سجية و انضم عليه ظاهرا و نية و أعمل فيه عزيمة كهمته قوية و استوى في السعي لبلوغ غاياته علانية و طوية فما تحرك حركته إلا بفكر و في تحصيل أجر و في تخليد
[177]
ذكر لا لطلب فخر و إعلاء قدر بل لامتثال أمر و طاعة في سر و جهر فلذلك شكر الله سعيه حين سعى و عمه بألطافه العميمة و رعى و أجاب دعاءه لما دعا و جعل أذنه السميعة الواعية فسمع و وعى فأسأل الله بكرمه أن يحشرني و محبيه و إياه معا .

قال الواحدي في تفسيره يرفعه بسنده إلى ابن عباس قال : إن علي بن أبي طالب كان يملك أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا و بدرهم نهارا و بدرهم سرا و بدرهم علانية فأنزل الله سبحانه فيه الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ .

أنشدني بعض العلويين لبعض الأصحاب :

عتبت إلى الدنيا و قلت إلى متى *** أكابد عسرا ضره ليس ينجلي

‏أ كل شريف من علي جدوده *** حرام عليه الرزق غير محلل

‏فقالت نعم يا ابن الحسين رميتكم *** بسهمي عنادا حين طلقني علي
في شجاعته و نجدته و تورطه المهالك في الله و رسوله و شراء نفسه ابتغاء مرضاة الله تعالى
قال الخوارزمي في مناقبه يرفعه إلى ابن عباس , قال : كان جالسا إذ أتاه تسعة رهط فقالوا يا ابن عباس إما أن تقوم معنا أو تخلو بنا فقال بل أقوم معكم و كان إذ ذاك صحيحا قبل أن يعمى فتحدثوا فلا ندري ما قالوا فجاء ينفض ثوبه و يقول أف و تف وقعوا في رجل له بضع عشرة فضيلة ليست لأحد غيره وقعوا في رجل قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله فاستشرف لها مستشرف فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أين علي الحديث إلى آخره و قد تقدم و بعث أبا بكر بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها منه و قال لا
[178]
يذهب بها إلا رجل هو مني و أنا منه و قد تقدم و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لبني عمه أيكم يواليني في الدنيا و الآخرة يقولها مرتين أو ثلاثا و هم سكوت و علي يقول أنا فقال لعلي أنت وليي في الدنيا و الآخرة و قد تقدم أيضا قال ابن عباس و كان علي أول من آمن من الناس بعد خديجة (عليه السلام) و قد ذكر قال و وضع ثوبه على علي و فاطمة و الحسن و الحسين و قال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال ابن عباس و شرى علي ع نفسه فلبس ثوب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم نام مكانه فجاء أبو بكر و هو يظنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار قال و بات علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله و هو يتضور و قد لف رأسه بالثوب لا يخرجه حتى أصبح ثم كشف رأسه فقالوا إنك لئيم كان صاحبك لا يتضور و نحن نرميه و أنت تتضور و قد استنكرنا ذلك قال ابن عباس و خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك فقال علي أخرج معك فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا فبكى علي فقال له أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه ليس بعدي نبي لا ينبغي أن أذهب إلا و أنت خليفتي قال و قال له أنت ولي كل مؤمن بعدي و مؤمنة قال ابن عباس و سد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبواب المسجد غير باب علي و كان يدخل المسجد جنبا و هو طريقه ليس له طريق غيره قال و قال من كنت مولاه فإن مولاه علي .

و هذا الحديث بطوله ذكر آنفا و ذكره في غير هذا الباب أنسب و لكن جرى القلم.

و أما شجاعة أمير المؤمنين و بأسه و مصادمته الأقران و مراسه و ثبات جأشه حيث تزلزل الأقدام و شدة صبره حين تطير فراخ الهام و سطوته و قلوب الشجعان
[179]
واجفة و استقراره و أقدام الأبطال راجفة و نجدته عند انخلاع القلوب من الصدر و بسالته و رحى الحرب تدور و الدماء تفور و نجوم الأسنة تطلع و تغور و حماسته و الموت قد كسر عن نابه و سماحته بنفسه و الجبان قد انقلب على أعقابه و كشفه الكرب عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد فر من فر من أصحابه و بذله روحه العزيزة رجاء ما أعد الله من ثوابه فهي أمر قد اشتهر و حال قد بان و ظهر و شاع فعرفه من بقي و من غبر و تضمنته الأخبار و السير فاستوى في العلم به البعيد و القريب و اتفق على الإقرار به البغيض و الحبيب و صدق به عند ذكره الأجنبي و النسيب فارس الإسلام و أسده و باني ركن الإيمان و مشيده طلاع الأنجد و الأغوار مفرق جموع الكفار حاصد خضرائهم بذي الفقار و مخرجهم من ديارهم إلى المفاوز و القفار مضيف الطير و السباع يوم الملحمة و القراع سيف الله الماضي و نائبه المتقاضي و آيته الواضحة و بينته اللائحة و حجته الصادعة و رحمته الجامعة و نعمته الواسعة و نقمته الوازعة قد شهدت بدر بمقامه و كانت حنين من بعض أيامه و سل أحدا عن فعل قناته و حسامه و يوم خيبر إذ فتح الله على يديه و الخندق إذ خر عمرو لفمه و يديه و هذه جمل لها تفصيل و بيان و مقامات رضي بها الرحمن و مواطن هدت الشرك و زلزلته و حملته على حكم الصغار و أنزلته و مواقف كان فيها جبرئيل يساعده و ميكائيل يوازره و يعاضده و الله يمده بعناياته و الرسول يتبعه بصالح دعواته و قلب الإسلام يرجف عليه و أمداد التأييد تصل إليه .

نقلت من مسند أحمد بن حنبل (رهـ) عن هبيرة قال خطبنا الحسن بن علي (عليه السلام) فقال : لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم و لم يدركه الآخرون بعمل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يبعثه بالراية جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن شماله لا ينصرف حتى يفتح له .

و من حديث آخر من المسند بمعناه و في آخره : و ما ترك من صفراء و لا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه كان يرصدها لخادم لأهله و في رواية من غير المسند إلا ثلاثمائة درهم بمعناه .

[180]
و نقل الواحدي في أسباب نزول قوله تعالى ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أن مولاة لعمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف قدمت من مكة إلى المدينة و رسول الله يتجهز لقصد فتح مكة فلما حضرت عنده قال أ جئت مسلمة قالت لا قال فما جاء بك قالت أنتم الأهل و العشيرة و الموالي و قد احتجت حاجة عظيمة فحث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على صلتها و كسوتها فأعطوها و كسوها و انصرفت فنزل جبرئيل فأخبره أن حاطب بن أبي بلتعة قد كتب إلى أهل مكة يحذرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنه دفع الكتاب إلى المذكورة و أعطاها عشرة دنانير لتوصل الكتاب إلى أهل مكة فاختار عليا و بعث معه الزبير و المقداد و قال انطلقوا إلى روضة خاخ فإن بها ظعينة و معها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها و خلوا سبيلها فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها فخرجوا و أدركوها في المكان فطلبوا الكتاب فأنكرته و حلفت ففتشوا متاعها فلم يجدوا كتابا فهموا بتركها و الرجوع فقال علي (عليه السلام) و الله ما كذبنا و سل سيفه و جزم عليها و قال أخرجي الكتاب و إلا جرتك و ضربت عنقك و صمم على ذلك فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها فأخذه و خلى سبيلها و عادوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستخرجه علي بقوة عزمه و تصميم إقدامه و جزمه .

و نقل الواحدي في كتابه هذا : أن عليا و العباس و طلحة بن شيبة افتخروا فقال طلحة أنا صاحب البيت بيدي مفتاحه و قال العباس أنا صاحب السقاية و القائم عليها و قال علي (عليه السلام) ما أدري ما تقولان لقد صليت ستة أشهر قبل الناس و أنا صاحب الجهاد فأنزل الله تعالى أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ إلى أن
[181]
قال الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ إلى قوله أَجْرٌ عَظِيمٌ .

فصدق الله عليا في دعواه و شهد له بالإيمان و المهاجرة و الجهاد و زكاه و رفع قدره بما أنزل فيه و أعلاه و كم له من المزايا التي لم يبلغها أحد سواه .

فأما مواقف جهاده و مواطن جده و اجتهاده و مقامات جداله بألسنة الأسنة و جلاده فمنها ما كان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و منها ما تولاه على انفراده فمن ذلك ما كان على رأس ثمانية عشر شهرا من قدومه المدينة و عمره إذ ذاك سبعة و عشرون سنة .
غزوة بدر
التي هدت قوى الشرك و قذفت طواغيته في قليب الهلك و بينت الفرق بين الحق و الإفك و دوخت مردة الكفار و سقتهم كاسات الدمار و البوار و نقلتهم من القليب إلى النار فيومها اليوم الذي لم يأت الدهر بمثله و فضل الله فيه من أحسن فضله أنزل الله فيه الملائكة لنصر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) تفضيلا له على جميع رسله و خصه فيه من إعلاء قدره بما لم ينله أحد من قبله و غادر صناديد قريش فرائس أسره و قتله و جزر شبا سنانه و حد نصله و جبرئيل ينادي أقدم حيزوم لإظهار دينه على الدين كله و علي فارس تلك الملحمة فما تعد الأسد الغضاب بشسع نعله و مسعر تلك الحرب العوان ينصب على الأعداء انصباب السحاب و وبله و نار سطوته و بأسه تتسعر تسعر النار في دقيق الغضا و جزله.

قال الواقدي في كتاب المغازي : جميع من يحصى قتله من المشركين ببدر تسعة و أربعون رجلا منهم من قتله علي و شرك في قتله اثنان و عشرون رجلا شرك
[182]
في أربعة و قتل بانفراده ثمانية عشر و قيل إنه قتل بانفراده تسعة بغير خلاف و هم الوليد بن عتبة بن ربيعة خال معاوية قتله مبارزة و العاص بن سعيد بن العاص بن أمية و عامر بن عبد الله و نوفل بن خويلد بن أسد و كان من شياطين قريش و مسعود بن أبي أمية بن المغيرة و قيس بن الفاكه و عبد الله بن المنذر بن أبي دفاعة و العاص بن منبه بن الحجاج و حاجب بن السائب و أما الذين شاركه في قتلهم غيره فهم حنظلة بن أبي سفيان أخو معاوية و عبيدة بن الحارث و زمعة و عقيل ابنا الأسود بن المطلب و أما الذين اختلف الناقلون في أنه (عليه السلام) قتلهم أو غيره فهم طعيمة بن عدي و عمير بن عثمان بن عمرو و حرملة بن عمرو و أبو قيس بن الوليد بن المغيرة و أبو العباس بن قيس و أوس الجمحي و عقبة بن أبي معيط صبرا و معاوية بن عامر فهذه عدة من قيل إنه قتلهم (عليه السلام) في هذه الرواية غير النضر بن الحارث فإنه قتله صبرا بعد القفول من بدر هذا من طرق الجمهور.

فأما المفيد فقد ذكر في كتابه الإرشاد قال :

فصل : فمن ذلك ما كان منه (عليه السلام) في غزوة بدر المذكورة في القرآن و هي أول حرب كان به الامتحان و ملأت رهبتها صدور المعدودين من المسلمين في الشجعان و راموا التأخر عنه لخوفهم منها و كراهتهم لها على ما جاء بمحكم الذكر في البيان حيث يقول جل اسمه فيما قص من نبئهم على الشرح له و البيان كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ في الآي المتصل بذلك إلى قوله عز اسمه وَ لا
[183]
تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَ رِئاءَ النَّاسِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ .

و كان من جملة خبر هذه الغزاة أن المشركين حضروا بدرا مصرين على القتال مستظهرين بكثرة الأموال و العدد و الرجال و المسلمون إذ ذاك نفر قليل عددهم و منهم من حضر كارها فتحدتهم قريش بالبراز و دعتهم إلى المصافة و النزال و اقترحت الأكفاء و تطاولت الأبصار لمبارزتهم فمنعهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال لهم إن القوم دعوا الأكفاء منهم ثم أمر عليا بالبروز إليهم و دعا حمزة بن عبد المطلب و عبيدة بن الحارث رحمهما الله تعالى و أمرهما أن يبرزا معه فلما اصطفوا لم يثبتهم القوم لأنهم كانوا قد تغفروا فسألوهم من أنتم فانتسبوا لهم فقالوا أكفاء كرام و نشبت الحرب بينهم و بارز الوليد أمير المؤمنين (عليه السلام) فلم يلبثه أن قتله و بارز عتبة حمزة رضي الله عنه فقتله حمزة و بارز شيبة عبيدة فاختلف بينهما ضربتان قطعت إحداهما فخذ عبيدة فاستنقذه أمير المؤمنين (عليه السلام) بضربة بدر بها شيبة فقتله و شركه في ذلك حمزة. فكان قتل هؤلاء الثلاثة أول وهن لحق المشركين و ذل دخل عليهم ثم بارز أمير المؤمنين (عليه السلام) العاص بن سعيد بن العاص بعد أن أحجم عنه الناس فقتله و برز إليه حنظلة بن أبي سفيان فقتله و طعيمة بن عدي فقتله و قتل بعده نوفل بن خويلد و كان من شياطين قريش و لم يزل (عليه السلام) يقتل واحدا بعد واحد حتى أتى على شطر المقتولين منهم و كانوا سبعين قتيلا تولى المسلمون كافة و الملائكة قتل الشطر الأول و تولى أمير المؤمنين الشطر الثاني وحده بمعونة الله إياه و توفيقه له و كان الفتح له و بيديه و ختم الأمر بأن رماهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكف من الحصاة و قال شاهت الوجوه فانهزموا جميعا و ولوا الدبر و كفى الله المؤمنين القتال بأمير المؤمنين (عليه السلام) و شركائه في نصرة الدين من خاصة آل الرسول (عليه السلام) و من أيدهم به من الملائكة الكرام و التحية و السلام .

[184]
فصل
و قد أثبت رواة العامة و الخاصة معا أسماء الذين تولى أمير المؤمنين (عليه السلام) قتلهم ببدر من المشركين على اتفاق فيما نقلوه من ذلك و اصطلاح فكان ممن سموه الوليد بن عتبة كما قدمنا و كان شجاعا جريئا فاتكا وقاحا تهابه الرجال و العاص بن سعيد و كان هولا عظيما و حاد عنه عمر بن الخطاب و طعيمة بن عدي بن نوفل و كان من رءوس أهل الضلال و نوفل بن خويلد و كان من أشد المشركين عداوة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كانت قريش تقدمه و تعظمه و تطيعه و هو الذي قرن أبا بكر بطلحة قبل الهجرة بمكة و أوثقهما بحبل و عذبهما يوما إلى الليل حتى سئل في أمرهما و لما عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حضوره بدرا سأل الله تعالى أن يكفيه أمره فقال اللهم اكفني أمر نوفل بن خويلد فقتله أمير المؤمنين و زمعة بن الأسود و الحارث بن زمعة و النضر بن الحارث بن عبد الدار و عمير بن عثمان بن كعب بن تيم عم طلحة بن عبيد الله و عثمان و مالك ابنا عبيد الله أخوا طلحة بن عبيد الله و مسعود بن أبي أمية بن المغيرة و قيس بن الفاكه بن المغيرة و حذيفة بن أبي حذيفة بن المغيرة و أبو قيس بن الوليد بن المغيرة و حنظلة بن أبي سفيان و عمرو بن مخزوم و أبو المنذر بن أبي رفاعة و منبه بن الحجاج السهمي و العاص بن منبه و علقمة بن كلدة و أبو العاص بن قيس بن عدي و معاوية بن المغيرة بن أبي العاص و لوذان بن أبي ربيعة و عبد الله بن المنذر بن أبي رفاعة و مسعود بن أمية بن المغيرة و حاجب بن السائب بن عويم و أوس بن المغيرة بن لوذان و زيد بن مليص و عاصم بن أبي عوف و سعيد بن وهب حليف بني عامر و معاوية بن عامر بن عبد القيس و عبد الله بن جميل بن زهير بن الحرث بن أسد و السائب بن مالك و أبو الحكم بن الأخنس و هشام بن أبي أمية بن المغيرة.

فذلك ستة و ثلاثون رجلا سوى من اختلف فيه أو شرك أمير المؤمنين فيه
[185]
غيره و هم أكثر من شطر المقتولين ببدر على ما قدمناه.

قلت و على اختلاف المذهبين في تعيين عدة المقتولين فقد اتفقا على أن أمير المؤمنين قتل النصف ممن قتل ببدر أو قريبا منه و ما أجدره (عليه السلام) بقول القائل :

لك خلتان مسالما و محاربا *** كفلا الثناء لسيفك المخضوب

‏فرقت ما بين الذوائب و الطلى *** و جمعت ما بين الطلا و الذئب

قال المفيد رحمه الله :

فصل :

فمن مختصر الأخبار التي قد جاءت بشرح ما أثبتناه .

ما رواه شعبة عن أبي إسحاق عن حارث بن مضرب قال : سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول لقد حضرنا بدرا و ما فينا فارس إلا المقداد بن الأسود و لقد رأينا ليلة بدر و ما فينا إلا من نام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه كان منتصبا في أصل شجرة يصلي و يدعو حتى الصباح .

و روي عن أبي رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : لما أصبح الناس يوم بدر اصطفت قريش أمامها عتبة بن ربيعة و أخوه شيبة و ابنه الوليد فنادى عتبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش فبدر إليهم ثلاثة من شبان الأنصار فقال لهم عتبة من أنتم فانتسبوا لهم فقالوا لا حاجة بنا إلى مبارزتكم إنما طلبنا بني عمنا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) للأنصار ارجعوا إلى مواقفكم ثم قال قم يا علي قم يا حمزة قم يا عبيدة قاتلوا على حقكم الذي بعث الله به نبيكم إذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور الله فقاموا فصفوا للقوم و كان عليهم البيض فلم يعرفوا فقال لهم عتبة تكلموا فإن كنتم أكفاءنا قاتلناكم فقال حمزة أنا حمزة بن عبد المطلب أسد الله و أسد رسوله فقال عتبة كفو كريم و قال أمير المؤمنين أنا علي بن أبي طالب و قال عبيدة أنا عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب فقال عتبة لابنه الوليد قم يا وليد فبرز إليه أمير المؤمنين و كانا إذ ذاك أصغري الجماعة سنا فاختلفا
[186]
ضربتين فأخطأت ضربة الوليد و اتقى بيده اليسرى ضربة أمير المؤمنين فأبانتها.

فروي : أنه كان يذكر بدرا و قتله الوليد فقال في حديثه كأني أنظر إلى وميض خاتمه في شماله ثم ضربته أخرى فصرعته و سلبته فرأيت به ردعا من خلوق فعلمت أنه قريب عهد بعرس و بارز عتبة حمزة فقتله حمزة و مشى عبيدة و كان أسن القوم إلى شيبة فاختلفا ضربتين فأصاب ذباب سيف شيبة عضلة ساق عبيدة فقطعها و استنقذه أمير المؤمنين و حمزة منه و قتلا شيبة و حمل عبيدة من مكانه فمات بالصفراء .

قال علي (عليه السلام) : لقد عجبت يوم بدر من جرأة القوم و قد قتلنا عتبة و الوليد و شيبة إذ أقبل إلي حنظلة بن أبي سفيان فلما دنا مني ضربته ضربة بالسيف فسالت عيناه و لزم الأرض قتيلا .

و قيل : مر عثمان بن عفان بسعيد بن العاص و قال انطلق بنا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نتحدث عنده فانطلقا فصار عثمان إلى مجلس الذي يشبهه و ملت أنا في ناحية القوم فنظر إلي عمر و قال ما لي أراك كأن في نفسك علي شيئا أ تظن أني قتلت أباك و الله لوددت أني كنت قاتله و لو قتلته لم أعتذر من قتل كافر لكني مررت به يوم بدر فرأيته يبحث للقتال كما يبحث الثور بقرنه فإذا شدقاه قد أزبدا كالوزغ فهبته و رعت عنه فقال إلى أين يا ابن الخطاب و صمد له علي فتناوله فما رمت من مكاني حتى قتله و كان أمير المؤمنين في المجلس فقال .

اللهم غفرا ذهب الشرك بما فيه و محا الإسلام ما تقدم فما لك تهيج
[187]
الناس علي ?

فكف عمر و قال سعيد أما إنه ما كان يسرني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمه علي بن أبي طالب و أخذوا في حديث آخر .

و أقبل علي يوم بدر نحو طعيمة بن عدي بن نوفل فشجره بالرمح و قال له و الله لا تخاصمنا في الله بعد اليوم أبدا.

و روي عن الزهري : أنه لما عرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حضور نوفل بن خويلد بدرا قال اللهم اكفني نوفلا فلما انكشفت قريش رآه علي (عليه السلام) و قد تحير لا يدري ما يصنع فصمد له ثم ضربه بالسيف فنشب في بيضته فانتزعه ثم ضرب به ساقه و كانت درعه مشمرة فقطعها ثم أجهز عليه فقتله فلما عاد إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سمعه يقول من له علم بنوفل قال أنا قتلته يا رسول الله فكبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه .
غزوة أحد
كانت في شوال و لم يبلغ أمير المؤمنين من عمره تسعا و عشرين سنة و سببها أن قريشا لما كسروا يوم بدر و قتل بعضهم و أسر بعضهم حزنوا لقتل رؤسائهم فتجمعوا و بذلوا أموالا و استمالوا جمعا من الأحابيش و غيرهم ليقصدوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) بالمدينة لاستئصال المؤمنين و تولى كسر ذلك أبو سفيان بن حرب فحشد و حشر و قصد المدينة فخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمسلمين فكانت غزوة أحد و نفق النفاق بين جماعة من الذين خرجوا مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتعاملوا به و أنساهم القضاء المبرم سوء العاقبة و المال فرجع قريب من ثلثهم إلى المدينة و بقي (صلى الله عليه وآله وسلم) في سبعمائة من المسلمين
[188]
و هذه القصة قد ذكرها الله تعالى في سورة آل عمران في قوله تعالى وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ... إلى آخر ستين آية و اشتدت الحرب و دارت رحاها و اضطرب المسلمون و استشهد حمزة رضي الله عنه و جماعة من المسلمين و قتل من مقاتلة المشركين اثنان و عشرون قتيلا.

نقل أرباب المغازي : أن عليا قتل منهم سبعة طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى و عبد الله بن جميل من بني عبد الدار و أبا الحكم بن الأخنس و أبا سباع بن عبد العزى و أبا أمية بن المغيرة و هؤلاء الخمسة متفق على أنه (عليه السلام) قتلهم و أبا سعد طلحة بن طلحة و غلاما حبشيا لبني عبد الدار قيل استقل بقتلهما و قيل قتلهما غيره و عاد أبو سفيان بمن معه من المشركين طالبين مكة .

و دخل النبي المدينة فدفع سيفه ذا الفقار إلى فاطمة (عليها السلام) فقال اغسلي عن هذا دمه يا بنية فو الله لقد صدقني اليوم و ناولها علي سيفه و قال لها كذلك .

قال الواقدي في كتاب المغازي : إنه لما فر الناس يوم أحد ما زال النبي ص شبرا واحدا يرمي مرة عن قوسه و مرة بالحجارة و صبر معه أربعة عشر رجلا سبعة من المهاجرين و سبعة من الأنصار أبو بكر و عبد الرحمن بن عوف و علي بن أبي طالب و سعد بن أبي وقاص و طلحة بن عبيد الله و أبو عبيدة بن الجراح و زبير بن العوام و من الأنصار الحباب بن المنذر و أبو دجانة و عاصم بن ثابت و الحارث بن الصمة و سهل بن حنيف و أسيد بن حضير و سعد بن معاذ و يقال ثبت سعد بن عبادة و محمد بن مسلمة فيجعلونهما مكان أسيد بن حضير و سعد بن معاذ و بايعه يومئذ ثمانية على الموت ثلاثة من المهاجرين و خمسة من الأنصار علي (عليه السلام) و الزبير و طلحة و أبو دجانة و الحارث بن الصمة و حباب بن المنذر و عاصم بن ثابت و سهل بن حنيف فلم يقتل منهم أحد.

و أصيبت يومئذ عين قتادة بن النعمان حتى وقعت على وجنته قال فجئت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن تحتي امرأة شابة جميلة أحبها و تحبني و أنا أخشى أن تقذر مكان عيني فأخذها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فردها فأبصرت و عادت كما كانت لم
[189]
تؤلمه ساعة من ليل أو نهار فكان يقول بعد أن أسن هي أقوى عيني و كانت أحسنهما.

و باشر النبي القتال بنفسه و رمى حتى فنيت نبله و أصاب شفته و رباعيته عتبة بن أبي وقاص و وقع (صلى الله عليه وآله وسلم) في حفرة و ضربه ابن قميئة فلم يصنع سيفه شيئا إلا وهن الضربة بثقل السيف و انتهض و طلحة يحمله من ورائه و علي آخذ بيده حتى استوى قائما.

و عن أبي بشير المازني قال : حضرت يوم أحد و أنا غلام فرأيت ابن قميئة علا رسول الله بالسيف فوقع على ركبتيه في حفرة أمامه حتى توارى فجعلت أصيح و أنا غلام حتى رأيت الناس ثابوا إليه و يقال الذي شجه في جبهته ابن شهاب و الذي أشظى رباعيته و أدمى شفته عتبة بن أبي وقاص و الذي دمي وجنتيه حتى غاب الحلق في وجنته ابن قميئة و سال الدم من جبهته حتى اخضلت لحيته و كان سالم مولى أبي حذيفة يغسل الدم عن وجهه و هو يقول كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم و هو يدعوهم إلى الله فأنزل الله لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْ‏ءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ... الآية.

و ذكر أحمد بن حنبل (رهـ) في مسنده عن أبي حازم عن سهل بأي شي‏ء دووي جرح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : كان علي يجي‏ء بالماء في ترسه و فاطمة تغسل الدم عن وجهه و أخذ حصيرا فأحرق و حشى به جرحه و رأى سيف علي مختضبا و قال إن كنت أحسنت القتال فقد أحسن عاصم بن ثابت و الحارث بن الصمة و سهل بن حنيف و سيف أبي دجانة غير مذموم قال علي لقد رأيتني يومئذ و إني
[190]
لأذبهم في ناحية و إن أبا دجانة في ناحية يذب طائفة منهم و إن سعد بن أبي وقاص يذب طائفة منهم حتى فرج الله ذلك كله و لقد رأيتني و انفردت يومئذ منهم فرقة خشناء فيها عكرمة بن أبي جهل فدخلت وسطهم بالسيف فضربت به و اشتملوا علي حتى أفضيت إلى آخرهم ثم كررت فيهم الثانية حتى رجعت من حيث جئت و لكن الأجل استأخر و يقضي الله أمرا كان مفعولا.

و خرج عبد الرحمن بن أبي بكر على فرس فقال من يبارز أنا عبد الرحمن بن عتيق فنهض أبو بكر و شهر سيفه و قال يا رسول الله أبارزه فقال رسول الله ص شم سيفك و ارجع إلى مكانك و متعنا بنفسك قال و كان عثمان من الذين تولى يوم التقى الجمعان و قال ابن أبي نجيح نادى في ذلك اليوم مناد لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي .

قيل و سئل (عليه السلام) على منبر الكوفة عن قوله تعالى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ فقال اللهم غفرا هذه الآية نزلت في و في عمي حمزة و في ابن عمي عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب فأما عبيدة فقضى نحبه شهيدا يوم بدر و أما عمي حمزة فإنه قضى نحبه شهيدا يوم أحد و أما أنا فأنتظر أشقاها يخضب هذه من هذه و أومأ بيده إلى لحيته و رأسه عهد عهده إلي حبيبي أبو القاسم (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و قال الشيخ المفيد في الإرشاد : ثم تلت بدرا غزوة أحد فكانت راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد أمير المؤمنين كما كانت يوم بدر و كان الفتح له أيضا في هذه الغزوة و خص بحسن البلاء فيها و الصبر و ثبوت القدم عند ما زلت الأقدام و كان له من العناء ما لم يكن لسواه من أهل الإسلام و قتل الله بسيفه رءوس أهل الشرك و الضلال و فرج الله به الكرب عن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) و خطب بفضله جبرئيل (عليه السلام) في ملائكة الأرض و السماء و أبان نبي الهدى من اختصاصه به ما كان مستورا
[191]
عن عامة الناس.

فمن ذلك ما حدث ابن البختري القرشي قال كانت راية قريش و لواؤها جميعا بيد قصي بن كلاب ثم لم تزل الراية في يد ولد عبد المطلب تحملها من حضر الحرب حتى بعث الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فصارت راية قريش و غير ذلك إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فأقرها في بني هاشم و أعطاها علي بن أبي طالب (عليه السلام) في غزوة ودان و هي أول غزوة حملت فيها راية في الإسلام ثم لم تزل معه في المشاهد ببدر و هي البطشة الكبرى و في يوم أحد و كان اللواء يومئذ في بني عبد الدار فأعطاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مصعب بن عمير و استشهد فوقع من يده فتشوفته القبائل فأخذه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدفعه إلى علي بن أبي طالب و جمع له بين الراية و اللواء .

و روى المفضل بن عبد الله عن سماك عن عكرمة عن عبد الله بن عباس قال : لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أربع ما هن لأحد هو أول عربي و عجمي صلى مع رسول الله و هو صاحب لوائه في كل زحف و هو الذي ثبت معه يوم المهراس يعني يوم أحد و فر الناس و هو الذي أدخله قبره .

و عن زيد بن وهب قال : وجدنا عبد الله بن مسعود يوما طيب النفس فقلنا لو حدثتنا عن يوم أحد و كيف كان فقال أجل ثم ساق الحديث حتى انتهى إلى ذكر الحرب فقال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اخرجوا إليهم على اسم الله تعالى فخرجنا فصففنا صفا طويلا و أقام على الشعب خمسين رجلا من الأنصار و أمر عليهم رجلا منهم و قال لا تبرحوا مكانكم هذا و إن قتلنا عن آخرنا فإنما نؤتى من موضعكم و أقام أبو سفيان بن حرب بإزائهم خالد بن الوليد و كانت ألوية قريش في بني عبد
[192]
الدار و كان لواء المشركين مع طلحة بن أبي طلحة و كان يدعى كبش الكتيبة قال و دفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لواء المهاجرين إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) و جاء حتى قام تحت لواء الأنصار قال فجاء أبو سفيان إلى أصحاب اللواء فقال يا أصحاب الألوية إنكم تعلمون إنما يؤتى القوم من قبل ألويتهم كما أوتيتم يوم بدر من قبل الألوية فإن ضعفتم عنها فادفعوها إلينا نكفكم أمرها فغضب طلحة بن أبي طلحة فقال أ لنا تقول هذا و الله لأوردنكم بها اليوم حياض الموت فلقي طلحة عليا و تقاربا و اختلف بينهما ضربتان فضربه علي على مقدم رأسه فبدرت عينه و صاح صيحة عظيمة و سقط اللواء من يده فأخذه مصعب أخوه فرماه عاصم بن ثابت فقتله ثم أخذه أخوه عثمان فرماه عاصم أيضا فقتله فأخذه عبد لهم اسمه صواب و كان من أشد الناس فضرب علي يده فقطعها فأخذه بيده اليسرى فضربه فقطعها فأخذ اللواء على صدره و جمع عليه يديه و هما مقطوعتان فضربه علي (عليه السلام) على أم رأسه و سقط سريعا و انهزم القوم و أكب المسلمون على الغنائم و رأى أصحاب الشعب الناس يغنمون فخافوا فوت الغنيمة فاستأذنوا رئيسهم عبد الله بن عمر بن حرام في أخذ الغنائم فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بي أن لا أبرح من موضعي فقالوا إنه قال ذلك و هو لا يدري أن الأمر يبلغ ما ترى و مالوا إلى الغنائم و تركوه و لم يبرح هو من موضعه .

فحمل عليه خالد بن الوليد فقتله و جاء من ظهر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فنظر إلى النبي ص قد حف به أصحابه فقال لمن معه دونكم و هذا الذي تطلبون فحملوا حملة رجل واحد ضربا بالسيوف و طعنا بالرماح و رميا بالنبال و رضخا بالحجارة و جعل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقاتلون عنه حتى قتل منهم سبعون رجلا و ثبت أمير المؤمنين و أبو دجانة و سهل بن حنيف للقوم يدفعون عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ففتح عينيه و كان قد أغمي عليه فنظر إلى علي (عليه السلام) فقال يا علي ما فعل الناس قال نقضوا العهد و ولوا الدبر فقال فاكفني هؤلاء الذين قصدوا نحوي فحمل عليهم فكشفهم ثم عاد إليه و قد قصدوه من جهة أخرى فكر عليهم فكشفهم و أبو دجانة
[193]
و سهل بن حنيف قائمان على رأسه و سيوفهما بأيديهما يذبان عنه و ثاب من المنهزمين أربعة عشر رجلا منهم طلحة بن عبيد الله و عاصم بن ثابت و صعد الباقون الجبل و صاح صائح بالمدينة قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فانخلعت القلوب لذلك و تحير المنهزمون فأخذوا يمينا و شمالا و جعلت هند بنت عتبة لوحشي جعلا على أن يقتل رسول الله أو عليا أو حمزة فقال أما محمد فلا حيلة فيه لأن أصحابه يطيفون به و أما علي فإنه إذا قاتل كان أحذر من الذئب و أما حمزة فإني أطمع فيه لأنه إذا غضب لم يبصر ما بين يديه و كان حمزة يومئذ قد أعلم بريشة نعامة فكمن له وحشي في أصل شجرة فرآه حمزة فبدر إليه بالسيف و ضربه فأخطأه قال وحشي فهززت الحربة حتى إذا تمكنت منه رميته فأصبته في أربيته فأنفذته و تركته حتى إذا برد صرت إليه و أخذت حربتي و شغل المسلمون عني و عنه بالهزيمة و جاءت هند فأمرت بشق بطنه و قطع كبده و التمثيل به فجذعوا أنفه و أذنيه أنشدني بعض الأصحاب و لم يسم قائلا :

و لا عار للأشراف إن ظفرت بها *** كلاب الأعادي من فصيح و أعجم

‏فحربة وحشي سقت حمزة الردى *** و حتف علي من حسام ابن ملجم

هذا و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشغول عنه لا يعلم حاله .

قال الراوي زيد بن وهب : قلت لابن مسعود انهزم الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى لم يبق معه إلا علي و أبو دجانة و سهل قال انهزم الناس إلا علي وحده و ثاب إلى رسول الله نفر كان أولهم عاصم بن ثابت و أبو دجانة و سهل بن حنيف و لحقهم طلحة بن عبيد الله فقلت له فأين كان أبو بكر و عمر قال كانا فيمن تنحى فقلت فأين كان عثمان قال جاء بعد ثلاثة من الوقعة فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد ذهبت فيها عريضة قلت فأين كنت أنت قال فيمن تنحى قلت فمن حدثك بهذا
[194]
قال عاصم بن ثابت و سهل بن حنيف : قلت إن ثبوت علي في ذلك المقام لعجب .

قال : إن تعجب منه فقد تعجبت الملائكة ; أ ما علمت أن جبرئيل قال في ذلك اليوم و هو يعرج إلى السماء : لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي .

فقلنا : و من أين علم أن جبرئيل قال ذلك ?

فقال : سمع الناس النداء بذلك ; و أخبرهم به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و في حديث عمران بن حصين قال : لما تفرق الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء علي متقلدا بسيفه حتى قام بين يديه فرفع رأسه إليه و قال ما لك لم تفر مع الناس فقال يا رسول الله أرجع كافرا بعد إسلامي فأشار إلى قوم انحدروا من الجبل فحمل عليهم فهزمهم فجاء جبرئيل و قال يا رسول الله قد عجبت الملائكة من حسن مواساة علي لك بنفسه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يمنعه من ذلك و هو مني و أنا منه فقال جبرئيل و أنا منكما .

و عن ابن عباس قال : خرج طلحة بن أبي طلحة يومئذ و قال يا أصحاب محمد أنتم تزعمون أن الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار و يعجلكم بسيوفنا إلى الجنة فأيكم يبرز إلي فبرز إليه علي (عليه السلام) و قال و الله لا أفارقك اليوم حتى أعجلك بسيفي إلى النار فاختلفا ضربتين فضربه علي (عليه السلام) على رجليه فقطعهما و سقط و قال أنشدك الله و الرحم يا ابن عم فانصرف إلى موقفه فقال له المسلمون أ لا أجهزت عليه فقال إنه ناشدني و لن يعيش بعدها فمات من ساعته و بشر النبي بذلك فسر به .

و روي : عن عكرمة قال : سمعت عليا (عليه السلام) يقول لما انهزم الناس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم أحد لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي و كنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه فرجعت أطلبه فلم أره فقلت ما كان رسول الله ليفر و ما رأيته في القتلى و أظنه رفع من بيننا إلى السماء فكسرت جفن سيفي و قلت لأقاتلن به حتى أقتل و حملت على القوم فأفرجوا فإذا أنا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد وقع مغشيا عليه فنظر إلي و قال ما فعل الناس يا علي قلت كفروا يا رسول الله و ولوا الدبر و أسلموك فنظر إلى كتيبة قد أقبلت فقال ردهم عني فحملت عليهم أضربهم يمينا و شمالا
[195]
حتى فروا فقال أ ما تسمع مديحك في السماء إن ملكا اسمه رضوان ينادي لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي فبكيت سرورا و حمدت الله على نعمته .

و هذه المناداة بهذا قد نقلها الرواة و تداولها الأخباريون و لم ينفرد بها الشيعة بل وافقهم على ذلك الجماء الغفير .

و روي : عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أبيه قال : كان أصحاب اللواء يوم أحد تسعة كلهم قتلهم علي بن أبي طالب (عليه السلام) عن آخرهم و انهزم القوم و بارز الحكم بن الأخنس فضربه فقطع رجله من نصف الفخذ فهلك منها و أقبل أمية بن أبي حذيفة بن المغيرة و هو دارع و هو يقول يوم بيوم بدر و عرض له رجل من المسلمين فقتله و صمد له علي (عليه السلام) فضربه على هامته فنشب السيف في بيضته و سيفه في درقة علي فنزعا سيفهما و تناوشا قال علي (عليه السلام) فنظرت إلى فتق تحت إبطه فضربته فيه بالسيف فقتلته قال علي (عليه السلام) لما انهزم الناس و ثبت قال ما لك لا تذهب مع القوم فقال (عليه السلام) أذهب و أدعك يا رسول الله و الله لا برحت حتى أقتل أو ينجز الله لك ما وعدك من النصر فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبشر يا علي فإن الله منجز وعده و لن ينالوا منا مثلها أبدا ثم نظر إلى كتيبة قد أقبلت إليه فقال احمل على هؤلاء يا علي فحملت فقتلت منها هشام بن أبي أمية المخزومي و انهزموا و أقبلت كتيبة أخرى فقال احمل على هذه فحملت فقتلت منها عمرو بن عبد الله الجمحي و انهزمت أيضا و جاءت أخرى فحملت عليها و قتلت بشر بن مالك العامري و انهزمت فلم يعد بعدها أحد و تراجع المسلمون إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و انصرف المشركون إلى مكة و انصرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة فاستقبلته فاطمة (عليها السلام) و معها إناء فيه ماء فغسل به وجهه و لحقه أمير المؤمنين (عليه السلام) و قد خضب الدم يده إلى كتفه و معه ذو الفقار فناوله فاطمة (عليها السلام) و قال خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم و قال :

أ فاطم هاك السيف غير ذميم *** فلست برعديد و لا بمليم

[196]
أميطي دماء الكفر عنه فإنه *** سقى آل عبد الدار كاس حميم

‏لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد *** و طاعة رب بالعباد عليم

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : خذيه يا فاطمة فقد أدى بعلك ما عليه و قد قتل الله صناديد قريش بيديه .
فصل :
و قد ذكر أهل السير قتلى أحد من المشركين و كان جمهورهم قتلى أمير المؤمنين (عليه السلام) .

قال محمد بن إسحاق : كان صاحب لواء قريش يوم أحد طلحة بن أبي طلحة قتله علي و قتل ابنه أبا سعيد و أخاه كلدة و عبد الله بن جميل بن زهرة و أبا الحكم بن الأخنس بن شريق الثقفي و الوليد بن أبي حذيفة بن المغيرة و أخاه أمية و أرطاة بن شرحبيل و هشام بن أمية و عمرو بن عبد الله الجمحي و بشر بن مالك و صوابا مولى بني عبد الدار و كان الفتح له و رجوع الناس إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمقامه و ثباته و يذب عنه دونهم و يبذل مهجته العزيزة في نصره و توجه العتاب من الله إلى كافتهم لموضع الهزيمة و في قتله (عليه السلام) من قتل يوم أحد و عنائه و بلائه يقول الحجاج بن غلاظ السلمي .

لله أي مذبب عن حزبه *** أعني ابن فاطمة المعم المخولا

جادت يداك له بعاجل طعنة *** تركت طليحة للجبين مجدلا

[197]
و شددت شدة باسل فكشفتهم *** بالسفح إذ يهوون أسفل أسفلا

و عللت سيفك بالدماء و لم تكن *** لترده حران حتى ينهلا

و روى الحافظ أبو محمد بن عبد العزيز الجنابذي في كتاب معالم العترة النبوية مرفوعا إلى قيس بن سعد عن أبيه أنه سمع عليا (عليه السلام) يقول : أصابتني يوم أحد ستة عشر ضربة سقطت إلى الأرض في أربع منهن فجاءني رجل حسن الوجه طيب الريح فأخذ بضبعي فأقامني ثم قال أقبل عليهم فإنك في طاعة الله و طاعة رسوله و هما عنك راضيان قال علي فأتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرته فقال يا علي أ ما تعرف الرجل قلت لا و لكني شبهته بدحية الكلبي فقال يا علي أقر الله عينك كان جبرئيل .
غزوة الخندق
لما فرغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حفر الخندق أقبلت قريش بأحابيشها و أتباعها من كنانة و أهل تهامة في عشرة آلاف و أقبلت غطفان و من يتبعها من أهل نجد فنزلوا من فوق المسلمين و من أسفلهم كما قال الله تعالى إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ فخرج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمسلمين و هم ثلاثة آلاف و جعلوا الخندق بينهم و اتفق المشركون مع اليهود على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد ذكر الله هذه القصة في سورة الأحزاب و طمع المشركون بكثرتهم و موافقة اليهود لهم و اشتد الأمر على المسلمين و ركب فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ود و كان من مشاهيرهم
[198]
و عكرمة بن أبي جهل و تواعدوا القتال و أقبلوا تعنق بهم خيولهم حتى وقفوا على أضيق مكان في الخندق ثم ضربوا خيلهم فاقتحمته و جالت بهم خيلهم في السبخة بين المسلمين و الخندق فخرج علي بن أبي طالب (عليه السلام) و معه نفر من المسلمين و أخذوا عليهم المضيق الذي اقتحموه فقصدوه و كان عمرو بن عبد ود قد جعل لنفسه علامة ليعرف مكانه و تظهر شهامته و لما وقف و معه ولده حسل و أصحابه فقال من يبارز فقال علي (عليه السلام) أنا فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه عمرو فسكت فقال عمرو هل من مبارز و جعل يؤنبهم و يقول أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها أ فلا يبرز إلي رجل فقال علي أنا له يا رسول الله فقال له إنه عمرو فسكت ثم نادى عمرو فقال :

و لقد بححت من النداء *** بجمعكم هل من مبارز

و وقفت إذ جبن المشجع *** موقف القرن المناجز

و كذاك أني لم أزل متسـ *** رعا قبل الهزاهز

إن الشجاعة في الفتى *** و الجود من خير الغرائز

فقال علي (عليه السلام) أنا له يا رسول الله .

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنه عمرو .

فقال : و إن كان .

فأذن له فخرج إليه و قال (عليه السلام) :

لا تعجلن فقد أتاك *** مجيب صوتك غير عاجز

ذو نية و بصيرة *** و الصدق منجى كل فائز

[199]
إني لأرجو أن أقيم *** عليك نائحة الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى *** ذكرها عند الهزاهز

ثم قال له يا عمرو إنك قد عاهدت الله أن لا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه .

قال له : أجل .

فقال له علي : فإني أدعوك إلى الله و رسوله و الإسلام .

قال : لا حاجة لي بذلك .

فقال : إني أدعوك إلى النزال .

قال : لم يا ابن أخي فو الله إني ما أحب أن أقتلك .

فقال له علي (عليه السلام) : و لكني و الله أحب أن أقتلك .

فحمى عمرو و نزل عن فرسه ثم جاول عليا ساعة فضربه علي (عليه السلام) ضربة فقتله بها و كر على ابنه حسل فقتله و خرجت خيلهم منهزمة و عظم على المشركين قتل عمرو و ابنه .

فقال علي (عليه السلام) :

أ علي تفتخر الفوارس هكذا *** عني و عنهم خبروا أصحابي

‏اليوم يمنعني الفرار حفيظتي *** و مصمم في الرأس ليس بناب

‏إلى ابن ود حين شد ألية *** و حلفت فاستمعوا إلى الكذاب

‏أن لا أصد و لا يولى فالتقى *** رجلان يضطربان كل ضراب

‏نصر الحجارة من سفاهة رأيه *** و نصرت رب محمد بصواب

‏فغدوت حين تركته متجدلا *** كالجذع بين دكادك و روابي

‏و عففت عن أثوابه و لو أنني *** كنت المجدل بزني أثوابي

‏لا تحسبن الله خاذل دينه *** و نبيه يا معشر الأحزاب

الدكداك من الرمل ما التبد الأرض و لم يرتفع و الجمع الدكادك و بزه ثوبه أي سلبه و منه المثل من عز بز و قيل لبعضهم ما معنى من عز بز فقال من غلب سلب.

و كان عكرمة بن أبي جهل معهما فلما قتلا ألقى رمحه و انهزم من علي (عليه السلام) ثم بعد أن قتل عمرو أرسل الله على قريش الريح و على غطفان و اضطربوا و اختلفوا
[200]
هم و اليهود فولوا راجعين فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا فكان هذا الفتح بإقدام علي (عليه السلام) و ثباته و قتل هذا الطاغية و ابنه بمنازلته و ثباته حتى ولى الجمع الكثيف المتزاحم و انجلى ذاك القتام المتراكم و تفرق المشركون عباديد بعد الالتيام متبددين بعد الانتظام و إذا أردت أن تعرف مكان منازلة علي لعمرو و محل عمرو من النجدة و البسالة فانظر إلى منع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا ( عليه السلام) من مبارزته حتى أذن له في الثالثة و حسن طاعة علي (عليه السلام) و سكوته مرة بعد مرة مع شدة حرصه على الجهاد و معرفته بما أعده الله فيه من الأجر و ميله إلى الذب عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قوة باعثه على الشجاعة التي ينطوي عليها و في بعض هذه الدواعي ما تحف له حصاة الحليم و تدخل به الشبهة على الحكيم و لكنه (عليه السلام) الجبل الراسخ و الطود الشامخ الذي لا تزعزعه العواصف و لا تقلقله الرواجف و هو واقف عند أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عنه يصدر و عنه يرد و به يأخذ و عليه يعتمد.

ثم لما ذهب أبو سفيان بقريش خابيا و رجع إلى وجاره بجمعه هاربا قصد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني قريظة لموافقتهم الأحزاب و مظاهرتهم قريش و أولئك الأوشاب و سلم رايته إلى علي (عليه السلام) و تبعه الناس و جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و فتح الله حصونهم و أزال مصونهم و أباحه أبكارهم و عونهم و أنزلهم الله كما قص من صياصيهم و مكنه من دانيهم و قاصيهم و قذف الرعب في قلوبهم مطيعهم و عاصيهم و عمهم القتل و الإسار و استولى عليهم في الدنيا القتل و الأسر و لهم في الأخرى النار و أورث الله المؤمنين أرضهم و ديارهم و أطفأ نور الإسلام نارهم و أقرهم على الجزية و سلب قرارهم قال المفيد رحمه الله
[201]
فصل في غزاة بني النضير
و ذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما حاصرهم عمل على حصارهم فضرب قبته في أقصى بني حطمة فرماه رجل من بني النضير في الليل بسهم فأصاب القبة فأمر (عليه السلام) فحولت قبته إلى السفح و أحاط به المهاجرون و الأنصار فلما اختلط الظلام فقدوا عليا فعرفوه ذلك فقال أراه في بعض ما يصلح شأنكم فلم يلبث أن جاء برأس اليهودي الذي رمى القبة و اسمه عزوراء فطرحه بين يدي رسول الله فقال كيف عملت به فقال يا رسول الله رأيته شجاعا فقلت ما أجرأه أن يخرج ليلا يطلب غرة فكمنت له فأقبل مصلتا سيفه و معه تسعة من اليهود فشددت عليه فقتلته و أفلت أصحابه و لم يبرحوا قريبا فابعث معي نفرا فإني أرجو أن أظفر بهم فبعث معه عشرة منهم أبو دجانة و سهل بن حنيف فادكروهم قبل أن يدخلوا الحصن فقتلوهم و جاءوا برءوسهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) فأمر بطرحها في بعض الآبار و كان ذلك سبب فتح حصونهم و في تلك الليلة قتل كعب بن الأشرف و اصطفى رسول الله أموال بني النضير فكانت أول صافية قسمها بين المهاجرين الأولين و الأنصار و أمر عليا فحاز ما لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها فجعله صدقة و كان في يده في أيام حياته ثم في يد أمير المؤمنين (عليه السلام) بعده و هو في يد ولد فاطمة (عليها السلام) حتى اليوم و فيما كان من أمير المؤمنين في هذه الغزاة يقول حسان بن ثابت :

لله أي كريهة أبليتها *** ببني قريظة و النفوس تطلع

‏أردى رئيسهم و آب بتسعة *** طورا يشلهم و طورا يدفع
فصل
و كانت غزاة الأحزاب بعد غزاة بني النضير و هي غزاة الخندق و ذلك أن جماعة من اليهود منهم سلام بن أبي الحقيق النضري و حي بن أخطب و
[202]
غيرهما و نفر من بني والية خرجوا حتى قدموا مكة و صاروا إلى أبي سفيان لعلمهم بعداوته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و تسرعه إلى قتاله فذكروا له ما نالهم منه و سألوه المعونة على قتاله فقال أنا لكم حيث تحبون فاخرجوا إلى قريش فادعوهم إلى حربه و اضمنوا لهم النصرة و الثبوت معهم حتى تستأصلوه فطافوا على وجوه قريش و دعوهم إلى حرب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالوا أيدينا مع أيديكم و نحن معكم حتى نستأصله فقالت قريش يا معشر اليهود أنتم أهل الكتاب الأول و العلم السابق و قد عرفتم ما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما نحن عليه من الدين فديننا خير أم دينه فقالوا بل دينكم و أنتم أولى بالحق منه فنشطت قريش إلى حربه (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال لهم أبو سفيان قد مكنكم الله من عدوكم و اليهود تقاتله معكم و لا تفارقكم حتى تستأصلوه و من اتبعه فقويت نفوسهم و عزائمهم على الحرب ثم جاء اليهود غطفان و قيس غيلان فدعوهم إلى حرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ضمنوا لهم النصرة و المعونة و أخبروهم بموافقة قريش لهم على ذلك و اجتمعوا و خرجت قريش و قائدها أبو سفيان و خرجت غطفان و قائدها عيينة بن حصن في بني فزارة و الحارث بن عوف في بني مرة و وبرة بن طريف في قومه من أشجع.

فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باجتماع الأحزاب على قصد المدينة استشار أصحابه فأجمعوا على المقام بالمدينة و حربهم على أنقابها و أشار سلمان الفارسي بحفر الخندق فحفره و عمل فيه بنفسه و عمل المسلمون و أقبلت الأحزاب بجموعهم فهالت المسلمون و ارتاعوا من كثرتهم و نزلوا ناحية من الخندق و أقاموا مكانهم بضعا و عشرين ليلة و لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل و الحصاة.

فلما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضعف قلوب أكثر المسلمين من حصارهم و وهنهم في حربهم بعث إلى عيينة بن حصن و الحارث بن عوف قائدي غطفان يدعوهم إلى .

[203]
الصلح و الكف عنه و الرجوع بقومهما عن حربه على أن يعطيهما ثلث ثمار المدينة و استشار سعد بن معاذ و سعد بن عبادة فيما بعث به إليهما فقالا إن كان هذا أمر أمر الله به و لا بد منه فافعل و إن كنت تفعله من أجلنا كان لنا فيه رأي فقال (عليه السلام) لم يأتني فيه وحي و لكني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة و جاءوكم من كل جانب فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم فقال سعد بن معاذ قد كنا و نحن على الشرك بالله و عبادة الأوثان لا نعبد الله و لا نعرفه و لم نكن نطعمهم من ثمرنا إلا قرى أو بيعا فالآن حين أكرمنا الله بالإسلام و أعزنا بك نعطيهم أموالنا ما لنا إلى ذلك حاجة و الله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا و بينهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد عرفت ما عندكم فكونوا على ما أنتم عليه فإن الله لن يخذل نبيه و لن يسلمه حتى ينجز وعده.

ثم جعل (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو المسلمين إلى جهاد عدوهم يشجعهم و يعدهم النصر فانتدب فوارس من قريش للبراز منهم عمرو بن عبد ود و عكرمة بن أبي جهل و هبيرة بن أبي وهب المخزوميان و ضرار بن أبي الخطاب و مرداس الفهري و أقبلوا تعنق بهم خيولهم حتى وقفوا على الخندق و قالوا هذه مكيدة لا تعرفها العرب ثم يمموا مكانا ضيقا من الخندق فاقتحموه و صاروا في السبخة و خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) في نفر من المسلمين فأخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموها فتقدم عمرو بن عبد ود و قد أعلم ليرى مكانه و قال هل من مبارز فبرز إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له عمرو ارجع يا ابن أخي فما أحب أن أقتلك فقال له علي قد كنت يا عمرو عاهدت الله أن لا يدعوك رجل إلى إحدى خلتين إلا اخترت إحداهما منه قال أجل فما ذلك قال إني أدعوك إلى الله و رسوله و الإسلام فقال لا حاجة لي بذلك قال فإني أدعوك إلى النزال قال ارجع فقد كان بيني و بين أبيك خلة و ما أحب أن أقتلك فقال له أمير المؤمنين لكني أحب أن أقتلك ما دمت آبيا للحق فحمى عمرو و نزل عن فرسه و ضرب وجهه حتى نفر و أقبل على علي مصلتا سيفه و بدره بالسيف فنشب سيفه في ترس علي (عليه السلام) و ضربه أمير المؤمنين فقتله و انهزم من كان

[204]
معه و عاد علي (عليه السلام) إلى مقامه الأول و قد كانت قلوب أصحابه الذين خرجوا معه تطير جزعا و أنشد الأبيات البائية التي ذكرتها آنفا .

و روى محمد بن عمرو الواقدي مرفوعا إلى الزهري قريبا منه .

و طلب عمرو المبارزة مرة بعد أخرى و أنشد و :

لقد بححت من النداء *** ... ... ...

و في كل ذلك يقوم علي (عليه السلام) فيأمره بالجلوس انتظارا لحركة غيره من المسلمين و كان على رءوسهم الطير لخوفهم من عمرو و من معه و طال نداء عمرو بطلب البراز و تتابع قيام علي (عليه السلام) ; فقال له : ادن مني يا علي .

فدنا , فنزع عمامته من رأسه و عممه بها , و أعطاه سيفه ; و قال امض لشأنك , ثم قال : اللهم أعنه .

فسعى نحو عمرو و معه جابر بن عبد الله الأنصاري لينظر ما يكون منه و من عمرو فلما انتهى إليه قال ; يا عمرو إنك كنت في الجاهلية تقول لا يدعوني رجل إلى ثلاث إلا قبلتها أو واحدة منها .

قال : أجل .

قال : فإني أدعوك إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله و أن تسلم لرب العالمين .

قال : يا ابن أخي , أخر هذا عني .

قال (عليه السلام) : أما إنها خير لك لو أخذتها ; قال فهاهنا أخرى .

قال : و ما هي ?

قال : ترجع من حيث جئت .

قال : لا تحدث عني نساء قريش بهذا أبدا .

قال : فهنا أخرى .

قال : ما هي ?

قال : تنزل فتقاتلني .

فضحك عمرو , و قال : إن هذه الخصلة ما كنت أظن أن أحدا من العرب يرومني عليها ; إني أكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك و قد كان أبوك لي نديما .

قال علي (عليه السلام) : لكني أحب أن أقتلك ; فانزل إن شئت .

فأسف عمرو , و نزل فضرب وجه فرسه حتى رجع .

قال جابر رحمه الله : و ثارت بينهما قترة فما رأيتهما ; و سمعت التكبير فعلمت أن عليا (عليه السلام) قتله , و انكشف أصحابه و عبروا الخندق و تبادر المسلمون حين سمعوا التكبير ينظرون ما صنع القوم ; فوجدوا نوفل بن عبد الله في جوف الخندق لم ينهض به فرسه فرموه بالحجارة .

فقال لهم : قتلة أجمل من هذه ينزل بعضكم أقاتله .

فنزل إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فضربه حتى قتله ; و لحق هبيرة فأعجزه فضرب قربوس سرجه و سقطت درعه ; و فر عكرمة ; و هرب ضرار بن الخطاب .

[205]
قال جابر : فما شبهت قتل علي عمرا إلا بما قص الله من قصة داود و جالوت .

و عن ربيعة السعدي قال : أتيت حذيفة بن اليمان فقلت له يا أبا عبد الله إنا لنتحدث عن علي و مناقبه فيقول لنا أهل البصرة إنكم تفرطون في علي فهل أنت محدثي بحديث فيه ?

فقال حذيفة : يا ربيعة و ما تسألني عن علي و الذي نفسي بيده لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في كفة الميزان منذ بعث الله محمدا إلى يوم القيامة و وضع عمل علي في الكفة الأخرى لرجح عمل علي على جميع أعمالهم .

فقال ربيعة : هذا الذي لا يقام له و لا يقعد .

فقال حذيفة : يا لكع ! و كيف لا يحمل و أين كان أبو بكر و عمر و حذيفة و جميع أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم عمرو بن عبد ود و قد دعا إلى المبارزة فأحجم الناس كلهم ما خلا عليا (عليه السلام) فإنه برز إليه فقتله الله على يده ; و الذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى يوم القيامة ; و أنشد الأبيات و فيها بعد :

اليوم يمنعني الفرار حفيظتي *** ... ...

أرديت عمرا إذ طغى بمهند *** صافي الحديد مجرب قضاب

و لما قتل عمرا أقبل نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و وجهه يتهلل .

فقال له عمر بن الخطاب : هلا سلبته يا علي درعه فما لأحد درع مثلها .

فقال : إني استحييت أن أكشف عن سوأة ابن عمي.

و روي : أنه لما قتل عمرا اجتز رأسه و ألقاه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقام أبو بكر و عمر فقبلا رأس علي (عليه السلام) و قال أبو بكر بن عياش لقد ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام ضربة أعز منها يعني ضربة علي لعمرو بن عبد ود و لقد ضرب علي ضربة ما كان في الإسلام أشأم منها يعني ضربة ابن ملجم لعنه الله.

و رأيت في بعض الكتب و لم يحضرني الكتاب عند جمعي هذا .

أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ; حين بارز علي عمرو بن عبد ود : خرج الإسلام كله إلى الشرك كله .

[206]
و في هذه الغزاة نزل قوله تعالى إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ... الآيات إلى آخرها و لم يخلص من العتب إلا علي (عليه السلام) و لما قتل هؤلاء النفر :

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : الآن يغزوهم و لا يغزوننا .

و روي أن عبد الله بن مسعود كان يقرأ : و كفى الله المؤمنين القتال بعلي و كان الله قويا عزيزا و في قتل عمرو يقول حسان :

أمسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي *** بجنوب يثرب غارة لم تنظر

فلقد وجدت سيوفنا مشهورة *** و لقد وجدت جيادنا لم تقصر

و لقد رأيت غداة بدر عصبة *** ضربوك ضربا غير ضرب المخسر

أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة *** يا عمرو أو لجسيم أمر منكر

و لما بلغ شعر حسان بني عامر أجابه فتى منهم فقال يرد عليه فخره :

كذبتم و بيت الله لا تقتلوننا *** و لكن بسيف الهاشميين فافخروا

بسيف ابن عبد الله أحمد في الوغى *** بكف علي نلتم ذاك فاقصروا

فلم تقتلوا عمرو بن ود و لا ابنه *** و لكنه الكفؤ الجسور الغضنفر

علي الذي في الفخر طال بناؤه *** فلا تكثروا الدعوى علينا فتحقروا

ببدر خرجتم للبراز فردكم *** شيوخ قريش جهرة و تأخروا

فلما أتاهم حمزة و عبيدة و *** جاء علي بالمهند يخطر

فقالوا نعم أكفاء صدق و أقبلوا *** إليهم سراعا إذ بغوا و تجبروا

فجال علي جولة هاشمية *** فدمرهم لما عتوا و تكبروا

فليس لكم فخر علينا بغيرنا *** و ليس لكم فخر يعد فيذكر

و قالت أخت عمرو و قد نعي إليها أخوها : من ذا الذي اجترأ عليه ?

قالوا : علي بن أبي طالب .

فقالت : لو لم يعد يومه إلا على يد كفو كريم لا رقأت
[207]
دمعتي عليه إن هرقتها عليه ; قتل الأبطال و بارز الأقران و كانت منيته على يد كريم قومه , ما سمعت أفخر من هذا يا بني عامر , و أنشدت البيتين :

لو كان قاتل عمرو غير قاتله *** ... ...

و قد تقدمتا و قالت أيضا ترثي أخاها و تذكره و عليا (عليه السلام) .

أسدان في ضيق المكر تصاولا *** فكلاهما كفو كريم باسل

‏فتخالسا مهج النفوس كلاهما *** وسط المدار محامل و مقاتل

‏و كلاهما حضر القراع حفيظة *** لم يثنه عن ذاك شغل شاغل

‏فاذهب علي فما ظفرت بمثله *** قول سديد ليس فيه تحامل

‏فالثار عندي يا علي لو أنني *** أدركته و العقل مني كامل

‏ذلت قريش بعد مقتل فارس *** و الذل مهلكها و خزي شامل

ثم قالت : و الله لا ثأرت قريش بأخي ما حنت النيب .
فصل
و لما انهزم الأحزاب و ولوا عن المسلمين عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على قصد بني قريظة و أنفذ أمير المؤمنين (عليه السلام) في ثلاثين من الخزرج و قال له انظر بني قريظة هل تركوا حصونهم فلما شارفها سمع منهم الهجر فرجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره فقال دعهم فإن الله سيمكن منهم إن الذي أمكنك من عمرو لا يخذلك فقف حتى يجتمع الناس إليك و أبشر بنصر الله فإن الله قد نصرني بالرعب بين يدي مسيرة شهر قال علي فاجتمع الناس إلي و سرت حتى دنوت من سورهم فأشرف علي شخص منهم و نادى قد جاءكم قاتل عمرو و قال آخر كذلك و تصايحوا بها بينهم و ألقى الله الرعب في قلوبهم و سمعت راجزا يرجز :

قتل علي عمرا *** صاد علي صقرا .

[208]
قصم علي ظهرا *** أبرم علي أمرا

هتك علي سترا

فقلت الحمد لله الذي أظهر الإسلام و قمع الشرك.

و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لي سر على بركة الله فإن الله قد وعدكم أرضهم و ديارهم فسرت متيقنا بنصر الله عز و جل حتى ركزت الراية في أصل الحصن و استقبلوني يسبون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكرهت أن يسمعه رسول الله فأردت أن أرجع إليه فإذا به قد طلع فناداهم يا إخوة القردة و الخنازير إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين فقالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولا و لا سبابا فاستحيا (صلى الله عليه وآله وسلم) و رجع القهقرى قليلا ثم أمر فضربت خيمته بإزاء حصونهم و أقام يحاصرهم خمسا و عشرين ليلة حتى سألوه النزول على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم سعد بقتل الرجال و سبي الذراري و النساء و قسمة الأموال فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم الله تعالى من فوق سبعة أرقعة و أمر بإنزال الرجال و كانوا تسعمائة.

فجي‏ء بهم إلى المدينة و حبسوا في دار من دور بني النجار و خرج رسول الله
[209]
(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى موضع السوق اليوم و حضر معه المسلمون و أمر أن يخرجوا و تقدم إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) بضرب أعناقهم في الخندق فأخرجوا أرسالا و فيهم حي بن أخطب و كعب بن أسد و هما رئيسا القوم فقالوا لكعب و هم يذهب بهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تراه يصنع بنا فقال في كل موطن لا تعقلون أ ما ترون الداعي لا ينزع أي لا ينتهي من الدعاء و الطلب و من ذهب منكم لا يرجع هو و الله القتل و جي‏ء بحي مجموعة يداه إلى عنقه فلما نظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أما و الله ما لمت نفسي على عداوتك و لكن من يخذل الله يخذل ثم أقبل على الناس فقال أيها الناس إنه لا بد من أمر الله كتاب و قدر و ملحمة كتبت إلى بني إسرائيل ثم أقيم بين يدي أمير المؤمنين و هو يقول قتلة شريفة بيد شريف فقال علي (عليه السلام) إن الأخيار يقتلون الأشرار و الأشرار يقتلون الأخيار فويل لمن قتله الأخيار و طوبى لمن قتله الأشرار و الكفار .

فقال : صدقت لا تسلبني حلتي .

قال : هي أهون علي من ذاك .

قال : سترتني سترك الله و مد عنقه فضربها علي (عليه السلام) و لم يسلبه من بينهم.

و سئل أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي جاء به ما كان يقول حي و هو يقاد إلى الموت قال كان يقول :

لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه *** و لكنه من يخذل الله يخذل

‏فجاهد حتى بلغ النفس جهدها *** و حاول يبغي العز كل مغلغل

و كان الظفر بهم و الفتح على يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) .
فصل
و كان من بلائه (عليه السلام) في بني المصطلق ما هو مشهور بين العلماء و كان الفتح له في هذه الغزاة و أصيب أناس من بني عبد المطلب و قتل أمير المؤمنين رجلين من القوم و هما مالك و ابنه .

و أصاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئا كثيرا فقسمه في المسلمين و كان شعار المسلمين في هذه الغزاة يا منصور أمت .

و سبى أمير المؤمنين جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار فجاء بها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاصطفاها لنفسه فجاء أبوها إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك فقال يا رسول الله إن ابنتي لا تسبى إنها امرأة كريمة .

[210]
قال : اذهب فخيرها .

قال : لقد أحسنت و أجملت .

فاختارت الله و رسوله .

فأعتقها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و جعلها في جملة أزواجه .
فصل في : غزاة الحديبية
قال : و تلا هذه الغزاة غزاة الحديبية .

و كان أمير المؤمنين الذي كتب بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بين سهيل بن عمرو حين ضرع إلى الصلح عند ما رأى توجه الأمر عليهم فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اكتب يا علي بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل هذا كتاب بيننا و بينك فافتتحه بما نعرفه و اكتب باسمك اللهم فقال (عليه السلام) امح ما كتبت فقال أمير المؤمنين لو لا طاعتك لما محوتها فمحاها و كتب باسمك اللهم فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سهيل بن عمرو فقال سهيل لو أجبتك في الكتاب الذي بيننا و بينك إلى هذا لأقررت بالنبوة امح هذا و اكتب اسمك فقال علي و الله إنه لرسول الله على رغم أنفك فقال سهيل اكتب اسمه يمضي الشرط فقال علي ويلك يا سهيل كف عن عنادك فقال (عليه السلام) امحها يا علي فقال إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة قال فضع يدي عليها فمحاها (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال لأمير المؤمنين : إنك ستدعى إلى مثلها فتجيب على مضض ; و تمم الكتاب و كان نظام تدبير هذه الغزاة بيد أمير المؤمنين (عليه السلام) و حقن الله دماء المسلمين .

و قد روى الناس له في هذه الغزاة فضيلتين اقترنتا بفضائله العظام و مناقبه الجسام ; عن قائد مولى عبد الله بن سالم قال : لما خرج رسول الله في غزوة الحديبية نزل الجحفة فلم يجد بها ماء فبعث سعد بن مالك بالروايا فغاب غير بعيد و عاد و قال ما أستطيع أن أمضي رعبا من القوم فقال اجلس ثم أنفذ رجلا آخر و كان حاله كذلك فدعا عليا (عليه السلام) و أرسله فخرج و هم لا يشكون في رجوعه لما شاهدوا من صعوبة الحال فخرج بالروايا و ورد و استقى و عاد و لها زجل فكبر
[211]
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و دعا له بخير .

و في هذه الغزاة أقبل سهيل بن عمرو إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له يا محمد إن أرقاءنا لحقوا بك فارددهم علينا فغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى تبين الغضب في وجهه ثم قال لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه بالإيمان يضرب رقابكم على الدين فقال بعض من حضر يا رسول الله أبو بكر قال لا قيل عمر قال لا و لكنه خاصف النعل في الحجرة فتبادروا إليها ليعرفوا من هو فإذا هو أمير المؤمنين (عليه السلام) .

و قد روى جماعة أن عليا قص هذه القصة ثم قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار .

و روي : عن أبي جعفر عن أبيه (عليه السلام) قال : انقطع شسع نعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدفعها إلى علي يصلحها ثم مشى في نعل واحدة غلوة أو نحوها و أقبل على أصحابه فقال إن منكم من يقاتل على التأويل كما يقاتل معي على التنزيل فقال أبو بكر أنا ذاك يا رسول الله فقال لا فقال عمر فأنا فقال لا فأمسكوا و نظر بعضهم إلى بعض فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكنه خاصف النعل و أومأ إلى علي (عليه السلام) فإنه يقاتل على التأويل إذا تركت سنتي و نبذت و حرف كتاب الله و تكلم في الدين من ليس له ذلك فيقاتلهم على إحياء دين الله .

قلت : إن كان المفيد (رهـ) قد ذكر هذا .

فقد أورد الترمذي في صحيحه ما يقاربه و هو عن ربعي بن خراش قال حدثنا علي بن أبي طالب بالرحبة قال : لما كان يوم الحديبية خرج إلينا ناس من المشركين فيهم سهيل بن عمرو و أناس من رؤساء المشركين فقالوا يا رسول الله خرج إليك ناس من أبنائنا و إخواننا و أرقائنا ليس لهم فقه في الدين فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم على الدين قد امتحن الله قلبه على
[212]
الإيمان قالوا من هو يا رسول الله و قال عمر من هو يا رسول الله قال هو خاصف النعل و كان أعطى عليا نعله يخصفها قال ثم التفت إلينا علي فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار .

هذا حديث حسن صحيح غريب.
غزوة خيبر
كانت في سنة سبع للهجرة .

قال ابن طلحة و تلخيص المقصد فيها على ما ذكره أبو محمد عبد الملك بن هشام في كتاب السيرة النبوية يرفعه بسنده عن ابن الأكوع قال :

بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر برايته و كانت بيضاء إلى بعض حصون خيبر فقاتل ثم رجع و لم يكن فتح و قد جهد ثم بعث عمر بن الخطاب فكان كذلك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله يفتح الله على يديه ليس بفرار قال سلمة فدعا عليا و هو أرمد فتفل في عينيه ثم قال خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك فخرج يهرول و أنا خلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن فاطلع عليه يهودي من الحصن فقال من أنت قال أنا علي بن أبي طالب فقال اليهودي علوتم حصننا و ما أنزل على موسى أو كما قال فما رجع حتى فتح الله على يديه .

و روي بسنده عن أبي رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : خرجنا مع علي (عليه السلام) حين بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) برايته فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده فتناول علي (عليه السلام) بابا كان عند الحصن فرمى به عن نفسه فلم يزل في يده و هو يقاتل حتى فتح الله على يديه ثم ألقاه من يده حين فرغ فلقد رأيتني في نفر سبعة أثاثا منهم نجهد على أن نقلب الباب فلم نقلبه و قد ذكره أحمد بن حنبل في مسنده.

[213]
قال الشيخ المفيد : ثم تلت الحديبية خيبر و كان الفتح فيها لأمير المؤمنين (عليه السلام) بلا ارتياب فظهر من فضله (عليه السلام) في هذه الغزاة ما أجمع عليه نقلة الرواة و تفرد فيها بمناقب لم يشركه فيها أحد من الناس .

فروى محمد بن يحيى الأزدي عن مسعدة بن اليسع و عبيد الله بن عبد الرحيم عن عبد الملك بن هشام و محمد بن إسحاق و غيرهم من أصحاب الآثار قالوا : لما دنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من خيبر قال للناس قفوا فوقفوا فرفع يديه إلى السماء و قال اللهم رب السماوات السبع و ما أظللن و رب الأرضين السبع و ما أقللن و رب الشياطين و ما أضللن أسألك خير هذه القرية و خير ما فيها و أعوذ بك من شرها و شر ما فيها ثم نزل (عليه السلام) تحت شجرة و أقمنا بقية يومنا و من غده فلما كان نصف النهار نادى منادي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاجتمعنا إليه فإذا عنده رجل جالس فقال إن هذا جاءني و أنا نائم فسل سيفي و قال يا محمد من يمنعك مني اليوم قلت الله يمنعني منك فشام السيف و هو جالس كما ترون و لا حراك فقلنا يا رسول الله لعل في عقله شيئا قال نعم دعوه ثم صرفه و لم يعاقبه .

و حاصر خيبر بضعا و عشرين ليلة و بضع في العدد بكسر الباء و بعض العرب يفتحها و هو ما بين الثلاث إلى التسع و كانت الراية لأمير المؤمنين فعرض له رمد أعجزه عن الحرب و كان المسلمون يناوشون اليهود بين أيدي حصونهم و جنباتها. فلما كان ذات يوم فتحوا الباب و كانوا خندقوا على أنفسهم و خرج مرحب برجله يتعرض للحرب فدعا رسول الله أبا بكر فقال له خذ هذه الراية فأخذها في جمع من المهاجرين فاجتهد و لم يغن شيئا و عاد يؤنب القوم الذين اتبعوه و يؤنبونه فلما كان من الغد تعرض لها عمر فسار بها غير بعيد ثم رجع يجبن أصحابه و يجبنونه .

فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليست هذه الراية لمن حملها ; جيئوني بعلي بن أبي طالب .

[214]
فقيل : إنه أرمد .

فقال : أرونيه ; تروني رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله يأخذها بحقها ليس بفرار .

فجاءوا بعلي يقودونه إليه , فقال ما تشتكي يا علي ?

قال : رمدا ما أبصر معه و صداعا برأسي .

فقال له : اجلس و ضع رأسك على فخذي .

ففعل علي ذلك ; فدعا له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و تفل في يده فمسحها على عينيه و رأسه ; فانفتحت عيناه و سكن الصداع و قال في دعائه له : اللهم قه الحر و البرد . و أعطاه الراية ; و كانت بيضاء , و قال امض بها و جبرئيل معك و النصر أمامك و الرعب مبثوث في صدور القوم , و اعلم يا علي أنهم يجدون في كتابهم أن الذي يدمر عليهم اسمه (إليا) فإذا لقيتهم فقل أنا علي بن أبي طالب فإنهم يخذلون إن شاء الله تعالى .

قال علي (عليه السلام) : فمضيت بها حتى أتيت الحصن ; فخرج مرحب و عليه درع و مغفر و حجر قد نقبه مثل البيضة على رأسه و هو يقول :

قد علمت خيبر أني مرحب *** شاكي السلاح بطل مجرب

فقلت :

أنا الذي سمتني أمي حيدرة *** كليث غابات شديد قسورة

أكيلكم بالسيف كيل السندرة

قال أبو عمر الزاهدي في كتاب اليواقيت : سمعت ثعلبا رواه الشعر من الكوفيين و البصريين فلم يزيدوا على عشرة أبيات صحيحة لعلي و أجمعوا أن ما زاد على العشرة فهو منحول و هذه الأبيات من الصحيحة و منها :

تلكم قريش تمناني لتقتلني *** ... ... ...

و قال سمعت ثعلبا يقول اختلف الناس في قوله السندرة فقال ابن الأعرابي هو مكيال كبير مثل القنقل قال ثعلب فعلى هذا أي أقتلكم قتلا واسعا كثيرا و قال غيره هي امرأة كانت تبيع القمح و توفي الكيل قال ثعلب فعلى هذا أي أكيلكم كيلا وافيا و قال غيرهم هي العجلة يقال رجل سندري إذا كان مستعجلا في أموره جادا قال ثعلب فعلى هذا أي أقاتلكم بسرعة و عجلة و أبادركم قبل الفرار.

[215]
فاختلفتا ضربتين فبدرته فقددت الحجر و المغفر و رأسه حتى وقع السيف في أضراسه و خر صريعا و ورد أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما قال أنا علي بن أبي طالب قال حبر منهم غلبتم و ما أنزل على موسى فخامرهم رعب شديد و رجع من كان مع مرحب و أغلقوا باب الحصن فصار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) و عالجه حتى فتحه و أكثر الناس لم يعبروا الخندق فأخذ الباب و جعله جسرا على الخندق حتى عبروا و ظفروا بالحصن و أخذوا الغنائم و لما انصرفوا دحا به بيمناه أذرعا و كان يغلقه عشرون رجلا و قال حسان بعد أن استأذن النبي في أن يقول في ذلك شعرا فأذن له فقال :

و كان علي أرمد العين يبتغي *** دواء فلما لم يحس مداويا

و قد تقدمت .

قال أبو عمر الزاهد قال الأنصاري فضربه علي ضربة فقده باثنتين و قال ابن عباس رضي الله عنه كان لعلي (عليه السلام) ضربتان إذا تطاول قد و إذا تقاصر قط و قال الأنصاري فرأيت أم مرحب تندبه و هو بين يديها قلت من قتل مرحبا قالت ما كان ليقتله إلا أحد الرجلين قلت فمن هما قالت محمد أو علي قلت فمن قتله منهما قالت علي و أنشدتني أبياتا في آخرها :

لله در ابن أبي طالب *** و در شيخيه لقد أنجبا

و روي عن علي (عليه السلام) قال : لما عالجت باب خيبر جعلته مجنا لي و قاتلت القوم فلما أخزاهم الله وضعت الباب على حصنهم طريقا ثم رميت به في خندقهم فقال له رجل منهم لقد حملت منه ثقلا فقال ما كان إلا مثل جنتي التي في يدي في غير ذلك اليوم .

و قيل إن المسلمين راموا حمل ذلك الباب فلم يقله إلا
[216]
سبعون رجلا .
فصل : ثم تلا غزاة خيبر مواقف .
لم تجر مجرى ما تقدمها و أكثرها كانت بعوثا لم يشهدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لا كان الاهتمام بها كغيرها لضعف العدو و غناء المسلمين فأضربنا عن تعدادها و كان لأمير المؤمنين (عليه السلام) في جميعها حظ وافر من قول و عمل .
غزوة الفتح
و هي التي توطد أمر الإسلام بها و تمهد الدين بما من الله سبحانه على نبيه فيها و إنجاز وعده في قوله إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ ...إلى آخرها و قوله تعالى لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ ... الآية و كانت الأعين إليها ممتدة و الرقاب متطاولة و كتم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمره حين أرادها و أخبر به عليا (عليه السلام) و كان شريكه في الرأي و أمينه على السر ثم عرف أبا بكر و جماعة من أصحابه بعد ذلك و جرى الأمر في ذلك على حال ما زال أمير المؤمنين منفردا بالفضل فيها.

فمن ذلك أن حاطب بن أبي بلتعة و كان من أهل مكة و شهد بدرا كتب إلى أهل مكة كتابا يطلعهم على سر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسيره إليهم فجاء الوحي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بما فعل و كان أعطى الكتاب امرأة سوداء كانت وردت المدينة مستميحة و أمرها أن تأخذ على غير الطريق فاستدعى (صلى الله عليه وآله وسلم ) عليا (عليه السلام) و قال إن بعض أصحابي قد كاتب أهل مكة يخبرهم بخبرنا و قد كنت سألت الله أن يعمي أخبارنا عليهم و الكتاب مع امرأة سوداء و قد أخذت على غير الطريق فخذ سيفك و الحقها و انتزع الكتاب منها و خلها و عد إلي و أنفذ الزبير معه فمضيا و أدركا الامرأة و سبق إليها الزبير و سألها عن الكتاب فأنكرته و حلفت فقال الزبير ما أرى معها كتابا يا أبا الحسن فارجع بنا إلى رسول الله نخبره ببراءة ساحتها فقال أمير
[217]
المؤمنين يخبرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن معها كتابا و يأمرني بأخذه و تقول لا كتاب معها ثم اخترط سيفه و قال و الله لئن لم تخرجي الكتاب لأضربن عنقك فقالت إذا كان كذلك فأعرض عني حتى أخرجه فأعرض بوجهه فكشفت وجهها و أخرجته من عقيصتها فأخذه أمير المؤمنين (عليه السلام) و صار به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فأمر أن ينادى بالصلاة جامعة فنودي و اجتمعوا ثم صعد المنبر و أخذ الكتاب فقال أيها الناس إني كنت سألت الله عز اسمه أن يخفي أخبارنا عن قريش و إن رجلا كتب إلى أهله يخبرهم خبرنا فليقم صاحب الكتاب و إلا فضحه الوحي فلم يقم أحد فأعاد ثانية فقام حاطب و هو يرعد كالسعفة و قال أنا صاحب الكتاب و ما أحدثت نفاقا بعد إسلامي و لا شكا بعد يقيني فقال له (صلى الله عليه وآله وسلم) فما الذي حملك على ذلك فقال إن لي أهلا بمكة و لا عشيرة لي بها و خفت أن تكون الدائرة لهم علينا فيكون الكتاب كفا لهم عن أهلي و يدا لي عليهم و لم يكن لشك مني في الدين فقال عمر يا رسول الله مرني بقتله فقد نافق فقال إنه من أهل بدر و لعل الله اطلع عليهم فغفر لهم أخرجوه من المسجد فجعل الناس يدفعونه في ظهره و يخرجونه و هو يلتفت إلى رسول الله ليرق له فرده و قال قد عفوت عنك فاستغفر ربك و لا تعد لمثل ما جنيت .

و هذه المنقبة لاحقة بمناقبه (عليه السلام) و فيها من جده في إخراج الكتاب من الامرأة و عزيمته في ذلك و أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يثق في ذلك إلا به و أنفذ الزبير معه لأنه في عداد بني هاشم من قبل أمه صفية بنت عبد المطلب فأراد أن يتولى سره أهله و كان للزبير شجاعة و فيه إقدام و نسبه متصل بنسب أمير المؤمنين (عليه السلام) فعلم أنه يساعده على أمره و كان الزبير تابعا لعلي مع أنه خالف الصواب في تنزيهها من الكتاب فتدارك
[218]
ذلك علي ع و في ذلك من الفضيلة و المنقبة ما تفرد به و لم يشاركه فيه أحد و قد ذكر هذه القضية بقريب من هذه الألفاظ جماعة غير المفيد و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطى الراية يوم الفتح سعد بن عبادة و أمره أن يدخل بها مكة أمامه فأخذها سعد و هو يقول :

اليوم يوم الملحمة *** اليوم تستحل الحرمة .

فقال بعض القوم للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أ ما تسمع ما يقول سعد و الله إنا نخاف أن تكون له اليوم صولة في قريش فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) أدرك يا علي سعدا فخذ الراية منه و ادخل بها أنت قلت هكذا ذكره أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه فاستدرك به (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كاد يفوت من صواب التدبير بتهجم سعد و إقدامه على أهل مكة و علم أن الأنصار لا توافق على عزل سيدها و أخذ الراية منه إلا بمثل علي (عليه السلام) و لأن حاله في ذلك كما لو أخذها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في جلالة قدره و رفيع مكانه و هذا عزل خير من ولاية فإن من كان بحيث لا يقوم مقامه و لا يسد مسده إلا علي (عليه السلام) فله أن يطاول الأفلاك و يفاخر الأملاك و لو كان في الصحابة من يوافق الأنصار على عزل صاحبها به لاختاره لذلك و ندبه إليه و لكنه أبو الحسن (عليه السلام) القائم مقام نفسه المشارك له في نوعه و جنسه صلى الله عليهما و آلهما الطاهرين.

و كان عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن لا يقاتلوا بمكة إلا من قاتلهم سوى نفر كانوا يؤذونه فقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) منهم الحويرث بن نفيل بن كعب و كان يؤذي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة و بلغه (عليه السلام) أن أخته أم هانئ قد آوت ناسا من بني مخزوم فيهم الحرث بن هشام و قيس بن السائب فقصد (عليه السلام) دارها و هو مقنع بالحديد فنادى أخرجوا من آويتم فخرجت إليه أم هانئ و هي لا تعرفه فقالت يا عبد الله أنا أم هانئ بنت عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أخت علي بن أبي طالب انصرف عن داري فقال أخرجوهم فقالت و الله لأشكونك إلى رسول الله فرفع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتد حتى التزمته و قالت فديتك حلفت لأشكونك إلى رسول الله فقال اذهبي فبري قسمك فإنه بأعلى الوادي قالت فجئت إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو في قبة يغتسل و فاطمة تستره
[219]
فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلامي قال مرحبا بك يا أم هانئ و أهلا قلت بأبي أنت و أمي أشكو إليك ما لقيت من علي اليوم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أجرت من أجرت فقالت فاطمة إنما جئت يا أم هانئ تشكين عليا في أنه أخاف أعداء الله و أعداء رسوله فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد شكر الله سعي علي و أجرت من أجارت أم هانئ لمكانها من علي.

و لما دخل (صلى الله عليه وآله وسلم) المسجد وجد فيه ثلاثمائة و ستين صنما بعضها مشدود ببعض بالرصاص فقال :

أعطني يا علي كفا من الحصى فناوله كفا فرماها به و هو يقول جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا .

فلم يبق فيها صنم إلا خر لوجهه و أخرجت من المسجد و كسرت .
فصل
لما أنفذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خالد بن الوليد إلى جذيمة داعيا لهم إلى الإسلام و لم ينفذه محاربا فخالف أمره و نبذ عهده فقتل القوم و هم على الإسلام و أخفر ذمتهم و عمل في ذلك على حمية الجاهلية فشان فعاله الإسلام و نفر به عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من كان يدعوه إلى الإيمان و كاد أن يبطل بفعله نظام التدبير في الدين ففزع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في تلافي الفارط و إصلاح الفاسد و دفع المعرة عن الدين إلى أمير المؤمنين فأنفذه لعطف القوم و سل سخائمهم و الرفق بهم و تثبيتهم على الإيمان و أمره أن يدي القتلى و يرضي أولياءهم فبلغ أمير المؤمنين من ذلك مبلغ الرضا و زاد على الواجب فيما تبرع به عليهم من عطية ما كان فضل معه من الأموال و قال قد أعطيتكم دية ما عرفتم و زدتكم لتكون دية ما لم تعلموا أنتم و لا نحن ليرضى الله عن رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ترضون بفضله عليكم .

و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد .

فتم بأمير المؤمنين (عليه السلام) الصلاح و انقطعت به مواد الفساد و شكر النبي فعله و هي معدودة من مناقبه
[220]
قلت هذه القصة من فعل خالد و براءة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من فعله و إنفاذ أمير المؤمنين (عليه السلام) لاستدراك الحال من الأمور المشهورة أوردها نقلة الأخبار من المخالف و المؤالف.

قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه : إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث خالدا حين بعث إلى ما حول مكة داعيا و لم يبعثه مقاتلا فوطئ بني جذيمة و كانوا في الجاهلية أصابوا عوف بن عبد عوف أبا عبد الرحمن بن عوف و الفاكه بن المغيرة و كانا أقبلا تاجرين من اليمن فنزلا بهم ثم قتلوهما و أخذوا أموالهما فلما جاء الإسلام و بعث النبي خالدا و رأوه حملوا السلاح فقال لهم خالد ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا فقال رجل منهم ويلكم إنه خالد و الله ما بعد وضع السلاح إلا الإسار و ما بعده إلا القتل و لا أضع سلاحي فقالوا إنه يريد أن يسفك دماءنا إن الناس قد أسلموا و وضع الحرب و أمن الناس و ما زالوا به حتى وضع سلاحه فأمر بهم خالد فكتفوا ثم عرضهم على السيف فقتل من قتل منهم .

فلما انتهى الخبر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رفع يديه إلى السماء ثم قال : اللهم إني أبرأ إليك من فعل خالد و مما صنع خالد بن الوليد .

ثم دعا علي بن أبي طالب فقال يا علي انطلق إلى هؤلاء القوم و انظر في أمورهم و اجعل أمر الجاهلية تحت قدميك .

فخرج حتى جاءهم و معه مال قد بعثه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فرد إليهم الدماء و ما أصيب من الأموال حتى إنه ليدي ميلغة الكلب حتى إذا لم يبق لهم شي‏ء من دم أو مال إلا أداه بقيت معه بقية من المال فقال لهم هل بقي لكم شي‏ء من دم أو مال قالوا لا قال فإني أعطيكم هذه البقية احتياطا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مما لا نعلم و لا تعلمون ففعل و رجع إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره فقال .

أصبت و أحسنت ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاستقبل القبلة قائما شاهرا يديه حتى إنه
[221]
ليرى بياض ما تحت منكبيه و هو يقول : اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ثلاث مرات .
غزوة حنين
ثم كانت غزوة حنين فاستظهر فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكثرة الجمع فخرج و معه عشرة آلاف من المسلمين فظن أكثرهم أن لن يغلبوا لما شاهدوا من كثرة جمعهم و عددهم و عدتهم و أعجب أبا بكر الكثرة يومئذ فقال لن يغلب اليوم من قلة فكان الأمر بخلاف ما ظنوه و عانهم أبو بكر فلما التقوا لم يلبثوا و انهزموا بأجمعهم و لم يبق مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا تسعة من بني هاشم و عاشرهم أيمن ابن أم أيمن و قتل رحمه الله و ثبت التسعة الهاشميون و رجعوا بعد ذلك و تلاحقوا و كانت الكرة لهم على المشركين فأنزل الله في إعجاب أبي بكر بالكثرة وَ يَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَ ضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ يريد عليا (عليه السلام) و من ثبت معه من بني هاشم أمير المؤمنين و ثمانية العباس بن عبد المطلب عن يمين رسول الله و الفضل بن العباس عن يساره و أبو سفيان بن الحارث ممسك بسرجه عند نفر بغلته و أمير المؤمنين بالسيف بين يديه و نوفل بن حرث و ربيعة بن الحرث و عبد الله بن الزبير بن عبد المطلب و عتبة و معتب ابنا أبي لهب حوله و في ذلك يقول مالك بن عبادة الغافقي :

لم يواس النبي غير بني هاشم *** عند السيوف يوم حنين

‏هرب الناس غير تسعة رهط *** فهم يهتفون بالناس أين

‏ثم قاموا مع النبي على الموت *** فأبوا زينا لنا غير شين

[222]
و ثوى أيمن الأمين من القوم *** شهيدا فاعتاض قرة عين

و قال العباس بن عبد المطلب في هذا المقام :

نصرنا رسول الله في الحرب تسعة *** و قد فر من قد فر عنه فاقشعوا

و قولي إذا ما الفضل شد بسيفه على *** القوم أخرى يا بني ليرجعوا

و عاشرنا لاقى الحمام بنفسه *** لما ناله في الله لا يتوجع

يعني به أيمن ابن أم أيمن و لما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هزيمة القوم قال للعباس و كان رجلا جهوريا صيتا ناد في الناس و ذكرهم العهد فنادى العباس يا أهل بيعة الشجرة يا أصحاب سورة البقرة إلى أين تفرون اذكروا العهد الذي عاهدكم عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و القوم على وجوههم قد ولوا مدبرين و كانت ليلة ظلماء و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) في الوادي و المشركون قد خرجوا عليه من جنبات الوادي و شعابه و مضايقه بسيوفهم و عمدهم فنظر إلى الناس ببعض وجهه فأضاء كأنه القمر ليلة البدر ثم نادى أين ما عاهدتم الله عليه فأسمع أولهم و آخرهم فلم يسمعها رجل إلا رمى بنفسه إلى الأرض و انحدروا إلى حيث كانوا من الوادي حتى لحقوا بالعدو فواقعوه و جاء رجل من هوازن على جمل و معه راية سوداء في رأس رمح طويل أمام القوم إذا أدرك ظفرا من المسلمين أكب عليهم و إذا فاته الناس رفعه لمن وراءه من المشركين فاتبعوه و هو يرتجز :

أنا أبو جرول لا براح *** حتى نبيح القوم أو نباح

فصمد له أمير المؤمنين فضرب عجز بعيره فصرعه ثم ضربه فقطره.

يقال قطره أي ألقاه على أحد قطريه أي جانبيه.

[223]
ثم قال .

قد علم القوم لدى الصباح *** أني في الهيجاء ذو نضاح

فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول لعنه الله ثم التأم المسلمون و صفوا للعدو فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : اللهم إنك أذقت أول قريش نكالا فأذق آخرهم وبالا وتجالدوا فقام النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) في ركائبه فقال الآن حمي الوطيس.

الوطيس التنور و استعير للحرب إذا اشتدت و يقال إنها لم تسمع إلا منه (عليه السلام) .

و قال أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب

فما كان أسرع من أن ولى القوم أدبارهم و جي‏ء بالأسرى مكتفين و لما قتل أمير المؤمنين أبا جرول و وضع المسلمون سيوفهم فيهم قتل أمير المؤمنين (عليه السلام) منهم أربعين رجلا ثم كانت الهزيمة و الأسر حينئذ و كان أبو بكر الذي عانهم و علي (عليه السلام) الذي أعانهم و كان أبو سفيان صخر بن حرب في جملة من انهزم من المسلمين .

فروي عن معاوية قال : لقيت أبي منهزما مع بني أبيه من أهل مكة فصحت به يا ابن حرب و الله ما صبرت من ابن عمك و لا قاتلت عن دينك و لا كففت هؤلاء الأعراب عن حريمك .

فقال : من أنت ?

فقلت : معاوية .

قال : ابن هند ?

قلت : نعم .

فقال : بأبي و أمي ثم وقف و اجتمع معه ناس من أهل مكة و انضممت إليهم و حملنا على القوم فضعضعناهم و ما زال المسلمون يقتلون و يأسرون حتى تعالى النهار.

و في هذه الغزاة قسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) الغنائم و أجزل القسم للمؤلفة قلوبهم كأبي سفيان و معاوية ابنه و عكرمة بن أبي جهل و رجال منهم و أعطى الأنصار شيئا يسيرا فغضب ناس من الأنصار و بلغه عنهم مقال فأسخطه فجمعهم و قال :

اجلسوا و لا يجلس
[224]
معكم أحد غيركم فجاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و معه أمير المؤمنين فجلس وسطهم فقال إني سائلكم فأجيبوني : أ لم تكونوا ضالين فهداكم الله بي ?

قالوا : بلى فلله المنة و لرسوله .

قال : أ لم تكونوا على شفا حفرة من النار فأنقذكم الله بي ?

قالوا بلى فلله المنة و لرسوله .

قال : أ لم تكونوا قليلا فكثركم الله بي ?

قالوا : بلى فلله المنة و لرسوله .

قال : أ لم تكونوا أعداء فألف الله بين قلوبكم بي ?

قالوا : بلى فلله المنة و لرسوله .

ثم سكت (صلى الله عليه وآله وسلم) هنيئة , و قال : أ لا تجيبون بما عندكم ?

قالوا : بم نجيبك فداك آباؤنا و أمهاتنا , قد أجبنا بأن لك المن و الفضل و الطول علينا .

قال : أما لو شئتم لقلتم و أنت جئتنا طريدا فآويناك , و خائفا فآمناك , و مكذبا فصدقناك , فارتفعت أصواتهم بالبكاء و قام شيوخهم و ساداتهم فقبلوا يديه و رجليه , و قالوا : رضينا بالله و عنه و برسوله و عنه و هذه أموالنا بين يديك فإن شئت فاقسمها على قومك و إنما قال من قال منا على غير وغر صدر و غل في قلب و لكنهم ظنوا سخطا عليهم و تقصيرا بهم و قد استغفروا من ذنوبهم فاستغفر لهم يا رسول الله فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم اغفر للأنصار و لأبناء الأنصار و لأبناء أبناء الأنصار ; يا معشر الأنصار أ ما ترضون أن يرجع غيركم بالثناء و النعم و ترجعون أنتم و في سهمكم رسول الله ?

قالوا : بلى رضينا .

قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : الأنصار كرشي و عيبتي لو سلك الناس واديا و سلكت الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار .

الكرش معروفة يقال لها كرش و كرش و العيبة ما يجعل فيه الثياب و الجمع عيب و كان المعنى هم موضع سري أودع عندهم منه و ما أريد حفظه و الانتفاع به و كتمانه كما يودع الكرش و العيبة ما يترك فيهما للانتفاع و الحفظ و هذا أنسب من كون الكرش يراد بها الجماعة من الناس كما قال الجوهري فإنه قال الكرش الجماعة من الناس و منه الحديث الأنصار كرشي و عيبتي فيخلو الكلام من
[225]
المناسبة و المدح على قوله و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) أعطى العباس بن مرداس أربعة من الإبل يومئذ فسخطها و قال يومئذ :

أ تجعل نهبي و نهب العبيد *** بين عيينة و الأقرع‏

و ما كان حصن و لا حابس *** يفوقان شيخي في مجمع‏

و ما كنت دون امرئ منهم *** و من يوضع اليوم لا يرفع

فبلغ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك فأحضره و قال :أنت القائل :

أ تجعل نهبي و نهب العبيد *** بين الأقرع و عيينة

فقال له أبو بكر بأبي أنت و أمي لست بشاعر .

قال : و كيف قال ?

قال :

... ... ... *** بين عيينة و الأقرع

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) : قم يا علي إليه فاقطع لسانه .

قال : فقال العباس فو الله لهذه الكلمة كانت أشد علي من يوم خثعم حين أتونا في ديارنا ; فانطلق بي و إني لأود أن أخلص منه , فقلت : أ تقطع لساني ?

قال : إني ممض فيك قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فما زال حتى أدخلني الخطائر , و قال : خذ ما بين أربع إلى مائة .

فقلت : بأبي أنت و أمي ما أكرمكم و أحلمكم و أعلمكم .

فقال : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطاك أربعا و جعلك مع المهاجرين فإن شئت فخذها و إن شئت فخذ المائة و كن مع أهل المائة .

قال : قلت أشر علي ?

قال : إني آمرك أن تأخذ ما أعطاك و ترضى .

قلت : فإني أفعل .

و لما قسم (صلى الله عليه وآله وسلم) غنائم حنين جاء رجل طوال أدم أحنى الأدمة السمرة و رجل أحنى الظهر و امرأة حنياء و حناء في ظهرها احديداب و الطول بالضم الطويل فإذا فرط قيل طوال شدد بين عينيه أثر السجود فسلم و لم يخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال رأيتك و ما صنعت في هذه الغنائم فقال و كيف رأيت قال لم أرك عدلت فغضب رسول الله و قال ويلك
[226]
إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون فقال المسلمون أ لا نقتله فقال دعوه فإنه سيكون له أتباع يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية يقتلهم الله على يدي أحب الخلق إليه من بعدي فقتله أمير المؤمنين فيمن قتل من الخوارج يوم النهروان .

فانظر إلى مفاخر أمير المؤمنين في هذه الغزاة و مناقبه و جل بفكرك في بدائع فضله و عجائبه و احكم فيها برأي صحيح الرأي صائبه و اعجب من ثباته حين فر الشجاع على أعقابه و لم ينظر في الأمر و عواقبه و اعلم أنه أحق بالصحبة حين لم ير مفارقة صاحبه و تيقن أنه إذا حم الحمام لم ينتفع المرء بغير أهله و أقاربه فإذا صح ذلك عندك بدلائله و بيناته و عرفته بشواهده و علاماته فاقطع أن ثبات من ثبت من نتائج ثباته و أنهم كانوا أتباعا له في حروبه و مقاماته و أن رجوع من رجع من هزيمته فإنما كان عند ما بان لهم من النصر و أماراته و قتله ذلك الطاغية في أربعين من حماته حتى أذن الله بتفرقة ذلك الجمع و شتاته و اقتسم المسلمون ما أفاءه الله عليهم من غنائم ذلك الجيش اللهام و إصلاحه أمر العباس حين فهم عن رسول الله فحوى الكلام و رده بلطف توصله إلى الرضا بقسم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فصح له باتباع رأيه الثبات على الإسلام ثم كلام ذلك الشقي الذي اعترض على قسمة النبي و نطق الشيطان على لسانه فسام نفسه في المرعى الوبيل الوبي و حكم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه من جرز سيف الوصي و نبه بذلك على فضله و أنه على الصراط السوي و أنه على الحق و الحق معه إخبارا من الله العلي. و سار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الطائف فحاصرها و أنفذ أمير المؤمنين في خيل و أمره أن يطأ ما وجد و يكسر كل صنم وجده فسار و لقيته خيل من خثعم في جمع كثير و برز إليه رجل منهم اسمه شهاب في وقت الصبح فقال (عليه السلام) :

إن على كل رئيس حقا *** أن يروي الصعدة أو تندقا .

[227]
و ضربه فقتله و هزم جمعه و كسر الأصنام و عاد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو على الطائف فخلا به و ناجاه طويلا قال جابر فقال عمر بن الخطاب أ تناجيه و تخلو به دوننا فقال يا عمر ما أنا انتجيته و لكن الله انتجاه و خرج من حصن الطائف نافع بن غيلان في خيل من ثقيف فلقيه أمير المؤمنين ببطن وج فقتله و انهزم المشركون و دخلهم الرعب فنزل منهم جماعة و أسلموا و كان حصار الطائف بضعة عشر يوما.
ثم كانت غزوة تبوك
فأمر الله رسوله بالخروج إليها بنفسه و أن يستنفر الناس للخروج إليها و أخبره أنه لا يحتاج فيها إلى حرب و لا يمنى فيها بقتال عدو و أن الأمور تنقاد له بغير سيف و تعبده بامتحان أصحابه بالخروج معه و اختبارهم ليتميزوا بذلك و كان الحر قويا و قد أينعت ثمارهم فأبطأ أكثرهم عن طاعته رغبة في العاجل و حرصا على المعيشة و إصلاحها و خوفا من القيظ و بعد المسافة و لقاء العدو و نهض بعضهم على استثقال النهوض و تخلف آخرون و استخلف علي (عليه السلام) في أهله و ولده و أزواجه و مهاجريه .

و قال , يا علي : إن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك .

لأنه خاف عليها في غيبته ممن عساه يطمع فيها من مفسدي العرب فاستظهر لها باستخلافه فيها و إن المنافقين لما علموا باستخلافه عليا حسدوه و عظم عليهم مقامه بعد رسول الله و علموا أنه لم يغب إذا حضرها و أنه لا مطمع للعدو فيها بوجوده و غبطوه على الرفاهية و الدعة و تكلف من خرج منهم المشاق فأرجفوا أنه لم يخلفه إكراما له و لا إجلالا و إنما خلفه استثقالا لمكانه و رغبة في بعده فبهتوه بهذا الإرجاف كما قيل عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه ساحر و إنه شاعر و إنما يعلمه بشر و هم يعلمون
[228]
أنهم يكذبون عليه و أنه على خلاف ما يقولون فإنه كان أحب الناس إليه و أقربهم من قلبه .

فلما سمع (عليه السلام) أراد إظهار كذبهم و فضيحتهم فلحق بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال يا رسول الله إن المنافقين زعموا أنك إنما خلفتني استثقالا و مقتا فقال ارجع يا أخي إلى مكانك فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك فأنت خليفتي في أهلي و دار هجرتي و قومي أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .

فأظهر من استخلافه و أبان من منزلته منه ما استوجب به كلما كان وجب لهارون (عليه السلام) و استثنى النبوة ليتحقق له ما عداها من الأحكام التي كان لهارون في قوله تعالى اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي و في قوله تعالى وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فأجاب الله مسألته بقوله تعالى قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى فوجب لعلي (عليه السلام) من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كلما وجب لهارون من موسى (عليه السلام) إلا النبوة التي استثناها.

و هذه فضيلة ما شاركه فيها أحد من البشر و منقبة فات بها من بقي و من غبر و سيرة طرزت عيون التواريخ و السير و مكارم نبه لها علي فاستغنى عن عمر و لو علم الله تعالى أن نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) يحتاج في هذه الغزاة إلى حرب لم يأذن في تخلفه و لا رضي بلبثه عنها و توقفه و لكنه وعد بأن الجهة التي يقصدها لا يفتقر في نيلها إلى مصاولة و لا يحتاج في تملكها إلى منازلة فاستخلف عليا على حراسة دار هجرته و حفظ ما يخاف عليه من كيد العدو و معرته.

و لما عاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قدم عمرو بن معديكرب الزبيدي فقال له رسول الله أسلم يا عمرو يؤمنك الله يوم الفزع الأكبر فقال ما الفزع الأكبر فإني لا أفزع فقال يا عمرو إنه ليس كما تظن إن الناس يصاح بهم صيحة واحدة فلا يبقى ميت إلا نشر و لا حي إلا مات إلا ما شاء الله ثم يصاح بهم صيحة أخرى فينشر من مات و يصفون جميعا و تنشق السماء و تهد الأرض و تخر الجبال و
[229]
تزفر النيران و ترمي النار بمثل الجبال شررا فلا يبقى ذو روح إلا انخلع قلبه ذكر ذنبه و شغل بنفسه إلا من شاء الله فأين أنت يا عمرو من هذا قال إني أسمع أمرا عظيما و أسلم و آمن بالله و رسوله و آمن معه ناس من قومه و رجعوا إلى قومهم.

ثم إن عمرا نظر إلى أبي بن عثعث الخثعمي فأخذ برقبته و جاء به إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أعدني على هذا الفاجر الذي قتل أبي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أهدر الإسلام ما كان في الجاهلية فانصرف عمرو مرتدا و أغار على قوم من بني الحرث بن كعب و مضى إلى قومه فاستدعى رسول الله أمير المؤمنين (عليه السلام) و أمره على المهاجرين و أنفذه إلى بني زبيد و أرسل خالد بن الوليد في طائفة من الأعراب و أمره بقصد الجعفي فإذا التقيا فالأمير أمير المؤمنين فاستعمل أمير المؤمنين على مقدمته خالد بن سعيد بن العاص و استعمل خالد بن الوليد على مقدمته أبا موسى الأشعري فلما سمعت جعفي افترقت فرقتين ذهبت إحداهما إلى اليمن و مالت الأخرى إلى بني زبيد فسمع أمير المؤمنين فكاتب خالدا أن قف حيث أدركك رسولي فلم يقف فكتب إلى خالد بن سعيد يأمره بأن تعرض له حتى تحبسه فاعترض له و حبسه فأدركه أمير المؤمنين و عنفه على خلافه و سار حتى لقي بني زبيد فلما رأوه قالوا لعمرو و كيف أنت يا أبا ثور إذا لقيك هذا الغلام القرشي فأخذ منك الإتاوة فقال سيعلم إذا لقيني و خرج عمرو فقال من يبارز فنهض إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) فقام خالد بن سعيد فقال له دعني يا أبا الحسن بأبي أنت فأمي أبارزه فقال (عليه السلام) إن كنت ترى لي عليك طاعة فقف مكانك فوقف ثم برز إليه أمير المؤمنين فصاح به صيحة فانهزم عمرو و قتل أخاه و ابن أخيه و أخذت امرأته فسبى منهم نسوان و انصرف أمير المؤمنين (عليه السلام) و خلف خالد بن سعيد ليقبض زكواتهم و يؤمن من عاد منهم إليه مسلما فرجع عمرو بن معديكرب و استأذن على خالد بن سعيد فأذن له فعاد إلى الإسلام و كلمه في امرأته و ولده فوهبهم له و كان (عليه السلام) اصطفى من السبي جارية فبعث خالد بن الوليد بريدة الأسلمي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال له تقدم الجيش و أعلمه
[230]
بما فعل علي من اصطفائه الجارية من الخمس لنفسه و قع فيه فسار بريدة إلى باب رسول الله فلقيه بعض الجماعة و سأله عن حالهم فأخبره و قال إنما جئت لأعرف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما فعل علي من اصطفائه الجارية فقال اذهب لما جئت فيه فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي .

فدخل بريدة و معه كتاب خالد فيما أرسله فيه فجعل يقرؤه و وجه رسول الله يتغير فقال بريدة يا رسول الله إن رخصت للناس في مثل هذا ذهب فيؤهم فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويحك يا بريدة أحدثت نفاقا إن علي بن أبي طالب يحل له من الفي‏ء ما يحل لي إن علي بن أبي طالب خير الناس لك و لقومك و خير من أخلف بعدي لكافة أمتي يا بريدة احذر أن تبغض عليا فيبغضك الله قال بريدة فتمنيت أن الأرض انشقت لي فسخت فيها و قلت أعوذ بالله من سخط الله و سخط رسوله يا رسول الله استغفر لي فلن أبغض عليا أبدا و لا أقول فيه إلا خيرا فاستغفر له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و في هذه الغزاة من الفضل لأمير المؤمنين و الفتح على يده و إظهار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) منزلته و أنه يحل له من الفي‏ء ما يحل له و اختصاصه بذلك دون غيره و ما ظهر من حب النبي له و تحذيره من بغضه و تعريف فضله من لم يكن يعرفه و حث بريدة على حبه و قوله هو خير الناس لك و لقومك و خير من أخلف بعدي لكافة أمتي تعريض لا و الله بل تصريح بخلافته و إمامته و إشعار بمحله منه و مكانته و أنه أحقهم بمقامه من بعده و أخصهم به في نفسه و آثرهم عنده ما لا يشاركه فيه أحد و لا يقاربه و لا يدانيه و من أين يدرك شأوه (صلى الله عليه وآله وسلم) من يبتغيه و قد اجتمع له من خلال الشرف ما اجتمع فيه صلى الله عليه و على نبيه و آله و ذويه .
فصل ثم كانت غزاة السلسلة
جاء أعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال إن قوما من العرب قد اجتمعوا بوادي الرمل يريدون أن يبيتوك بالمدينة فأمر بالصلاة جامعة فاجتمعوا و عرفهم و قال من لهم فانتدب جماعة من أهل الصفة عدتهم ثمانون
[231]
منهم و من غيرهم فاستدعى أبا بكر و قال له خذ اللواء و امض إلى بني سليم فإنهم قريب من الحرة فمضى و معه القوم حتى قارب أرضهم و كانت كثيرة الحجارة و الشجر و هم بالوادي و المنحدر إليهم صعب فلما صار أبو بكر إلى الوادي و أراد الانحدار خرجوا إليه فهزموه و قتلوا من المسلمين جمعا فلما رجعوا إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عقد لعمر لواء و سيره إليهم فكمنوا له تحت الحجارة و الشجر فلما ذهب ليهبط خرجوا إليه فهزموه فساء ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عمرو بن العاص ابعثني إليهم يا رسول الله فإن الحرب خدعة و لعلي أخدعهم فأنفذه مع جماعة و وصاه فلما صار إلى الوادي خرجوا إليه فهزموه و قتلوا من أصحابه جماعة.

و مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أياما يدعو عليهم ثم دعا أمير المؤمنين فعقد له ثم قال .

أرسلته كرارا غير فرار و رفع يديه إلى السماء و قال اللهم إن كنت تعلم أني رسولك فاحفظني فيه و افعل به و افعل فدعا له ما شاء .

و خرج علي (عليه السلام) و خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يشيعه و بلغ معه مسجد الأحزاب فشيعه و دعا له و أنفذ معه أبا بكر و عمر و عمرو بن العاص فسار بهم نحو العراق متنكبا عن الطريق حتى ظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه ثم أخذ بهم على طريق غامضة و استقبل الوادي من فمه و كان يسير الليل و يكمن النهار فلما قرب من الوادي أمر أصحابه أن يخفوا حسهم و وقفهم مكانا و أقام أمامهم ناحية منهم و رأى عمرو بن العاص صنيعه فلم يشك أن الفتح يكون له فأراد إفساد الحال و خوف أبا بكر و عمر من وحوش الوادي و ذئابه و أن المصلحة أن تعلوا الوادي فكلما عليا (عليه السلام) في ذلك فلم يجبهما فقال عمر لا نضيع أنفسنا انطلقوا بنا نعلو الوادي فقال المسلمون إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرنا أن لا نخالف عليا فكيف نخالفه و نسمع قولك فما زالوا حتى أحس علي الفجر فكبس القوم و هم غافلون فأمكنه الله منهم و نزلت وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً فَالْمُورِياتِ قَدْحاً ... إلى آخرها.

[232]
فبشر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحابه بالفتح و أمرهم باستقبال علي فاستقبلوه و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقدمهم فقاموا صفين فلما بصر بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ترجل عن فرسه .

فقال له : اركب فإن الله و رسوله عنك راضيان .

فبكى أمير المؤمنين فرحا .

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي , لو لا أنني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في المسيح عيسى ابن مريم لقلت فيك اليوم مقالا لا تمر بملإ من الناس إلا أخذوا التراب من تحت قدميك .
فصل
و لما انتشر أمر الإسلام بعد الفتح و ما ولاه من الغزوات وفدت الوفود على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان ممن وفد عليه أبو حارثة أسقف نجران في ثلاثين رجلا من النصارى منهم العاقب و السيد و عبد المسيح فقدموا المدينة فصارت إليهم اليهود فتساءلوا بينهم فقالت النصارى لهم لستم على شي‏ء و قالت اليهود لهم لستم على شي‏ء و في ذلك أنزل الله وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْ‏ءٍ ... إلى آخرها .

فلما صلى النبي العصر جاءوا إليه يقدمهم الأسقف , فقال يا محمد : ما تقول في السيد المسيح ?

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : عبد الله اصطفاه و انتجبه .

فقال الأسقف : أ تعرف له أبا ولده ?

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم ) : لم يكن عن نكاح فيكون له والد .

فقال : كيف تقول إنه عبد مخلوق و أنت لا ترى عبدا بغير أب ?

فأنزل الله تعالى الآيات من سورة آل عمران إلى قوله إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ.

فتلاها على النصارى و دعاهم إلى المباهلة و قال إن الله أخبرني أن العذاب ينزل على المبطل عقيب المباهلة و يبين الله الحق من الباطل .

فاجتمع الأسقف و أصحابه و تشاوروا و اتفق رأيهم على استنظاره إلى صبيحة غد .

فلما رجعوا إلى رحالهم , قال الأسقف : انظروا محمدا فإن غدا بأهله و ولده فاحذروا مباهلته و إن غدا بأصحابه فباهلوه فإنه
[233]
على غير شي‏ء .

فلما كان الغد جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) آخذا بيد علي (عليه السلام) و الحسن و الحسين (عليهما السلام) يمشيان بين يديه و فاطمة تمشي خلفه فسأل الأسقف عنهم فقالوا هذا علي ابن عمه و هو صهره و أبو ولده و أحب الخلق إليه و هذان الطفلان ابنا بنته من علي و هما أحب الخلق إليه و هذه الجارية فاطمة ابنته و هي أعز الناس عنده و أقربهم إلى قلبه .

فنظر الأسقف إلى العاقب و السيد و عبد المسيح و قال لهم :انظروا قد جاء بخاصته من ولده و أهله ليباهل بهم واثقا بحقه ; و الله ما جاء بهم و هو يتخوف الحجة عليه ; فاحذروا مباهلته , و الله لو لا مكانة قيصر لأسلمت له , و لكن صالحوه على ما يتفق بينكم و ارجعوا إلى بلادكم و ارتئوا لأنفسكم .

فقالوا : رأينا لرأيك تبع .

فقال الأسقف : يا أبا القاسم إنا لا نباهلك و لكنا نصالحك فصالحنا على ما ننهض به .

فصالحهم على ألفي حلة قيمة كل حلة أربعون درهما جيادا فما زاد أو نقص كان بحساب ذلك و كتب لهم به كتابا.

ففي هذه القضية بيان لفضل علي (عليه السلام) و ظهور معجز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن النصارى علموا أنهم متى باهلوه حل بهم العذاب فقبلوا الصلح و دخلوا تحت الهدنة و إن الله تعالى أبان أن عليا هو نفس رسول الله كاشفا بذلك عن بلوغه نهاية الفضل و مساواته للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الكمال و العصمة من الآثام و إن الله جعله و زوجته و ولديه مع تقارب سنهما حجة لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) و برهانا على دينه و نص على الحكم بأن الحسن و الحسين أبناؤه و أن فاطمة (عليها السلام) نساؤه و المتوجه إليهن الذكر و الخطاب في الدعاء إلى المباهلة و الاحتجاج و هذا فضل لم يشاركهم فيه أحد من الأمة و لا قاربهم .

و نقلت من كتاب الكشاف للزمخشري في تفسير هذه الآية ما صورته : يقال بهله الله على الكاذب منا و منكم و البهلة بالضم و الفتح اللعنة و بهله الله لعنه و أبعده من رحمته من قولك أبهله إذا أهمله و ناقة باهل لا صرار عليها.

قلت الصرار خيط يشد على خلفها لئلا يرضعها ولدها.

[234]
قال و أصل الابتهال هذا , ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه و إن لم يكن التعانا و روي أنه لما دعاهم إلى المباهلة قالوا حتى نرجع و ننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب و كان ذا رأيهم يا عبد المسيح ما ترى فقال و الله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالفضل من أمر صاحبكم و الله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم و لئن فعلتم لتهلكن فإن أبيتم إلا إلف دينكم و الإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم .

فأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها و هو يقول إذا أنا دعوت فأمنوا .

فقال أسقف نجران : يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبق على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة فقالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك و أن نقرك على دينك و نثبت على ديننا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما عليهم فأبوا قال فإني أناجزكم فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة و لكن نصالحك على أن لا تغزونا و لا تخيفنا و لا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة ألفا في صفر و ألفا في رجب و ثلاثين درعا عادية من حديد فصالحهم على ذلك .

و قال و الذي نفسي بيده إن الهلاك [العذاب] قد تدلى على أهل نجران و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لاضطرم الوادي عليهم نارا و لاستأصل الله نجران و أهله حتى الطير على رءوس الشجر و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا .

و عن عائشة : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج و عليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم فاطمة ثم علي ثم قال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً.

فإن قلت ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه و من خصمه و
[235]
ذلك أمر يختص به و بمن يكاذبه فما معنى ضم الأبناء و النساء.

قلت ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله و استيقانه بصدقه حيث استجرأه على تعريض أعزته و أفلاذ كبده و أحب الناس إليه لذلك لم يقتصر على تعريض نفسه له و على ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه مع أحبته و أعزته هلاك الاستئصال إلى أن تمت المباهلة و خص الأبناء و النساء لأنهم أعز الأهل و ألصقهم بالقلوب و ربما فداهم الرجل بنفسه و حارب دونهم حتى يقتل ثم من ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الضغائن في الحروب لتمنعهم من الحرب يسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق و قدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف مكانهم و قرب منزلتهم و ليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها و فيه دليل لا شي‏ء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (عليه السلام) و فيه برهان واضح على صحة نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه لم يرو أحد من موافق و لا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك انتهى كلام الزمخشري .
فصل
و تلا وفد نجران إنفاذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا (عليه السلام) إلى اليمن ليخمس زكواتها و يقبض ما تقرر على أهل نجران فتوجه و قام بما توجه له مسارعا إلى طاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحج فأذن في الناس به و بلغت دعوته إليه أقاصي بلاد الإسلام فتجهز الناس للخروج و كاتب أمير المؤمنين بالتوجه إلى الحج من اليمن و لم يذكر له نوع الحج الذي عزم عليه و خرج (صلى الله عليه وآله وسلم) قارنا للحج بسياق الهدي و أحرم من ذي الحليفة و أحرم الناس معه و لبى من عند الميل الذي بالبيداء فاتصل ما بين الحرمين بالتلبية فلما قارب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مكة من جهة المدينة قاربها علي (عليه السلام) من جهة اليمن بعسكره و تقدمهم للقاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأدركه و قد أشرف على مكة فسلم عليه و خبره بما صنع و قبض ما قبض فسر به و ابتهج بلقائه .

فقال بما أهللت يا علي فقال يا رسول الله إنك لم تكتب إلي بإهلالك و لا عرفته فعقدت نيتي بنيتك و قلت اللهم إهلالا كإهلال نبيك و سقت أربعا و ثلاثين بدنة فقال الله أكبر قد سقت أنا ستا و ستين و أنت شريكي في حجي
[236]
و مناسكي و هديي فأقم على إحرامك و عد إلى جيشك و عجل بهم إلي حتى نجتمع بمكة .

فعاد فلقي أصحابه عن قرب و قد لبسوا الحلل التي معهم فأنكر على الذي استخلفه فاستعادها و وضعها في الأعدال فاطعنوا ذلك عليه و كثرت شكايتهم منه حين دخلوا مكة .

فأمر رسول الله مناديه فنادى ارفعوا ألسنتكم عن علي بن أبي طالب فإنه خشن في ذات الله غير مداهن في دينه فكفوا عن ذكره و عرفوا مكانه منه و سخطه على من رام الغميزة فيه .

و خرج مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جماعة بغير سياق هدي فأنزل الله وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ.

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) دخلت العمرة في الحج و شبك إحدى أصابع يديه بالأخرى إلى يوم القيامة ثم قال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ثم أمر فنودي من لم يسق هديا فليحل و ليجعلها عمرة و من ساق هديا فليقم على إحرامه فأطاع بعض و خالف بعض و جرت بينهم خطوب و قال بعضهم رسول الله أشعث أغبر و نلبس الثياب و نقرب النساء و ندهن و قال بعضهم أ ما تستحيون أن تخرجوا و رءوسكم تقطر من الغسل و رسول الله على إحرامه فأنكر علي من خالف و قال لو لا أنني سقت الهدي لأحللت و جعلتها عمرة فمن لم يسق فليحل فرجع قوم و أقام آخرون فقال لبعض من أقام هلا أحللت و لم تسق هديا فقال و الله لا أحللت و أنت محرم فقال له إنك لن تؤمن بها حتى تموت .

فلذلك أقام على إنكار متعة الحج و صرح بتحريمها و نهى عنها.

قلت لو نقب أحد مسند أحمد بن حنبل لوجد فيه أحاديث كثيرة تقتضي
[237]
الأمر بها و الحث عليها و الإشارة بذكرها و لعلها تزيد على خمسين موضعا أو أكثر.

و لما قضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نسكه شرك عليا في هديه و قفل إلى المدينة معه فانتهى إلى غدير خم فنزل حين لا موضع نزول لعدم الماء و المرعى و نزل المسلمون معه و كان سبب نزوله أنه أمر بنصب أمير المؤمنين خليفة في الأمة من بعده و تقدم الوحي إليه في ذلك من غير توقيت فأخره إلى وقت يأمن فيه الاختلاف و علم أنه إن تجاوز غدير خم انفصل عنه كثير من الناس إلى بلادهم و أماكنهم و بواديهم فأراد الله أن يجمعهم لسماع النص و تأكيد الحجة فأنزل الله تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعني في استخلاف علي و النص عليه بالإمامة وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ فأكد الفرض عليه بذلك و خوفه من تأخير الأمر و ضمن له العصمة و منع الناس منه فنزل كما وصفنا و كان يوما قائظا شديد الحر و ساق ما قدمنا ذكره من قوله .

إني تارك فيكم الثقلين إلى آخره و نعى إليهم نفسه و قال قد حان مني خفوق من بين أظهركم و نادى بأعلى صوته أ لست أولى بكم من أنفسكم فقالوا اللهم بلى فقال على النسق و قد أخذ بضبعي علي (عليه السلام) فرفعهما حتى رئي بياض إبطيهما من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله ثم نزل و صلى الظهر و أمر عليا أن يجلس في خيمة بإزائه و أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجا فوجا فيهنئوه بالمقام و يسلموا عليه بإمرة المؤمنين ففعلوا ذلك و أمر أزواجه و نساء المسلمين به ففعلته .

و أظهر عمر بذلك سرورا كاملا و قال فيما قال بخ بخ لك يا علي أصبحت مولاي و مولى كل مؤمن و مؤمنة و استأذن حسان رحمه الله في الإنشاد فأذن له فأنشد :

يناديهم يوم الغدير نبيهم *** بخم و أسمع بالرسول مناديا

[238]
و قد تقدم ذكري لهذه القصة و الأبيات آنفا بألفاظ قريبة من هذه أو مثلها فهذه مقاماته و حروبه و مشاهده في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على سبيل الاختصار و الإجمال .
فأما حروبه في زمن خلافته (عليه السلام)
و مواقفه التي تزلزلت لبأسها ثوابت الأقدام و مقاماته التي دفعته إليها الأقدار في مقاتلة بغاة الإسلام و حروبه التي أنذره بها رسول الله فعرفت من قتله إياهم مشكلات الأحكام و اشتبه الحق فيها على قوم فقعدوا عن نصرته فندموا في الدنيا على التخلف عن الإمام و إن سلموا في الأخرى من العذاب فلن يسلموا من التعنيف و الملام و ثبات جأشه الذي هو أثبت من ثبير و سطوة بأسه التي تضطرم في الحروب اضطرام السعير و أفعاله التي تشهد بها وقعة الجمل و يوم النهروان و ليلة الهرير فأنا أذكرها على عادتي في الاختصار و سبيلي في الاقتناع بجمل الأخبار.
فمن ذلك وقعة الجمل
و المجتمعون لها لما رفضوا عليا (عليه السلام) و نقضوا بيعته و نكثوا عهده و غدروا به و خرجوا عليه و جمعوا الناس لقتاله مستخفين بعقد بيعته التي لزمهم فرض حكمها مسفين إلى إثارة فتنة عامة باءوا بإثمها لم ير إلا مقاتلتهم على مسارعتهم إلى نكث بيعته و مقابلتهم على الخروج عن حكم الله و لزوم طاعته و كان من الداخلين في البيعة أولا و الملتزمين لها ثم من المحرضين ثانيا على نكثها و نقضها طلحة و الزبير فأخرجا عائشة و جمعا من استجاب لهما و خرجوا إلى البصرة و نصبوا لعلي ع حبائل الغوائل و ألبوا عليه مطيعهم من الرامح و النابل مظهرين المطالبة بدم عثمان مع علمهم في الباطن أن عليا (عليه السلام) ليس بالآمر و لا القاتل.

و من العجب أن عائشة حرضت الناس على قتل عثمان بالمدينة و قالت اقتلوا نعثلا قتل
[239]
الله نعثلا فلقد أبلى سنة رسول الله و هذه ثيابه لم تبل و خرجت إلى مكة و قتل عثمان و عادت إلى بعض الطريق فسمعت بقتله و أنهم بايعوا عليا (عليه السلام) فورم أنفها و عادت و قالت لأطالبن بدمه فقيل لها يا أم المؤمنين أنت أمرت بقتله و تقولين هذا قالت لم يقتلوه إذ قلت و تركوه حتى تاب و عاد كالسبيكة من الفضة و قتلوه و خرج طلحة و الزبير من المدينة على خفية و وصلا إليها مكة و أخرجاها إلى البصرة و رحل علي (عليه السلام) من المدينة يطلبهم فلما قرب من البصرة كتب إلى طلحة و الزبير :

أما بعد فقد علمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني و لم أبايعهم حتى أكرهوني و أنتما ممن أرادوا بيعتي و بايعوا و لم تبايعا لسلطان غالب و لا لغرض حاضر فإن كنتما بايعتماني طائعين فتوبا إلى الله عز و جل عما أنتما عليه و إن كنتما بايعتما مكرهين فقد جعلتما السبيل عليكما بإظهاركما الطاعة و إسراركما المعصية و أنت يا زبير فارس قريش و أنت يا طلحة شيخ المهاجرين و دفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما به و أما قولكما إني قتلت عثمان بن عفان فبيني و بينكما من تخلف عني و عنكما من أهل المدينة ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل و هؤلاء بنو عثمان إن قتل مظلوما كما تقولان أولياؤه و أنتما رجلان من المهاجرين و قد بايعتماني و نقضتما بيعتي و أخرجتما أمكما من بيتها الذي أمرها الله أن تقر فيه و الله حسبكما و السلام .

و كتب علي (عليه السلام) إلى عائشة أما بعد فإنك خرجت من بيتك عاصية لله تعالى و لرسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) تطلبين أمرا كان عنك موضوعا ثم تزعمين أنك تريدين الإصلاح بين الناس فخبريني ما للنساء و قوة العساكر و زعمت أنك طالبة بدم عثمان و عثمان رجل من بني أمية و أنت امرأة من بني تيم بن مرة و لعمري إن الذي عرضك للبلاء و حملك على المعصية لأعظم إليك ذنبا من قتلة عثمان و ما غضبت حتى أغضبت
[240]
و لا هجت حتى هيجت فاتقي الله يا عائشة و ارجعي إلى منزلك و أسبلي عليك سترك و السلام .

فجاء الجواب إليه (عليه السلام) يا ابن أبي طالب جل الأمر عن العتاب و لن ندخل في طاعتك أبدا فاقض ما أنت قاض و السلام ثم تراءى الجمعان و تقاربا و رأى علي (عليه السلام) تصميم القوم على قتاله فجمع أصحابه و خطبهم خطبة بليغة قال (عليه السلام) فيها .

و اعلموا أيها الناس أني قد تأنيت هؤلاء القوم و راقبتهم و ناشدتهم كيما يرجعوا و يرتدعوا فلم يفعلوا و لم يستجيبوا و قد بعثوا إلي أن أبرز إلى الطعان و أثبت للجلاد و قد كنت و ما أهدد بالحرب و لا أدعى إليها و قد أنصف القارة من راماها منها فأنا أبو الحسن الذي فللت حدهم و فرقت جماعتهم فبذلك القلب ألقى عدوي و أنا على بينة من ربي لما وعدني من النصر و الظفر و إني لعلى غير شبهة من أمري ألا و إن الموت لا يفوته المقيم و لا يعجزه الهارب و من لم يقتل يمت فإن أفضل الموت القتل و الذي نفس علي بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش.

ثم رفع يده إلى السماء و قال اللهم إن طلحة بن عبيد الله أعطاني صفقة يمينه طائعا ثم نكث بيعتي اللهم فعاجله و لا تمهله و إن زبير بن العوام قطع قرابتي و نكث عهدي و ظاهر عدوي و نصب الحرب لي و هو يعلم أنه ظالم إلي اللهم فاكفنيه كيف شئت .

ثم تقاربوا و تعبوا لابسي سلاحهم و دروعهم متأهبين للحرب كل ذلك .

و علي (عليه السلام) بين الصفين عليه قميص و رداء و على رأسه عمامة سوداء و هو راكب على بغلة فلما رأى أنه لم يبق إلا مصافحة الصفاح و المطاعنة بالرماح صاح بأعلى صوته أين الزبير بن العوام فليخرج إلي فقال الناس يا أمير المؤمنين أ تخرج إلى الزبير
[241]
و أنت حاسر و هو مدجج في الحديد فقال (عليه السلام) ليس علي منه بأس ثم نادى ثانية فخرج إليه و دنا منه حتى واقفه فقال له علي (عليه السلام) يا أبا عبد الله ما حملك على ما صنعت فقال الطلب بدم عثمان فقال (عليه السلام) أنت و أصحابك قتلتموه فيجب عليك أن تقيد من نفسك و لكن أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل الفرقان على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أ ما تذكر يوما قال لك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا زبير أ تحب عليا فقلت و ما يمنعني من حبه و هو ابن خالي فقال لك أما أنت فستخرج عليه يوما و أنت له ظالم فقال الزبير اللهم بلى فقد كان ذلك فقال علي ع فأنشدك الله الذي أنزل الفرقان على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أ ما تذكر يوما جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من عند ابن عوف و أنت معه و هو آخذ بيدك فاستقبلته أنا فسلمت عليه فضحك في وجهي و ضحكت أنا إليه فقلت أنت لا يدع ابن أبي طالب زهوه أبدا فقال لك النبي مهلا يا زبير فليس به زهو و لتخرجن عليه يوما و أنت ظالم له فقال الزبير اللهم بلى و لكن أنسيت فأما إذا ذكرتني ذلك فلأنصرفن عنك و لو ذكرت ذلك لما خرجت عليك .

ثم رجع إلى عائشة فقالت ما وراءك يا أبا عبد الله فقال الزبير و الله ورائي أني ما وقفت موقفا في شرك و لا إسلام إلا و لي فيه بصيرة و أنا اليوم على شك من أمري و ما أكاد أبصر موضع قدمي ثم شق الصفوف و خرج من بينهم و نزل على قوم من بني تميم فقام إليه عمرو بن جرموز المجاشعي فقتله حين نام و كان في ضيافته فنفذت دعوة علي (عليه السلام) فيه.

و أما طلحة فجاءه سهم و هو قائم للقتال فقتله ثم التحم القتال و قال علي (عليه السلام) يوم الجمل وَ إِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَ طَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ ثم حلف حين
[242]
قرأها أنه ما قوتل عليها منذ نزلت حتى اليوم و اتصل الحرب و كثر القتل و الجرح ثم تقدم رجل من أصحاب الجمل يقال له عبد الله فجال بين الصفوف و قال أين أبو الحسن فخرج إليه علي (عليه السلام) و شد عليه و ضربه بالسيف فأسقط عاتقه و وقع قتيلا فوقف عليه و قال لقد رأيت أبا الحسن فكيف وجدته و لم يزل القتل يؤجج ناره و الجمل يفنى أنصاره حتى خرج رجل مدجج يظهر بأسا و يعرض بذكر علي (عليه السلام) حتى قال :

أضربكم و لو رأى عليا *** عممته أبيض مشرفيا

فخرج إليه علي (عليه السلام) متنكرا و ضربه على وجهه فرمى بنصف قحف رأسه فسمع صائحا من ورائه فالتفت فرأى ابن أبي خلف الخزاعي من أصحاب الجمل فقال هل لك في المبارزة يا علي فقال علي ما أكره ذلك و لكن ويحك يا ابن أبي خلف ما راحتك في القتل و قد علمت من أنا فقال ذرني يا ابن أبي طالب من بذخك بنفسك و ادن مني لترى أينا يقتل صاحبه فثنى علي عنان فرسه إليه فبدره ابن خلف بضربة فأخذها علي في جحفته ثم عطف عليه بضربة أطار بها يمينه ثم ثنى بأخرى أطار بها قحف رأسه و استعر الحرب حتى عقر الجمل و سقط و قد احمرت البيداء بالدماء و خذل الجمل و حزبه و قامت النوادب بالبصرة على القتلى.

و كان عدة من قتل من جند الجمل ستة عشر ألفا و سبعمائة و تسعين إنسانا و كانوا ثلاثين ألفا فأتى القتل على أكثر من نصفهم و قتل من أصحاب علي (عليه السلام) ألف و سبعون رجلا و كانوا عشرين ألفا.

و كان محمد بن طلحة المعروف بالسجاد قد خرج مع أبيه و أوصى علي (عليه السلام) عليه و أن لا يقتله من عساه أن يظفر به و كان شعار أصحاب علي (عليه السلام) حم فلقيه شريح بن أوفى
[243]
العبسي من أصحاب علي (عليه السلام) فطعنه فقال حم و قد سبق كما قيل السيف العذل فأتى على نفسه قال شريح هذا .

و أشعث قوام بآيات ربه قليل الأذى فيما ترى العين مسلم‏شككت بصدر الرمح جيب قميصه فخر صريعا لليدين و للفم‏على غير شي‏ء غير أن ليس تابعا عليا و من لم يتبع الحق يندم‏يذكرني حم و الرمح شاجر فهلا تلا حم قبل التقدم .

و جاء علي (عليه السلام) فوقف عليه و قال هذا رجل قتله بره بأبيه.

و كان مالك الأشتر قد لقي عبد الله بن الزبير في المعركة و وقع عبد الله إلى الأرض و الأشتر فوقه فكان ينادي اقتلوني و مالكا فلم ينتبه أحد من أصحاب الجمل لذلك و لو علموا أنه الأشتر لقتلوه ثم أفلت عبد الله من يده و هرب فلما وضعت الحرب أوزارها و دخلت عائشة إلى البصرة و دخل عليها عمار بن ياسر و معه الأشتر فقالت من معك يا أبا اليقظان فقال مالك الأشتر فقالت أنت فعلت بعبد الله ما فعلت فقال نعم فلو لا كوني شيخا كبيرا و طاويا لقتلته و أرحت المسلمين منه قالت أ و ما سمعت قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

إن المسلم لا يقتل إلا عن كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل النفس التي حرم الله قتلها .

فقال يا أم المؤمنين على أحد الثلاثة قاتلناه.

ثم أنشد :

أ عائش لو لا أنني كنت طاويا *** ثلاثا لألقيت ابن أختك هالكا

عشية يدعو و الرماح تحوزه *** بأضعف صوت اقتلوني و مالكا

فلم يعرفوه إذ دعاهم و عمه *** خدب عليه في العجاجة باركا

[244]
فنجاه مني أكله و شبابه و *** أني شيخ لم أكن متماسكا

و عن زرارة : أنه سمع عليا (عليه السلام) يقول أنا فقأت عين الفتنة و لو لا أنا ما قتل أهل النهر و أهل الجمل و لو لا أنني أخشى أن تتركوا العمل لأنبأتكم بالذي قضى الله على لسان نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) لمن قاتلهم مستبصرا ضلالهم عارفا للهدى الذي نحن عليه .

و على هذا قيل حضر جماعة من قريش عند معاوية و عنده عدي بن حاتم و كان فيهم عبد الله بن الزبير فقالوا يا أمير المؤمنين ذرنا نكلم عديا فقد زعموا أن عنده جوابا فقال إني أحذركموه فقالوا لا عليك دعنا و إياه فقال له ابن الزبير يا أبا طريف متى فقئت عينك قال يوم فر أبوك و قتل شر قتلة و ضربك الأشتر على استك فوقعت هاربا من الزحف و أنشد :

أما و أبي يا ابن الزبير لو أنني *** لقيتك يوم الزحف ما رمت لي سخطا

و كان أبي في طي و أبو أبي *** صحيحين لم تنزع عروقهما القبطا

و لو رمت شتمي عند عدل قضاؤه *** لرمت به يا ابن الزبير مدى شحطا

فقال معاوية قد كنت حذرتكموه فأبيتم , الحديث ذو شجون.

و ندمت عائشة على ما وقع منها و كانت لا تذكر يوم الجمل إلا أظهرت أسفا و أبدت ندما و بكت.

و نقلت من ربيع الأبرار للزمخشري قال : جميع بن عمير دخلت على عائشة فقلت من كان أحب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت فاطمة (صلى الله عليه وآله وسلم) قلت لها إنما أسألك عن الرجال قالت زوجها و ما يمنعه فو الله إنه كان لصواما قواما و لقد سالت نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في يده فردها إلى فيه قلت فما حملك على
[245]
ما كان فأرسلت خمارها على وجهها و بكت و قالت أمر قضي علي .

و روي : أنه قيل لها قبل موتها أ ندفنك عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فقالت لا إني أحدثت بعده و الحال في حرب أصحاب الجمل معروفة تحتمل الإطالة فاقتصرت منها على هذا القدر.

و كانت حروبه (صلى الله عليه وآله وسلم) مشكلة على من لم يؤت نور البصيرة فقعد عنه قوم و شك فيه آخرون و ما فيهم إلا من عرف أن الحق معه و ندم على التخلف عنه و كيف لا يكون الحق معه و الصواب فيما رواه و الرشد فيما أتاه و أدعية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سبقت له اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله و أدر الحق مع علي كيف دار و إذا كان دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مستجابا لزم أن ولي علي ولي الله و أولياؤه مؤمنون و عدو علي عدو الله و أعداؤه كافرون و أن ناصره منصور و خاذله مخذول و أن الحق يدور معه و يتصرف بتصرفه و لا يفارقه و لا يزايله فكلما فعله كان فيه مصيبا و من خالفه في أمر أو نابذه في حال أو منعه شيئا يريده أو حمله على ما يكرهه أو عصاه فيما يأمره به أو غصبه حقا أو شك فيه أو لامه على حركاته و سكناته و قضاياه و تصرفاته كان بمدلول دعاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مخطئا لأن من أقدم على شي‏ء من ذلك كان عدوا له ع و عدوه عدو الله و عدو الله كافر و هذا واضح فتأمل.
حرب صفين
و من حروبه حرب صفين المشتملة على وقائع يضطرب لها فؤاد الجليد و يشيب لهولها فود الوليد و يذوب لتسعر بأسها زبر الحديد و يجب منها قلب البطل الصنديد و يذهب بها عناد المريد و تمرد العنيد فإنها أسفرت عن نفوس آساد مختطفه باللهازم و رءوس أجلاد مقتطفه بالصوارم و أرواح فرسان طائره عن أوكارها و أشباح شجعان قد نبذت بالعراء دون إدراك أوتارها و فراخ هام قد أنهضت عن مجاثمها و ترائيب دوام أباح حرمتها من أمر بحفظ محارمها فأصبحت فرائس الوحوش في السباسب و طعمة الكواسر و الكواسب قد ارتوت الأرض من دمائها المطلولة و غصت البيداء بأشلائها المقتولة و رغمت أنوف حماتها و دنت حتوف

[246]
كماتها بأيدي رجالات بني هاشم الأخيار و سيوف سروات المهاجرين و الأنصار في طاعة سيدها و إمامها و حامي حقيقتها من خلفها و أمامها مفرق جموع الكفر بعد التيامها و مشتت طواغيت النفاق بعد انتظامها شيخ الحرب و فتاها و سيد العرب و مولاها ذي النسب السامي و العرق النامي و الجود الهامي و السيف الدامي و الشجاع المحامي و البحر الطامي مزيل الضيم ري الظامي مقتحم اللجج صاحب البراهين و الحجج أكرم من دب بعد المصطفى و درج الذي ما حوكم إلا و فلج فارس الخيل و سابق السيل و راكب النهار و الليل . تولى (عليه السلام) الحرب بنفسه النفيسة فخاض غمارها و اصطلى نارها و أزكى أوارها و دوخ أعوانها و أنصارها و أجرى بالدماء أنهارها و حكم في مهج القاسطين بسيفه فعجل بوارها فصارت الفرسان تتحاماه إذا بدر و الشجعان تلوذ بالهزيمة إذا زأر عالمة أنه ما صافحت صفحة سيفه مهجة إلا فارقت جسدها و لا كافح كتيبة إلا افترس ثعلب رمحه أسدها و هذا حكم ثبت له بطريق الإجمال و حال اتصف به بعموم الاستدلال و لا بد من ذكر بعض مواقفه في صفين فكثرتها توجب الاقتصار على يسيرها و كأين من حادثة يستغنى عن ثبوت طويلها بقصيرها.

فمنها أنه خرج من عسكر معاوية المخراق بن عبد الرحمن و طلب البراز فخرج إليه من عسكر علي (عليه السلام) المؤمل بن عبيد الله المرادي فقتله الشامي و نزل فجز رأسه و حك بوجهه الأرض و كبه على وجهه فخرج إليه فتى من الأزد اسمه مسلم بن عبد الله فقتله الشامي و فعل به كما فعل فلما رأى علي (عليه السلام) ذلك تنكر و الشامي واقف يطلب البراز فخرج إليه و هو لا يعرفه فطلبه فبدره علي (عليه السلام) بضربة على عاتقه فرمى بشقه فنزل فاجتز رأسه و قلب وجهه إلى السماء , و ركب و نادى هل من مبارز ?

فخرج إليه فارس فقتله , و فعل به كما فعل , و ركب و نادى هل من مبارز ?

فخرج إليه فارس فقتله و فعل به كما فعل , كذا إلى أن قتل سبعة ; فأحجم عنه الناس و لم يعرفوه .

و كان لمعاوية عبد
[247]
يسمى حربا و كان شجاعا فقال له معاوية : ويلك يا حرب اخرج إلى هذا الفارس فاكفني أمره فقد قتل من أصحابي ما قد رأيت .

فقال له حرب : و الله إني أرى مقام فارس لو برز إليه أهل عسكرك لأفناهم عن آخرهم , فإن شئت برزت إليه و أعلم أنه قاتلي , و إن شئت فاستبقني لغيره .

فقال معاوية : لا و الله ما أحب أن تقتل , فقف مكانك حتى يخرج إليه غيرك .

و جعل علي (عليه السلام) يناديهم و لا يخرج إليه أحد , فرفع المغفر عن رأسه و رجع إلى عسكره .

فخرج رجل من أبطال الشام يقال له كريب بن الصباح و طلب البراز فخرج إليه المبرقع الخولاني فقتله الشامي , و خرج إليه آخر فقتله أيضا , فرأى علي (عليه السلام) فارسا بطلا فخرج إليه علي (عليه السلام) بنفسه فوقف قبالته و قال له : من أنت ?

قال : أنا كريب بن الصباح الحميري .

فقال له علي : ويحك يا كريب إني أحذرك الله في نفسك و أدعوك إلى كتابه و سنة نبيه .

فقال له كريب : من أنت ?

فقال : أنا علي بن أبي طالب فالله الله في نفسك فإني أراك فارسا بطلا فيكون لك ما لنا و عليك ما علينا و تصون نفسك من عذاب الله و لا يدخلنك معاوية نار جهنم .

فقال كريب : ادن مني إن شئت , و جعل يلوح بسيفه .

فمشى إليه علي (عليه السلام) : فالتقيا ضربتين بدره علي فقتله .

فخرج إليه (عليه السلام) الحارث الحميري , فقتله , و آخر فقتله , حتى قتل أربعة و هو يقول : الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ .

ثم صاح علي (عليه السلام) : يا معاوية هلم إلى مبارزتي و لا تفنين العرب بيننا .

فقال معاوية : لا حاجة لي في ذلك , فقد قتلت أربعة من سباع العرب فحسبك .

فصاح شخص من أصحاب معاوية اسمه عروة بن داود , يا علي : إن كان معاوية قد كره مبارزتك فهلم إلى مبارزتي .

فذهب علي نحوه فبدره عروة بضربة فلم تعمل شيئا .

فضربه علي فأسقطه قتيلا ثم قال انطلق إلى النار .

و كبر على أهل الشام عند قتل عروة , و جاء الليل .

و خرج علي (عليه السلام) في يوم آخر متنكرا و طلب البراز فخرج إليه عمرو بن العاص و هو لا يعرف أنه علي و عرفه علي (عليه السلام) فاطرد بين يديه ليبعده عن عسكره فتبعه عمرو مرتجزا :

يا قادة الكوفة من أهل الفتن *** أضربكم و لا أرى أبا الحسن

[248]
فرجع إليه علي (عليه السلام) و هو يقول :

أبو الحسين فاعلمن و الحسن *** جاءك يقتاد العنان و الرسن

فعرفه عمرو فولى ركضا و لحقه علي (عليه السلام) فطعنه طعنة وقع الرمح في فصول درعه فسقط إلى الأرض و خشي أن يقتله علي فرفع رجليه فبدت سوأته فصرف علي (عليه السلام) وجهه و انصرف إلى عسكره.

و جاء عمرو و معاوية يضحك منه فقال مم تضحك و الله لو بدا لعلي من صفحتك ما بدا له من صفحتي إذا لأوجع قذالك و أيتم عيالك و أنهب مالك فقال معاوية لو كنت تحتمل مزاحا لمازحتك فقال عمرو و ما أحملني للمزاح و لكن إذا لقي الرجل رجلا فصد عنه و لم يقتله أ تقطر السماء دما فقال معاوية لا و لكنها تعقب فضيحة الأبد حينا أما و الله لو عرفته لما أقدمت عليه قلت قد أجاد القائل ما شاء و أظنه أبا فراس بن حمدان :

و لا خير في دفع الردى بمذلة *** كما ردها يوما بسوأته عمرو

و كان في أصحاب معاوية فارس مشهور بالشجاعة اسمه بسر بن أرطاة.

قلت هذا بسر بن أرطاة لعنه الله هو صاحب جيش معاوية إلى اليمن و كان من شر الناس و أقدمهم على معاصي الله تعالى و سفك الدماء المحرمة و أشد العالمين عداوة لله و لرسوله و لآل بيته و أقلهم دينا و أكثرهم عنادا للحق و أقربهم إلى مساوئ الأخلاق و أبعدهم من خير و أعظمهم تمردا و كفرا و تسلطا لا يميز بين حق و باطل جاهل فاسق فظ غليظ متمرد لئيم سيئ الملكة قتال .

قال ابن الأثير في تاريخه ما هذا ملخصه : قال بعث معاوية بسر بن أرطاة في سنة أربعين في ثلاثة آلاف فارس إلى الحجاز و اليمن فأتى المدينة و فيها أبو أيوب الأنصاري عامل علي عليها فهرب و أتى عليا بالكوفة و دخل بسر المدينة و لم يقاتله أحد و نادى الأنصار شيخي عهدته هنا فما فعل يعني عثمان ثم قال و الله لو لا ما عهد إلي معاوية ما تركت بها محتلما و طلب جابر بن عبد الله ليبايع فهرب إلى أم سلمة رضي
[249]
الله عنها فأشارت عليه بالمبايعة و خرج بسر إلى مكة فخاف أبو موسى الأشعري أن يقتله فهرب و أكره الناس إلى البيعة و سار إلى اليمن و عاملها من قبل علي (عليه السلام) عبيد الله بن العباس فهرب إلى علي بالكوفة و استخلف على اليمن عبد الله بن عبد المدان الحارثي فأتاه بسر فقتله و قتل ابنه و قتل ابنين لعبيد الله بن العباس و كانا مقيمين عند شخص بالبادية فقال أي ذنب لهما إن كنت لا بد قاتلهما فاقتلني فقتله و قيل إنه حارب دونهما حتى قتل و كان ينشد :

الليث من يمنع حافات الدار *** و لا يزال مصلتا دون الجار

و خرجت امرأة فقالت : قتلت الرجال فعلام تقتل الذرية ? و الله ما كانوا يقتلون في جاهلية و لا إسلام ; و الله يا ابن أرطاة إن سلطانا لا يقوم إلا بقتل الصبي الصغير و الشيخ الكبير و نزع الرحمة و عقوق الأرحام لسلطان سوء .

و قتل بسر في مسيره ذلك جماعة من شيعة علي باليمن و بلغ عليا الخبر فأرسل حارثة بن قدامة في ألفي فارس و وهب بن مسعود في ألفين فسمع بهما الملعون بسر فهرب و كانت أم الصبيين المقتولين جويرية بنت فارط و قيل عائشة بنت عبد الله بن عبد المدان قد ولهت لما قتل ولداها فلا تعقل و لا تصغي و لا تزال تنشدهما في المواسم و تقول :

يا من أحس بابني اللذين هما *** كالدرتين تشظى عنهما الصدف‏

يا من أحس بابني اللذين هما *** قلبي و سمعي فقلبي اليوم مختطف

و هي أبيات مشهورة و لما سمع أمير المؤمنين بقتلهما جزع جزعا شديدا و دعا على بسر , فقال : اللهم اسلبه دينه و عقله فأصابه ذلك و فقد عقله و كان يهدي بالسيف و يطلبه فيؤتى بسيف من خشب و يجعل بين يديه زق منفوخ فلا يزال يضربه فلم يزل كذلك حتى مات.

و لما استقر الأمر لمعاوية دخل عليه عبيد الله بن العباس و عنده بسر بن أرطاة , فقال : وددت أن الأرض أنبتتني عندك حين قتلت ولدي .

فقال بسر : هاك
[250]
سيفي , فأهوى عبيد الله يتناوله , فأخذه معاوية , و قال لبسر : أخزاك الله شيخا قد خرفت , و الله لو تمكن منه لبدأ بي .

قال عبيد الله : أجل ثم ثنيت به .

و قيل إن مسير بسر إلى الحجاز كان سنة اثنتين و أربعين.

رجع الحديث : فلما سمع بسر عليا يدعو معاوية إلى البراز و معاوية يمتنع قال قد عزمت على مبارزه علي فلعلي أقتله فأذهب في العرب بشهرته و شاور غلاما يقال له لاحق فقال إن كنت واثقا من نفسك فافعل و إلا فلا تبرز إليه فإنه و الله الشجاع المطرق :

فأنت له يا بسر إن كنت مثله *** و إلا فإن الليث للضبع آكل

‏متى تلقه فالموت في رأس رمحه *** و في سيفه شغل لنفسك شاغل

فقال : ويحك هل هو إلا الموت و لا بد من لقاء الله على كل الأحوال إما بموت أو قتل .

ثم خرج بسر إلى علي (عليه السلام) و هو ساكت بحيث لا يعرفه علي (عليه السلام) لحالة كانت صدرت منه ; فلما نزل إليه علي (عليه السلام) حمل عليه فسقط بسر عن فرسه على قفاه و رفع رجليه و انكشف سوأته .

فصرف علي وجهه عنه , و وثب بسر قائما ; و سقط المغفر عن رأسه .

فصاح أصحاب علي : يا أمير المؤمنين إنه بسر بن أرطاة .

فقال (عليه السلام) : ذروه عليه لعنة الله .

فضحك معاوية من بسر و قال : لا عليك فقد نزل بعمرو مثلها .

و صاح فتى من أهل الكوفة ويلكم يا أهل الشام أ ما تستحيون لقد علمكم ابن العاص لعنه الله تعالى كشف الأستاه في الحروب و أنشد :

أ في كل يوم فارس ذو كريهة *** له عورة وسط العجاجة بادية

يكف بها عنه علي سنانه *** و يضحك منه في الخلاء معاوية

فقولا لعمرو و ابن أرطاة أبصرا *** سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية

و لا تحمدا إلا الحيا و خصاكما *** هما كانتا و الله للنفس واقية

فلولاهما لم تنجوا من سنانه و *** تلك بما فيها من العود ثانية

و كان بسر يضحك من عمرو فعاد عمرو يضحك منه و تحامى أهل الشام عليا و خافوه خوفا شديدا.

[251]
و كان لعثمان مولى اسمه أحمر فخرج يطلب البراز فخرج إليه كيسان مولى علي (عليه السلام) فحمل عليه فقتله فقال علي (عليه السلام) قتلني الله إن لم أقتلك ثم حمل عليه فاستقبله بالسيف فاتقى علي ضربته بالجحفة ثم قبض ثوبه و أقلعه من سرجه و ضرب به الأرض فكسر منكبيه و عضديه و دنا منه أهل الشام فما زاده قربهم إسراعا فقال له ابنه الحسن (عليه السلام) ما ضرك لو سعيت حتى تنتهي إلى أصحابك فقال يا بني إن لأبيك يوما لن يعدوه و لا يبطئ به عنه السعي و لا يعجل به إليه المشي و إن أباك و الله لا يبالي أ وقع على الموت أم وقع الموت عليه.

و كان لمعاوية عبد اسمه حريث و كان فارسا بطلا فحذره معاوية من التعرض لعلي (عليه السلام) فخرج و تنكر له علي فقال عمرو بن العاص لحريث لا يفوتك هذا الفارس و عرف عمرو أنه علي فحمل حريث فداخله علي و ضربه ضربة أطار بها قحف رأسه فسقط قتيلا و اغتم معاوية عليه غما شديدا و قال لعمرو أنت قتلت حريثا و غررته.

و خرج العباس بن ربيعة بن الحارث الهاشمي فأبلى و خرج فارس من أصحاب معاوية فتنازلا و تضاربا و نظر العباس إلى وهن في درع الشامي فضربه العباس على ذلك الوهن فقده باثنين فكبر جيش علي (عليه السلام) و ركب العباس فرسه فقال معاوية من يخرج إلى هذا فقتله فله كذا و كذا فوثب رجلان من لخم من اليمن فقالا نحن نخرج إليه فقال اخرجا فأيكما سبق إلى قتله فله من المال ما ذكرت و للآخر مثل ذلك فخرجا إلى مقر المبارزة و صاحا بالعباس و دعواه إلى المبارزة فقال أستأذن صاحبي و أعود إليكما و جاء إلى علي (عليه السلام) ليستأذنه فقال له أعطني ثيابك و سلاحك و فرسك فلبسها علي (عليه السلام) و ركب الفرس و خرج إليهما على أنه العباس فقالا استأذنت صاحبك فتحرج من الكذب فقرأ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَ إِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ فتقدم إليه أحد الرجلين فالتقيا ضربتين ضربه علي على مراق بطنه فقطعه باثنين فظن أنه أخطأه فلما تحرك الفرس سقط قطعتين و صار فرسه إلى عسكر علي و تقدم الآخر فضربه علي (عليه السلام) فألحقه بصاحبه ثم جال عليهم جولة و رجع إلى موضعه و علم معاوية أنه .

[252]
علي فقال قبح الله اللجاج إنه لقعود ما ركبته إلا خذلت فقال له عمرو بن العاص المخذول و الله اللخميان لا أنت فقال له معاوية اسكت أيها الإنسان ليس هذه الساعة من ساعاتك فقال عمرو فإن لم تكن من ساعاتي فرحم الله اللخميين و لا أظنه يفعل و من وقائع صفين ليلة الهرير التي خاضت الفرسان فيها في دماء أقرانها و أضرمت الحرب فيها شواظ نيرانها و تعاطى الشجعان فيها كاسات الحمام فمالت بصاحبها و سكرانها و جل الأمر عن المضاربة بسيفها و المطاعنة بسنانها فهرت لحقدها كادمة بأنيابها عاضة بأسنانها قد شعلت بنار الحمية فطائفة تجهد في طاعتها و أخرى تدأب في عصيانها قد صبرت هذه اتباعا لحقها و صدقها و تلك لباطلها و بهتانها قاتلت هذه حسبة سبيل ربها و إمامها و تلك في اتباع غويها و شيطانها و هذه تعلن بتلاوة كتابها و ترتيل قرآنها و تلك القاسطة تنادي بدعوى الجاهلية و أوثانها و الإمام (عليه السلام) قد باشرها بنفسه فكم قتل من رجالها و أردى من فرسانها و كم أنحى على كتيبة فما عاد إلا بعد تفريق جمعها و هد أركانها و وصل بين الحزن و أهلها و فرق بين رءوسها و أبدانها و شتت شمل اجتماعها فجمع عليها بين وحوش الأرض و عقبانها فيا لها من ليلة خرست فيها الشقاشق فلا تسمع إلا همهمة و خشعت لها الأصوات فلا تحس إلا غمغمة و عجزت بها الألسن عن النطق فكان نطقها تمتمة و أرادت التقريع على فعالها فلم تستطعه فاعتاضت عنه زئيرا و دمدمة و أظلم سواد حديدها و ليلها و غبارها فعدت بليالي و سال بأرضها طوفان الدم فسوى بين السافل و العالي و أومضت في ظلمائها بوارق السيوف و بدور البيض و شهب العوالي و دارت بها رحى الحرب فطحنت الأواخر و الأوالي و انتصب مالك لتلقي روح المعادي و استبشر رضوان بروح الموالي و أمير المؤمنين فارس ذلك الجمع و أسده و إمامه و مولاه و سيده و هادي من اتبعه و مرشده يهدر كالفحل و يزأر كالأسد و يفرقهم و يجمعهم كفعله بالنقد لا يعترضه في إقامة الحق و إدحاض الباطل فتور و لا يلم به في إعلاء كلمة الله و خزي أعدائه قصور يختطف النفوس و يقتطف الرءوس و يلقي .

[253]
بطلاقة وجهه اليوم العبوس و يذل بسطوة بأسه الأسود السود و الفرسان الشئوس و يخجل بأنواره في ليل القتام الأقمار و الشموس فما لقي شجاعا إلا و أراق دمه و لا بطلا إلا و زلزل قدمه و لا مريدا إلا أعدمه و لا قاسطا إلا قصر عمره و أطال ندمه و لا جمع نفاق إلا فرقه و لا بناء ضلال إلا هدمه و كان كلما قتل فارسا أعلن بالتكبير فأحصيت تكبيراته ليلة الهرير فكانت خمسمائة و ثلاثا و عشرين تكبيرة بخمسمائة و ثلاث و عشرين قتيلا من أصحاب السعير و قيل إنه في تلك الليلة فتق نيفق درعه لثقل ما كان يسيل من الدم على ذراعه و قيل إن قتلاه عرفوا في النهار فإن ضرباته كانت على وتيرة واحدة إن ضرب طولا قد أو عرضا قط و كانت كأنها مكواة بالنار قال كمال الدين بن طلحة فما تحلى بهذه المزايا و الخلال و لا أبلى بلاؤه المذكور في النزال و لا صدرت منه هذه الأفعال إلا عن شجاعة تذل لها الأبطال و تقل لديها الأهوام و لا تقوم بوصفها الأقلام و الأقوال و لا يحتاج في تحققها أن يثبتها الاستدلال و على الجملة و التفصيل فمقام شجاعته لا ينال و ما ذا بعد الحق إلا الضلال و لما أسفر صبح ليلة الهرير عن ضيائه و حسر الليل جنح ظلمائه كانت القتلى من الفريقين ستة و ثلاثين ألف قتيل هكذا نقله مصنف كتاب الفتوح و مؤرخ الوقائع التي نقلها بألسنة أقلامه فهي في الرواية منسوبة إليه العهدة فيها عند تتبعها عليه و هذه الوقائع المذكورة مع أهوالها الصعاب و صيالها المصلى لظى الطعان و الضراب هي بالنسبة إلى بقايا وقائع صفين كالقطرة من السحاب و الشذرة من السحاب انتهى كلام ابن طلحة.

قلت و في صبيحة هذه الليلة استظهر أصحاب علي (عليه السلام) و لاحت لهم أمارات الظفر و علائم الغلب و زحف مالك الأشتر رحمه الله بمن معه حتى ألجأهم إلى معسكرهم و اشتد القتال ساعتئذ و رأى علي (عليه السلام) أمارات النصر من جهة الأشتر فأمده برجال من أصحابه و حين رأى عمرو بن العاص ذلك قال لمعاوية إني أعددت لهذا الوقت رأيا أرجو به تفريق كلمتهم و دفع هذا الأذى المعجل قال معاوية و ما
[254]
هو قال نرفع المصاحف على رءوس الرماح و ندعوهم إلى كتاب الله تعالى فقال أصبت و رفعوها و رجع القراء عن القتال فقال لهم علي (عليه السلام) إنها فعلة عمرو بن العاص و خديعة و فرار من الحرب و ليسوا من رجال القرآن فيدعوننا إليه فلم يقبلوا و قالوا لا بد أن تنفذ و ترد الأشتر عن موقفه و إلا حاربناك و قتلناك أو سلمناك إليهم فأنفذ في طلب الأشتر فأعاد إليه أنه ليس بوقت يجب أن تزيلني فيه عن موقفي و قد أشرفت على الفتح فعرفه بالاختلاف الذي وقع فعاد و لام القراء و عنفهم و سبهم و سبوه و ضرب وجه دوابهم و ضربوا وجه دابته و أبوا إلا الاستمرار على غيهم و انهماكا في بغيهم و وضعت الحرب أوزارها.

و سأل علي (عليه السلام) ما الذي أردتم برفع المصاحف قالوا الدعاء إلى ما فيها و الحكم بمضمونها و أن نقيم حكما و تقيموا حكما ينظران في هذا الأمر و يقران الحق مقره فعرفهم أمير المؤمنين ما في طي أقوالهم من الخداع و ما ينضمون عليه من خبث الطباع فلم يسمعوا و لم يجيبوا و ألزموه بذلك إلزاما لا محيص عنه فأجاب على مضض.

و نصب معاوية عمرو بن العاص و عين علي (عليه السلام) على عبد الله بن العباس فلم يوافقوا و قالوا لا فرق بينك و بينه فقال فأبو الأسود فأبوا عليه فاختاروا أبا موسى الأشعري فقال (عليه السلام) إن أبا موسى مستضعف و هواه مع غيرنا فقالوا لا بد منه فقال إذا أبيتم فاذكروا كلما قلت و قلتم و كان من خدع عمرو أبا موسى و حمله على خلع علي (عليه السلام) و إقرارها على لسان عمرو في معاوية و تشاتمهما و تلاعنهما ما هو مشهور في كتب السير و التواريخ.

و قد عمل في صفين كتاب مفرد و ليس كتابنا هذا بصدد ذكر ذلك و أمثاله و إنما غرضنا وصف مواقف أمير المؤمنين (عليه السلام) و شدة بأسه و إقدامه و تعديد مناقبه و ذكر أيامه و نذكر ملخصا حال معاوية عند عزمه على قتال علي فإنه شاور فيه ثقاته و أهل وده فقالوا هذا أمر عظيم لا يتم إلا بعمرو بن العاص فإنه قريع زمانه في الدهاء .

[255]
و المكر و قلوب أهل الشام مائلة إليه و هو يخدع و لا يخدع فقال صدقتم و لكنه يحب عليا فأخاف أن يمتنع فقالوا رغبه بالمال و أعطه مصر.

فكتب إليه من معاوية بن أبي سفيان خليفة عثمان بن عفان إمام المسلمين و خليفة رسول رب العالمين ذي النورين ختن المصطفى على ابنتيه و صاحب جيش المعسرة و بئر رومة المعدوم الناصر الكثير الخاذل المحصور في منزله المقتول عطشا و ظلما في محرابه المعذب بأسياف الفسقة إلى عمرو بن العاص صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ثقته و أمير عسكره بذات السلاسل المعظم رأيه المفخم تدبيره أما بعد فلن يخفى عليك احتراق قلوب المؤمنين و فجعتهم بقتل عثمان و ما ارتكبه جاره بغيا و حسدا و امتناعه عن نصرته و خذلانه إياه حتى قتل في محرابه فيا لها مصيبة عمت الناس و فرضت عليهم طلب دمه من قتله و أنا أدعوك إلى الحظ الأجزل من الثواب و النصيب الأوفر من حسن المآب بقتال من آوى قتلة عثمان.

فكتب إليه عمرو بن العاص من عمرو بن العاص صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فقد وصل كتابك فقرأته و فهمته فأما ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي و التهور في الضلالة معك و إعانتي إياك على الباطل و اختراط السيف في وجه علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هو أخو رسول الله و وصيه و وارثه و قاضي دينه و منجز وعده و زوج ابنته سيدة نساء أهل الجنة و أبو السبطين سيدي شباب أهل الجنة و أما قولك إنك خليفة عثمان فقد صدقت و لكن تبين اليوم عزلك من خلافته و قد بويع لغيره فزالت خلافتك و أما ما عظمتني به و نسبتني إليه من صحبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أني صاحب جيشه فلا أغتر بالتزكية و لا أميل بها عن الملة.

و أما ما نسبت أبا الحسن أخا رسول الله و وصيه إلى البغي و الحسد لعثمان و سميت الصحابة فسقة و زعمت أنه أشلاهم على قتله فهذا كذب و غواية ويحك يا معاوية أ ما علمت أن أبا الحسن بذل نفسه بين يدي رسول الله و بات على فراشه و هو صاحب السبق إلى الإسلام و الهجرة .

و قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : هو مني و أنا منه و هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي .

و قال فيه يوم الغدير : من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد
[256]
من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله .

و قال فيه يوم حنين : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله و يحبه الله و رسوله .

و قال فيه يوم الطير : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك فلما دخل قال و إلي و إلي .

و قال فيه يوم النضير : علي إمام البررة و قاتل الفجرة منصور من نصره مخذول من خذله .

و قال فيه : علي وليكم بعدي .

و أكد القول علي و عليك و على جميع المسلمين .

و قال : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله و عترتي أهل بيتي .

و قال : أنا مدينة العلم و علي بابها .

و قد علمت يا معاوية ما أنزل الله من الآيات المتلوات في فضائله التي لا يشركه فيها أحد كقوله تعالى يُوفُونَ بِالنَّذْرِ * إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ * أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ * رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ * قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى .

و قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أ ما ترضى أن يكون سلمك سلمي و حربك حربي و تكون أخي و وليي في الدنيا و الآخرة يا أبا الحسن من أحبك فقد أحبني و من أبغضك فقد أبغضني و من أحبك أدخله الله الجنة و من أبغضك أدخله الله النار .

و كتابك يا معاوية الذي هذا جوابه ليس مما ينخدع به من له عقل و دين و السلام.

فكتب إليه معاوية يعرض عليه الأموال و الولايات و كتب في آخر كتابه .

جهلت و لم تعلم محلك عندنا *** فأرسلت شيئا من خطاب و ما تدري

‏فثق بالذي عندي لك اليوم آنفا *** من العز و الإكرام و الجاه و النصر

[257]
فأكتب عهدا ترتضيه مؤكدا *** و أشفعه بالبذل مني و بالبر

فكتب إليه عمرو :

أبى القلب مني أن أخادع بالمكر *** بقتل ابن عفان أجر إلى الكفر

أبيات ليست بالشعر الجيد يطلب فيها مصر فكتب له معاوية بذلك و أنفذه إليه ففكر عمرو و لم يدر ما يصنع و ذهب عنه النوم فقال :

تطاول ليلي بالهموم الطوارق *** فصافحت من دهري وجوه البوائق

‏أ أخدعه و الخدع مني سجية *** أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق

‏أم أقعد في بيتي و في ذاك راحة *** لشيخ يخاف الموت في كل شارق

فلما أصبح دعا مولاه وردان و كان عاقلا فشاوره في ذلك فقال وردان إن مع علي آخرة و لا دنيا معه و هي التي تبقى لك و تبقى فيها و إن مع معاوية دنيا و لا آخرة معه و هي التي لا تبقى على أحد فاختر ما شئت .

فتبسم عمرو و قال :

يا قاتل الله وردانا و فطنته *** لقد أصاب الذي في القلب وردان

‏لما تعرضت الدنيا عرضت لها *** بحرص نفس و في الأطباع إدهان

‏نفس تعف و أخرى الحرص يغلبها *** و المرء يأكل نتنا و هو غرثان

‏أما علي فدين ليس يشركه دنيا *** و ذاك له دنيا و سلطان

‏فاخترت من طمعي دنيا على بصر *** و ما معي بالذي أختار برهان

‏إني لأعرف ما فيها و أبصره *** و في أيضا لما أهواه ألوان

‏لكن نفسي تحب العيش في شرف *** و ليس يرضى بذل العيش إنسان

ثم إن عمرو أرحل إلى معاوية فمنعه ابنه عبد الله و وردان فلم يمتنع فلما بلغ مفرق الطريقين الشام و العراق قال له وردان طريق العراق طريق الآخرة و طريق الشام طريق الدنيا فأيهما تسلك قال طريق الشام
[258]
قلت لا يغني عبد الله و وردان و قد قاده إلى جهنم الشيطان و باع حظه من الآخرة و شهد عليه ما جرى على لفظه فأحله في الساحرة و كان من جملة آثاره المذمومة و أفعاله المشئومة رفع المصاحف التي خرج بها الخوارج فتنكبوا بها عن الصراط المستقيم و أخذوا على أمير المؤمنين الرضا بالتحكيم و انقادوا إلى امتثال أمر الشيطان الرجيم و هناك نجم أمر الخوارج فأساءوا في التأويل ففارقوا الحق و تنكبوا سواء السبيل و عملوا بآرائهم المدخولة فتنوعت لهم فنون الضلالات و الأباطيل و سأذكر كيفية أمرهم و حالهم و ما جرى عليهم جزاء كفرهم و ضلالهم و ما أباحه الله على يد وليه من دمارهم و وبالهم عند إنجازي ذكر زوائد أذكرها من أخبار صفين و على الله أتوكل و به أعتضد و أستعين.

في هذه الحرب قتل أبو اليقظان عمار بن ياسر رضي الله عنه و قد تظاهرت الروايات .

أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال عمار بن ياسر جلدة بين عيني تقتله الفئة الباغية .

و في صحيح مسلم عن أم سلمة : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعمار تقتلك الفئة الباغية .

قال ابن الأثير رحمه الله : و خرج عمار بن ياسر على الناس فقال اللهم إنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقذف بنفسي في هذا البحر لفعلته اللهم إنك تعلم لو أني أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم أنحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت و إني لا أعلم اليوم عملا أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين و لو أعلم عملا هو أرضى لك منه لفعلته و الله إني لأرى قوما ليضربنكم ضربا يرتاب منه المبطلون و الله لو ضربونا حتى بلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل ثم قال من يبتغي رضوان الله لا يرجع إلى مال و لا ولد فأتاه عصابة فقال اقصدوا بنا هؤلاء القوم الذين يطلبون بدم عثمان و الله ما أرادوا الطلب بدمه و لكنهم ذاقوا الدنيا و استحبوها و علموا أن الحق إذا لزمهم حال بينهم و بين ما يتمرغون
[259]
فيه منها و لم تكن لهم سابقة يستحقون بها طاعة الناس و الولاية عليهم فخدعوا أتباعهم بأن قالوا إمامنا قتل مظلوما ليكونوا بذلك جبابرة و ملوكا فبلغوا ما ترون و لو لا هذه الشبهة لما تبعهم رجلان من الناس اللهم إن تنصرنا فطال ما نصرت و إن تجعل لهم الأمر فادخر لهم بما أحدثوا في عبادك العذاب الأليم ثم مضى و معه العصابة فكان لا يمر بواد من أودية صفين إلا تبعه من كان هناك من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم جاء إلى هاشم بن عتبة بن أبي الوقاص و هو المرقال و كان صاحب راية علي (عليه السلام) فقال يا هاشم أ عورا و جبنا لا خير في أعور لا يغشى البأس اركب يا هاشم فركب و مضى معه و هو يقول :

أعور يبغي أهله محلا قد *** عالج الحياة حتى ملا

و عمار يقول تقدم يا هاشم الجنة تحت ظلال السيوف و الموت تحت أطراف الأسل و قد فتحت أبواب السماء و زينت الحور العين اليوم ألقى الأحبة محمدا و حزبه و تقدم حتى دنا من عمرو بن العاص فقال يا عمرو بعت دينك بمصر تبا لك تبا لك فقال لا و لكن أطلب بدم عثمان قال له أشهد على علمي فيك أنك لا تطلب بشي‏ء من فعلك وجه الله تعالى و أنك إن لم تقتل اليوم تمت غدا فانظر إذا أعطي الناس على قدر نياتهم ما نيتك لغد فإنك صاحب هذه الراية ثلاثا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هذه الرابعة و ما هي بأبر و لا أتقى ثم قاتل عمار و لم يرجع و قتل .

قال حبة بن جوين العرني قلت لحذيفة بن اليمان حدثنا فإنا نخاف الفتن فقال : عليكم بالفئة التي فيها ابن سمية .

فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال تقتله الفئة الباغية الناكبة عن الطريق .

فإن آخر رزقه ضياح من لبن قال حبة فشهدته يوم قتل يقول ائتوني بآخر رزق لي من الدنيا فأتي بضياح من لبن في قدح أروح بحلقة حمراء فما أخطأ حذيفة بقياس شعره فقال اليوم ألقى الأحبة محمدا و حزبه و قال
[260]
و الله لو ضربونا حتى بلغونا سعفات هجر لعلمت أننا على الحق و أنهم على الباطل ثم قتل رضي الله عنه قيل قتله أبو العادية و اجتز رأسه ابن جوى السكسكي .

و كان ذو الكلاع سمع عمرو بن العاص يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعمار بن ياسر تقتلك الفئة الباغية و آخر شربة تشربها ضياح من لبن .

و نقلت من مناقب الخوارزمي قال : شهد خزيمة بن ثابت الأنصاري الجمل و هو لا يسل سيفا و صفين و قال لا أصلي أبدا خلف إمام حتى يقتل عمار فأنظر من يقتله .

فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول تقتله الفئة الباغية .

قال فلما قتل عمار قال خزيمة : قد جاءت لي الصلاة ثم اقترب فقاتل حتى قتل و كان الذي قتل عمار أبو العادية المزني طعنه برمح فسقط و كان يومئذ يقاتل و هو ابن أربع و تسعين سنة فلما وقع أكب عليه رجل فاجتز رأسه فأقبلا يختصمان كلاهما يقول أنا قتلته فقال عمرو بن العاص و الله إن يختصمان إلا في النار فسمعها معاوية فقال لعمرو و ما رأيت مثل ما صنعت قوم بذلوا أنفسهم دوننا تقول لهما إنكما تختصمان في النار فقال عمرو هو و الله ذاك و إنك لتعلمه و لوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة .

و بالإسناد عن أبي سعيد الخدري قال : كنا نعمر المسجد و كنا نحمل لبنة لبنة و عمار لبنتين لبنتين فرآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فجعل ينفض التراب عنه و يقول أ لا تحمل كما يحمل أصحابك قال إني أريد الأجر من الله تعالى قال فجعل ينفض التراب عنه و يقول ويحك تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة و يدعونك إلى النار قال عمار أعوذ بالرحمن أظنه قال من الفتن .

قال أحمد بن الحسين البيهقي و هذا صحيح على شرط البخاري.

و قال عبد الله بن عمرو بن العاص لأبيه عمرو حين قتل عمار أ قتلتم عمارا ; و قد قال رسول الله ص ما قال .

فقال عمرو لمعاوية : أ تسمع ما يقول عبد الله ?

فقال : إنما قتله من جاء به .

فسمعه أهل الشام ; فقالوا إنما قتله من جاء به .

فبلغت عليا (عليه السلام) ; فقال : أ يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) قاتل حمزة رضي الله عنه لأنه جاء به ?

[261]
و نقلت من مسند أحمد بن حنبل عن عبد الله بن الحرث قال : إني لأسير مع معاوية في منصرفه من صفين بينه و بين عمرو بن العاص قال فقال عبد الله بن عمرو يا أبة أ ما سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعمار ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية قال فقال عمرو لمعاوية أ لا تسمع ما يقول هذا فقال معاوية لا يزال يأتينا نهبة أ نحن قتلناه إنما قتله الذين جاءوا به.

و من مسند أحمد أيضا عن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال : ما زال جدي كافا سلاحه يوم الجمل حتى قتل عمار بصفين فسل سيفه فقاتل حتى قتل .

قال سمعت رسول الله ص يقول : تقتل عمارا الفئة الباغية .

و من المسند عن علي (عليه السلام) : أن عمارا استأذن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال الطيب المطيب ائذن .

و من المناقب عن علقمة و الأسود قالا : أتينا أبا أيوب الأنصاري فقلنا يا أبا أيوب إن الله أكرمك بنبيه إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضيفا لك فضيلة فضلك الله بها أخبرنا عن مخرجك مع علي قال فإني أقسم لكما أنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا البيت الذي أنتما فيه و ليس في البيت غير رسول الله و علي جالس عن يمينه و أنا عن يساره و أنس قائم بين يديه إذ تحرك الباب فقال علي انظر من في الباب فخرج أنس و قال هذا عمار بن ياسر فقال افتح لعمار الطيب المطيب ففتح أنس و دخل عمار فسلم على رسول الله فرحب به و قال إنه سيكون من بعدي في أمتي هنات حتى يختلف السيف فيما بينهم و حتى يقتل بعضهم بعضا و حتى يبرأ بعضهم من بعض فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب و إن سلك الناس كلهم واديا فسلك علي واديا فاسلك وادي علي و خل عن الناس إن عليا لا يردك عن هدى و لا يدلك على ردى يا عمار طاعة علي طاعتي و طاعتي طاعة الله تعالى .

و روي : أن أويس القرني رحمه الله تعالى قتل مع علي (عليه السلام) في صفين و كان في فضله و شرفه مشهورا .

و روي أن قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قال :

إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن
[262]
عنه و قيل عن الأنصار .

و روي : أنه لما رأى جيش علي (عليه السلام) قاصدا حرب معاوية فسأل فعرف فقال حضر الجهاد و لا يمكن التخلف عنه فسار معهم و قاتل حتى قتل .

و روي : : أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مجتهدا في العبادة و تزوج امرأة و اشتغل عنها بالصيام و القيام فسألها أبوه عن حاله معها فقالت نعم الرجل عبد الله و لكنه قد ترك الدنيا فذكر عمرو ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدعا به و قال يا عبد الله أ تصوم النهار قال نعم قال أ تقوم الليل قال نعم فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لكني أصوم و أفطر و أقوم و أنام و أمس النساء يا عبد الله إن لربك عليك حقا و لعينك عليك حقا و لعرسك عليك حقا و لزورك عليك حقا فأت كل ذي حق حقه .

فلما كان حرب صفين حضرها مع أبيه فأمره بالقتال فامتنع و قال كيف أقاتل و قد كان من عهد رسول الله ما قد علمت فقال نشدتك الله أ ما كان آخر عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليك أن قال لك أطع عمرو بن العاص فقال بلى قال فإني قد أمرتك أن تقاتل فقاتل عبد الله و روي أنه قاتل بسيفين و قال يصف حالهم في تلك الحرب مع أهل العراق هذا .

و لو شهدت جمل مقامي و مشهدي بصفين يوما شاب منه الذوائب‏عشية جاء أهل العراق كأنهم سحاب ربيع رفعته الجنائب‏و جئناهم نردي كأن خيولنا من البحر موج مده متراكب‏فدارت رحانا و استدارت رحاهم سراة النهار ما تولى المناكب‏إذا قلت قد ولوا سراعا بدت لنا كتائب منهم و ارجحنت كتائب‏فقالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا عليا فقلنا بل نرى أن نضارب .

يقال تردى الفرس بالفتح يردي رديا و رديانا إذا رجم الأرض رجما بين العدو و المشي الشديد و سراة النهار وسطه و ارجحن مال و اهتز.

قلت و إنما أوردت حديث عبد الله بن عمرو لأوضح لك غلط هؤلاء الأغنام
[263]
في التأويل و دخولهم في الكفر و الفسق بالدليل هذا عبد الله كان زاهدا و أمره النبي بطاعة أبيه كما ورد و هو روى أن عمارا تقتله الفئة الباغية و ما أحس أن طاعة أبيه إنما يجب اتباعها إذا كانت في خير و طاعة أ تراه لم يسمع لا طاعة لمخلوق في عصيان الخالق و هو كما روي أن أول كلام قاله أبو بكر رضي الله عنه حين ولي الخلافة أ و لم يسمع قوله تعالى وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما ... الآية إلى آخرها .

و قد روى أحمد في مسنده عن عبادة بن الصامت رحمه الله قال : سمعت أبا القاسم ص يقول سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون و ينكرونكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله تعالى فلا تعتلوا بربكم عز و جل .

و كذا حال كل من عاند عليا (عليه السلام) فإن منهم من عرف فضله و سابقته و شرفه لكنهم غلبوا حب الدنيا على الآخرة و باعوا نصيبهم منها بعاجل حصل لهم فكانوا من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا كمعاوية و عمرو بن العاص و أمثالهما و منهم من أخطأ في التأويل كعبد الله بن عمرو و الخوارج و منهم من قعد عنه شاكا في حروبه و مغازيه و هم جماعة و ندموا عند موتهم حين لا ينفع الندم كعبد الله بن عمر و غيره فإنه ندم على تخلفه عن علي (عليه السلام) حين لا ينفع الندم كما ورد و نقلته الرواة و منهم من ظهرته أمارات الحق و أدركه الله برحمته فاستدرك الفارط كما جرى لخزيمة بن ثابت فإنه ما زال شاكا معتزلا الحرب في الجمل و في بعض أيام صفين فلما قتل عمار رحمه الله أصلت سيفه و قاتل حتى قتل و لا أكاد أعذر أحدا ممن تخلف عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) و لا أنسب ذلك منهم إلا إلى بله و قلة تمييز و عدم تعقل و غباوة عظيمة فإن دخول علي في أمر ما دليل على حقية ذلك الأمر و صحته و ثباته و وجوب العمل به لفضله و علمه في نفسه و لقول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) في حقه أقضاكم علي أدر الحق مع علي لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق في أمثال لذلك كثيرة و لكن التوفيق عزيز و الله يهدي لنوره من يشاء.

و أنشدني بعض الأصحاب هذه الأبيات و قال إنها وجدت مكتوبة على باب
[264]
مشهد بصفين :

رضيت بأن ألقى القيامة خائضا *** دماء نفوس حاربتك جسومها

أبا حسن إن كان حبك مدخلي *** جحيما فإن الفوز عندي جحيمها

و كيف يخاف النار من بات موقنا *** بأنك مولاه و أنت قسيمها
أمر الخوارج
و انتشر أمر الخوارج و قاموا على سوقهم في مخالفة ملة الإسلام و اعتلوا بكلمة حق يراد بها باطل كما قال عليه أفضل الصلاة و السلام .

و اتبعوا أهواء نفوسهم فمرقوا من الدين مروق السهام .

فتجرد أمير المؤمنين لاستئصالهم بسيوف الانتقام و صدقهم الحملة بعزيمته التي لا تني دون إدراك القصد و نيل المرام.

و تلخيص حالهم كما أورده ابن طلحة رحمه الله و إن كانت هذه الوقائع مسطورة مبسوطة في كتب المؤرخين و الأخباريين أن عليا (عليه السلام) لما عاد من صفين إلى الكوفة بعد إقامة الحكمين أقام ينتظر انقضاء المدة التي بينه و بين معاوية ليرجع إلى المقاتلة و المحاربة إذ انخزلت طائفة من خاصة أصحابه في أربعة آلاف فارس و هم العباد و النساك فخرجوا من الكوفة و خالفوا عليا ع و قالوا لا حكم إلا لله و لا طاعة لمن عصى الله و انحاز إليهم نيف عن ثمانية آلاف ممن يرى رأيهم فصاروا اثني عشر ألفا و ساروا إلى أن نزلوا بحروراء و أمروا عليهم عبد الله بن الكواء فدعا علي (عليه السلام) عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فأرسله إليهم فحادثهم و أطال فلم يرتدعوا و قالوا ليخرج إلينا علي بنفسه لنسمع كلامه عسى أن يزول ما بأنفسنا إذا سمعناه فرجع ابن عباس فأخبره فركب في جماعة و مضى إليهم فركب ابن الكواء في جماعة منهم فواقفه .

فقال له علي (عليه السلام) يا ابن الكواء إن الكلام كثير فأبرز إلي من أصحابك لأكلمك فقال و أنا آمن من سيفك فقال نعم فخرج إليه في عشرة من أصحابه فقال له (عليه السلام) عن الحرب مع معاوية و ذكر له رفع المصاحف على الرماح و أمر الحكمين و قال أ لم أقل لكم إن أهل الشام يخدعونكم بها فإن الحرب قد عضتهم فذروني أناجزهم فأبيتم أ لم أرد أن أنصب ابن عمي حكما و قلت إنه لا ينخدع فأبيتم إلا أبا موسى الأشعري و قلتم رضينا به حكما فأجبتكم كارها و لو وجدت في ذلك الوقت أعوانا غيركم لما
[265]
أجبتكم و شرطت على الحكمين بحضوركم أن يحكما بما أنزل الله من فاتحته إلى خاتمته و السنة الجامعة و أنهما إن لم يفعلا فلا طاعة لهما علي كان ذلك أ و لم يكن قال ابن الكواء صدقت قد كان هذا كله فلم لا ترجع الآن إلى محاربة القوم فقال حتى تنقضي المدة التي بيننا و بينهم قال ابن الكواء و أنت مجمع على ذلك قال نعم و لا يسعني غيره فعاد ابن الكواء و العشرة الذين معه إلى أصحاب علي (عليه السلام) راجعين عن دين الخوارج و تفرق الباقون و هم يقولون لا حكم إلا لله .

و أمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي و حرقوص بن زهير البجلي المعروف بذي الثدية و عسكروا بالنهروان و خرج علي فسار حتى بقي على فرسخين منهم و كاتبهم و راسلهم فلم يرتدعوا فأركب إليهم ابن عباس و قال سلهم ما الذي نقموا و أنا أردفك فلا تخف منهم فلما جاءهم ابن عباس قال ما الذي نقمتم من أمير المؤمنين قالوا نقمنا أشياء لو كان حاضرا لكفرناه بها و علي (عليه السلام) وراءه يسمع ذلك فقال ابن عباس يا أمير المؤمنين قد سمعت كلامهم و أنت أحق بالجواب. فتقدم و قال .

أيها الناس أنا علي بن أبي طالب فتكلموا بما نقمتم علي قالوا نقمنا عليك أولا أنا قاتلنا بين يديك بالبصرة فلما أظفرك الله بهم أبحتنا ما في عسكرهم و منعتنا النساء و الذرية فكيف حل لنا ما في العسكر و لم يحل لنا النساء فقال لهم علي (عليه السلام) يا هؤلاء إن أهل البصرة قاتلونا و بدءونا بالقتال فلما ظفرتم اقتسمتم سلب من قاتلكم و منعتكم من النساء و الذرية فإن النساء لم يقاتلن و الذرية ولدوا على الفطرة و لم ينكثوا و لا ذنب لهم و لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من على المشركين فلا تعجبوا إن مننت على المسلمين فلم أسب نساءهم و لا ذريتهم.

و قالوا نقمنا عليك يوم صفين كونك محوت اسمك من إمرة المؤمنين فإذا لم تكن أميرنا فلا نطيعك و لست أميرا لنا فقال يا هؤلاء إنما اقتديت برسول
[266]
الله حين صالح سهيل بن عمرو و قد تقدمت قصته.

قالوا فإنا نقمنا عليك أنك قلت للحكمين انظرا كتاب الله فإن كنت أفضل من معاوية فأثبتاني في الخلافة فإذا كنت شاكا في نفسك فنحن فيك أشد و أعظم شكا فقال (عليه السلام) فإنما أردت بذلك النصفة فإني لو قلت احكما لي و ذرا معاوية لم يرض و لم يقبل و لو قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) لنصارى نجران لما قدموا عليه تعالوا حتى نبتهل و أجعل لعنة الله عليكم لم يرضوا و لكن أنصفهم من نفسه كما أمره الله تعالى فقال فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فأنصفهم من نفسه فكذلك فعلت أنا و لم أعلم بما أراد عمرو بن العاص من خدعه أبا موسى.

قالوا فإنا نقمنا عليك أنك حكمت حكما في حق هو لك فقال إن رسول الله حكم سعد بن معاذ في بني قريظة و لو شاء لم يفعل و أنا اقتديت به فهل بقي عندكم شي‏ء فسكتوا و صاح جماعة منهم من كل ناحية التوبة التوبة يا أمير المؤمنين و استأمن إليه ثمانية آلاف و بقي على حربه أربعة آلاف فأمر (عليه السلام) المستأمنين بالاعتزال عنه في ذلك الوقت و تقدم بأصحابه حتى دنا منهم و تقدم عبد الله بن وهب و ذو الثدية حرقوص و قالا ما نريد بقتالنا إياك إلا وجه الله و الدار الآخرة فقال علي (عليه السلام) هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً .

ثم التحم القتال بين الفريقين و استعرت الحرب بلظاها و أسفرت عن زرقة صبحها و حمرة ضحاها فتجادلوا و تجالدوا بألسنة رماحها و حداد ظباها فحمل فارس من الخوارج يقال له الأخنس الطائي و كان شهد صفين مع علي (عليه السلام) فحمل و شق الصفوف يطلب عليا (عليه السلام) فبدره علي بضربة فقتله فحمل ذو الثدية ليضرب عليا فسبقه علي (عليه السلام) و ضربه ففلق البيضة و رأسه فحمله فرسه و هو لما به فألقاه في آخر المعركة في جرف دالية على شط النهروان.

[267]
و خرج من بعده ابن عمه مالك بن الوضاح و حمل على علي فضربه علي فقتله و تقدم عبد الله بن وهب الراسبي فصاح يا ابن أبي طالب و الله لا نبرح من هذه المعركة أو تأتي على أنفسنا أو نأتي على نفسك فابرز إلي و أبرز إليك و ذر الناس جانبا فلما سمع علي (عليه السلام) كلامه تبسم و قال قاتله الله من رجل ما أقل حياؤه أما إنه ليعلم أني حليف السيف و خدين الرمح و لكنه قد يئس من الحياة و إنه ليطمع طمعا كاذبا ثم حمل على علي (عليه السلام) فضربه علي و قتله و ألحقه بأصحابه القتلى و اختلطوا فلم يكن إلا ساعة حتى قتلوا بأجمعهم و كانوا أربعة آلاف.

فما أفلت منهم إلا تسعة أنفس رجلان هربا إلى خراسان إلى أرض سجستان و بها نسلهما و رجلان صارا إلى بلاد عمان و بها نسلهما و رجلان صارا إلى اليمن و بها نسلهما و هم الإباضية و رجلان صارا إلى بلاد الجزيرة إلى موضع يعرف بالسن و البوازيج و إلى شاطئ الفرات و صار آخر إلى تل موزن.

و غنم أصحاب علي (عليه السلام) غنائم كثيرة و قتل من أصحاب علي (عليه السلام) تسعة بعدد من سلم من الخوارج و هي من جملة كرامات علي (عليه السلام) فإنه قال نقتلهم و لا يقتل منا عشرة و لا يسلم منهم عشرة فلما قتلوا قال علي (عليه السلام) التمسوا المخدج فالتمسوه فلم يجدوه فقام علي (عليه السلام) بنفسه حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض فقال أخروهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبر علي (عليه السلام) و قال صدق الله و بلغ رسوله قال أبو الرضي فكأني أنظر إليه حبشي عليه قريطق أحد ثدييه مثل ثدي المرأة عليها شعرات مثل شعرات ذنب اليربوع.

و هذا أبو الرضي هو عباد بن نسيب القيسي تابعي يروي عنه هذا القول أبو داود في سننه كما قال :

فهذا تلخيص مواقفه (عليه السلام) في منازلة الطوائف المتبعة تضليل أهوائها و مقاتلة

[268]
الناكثين و القاسطين و المارقين في مقاتلها بأعبائها و ذكر كيفية قذفه بحقه لإزهاق باطلها و كف غلوائها و إرهاق عصيها صعود بوار قاض عليه بشقائها و قد تضمن هذا الفصل من وقائعه المذكورة و مواقفه المأثورة ما فيه غنية كافية و كفاية مغنية في أنه قد ملك عصم الشجاعة و أنه من أكفاء أكفائها و من تأمل إقدامه (عليه السلام) في مأزق وقائعه و مضايق مواقفه و معارك كره على الأبطال و هجومه على الأقران و افتراس نفوس أخصامه ببأسه قاطا بحسامه رقاب الهمام مفلقا بشباه مفارق الرءوس قادا بحده أوساط المارقين و شاهد غلظته على أعداء الله تعالى و استئصال شأفتهم و تفصيل أوصالهم و تفريق جموعهم و تمزيقهم كل ممزق غير ثان عنان عزمه و أعمال بطشه عن الإقدام على الصفوف المرصوصة و الكتائب المرصوفة و الكراديس المصفوفة مبددا شمل اجتماعها مشمرا عن ساق شجاعته لها موغلا في غمرات القتال مولغا صارمه في دماء الطلى و الأحشاء تحقق و استيقن أن هجيراه (عليه السلام) مكابدة الحروب و إدارة رحاها و أن إليه في جميع الأحوال مردها و منتهاها و أنه منها قدوة شيخها و كهلها و فتاها و علم علما لا يعترضه شك أن الله عز و علا قد أتاه (عليه السلام) خصائص تكاد توصف بالتضادد و حلاه بلطائف تجمع أشتات التعاند إذ أين هذه الشدة و البطش و الغلظة و البأس و القد و القط و شق الهام و خفة الإقدام و تجديل الحجاج و إذلال الكماة و إلصاق معاطسها الأبية بالرغام من خشوعه و خضوعه راغبا راهبا و تدرعه من الزهادة و العبادة بسربال سابغ و رداء سابل و اتصافه (عليه السلام) برقة قلب و هموع طرف و انسكاب دمع و تأوه حزين و إخبات منيب و شغف عيشة و جشب غذاء و تقلل قوت و خشونة لباس و تطليق الدنيا و زهرتها و مواصلة الأوراد و استغراق الأوقات بها و الإشفاق على الضعيف و الرحمة للمسكين و التحلي بخلال خير لا يتأنى إلا لمنقطع في كن جبل لا يصحب إنسا و لا يسمع من البشر حسا مع المبالغة في معاتبة نفسه على التقصير في الطاعة و هو مطيل في العبادة هذا إلى فصاحة ألفاظه و بلاغة معانيه و كلامه المتين في الزهد و الحث على الإعراض عن الدنيا و مبالغته في مواعظه الزاجرة و زواجره الواعظة و تذكيره القلوب الغافلة و إيقاظه الهمم الراقدة مطلقا في إيراد أنواع ذلك لسانا لا يفل عضبه و لا يكل
[269]
حده و لا يسأم سامعه جنا حكمه و لا ألفاظ بدائعه و لا يمل عند إطالته لاستحلائه و استعذابه بل يفتح السمع إليه مقفل أبوابه و يرفع له مسبل حجابه .

صفات أمير المؤمنين من اقتفى *** مدارجها أقنته ثوب ثوابه

‏صفات جلال ما اغتدى بلبانها *** سواه و لا حلت بغير جنابه

‏تفوقها طفلا و كهلا فأينعت *** معاني المعالي فهي ملأ إهابه

‏مناقب من قامت به شهدت له *** بإزلافه من ربه و اقترابه

‏مناقب لطف الله أنزلها له *** و شرف ذكراه بها في كتابه

هذا آخر كلام كمال الدين بن طلحة .

قال الشيخ المفيد رحمه الله : و من آيات الله الخارقة للعادة في أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه لم يعهد لأحد من مبارزة الأقران و منازلة الأبطال مثل ما عرف لأمير المؤمنين من كثرة ذلك على مر الزمان ثم لم يوجد في ممارسي الحروب إلا من عرته بشر و نيل منه بجراح أو شين إلا أمير المؤمنين ع فإنه لم ينله مع طول مدة زمان حربه جراح من عدوه و لا وصل إليه أحد منهم بسوء حتى كان من أمره مع ابن ملجم لعنه الله على اغتياله إياه ما كان و هذه أعجوبة أفرده الله تعالى فيها بالآية و خصه بالعلم الباهر في معناها و دل بذلك على مكانه منه و تخصصه بكرامته التي بان بفضلها من كافة الأنام.

و من آيات الله فيه (عليه السلام) أنه لا يذكر ممارس للحروب لقي فيها عدوا إلا و هو ظافر به حينا و غير ظافر به حينا و لا نال أحد منهم خصمه بجراح إلا و قضى منها وقتا و عوفي منها وقتا و لم يعهد من لم يفلت منه قرن في الحرب و لا نجا من ضربته أحد فصلح منها إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) فإنه لا مرية في ظفره بكل قرن بارزه و إهلاكه كل بطل نازله و هذا أيضا مما انفرد به (عليه السلام) من كافة الأنام و خرق الله به العادة في كل حين و زمان و هو من دلائله الواضحة.

[270]
و من آيات الله تعالى أيضا فيه مع طول ملاقاته الحروب و ملابسته إياها و كثرة من مني به فيها من شجعان الأعداء و صناديدهم و تجمعهم عليه و احتيالهم في الفتك به و بذل الجهد في ذلك ما ولى قط عن أحد منهم ظهره و لا انهزم عن أحد منهم و لا تزحزح عن مكانه و لا هاب أحدا من أقرانه و لم يلق أحد سواه خصما له في حرب إلا ثبت له حينا و انحرف عنه حينا و أقدم عليه وقتا و أحجم عنه زمانا و إذا كان الأمر على ما وصفناه ثبت ما ذكرناه من انفراده بالآية الباهرة و المعجزة الظاهرة و خرق العادة فيه بما دل الله و كشف به عن فرض طاعته و أبانه بذلك من كافة خليقته و قلت أمدحه (عليه السلام) من قصيدة طويلة و أنشدتها بحضرته في مشهده المقدس صلوات الله على الحال به :

و إلى أمير المؤمنين بعثتها *** مثل السفائن عمن في تيار

تحكي السهام إذا قطعن مفازة *** و كأنها في دقة الأوتار

تنجو بمقصدها أغر شأي الورى *** بزكاء أعراق و طيب نجار

حمال أثقال و مسعف طالب و ملاذ ملحوف و موئل جار

شرف أقر به الحسود و سؤدد *** شاد العلاء ليعرب و نزار

و سماحة كالماء طاب لوارد *** ظام إليه و سطوة كالنار

و مآثر شهد العدو بفضلها و *** الحق أبلج و السيوف عواري

[271]
سل عنه بدرا إذ جلا هبواتها *** بشباة خطي و حد غرار

حيث الأسنة كالنجوم منيرة *** تخفى و تبدو في سماء غبار

و اسأل بخيبر إن عرتك جهالة *** بصحائح الأخبار و الآثار

و اسأل جموع هوازن عن حيدر *** و حذار من أسد العرين حذار

و اسأل بخم عن علاه فإنها *** تقضي بمجد و اعتلاء منار

بولائه يرجو النجاة مقصر *** و تحط عنه عظائم الأوزار

ومنها :

يا راكبا يفلي الفلاة بجسرة *** زيافة كالكوكب السيار

حرف براها السير حتى أصبحت *** كيراعة أنحى عليها الباري

‏عرج على أرض الغري و قف به *** و الثم ثراه و زره خير مزار

و اخلع بمشهده الشريف معظما *** تعظيم بيت الله ذي الأستار

و قل السلام عليك يا خير الورى *** و أبا الهداة السادة الأبرار

يا آل طه الأكرمين ألية بكم *** و ما دهري يمين فجار

إني منحتكم المودة راجيا *** نيلي المنى في الخمسة الأشبار

فعليكم مني السلام فأنتم *** أقصى رجاي و منتهى إيثاري

و قلت أمدحه (عليه السلام) و أنشدتها في حضرته من قصيدة :

[272]
سل عن علي مقامات عرفن به *** شدت عرى الدين في حل و مرتحل

‏بدرا و أحدا و سل عنه هوازن *** في أوطاس و اسأل به في وقعة الجمل‏

و اسأل به إذ أتى الأحزاب يقدمهم *** عمرو و صفين سل إن كنت لم تسل

‏مآثر صافحت شهب النجوم علا *** مشيدة قد سمت قدرا على زحل

‏و سنة شرعت سبل الهدى و ندى *** أقام للطالب الجدوى على السبل

‏كم من يدلك فينا يا أبا حسن *** يفوق نائلها صوب الحيا الهطل

‏و كم كشفت عن الإسلام فادحة *** أبدت لتفرس عن أنيابها العضل‏

و كم نصرت رسول الله منصلتا *** كالسيف عري متناه من الخلل

‏و رب يوم كظل الرمح ما سكنت *** نفس الشجاع به من شدة الوهل‏

و مأزق الحرب ضنك لا مجال به *** و منهل الموت لا يغني على النهل‏

و النقع قد ملأ الأرجاء عثيره *** فصار كالجبل الموفى على الجبل

‏جلوته بشبا البيض القواضب *** و الجرد السلاهب و العسالة الذبل

[273]
بذلت نفسك في نصر النبي و لم *** تبخل و ما كنت في حال أخا بخل‏

و قمت منفردا كالرمح منتصبا *** لنصره غير هياب و لا وكل

‏تردي الجيوش بعزم لو صدمت به *** صم الصفا لهوى من شامخ القلل

‏يا أشرف الناس من عرب و من عجم *** و أفضل الناس في قول و في عمل

‏يا من به عرف الناس الهدى و به *** ترجى السلامة عند الحادث الجلل

‏يا من أعاد رسوم العدل جالية *** و طالما سترتها وحشة العطل‏

يا فارس الخيل و الأبطال خاضعة *** يا من له كل خلق الله كالخول

‏يا سيد الناس يا من لا مثيل له *** يا من مناقبه تسري سرى المثل

‏خذ من مديحي ما أسطيعه كرما *** فإن عجزت فإن العجز من قبلي‏

و سوف أهدي لكم مدحا أحبره *** إن كنت ذا قدرة أو مد في أجلي
فصل في ذكر كراماته و ما جرى على لسانه من إخباره بالمغيبات
قال ابن طلحة رحمه الله : اعلم أكرمك الله بالهداية إليه أن الكرامة عبارة عن حالة تصدر لذي التكليف خارقة للعادة لا يؤمر بإظهارها و بهذا القيد يظهر الفرق بينها و بين المعجز فإن المعجزة مأمور بإظهارها لكونها دليل صدق النبي في دعواه النبوة فالمعجزة مختصة بالنبي لازمة له إذ لا بد له منها فلا نبي إلا و له معجزة و الكرامة مختصة بالولي إكراما له لكن ليست لازمة له إذ توجد الولاية من غير كرامة فكم من ولي لم يصدف عنه شي‏ء من الخوارق إذا عرفت هذه المقدمة فقد كان علي ع من أولياء الله تعالى و كان له (عليه السلام) كرامات صدرت خارقة للعادة أكرمه الله بها.

فمنها إخباره (عليه السلام) بحال الخوارج المارقين و أن الله تعالى أطلعه على أمرهم
[274]
فأخبر به قبل وقوعه و خرق به العادة و كان كرامة له (عليه السلام) و ذلك أنهم لما اجتمعوا و أجمعوا على قتاله و ركب إليهم لقيه فارس يركض فقال له يا أمير المؤمنين إنهم سمعوا بمكانك فعبروا النهروان منهزمين فقال له (عليه السلام) أنت رأيتهم عبروا فقال نعم فقال (عليه السلام) و الذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يعبرون و لا يبلغون قصر بنت كسرى حتى تقتل مقاتلتهم على يدي فلا يبقى منهم إلا أقل من عشرة و لا يقتل من أصحابي إلا أقل من عشرة و ركب و قاتلهم كما تقدم و جرى الأمر على ما أخبر في الجميع و لم يعبروا النهر و هي مسطورة في كراماته نقلها صاحب تاريخ فتوح الشام .

و منها ما أورده ابن شهرآشوب في كتابه : أن عليا (عليه السلام) لما قدم الكوفة وفد عليه الناس و كان فيهم فتى فصار من شيعته يقاتل بين يديه في مواقفه فخطب امرأة من قوم فزوجوه فصلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يوما الصبح و قال لبعض من عنده اذهب إلى موضع كذا تجد مسجدا إلى جانبه بيت فيه صوت رجل و امرأة يتشاجران فأحضرهما إلي فمضى و عاد و هما معه فقال لهما فيم طال تشاجركما الليلة فقال الفتى يا أمير المؤمنين إن هذه المرأة خطبتها و تزوجتها فلما خلوت بها وجدت في نفسي منها نفرة منعتني أن ألم بها و لو استطعت إخراجها ليلا لأخرجتها قبل النهار فنقمت على ذلك و تشاجرنا إلى أن ورد أمرك فصرنا إليك فقال (عليه السلام) لمن حضره رب حديث لا يؤثر من يخاطب به أن يسمعه غيره فقام من كان حاضرا و لم يبق عنده غيرهما فقال لها علي (عليه السلام) أ تعرفين هذا الفتى فقالت لا فقال ع إذا أنا أخبرتك بحالة تعلمينها فلا تنكريها قالت لا يا أمير المؤمنين قال أ لست فلانة بنت فلان قالت بلى قال (عليه السلام) أ لم يكن لك ابن عم و كل منكما راغب في صاحبه قالت بلى قال أ ليس أن أباك منعك عنه و منعه عنك و لم يزوجه بك و أخرجه من جواره لذلك قالت بلى قال أ ليس قد خرجت ليلة لقضاء الحاجة فاغتالك و أكرهك و وطئك فحملت و كتمت أمرك عن أبيك و أعلمت أمك فلما آن الوضع أخرجتك أمك ليلا فوضعت ولدا
[275]
فلففته في خرقة و ألقيته من خارج الجدران حيث قضاء الحوائج فجاء كلب يشمه فخشيت أن يأكله فرميته بحجر فوقعت في رأسه فشجته فعدت إليه أنت و أمك فشدت رأسه أمك بخرقة من جانب مرطها ثم تركتماه و مضيتما و لم تعلما حاله فسكتت فقال لها تكلمي بحق فقالت بلى و الله يا أمير المؤمنين إن هذا الأمر ما علمه مني غير أمي فقال قد أطلعني الله عليه فأصبح فأخذه بنو فلان فربي فيهم إلى أن كبر و قدم معهم الكوفة و خطبك و هو ابنك ثم قال للفتى اكشف رأسك فكشفه فوجد أثر الشجة فقال (عليه السلام) هذا ابنك قد عصمه الله تعالى مما حرمه عليه فخذي ولدك و انصرفي فلا نكاح بينكما .

و له في هذه الواقعة (عليه السلام) ما يقضي بولايته و يسجل بكرامت .

و منها ما رواه الحسن بن ذكردان الفارسي قال : كنت مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و قد شكا إليه الناس و أنا زيادة الفرات و أنها قد أهلكت مزارعهم و تحب أن تسأل الله أن ينقصه عنا فقام و دخل بيته و الناس مجتمعون ينتظرونه فخرج و عليه جبة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و عمامته و برده و في يده قضيبه فدعا بفرسه فركبها و مشى و معه أولاده و الناس و أنا معهم رجالة حتى وقف على الفرات فنزل عن فرسه فصلى ركعتين خفيفتين ثم قام و أخذ القضيب بيده و مشى على الجسر و ليس معه سوى ولديه الحسن و الحسين (عليهما السلام) و أنا فأهوى إلى الماء بالقضيب فنقص ذراعا فقال أ يكفيكم فقالوا لا يا أمير المؤمنين فقام و أومأ بالقضيب و أهوى به إلى الماء فنقصت الفرات ذراعا آخر هكذا إلى أن نقصت ثلاثة أذرع فقالوا حسبنا يا أمير المؤمنين فركب (عليه السلام) فرسه و عاد إلى منزله و هذه كرامة عظيمة و نعمة من الله جسيمة .

قلت : فكان هو (عليه السلام) أولى و أحق بقول القائل :

لو قلت للسيل دع طريقك و *** الموج عليه كالهضب يعتلج

[276]
لارتد أو ساخ أو لكان له *** في جانب الأرض عنك منعرج

و منها إخباره (عليه السلام) بقصة قتله : و ذلك أنه لما فرغ من قتال الخوارج عاد إلى الكوفة في شهر رمضان فأم المسجد فصلى ركعتين .

ثم صعد المنبر فخطب خطبة حسناء ثم التفت إلى ابنه الحسن فقال يا أبا محمد كم مضى من شهرنا هذا فقال ثلاثة عشر يا أمير المؤمنين ثم سأل الحسين (عليه السلام) فقال يا أبا عبد الله كم بقي من شهرنا يعني رمضان هذا فقال سبع عشرة يا أمير المؤمنين فضرب يده إلى لحيته و هي يومئذ بيضاء فقال ليخضبنها بدمها إذ انبعث أشقاها ثم قال :

أريد حباءه و يريد قتلي *** خليلي من عذيري من مراد

و عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله يسمع فوقع في قلبه من ذلك شي‏ء فجاء حتى وقف بين يدي علي (عليه السلام) و قال أعيذك بالله يا أمير المؤمنين هذه يميني و شمالي بين يديك فاقطعهما أو فاقتلني فقال علي (عليه السلام) و كيف أقتلك و لا ذنب لك و لو أعلم أنك قاتلي لم أقتلك و لكن هل كانت لك حاضنة يهودية فقالت لك يوما من الأيام يا شقيق عاقر ناقة ثمود قال قد كان ذلك يا أمير المؤمنين .

فسكت علي (عليه السلام) فلما كانت ليلة ثلاث و عشرين من الشهر قام ليخرج من داره إلى المسجد لصلاة الصبح و قال إن قلبي يشهد بأني مقتول في هذا الشهر ففتح الباب فتعلق الباب بمئزره فجعل ينشد :

اشدد حيازيمك للموت *** فإن الموت لاقيك

‏و لا تجزع من الموت *** إذا حل بناديك

[277]
فخرج فقتل (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ابن طلحة رحمه الله و هذه من جملة الكرامات المضافة إليه و لم أصرف الهمة إلى تتبع ما ينسب إليه من كراماته و ما أكرمه الله به من خوارق عاداته لكثرة غيرها من مزاياه و تعدد مناقب مقاماته :

إذا ما الكرامات اعتلى قدر ربها *** و حل بها أعلى ذرى عرفاته

‏فإن عليا ذا المناقب و النهى *** كراماته العليا أقل صفاته

هذا آخر كلام ابن طلحة رحمه الله تعالى .

و روي عن جندب بن عبد الله الأزدي قال : شهدت مع علي الجمل و صفين و لا أشك في قتالهم حتى نزلنا النهروان فدخلني شك و قلت قراؤنا و خيارنا نقتلهم إن هذا الأمر عظيم فخرجت غدوة أمشي و معي إداوة حتى برزت عن الصفوف فركزت رمحي و وضعت ترسي إليه و استترت من الشمس فإني لجالس إذ ورد علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال يا أخا الأزد معك طهور قلت نعم فناولته الإداوة فمضى حتى لم أره و أقبل و قد تطهر فجلس في ظل الترس فإذا فارس يسأل عنه فقلت هذا يا أمير المؤمنين فارس يريدك قال فأشر إليه فأشرت إليه فجاء فقال يا أمير المؤمنين قد عبر القوم و قد قطعوا النهر فقال كلا ما عبروا قال بلى و الله لقد فعلوا قال كلا ما فعلوا قال فإنه لكذلك إذ جاء آخر فقال يا أمير المؤمنين قد عبر القوم قال كلا ما عبروا قال و الله ما جئت حتى رأيت الرايات في ذلك الجانب و الأثقال قال و الله ما فعلوا و إنه لمصرعهم و مهراق دمائهم ثم نهض و نهضت معه فقلت في نفسي الحمد لله الذي بصرني هذا الرجل و عرفني أمره هذا أحد رجلين إما كذاب جري‏ء أو على بينة من أمره و عهد من نبيه اللهم إني أعطيك عهدا تسألني عنه يوم القيامة إن أنا وجدت القوم قد عبروا أن أكون أول من يقاتله و أول من يطعن بالرمح في عينه و إن كانوا لم يعبروا لم آثم على المناجزة و القتال
[278]
فدفعنا إلى الصفوف فوجدنا الرايات و الأثقال بحالها فأخذ بقفاي و دفعني و قال يا أخا الأزد أ تبين لك الأمر قلت أجل يا أمير المؤمنين قال فشأنك بعدوك فقتلت رجلا ثم قتلت آخر ثم اختلفت أنا و رجل آخر يضربني و أضربه فوقعنا جميعا فاحتملني أصحابي فما أفقت حتى فرغ من القوم و هذا خبر شائع مستفيض قد نقله الجماء الغفير و فيه إخبار بالغيب و إبانة عن علم الضمير و معرفة بما في النفوس و الآية فيه باهرة لا يعادلها إلا ما ساواها في معناها من عظيم المعجز و جليل البرهان.

و من ذلك : حديث ميثم التمار و إخباره إياه بحاله و صلبه و موضعه و النخلة التي يصلب عليها و القصة مشهورة .

و من ذلك : أن الحجاج طلب كميل بن زياد فهرب منه فقطع عطاء قومه فلما رأى ذلك قال إني أنا شيخ كبير قد نفد عمري فلا ينبغي أن أحرم قومي أعطياتهم فخرج إلى الحجاج فقال قد كنت أحب أن أجد عليك سبيلا فقال له كميل لا تصرف علي أنيابك فما بقي من عمري إلا القليل فاقض ما أنت قاض فإن الموعد لله و بعد القتل الحساب و لقد أخبرني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنك قاتلي فضرب عنقه و هذا نقله العامة و الخاصة و هو من البراهين الواضحة و المعجزات الباهرة.

و من ذلك : أن الحجاج قال ذات يوم أحب أن أصيب رجلا من أصحاب أبي تراب فأتقرب إلى الله بدمه فقيل له ما نعلم أحدا أطول صحبة لأبي تراب من قنبر مولاه فطلبه فأتي به فقال أنت قنبر قال نعم قال مولى علي بن أبي طالب قال الله مولاي و أمير المؤمنين علي ولي نعمتي قال ابرأ من دينه قال دلني على دين أفضل منه قال إني قاتلك فاختر أي قتلة أحب إليك قال قد صيرت ذلك إليك قال لم قال لا تقتلني قتلة إلا قتلتك مثلها و لقد خبرني أمير المؤمنين (عليه السلام) أن منيتي تكون ذبحا ظلما بغير حق فأمر به فذبح و هذا أيضا من الأخبار التي صحت عن أمير المؤمنين و دخلت في باب المعجز القاهر و الدليل
[279]
الباهر و العلم الذي خص الله به حججه من أنبيائه و رسله و أوصيائه (عليه السلام) و هو لاحق بما قدمناه .

و من ذلك أنه قال للبراء بن عازب : يا براء يقتل ولدي الحسين (عليه السلام) و أنت حي فلا تنصره فلما قتل الحسين (عليه السلام) قال البراء صدق علي (عليه السلام) قتل الحسين و لم أنصره و أظهر الحسرة على ذلك و الندم .

و من ذلك : أنه وقف في كربلاء في بعض أسفاره ناحية من عسكره فنظر يمينا و شمالا و استعبر باكيا ثم قال هذا و الله مناخ ركابهم و موضع منيتهم فقلنا يا أمير المؤمنين ما هذا الموضع قال هذه كربلاء يقتل فيه قوم يدخلون الجنة بغير حساب ثم سار و لم يعرف الناس تأويل قوله حتى كان من أمر الحسين (عليه السلام) ما كان .

و من ذلك ما رواه الناس : أنه لما توجه (عليه السلام) إلى صفين و احتاج أصحابه إلى الماء فالتمسوه يمينا و شمالا فلم يجدوه فعدل بهم أمير المؤمنين (عليه السلام) عن الجادة قليلا فلاح لهم دير في البرية فسار و سأل من فيه عن الماء .

فقال : بيننا و بين الماء فرسخان و ما هنا منه شي‏ء و إنما يجلب لي من بعد و أستعمله على التقتير و لو لا ذلك لمت عطشانا .

فقال أمير المؤمنين : اسمعوا ما يقول الراهب .

فقالوا : تأمرنا أن نسير إلى حيث أومأ إلينا لعلنا ندرك الماء و بنا قوة .

فقال (عليه السلام) : لا حاجة بكم إلى ذلك ; و لوى عنق بغلته نحو القبلة و أشار إلى مكان بقرب الدير أن اكشفوه .

فكشفوه , فظهرت لهم صخرة عظيمة تلمع .

فقالوا : يا أمير المؤمنين هنا صخرة لا تعمل فيها المساحي .

فقال : هذه الصخرة على الماء فاجتهدوا في قلعها ; فإن زالت عن موضعها وجدتم الماء .

فاجتمع القوم و راموا تحريكها فلم يجدوا إلى ذلك سبيلا , و استصعبت عليهم .

فلما رأى ذلك لوى رجله عن سرجه و حسر عن ساعده و وضع أصابعه تحت جانب الصخرة فحركها و قلعها بيده ; و دحا بها أذرعا كثيرة فظهر لهم الماء فبادروه و شربوا فكان أعذب ماء شربوه في سفرهم و أبرده و أصفاه ; فقال تزودوا و ارتووا .

ففعلوا ثم جاء إلى
[280]
الصخرة فتناولها بيده و وضعها حيث كانت , و أمر أن يعفى أثرها بالتراب ; و الراهب ينظر من فوق ديره .

فنادى , يا قوم أنزلوني .

فأنزلوه , فوقف بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) , فقال : يا هذا أنت نبي مرسل ?

قال : لا .

قال : فملك مقرب .

قال : لا .

قال : فمن أنت ?

قال : أنا وصي رسول الله محمد بن عبد الله خاتم النبيين .

قال : ابسط يدك على يدي أسلم على يدك .

فبسط أمير المؤمنين يده و قال له : اشهد الشهادتين .

فقال : أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله و أشهد أنك وصي رسول الله و أحق الناس بالأمر من بعده .

فأخذ عليه شرائط الإسلام , و قال له : ما الذي دعاك إلى الإسلام بعد إقامتك على دينك طول المدة ?

فقال : يا أمير المؤمنين إن هذا الدير بني على طلب قالع هذه الصخرة و مخرج الماء من تحتها ; و قد مضى على ذلك عالم قبلي لم يدركوا ذلك فرزقنيه الله عز و جل ; إنا نجد في كتبنا و نأثر على علمائنا أن في هذا الموضع عينا عليها صخرة عظيمة لا يعرفها إلا نبي أو وصي نبي ; و أنه لا بد من ولي الله يدعو إلى الحق آيته معرفة مكان هذه الصخرة و قدرته على قلعها ; و لما رأيتك قد فعلت ذلك تحققت ما كنا ننتظره و بلغت الأمنية و أنا اليوم مسلم على يدك و مؤمن بحقك و مولاك .

فلما سمع أمير المؤمنين ذلك بكى حتى اخضلت لحيته من الدموع , و قال : الحمد لله الذي لم أكن عنده منسيا ; الحمد لله الذي كنت في كتبه مذكورا .

ثم دعا الناس , فقال اسمعوا ما يقول أخوكم المسلم : فسمعوا و حمدوا الله و شكروه إذ ألهمهم أمير المؤمنين (عليه السلام) و سار و الراهب بين يديه و قاتل معه أهل الشام و استشهد فتولى أمير المؤمنين الصلاة عليه و دفنه و أكثر من الاستغفار له و كان إذا ذكره يقول ذاك مولاي .

و في هذا الخبر ضروب من المعجز أحدها علم الغيب و القوة التي خرق بها العادة و تميزه بخصوصيتها من الأنام مع ما فيه من ثبوت البشارة به في كتب الله الأولى و في ذلك يقول إسماعيل بن محمد الحميري المعروف بالسيد في قصيدته البائية :

[281]
و لقد سرى فيما يسير بليلة *** بعد العشاء بكربلاء في موكب

‏حتى أتى متبتلا في قائم *** ألقى قواعده بقاع مجدب

‏فدنا فصاح به فأشرف ماثلا *** كالنسر فوق شظية من مرقب

‏هل قرب قائمك الذي بوأته *** ماء يصاب , فقال ما من مشرب

‏إلا بغاية فرسخين و من لنا *** بالماء بين نقا و قي سبسب

‏فثنى الأعنة نحو وعث فاجتلى *** ملساء تلمع كاللجين المذهب

‏قال اقلبوها إنكم إن تقلبوا ترووا *** و لا تروون إن لم تقلب

‏فاعصوصبوا في قلبها فتمنعت *** منهم تمنع صعبة لم تركب

‏حتى إذا أعيتهم أهوى لها كفا *** متى يرد المغالب تغلب

‏فكأنها كرة بكف حزور عبل *** الذراع دحا بها في ملعب

‏فسقاهم من تحتها متسلسلا *** عذبا يزيد على الألذ الأعذب

‏حتى إذا شربوا جميعا ردها *** و مضى فخلت مكانها لم يقرب

‏أعني ابن فاطمة الوصي و *** من يقل في فضله و فعاله لم يكذب

شرح غريب هذه الأبيات : الشظية الفلقة من العصا و نحوها في الأصل و أراد بها هنا عقبة دقيقة ذات حرف تشبيها بها و المرقبة و المرقب الموضع المشرف و ماثلا قائما منتصبا النقا بالقصر الكثيب من الرمل و تثنيته نقوان و نقيان أيضا و القي القفر و كذلك القوا و القواء بالمد و القصر و منزل قواء لا أنيس به و السبسب المفازة و بلد سبسب و سبساب الوعث المكان السهل الكثير الدهس تغيب فيه الأقدام و يشق على من يمشي فيه و أوعثوا وقعوا في الوعث و الدهس و الدهاس المكان السهل اللين لا يبلغ أن يكون رملا و ليس هو بتراب و لا طين و اللجين الفضة جاء مصغرا كالثريا و الكميت اعصوصبوا اجتمعوا و اشتدوا و الصعبة الناقة التي لم ترض و لم تذلل الحزور بالتخفيف و التشديد الغلام إذا اشتد و قوي و خدم و الجمع الحزاورة
[282]
و دحا بها رمى بها.

و مما رواه أصحابنا من الآيات التي ظهرت على يديه الشاهدة بما تدل مناقبه و مزاياه عليه رد الشمس عليه مرتين في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرة و بعد وفاته مرة .

روت أسماء بنت عميس و أم سلمة رضي الله عنهما و جابر بن عبد الله الأنصاري و أبو سعيد الخدري في جماعة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان ذات يوم في منزله و علي (عليه السلام) بين يديه إذ جاءه جبرئيل (عليه السلام) يناجيه عن الله سبحانه فلما تغشاه الوحي توسد فخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) و لم يرفع رأسه حتى غابت الشمس فصلى العصر جالسا إيماء فلما أفاق قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) فاتتك العصر قال صليتها قاعدا إيماء فقال ادع الله يرد عليك الشمس حتى تصليها قائما في وقتها فإن الله يجيبك لطاعتك لله و لرسوله فسأل الله في ردها فردت عليه حتى صارت في موضعها من السماء وقت العصر فصلاها ثم غربت قالت أسماء و أم سلمة أما و الله سمعنا لها عند غروبها كصرير المنشار .

و بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أراد أن يعبر الفرات ببابل و اشتغل كثير من أصحابه بتعبير دوابهم فصلى هو (صلى الله عليه وآله وسلم) مع طائفة من أصحابه العصر و فاتت جمهورهم فتكلموا في ذلك : فلما سمع , سأل الله في ردها ليجتمع كافة أصحابه على الصلاة فأجابه الله تعالى و ردها فكانت كحالها وقت العصر فلما سلم بالقوم غابت و سمع لها وجيب شديد هال الناس و أكثروا التسبيح و التهليل و الاستغفار و الحمد لله على نعمته التي ظهرت فيهم و سار خبر ذلك في الآفاق و في ذلك يقول السيد إسماعيل بن محمد الحميري :

ردت عليه الشمس لما فاته *** وقت الصلاة و قد دنت للمغرب

‏حتى تبلج نورها في وقتها *** للعصر ثم هوت هوي الكوكب‏

و عليه قد ردت ببابل مرة *** أخرى و ما ردت لخلق معرب

[283]
إلا ليوشع أو له من بعده *** و لردها تأويل أمر معجب

و من ذلك : أن عليا (عليه السلام) اتهم رجلا يقال له الغيرار برفع أخباره إلى معاوية فأنكر ذلك و جحده فقال أمير المؤمنين لتحلف بالله أنك ما فعلت قال نعم و بدر فحلف فقال علي (عليه السلام) إن كنت كاذبا فأعمى الله بصرك فما دارت عليه الجمعة حتى عمي و أخرج يقاد و قد أذهب الله بصره.

و من ذلك : أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) نشد الناس من سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من كنت مولاه فعلي مولاه فشهد اثنا عشر رجلا من الأنصار و أنس بن مالك في القوم لم يشهد فقال له أمير المؤمنين يا أنس ما منعك أن تشهد و قد سمعت ما سمعوا قال يا أمير المؤمنين كبرت و نسيت فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) اللهم إن كان كاذبا فاضربه ببياض أو بوضح لا تواريه العمامة قال طلحة بن عمير فأشهد بالله لقد رأيتها بيضاء بين عينيه و من ذلك أنه نشد الناس فقال أنشد الله رجلا سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه فقام اثنا عشر بدريا ستة من الجانب الأيسر و ستة من الجانب الأيمن فشهدوا بذلك قال زيد بن أرقم و كنت فيمن سمع ذلك فكتمته فذهب الله ببصري و كان يتندم على ما فاته من
[284]
الشهادة و يستغفر.

و من ذلك : أن أمير المؤمنين قال على المنبر :

أنا عبد الله و أخو رسول الله ورثت نبي الرحمة و نكحت سيدة نساء أهل الجنة و أنا سيد الوصيين و آخر أوصياء النبيين لا يدعي ذلك غيري إلا أصابه الله بسوء فقال رجل من عبس من لا يحسن أن يقول هذا أنا عبد الله و أخو رسول الله فلم يبرح من مكانه حتى تخبطه الشيطان فجر برجله إلى باب المسجد فسألنا قومه هل تعرفون به عرضا قبل هذا قالوا اللهم لا .

و من ذلك ما نقلته من كتاب لطف التدبير صنعه الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد الله الخطيب قال : حكي أن معاوية بن أبي سفيان قال لجلسائه بعد الحكومة كيف لنا أن نعلم ما تئول إليه العاقبة في أمرنا قال جلساؤه ما نعلم لذلك وجها قال فأنا أستخرج علم ذلك من علي رضي الله عنه فإنه لا يقول الباطل فدعا ثلاثة رجال من ثقاته و قال لهم امضوا حتى تصيروا جميعا من الكوفة على مرحلة ثم تواطوا على أن تنعوني بالكوفة و ليكن حديثكم واحدا في ذكر العلة و اليوم و الوقت و موضع القبر و من تولى الصلاة علي و غير ذلك حتى لا تختلفوا في شي‏ء ثم ليدخل أحدكم فليخبر بوفاتي ثم ليدخل الثاني فيخبر بمثله ثم ليدخل الثالث فيخبر بمثل خبر صاحبه و انظروا ما يقول علي.

فخرجوا كما أمرهم معاوية ثم دخل أحدهم و هو راكب مغذ شاحب فقال له الناس بالكوفة من أين جئت قال من الشام قالوا له الخبر قال مات معاوية فأتوا عليا (عليه السلام) فقالوا رجل راكب من الشام يخبر بموت معاوية فلم يحفل علي (عليه السلام) بذلك ثم جاء آخر من الغد و هو مغذ فقال له الناس ما الخبر فقال مات معاوية و خبر بمثل ما خبر صاحبه فأتوا عليا (عليه السلام) فقالوا رجل راكب آخر يخبر من موت معاوية بمثل ما خبر صاحبه و لم يختلف كلامهما
[285]
فأمسك علي (عليه السلام) ثم دخل الآخر في اليوم الثالث فقال الناس ما وراءك قال مات معاوية فسألوه عما شاهد و لم يخالف قول صاحبه فأتوا عليا (عليه السلام) فقالوا يا أمير المؤمنين صح الخبر هذا راكب ثالث قد خبر بمثل ما خبر صاحبيه فلما كثروا عليه قال علي (صلى الله عليه وآله وسلم) كلا أو تخضب هذه من هذه يعني لحيته من هامته و يتلاعب بها ابن آكلة الأكباد فرجع الخبر بذلك إلى معاوية.

و رأيت له (صلى الله عليه وآله وسلم ) خطبة يذكر فيها واقعة بغداد كأنه يشاهدها و يقول فيها .

كأني و الله أنظر إلى القائم من بني العباس و هو يقاد بينهم كما يقاد الجزر إلى الأضحية لا يستطيع دفعا عن نفسه ويحه ما أذله فيهم لاطراحه أمر ربه و إقباله على أمر دنياه يقول فيها و الله لو شئت لأخبرتكم بأسمائهم و كناهم و حلاهم و مواضع قتلاهم و مساقط رءوسهم .

إلى غير ذلك من أخباره بالغيوب و أخباره التي جرت في كل الأحوال على أسلوبه و اطلاعه على الحقائق و إتيانه بالأمور الخوارق و معجزاته التي أربت على الأواخر و الأوائل و وقف عند صفاتها بيان كل قائل .

و قد روى الحافظ العالم محب الدين محمد بن محمود بن الحسن بن النجار في كتابه في ترجمة أحمد بن محمد الدلا عن رجال ذكرهم قال : سمعت أسماء بنت عميس تقول سمعت سيدتي فاطمة (عليها السلام) تقول ليلة دخل بي علي بن أبي طالب أفزعني في فراشي فقلت أ فزعت يا سيدة النساء قالت سمعت الأرض تحدثه و يحدثها
[286]
فأصبحت و أنا فزعة فأخبرت والدي ص فسجد سجدة طويلة ثم رفع رأسه و قال يا فاطمة أبشري بطيب النسل فإن الله فضل بعلك على سائر خلقه و أمر الأرض أن تحدثه بأخبارها و ما يجري على وجهها من شرق الأرض إلى غربها .

و قال بعض أرباب الطريقة إن عليا (عليه السلام) إنما قال لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا .

في أول أمره و ابتداء حاله و أما في آخر أمره فإن الغطاء كشف له و الحجاب رفع دونه.

و على الجملة أي مناقبه أردت وصفها و أي مآثره ابتغيت وصفها وجدتها بحر لا يدرك ساحله و لا يطمع في المفاخرة مساجله فاقتصرت على هذا القدر اقتداء بمن اقتصر و كففت عن عزب القلم و ما به من قصور و لا قصر و ذللت على ما لم أذكره بما ذكرته و قد يستدل على الشجرة بالواحدة من الثمر .
في ذكر رسوخ الإيمان في قلبه عليه أفضل الصلاة و السلام
نقلت من مناقب الخوارزمي رحمه الله عن منصور بن ربعي بن خراش قال : قال علي (عليه السلام) اجتمعت قريش إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و فيهم سهيل بن عمرو فقالوا يا محمد أرقاؤنا لحقوا بك فارددهم علينا فغضب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى رئي الغضب في وجهه ثم قال لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه بالإيمان يضرب رقابكم على الدين قيل يا رسول الله أبو بكر قال لا فقيل عمر قال لا و لكنه خاصف النعل الذي في الحجرة قال فاستفظع الناس ذلك من علي بن أبي طالب فقال أما إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لا تكذبوا علي فإنه
[287]
من كذب علي متعمدا يلج النار .

و قد تقدم ذكر ما هو قريب من هذا .

و منه قال علي ع : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم فتحت خيبر لو لا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى ابن مريم لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر على ملإ من المسلمين إلا أخذوا من تراب رجليك و فضل طهورك يستشفون به و لكن حسبك أن تكون مني و أنا منك ترثني و أرثك و أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و أنت تؤدي ديني و تقاتل على سنتي و أنت في الآخرة أقرب الناس مني و أنك غدا على الحوض خليفتي تذود عنه المنافقين و أنت أول من يرد علي الحوض و أنت أول داخل الجنة من أمتي و أن شيعتك على منابر من نور رواء مرويون مبيضة وجوههم حولي أشفع لهم فيكونون غدا في الجنة جيراني و أن عدوك غدا ظماء مظمئون مسودة وجوههم مفحمون حربك حربي و سلمك سلمي و سرك سري و علانيتك علانيتي و سريرة صدرك كسريرة صدري و أنت باب علمي و أن ولدك ولدي و لحمك لحمي و دمك دمي و أن الحق معك و الحق على لسانك و في قلبك و بين عينيك و الإيمان مخالط لحمك و دمك كما خالط لحمي و دمي و أن الله عز و جل أمرني أن أبشرك أنك و عترتك في الجنة و أن عدوك في النار و لا يرد علي الحوض مبغض لك و لا يغيب عنه محب لك قال قال علي (عليه السلام) فخررت لله سبحانه و تعالى ساجدا و حمدته على ما أنعم به علي من الإسلام و القرآن و حببني إلى خاتم النبيين و سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و منه قال بلغ عمر بن عبد العزيز أن قوما تنقصوا عليا (عليه السلام) فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي ص و ذكر عليا و فضله و سابقته ثم قال .

حدثني عراك بن مالك الغفاري عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندي
[288]
إذ أتاه جبرئيل فناجاه فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضاحكا فلما سرى عنه قلت بأبي أنت و أمي يا رسول الله ما أضحكك فقال أخبرني جبرئيل أنه مر بعلي رضي الله عنه و هو يرعى ذودا له و هو نائم قد أبدى بعض جسده قال فرددت عليه ثوبه فوجدت برد إيمانه قد وصل إلى قلبي .

و منه عن فخر خوارزم أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري عن رجاله قال : جاء رجلان إلى عمر فقالا له ما ترى في طلاق الأمة فقام إلى حلقة فيها رجل أصلع فقال ما ترى في طلاق الأمة فقال اثنتان فالتفت إليهما فقال اثنتان فقال له أحدهما جئناك و أنت أمير المؤمنين فسألناك عن طلاق الأمة فجئت إلى رجل فسألته فو الله ما كلمك فقال عمر ويلك أ تدري من هذا هذا علي بن أبي طالب :

سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لو أن السماوات و الأرض وضعت في كفة و وضع إيمان علي في كفة لرجح إيمان علي .

و من المناقب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال أشهد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لسمعته و هو يقول : لو أن السماوات السبع و الأرضين السبع وضعن في كفة ميزان و وضع إيمان علي في ميزان لرجح إيمان علي .

و منه قال : رأى أبو طالب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يتفل في في علي فقال ما هذا يا محمد قال إيمان و حكمة فقال أبو طالب لعلي يا بني انصر ابن عمك و آزره .
في ذكر أنه أقرب الناس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنه مولى من كان مولاه
أما قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت مني بمنزلة هارون من موسى و قوله من كنت مولاه فعلي مولاه فقد أوردت ذلك في عدة مواضع و هو من من الأحاديث المشهورة التي لم ينفرد أحد بإيرادها دون أحد بل أوردها أصحاب الصحاح جميعهم و تداولوا حتى تنزلت منزلة التواتر الذي لا يتداخله ريب و لا يتطرق عليه لبس .

و نقلت من مناقب الخوارزمي .

و قد أورده أحمد في مسنده عن ابن عباس عن
[289]
بريدة الأسلمي قال : غزوت مع علي إلى اليمن فرأيت منه جفوة فقدمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت عليا (عليه السلام) فنقصته فرأيت وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تغير فقال يا بريدة أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلت بلى يا رسول الله فقال من كنت مولاه فعلي مولاه .

و نقلت من مسند أحمد بن حنبل رحمه الله عن بريدة قال : بعثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سرية قال فلما قدمنا قال كيف رأيتم صحابة صاحبكم قال فإما شكوته أو شكاه غيري قال فرفعت رأسي و كنت رجلا مكبابا قال فإذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد احمر وجهه و هو يقول من كنت وليه فعلي وليه .

و بالإسناد المذكور نقلا من مسند أحمد قال عبد الله بن بريدة قال حدثني أبي بريدة قال : أبغضت عليا بغضا لم أبغضه أحدا قط قال و أحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا رضي الله عنه قال فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته ما أصحبه إلا على بغضه عليا قال فأصبنا سبيا قال فكتب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابعث لنا من يخمسه قال فبعث إلينا عليا رضي الله عنه و في السبي وصيفة هي من أفضل السبي قال و قسم فخرج و رأسه يقطر فقلنا يا أبا الحسن ما هذا قال أ لم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسمت و خمست فصارت في الخمس ثم صارت في أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم صارت في آل علي و وقعت بها قال فكتب الرجل إلى نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت ابعثني مصدقا قال فجعلت أقرأ الكتاب و أقول صدق قال فأمسك يدي و الكتاب قال أ تبغض عليا قال قلت نعم قال فلا تبغضه و إن كنت تحبه فازدد له حبا فو الذي نفس محمد بيده لنصيب علي في الخمس أفضل من وصيفة قال فما كان من الناس أحد بعد قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحب إلي من علي قال عبد الله فو الذي لا إله غيره ما بيني و بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الحديث غير أبي بريدة .

[290]
و بالإسناد عن بريدة من المسند المذكور قال : بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثين إلى اليمن على أحدهما علي بن أبي طالب رضي الله عنه و على الآخر خالد بن الوليد فقال إذا التقيتم فعلي على الناس و إن افترقتما فكل واحد منكما على جنده قال فلقينا بني زبيد من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون على المشركين فقتلنا المقاتلة و سبينا الذرية فاصطفى علي امرأة من السبي لنفسه .

قال بريدة فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبره بذلك فلما أتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دفعت الكتاب فقرأ عليه فرأيت الغضب في وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت يا رسول الله هذا مكان العائذ بك بعثتني مع رجل و أمرتني بطاعته ففعلت ما أرسلت به .

فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تقع في علي فإنه مني و أنا منه و هو وليكم بعدي .

و من صحيح الترمذي عن عمران بن حصين قال : بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جيشا و استعمل عليهم علي بن أبي طالب فمشى في السرية و أصاب جارية فأنكروا عليه و تعاقدوا أربعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا إذا لقينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرناه بما صنع علي و كان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدءوا برسول الله فسلموا عليه ثم انصرفوا إلى رحالهم فلما قدمت السرية سلموا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قام أحد الأربعة فقال يا رسول الله أ لم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا و كذا فأعرض عنه رسول الله فقام الثاني فقال مثل مقالته فأعرض عنه ثم قام الثالث فقال مثل مقالته فأعرض عنه ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الغضب يعرف في وجهه فقال ما تريدون من علي إن عليا مني و أنا منه و هو ولي كل مؤمن و مؤمنة من بعدي .

و من صحيحه : من كنت مولاه فعلي مولاه .

و منه : رحم الله عليا اللهم أدر الحق معه حيث دار .

و أنت أيدك الله بلطفه إذا اعتبرت معاني هذه الأحاديث الواردة من هذه الطرق
[291]
أمكنك معرفة الحق فإن قوله أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم و قوله و هو ولي كل مؤمن بعدي إلى غير ذلك صريح في إمامته و ظاهر في التعيين عليه لا ينكره إلا من يريد دفع الحق بعد ثبوته و التغطية على الصواب بعد بيانه و ستر نور الشمس بعد انتشار أشعتها شعر :

و ليس يصح في الأفهام شي‏ء *** إذا احتاج النهار إلى دليل

و من أغرب الأشياء و أعجبها : أنهم يقولون إن قوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) في مرضه مروا أبا بكر يصلي بالناس نص خفي في توليته الأمر و تقليده أمر الأمة و هو على تقدير صحته لا يدل على ذلك ; و متى سمعوا حديثا في أمر علي (عليه السلام) نقلوه عن وجهه و صرفوه عن مدلوله و أخذوا في تأويله بأبعد محتملاته منكبين عن المفهوم من صريحه أو طعنوا في راويه و ضعفوه و إن كان من أعيان رجالهم و ذوي الأمانة في غير ذلك عندهم هذا مع كون معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و عمران بن حطان الخارجي و غيرهم من أمثالهم من رجال الحديث عندهم و روايتهم في كتب الصحاح عندهم ثابتة عالية يقطع بها و يعمل عليها في أحكام الشرع و قواعد الدين و متى روى أحد عن زين العابدين علي بن الحسين و عن ابنه الباقر و ابنه الصادق و غيرهم من الأئمة (عليهم السلام) نبذوا روايته و اطرحوها و أعرضوا عنها فلم يسمعوها و قالوا رافضي لا اعتماد على مثله و إن تلطفوا قالوا شيعي ما لنا و لنقله مكابرة للحق و عدولا عنه و رغبة في الباطل و ميلا إليه و اتباعا لقول من قال إنا وجدنا ءاباءنا على أمة أو لعلهم رأوا ما جرت الحال عليه أولا من الاستبداد بمنصب الإمامة فقاموا بنصر ذلك محامين عنه غير مظهرين لبطلانه و لا معترفين به استنانا بحمية الجاهلية و هذا مجال طويل لا حاجة بنا إليه .

و من مناقب الخوارزمي عن جابر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله لما خلق السماوات و الأرض دعاهن فأجبنه فعرض عليهن نبوتي و ولاية علي بن أبي طالب فقبلتاهما ثم خلق الله الخلق و فوض إلينا أمر الدين فالسعيد من سعد بنا و الشقي
[292]
من شقي بنا نحن المحلون لحلاله و المحرمون لحرامه .

و روى الخطيب فخر خوارزم أيضا حديث غدير خم : و كونه (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذ بضبعه حتى نظر الناس إلى بياض إبطه ثم لم يفترقا حتى نزل الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... الآية فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) .

الله أكبر على إكمال الدين و إتمام النعمة و رضا الرب برسالتي و الولاية لعلي بن أبي طالب ثم قال اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و انصر من نصره و اخذل من خذله .

و أنشد حسان بن ثابت أبياتا و قد تقدمت .

و عنه عن رجاله عن المطلب بن عبد الله قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لوفد ثقيف حين جاءوه لتسلمن أو ليبعثن الله رجلا مني أو قال مثل نفسي فليضربن أعناقكم و ليسبين ذراريكم و ليأخذن أموالكم فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه فو الله ما تمنيت الإمارة إلا يومئذ جعلت أنصب صدري له رجاء أن يقول هو هذا قال فالتفت إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فأخذ بيده فقال : هو هذا هو هذا .

و منه عن جابر قال : دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا يوم الطائف فانتجاه فقال الناس لقد طال نجواه مع ابن عمه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الله ما أنا انتجيته و لكن الله انتجاه .

و ذكره النسائي في صحيحه و أورده الترمذي أيضا في صحيحه و ذكر بعد و لكن الله انتجاه يعني أن الله أمرني .

و نقلت من مسند أحمد بن حنبل و قد تكرر هذا الحديث و لكني أوردته حيث جاءت معانيه و الفضائل فيه مجموعة في حديث واحد .

عن عمرو بن ميمون قال : إني لجالس إلى ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط قالوا يا ابن عباس إما أن تقوم معنا و إما أن تخلونا يا هؤلاء قال فقال ابن عباس بل أقوم معكم قال و هو يومئذ صحيح قبل أن يعمى قال فابتدءوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا فجاء ينفض ثوبه و يقول أف و تف وقعوا في رجل له عشر وقعوا في رجل قال له النبي
[293]
(صلى الله عليه وآله وسلم) لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب الله و رسوله قال فاستشرف لها من استشرف قال أين علي قالوا هو في الرحل يطحن قال و ما كان أحدكم يطحن قال فجاء و هو أرمد العين لا يكاد أن يبصر شيئا قال فنفث في عينه ثم هز الراية ثلاثا فأعطاها إياه فجاء بصفية بنت حي .

قال : ثم بعث فلانا بسورة التوبة فبعث عليا (عليه السلام) خلفه فأخذها منه و قال لا يذهب بها إلا رجل هو مني و أنا منه قال و قال لبني عمه أيكم يواليني في الدنيا و الآخرة قال و علي معهم جالس فأبوا فقال علي أنا أواليك في الدنيا و الآخرة قال فتركه ثم أقبل على رجل منهم فقال أيكم يواليني في الدنيا و الآخرة فأبوا فقال علي أنا أواليك في الدنيا و الآخرة فقال أنت وليي في الدنيا و الآخرة قال و كان علي (عليه السلام) أول من أسلم من الناس معه بعد خديجة قال و أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثوبه فوضعه على علي و فاطمة و حسن و حسين رحمة الله عليهم فقال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال و شرى علي نفسه و لبس ثوب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم نام مكانه قال و كان المشركون يرمون رسول الله فجاء أبو بكر رحمه الله و علي نائم و أبو بكر يحسب أنه نبي الله قال فقال يا نبي الله قال فقال له علي إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار قال و جعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله و هو يتضور و قد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح ثم كشف عن رأسه فقالوا إنك للئيم كان صاحبك نرميه و لا يتضور و أنت تتضور و قد استنكرنا ذلك قال و خرج بالناس في غزوة تبوك قال فقال له علي أخرج معك فقال له نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا فبكى علي (عليه السلام) فقال له أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون
[294]
لوائي و هو لواء الحمد فتسير به بين السماطين آدم و جميع الخلق يستظلون بظل من موسى (عليه السلام) إلا أنك لست بنبي لا ينبغي أن أذهب إلا و أنت خليفتي قال و قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت وليي في كل مؤمن من بعدي قال و سد أبواب المسجد غير باب علي قال فيدخل المسجد جنبا و هو طريقه ليس له طريق غيره قال و قال من كنت مولاه فإن مولاه علي و ذكر أنه كان بدريا .

قلت : و هي فضيلة شاركه فيها غيره ممن شهد بدرا و الباقيات تفرد بهن ع و قد أوردنا هذا الحديث فيما تقدم من مسند أحمد أيضا و تبعناه في إيراده مرتين لاختلاف رواته و الحديث إذا أورده جماعة كان الوثوق به أشد و الاعتماد على صحته أقوى .

و من مناقب الخوارزمي عن عون بن أبي رافع عن أبيه عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : دخلت على نبي الله ص و هو مريض فإذا رأسه في حجر رجل أحسن ما رأيت من الخلق و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نائم فلما دخلت إليه قال الرجل ادن إلى ابن عمك فأنت أحق به مني فدنوت منهما فقام الرجل و جلست مكانه و وضعت رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجري كما كان في حجر الرجل فمكث ساعة ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) استيقظ فقال أين الرجل الذي كان رأسي في حجره فقلت لما دخلت عليك دعاني ثم قال ادن إلى ابن عمك فأنت أحق به مني ثم قال فجلست مكانه فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهل تدري من الرجل فقلت لا بأبي أنت و أمي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذاك جبرئيل (عليه السلام) كان يحدثني حتى خف علي وجعي و نمت و رأسي في حجره .

و من كتاب المناقب : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آخى بين المسلمين ثم قال يا علي أنت أخي و أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي أ ما علمت يا علي أن أول من يدعى به يوم القيامة يدعى بي قال فأقوم عن يمين العرش في ظله فأكسى حلة خضراء من حلل الجنة ألا و إني أخبرك يا علي أن أمتي أول الأمم يحاسبون يوم القيامة ثم أنت أول من يدعى لقرابتك مني و منزلتك عندي و يدفع إليك
[295]
لوائي يوم القيامة و طوله مسيرة ألف سنة سنانه ياقوتة حمراء قضيبه فضة بيضاء و زجه درة خضراء أوله ثلاث ذوائب من نور ذؤابة في المشرق و ذؤابة في المغرب و الثالثة وسط الدنيا مكتوب عليه ثلاثة أسطر الأول بسم الله الرحمن الرحيم و الثاني الحمد لله رب العالمين و الثالث لا إله إلا الله محمد رسول الله طول كل سطر مسيرة ألف سنة و تسير بلوائي و الحسن عن يمينك و الحسين عن يسارك حتى تقف بيني و بين إبراهيم في ظل العرش ثم تكسى حلة خضراء من الجنة ثم ينادي مناد من تحت العرش نعم الأب أبوك إبراهيم و نعم الأخ أخوك علي أبشر يا علي أبشر يا علي إنك تكسى إذا كسيت و تدعى إذا دعيت و تحيا إذا حييت .

و عن كتاب المناقب عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين لحمه من لحمي و دمه من دمي و هو مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي و قال يا أم سلمة اسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين و سيد المسلمين و عيبة علمي و بابي الذي أوتى منه و أخي في الدنيا و خدني في الآخرة و معي في السنام الأعلى .

و منه عن سليمان بن عبد الله بن الحرث عن جده عن علي (عليه السلام) قال : مرضت مرضا فعادني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخل علي و أنا مضطجع فأتى إلى جنبي ثم سجاني بثوبه فلما رآني قد ضعفت قام إلى المسجد فصلى فلما قضى صلاته جاء فرفع الثوب عني ثم قال قم يا علي فقد برأت فقمت كأني ما اشتكيت قبل ذلك فقال ما سألت ربي شيئا إلا أعطاني و ما سألت شيئا إلا سألت لك .

و منه عن جابر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا و علي من شجرة واحدة و الناس من أشجار شتى .

و منه عن علي بن الحسين عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الخندق اللهم إنك أخذت مني عبيدة بن الحرث
[296]
يوم بدر و حمزة بن عبد المطلب يوم أحد و هذا علي بن أبي طالب فلا تذرني فردا و أنت خير الوارثين .

و منه عن ابن عباسقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي مني مثل رأسي من بدني .

و منه عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكتوب على باب الجنة محمد رسول الله علي بن أبي طالب أخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أن يخلق الله السماوات و الأرض بألفي عام .

و منه عن سلمان قال : سمعت حبيبي المصطفى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول كنت أنا و علي نورا بين يدي الله عز و جل مطيفا يسبح الله ذلك النور و يقدسه قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام فلما خلق الله تعالى آدم ركب ذلك النور في صلبه فلم يزل في شي‏ء واحد حتى افترقنا في صلب عبد المطلب فجزء أنا و جزء علي .

و منه بالإسناد عن الحسين بن علي عن أبيه (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كنت أنا و علي نورا بين يدي الله تعالى من قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف سنة فلما خلق الله تعالى آدم سلك ذلك النور في صلبه فلم يزل الله ينقله من صلب إلى صلب حتى أقره في صلب عبد المطلب ثم أخرجه من صلب عبد المطلب فقسمه قسمين قسما في صلب عبد الله و قسما في صلب أبي طالب فعلي مني و أنا منه لحمه من لحمي و دمي من دمه فمن أحبه فبحبي أحبه و من أبغضه فببغضي أبغضه .

و منه عن أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و كانت ألطف نسائه و أشدهن له حبا قال : و كان لها مولى يحضنها و رباها و كان لا يصلي صلاة إلا سب عليا و شتمه فقالت يا أبة ما حملك على سب علي قال لأنه قتل عثمان و شرك في دمه قالت أما إنه لو لا أنك مولاي و ربيتني و أنك عندي بمنزلة والدي ما حدثتك بسر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لكن اجلس حتى أحدثك عن علي و ما رأيته :

أقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان يومي و إنما كان يصيبني في تسعة أيام يوم واحد فدخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو مخلل أصابعه في أصابع علي واضعا يده عليه فقال يا أم سلمة اخرجي من البيت و أخليه لنا فخرجت و أقبلا يتناجيان فأسمع الكلام و لا أدري ما يقولان حتى إذا قلت قد انتصف النهار
[297]
و أقبلت فقلت السلام عليكم ألج فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تلجي و ارجعي مكانك ثم تناجيا طويلا حتى قام عمود الظهر فقلت ذهب يومي و شغله علي فأقبلت أمشي حتى وقفت على الباب فقلت السلام عليكم ألج فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تلجي فرجعت فجلست مكاني حتى إذا قلت قد زالت الشمس الآن يخرج إلى الصلاة فيذهب يومي و لم أر قط أطول منه فأقبلت أمشي حتى وقفت فقلت السلام عليكم ألج فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نعم فلجي فدخلت و علي واضع يده على يد ركبتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أدنى فاه من أذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و فم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أذن علي و هما يتساران و علي يقول أ فأمضي و أفعل و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول نعم فدخلت و علي معرض وجهه حتى دخلت و خرج فأخذني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) و أقعدني في حجره فالتزمني فأصاب ما يصيب الرجل من أهله من اللطف و الاعتذار ثم قال يا أم سلمة لا تلوميني فإن جبرئيل أتاني من الله بأمر أن أوصي به عليا بما هو كائن بعدي و كنت جالسا بين جبرئيل و علي و جبرئيل عن يميني و علي عن شمالي فأمرني جبرئيل أن آمر عليا بما هو كائن بعدي إلى يوم القيامة فأعذري و لا تلوميني إن الله عز و جل اختار من كل أمة نبيا و اختار لكل نبي وصيا فأنا نبي هذه الأمة و علي وصيي في عترتي و أهل بيتي و أمتي من بعدي فهذا ما شهدت من أمر علي الآن يا أبتاه فسبه أو فدعه فأقبل أبوها يناجي الليل و النهار اللهم اغفر لي ما جهلت من أمر علي فإن وليي ولي علي و عدوي عدو علي فتاب المولى توبة نصوحا و أقبل فيما بقي من دهره يدعو الله تعالى أن يغفر له .

و من المناقب عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاني جبرئيل و قد نشر جناحيه فإذا فيها مكتوب على أحدهما لا إله إلا الله محمد النبي و مكتوب على الآخر لا إله إلا الله علي الوصي .

و عن زيد بن أرقم عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنه قال لعلي و فاطمة و حسن و حسين أنا حرب لمن حاربكم و سلم لمن سالمكم
[298]
قلت رواه الخوارزمي بسنده عن زيد بن أرقم عن النبي ص لمن حاربتم و لمن سالمتم بالتاء .

رواه أحمد بن حنبل في مسنده عن أبي هريرة قال : نظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي و فاطمة و الحسن و الحسين (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أنا حرب لمن حاربكم سلم لمن سالمكم بالكاف .

و من مسند أحمد رحمه الله عن رياح بن الحرث قال : جاء رهط إلى علي (عليه السلام) بالرحبة فقالوا السلام عليك يا مولانا قال كيف أكون مولاكم و أنتم قوم عرب قالوا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم يقول من كنت مولاه فإن هذا مولاه قال رياح فلما مضوا اتبعتهم فسألت من هؤلاء قالوا نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري .

و من مناقب الخوارزمي : أن أبا ذر أسند ظهره إلى الكعبة فقال يا أيها الناس هلموا أحدثكم عن نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) سمعت رسول الله يقول لعلي ثلاث لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من الدنيا و ما فيها سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لعلي اللهم أعنه و استعن به اللهم انصره و انتصر به فإنه عبدك و أخو رسولك .

قال و روى الناصر للحق بإسناده في حديث طويل قال : لما قدم علي (عليه السلام) على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بفتح خيبر قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لو لا أن تقول فيك طائفة من أمتي ما قالت النصارى في المسيح لقلت اليوم فيك مقالا لا تمر بملإ إلا أخذوا التراب من تحت قدميك و من فضل طهورك يستشفون به و لكن حسبك أن تكون مني و أنا منك ترثني و أرثك و أنك مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و أنك تبرئ ذمتي و تقاتل على سنتي و أنك في الآخرة غدا أقرب الناس مني و أنك أول من يرد علي الحوض و أول من يكسى معي و أول داخل في الجنة من أمتي و أن شيعتك على منابر من نور و أن الحق على لسانك و في قلبك و بين عينيك .

الآثار عن سالم قال : قيل لعمر رضي الله عنه نراك تصنع بعلي شيئا لا تصنعه
[299]
بأحد من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إنه مولاي .

و عن أبي جعفر ع قال : جاء أعرابيان إلى عمر يختصمان فقال عمر يا أبا الحسن اقض بينهما فقضى على أحدهما فقال المقضى عليه يا أمير المؤمنين هذا يقضي بيننا فوثب إليه عمر فأخذ بتلبيبه و لببه ثم قال ويحك ما تدري من هذا هذا مولى كل مؤمن و من لم يكن مولاه فليس بمؤمن .

يقال لببت الرجل تلبيبا إذا جمعت ثيابه عند صدره و نحره في الخصومة ثم جررته .

عن عبد خير قال : اجتمع عند عمر رضي الله عنه جماعة من قريش فيهم علي بن أبي طالب فتذاكروا الشرف و علي (عليه السلام) ساكت فقال عمر ما لك يا أبا الحسن ساكتا و كان عليا (عليه السلام) كره الكلام فقال عمر لتقولن يا أبا الحسن فقال علي (عليه السلام) :

الله أكرمنا بنصر نبيه *** و بنا أعز شرائع الإسلام‏

في كل معترك تزيل سيوفنا *** فيه الجماجم عن فراخ الهام

‏و يزورنا جبريل في أبياتنا *** بفرائض الإسلام والأحكام

‏فنكون أول مستحل حله و *** محرم لله كل حرام‏

نحن الخيار من البرية كلها و *** نظامها و زمام كل زمام

‏إنا لنمنع من أردنا منعه *** و نقيم رأس الأصيد القمقام‏

و ترد عادية الخميس سيوفنا *** فالحمد للرحمن ذي الإنعام

الصيد بالتحريك مصدر الأصيد و هو الذي يرفع رأسه كبرا و منه قيل للملك أصيد و أصله داء يصيب البعير فيرفع رأسه و إنما قيل للملك لأنه لا يلتفت يمينا و شمالا و كذلك الذي لا يستطيع الالتفات من داء يقول منه صيد بكسر الياء و القمقام السيد و كذلك القماقم و الخميس الجيش و عاديته ظلمه و جوره و شره
[300]
و قال السيد الحميري (رهـ) :

يا بايع الدين بدنياه *** ليس بهذا أمر الله

‏من أين أبغضت علي الرضا *** وأحمد قد كان يرضاه‏

من الذي أحمد من بينهم يوم *** غدير الخم ناداه

‏أقامه من بين أصحابه *** و هم حواليه و سماه

‏هذا علي بن أبي طالب *** مولى لمن قد كنت مولاه

‏فوال من والاه يا ذا العلى *** و عاد من قد كان عاداه

و لبديع الزمان أبي الفضل أحمد بن الحسين الهمداني :

يا دار منتجع الرسالة *** بيت مختلف الملائك

‏يا ابن الفواطم و العواتك و *** الترائك و الأرائك

‏أنا حائك إن لم أكن *** مولى ولائك و ابن حائك
في بيان أمر سورة براءة و كون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر عليا (عليه السلام) بتبليغها
نقلت من مسند أحمد بن حنبل رحمة الله عليه مرفوعا إلى أبي بكر رضي الله عنه : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعثه ببراءة إلى أهل مكة لا يحج بعد العام مشرك و لا يطوف بالبيت عريان و لا تدخل الجنة إلا نفس مسلمة و من كان بينه و بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مدة فأجله إلى مدته و الله بري‏ء من المشركين و رسوله قال فسار بها ثلاثا ثم قال لعلي (عليه السلام) الحقه فرد يا علي أبا بكر و بلغها أنت قال ففعل قال فلما قدم على النبي (عليه السلام) أبو بكر بكى و قال يا رسول الله حدث في شي‏ء قال ما حدث فيك إلا خير و لكن أمرت أن لا يبلغه إلا أنا أو رجل مني .

و قد تقدم ذكر هذا و أمثاله و هو مشهور فلا حاجة بنا إلى التطويل و تعديد الرواة و الروايات .

[301]
في بيان ما نزل من القرآن في شأنه (عليه السلام)
نقلت من مناقب أبي المؤيد الخوارزمي رحمه الله يرفعه إلى ابن عباس رضي الله عنه قال : أقبل عبد الله بن سلام و معه نفر من قومه ممن قد آمنوا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا يا رسول الله إن منازلنا بعيدة ليس لنا مجلس و لا متحدث دون هذا المجلس و إن قومنا لما رأونا آمنا بالله و رسوله و صدقناه رفضونا و آلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا و لا يناكحونا و لا يكلمونا فشق ذلك علينا فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج إلى المسجد و الناس بين قائم و راكع و بصر بسائل فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هل أعطاك أحد شيئا قال نعم خاتم من ذهب فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أعطاكه قال ذلك القائم و أومأ بيده إلى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) على أي حال أعطاك قال أعطاني و هو راكع فكبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قرأ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ .

و أنشأ حسان بن ثابت يقول :

أبا حسن تفديك نفسي و مهجتي *** و كل بطي‏ء في الهدى و مسارع‏

أ يذهب مدحي و المحبر ضائع *** و ما المدح في جنب الإله بضائع

‏فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعا *** فدتك نفوس القوم يا خير راكع

‏فأنزل فيك الله خير ولاية *** و بينها في محكمات الشرائع

و من المناقب عن يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب علي (عليه السلام) قال : سمعت عليا يقول حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنا مسنده إلى صدري فقال أي علي أ لم تسمع
[302]
قول الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ هم أنت و شيعتك و موعدي و موعدكم الحوض إذا جثت الأمم للحساب يدعون غرا محجلين .

و عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أنزل الله آية و فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلا و علي رأسها و أميرها .

و عن ابن عباس رضي الله عنه و قد ذكره الثعلبي و غيره من مفسري القرآن المجيد في قوله تعالى يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً قال : مرض الحسن و الحسين فعادهما جدهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و معه أبو بكر و عمر رضي الله عنهما و عادهما عامة العرب فقالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا و كل نذر لا يكون له وفاء فليس بشي‏ء فقال علي (عليه السلام) إن برأ ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا و قالت فاطمة (عليها السلام) إن برأ ولداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا و قالت جارية يقال لها فضة إن برأ سيداي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام شكرا فألبس الغلامان العافية و ليس عند آل محمد قليل و لا كثير فانطلق أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى شمعون الخيبري و كان يهوديا فاستقرض منه ثلاثة أصوع من شعير و في حديث المزني عن ابن مهران الباهلي فانطلق إلى جار له من اليهود يعالج الصوف يقال له شمعون بن حانا فقال له هل لك أن تعطيني جزة من صفوف تغزلها لك بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بثلاثة أصوع من شعير قال نعم فأعطاه فجاء بالصوف و الشعير فأخبر فاطمة بذلك فقبلت و أطاعت قالوا فقامت فاطمة (عليها السلام) إلى صاع فطحنته و اختبزت منه خمسة أقراص لكل واحد منهم قرص و صلى علي (عليه السلام) المغرب مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم مسكين فوقف بالباب و قال السلام عليكم يا أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فسمعه علي فقال :

[303]
فاطم ذات المجد و اليقين *** يا بنت خير الناس أجمعين

‏أ ما ترين البائس المسكين *** قد قام بالباب له حنين

‏يشكو إلى الله و يستكين *** يشكو إلينا جائعا حزين

‏كل امرئ بكسبه رهين *** و فاعل الخيرات يستبين

‏موعده جنة عليين *** حرمها الله على الضنين

‏و للبخيل موقف مهين *** تهوي به النار إلى سجين

‏شرابه الحميم و الغسلين

فقالت فاطمة عليها السلام :

أمرك يا ابن عم سمع طاعة *** ما بي من لؤم و لا ضراعة

و أعطوه الطعام و مكثوا يومهم و ليلتهم لم يذوقوا إلا الماء القراح فلما كان اليوم الثاني طحنت فاطمة (عليها السلام) صاعا و اختبزته و أتى علي (عليه السلام) من الصلاة و وضع الطعام بين يديه فأتاهم يتيم فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي يوم العقبة أطعموني أطعمكم الله على موائد الجنة فسمعه علي و فاطمة (عليهما السلام) فأعطوه الطعام و مكثوا يومين و ليلتين لم يذوقوا إلا الماء القراح فلما كان في اليوم الثالث قامت فاطمة (عليها السلام) إلى الصاع الباقي فطحنته و اختبزته و صلى علي (عليه السلام) مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المغرب ثم أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه إذ أتاهم أسير فوقف بالباب فقال السلام عليكم يا أهل بيت محمد تأسروننا و لا تطعموننا أطعموني فإني أسير محمد أطعمكم الله على موائد الجنة فسمعه علي (عليه السلام) فآثره و آثروه و مكثوا ثلاثة أيام و لياليها لم يذوقوا سوى الماء فلما كان في اليوم الرابع و قد قضوا نذرهم أخذ علي الحسن بيده اليمنى و الحسين باليسرى و أقبل نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) و هم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع فلما بصر به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يا أبا الحسن ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم انطلق إلى ابنتي فاطمة فانطلقوا إليها و هي في محرابها تصلي قد لصق بطنها
[304]
بظهرها من شدة الجوع و غارت عيناها فلما رآها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال وا غوثاه بالله يا أهل بيت محمد تموتون جوعا فهبط جبرئيل (عليه السلام) و قال خذ يا محمد هنأك الله في أهل بيتك قال و ما آخذ يا جبرئيل فأقرأه هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ إلى قوله إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً ... إلى آخر السورة قال الخطيب الخوارزمي حاكيا عنه و عن الراوندي و زادني ابن مهران الباهلي في هذا الحديث فوثب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى دخل على فاطمة (عليه السلام) فلما رأى ما بهم انكب عليهم يبكي و قال أنتم منذ ثلاث فيما أرى و أنا غافل عنكم فهبط جبرئيل بهذه الآيات إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً قال هي عين في دار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تفجر إلى دور الأنبياء و المؤمنين .

و روى الخطيب في هذا رواية أخرى و قال في آخرها : فنزل فيهم وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ أي على شدة شهوة مِسْكِيناً قرص ملة و الملة الرماد وَ يَتِيماً خزيزة وَ أَسِيراً حبيسا إِنَّما نُطْعِمُكُمْ يخبر عن ضمائرهم لِوَجْهِ اللَّهِ يقول إرادة ما عند الله من الثواب لا نُرِيدُ مِنْكُمْ يعني في الدنيا جَزاءً ثواب ا وَ لا شُكُوراً.

قلت الضمير في حبه يجوز أن يعود إلى الطعام كما ذكر و يجوز أن يعود إلى الله تعالى فإن إطعامهم إنما كان خالصا لوجهه و هذه السورة نزلت في هذه القضية بإجماع الأمة لا أعرف أحدا خالف فيها .

و روي في قوله تعالى فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ قيل : نزلت في أبي جهل و الوليد بن المغيرة و العاص بن وائل و غيرهم من مشركي مكة كانوا يضحكون من بلال و عمار و غيرهما من أصحابهما و قيل إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) جاء في نفر من المسلمين إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسخر منهم المنافقون و ضحكوا و تغامزوا و قالوا لأصحابهم رأينا اليوم الأصلع فضحكنا منه فأنزل الله
[305]
تعالى الآية قبل أن يصل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عن مقاتل و الكلبي لما نزل قوله تعالى قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى قالوا : هل رأيتم أعجب من هذا يسفه أحلامنا و يشتم آلهتنا و يرى قتلنا و يطمع أن نحبه فنزل قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ أي ليس لي من ذلك أجر لأن منفعة المودة تعود عليكم و هو ثواب الله تعالى و رضاه .

و روي في قوله تعالى وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ يعني : عن ولاية علي (عليه السلام) و قوله تعالى أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ قيل نزلت في قصة بدر في حمزة و علي و عبيدة بن الحرث لما برزوا لقتال عتبة و شيبة و الوليد.

قوله تعالى لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ نزلت في أهل الحديبية قال جابر كنا يومئذ ألفا و أربعمائة فقال لنا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنتم اليوم خيار أهل الأرض فبايعنا تحت الشجرة على الموت فما نكث إلا جزء بن قيس و كان منافقا و أولى الناس بهذه الآية علي بن أبي طالب (عليه السلام) لأنه تعالى قال وَ أَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً يعني فتح خيبر و كان ذلك على يد علي بن أبي طالب (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال روى السيد أبو طالب بإسناده عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي (عليه السلام) من أحبك و تولاك أسكنه الله معنا ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَ نَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ .

[306]
قوله تعالى وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ قيل هم الذين صلوا إلى القبلتين و قيل السابقون إلى الطاعة و قيل إلى الهجرة و قيل إلى الإسلام و إجابة الرسول و كل ذلك موجود في أمير المؤمنين علي (عليه السلام) على وجه التمام و الكمال و الغاية التي لا يقاربه فيها أحد من الناس .

و عن ابن عباس قال سألت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن قول الله تعالى وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ فقال : قال لي جبرئيل (عليه السلام) ذاك علي و شيعته هم السابقون إلى الجنة المقربون من الله بكرامته لهم .

قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً و قد تقدم ذكر هذه الآية و الأمة مجمعون على أنها نزلت و لم يعمل بها أحد غيره و نزلت الرخصة.

قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ روى الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدعو النساء إلى البيعة حين نزلت هذه الآية فكانت فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أول امرأة بايعت .

و عن جعفر بن محمد (عليه السلام) : أن فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب أول امرأة هاجرت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مكة إلى المدينة على قدميها و كانت أبر الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن الناس يحشرون يوم القيامة عراة فقالت وا سوأتاه فقال لها فإني أسأل الله أن يبعثك كاسية و سمعته يذكر ضغطة القبر فقالت وا ضعفاه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إني أسأل الله أن يكفيك ذلك .

قلت : هكذا أورده و ما قبله الخوارزمي رحمه الله و هو بأول هذا الكتاب أنسب حيث ذكرنا أم أمير المؤمنين فلينقل إلى هناك.

[307]
و روي عن ابن عباس رضي الله عنه : أن عبد الله بن أبي و أصحابه خرجوا فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عبد الله بن أبي لأصحابه انظروا كيف أرد هؤلاء السفهاء عنكم فأخذ بيد علي (عليه السلام) و قال مرحبا يا ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و ختنه سيد بني هاشم ما خلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال علي (عليه السلام) يا عبد الله اتق الله و لا تنافق فإن المنافق شر خلق الله فقال مهلا يا أبا الحسن و الله إن إيماننا كإيمانكم ثم تفرقوا قال ابن أبي لأصحابه كيف رأيتم ما فعلت فأثنوا عليه خيرا و نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ فدلت الآية على إيمان علي (عليه السلام) ظاهرا و باطنا و على القطع بقوله في أمر المنافقين .

وقوله تعالى أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ قال ابن عباس هو علي شهد للنبي ص و هو منه .

وقوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا قال ابن عباس هو علي بن أبي طالب .

و روى زيد بن علي عن آبائه عن علي (عليه السلام) قال : لقيني رجل فقال يا أبا الحسن أما و الله إني أحبك في الله فرجعت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبرته بقول الرجل فقال لعلك صنعت إليه معروفا فقال و الله ما صنعت إليه معروفا
[308]
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحمد لله الذي جعل قلوب المؤمنين تتوق إليك بالمودة فنزل قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا .

قوله تعالى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا قيل نزل قوله تعالى فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ في عبيدة و حمزة و أصحابهم كانوا تعاهدوا لا يولون الأدبار فجاهدوا مقبلين حتى قتلوا وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ علي بن أبي طالب (عليه السلام) مضى على الجهاد و لم يبدل و لم يغير.

قلت و آية المباهلة قد تقدم ذكرها و كون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دعا عليا و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهما السلام) أمر مشهور متواتر أورده أصحاب الصحاح في كتبهم و أرباب السير و التواريخ في سيرهم و تواريخهم فاستوى في إيراده المؤالف و المخالف و أحاط علما بحقيته الجاهل و العارف و أنا ذاكر هنا ما أورده الزمخشري في كشافه في تفسير هذه الآية قوله تعالى نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ أي يدعو كل مني و منكم أبناءه و نساءه و نفسه إلى المباهلة ثُمَّ نَبْتَهِلْ نتباهل بأن نقول بهلة الله على الكاذب منا و منكم و البهلة بالفتح و الضم اللعنة و بهله الله لعنه و أبعده من رحمته من قولك أبهله إذا أهمله و ناقة باهل لا صرار عليها و هو خيط يشد به ضرعها و أصل الابتهال هذا ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه و إن لم يكن التعانا.

و روي : أنه دعاهم إلى المباهلة قالوا حتى نرجع و ننظر فلما تخالوا قالوا للعاقب و كان ذا رأيهم يا عبد المسيح ما ترى فقال و الله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالفضل من أمر صاحبكم و الله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم و لئن فعلتم لتهلكن فإن أبيتم إلا إلف دينكم و الإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم فأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) و قد غدا محتضنا الحسين آخذا بيد الحسن و فاطمة تمشي خلفه و علي خلفها و

[309]
هو يقول إذا أنا دعوت فأمنوا فقال أسقف نجران يا معشر النصارى إني لأرى وجوها لو شاء الله أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا و لا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة فقالوا يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك و أن نقرك على دينك و نثبت على ديننا قال فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين و عليكم ما عليهم فأبوا قال فإني أناجزكم فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة و لكن نصالحك على أن نؤدي إليك في كل عام ألفي حلة ألفا في صفر و ألفا في رجب و ثلاثين درعا عادية من حديد فصالحهم على ذلك و قال و الذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لاضطرم الوادي عليهم نارا و لاستأصل الله نجران و أهله حتى الطير على رءوس الشجر و لما حال الحول عليهم كلهم حتى يهلكوا .

و عن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج و عليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم فاطمة ثم علي ثم قال إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً .

فإن قلت ما كان دعاؤه إلى المباهلة إلا ليتبين الكاذب منه و من خصمه و ذلك أمر يختص به و بمن يكاذبه فما معنى ضم الأبناء و النساء.

قلت ذلك آكد في الدلالة على ثقته بحاله و استيقانه بصدقه حيث استجرأ على تعريض أعزته و أفلاذ كبده و أحب الناس إليه لذلك و لم يقتصر على تعريض نفسه له على ثقته بكذب خصمه حتى يهلك خصمه و هلاكه مع أحبته و أعزته هلاك الاستئصال إن تمت المباهلة و خص الأبناء و النساء لأنهم أعز الأهل و ألصقهم بالقلوب و ربما فداهم الرجل بنفسه و حارب دونهم حتى يقتل و من ثم كانوا يسوقون مع أنفسهم الظعائن في الحروب لتمنعهم من الهرب و يسمون الذادة عنها بأرواحهم حماة الحقائق و قدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على لطف
[310]
مكانتهم و قرب منزلتهم و ليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس مفدون بها و فيه دليل لا شي‏ء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (عليه السلام) و فيه برهان واضح على صحة نبوة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه لم يرو أحد من موافق و لا مخالف أنهم أجابوا إلى ذلك و هذا آخر كلام الزمخشري رحمه الله و قد تقدم ذكرها.

و نقلت مما خرجه صديقنا العز المحدث الحنبلي الموصلي في قوله تعالى اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ قال بريدة صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : هو صراط محمد و آله عليهم السلام .

وقوله تعالى في سورة البقرة وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ هو : علي بن أبي طالب .

و قوله تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ نزلت في مبيت علي على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد تقدم ذكرها.

و ذكر ابن الأثير رحمه الله في كتابه كتاب الإنصاف الذي جمع فيه بين الكاشف و الكشاف : أنها نزلت في علي (عليه السلام) و ذلك حين هاجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ترك عليا في بيته بمكة و أمره أن ينام على فراشه ليوصل إذا أصبح ودائع الناس إليهم فقال الله عز و جل لجبرئيل و ميكائيل إني قد آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر أخاه بالبقاء فاختار كل منهما الحياة فأوحى الله إليهما أ لا كنتما مثل علي آخيت بينه و بين محمد فبات على فراشه يفديه بنفسه و يؤثره بالحياة اهبطا إليه فاحفظاه من عدوه فنزلا إليه فحفظاه جبرئيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه و جبرئيل يقول بخ بخ يا ابن أبي طالب من مثلك و قد باهى الله بك الملائكة. و قوله الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ قال كان عند علي (عليه السلام) أربعة دراهم لا يملك غيرها فتصدق بدرهم ليلا و بدرهم نهارا و بدرهم سرا و بدرهم علانية فنزلت
[311]
قوله تعالى وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً قال العز المحدث حبل الله علي و أهل بيته.

قوله تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ قال الثعلبي نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال بينا عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم يقول قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل رجل معتم بعمامة فجعل كلما قال ابن عباس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول الرجل قال رسول الله فقال له ابن عباس سألتك بالله من أنت فكشف العمامة عن وجهه و قال : أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من لم يعرفني فأنا أعرفه نفسي أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذر الغفاري :

سمعت رسول الله بهاتين و إلا صمتا و رأيته بهاتين و إلا عميتا يقول علي قائد البررة و قاتل الكفرة منصور من نصره مخذول من خذله أما إني صليت مع رسول الله ص صلاة الظهر يوما من الأيام فسأل سائل في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يعطه أحد فرفع السائل يده إلى السماء و قال اللهم اشهد أني سألت في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يعطني أحد شيئا و كان علي راكعا فأومأ إليه بخنصره اليمنى و كان يتختم فيه فأقبل السائل فأخذ الخاتم من يده بعين رسول الله فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء و قال اللهم إن أخي موسى سألك فقال رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَ يَسِّرْ لِي أَمْرِي وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَ اجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَ أَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي فأنزلت سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَ نَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا اللهم و أنا محمد نبيك و صفيك اللهم فاشرح لي صدري و يسر لي أمري و اجعل لي وزيرا من أهلي عليا اشدد به أزري قال أبو ذر فما استتم رسول الله كلامه حتى نزل جبرئيل يقول له اقرأ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ ... الآية .

[312]
و نقلت مما خرجه العز المحدث قال .

و روي عن عبد الله بن مسعود قال : قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاني ملك فقال يا محمد وَ سْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا على ما بعثوا قال قلت على ما بعثوا قال على ولايتك و ولاية علي بن أبي طالب .

و قال ابن عباس رضي الله عنه و محمد بن علي الباقر (عليه السلام) لما نزلت هذه الآية : يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد علي فقال :من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه .

و قوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قال هو علي بن أبي طالب و هو رأس المؤمنين.

و قوله تعالى أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ نزلت في ملاحاة العباس و علي قال له العباس لئن سبقتمونا بالإيمان و الهجرة فقد كنا نسقي الحجيج و نعمر المسجد الحرام فنزلت.

و قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ قال ابن عباس كونوا مع علي و أصحابه .

وقوله تعالى إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ .

قال ابن عباس : لما نزلت هذه الآية وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده على صدره فقال أنا المنذر و أومأ بيده إلى منكب علي و قال أنت الهادي يا علي يهتدي بك المهتدون من بعدي.

قوله تعالى كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَ بَيْنَكُمْ وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ قال محمد بن الحنفية رضي الله عنه هو علي بن أبي طالب.

قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا قال ابن عباس نزلت في علي بن أبي طالب جعل الله له ودا في قلوب المؤمنين.

[313]
و من سورة الحج في البخاري و مسلم من حديث أبي ذر أنه كان يقسم قسما أن هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ نزلت في علي و حمزة و عبيدة بن الحارث الذين بارزوا المشركين يوم بدر عتبة و شيبة ابنا ربيعة و الوليد بن عتبة.

قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ يعني صراط محمد و آله ع .

قوله تعالى أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ هو علي (عليه السلام) .

قوله تعالى أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ المؤمن علي و الفاسق الوليد و قد تقدم ذكر ذلك مستوفى.

قوله تعالى وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ قال أبو سعيد الخدري صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسئولون عن ولاية علي بن أبي طالب قوله تعالى سلام على آل ياسين قال ابن السائب آل ياسين آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قوله تعالى وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ الذي جاء بالصدق رسول الله و الذي صدق به علي بن أبي طالب قاله مجاهد .

قوله تعالى قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى .
في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال لا تؤذوا فاطمة و عليا و ولديهما
قوله تعالى السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ هو علي (عليه السلام) .

و كان ينشد :

سبقتكم إلى الإسلام طرا *** صغيرا ما بلغت أوان حلمي

قوله تعالى وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ نزلت في علي (عليه السلام) .

[314]
قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً نزلت في علي (عليه السلام) و قد تقدم ذكرها قوله تعالى فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ قال مجاهد هو علي ع.

قوله تعالى يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ نزلت في علي و أصحابه.

قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ قالوا نزلت في علي (عليه السلام) .

قوله تعالى إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ قيل إنها نزلت في علي (عليه السلام) هذا آخر ما أورده صديقنا العز المحدث فيما نزل فيه (عليه السلام) .

و أما ما أورده الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه فأنا أذكره على سياقته و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب قال يرفعه بسنده عن ابن عباس قال : ما في القرآن آية و فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلا و علي رأسها و قائدها .

و روي عن علي (عليه السلام) قال : نزل القرآن أرباعا فربع فينا و ربع في عدونا و ربع سير و أمثال و ربع فرائض و أحكام و لنا كرائم القرآن .

و عن ابن عباس : ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي (عليه السلام) .

و عن مجاهد : نزل في علي سبعون آية.

قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا .

وعن البراء قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي يا علي قل اللهم اجعل لي
[315]
عندك عهدا و اجعل لي عندك ودا و اجعل لي في صدور المؤمنين مودة .

فنزلت و قد أورده بذلك من عدة طرق.

قوله تعالى وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ .

عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ و أومأ بيده إلى صدره وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ و أشار بيده إلى علي : بك يهتدي المهتدون بعدي .

و هو أيضا من عدة طرق و كذا كلما يورده رحمه الله فإنما أقتصر على طريق واحدة و من أراد الزيادة فقد دللته على الكتاب.

قوله عز و جل أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ المؤمن علي (عليه السلام) و الفاسق الوليد و قد تقدم قوله تعالى أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ .

قال عباد بن عبد الله الأسدي : سمعت عليا يقول و هو على المنبر ما من رجل من قريش إلا و قد نزلت فيه آية أو آيتان فقال رجل ممن تحته فما نزل فيك أنت فغضب ثم قال أما إنك لو لم تسألني على رءوس القوم ما حدثتك ويحك هل تقرأ سورة هود ثم قرأ علي (عليه السلام) أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ رسول الله على بينة و أنا الشاهد منه .

قوله عز و جل وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ عن ابن عباس أنهم مسئولون عن ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) قوله تعالى وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ عن ابن عباس قال مع علي (عليه السلام) قوله تعالى الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً عن ابن عباس قال نزلت في علي (عليه السلام) كانت عنده أربعة دراهم فتصدق بالليل و النهار سرا و علانية قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً و قد سبق ذكر هذه الآية و أنه لم يعمل بها أحد غيره قبله و لا بعده قوله تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ قد سبق ذكرها و أوردت ما ذكره الثعلبي فيها .

و عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن عبد الله بن سلام و نفرا ممن آمن معه أقبلوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قالوا إن منازلنا بعيدة لا نجد أحدا يجالسنا و يخالطنا دون هذا المسجد و إن قومنا لما رأونا قد صدقنا الله و رسوله و تركنا دينهم أظهروا العداوة و قد أقسموا أن لا يخالطونا و لا يؤاكلونا فشق ذلك علينا فبينما هم يشكون إلى رسول الله ص و كان علي قد تصدق بخاتمه في الصلاة نزلت و لما رأوه و قد
[316]
أعطاه الخاتم كبروا قال وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ و قد مر ذكر هذا بألفاظ تزيد على هذه الرواية نقلا من مناقب أبي المؤيد.

قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ .

قال علي (عليه السلام) : حدثني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنا مسنده إلى صدري قال أي علي أ لم تسمع قول الله تعالى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا الآية أنت و شيعتك و موعدي و موعدكم الحوض إذا جثت الأمم للحساب تدعون غرا محجلين.

قوله تعالى نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ ... آية المباهلة و قد ذكرتها آنفا مستوفاة قوله تعالى فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ عن الحسن قال استوى الإسلام بسيف علي (عليه السلام) .

قوله تعالى وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ .

عن أسماء بنت عميس قالت : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول صالح المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و عن ابن عباس مثله.

قوله تعالى وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ .

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه : أنه سمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول الناس من شجر شتى و أنا و أنت يا علي من شجرة واحدة ثم قرأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قوله تعالى يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ .

عن ابن عباس قال : أول من يكسى من حلل الجنة إبراهيم لخلته من الله عز و جل ثم محمد لأنه صفوة الله ثم علي يزف بينهما إلى الجنان ثم قرأ ابن عباس الآية و قال علي و أصحابه.

قوله تعالى وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً و قد تقدمت و قوله تعالى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ و قد ذكرت و قوله تعالى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ و قوله أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي و قوله أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ .

و قوله تعالى الم أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ قال علي (عليه السلام) قلت يا رسول الله ما هذه الفتنة
[317]
قال يا علي بك و إنك تخاصم فأعد للخصومة .

و قال علي : ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا نحن أولئك .

و عن أبي جعفر وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى قال : في أمر علي (عليه السلام) .

و عنه : وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ قال علي بن أبي طالب أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي علي بن أبي طالب و آل محمد أَ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ علي بن أبي طالب .

قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا .

عن ابن عباس : ما نزلت يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلا و علي أميرها و شريفها .

و عنه : ما ذكر الله في القرآن يا أيها الذين آمنوا إلا و علي شريفها و أميرها و لقد عاتب الله أصحاب محمد في آي من القرآن و ما ذكر عليا إلا بخير و عنه مثله و فيه إلا كان علي رأسها و أميرها و فيه و لقد أمرنا بالاستغفار له و عنه مثله و فيه رأسها و قائدها .

و عن حذيفة : إلا كان لعلي لبها و لبابها و عن مجاهد فإن لعلي سابقة ذلك لأنه سبقهم إلى الإسلام و عن ابن عباس إلا و علي شريفها و أميرها .

قوله تعالى فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَ كَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ عن موسى بن جعفر عن أبيه (عليه السلام) قال : هو من رد قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) في علي (عليه السلام) .

قوله تعالى وَ قالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ عن أبي رافع أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وجه عليا (عليه السلام) في نفر معه في طلب أبي سفيان فلقيهم أعرابي من خزاعة فقال إن القوم قد جمعوا لكم فقالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فنزلت .

قوله تعالى وَ كَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ ابن مسعود كان يقرأ هذا الحرف و كفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب و كان الله قويا عزيزا.

قوله تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أنها نزلت في بيان الولاية .

و عن زيد بن علي قال : لما جاء جبرئيل (عليه السلام) بأمر الولاية ضاق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك ذرعا و قال قومي حديثو عهد بجاهلية فنزلت .

قال رياح بن الحرث : كنت
[318]
في الرحبة مع أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ أقبل ركب يسيرون حتى أناخوا بالرحبة ثم أقبلوا يمشون حتى أتوا عليا (عليه السلام) فقالوا السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته قال من القوم قالوا مواليك يا أمير المؤمنين قال فنظرت إليه و هو يضحك و يقول من أين و أنتم قوم عرب قالوا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم و هو آخذ بعضدك يقول أيها الناس أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم قلنا بلى يا رسول الله فقال إن الله مولاي و أنا مولى المؤمنين و علي مولى من كنت مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه فقال أنتم تقولون ذلك قالوا نعم قال و تشهدون عليه قالوا نعم قال صدقتم فانطلق القوم و تبعتهم فقلت لرجل منهم من أنتم يا عبد الله قالوا نحن رهط من الأنصار و هذا أبو أيوب صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذت بيده فسلمت عليه و صافحته .

قلت : و قد مرت هذه الرواية بألفاظ أخصر من هذه من مسند أحمد بن حنبل و رياح بن الحارث و في هذا المعنى.

ما روي عن حبيب بن يسار عن أبي رميلة : أن ركبا أربعة أتوا عليا (عليه السلام) حتى أناخوا بالرحبة ثم أقبلوا إليه فقالوا السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته قال و عليكم السلام أنى أقبل الركب قالوا أقبل مواليك من أرض كذا و كذا قال أنى أنتم موالي قالوا سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم غدير خم يقول من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه .

و عن ابن عباس قال : لما أمر الله رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقوم بعلي (عليه السلام) فيقول له ما قال فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) يا رب إن قومي حديثو عهد بجاهلية ثم مضى بحجه فلما أقبل راجعا نزل بغدير خم أنزل الله عليه يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ... الآية فأخذ بعضد علي ثم خرج إلى الناس فقال أيها الناس أ لست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى يا رسول الله قال اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه و أعن من أعانه و اخذل من خذله و انصر من نصره و أحب من أحبه و أبغض من أبغضه قال ابن عباس فوجبت و الله في رقاب القوم .

و قال حسان بن ثابت :

[319]
يناديهم يوم الغدير نبيهم *** بخم و أسمع بالرسول مناديا

يقول فمن مولاكم و وليكم *** فقالوا و لم يبدوا هناك التعاميا

إلهك مولانا و أنت ولينا *** و لم تر منا في الولاية عاصيا

فقال له قم يا علي فإنني *** رضيتك من بعدي إماما و هاديا

و عن ابن هارون العبدي قال : كنت أرى رأي الخوارج لا رأي لي غيره حتى جلست إلى أبي سعيد الخدري فسمعته يقول أمر الناس بخمس فعملوا بأربع و تركوا واحدة فقال له رجل يا أبا سعيد ما هذه الأربع التي عملوا بها قال الصلاة و الزكاة و الحج و الصوم صوم شهر رمضان قال فما الواحدة التي تركوها قال ولاية علي بن أبي طالب قال و إنها مفترضة معهن قال نعم قال فقد كفر الناس قال فما ذنبي .

عن زر عن عبد الله قال : كنا نقرأ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ أن عليا مولى المؤمنين وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ .

قوله تعالى فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ عن أنس و بريدة قالا قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ إلى قوله الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ فقام رجل فقال أي بيوت هذه يا رسول الله قال بيوت الأنبياء فقال أبو بكر رضي الله عنه يا رسول الله هذا البيت منها يعني بيت علي و فاطمة (عليها السلام) قال نعم من أفاضلها .

قوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ قيل كان علي (عليه السلام) في أناس من الصحابة عزموا على تحريم الشهوات فنزلت.

و عن قتادة : أن عليا (عليه السلام) و جماعة من الصحابة منهم عثمان بن مظعون أرادوا أن يتخلوا عن الدنيا و يتركوا النساء و يترهبوا فنزلت و عن ابن عباس أنها نزلت في علي و أصحاب له .

[320]
قوله تعالى وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : هو علي بن أبي طالب عرضت ولايته على إبراهيم (عليه السلام) فقال اللهم اجعله من ذريتي ففعل الله ذلك .

قوله تعالى وَ النَّجْمِ إِذا هَوى ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَ ما غَوى وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى عن حبة العرني لما أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بسد الأبواب التي في المسجد شق عليهم قال حبة إني لأنظر إلى حمزة بن عبد المطلب و هو تحت قطيفة حمراء و عيناه تذرفان و يقول أخرجت عمك و أبا بكر و عمر و العباس و أسكنت ابن عمك فقال رجل يومئذ ما يألو في رفع ابن عمه فعلم رسول الله أنه قد شق عليهم فدعا الصلاة جامعة فصعد المنبر فلم يسمع من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خطبة كان أبلغ منها تمجيدا و توحيدا فلما فرغ قال يا أيها الناس ما أنا سددتها و لا أنا فتحتها و لا أنا أخرجتكم و أسكنته و قرأ وَ النَّجْمِ إِذا هَوى إلى قوله إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى .

قوله تعالى وَ الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ عن ابن عباس إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ يعني أبا جهل إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا علي و سلمان وَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ علي و سلمان وَ بَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ إلى قوله وَ مِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ قال منهم علي و سلمان رضي الله عنهما .

قوله تعالى وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ عن ابن عباس أنها نزلت في علي (عليه السلام) .

قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ عن النعمان بن بشير أن عليا (عليه السلام) تلاها ليلة و قال أنا منهم و أقيمت الصلاة فقام و هو يقول لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها .

قوله تعالى وَ لَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ عن أبي سعيد لتعرفنهم في لحن
[321]
القول ببغضهم علي بن أبي طالب (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها عن علي ع قال الحسنة حبنا أهل البيت و السيئة بغضنا من جاء بها أكبه الله على وجهه في النار .

قوله تعالى فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ عن أبي جعفر (عليه السلام) قال هو علي (عليه السلام) .

قوله تعالى إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ عن أبي جعفر دعاكم إلى ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

قوله تعالى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتذاكر أصحابه الجنة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) إن أول أهل الجنة دخولا إليها علي بن أبي طالب قال أبو دجانة الأنصاري يا رسول الله أخبرتنا أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت و على الأمم حتى تدخلها أمتك قال بلى يا أبا دجانة أ ما علمت أن لله لواء من نور و عمودا من ياقوت مكتوب على ذلك النور لا إله إلا الله محمد رسولي آل محمد خير البرية صاحب اللواء إمام القيامة و ضرب بيده إلى علي بن أبي طالب قال فسر رسول الله بذلك عليا فقال الحمد لله الذي كرمنا و شرفنا بك فقال له أبشر يا علي ما من عبد ينتحل مودتنا إلا بعثه الله معنا يوم القيامة ثم قرأ رسول الله فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ .

قوله تعالى وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ عن علي (عليه السلام) قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن فيك مثلا من عيسى أحبه قوم فهلكوا فيه و أبغضه قوم فهلكوا فيه فقال المنافقون أ ما رضي له مثلا إلا عيسى فنزلت .

قوله تعالى وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ عن زاذان عن علي (عليه السلام) تفترق هذه الأمة على ثلاث و سبعين فرقة اثنتان و سبعون في النار و واحدة في الجنة و هم الذين قال الله تعالى وَ مِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ
[322]
بِهِ يَعْدِلُونَ و هم أنا و شيعتي .

قوله تعالى وَ تَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ عن بريدة قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي ع إن الله أمرني أن أدنيك و لا أقصيك و أن أعلمك و أن تعي فنزلت و حق على الله أن تعي فنزلت .

و عن مكحول قال : قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية ثم أقبل على علي فقال إني سألت الله أن يجعلها أذنك .

و بالإسناد قال : فسألت ربي فقلت اللهم اجعلها أذن علي .

فكان علي (عليه السلام) يقول : ما سمعت من نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلاما إلا وعيته و حفظته فلم أنسه .

قوله تعالى أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ ... الآية و قد تقدم ذكرها .

قوله تعالى تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) أنها نزلت في علي (عليه السلام) .

قوله تعالى وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا عن مقاتل بن سليمان أنها نزلت في علي بن أبي طالب (عليه السلام) و ذلك أن نفرا من قريش كانوا يؤذونه و يكذبون عليه .

قوله تعالى وَ يَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالرَّسُولِ وَ أَطَعْنا عن ابن عباس أنها نزلت في علي و رجل من قريش ابتاع منه أرضا .

قوله تعالى وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً هو علي و فاطمة (عليها السلام) .

قوله تعالى وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ قيل ذلك علي (عليه السلام) لأنه كان مؤمنا مهاجرا ذا رحم .

قوله تعالى وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ عن جابر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال نزلت في ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

[323]
قوله تعالى وَ السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ قال ابن عباس رضي الله عنه يوشع بن نون سبق إلى موسى بن عمران (عليه السلام) و مؤمن آل ياسين سبق إلى عيسى ابن مريم و علي بن أبي طالب (عليه السلام) سبق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قوله تعالى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... الآية عن أبي سعيد حديث غدير خم و رفعه بيد علي (عليه السلام) فنزلت فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الله أكبر على إكمال الدين و إتمام النعمة و رضا الرب برسالتي و الولاية لعلي بن أبي طالب ع.

قوله تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ نزلت في مبيته على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد تقدم ذكرنا لها .

قوله تعالى أَطِيعُوا اللَّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ عن عبد الغفار بن القاسم قال سألت جعفر بن محمد (عليه السلام) عن أُولِي الْأَمْرِ في هذه الآية فقال كان و الله علي منهم .

قوله تعالى وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هو حين أذن علي (عليه السلام) بالآيات من سورة براءة و قد تقدم ذكرنا لها من مسند أحمد بن حنبل حين أنفذها مع أبي بكر رضي الله عنه و أتبعه بعلي (عليه السلام) و قال :

قد أمرت أن لا يبلغها إلا أنا أو واحد مني .

.

قوله تعالى طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ عن محمد بن سيرين قال هي شجرة في الجنة أصلها في حجرة علي و ليس في الجنة حجرة إلا و فيها غصن من أغصانها .

قوله تعالى فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ عن ابن عباس قال منتقمون بعلي (عليه السلام) .

قوله تعالى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ عن أنس قال علي و فاطمة
[324]
يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ قال الحسن و الحسين (عليهما السلام) و عن ابن عباس علي و فاطمة بَيْنَهُما بَرْزَخٌ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يَخْرُجُ مِنْهُمَا الحسن و الحسين (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قوله تعالى قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى عن ابن عباس قال : سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من هؤلاء الذين يجب علينا حبهم قال علي و فاطمة و ابناهما قالها ثلاث مرات رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه .

قوله تعالى وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ عن مجاهد : نزلت في علي (عليه السلام) .

و عن أبي جعفر (عليه السلام) : الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و الذي صَدَّقَ بِهِ علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ عن علي (عليه السلام) قال : ناكبون عن ولايتنا .

قوله تعالى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ قال علي (عليه السلام) : الحسنة حبنا و السيئة بغضنا .

قوله تعالى وَ نادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ عن علي (عليه السلام) قال : نحن أصحاب الأعراف من عرفناه بسيماه أدخلناه الجنة .

قوله تعالى هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قيل هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

وقوله تعالى سَلامٌ عَلى إِلْ‏ياسِينَ و قوله وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ و قوله فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ عن ابن عباس : إل ياسين آل محمد و نحن كباب حطة في بني إسرائيل .

وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ علي (عليه السلام) و قوله فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

وَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ هُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قيل هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ
[325]
عَنْكُمُ الرِّجْسَ ... الآية و قد تقدم ذكر ما أوردته أم سلمة و عائشة رضي الله عنهما و غيرهما في ذلك .

و قد أورد الحافظ أبو بكر بن مردويه ذلك من عدة طرق لعلها تزيد على المائة فمن أرادها فقد دللته .

وقوله تعالى أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ عن مجاهد نزلت في علي و حمزة.

قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ قيل نزلت في علي و حمزة و عبيدة بن الحارث حين بارزوا عتبة و شيبة و الوليد قرآن فأما الكفار فنزل فيهم هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ إلى قوله تعالى عَذابَ الْحَرِيقِ و في علي و أصحابه إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ ... الآية .

قوله تعالى وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ عن أبي هريرة قال : قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) يا رسول الله أيما أحب إليك أنا أم فاطمة ?

قال : فاطمة أحب إلي منك ; و أنت أعز علي منها ; و كأني بك و أنت على حوضي تذود عنه الناس و إن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء و أنت و الحسن و الحسين و فاطمة و عقيل و جعفر في الجنة إخوانا على سرر متقابلين ; أنت معي و شيعتك في الجنة ; ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ لا ينظر أحدهم في قفاء صاحبه .

قوله تعالى يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

قوله عز و جل وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ عن ابن عباس : نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و علي خاصة و هما أول من صلى و ركع .

قلت : هذا ما نقلته مما نزلت فيه (عليه السلام) من طرق الجمهور فإن العز المحدث
[326]
كان صديقنا و كنا نعرفه و كان حنبلي المذهب و ابن مردويه و إن كان قد جمع كتابا في مناقبه (عليه السلام) اجتهد فيه و بالغ فيما أورده و لم يأل جهدا فقد أورد فيه مواضع لا يقولها الشيعة و لا يوردونها و لم أذكر نزول القرآن فيه (عليه السلام) من طرق أصحابنا دفعا للمكابرة و استغناء بما نقلوه من مناقبه ع .

شعر :

قال فيه البليغ ما قال ذو *** العي فكل بفضله منطيق

‏و كذاك العدو لم يعد أن قال *** جميلا كما يقول الصديق
في ذكر المؤاخاة له (عليه السلام)
من مسند أحمد بن حنبل عن سعيد بن المسيب : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آخى بين الصحابة فبقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أبو بكر و عمر و علي فآخى بين أبي بكر و عمر و قال لعلي (عليه السلام) أنت أخي .

و بالإسناد عن عمر بن عبد الله عن أبيه عن جده : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) آخى بين الناس و ترك عليا حتى بقي آخرهم لا يرى له أخا فقال يا رسول الله آخيت بين الناس و تركتني قال و لمن تراني تركتك إنما تركتك لنفسي أنت أخي و أنا أخوك فإن ذاكرك أحد فقل أنا عبد الله و أخو رسول الله لا يدعيها بعدك إلا كذاب .

و بالإسناد عن زيد بن أدمي قال : دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكر (عليه السلام) قصة مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فقال علي لقد ذهبت روحي و انقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري فإن كان هذا من سخط علي فلك العتبى و الكرامة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و الذي بعثني بالحق ما اخترتك إلا لنفسي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي و أنت أخي و وارثي قال قال و ما أرث منك يا رسول الله قال ما ورث الأنبياء قبلي كتاب الله و سنة نبيهم و أنت معي في قصري
[327]
في الجنة مع ابنتي فاطمة و أنت أخي و رفيقي ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ المتحابون في الله ينظر بعضهم إلى بعض .

و بالإسناد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه : أن عليا كان يقول في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله عز و جل يقول أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ لأقاتلن على ما قاتل عليه حتى أموت و الله إني لأخوه و وليه و ابن عمه و وارثه و من أحق به مني .

و بالإسناد عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : طلبني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فوجدني في حائط نائما فضربني برجله و قال قم و الله لأرضينك أنت أخي و أبو ولدي تقاتل على سنتي من مات على عهدي فهو في كنف الله و من مات على عهدك فقد قضى نحبه و من مات يحبك بعد موتك يختم الله له بالأمن و الإيمان ما طلعت شمس أو غربت عن جابر مثله و في آخره علي أخي و صاحب لوائي .

و عن علي (عليه السلام) بالإسناد قال : جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة و يشرب الفرق قال فصنع لهم مدا من طعام فأكلوا حتى شبعوا قال و بقي الطعام كما هو كأنه لم يمس ثم دعا بغمر فشربوا حتى رووا و بقي الشراب كأنه لم يشرب منه و لم يمس فقال يا بني عبد المطلب إني بعثت إليكم خاصة و إلى الناس عامة و قد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم فأيكم يبايعني على أن يكون أخي و صاحبي قال فلم يقم إليه أحد فلما كان في الثالثة ضرب بيده على يدي .

قال أفقر عباد الله تعالى إلى رحمته علي بن عيسى بن أبي الفتح عفا الله تعالى
[328]
عنه : هذا الحديث قد سبق ذكره أبسط من هذا و لكني نقلته هنا من كتاب العمدة لابن البطريق أحسن الله جزاه فتبعت ما رواه .

قال و من مناقب الفقيه أبي الحسن بن المغازلي عن أنس قال : لما كان يوم المباهلة آخى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين المهاجرين و الأنصار و علي واقف يراه و يعرف مكانه و لم يؤاخ بينه و بين أحد فانصرف علي باكي العين فافتقده النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ما فعل أبو الحسن قالوا انصرف باكي العين يا رسول الله قال يا بلال اذهب فائتني به فمضى بلال إلى علي (عليه السلام) و قد دخل منزله باكي العين فقالت فاطمة ما يبكيك لا أبكى الله عينيك قال يا فاطمة آخى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) بين المهاجرين و الأنصار و أنا واقف يراني و يعرف مكاني و لم يؤاخ بيني و بين أحد قالت (عليه السلام) لا يحزنك الله لعله إنما ادخرك لنفسه فقال بلال يا علي أجب النبي (عليه السلام) فأتى علي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يبكيك يا أبا الحسن فقال واخيت بين المهاجرين و الأنصار يا رسول الله و أنا واقف تراني و تعرف مكاني و لم تؤاخ بيني و بين أحد قال إنما ذخرتك لنفسي أ لا يسرك أن تكون أخا نبيك قال بلى يا رسول الله أنى لي بذلك فأخذه بيده فأرقاه المنبر فقال اللهم إن هذا مني و أنا منه إلا أنه مني بمنزلة هارون من موسى ألا من كنت مولاه فعلي مولاه قال فانصرف علي قرير العين فاتبعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال بخ بخ يا أبا الحسن أصبحت مولاي و مولى كل مسلم .

و بالإسناد عن زيد بن أرقم قال : دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إني مؤاخ بينكم كما آخى الله تعالى بين الملائكة ثم قال لعلي أنت أخي و رفيقي ثم تلا هذه الآية إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ الأخلاء في الله ينظر بعضهم إلى بعض .

و عن الدارقطني يرفعه إلى ابن عمر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) أنت أخي في الدنيا و الآخرة .

و بالإسناد عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خير إخواني علي .

[329]
و بالإسناد عن ابن عمر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) يوم المؤاخاة أنت أخي في الدنيا و الآخرة .

و بالإسناد عن حذيفة بن اليمان قال : آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين المهاجرين و الأنصار كان يؤاخي بين الرجل و نظيره ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال هذا أخي قال حذيفة فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيد المرسلين و إمام المتقين و رسول رب العالمين الذي ليس له شبيه و لا نظير و علي أخوه .

شعر :

ينيل العدو و الصديق و إنما *** يعادي الفتى أمثاله و يصادق

و بالإسناد عن أبي الحمراء قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لما أسري بي إلى السماء رأيت على ساق العرش الأيمن أنا وحدي لا إله غيري غرست جنة عدن بيدي محمد صفوتي أيدته بعلي و من الجمع بين الصحاح الست لرزين العبدي في باب مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و بالإسناد المقدم من سنن أبي داود و صحيح الترمذي عن ابن عمر قال : لما آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين أصحابه جاء علي تدمع عيناه فقال يا رسول الله آخيت بين أصحابك و لم تؤاخ بيني و بين أحد قال فسمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول أنت أخي في الدنيا و الآخرة .

قال يحيى بن الحسن بن البطريق : قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) أنت أخي في الدنيا و الآخرة أراد بذلك غاية المدحة له و نهاية المبالغة في علو المنزلة لأنه (عليه السلام) لما آخى بين المرء و نظيره و لم يجد لعلي (عليه السلام) نظيرا غيره فهو نظيره من وجوه.

نظيره في الأصل بدليل شاهد النسب الصريح بينهما بلا ارتياب و نظيره في العصمة بدليل قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و نظيره في أنه ولي الأمة بدليل قوله تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ
[330]
الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ و اختصاص هذه الآية بأمير المؤمنين (عليه السلام) قد تقدم من الصحاح و نظيره في الأداء و التبليغ بدليل الوحي الوارد عليه يوم إعطاء سورة براءة لغيره فنزل جبرئيل (عليه السلام) و قال لا يؤديها إلا أنت أو من هو منك فاستعادها منه فأداها علي (عليه السلام) بوحي الله تعالى في الموسم بما تقدم ثبوت طرقه و بما يأتي ذكره أنه لا يؤدي عنه إلا هو أو علي في باب ذكر خاصف النعل و نظيره في كونه (عليه السلام) مولى الأمة بدليل قوله (عليه السلام) :

من كنت مولاه فعلي مولاه .

بما تقدم ذكره من عدة طرق و نظيره في مماثلة نفسيهما و أن نفسه قامت مقام نفسه (عليه السلام) و أن الله قد جعله نفس رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدليل قوله سبحانه و تعالى فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ فجعل نفس علي نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه (عليه السلام) قال تَعالَوْا نَدْعُ و الداعي لا يدعو نفسه و إنما يدعو غيره فثبت أن المراد بنفسه في الدعاء نفس علي (عليه السلام) و بذلك ورد تفسير هذه الآية و قد تقدم ذكرها و نظيره في فتح بابه في المسجد كفتح باب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و جوازه في المسجد كجوازه و دخوله في المسجد جنبا كحال رسول الله على السواء و قد ذكرت ذلك و سأذكره فيما بعد.

فثبتت المناظرة و المشابهة و المشاكلة له بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا ما استثناه من الأمر الذي لا نظير له فيه و هو النبوة بقوله إلا أنه لا نبي بعدي فلذلك صح من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يجعله أخاه في الدنيا و الآخرة بما ثبت له من المشابهة و المشاكلة في هذه المنازل بمشاركته له في منزله في الجنة بما تضمنته هذه الأخبار .
في ذكر سد الأبواب
من مسند أحمد بن حنبل رحمة الله عليه عن زيد بن أرقم قال : كان لنفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبواب شارعة في المسجد فقال يوما سدوا هذه الأبواب إلا باب علي قال فتكلم في ذلك أناس قال فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فحمد الله و أثنى
[331]
عليه ثم قال أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم و الله ما سددت شيئا و لا فتحته و لكني أمرت بشي‏ء فاتبعته .

و بالإسناد المقدم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لقد أوتي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثلاثا لئن أكون أوتيتها أحب إلي من أن أعطى حمر النعم جوار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) له في المسجد و الراية يوم خيبر و الثالثة نسيها سهيل .

و بالإسناد عن ابن عمر قال : كنا نقول خير الناس أبو بكر ثم عمر و لقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لئن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم زوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بنته و ولدت له و سد الأبواب إلا بابه في المسجد و أعطاه الراية يوم خيبر .

و من مناقب الفقيه ابن المغازلي عن عدي بن ثابت قال : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المسجد فقال إن الله أوحى إلى نبيه موسى أن ابن لي مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا موسى و هارون و ابنا هارون و إن الله أوحى إلي أن أبني مسجدا طاهرا لا يسكنه إلا أنا و علي و ابنا علي .

و بالإسناد المقدم عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : لما قدم أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة لم يكن لهم بيوت فكانوا يبيتون في المسجد فقال لهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تبيتوا في المسجد فتحتلموا ثم إن القوم بنوا بيوتا حول المسجد و جعلوا أبوابها إلى المسجد و إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث إليهم معاذ بن جبل فنادى أبا بكر رضي الله عنه فقال إن رسول الله يأمرك أن تخرج من المسجد و تسد بابك فقال سمعا و طاعة فسد بابه و خرج من المسجد ثم أرسل إلى عمر رضي الله عنه فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمرك أن تسد بابك الذي في المسجد و تخرج منه فقال سمعا و طاعة لله و لرسوله غير أني أرغب إلى الله تعالى في خوخة في المسجد فأبلغه معاذ ما قاله عمر ثم أرسل إلى عثمان رضي الله عنه و عنده رقية فقال سمعا و طاعة فسد بابه و خرج من المسجد ثم أرسل إلى حمزة رضي الله عنه فسد بابه فقال
[332]
سمعا و طاعة لله و لرسوله و علي (عليه السلام) على ذلك متردد لا يدري أ هو فيمن يقم أو فيمن يخرج و كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد بنى له في المسجد بيتا بين أبياته فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) اسكن طاهرا مطهرا فبلغ حمزة قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي فقال يا محمد تخرجنا و تمسك غلمان بني عبد المطلب فقال له نبي الله لو كان الأمر إلي ما جعلت دونكم من أحد و الله ما أعطاه إياه إلا الله و إنك لعلى خير من الله و رسوله أبشر فبشره النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقتل يوم أحد شهيدا و نفس ذلك رجال على علي (عليه السلام) فوجدوا في أنفسهم و تبين فضله عليهم و على غيرهم من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبلغ ذلك النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقام خطيبا فقال إن رجالا يجدون في أنفسهم في أن أسكن عليا في المسجد و الله ما أخرجتهم و لا أسكنت إن الله عز و جل أوحى إِلى مُوسى وَ أَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَ اجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ و أمر موسى أن لا يسكن مسجده و لا ينكح فيه و لا يدخله إلا هارون و ذريته و إن عليا بمنزلة هارون من موسى و هو أخي دون أهلي و لا يحل مسجدي لأحد ينكح فيه النساء إلا علي و ذريته فمن ساءه فهاهنا و أومأ بيده نحو الشام .

و بالإسناد عن سعيد بن أبي وقاص : قال كانت لعلي مناقب لم تكن لأحد كان يبيت في المسجد و أعطاه الراية يوم خيبر و سد الأبواب إلا باب علي .

و بالإسناد عن البراء بن عازب قال : كان لنفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبواب شارعة في المسجد و إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال سدوا هذه الأبواب غير باب علي فتكلم في ذلك ناس فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي ع فقال قائلكم و إني و الله ما سددت شيئا و لا فتحته و لكني أمرت بشي‏ء فاتبعته .

و بالإسناد المقدم عن سعد : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بسد الأبواب فسدت و تركت باب علي فأتاه العباس رضي الله عنه فقال يا رسول الله سددت أبوابنا و تركت باب علي فقال ما أنا فتحتها و لا أنا سددتها .

و بالإسناد عن ابن عباس : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سد أبواب المسجد غير باب علي .

[333]
و بالإسناد عن ابن عباس أيضا : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بسد الأبواب كلها فسدت إلا باب علي .

و بالإسناد عن نافع مولى ابن عمر قال : قلت لابن عمر من خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال ما أنت و ذاك لا أم لك ثم استغفر الله و قال خيرهم بعده من كان يحل له ما يحل له و يحرم عليه ما يحرم عليه قلت من هو قال علي سد أبواب المسجد و ترك باب علي و قال لك في هذا المسجد ما لي و عليك فيه ما علي و أنت وارثي و وصيي تقضي ديني و تنجز عداتي و تقتل على سنتي كذب من زعم أنه يبغضك و يحبني .

قال الشيخ العالم يحيى بن الحسن بن البطريق الأسدي رحمه الله : فقد أبان الله سبحانه و تعالى الفرق بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) و بين غيره فيما حل له و حرم على غيره و إذا كان الحرام على غيره حلا له وجبت ميزته و ثبتت عصمته لموضع الأمن منه لوقوع ما يكره الله سبحانه و وقوعه من غيره و هذا محمول على ما تقدم من شواهد الكتاب العزيز له و لولديه و زوجته (عليه السلام) و هو قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتح أبواب الجميع على ظاهر الحال لأن ظاهرها كانت صالحة و لا يعلم النبي من حال الأمة غير الظاهر إلا ما يطلعه عليه القديم تعالى الذي يعلم الغيوب و البواطن ففتح الأبواب للجميع و لم يفرق بين القريب و الصاحب لظاهر الأحوال الصالحة فمنع القديم تعالى للقوم من الجواز و سد أبوابهم لا يخلو من قسمين إما أن يكون على ظاهر الحال أو على باطنها فظاهر الحال قد بينا أنها كانت صالحة و هي التي بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيها فعله في الإباحة فلم يبق إلا أن يكون منع الله تعالى لهم على باطن الحال لا على ظاهره لأنه سبحانه و تعالى هو المتوالي للبواطن فعلم سبحانه و تعالى من
[334]
حاله و صلاحها ما لم يحط به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علما إلا بعد وحي الله تعالى إليه لأن علم الغيب إليه لا إلى غيره تعالى و لا يحيط بعلم الغيب و لا يظهر عليه إلا لمن ارتضاه الله من رسله كما قال فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ و إذا كان (عليه السلام) قد انفرد بصلاح الباطن دون غيره و شاركهم في صلاح الظاهر فقد اتفق له صلاحهما معا فظهرت ميزته على الناس بما عرفه الله من باطن حاله و لم يعرفه من غيره و هذا واضح ثم إن منعهم من الجواز إما أن يكون بسبب موجب أو لغير سبب و لا جائز أن يعرى من سبب لأن العبث و الخلق من الحكمة في أفعال الله محال فتعين أن يكون لسبب و حكمة و إذا ثبت وجه الحكمة في منع غيره و إباحته هو (عليه السلام) فثبت له ما لا يشاركه فيه غيره فوجب له الفضل على غيره و وجب اتباعه و الاقتداء به لتخصصه بهذه المنزلة الحاصلة له بوحي من الله تعالى و أقوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه تعضد هذا أو تدل على صلاح باطنه (عليه السلام) .

كقوله : علي مني و أنا منه .

و كقوله :أنت مني بمنزلة هارون من موسى .

و كقوله :أنت أخي في الدنيا و الآخرة .

و كقوله :من كنت مولاه فعلي مولاه .

و قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) :صلت الملائكة علي و على علي سبع سنين قبل الناس .

و قوله تعالى إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً و غير ذلك من مناقبه و مزاياه و مآثره و سجاياه التي تفوت الحد و تتجاوز العد و لو لا ثبوت ذلك له لما أنزله من نفسه بهذه المنازل و لما أقامه مقام نفسه في شي‏ء من ذلك و لا أذن له في تخصيصه و تبيين مكانه بما ميزه عن الأمثال و الأضراب باستبداده و بصلاح باطنه و مشاركته غيره في الظاهر.

و كما تميز على الأصحاب في فتح بابه دون أبوابهم بصلاح الباطن فقد امتاز عليهم في الظاهر و هو أنه يعتبر بأشياء أولها العلم و هو موجب للفضل بدليل قوله تعالى هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ و قوله تعالى إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ و قوله عز و جل وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ و علي (عليه السلام) أعلم الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لرجوع الصحابة إلى حكمه و عملهم في كثير
[335]
من قضاياهم برأيه و لم يسأل هو أحدا و لا رجع إلى حكمه و هذا ثابت واضح قد نقله الناس في كتبهم و صحاحهم و لأنه وارثه .

بقوله : ترث مني ما ورث الأنبياء من قبلك .

و هو : كتاب الله و سنة نبيهم ; و من ورث الكتاب و السنة فهو أعلم الناس لأن العلم لا يخرج عنهما.
في ذكر أحاديث خاصف النعل
أذكر أحاديث في ذكر خاصف النعل من الصحاح الستة لرزين العبدري من الجزء الثالث في ذكر غزوة الحديبية من سنن أبي داود و صحيح الترمذي بالإسناد الأول .

قال : لما كان يوم الحديبية خرج إلينا أناس من المشركين من رؤسائهم فقالوا قد خرج إليكم من أبنائن و أرقائنا و إنما خرجوا فرارا من خدمتنا فارددهم إلينا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا معشر قريش لتنتهن عن مخالفة أمر الله أو ليبعثن الله عليكم من يضرب رقابكم بالسيف الذين قد امتحن الله قلوبهم للتقوى .

قال بعض أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أولئك يا رسول الله قال منهم خاصف النعل و كان قد أعطى عليا (عليه السلام) نعله يخصفها .

و من مسند أحمد بن حنبل رحمة الله عليه عن علي (عليه السلام) : أن سهيل بن عمرو أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا محمد إن قومنا لحقوا بك فارددهم علينا فغضب حتى رئي الغضب في وجهه ثم قال لتنتهن يا معشر قريش أو ليبعثن الله عليكم رجلا منكم امتحن الله قلبه للإيمان يضرب رقابكم على الدين قيل يا رسول الله أبو بكر قال لا قيل فعمر قال لا و لكن خاصف النعل في الحجرة ثم قال علي أما إني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لا تكذبوا علي فمن كذب علي متعمدا أولجته النار .

و بالإسناد قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لينتهن أو لأبعثن إليهم رجلا يمضي فيهم أمري فيقتل المقاتلة و يسبي الذرية قال فقال أبو ذر فما راعني إلا برد كف عمر في حجزتي من خلفي قال من تراه يعني قلت ما يعنيك و لكن يعني
[336]
خاصف النعل يعني عليا (عليه السلام) .

قال علي بن عيسى عفا الله عنه : قد سبق ذكري لهذه الأحاديث بألفاظ تقارب هذه و إنما أوردتها هاهنا لأذكر عقيبها ما أورده ابن البطريق عقيب إيرادها .

قال رحمه الله : اعلم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) إنما قال ذلك تنويها بذكر أمير المؤمنين و نصا عليه بأمور منها أنه ولي الأمة بعده لأنه قال يضرب رقابكم على الدين بعد قوله امتحن الله قلبه للإيمان و جعل ذلك ببعث الله سبحانه و تعالى له لا من قبل نفسه و هذا نص منه (عليه السلام) و من الله سبحانه و تعالى على أمير المؤمنين (عليه السلام) لاستحقاق استيفاء حق الله تعالى له ممن كفر و لا يستحق ذلك بعد النبي إلا الإمام و دليل صحته قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في خبر من هذه الأخبار رجلا مني أو قال مثل نفسي فدل على أن المراد بذلك التنويه باستحقاق الولاء لكونه مثل نفسه إذ قال مثل نفسي و يزيده بيانا و إيضاحا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في حديث آخر و قسمه بالله تعالى أنه ما اشتهى الإمارة إلا يومئذ و المتمني و المشتهي لا يطلب ما هو دون قدره بدليل قوله تعالى وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فالمتمني يكون بما فضل به البعض على البعض لا لما استووا فيه و يزيده بيانا ما تقدم في الخبر من قول أبي بكر أنا هو يا رسول الله صلى الله عليك و آلك قال لا و لو لم يعلما أن ذلك كان علامة من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تدل على مستحق الأمر بعده ما تطاولا إلى طلبته ذلك.

فإن قيل إنما تطاولا لذلك لأنه أمر محبوب إلى كل أحد أن يكون قد امتحن الله قلبه للإيمان لا لموضع استحقاق الأمر بعده.

قلنا الذي يدل على أنه لاستحقاق الولاء دون ما عداه قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فجعل القاتلين سواء لأنه ذكرهما بكاف التشبيه لأن إنكار التأويل كإنكار التنزيل لأن منكر التنزيل جاحد لقبوله و منكر التأويل جاحد لقبول العمل به فهما سواء في الجحود و ليس مرجع قتال الفريقين
[337]
إلا إلى النبي أو إلى من يقوم مقامه فدل على أن الكتابة إنما كانت لاستحقاق الإمامة كما تقدم.

فأما ما ورد في الخبر بلفظ الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى و هو واحد فلا يخلو إما أن يكون الراوي غيره إما غلطا و إما تعمدا للغلط ليضيع الفائدة أو يكون ورد هكذا فإن كان الأولان فالواقع من كون المعين واحدا يدل على بطلانه و إن كان الثالث فهو كقوله تعالى إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ فذكره سبحانه في هذه الآية في موضعين بلفظ الذين و هو واحد و كذلك قوله تعالى وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ على الجمع و هو واحد.

و أما قوله (عليه السلام) منهم خاصف النعل فلم يرد أن ثم من هو بهذه الصفة و لكنه أراد أن هذه الصفة موجودة فيه لا في غيره و ذلك مثل قوله تعالى وَ مِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ لم يرد بذلك إلا جميع من قال بهذه المقالة و لم يستثن بعضا من كل .

وقوله تعالى وَ مِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ و أراد بذلك جميع من كان بهذه الصفة و إبانة من هو مستحق لإطلاقها عليه .

وقوله تعالى وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ لم يرد أنه ترك البعض ممن هو بهذه الصفة و ترك البعض و إنما أراد بيان من هو مستحق لهذه الصفة دون غيره لا لأنه بعض .
في قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنت وارثي و حامل لوائي و ما هو مكتوب على باب الجنة
من مسند أحمد بن حنبل رحمه الله : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آخى بين المسلمين و قال أنت يا علي مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي أ ما علمت يا علي أن أول من يدعى به يوم القيامة يدعى بي فأقوم عن يمين العرش فأكسى حلة خضراء من
[338]
حلل الجنة ثم يدعى بالنبيين بعضهم على أثر بعض فيقومون سماطين عن يمين العرش و يكسون حللا خضرا من حلل الجنة ألا إني أخبرك يا علي أن أمتي أول الأمم يحاسبون يوم القيامة ثم أنت أول من يدعى بك لقرابتك و منزلتك عندي و يدفع إليك لوائي و هو لواء الحمد فتسير به بين السماطين آدم (عليه السلام) و جميع خلق الله يستظلون بظل لوائي و طوله مسيرة ألف سنة سنانه ياقوتة حمراء و له ثلاث ذوائب من نور ذؤابة في المشرق و ذؤابة في المغرب و الثالثة وسط الدنيا مكتوب عليها ثلاثة أسطر الأول بسم الله الرحمن الرحيم و الثاني الحمد لله رب العالمين و الثالث لا إله إلا الله محمد رسول الله طول كل سطر ألف سنة و عرضه ألف سنة قال علي بن عيسى عفا الله عنه هكذا أورده ابن البطريق رحمه الله و قدرة الله لا يعظم فيها شي‏ء من الممكنات .

قال : فتسير باللواء و الحسن عن يمينك و الحسين عن يسارك حتى تقف بيني و بين إبراهيم في ظل العرش ثم تكسى حلة خضراء من حلل الجنة ثم ينادي مناد من تحت العرش نعم الأب أبوك إبراهيم و نعم الأخ أخوك علي أبشر يا علي إنك تكسى إذا كسيت و تدعى إذا دعيت و تحيا إذا حييت .

و بالإسناد المقدم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطيت في علي خمس خصال هي أحب إلي من الدنيا و ما فيها أما واحدة فهو كاب بين يدي الله عز و جل حتى يفرغ الناس من الحساب و أما الثانية فلواء الحمد بيده و آدم (عليه السلام) و من ولد تحته و أما الثالثة فواقف على عقر حوضي يسقي من عرف من أمتي
[339]
و أما الرابعة فساتر عورتي و مسلمي إلى ربي عز و جل و أما الخامسة فلست أخشى عليه أن يرجع زانيا بعد إحصان و لا كافرا بعد إيمان .

و عن جابر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأيت مكتوبا على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أخوه .

و عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مكتوب على باب الجنة محمد رسول الله علي أخو رسول الله قبل أن يخلق السماوات بألفي عام و مثله من مناقب المغازلي .

و عن بريدة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لكل نبي وصي و وارث و إن وصيي و وارثي علي بن أبي طالب .

قال ابن البطريق : اعلم أن في هذه الأخبار دليل على نفي الشك عن أمير المؤمنين إلا أن يكون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أولا لأنه قال إنه وارثه و فسر ما يرثه منه فقال كتاب الله و سنة الرسول و ذكر أن ذلك هو وراثة الأنبياء قبله و هذا هو غاية التنويه بذكره في استحقاق الأمر بعده لأن الميراث هو حق جعله الله تعالى لمستحقه ليس بجعل المتوفى فإذا كان ميراث الأنبياء هو الكتاب و السنة و هما مستحقان من قبل الله تعالى و بهما صحت النبوة و الإمامة فرع عليها فوارثهما قائم مقام الأنبياء و جار على طرائقهم و حينئذ يجب على الأمة اتباعه و الانقياد إلى طاعته فيكونوا عند ذلك لربهم طائعين و لنبيهم تابعين لأن من كان وارثا لما به صحت النبوة كان أعلم به و وجب اتباعه و قد ثبتت الإمامة لعلي (عليه السلام) بما ثبتت به النبوة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتارك الاقتداء بإمامته (عليه السلام) كتارك الاقتداء بنبوته (صلى الله عليه وآله وسلم) قال علي بن عيسى رحمه الله هذا ما لخصته من كتاب ابن البطريق من فصل ذكر المؤاخاة إلى هنا فإن ذكرت شيئا من كتابه بعد هذا نبهت عليه .

[340]
ذكر مخاطبته بأمير المؤمنين في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
يقول علي بن عيسى مستمدا من الله حسن التوفيق و مستهديا برحمته إلى سواء الطريق إن الشيعة مجمعون على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) خاطبه بإمرة المؤمنين مرارا منها ما صدر عن وحي و أمر من الله له بذلك و منها ما قاله له من تلقاء نفسه و حكم ذلك أيضا حكم الوحي لأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينطق عن الهوى فذكر ذلك من طرق الشيعة لا معنى له و لا يكون حجة على من ينكر ذلك من الجمهور على أني باحثت بعض علمائهم من مدرسي مذهب أحمد بن حنبل رحمة الله عليه فأوردت عليه حديثا من مسند إمامه فقال أحاديث المسند لم يلتزم أحمد فيها الصحة فتكون حجة على ما وردت مثل ذلك الحديث من صحيح الترمذي فطعن في رجل من رجاله فقلت له تعذر و امتنع البحث معكم فقال كيف قلت لأنكم تطعنون فيما نورده نحن و فيما توردونه أنتم عن مشايخكم و أئمتكم فكيف يتحقق بيننا بحث أو يقوم على ما ندعيه دليل و لكن نورد من ذلك ما هو من طرقهم فإن أذعنوا و انقادوا فذاك و إلا فسبيله سبيل غيره مما أنكروه و عاندوا فيه الحق ليس عليك هداهم.

و قد كان السعيد رضي الدين علي بن موسى بن طاوس رحمه الله و ألحقه بسلفه جمع في ذلك كتابا سماه كتاب اليقين باختصاص مولانا علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين و نقل ذلك مما يزيد على ثلاثمائة طريق فاقتصرت من ذلك على ما أوردته نقلا من كتابه رحمه الله و نسبت كل حديث إلى من أورده من علماء الجمهور مقتصرا عليهم دون من عداهم .

قال : قال الحافظ أبو بكر أحمد بن مردويه و هو من عظماء علماء الجمهور و قد رأيت في مدحه من كتاب معجم البلدان لياقوت بن عبد الله الحموي من ترجمة إسكاف ما هذا لفظه و ممن ينسب إليها أبو بكر بن مردويه و مات بإسكاف سنة
[341]
اثنتين و خمسين و ثلاثمائة و كان ثقة و ذكر الحافظ أسعد بن عبد القاهر في كتاب رشح الولاء في شرح الدعاء في إسناد الحديث المتضمن لوصف مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه إمام المتقين عن أبي بكر بن مردويه أنه الإمام الحافظ النافذ ملك الحفاظ طراز المحدثين أبو بكر أحمد بن موسى بن مردويه.

و ذكر أخطب خطباء خوارزم موفق بن أحمد المكي في كتاب المناقب في الفصل التاسع في فضائل شتى في جملة إسناده إلى أبي بكر أحمد بن موسى بن مردويه ما هذا لفظه الإمام الحافظ طراز المحدثين أحمد بن مردويه و هذا لفظ حديثه من كتاب مناقب مولانا علي (عليه السلام) .

عن ابن عباس رضي الله عنه قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيته عليلا فغدا إليه علي (عليه السلام) و كان يحب أن لا يسبقه أحد فدخل فإذا النبي في صحن الدار و إذا رأسه في حجر دحية بن خليفة الكلبي فدخل علي (عليه السلام) فقال السلام عليك كيف أصبح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال بخير قال له دحية إني لأحبك و إن لك مدحة أزفها إليك أنت أمير المؤمنين و قائد الغر المحجلين أنت سيد ولد آدم ما خلا النبيين و المرسلين لواء الحمد بيدك يوم القيامة تزف أنت و شيعتك مع محمد و حزبه إلى الجنان زفا قد أفلح من تولاك و خسر من تخلاك محبو محمد محبوك و مبغضو محمد مبغضوك لن تنالهم شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ادن مني يا صفوة الله فأخذ رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فوضعه في حجره فانتبه (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ما هذه الهمهمة فأخبره الحديث قال لم يكن دحية الكلبي كان جبرئيل (عليه السلام) سماك باسم سماك الله به و هو الذي ألقى محبتك في صدور المؤمنين و رهبتك في صدور الكافرين .

قال رضي الدين رحمه الله : إن من ينقل هذا عن الله جل جلاله برسالة جبرئيل (عليه السلام) و عن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لمحجوج يوم القيامة بنقله إذا حضر بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و سأله يوم القيامة عن مخالفته
[342]
لما نقله و اعتمد عليه .

و عنه عن أنس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أنس اسكب لي وضوء و ماء فتوضأ و صلى ثم انصرف فقال يا أنس أول من يدخل علي اليوم أمير المؤمنين و سيد المسلمين و خاتم الوصيين و إمام الغر المحجلين فجاء علي حتى ضرب الباب فقال من هذا يا أنس قلت هذا علي قال افتح له فدخل .

و عن ابن مردويه يرفعه إلى بريدة قال : أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن نسلم على علي بيا أمير المؤمنين .

و بالإسناد عن سالم مولى علي قال : كنت مع علي في أرض له و هو يحرثها حتى جاء أبو بكر و عمر رضي الله عنهما فقالا سلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته فقيل كنتم تقولون في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك فقال عمر هو أمرنا .

و من مناقب ابن مردويه عن عبد الله قال : دخل علي على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و عنده عائشة رضي الله عنها فجلس بين رسول الله و بين عائشة فقالت ما كان لك مجلس غير فخذي فضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على ظهرها فقال مه لا تؤذيني في أخي فإنه أمير المؤمنين و سيد المسلمين و قائد الغر المحجلين يوم القيامة يقعد على الصراط فيدخل أولياءه الجنة و يدخل أعداءه النار .

و منه عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت أم حبيبة بنت أبي سفيان فقال يا أم حبيبة اعتزلينا فإنا على حاجة ثم دعا (صلى الله عليه وآله وسلم) بوضوء فأحسن الوضوء ثم قال إن أول من يدخل من هذا الباب أمير المؤمنين و سيد العرب و خير الوصيين و أولى الناس بالناس قال أنس فجعلت أقول اللهم اجعله رجلا من الأنصار قال فدخل علي فجاء يمشي حتى جلس إلى جنب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمسح وجهه بيده ثم يمسح بها وجه علي بن أبي طالب فقال علي و ما ذاك يا رسول الله قال إنك تبلغ رسالتي من بعدي و تؤدي عني و تسمع الناس صوتي و تعلم الناس من كتاب الله ما لا يعلمون .

و من المناقب عن أنس قال : كنت خادما لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبينا أنا يوما أوضيه إذ قال يدخل رجل و هو أمير المؤمنين و سيد المسلمين و أولى الناس بالمؤمنين و قائد الغر المحجلين قال أنس اللهم اجعله رجلا من الأنصار فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

[343]
و من المناقب أيضا عن أنس بن مالك قال : بينما أنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الآن يدخل سيد المسلمين و أمير المؤمنين و خير الوصيين و أولى الناس بالنبيين إذ طلع علي بن أبي طالب فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اللهم و إلي و إلي قال فجلس بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمسح العرق من جبهته و وجهه و يمسح به وجه علي بن أبي طالب و يمسح العرق من وجه علي و يمسح به وجهه فقال له علي يا رسول الله نزل في شي‏ء قال أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي أنت أخي و وزيري و خير من أخلف بعدي تقضي ديني و تنجز وعدي و تبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي و تعلمهم من تأويل القرآن ما لم يعلموا و تجاهدهم على التأويل كما جاهدتهم على التنزيل .

و من المناقب عن نافع مولى عائشة قال : كنت غلاما أخدمها فكنت إذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عندها أكون قريبا أعاطيها قال فبينما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم عندها إذ جاء جاء فدق الباب قال فخرجت إليه فإذا جارية معها إناء مغطى قال فرجعت إلى عائشة فأخبرتها فقالت أدخلها فدخلت فوضعته بين يدي عائشة فوضعته عائشة بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجعل يأكل و خرجت الجارية فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليت أمير المؤمنين و سيد المسلمين و إمام المتقين عندي يأكل معي فجاء جاء فدق الباب فخرجت إليه فإذا هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال فرجعت فقلت هذا علي فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أدخله فلما دخل قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرحبا و أهلا لقد تمنيتك مرتين حتى لو أبطأت علي لسألت الله عز و جل أن يأتي بك اجلس فكل معي .

و من المناقب عن أنس بن مالك قال : بينما أنا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ قال يطلع الآن قلت فداك أبي و أمي من ذا قال سيد المسلمين و أمير المؤمنين و خير الوصيين و أولى الناس بالنبيين قال فطلع علي ثم قال لعلي أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى .

[344]
و عن الحافظ بن مردويه عن داود بن أبي عوف قال حدثني معاوية بن ثعلبة الليثي قال : أ لا أحدثك بحديث لم يختلط قلت بلى قال مرض أبو ذر فأوصى إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال بعض يعوده لو أوصيت إلى أمير المؤمنين عمر لكان أجمل لوصيتك من علي فقال و الله لقد أوصيت إلى أمير المؤمنين حق أمير المؤمنين و الله إنه للربيع الذي يسكن إليه و لو قد فارقكم لقد أنكرتم الناس و أنكرتم الأرض قال قلت يا أبا ذر إنا لنعلم أن أحبهم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أحبهم إليك قال أجل قلنا فأيهم أحب إليك قال هذا الشيخ المضطهد المظلوم حقه يعني علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و عن أبي ذر و من طريق أخرى من كتاب المناقب : قال معاوية بن ثعلبة الليثي مرض أبو ذر رضي الله عنه مرضا شديدا حتى أشرف على الموت فأوصى إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقيل له لو أوصيت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان أجمل لوصيتك من علي فقال أبو ذر أوصيت و الله إلى أمير المؤمنين حقا حقا و إنه لربي الأرض الذي يسكن إليها و يسكن إليه و لو قد فارقتموه أنكرتم الأرض و من عليها .

ربي من قوله تعالى وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ و هم الجماعة الكثيرون .

و عن الحافظ بن مردويه عن رجاله عن أنس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الجنة تشتاق إلى أربعة من أمتي فهبت أن أسأله من هم فأتيت أبا بكر فقلت إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إن الجنة تشتاق إلى أربعة من أمتي فسله من هم فقال أخاف أن لا أكون منهم فيعيرني [به] بنو تيم فأتيت عمر فقلت له مثل ذلك فقال أخاف ألا أكون منهم فيعيرني [به] بنو عدي فأتيت عثمان فقلت له مثل ذلك فقال أخاف ألا أكون منهم فيعيرني بنو أمية فأتيت عليا و هو في ناضح له فقلت له إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال إن الجنة تشتاق إلى أربعة من أمتي فسله من هم فقال و الله لأسألنهم فإن كنت منهم لأحمدن الله عز و جل و إن لم أكن منهم لأسألن الله أن
[345]
يجعلني منهم و أودهم فجاء و جئت معه إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخلنا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و رأسه في حجر دحية الكلبي فلما رآه دحية قام إليه و سلم عليه و قال خذ رأس ابن عمك يا أمير المؤمنين فأنت أحق به مني فاستيقظ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و رأسه في حجر علي فقال له يا علي ما جئتنا إلا في حاجة قال بأبي أنت و أمي يا رسول الله دخلت و رأسك في حجر دحية الكلبي فقام إلي و سلم علي و قال خذ برأس ابن عمك إليك فأنت أحق به مني يا أمير المؤمنين فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهل عرفته فقال هو دحية الكلبي فقال له ذلك جبرئيل فقال له بأبي أنت و أمي يا رسول الله أعلمني أنس أنك قلت إن الجنة مشتاقة إلى أربعة من أمتي فمن هم فأومأ إليه بيده فقال أنت و الله أولهم أنت و الله أولهم ثلاثا فقال بأبي أنت و أمي فمن الثلاثة فقال له المقداد و سلمان و أبو ذر .

قال علي بن عيسى عفا الله عنه و على هذا فقد روى أحمد بن حنبل في مسنده مرفوعا إلى بريدة قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله يحب من أصحابي أربعة أخبرني أنه يحبهم و أمرني أن أحبهم قالوا من هم يا رسول الله قال إن عليا منهم و أبو ذر الغفاري و سلمان الفارسي و المقداد بن الأسود الكندي .

قال السيد رضي الدين رحمه الله تعالى و مما نقلت من تاريخ الخطيب مرفوعا إلى ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليس في القيامة راكب غيرنا و نحن أربعة قال فقام عمه العباس فقال فداك أبي و أمي أنت و من قال أما أنا فعلى دابة الله البراق و أما أخي صالح فعلى ناقة الله التي عقرت و عمي حمزة أسد الله و أسد رسوله على ناقتي العضباء و أخي و ابن عمي علي بن أبي طالب على ناقة من نوق الجنة مدبجة الظهر و رحلها من زمرد أخضر مضبب بالذهب الأحمر رأسها
[346]
من الكافور الأبيض و ذنبها من العنبر الأشهب و قوائمها من المسك الأذفر و عنقها من لؤلؤ عليها قبة من نور و باطنها عفو الله و ظاهرها رحمة الله بيده لواء الحمد فلا يمر بملإ من الملائكة إلا قالوا هذا ملك مقرب أو نبي مرسل أو حامل عرش رب العالمين فينادي مناد من لدن العرش أو قال من بطنان العرش ليس هذا ملكا مقربا و لا نبيا مرسلا و لا حامل عرش رب العالمين هذا علي بن أبي طالب أمير المؤمنين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين إلى جنات رب العالمين أفلح من صدقه و خاب من كذبه و لو أن عبدا عبد الله بين الركن و المقام ألف عام و ألف عام حتى يكون كالشن البالي و لقي الله مبغضا لآل محمد أكبه الله على منخريه في نار جهنم .

و من مناقب موفق بن أحمد الخوارزمي مرفوعا إلى علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أسري بي إلى السماء ثم من السماء إلى السدرة المنتهى وقفت بين يدي ربي عز و جل فقال لي يا محمد قلت لبيك و سعديك فقال قد بلوت خلقي فأيهم رأيت أطوع لك قال قلت ربي عليا قال صدقت يا محمد فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤدي عنك و يعلم عبادي من كتابي ما لا يعلمون قال قلت فاختر لي فإن خيرتك خيرتي قال قد اخترت لك عليا فاتخذه لنفسك خليفة و وصيا و نحلته علمي و حلمي و هو أمير المؤمنين حقا لم ينلها أحد قبله و ليست لأحد بعده يا محمد علي راية الهدى و إمام من أطاعني و نور أوليائي و هي الكلمة التي ألزمتها المتقين من أحبه فقد أحبني و من أبغضه فقد أبغضني فبشره بذلك يا محمد فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قلت ربي قد بشرته فقال علي أنا عبد الله و في قبضته إن يعاقبني فبذنوبي لم يظلمني شيئا و إن تمم لي وعدي فالله مولاي قال أجل و اجعل ربيعه الإيمان به قال قد فعلت ذلك يا محمد غير أني مختصه بشي‏ء من البلاء لم أخص به أحدا من أوليائي قال قلت رب أخي و صاحبي قال قد سبق في علمي أنه مبتلى لو لا علي لم يعرف حزبي و لا أوليائي و لا أولياء رسلي .

[347]
و من مناقب الخوارزمي عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا علي بن أبي طالب لحمه من لحمي و دمه من دمي و هو مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي .

و قد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا أم سلمة اشهدي و اسمعي هذا علي أمير المؤمنين و سيد المسلمين و عيبة علمي و بابي الذي أوتى منه أخي في الدين و خدني في الآخرة و معي في السنام الأعلى .

و من مناقب الخوارزمي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيته فغدا عليه علي الغداة و كان لا يحب أن يسبقه إليه أحد فدخل فإذا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في صحن الدار و إذا رأسه في حجر دحية الكلبي فقال السلام عليكم فكيف أصبح رسول الله فقال بخير يا أخا رسول الله قال فقال علي جزاك الله عنا أهل البيت خيرا قال له دحية إني أحبك و إن لك عندي مدحة أزفها إليك أنت أمير المؤمنين و قائد الغر المحجلين أنت سيد ولد آدم ما خلا النبيين و المرسلين لواء الحمد بيدك يوم القيامة تزف أنت و شيعتك مع محمد و حزبه إلى الجنان زفا قد أفلح من تولاك و خسر من تخلاك محبو محمد محبوك و مبغضو محمد مبغضوك لن تنالهم شفاعة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ادن مني يا صفوة الله فأخذ رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فوضعه في حجره فانتبه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ما هذه الهمهمة فأخبره الحديث فقال لم يكن دحية الكلبي كان جبرئيل سماك باسم سماك الله به و هو الذي ألقى محبتك في صدور المؤمنين و هيبتك في صدور الكافرين .

قال علي بن عيسى عفا الله عنه قد أورد السيد السعيد رضي الدين علي بن طاوس قدس الله روحه و ألحقه بسلفه هذه الأحاديث من ثلاثمائة طريق و زيادة اقتصرت
[348]
منها على ما أوردته في هذا الكتاب المختصر فاكتفيت بما ذكرته منها فلم أذكر كلما ذكر و علمت أنه يمكن أن يستدل بما أثبته على ما لم أثبته كما تدل الثمرة الواحدة على الشجر و ما أدعي حصر مناقبه و مآثره و ليس ذلك في قوة البشر .
في ذكر تزويجه (عليه السلام) فاطمة سيدة نساء العالمين (عليها السلام)
من مناقب الخوارزمي عن علي (عليه السلام) قال : خطبت فاطمة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت لي مولاة لي هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قلت لا قالت فقد خطبت فما يمنعك أن تأتي رسول الله فيزوجك فقلت و عندي شي‏ء أتزوج به قالت إنك إن جئت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زوجك فو الله ما زالت ترجيني حتى دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جلالة و هيبة فلما قعدت بين يديه أفحمت فو الله ما استطعت أن أتكلم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما جاء بك ألك حاجة فسكت فقال لعلك جئت تخطب فاطمة فقلت نعم فقال و هل عندك من شي‏ء فتستحلها به فقلت لا و الله يا رسول الله قال ما فعلت درع سلحتكها فو الذي نفس علي بيده إنها لحطمية ما ثمنها إلا أربعمائة درهم فقلت عندي فقال قد زوجتكها فابعث إليها بها فاستحلها بها فإنها كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عنه عن أنس قال : كنت عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فغشيه الوحي فلما أفاق قال لي يا أنس أ تدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش قال قلت الله و رسوله أعلم قال أمرني أن أزوج فاطمة من علي فانطلق فادع لي أبا بكر و عمر و عثمان و عليا و طلحة و الزبير و بعددهم من الأنصار قال فانطلقت فدعوتهم له فلما أن أخذوا مجالسهم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحمد لله المحمود بنعمته المعبود بقدرته
[349]
المطاع بسلطانه المرهوب من عذابه المرغوب إليه فيما عنده النافذ أمره في أرضه و سمائه الذي خلق الخلق بقدرته و ميزهم بأحكامه و أعزهم بدينه و أكرمهم بنبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم إن الله جعل المصاهرة نسبا لاحقا و أمرا مفترضا و شبح بها الأرحام و ألزمها الأنام فقال تبارك اسمه و تعالى جده وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً وَ كانَ رَبُّكَ قَدِيراً فأمر الله يجري إلى قضائه و قضاؤه يجري إلى قدره فلكل قضاء قدر و لكل قدر أجل و لكل أجل كتاب يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ ثم إني أشهدكم أني قد زوجت فاطمة من علي على أربعمائة مثقال فضة إن رضي علي بذلك و كان غائبا قد بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حاجة ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بطبق فيه بسر فوضع بين أيدينا ثم قال انتهبوا فبينا نحن كذلك إذ أقبل علي فتبسم إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال يا علي إن الله أمرني أن أزوجك فاطمة و قد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة أ رضيت قال رضيت يا رسول الله ثم قام علي فخر لله ساجدا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جعل الله فيكما الكثير الطيب و بارك فيكما قال أنس و الله لقد أخرج منهما الكثير الطيب .

و من المناقب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا فاطمة زوجتك سيدا في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين إنه لما أراد الله أن أملكك من علي أمر الله جبرئيل فقام في السماء الرابعة فصف الملائكة صفوفا ثم خطب عليهم فزوجك من علي ثم أمر الله شجر الجنان فحملت الحلي و الحلل ثم أمرها فنثرت على الملائكة فمن أخذ منها شيئا أكثر مما أخذ غيره افتخر به إلى يوم القيامة .

[350]
و عنه عن ابن عباس قال : كانت فاطمة تذكر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يذكرها أحد إلا صد عنه حتى ييئسوا منها فلقي سعد بن معاذ عليا فقال إني و الله ما أرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يحبسها إلا عليك فقال له علي فلم ترى ذلك فو الله ما أنا بواحد الرجلين ما أنا بصاحب دنيا يلتمس ما عندي و قد علم ما لي صفراء و لا بيضاء و ما أنا بالكافر الذي يترفق بها عن دينه يعني يتألفه و إني لأول من أسلم قال سعد فإني أعزم عليك لتفرجها عني فإن لي في ذلك فرجا قال فأقول ما ذا قال تقول جئت خاطبا إلى الله و إلى رسوله فاطمة بنت محمد قال فانطلق علي فعرض للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو ثقيل حصر فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان لك حاجة يا علي قال أجل جئتك خاطبا إلى الله و إلى رسوله فاطمة بنت محمد فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرحبا كلمة ضعيفة فعاد إلى سعد فأخبره فقال أنكحك فو الذي بعثه بالحق إنه لا خلف الآن و لا كذب عنده أعزم عليك لتأتينه غدا و لتقولن يا نبي الله متى تبين لي قال علي هذا أشد علي من الأول أو لا أقول يا رسول الله حاجتي قال قل كما أمرتك فانطلق علي (عليه السلام) فقال يا رسول الله متى تبين لي قال الليلة إن شاء الله ثم دعا بلالا فقال يا بلال إني قد زوجت ابنتي من ابن عمي و أنا أحب أن تكون من سنة أمتي الطعام عند النكاح فأت الغنم فخذ شاة منها و أربعة أمداد أو خمسة فاجعل لي قصعة لعلي أجمع عليها المهاجرين و الأنصار فإذا فرغت منها فأذني بها فانطلق ففعل ما أمر به ثم أتاه بقصعة فوضعها بين يديه فطعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في رأسها ثم قال أدخل علي الناس زفة زفة و لا تغادر زفة
[351]
إلى غيرها يعني إذا فرغت زفة لم تعد ثانية قال فجعل الناس يزفون كلما فرغت زفة وردت أخرى حتى فرغ الناس ثم عمد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى فضل ما فيها فتفل فيه و بارك و قال يا بلال احملها إلى أمهاتك و قل لهن كلن و أطعمن من غشيكن ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قام حتى دخل على النساء فقال إني زوجت ابنتي ابن عمي و قد علمتن منزلتها مني و إني لدافعها إليه ألا فدونكن ابنتكن فقام النساء فغلقنها من طيبهن و حليهن و جعلن في بيتها فراشا حشوه ليف و وسادة و كساء خيبريا و مخضبا و اتخذت أم أيمن بوابة ثم إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل فلما رآه النساء وثبن و بينهن و بين النبي ص سترة و تخلفت أسماء بنت عميس فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما أنت على رسلك من أنت قالت أنا التي أحرس ابنتك إن الفتاة ليلة يبنى بها لا بد لها من امرأة تكون قريبة منها إن عرضت لها حاجة أو أرادت شيئا أفضت بذلك إليها قال فإني أسأل الله أن يحرسك من بين يديك و من خلفك و عن يمينك و عن شمالك من الشيطان الرجيم ثم صرخ بفاطمة فأقبلت فلما رأت عليا جالسا إلى جنب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حصرت و بكت فأشفق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكون بكاؤها لأن عليا لا مال له فقال لها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يبكيك فو الله ما ألوتك في نفسي و لقد أصيب بك القدر فقد أصبت لك خير أهلي و ايم الذي نفسي بيده لقد زوجتك سيدا في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين فلان منها و أمكنته من كفها فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أسماء ائتيني بالمخضب فملأته ماء فمج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
[352]
فيه و غسل قدميه و وجهه ثم دعا بفاطمة فأخذ كفا من ماء فضرب به على رأسها و كفا بين يديها ثم رش جلده و جلدها ثم التزمها فقال اللهم إنها مني و أنا منها اللهم كما أذهب عني الرجس و طهرتني فطهرها ثم دعا بمخضب آخر ثم دعا عليا فصنع به كما صنع بها ثم دعا له كما دعا لها ثم قال لهما قوما إلى بيتكما جمع الله بينكما و بارك في نسلكما و أصلح بالكما ثم قام فأغلق عليه بابه .

قال ابن عباس فأخبرتني أسماء بنت عميس أنها : رمقت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يزل يدعو لهما خاصة لا يشركهما في دعائه أحدا حتى توارى في حجرته .

قال الخوارزمي و أنبأني أبو العلاء الحافظ الهمداني يرفعه إلى الحسين بن علي (عليه السلام) قال : بينا رسول الله ص في بيت أم سلمة إذ هبط عليه ملك له عشرون رأسا في كل رأس ألف لسان يسبح الله و يقدسه بلغة لا تشبه الأخرى راحته أوسع من سبع سماوات و سبع أرضين فحسب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه جبرئيل (عليه السلام) فقال يا جبرئيل لم تأتني في مثل هذه الصورة قط قال ما أنا جبرئيل أنا صرصائيل بعثني الله إليك لتزوج النور من النور فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من من من قال ابنتك فاطمة من علي بن أبي طالب (عليه السلام) فزوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة من علي بشهادة جبرئيل و ميكائيل و صرصائيل قال فنظر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا بين كتفي صرصائيل لا إله إلا الله محمد رسول الله علي بن أبي طالب مقيم الحجة فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا صرصائيل منذ كم هذا كتب بين كتفيك قال قبل أن يخلق الله الدنيا باثني عشر ألف سنة .

و من كتاب المناقب عن بلال بن حمامة قال : طلع علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم و وجهه مشرق كدارة القمر فقام عبد الرحمن بن عوف فقال يا رسول الله ما هذا النور قال بشارة أتتني من ربي في أخي و ابن عمي و ابنتي و أن الله زوج عليا من فاطمة و أمر رضوان خازن الجنان فهز شجرة طوبى فحملت وقاقا يعني صكاكا بعدد محبتي أهل بيتي و أنشأ من تحتها ملائكة من نور
[353]
في الناس فلا يبقى محب لأهل البيت إلا دفعت إليه صكا فيه فكاكه من النار و دفع إلى كل ملك صكا فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة بأخي و ابن عمي و ابنتي فكاك رقاب رجال و نساء من أمتي من النار .

و من المناقب عن ابن عباس قال : لما أن كانت ليلة زفت فاطمة إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدامها و جبرئيل عن يمينها و ميكائيل عن يسارها و سبعون ألف ملك من ورائها يسبحون الله و يقدسونه حتى طلع الفجر .

و من المناقب عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتاني ملك فقال يا محمد إن الله عز و جل يقرأ عليك السلام و يقول قد زوجت فاطمة من علي فزوجها منه و قد أمرت شجرة طوبى أن تحمل الدر و الياقوت و المرجان و إن أهل السماء قد فرحوا لذلك و سيولد منهما ولدان سيدا شباب أهل الجنة و بهما تزين الجنة فأبشر يا محمد فإنك خير الأولين و الآخرين .

و من المناقب عن أم سلمة و سلمان الفارسي و علي بن أبي طالب (عليه السلام) و كل قالوا : إنه لما أدركت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مدرك النساء خطبها أكابر قريش من أهل الفضل و السابقة في الإسلام و الشرف و المال و كان كلما ذكرها رجل من قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعرض عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بوجهه حتى كان الرجل منهم يظن في نفسه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ساخط عليه أو قد نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيه وحي من السماء و لقد خطبها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرها إلى ربها و خطبها بعد أبي بكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كمقالته لأبي بكر قال و إن أبا بكر و عمر رضي الله عنهما كانا ذات يوم جالسين في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و معهما سعد بن معاذ الأنصاري ثم الأوسي فتذاكروا أمر فاطمة (عليها السلام) بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أبو بكر قد خطبها الأشراف من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إن أمرها إلى ربها إن شاء أن يزوجها زوجها و إن علي بن أبي طالب لم يخطبها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و لم يذكرها له و لا أراه يمنعه
[354]
من ذلك إلا قلة ذات اليد و إنه ليقع في نفسي أن الله عز و جل و رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما يحبسانها عليه قال ثم أقبل أبو بكر على عمر بن الخطاب و على سعد بن معاذ رضي الله عنهم فقال هل لكما في القيام إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى نذكر له هذا فإن منعه قلة ذات اليد واسيناه و أسعفناه فقال له سعد بن معاذ وفقك الله يا أبا بكر فما زلت موفقا قوموا بنا على بركة الله و بمنه قال سلمان الفارسي فخرجوا من المسجد و التمسوا عليا في منزله فلم يجدوه و كان ينضح ببعير كان له الماء على نخل رجل من الأنصار بأجرة فانطلقوا نحوه فلما نظر إليهم علي (عليه السلام) قال ما وراءكم و ما الذي جئتم له فقال أبو بكر يا أبا الحسن إنه لم يبق خصلة من خصال الخير إلا و لك فيها سابقة و فضل و أنت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمكان الذي قد عرفت من القرابة و الصحبة و السابقة و قد خطب الأشراف من قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته فاطمة (عليها السلام) فردهم و قال إن أمرها إلى ربها إن شاء أن يزوجها زوجها فما يمنعك أن تذكرها لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و تخطبها منه فإني لأرجو أن يكون الله عز و جل و رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما يحبسانها عليك قال فتغرغرت عينا علي ع بالدموع و قال يا أبا بكر لقد هيجت مني ساكنا و أيقظتني لأمر كنت عنه غافلا و الله إن فاطمة لموضع رغبة و ما مثلي قعد عن مثلها غير أنه يمنعني من ذلك قلة ذات اليد فقال أبو بكر لا تقل هذا يا أبا الحسن فإن الدنيا و ما فيها عند الله تعالى و عند رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كهباء منثور قال ثم إن علي بن أبي طالب (عليه السلام) حل عن ناضحه و أقبل يقوده إلى منزله فشده فيه و لبس نعله و أقبل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في منزل زوجته أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة المخزومي فدق علي (عليه السلام) الباب فقالت

[355]
أم سلمة من في الباب فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل أن يقول علي أنا علي قومي يا أم سلمة فافتحي له الباب و مريه بالدخول فهذا رجل يحبه الله و رسوله و يحبهما .

فقالت أم سلمة : فداك أبي و أمي و من هذا الذي تذكر فيه هذا و أنت لم تره ?

فقال : مه يا أم سلمة فهذا رجل ليس بالخرق و لا بالنزق هذا أخي و ابن عمي و أحب الخلق إلي .

قالت أم سلمة : فقمت مبادرة أكاد أن أعثر بمرطي ففتحت الباب فإذا أنا بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) و و الله ما دخل حين فتحت حتى علم أني قد رجعت إلى خدري .

ثم إنه دخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال السلام عليك يا رسول الله و رحمة الله و بركاته .

فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : و عليك السلام يا أبا الحسن اجلس .

قالت أم سلمة : فجلس علي بن أبي طالب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و جعل ينظر إلى الأرض كأنه قصد لحاجة و هو يستحيي أن يبديها فهو مطرق إلى الأرض حياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فقالت أم سلمة : فكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علم ما في نفس علي (عليه السلام) .

فقال له يا أبا الحسن : إني أرى أنك أتيت لحاجة فقل ما حاجتك و أبد ما في نفسك فكل حاجة لك عندي مقضية .

قال علي (عليه السلام) : فقلت , فداك أبي و أمي إنك لتعلم أنك أخذتني من عمك أبي طالب و من فاطمة بنت أسد و أنا صبي لا عقل لي فغذيتني بغذائك و أدبتني بأدبك فكنت لي أفضل من أبي طالب و من فاطمة بنت أسد في البر و الشفقة و أن الله تعالى هداني بك و على يديك و استنقذني مما كان عليه آبائي و أعمامي من الحيرة و الشرك و أنك و الله يا رسول الله ذخري و ذخيرتي في الدنيا و الآخرة يا رسول الله فقد أحببت
[356]
مع ما [قد] شد الله من عضدي بك [أن يكون لي بيت و] أن تكون لي زوجة أسكن إليها و قد أتيتك خاطبا راغبا أخطب إليك ابنتك فاطمة فهل أنت مزوجي يا رسول الله ?

قالت أم سلمة : فرأيت وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يتهلل فرحا و سرورا ; ثم تبسم في وجه علي (عليه السلام) , فقال : يا أبا الحسن فهل معك شي‏ء أزوجك به ?

فقال له علي : فداك أبي و أمي و الله ما يخفى عليك من أمري شي‏ء أملك سيفي و درعي و ناضحي و ما أملك شيئا غير هذا .

فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي أما سيفك فلا غنى بك عنه تجاهد به في سبيل الله و تقاتل به أعداء الله و ناضحك تنضح به على نخلك و أهلك و تحمل عليه رحلك في سفرك و لكني قد زوجتك بالدرع و رضيت بها منك ; يا أبا الحسن أبشرك .

قال علي (عليه السلام) : فقلت , نعم فداك أبي و أمي بشرني فإنك لم تزل ميمون النقيبة مبارك الطائر رشيد الأمر صلى الله عليك .

فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أبشر يا أبا الحسن فإن الله عز و جل قد زوجكها من السماء من قبل أن أزوجكها من الأرض و لقد هبط علي في موضعي من قبل أن تأتيني ملك من السماء له وجوه شتى و أجنحة شتى لم أر قبله من الملائكة مثله فقال لي : السلام عليك و رحمة الله و بركاته ; أبشر يا محمد باجتماع الشمل و طهارة النسل .

فقلت و ما ذاك أيها الملك ?

فقال لي : يا محمد , أنا سيطائيل الملك الموكل بإحدى قوائم العرش

[357]
سألت ربي عز و جل أن يأذن لي في بشارتك و هذا جبرئيل على أثري يخبرك عن ربك عز و جل بكرامة الله عز و جل .

قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : فما استتم كلامه حتى هبط علي جبرئيل [الأمين] (عليه السلام) فقال السلام عليك يا رسول الله و رحمة الله و بركاته ; يا محمد ثم إنه وضع بين يدي حريرة بيضاء من حرير الجنة و فيها سطران مكتوبان بالنور .

فقلت حبيبي جبرئيل : ما هذه الحريرة و ما هذه الخطوط ?

فقال جبرئيل (عليه السلام) : يا محمد إن الله عز و جل اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختارك من خلقه فانبعثك برسالاته ; ثم اطلع إلى الأرض ثانية فاختار لك منها أخا و وزيرا و صاحبا و ختنا فزوجه ابنتك فاطمة رضي الله عنها .

فقلت : يا حبيبي جبرئيل ; من هذا الرجل ?

فقال لي : يا محمد , أخوك في الدنيا و ابن عمك في النسب علي بن أبي طالب (عليه السلام) , و إن الله أوحى إلى الجنان أن تزخرفي فتزخرفت الجنان ; و إلى شجرة طوبى أن احملي الحلي و الحلل ; و تزينت الحور العين و أمر الله الملائكة أن يجتمع في السماء الرابعة عند البيت المعمور فهبط من فوقها إليها و صعد من تحتها إليها ; و أمر الله عز و جل رضوان فنصب منبر الكرامة على باب بيت المعمور و هو الذي خطب عليه آدم يوم عرض الأسماء على الملائكة و هو منبر من نور فأوحى إلى ملك من ملائكة حجبه يقال له راحيل أن يعلو ذلك المنبر و أن يحمده بمحامده و يمجده بتمجيده و أن يثني عليه بما هو أهله و ليس في الملائكة أحسن منطقا منه و لا أحلى لغة من راحيل الملك ; فعلا المنبر و حمد ربه و مجده و قدسه و أثنى عليه بما هو أهله فارتجت السماوات فرحا و سرورا .

قال جبرئيل (عليه السلام) : ثم أوحى الله إلي أن أعقد عقدة النكاح فإني قد زوجت أمتي فاطمة بنت حبيبي محمد من عبدي علي بن أبي طالب .

فعقدت عقدة النكاح و أشهدت على ذلك الملائكة أجمعين و كتبت شهادتهم في هذه الحريرة ; و قد أمرني ربي
[358]
عز و جل أن أعرضها عليك و أن أختمها بخاتم مسك و أن أدفعها إلى رضوان .

و إن الله عز و جل لما أشهد الملائكة على تزويج علي من فاطمة , أمر شجرة طوبى أن تنثر حملها من الحلي و الحلل فنثرت ما فيها و التقطه الملائكة و الحور العين ; و إن الحور ليتهادينه و يفخرن به إلى يوم القيامة .

يا محمد : إن الله عز و جل أمرني أن آمرك أن تزوج عليا في الأرض فاطمة (عليها السلام) و تبشرهما بغلامين زكيين نجيبين طاهرين طيبين خيرين فاضلين في الدنيا و الآخرة ; يا أبا الحسن فو الله ما عرج الملك من عندي حتى دققت الباب ألا و إني منفذ فيك أمر ربي عز و جل ; امض يا أبا الحسن أمامي فإني خارج إلى المسجد و مزوجك على رءوس الناس و ذاكر من فضلك ما تقر به عينك و أعين محبيك في الدنيا و الآخرة .

قال علي : فخرجت من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مسرعا و أنا لا أعقل فرحا و سرورا فاستقبلني أبو بكر و عمر رضي الله عنهما , فقالا : ما وراءك ?

فقلت : زوجني رسول الله ابنته فاطمة , و أخبرني أن الله عز و جل زوجنيها من السماء و هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خارج في أثري ليظهر ذلك بحضرة الناس ; ففرحا بذلك فرحا شديدا و رجعا معي إلى المسجد فما توسطناه حتى لحق بنا رسول الله و إن وجهه ليتهلل سرورا و فرحا ; فقال يا بلال , فأجابه فقال : لبيك يا رسول الله .

قال اجمع إلي المهاجرين و الأنصار فجمعهم , ثم رقى درجة من المنبر فحمد الله و أثنى عليه و قال :معاشر الناس إن جبرئيل أتاني آنفا فأخبرني عن ربي عز و جل أنه جمع ملائكة عند البيت المعمور و أنه أشهدهم جميعا أنه زوج أمته فاطمة ابنة رسول الله من عبده علي بن أبي طالب و أمرني أن أزوجه في الأرض و أشهدكم على ذلك .

ثم جلس , و قال لعلي (عليه السلام) : قم يا أبا الحسن فاخطب أنت لنفسك .

قال , فقام فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال : الحمد لله شكرا لأنعمه و أياديه و لا إله إلا الله شهادة تبلغه و ترضيه و صلى الله على محمد صلاة تزلفه و تخطيه و النكاح مما أمر الله عز و جل به و رضيه و مجلسنا هذا مما قضاه الله و أذن فيه و قد زوجني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته فاطمة و جعل صداقها درعي هذا و قد رضيت بذلك فاسألوه ; و اشهدوا .

[359]
فقال المسلمون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : زوجته يا رسول الله ?

فقال : نعم .

فقالوا : بارك الله لهما و عليهما و جمع شملهما .

و انصرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أزواجه فأمرهن أن يدففن لفاطمة فضربن بالدفوف .

قال علي : فأقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ; يا أبا الحسن انطلق الآن فبع درعك و ائتني بثمنه حتى أهيئ لك و لابنتي فاطمة ما يصلحكما .

قال علي : فانطلقت و بعته بأربعمائة درهم سود هجرية من عثمان بن عفان رضي الله عنه .

فلما قبضت الدراهم منه و قبض الدرع مني ; قال يا أبا الحسن : أ لست أولى بالدرع منك و أنت أولى بالدراهم مني ?

فقلت : بلى .

قال : فإن الدرع هدية مني إليك .

فأخذت الدرع و الدراهم , و أقبلت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فطرحت الدرع و الدراهم بين يديه و أخبرته بما كان من أمر عثمان .

فدعا له بخير , و قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبضة من الدراهم و دعا بأبي بكر فدفعها إليه و قال يا أبا بكر اشتر بهذه الدراهم لابنتي ما يصلح لها في بيتها و بعث معه سلمان الفارسي و بلالا ليعيناه على حمل ما يشتريه قال أبو بكر و كانت الدراهم التي أعطانيها ثلاثة و ستين درهما فانطلقت و اشتريت فراشا من خيش مصر محشوا بالصوف و نطعا من أدم و وسادة من أدم حشوها من ليف النخل و عباءة خيبرية و قربة للماء و كيزانا و جرارا و مطهرة للماء و ستر صوف رقيقا و حملناه جميعا حتى وضعناه بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما نظر إليه بكى و جرت دموعه ثم رفع رأسه إلى السماء و قال اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف قال علي و دفع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باقي ثمن الدرع إلى أم سلمة و قال اتركي هذه الدراهم عندك و مكثت بعد ذلك شهرا لا أعاود رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في أمر فاطمة (عليها السلام) بشي‏ء استحياء من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غير أني كنت إذا خلوت برسول الله يقول يا أبا الحسن

[360]
ما أحسن زوجتك و أجملها أبشر يا أبا الحسن فقد زوجتك سيدة نساء العالمين .

قال علي (عليه السلام) : فلما كان بعد شهر دخل علي أخي عقيل بن أبي طالب و قال ; يا أخي ما فرحت بشي‏ء كفرحي بتزويجك فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أخي فما بالك لا تسأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يدخلها عليك فنقر عينا باجتماع شملكما .

قال علي (عليه السلام) : و الله يا أخي إني لأحب ذلك و ما يمنعني من مسألته إلا الحياء منه (صلى الله عليه وآله وسلم ) .

فقال : أقسمت عليك إلا قمت معي ; فقمنا نريد رسول الله فلقينا في طريقنا أم أيمن مولاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرنا ذلك لها .

فقالت لا تفعل , و دعنا نحن نكلمه فإن كلام النساء في هذا الأمر أحسن و أوقع بقلوب الرجال .

ثم انثنت راجعة فدخلت على أم سلمة فأعلمتها بذلك و أعلمت نساء النبي ص فاجتمعن عند رسول الله و كان في بيت عائشة فأحدقن به و قلن فديناك بآبائنا و أمهاتنا يا رسول الله قد اجتمعنا لأمر لو أن خديجة في الأحياء لقرت بذلك عينها .
قالت أم سلمة : فلما ذكرنا خديجة بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال خديجة و أين مثل خديجة صدقتني حين كذبني الناس و آزرتني على دين الله و أعانتني عليه بمالها إن الله عز و جل أمرني أن أبشر خديجة ببيت في الجنة من قصب الزمرد لا صخب فيه و لا نصب .

قالت أم سلمة : فقلنا , فديناك بآبائنا و أمهاتنا يا رسول الله إنك لم تذكر من خديجة أمرا إلا و قد كانت كذلك غير أنها قد مضت إلى ربها فهنأها الله بذلك و جمع بيننا و بينها في درجات جنته و رضوانه و رحمته ; يا رسول الله و هذا أخوك في الدنيا و ابن عمك في النسب علي بن أبي طالب (عليه السلام) يحب أن تدخل عليه زوجته فاطمة (عليها السلام) و تجمع بها شمله .

فقال : يا أم سلمة فما بال علي لا يسألني ذلك ?

فقلت : يمنعه الحياء منك يا رسول الله .

قالت أم أيمن : فقال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; انطلقي إلى علي فأتيني به .

فخرجت من عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فإذا علي ينتظرني ليسألني عن جواب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فلما رآني قال ما وراءك يا أم أيمن ?

قلت أجب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

[361]
قال : فدخلت عليه و قمن أزواجه فدخلن البيت و جلست بين يديه مطرقا نحو الأرض حياء منه .

فقال : أ تحب أن تدخل عليك زوجتك ?

فقلت و أنا مطرق : نعم فداك أبي و أمي .

فقال : نعم , و كرامة يا أبا الحسن أدخلها عليك في ليلتنا هذه أو في ليلة غد إن شاء الله .

فقمت فرحا مسرورا و أمر (صلى الله عليه وآله وسلم ) أزواجه أن يزين فاطمة (عليها السلام) و يطيبنها و يفرشن لها بيتا ليدخلنها على بعلها ففعلن ذلك .

و أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الدراهم التي سلمها إلى أم سلمة عشرة دراهم فدفعها إلى علي (عليه السلام) و قال : اشتر سمنا و تمرا و أقطا فاشتريت و أقبلت به إلى رسول الله فحسر (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذراعيه و دعا بسفرة من أدم و جعل يشدخ التمر و السمن و يخلطهما بالأقط حتى اتخذه حيسا ثم قال يا علي ادع من أحببت .

فخرجت إلى المسجد و أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متوافرون فقلت : أجيبوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فقاموا جميعا و أقبلوا نحو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فأخبرته أن القوم كثير , فجلل السفرة بمنديل و قال : أدخل علي عشرة بعد عشرة ففعلت ; و جعلوا يأكلون و يخرجون و لا ينقص الطعام حتى لقد أكل من ذلك الحيس سبعمائة رجل و امرأة ببركة يده ( صلى الله عليه وآله وسلم) .

قالت أم سلمة : ثم دعا بنته فاطمة (عليها السلام) و دعا بعلي (عليه السلام) فأخذ عليا بيمينه و فاطمة بشماله و جمعهما إلى صدره فقبل بين أعينهما و دفع فاطمة إلى علي و قال يا علي نعم الزوجة زوجتك ثم أقبل على فاطمة (عليها السلام) و قال يا فاطمة نعم البعل بعلك .

[362]
ثم قام معهما يمشي بينهما حتى أدخلهما بيتهما الذي هيئ لهما ; ثم خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب فقال طهركما الله و طهر نسلكما أنا سلم لمن سالمكما أنا حرب لمن حاربكما أستودعكما الله و أستخلفه عليكما.

قال علي : و مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك ثلاثا لا يدخل علينا ; فلما كان في صبيحة اليوم الرابع جاءنا ليدخل علينا فصادف في حجرتنا أسماء بنت عميس الخثعمية , فقال لها ما يقفك هاهنا و في الحجرة رجل ?

فقالت له : فداك أبي و أمي إن الفتاة إذا زفت إلى زوجها تحتاج إلى امرأة تتعاهدها و تقوم بحوائجها فأقمت هاهنا لأقضي حوائج فاطمة (عليها السلام) و أقوم بأمرها فتغرغر عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالدموع و قال يا أسماء قضى الله لك حوائج الدنيا و الآخرة .

قال علي (عليه السلام) : و كانت غداة قرة و كنت أنا و فاطمة تحت العباء ; فلما سمعنا كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأسماء ذهبنا لنقوم , فقال : بحقي عليكما لا تفترقا حتى أدخل عليكما ; فرجعنا إلى حالنا و دخل (صلى الله عليه وآله وسلم) و جلس عند رءوسنا و أدخل رجليه فيما بيننا و أخذت رجله اليمنى فضممتها إلى صدري و أخذت فاطمة (عليها السلام) رجله اليسرى فضمتها إلى صدرها و جعلنا ندفئ رجليه من القر حتى إذا دفأتا ; قال يا علي : ائتني بكوز من ماء .

فأتيته , فتفل فيه ثلاثا و قرأ عليه آيات من كتاب الله تعالى ثم قال : يا علي اشربه و اترك فيه قليلا .

ففعلت ذلك ; فرش باقي الماء على رأسي و صدري , و قال أذهب الله عنك الرجس يا أبا الحسن و طهرك تطهيرا .

و قال ائتني بماء جديد , فأتيته به .

ففعل كما فعل و , سلمه إلى ابنته (عليها السلام) و قال لها اشربي و اتركي منه قليلا .

ففعلت , فرشه على رأسها و صدرها ; و قال :أذهب الله عنك الرجس و طهرك تطهيرا ; و أمرني بالخروج من البيت و خلا بابنته و قال كيف أنت يا بنية و كيف رأيت زوجك ?

قالت له : يا أبة خير زوج إلا أنه دخل علي نساء من قريش و قلن لي زوجك رسول الله من فقير لا مال له .

[363]
فقال لها : يا بنية ما أبوك بفقير و لا بعلك بفقير و لقد عرضت علي خزائن الأرض من الذهب و الفضة فاخترت ما عند الله ربي عز و جل ; يا بنية لو تعلمين ما علم أبوك لسمجت الدنيا في عينك و الله يا بنية ما ألوتك نصحا أن زوجتك أقدمهم سلما و أكثرهم علما و أعظمهم حلما ; يابنية إن الله عز و جل اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها رجلين فجعل أحدهما أباك و الآخر بعلك ; يا بنية نعم الزوج زوجك لا تعصي له أمرا .

ثم صاح بي رسول الله :يا علي .

فقلت : لبيك يا رسول الله .

فقال : ادخل بيتك و الطف بزوجتك و ارفق بها فإن فاطمة بضعة مني يؤلمني ما يؤلمها و يسرني ما يسرها أستودعكما الله و أستخلفه عليكما .

قال علي (عليه السلام) : فو الله ما أغضبتها و لا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز و جل إليه و لا أغضبتني و لا عصت لي أمرا و لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم و الأحزان .

قال علي (عليه السلام) : ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لينصرف فقالت له فاطمة يا أبة لا طاقة لي بخدمة البيت فأخدمني خادما يخدمني و يعينني على أمر البيت .

فقال لها : يا فاطمة أ و لا تريدين خيرا من الخادم ?

فقال علي : قولي بلى .

قالت : يا أبة خيرا من الخادم .

فقال : تسبحين الله عز و جل في كل يوم ثلاثا و ثلاثين مرة و تحمدينه ثلاثا و ثلاثين مرة و تكبرينه أربعا و ثلاثين مرة فذلك مائة باللسان و ألف حسنة في الميزان ; يا فاطمة إنك إن قلتها في صبيحة كل يوم كفاك الله ما أهمك من أمر الدنيا و الآخرة .

و نقلت من كتاب الذرية الطاهرة تصنيف أبي بشير محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري المعروف بالدولابي من نسخة بخط الشيخ ابن وضاح الحنبلي الشهراباني و أجاز لي أن أروي عنه كلما يرويه عن مشايخه و هو يروي كثيرا و أجاز لي
[364]
السيد جلال الدين بن عبد الحميد بن فخار الموسوي الحائري أدام الله شرفه أن أرويه عنه عن الشيخ عبد العزيز بن الأخضر الجنابذي المحدث إجازة في محرم سنة عشرة و ستمائة و عن الشيخ برهان الدين أبي الحسين أحمد بن علي الغزنوي إجازة في ربيع الأول سنة أربع عشرة و ستمائة كلاهما عن الشيخ الحافظ أبي الفضل محمد بن ناصر السلامي بإسناده و السيد أجاز لي قديما رواية كلما يرويه و بهذا الكتاب في ذي الحجة في سنة ست و سبعين و ستمائة عن علي (عليه السلام) قال : خطب أبو بكر و عمر رضي الله عنهما إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأبى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليهما فقال عمر أنت لها يا علي فقال ما لي من شي‏ء إلا درعي أرهنها فزوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة فلما بلغ ذلك فاطمة رضي الله عنها بكت قال فدخل عليها رسول الله ص فقال ما لك تبكين يا فاطمة فو الله لقد أنكحتك أكثرهم علما و أفضلهم حلما و أولهم سلما .

و عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : تزوج علي فاطمة رضي الله عنهما في شهر رمضان و بنى بها في ذي الحجة من السنة الثانية من الهجرة .

و عن مجاهد عن علي (عليه السلام) قال : خطبت فاطمة (عليها السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت مولاة لي هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قلت لا فقالت قد خطبت فما يمنعك أن تأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيزوجك فقلت و هل عندي شي‏ء أتزوج به فقالت إنك إن جئت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) زوجك فو الله ما زالت ترجئني حتى دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كانت له جلالة و هيبة فلما قعدت بين يديه (صلى الله عليه وآله وسلم) أفحمت فو الله ما استطعت أن أتكلم فقال ما جاء بك أ لك حاجة فسكت فقال لعلك جئت أن تخطب فاطمة قلت نعم قال فهل عندك من شي‏ء تستحلها به قلت لا و الله يا رسول الله فقال ما فعلت الدرع التي سلحتكها فقلت عندي و الذي نفسي بيده إنها لحطمية ما ثمنها أربعمائة درهم قال قد
[365]
زوجتكها فابعث بها فإن كانت لصداق فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و عن عطاء بن أبي رباح قال : لما خطب علي رضي الله عنه فاطمة أتاها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال إن عليا قد ذكرك فسكت فخرج فزوجها .

و عن ابن بريدة عن أبيه قال : قال نفر من الأنصار لعلي بن أبي طالب اخطب فاطمة فأتى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فسلم عليه فقال له ما حاجة علي بن أبي طالب قال يا رسول الله ذكرت فاطمة بنت رسول الله ص فقال مرحبا و أهلا لم يزد عليها فخرج علي على أولئك الرهط من الأنصار و كانوا ينتظرونه قالوا ما وراءك قال ما أدري غير أنه قال مرحبا و أهلا قالوا يكفيك من رسول الله أحدهما أعطاك الأهل و الرحب فلما كان بعد ذلك قال يا علي إنه لا بد للعرس من وليمة فقال سعد عندي كبش و جمع له رهط من الأنصار آصعا من ذرة فلما كان ليلة البناء قال لعلي لا تحدثن شيئا حتى تلقاني فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على علي و قال اللهم بارك فيهما و بارك عليهما و بارك لهما في شبليهما و قال ابن ناصر في نسليهما .

و عن أسماء بنت عميس قالت : كنت في زفاف فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما أصبحنا جاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الباب فقال يا أم أيمن ادعي لي أخي قالت هو أخوك و تنكحه ابنتك قال نعم يا أم أيمن قالت و سمع النساء صوت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتنحين و اختبأت أنا في ناحية فجاء علي رضي الله عنه فنضح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه من الماء و دعا له ثم قال ادعي لي فاطمة فجاءت خرقة من
[366]
الحياء فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اسكني لقد أنكحتك أحب أهل بيتي إلي ثم نضح عليها من الماء و دعا لها قالت ثم رجع (صلى الله عليه وآله وسلم) فرأى سوادا بين يديه فقال من هذا فقلت أنا أسماء بنت عميس قال جئت في زفاف فاطمة تكرمينها قلت نعم قالت فدعا لي .

قال علي بن عيسى عفا الله عنه و حدثني السيد جلال الدين بن عبد الحميد بن فخار الموسوي بما هذا معناه و ربما اختلفت الألفاظ قال : قالت أسماء بنت عميس هذه ; حضرت وفاة خديجة (عليها السلام) فبكت فقلت أتبكين و أنت سيدة نساء العالمين و أنت زوجة النبي ص و مبشرة على لسانه بالجنة فقالت ما لهذا بكيت و لكن المرأة ليلة زفافها لا بد لها من امرأة تفضي إليها بسرها و تستعين بها على حوائجها و فاطمة حديثة عهد بصبى و أخاف أن لا يكون لها من يتولى أمورها حينئذ فقلت يا سيدتي لك علي عهد الله أني إن بقيت إلى ذلك الوقت أن أقوم مقامك في هذا الأمر فلما كانت تلك الليلة و جاء النبي ص أمر النساء فخرجن و بقيت فلما أراد الخروج رأى سوادي فقال من أنت فقلت [أنا] أسماء بنت عميس فقال أ لم آمرك أن تخرجي فقلت بلى يا رسول الله فداك أبي و أمي و ما قصدت خلافك و لكني أعطيت خديجة رضي الله عنها عهدا و حدثته فبكى و قال تالله لهذا وقفت فقلت نعم و الله فدعا لي .

عدنا إلى ما أورده الدولابي و عن أسماء بنت عميس قالت : لقد جهزت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي بن أبي طالب و ما كان حشو فرشهما و وسائدهما إلا ليف و لقد أولم علي لفاطمة (عليها السلام) فما كانت وليمة في ذلك الزمان أفضل من وليمته رهن درعه عند يهودي و كانت وليمته آصعا من شعير و تمر و حيس .

قال علي بن عيسى : قد تظاهرت الروايات كما ترى أن أسماء بنت عميس حضرت زفاف فاطمة و فعلت و أسماء كانت مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها جعفر بن
[367]
أبي طالب (عليه السلام) و لم تعد هي و لا زوجها إلا يوم فتح خيبر و ذلك في سنة ست من الهجرة و لم تشهد الزفاف لأنه كان في ذي الحجة من سنة اثنتين.

و التي شهدت الزفاف سلمى بنت عميس أختها و هي زوجة حمزة بن عبد المطلب (عليه السلام) و لعل الأخبار عنها و كانت أسماء أشهر من أختها عند الرواة فرووا عنها أو سها راو واحد فتبعوه .

و من كتاب كفاية الطالب في مناقب علي بن أبي طالب تأليف محمد بن يوسف الكنجي الشافعي عن أبي هريرة قال : قالت فاطمة يا رسول الله زوجتني علي بن أبي طالب و هو فقير لا مال له فقال يا فاطمة أ ما ترضين أن الله اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختار منها رجلين أحدهما أبوك و الآخر بعلك .

و عن جابر بن سمرةقال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أيها الناس هذا علي بن أبي طالب و أنتم تزعمون أني زوجته ابنتي فاطمة و لقد خطبها إلي أشراف قريش فلم أجب كل ذلك أتوقع الخبر من السماء حتى جاءني جبرئيل (عليه السلام) ليلة أربع و عشرين من شهر رمضان فقال يا محمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام و قد جمع الروحانيين و الكروبيين في واد يقال له الأفيح تحت شجرة طوبى و زوج فاطمة عليا و أمرني فكنت الخاطب و الله تعالى الولي و أمر شجرة طوبى فحملت الحلي و الحلل و الدر و الياقوت ثم نثرته و أمر الحور العين فاجتمعن فلقطن فهن يتهادينه إلى يوم القيامة و يقلن هذا نثار فاطمة .

و عن علقمة عن عبد الله قال : أصاب فاطمة (عليها السلام) صبيحة العرس رعدة فقال لها النبي ص زوجتك سيدا في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين يا فاطمة إني لما أردت أن أملكك بعلي أمر الله شجر الجنان فحملت حليا و حللا و أمرها فنثرته على الملائكة فمن أخذ منه يومئذ شيئا أكثر مما أخذ منه صاحبه أو أحسن افتخر به على صاحبه إلى يوم القيامة قالت أم سلمة فلقد كانت فاطمة تفتخر على
[368]
النساء لأن أول من خطب عليها جبرئيل .

قال هذا حديث حسن رزقناه عاليا و فيه مناقب كثيرة لعلي بن أبي طالب ع منها : أن الله عز و جل زوجه من السماء و كان هو وليه .

و منها : أن جبرئيل (عليه السلام) خطب لعقدة نكاحه .

و منها : شهود الملائكة إملاكه .

و منها : تخصيصه بنثار شجر الجنة على عرسه.

و منها شهادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) له بالسيادة في الدنيا و الآخرة و منها أنه في الآخرة لمن الصالحين و مع الصالحين و هم الأنبياء و المرسلون و قد دعا الأنبياء و المرسلون بمثل ذلك كما قال الله تعالى وَ أَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبادِكَ الصَّالِحِينَ .

و روي : أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على فاطمة (عليها السلام) ليلة عرسها بقدح من لبن فقال اشربي هذا فداك أبوك ثم قال لعلي (عليه السلام) اشرب فداك ابن عمك .

و روي : : أنه لما زفت فاطمة إلى علي (عليه السلام) نزل جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل و هم سبعون ألف ملك و قدمت بغلة رسول الله ص الدلدل و عليها فاطمة (عليها السلام) مشتملة قال فأمسك جبرئيل باللجام و أمسك إسرافيل بالركاب و أمسك ميكائيل بالثفر و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يسوي عليها الثياب فكبر جبرئيل و كبر إسرافيل و كبر ميكائيل و كبرت الملائكة و جرت السنة بالتكبير في الزفاف إلى يوم القيامة .

و عن جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) : أن أبا بكر رضي الله عنه أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله زوجني فاطمة فأعرض عنه فأتاه عمر رضي الله عنه فقال مثل ذلك فأعرض عنه فأتيا عبد الرحمن بن عوف فقالا أنت أكثر قريش مالا فلو أتيت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخطبت إليه فاطمة زادك الله مالا إلى مالك و شرفا إلى شرفك فأتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له ذلك فأعرض عنه فأتاهما فقال قد نزل بي مثل الذي نزل بكما فأتيا علي بن أبي طالب و هو يسقي نخلا فقالا قد عرفنا قرابتك
[369]
من رسول الله و قدمتك في الإسلام فلو أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فخطبت إليه فاطمة لزادك الله فضلا إلى فضلك و شرفا إلى شرفك فقال لقد نبهتماني فانطلق فتوضأ ثم اغتسل و لبس كساء قطريا و صلى ركعتين ثم أتى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله زوجني فاطمة قال (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا زوجتكها فما تصدقها قال أصدقها سيفي و فرسي و درعي و ناضحي قال أما ناضحك و سيفك و فرسك فلا غناء بك عنهما تقاتل المشركين و أما درعك فشأنك بها فانطلق علي و باع درعه بأربعمائة و ثمانين درهما قطرية فصبها بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يسأله عن عددها و لا هو أخبره فأخذ منها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبضة فدفعها إلى المقداد بن الأسود فقال ابتع من هذا ما تجهز به فاطمة و أكثر لها من الطيب فانطلق المقداد فاشترى لها رحى و قربة و وسادة من أدم و حصيرا قطريا فجاء به فوضعه بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و أسماء بنت عميس معه فقالت يا رسول الله خطب إليك ذوو الأسنان و الأموال من قريش و لم تزوجها فزوجتها هذا الغلام فقال يا أسماء أما إنك ستزوجين بهذا الغلام و تلدين له غلاما هذا مع ما روي أنها كانت بالحبشة غريب فإنها تزوجت بأمير المؤمنين (عليه السلام) و ولدت منه كما ذكر (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما كان الليل قال لسلمان ائتني ببغلتي الشهباء فأتاه بها فحمل عليها فاطمة (عليها السلام) فكان سلمان يقودها و رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوم بها فبينا هو كذلك إذ سمع حسا خلف ظهره فالتفت فإذا جبرئيل و ميكائيل و إسرافيل في جمع كثير من الملائكة (عليه السلام) فقال يا جبرئيل ما أنزلكم قال نزلنا نزف فاطمة (عليها السلام) إلى زوجها فكبر جبرئيل ثم كبر ميكائيل ثم كبر إسرافيل ثم كبرت الملائكة ثم كبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم كبر سلمان الفارسي فصار التكبير خلف العرائس سنة من تلك الليلة فجاء بها فأدخلها على علي (عليه السلام) فأجلسها إلى جنبه على الحصير القطري ثم قال يا علي هذه بنتي فمن أكرمها فقد أكرمني
[370]
و من أهانها فقد أهانني ثم قال اللهم بارك لهما و عليهما و اجعل منهما ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ثم وثب فتعلقت به و بكت فقال لها ما يبكيك فلقد زوجتك أعظمهم حلما و أكثرهم علما .

و عن ابن عباس و قد كتبته قبل هذا و لكن اختلفت الروايات فحسن عندي إثباته و كتب الحديث لا تعرى من التكرار لاختلاف الطرق و الروايات و كلما كثرت رواتها و تشعبت طرقها كان أدل على صحتها و توفر الدواعي على قبولها .

قال : كانت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تذكر فلا يذكرها أحد لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا أعرض عنه فقال سعد بن معاذ الأنصاري لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) إني و الله ما أرى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد بها غيرك فقال علي أ ترى ذلك و ما أنا بواحد من الرجلين ما أنا بذي دنيا يلتمس ما عندي لقد علم (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه ما لي حمراء و لا بيضاء فقال سعد لتفرجنها عني أعزم عليك لتفعلن قال فقال له علي فأقول ما ذا قال تقول له جئتك خاطبا إلى الله تعالى و إلى رسوله فاطمة بنت محمد فإن لي في ذلك فرحا فانطلق علي حتى تعرض لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كأن لك حاجة فقال أجل فقال هات قال جئتك خاطبا إلى الله و إلى رسوله فاطمة بنت محمد فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرحبا و حبا و لم يزده على ذلك ثم تفرقا .

فلقي عليا سعد بن معاذ فقال له سعد ما صنعت قال قد فعلت الذي كلفتني فما زاد على أن رحب بي فقال له سعد ما أرفعه و أبركه لقد أنكحك و الذي بعثه بالحق إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يخلف و لا يكذب أعزم عليك لتلقينه غدا و لتقولن له يا رسول الله متى تبين لي فقال له هذه أشد علي من الأولى أ و لا أقول حاجتي فقال له لا فانطلق حتى لقي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له يا رسول الله متى تبين لي فقال الليلة إن شاء الله تعالى ثم انصرف فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بلالا فقال إني قد زوجت فاطمة ابنتي بابن عمي و أنا أحب أن يكون من أخلاق أمتي الطعام عند النكاح اذهب يا بلال إلى الغنم و خذ شاة
[371]
و خمسة أمداد شعيرا و اجعل لي قصعة فلعلي أجمع عليها المهاجرين و الأنصار قال ففعل ذلك و أتاه بها حين فرغ فوضعها بين يديه قال فطعن في أعلاها ثم تفل فيها و برك ثم قال يا بلال ادع الناس إلى المسجد و لا تفارق رفقة إلى غيرها فجعلوا يردون عليه رفقة رفقة كلما وردت رفقة نهضت أخرى حتى تتابعوا ثم كفت و فضل منها فتفل عليه و برك ثم قال يا بلال احملها إلى أمهاتك فقل لهن كلن و أطعمن من غشيكن ففعل ذلك بلال ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على النساء فقال لهن إني قد زوجت ابنتي لابن عمي و قد علمتن منزلتها مني و إني دافعها إليه ألا فدونكن ابنتكن فقمن إلى الفتاة فعلقن عليها من حليهن و طيبنها و جعلن في بيتها فراشا حشوه ليف و وسادة و كساء خيبريا و مخضبا و هو المركن و اتخذت أم أيمن بوابة ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) جاء فهتف بفاطمة و هي في بعض البيوت فأقبلت فلما رأت زوجها مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حصرت و بكت فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ادني مني فدنت منه فأخذ بيدها و يد علي فلما أراد أن يجعل كفها في كف علي حصرت و دمعت عيناها فرفع رسول الله رأسه إلى علي و أشفق أن يكون بكاؤها من أجل أنه ليس له شي‏ء فقال لها ما ألوتك من نفسي و لقد أصبت بك القدر و زوجتك خير أهلي و ايم الله لقد زوجتك سيدا في الدنيا و إنه في الآخرة لمن الصالحين قال فلان منها و أمكنته من كفها فقال لهما اذهبا إلى بيتكما بارك الله لكما و أصلح بالكما فلا تهيجا شيئا حتى آتيكما فأقبلا حتى جلسا (عليه السلام) مجلسهما و عندهما أمهات المؤمنين و بينهن و بين علي حجاب و فاطمة مع النساء ثم أقبل النبي (عليه السلام) حتى دق الباب فقالت أم أيمن من هذا فقال أنا رسول الله ففتحت له الباب و هي تقول بأبي أنت و أمي فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أ ثم أخي يا أم أيمن فقلت له و من أخوك فقال علي بن أبي طالب فقالت يا رسول الله هو أخوك و زوجته ابنتك فقال نعم فقالت إنما نعرف الحلال و الحرام بك .

[372]
فدخل و خرج النساء مسرعات و بقيت أسماء بنت عميس فلما بصرت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مقبلا تهيأت للخروج فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رسلك من أنت فقالت أنا أسماء بنت عميس بأبي أنت و أمي إن الفتاة ليلة بنائها لا غنى بها عن امرأة إن حدث لها حاجة أفضت بها إليها فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أخرجك إلا ذلك فقالت إي و الذي بعثك بالحق ما أكذب و الروح الأمين يأتيك فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) فأسأل إلهي أن يحرسك من فوقك و من تحتك و من بين يديك و من خلفك و عن يمينك و عن شمالك من الشيطان الرجيم ناوليني المخضب و املئيه ماء قال فنهضت أسماء فملأت المخضب ماء و أتته به ماء ثم مجه فيه ثم قال اللهم إنهما مني و أنا منهما اللهم كما أذهبت عني الرجس و طهرتني تطهيرا فأذهب عنهما الرجس و طهرهما تطهيرا ثم دعا فاطمة فقامت إليه و عليها النقبة و إزارها فضرب كفا من ماء بين يديها و بأخرى على عاتقها و بأخرى على هامتها ثم نضح جلدها و جيده ثم التزمها و قال اللهم إنهما مني و أنا منهما اللهم فكما أذهبت عني الرجس و طهرتني تطهيرا فطهرهما ثم أمرها أن تشرب بقية الماء و تمضمض و تستنشق و تتوضأ ثم دعا بمخضب آخر فصنع به كما صنع بالأول و دعا عليا فصنع به كما صنع بصاحبته و دعا له كما دعا لها ثم أغلق عليهما الباب و انطلق فزعم عبد الله بن عباس عن أسماء بنت عميس أنه لم يزل يدعو لهما خاصة حتى توارى في حجرته ما شرك معهما في دعائه أحدا .

قال محمد بن يوسف الكنجي هكذا رواه ابن بطة العكبري الحافظ و هو حسن عال : و ذكر أسماء بنت عميس في هذا الحديث غير صحيح لأن أسماء هذه امرأة جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) و تزوجها بعده أبو بكر فولدت له محمدا و ذلك بذي الحليفة فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى مكة في حجة الوداع فلما مات أبو بكر رضي الله عنه تزوجها علي بن أبي طالب ع فولدت له و ما أرى نسبتها في هذا الحديث إلا غلطا وقع من بعض الرواة لأن أسماء التي حضرت في عرس فاطمة (عليها السلام) إنما هي
[373]
أسماء بنت يزيد بن السكن الأنصاري و أسماء بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب بالحبشة هاجر بهما الهجرة الثانية و قدم بها يوم فتح خيبر سنة سبع .

و قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أدري بأيهما أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر .

و كان زواج فاطمة (عليها السلام) بعد وقعة بدر بأيام يسيرة فصح بهذا أن أسماء المذكورة في هذا الحديث إنما هي أسماء بنت يزيد و لها أحاديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) روى عنها شهر بن حوشب و غيره من التابعين حقق ذلك محمد بن يوسف الكنجي في الوجهة قبل هذا .

و روى الحافظ أبو محمد عبد العزيز بن أخضر الجنابذي قال : لما كانت ليلة أهديت فاطمة إلى علي (عليه السلام) قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تحدث شيئا حتى آتيك فلم يلبث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن اتبعهما فقام على الباب فاستأذن فدخل فإذا علي منتبذ منها فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إني قد علمت أنك تهاب الله و رسوله فدعا بماء فتمضمض به ثم أعاده في الإناء ثم نضح به صدرها و صدره .

قال و روي أن عليا (عليه السلام) قال : لما أردت أن أخطب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابنته فقلت و الله ما عندي من شي‏ء ثم ذكرت وصلته فخطبتها إليه فقال لي عندك شي‏ء فقلت لا قال أين درعك الحطمية التي أعطيتكها يوم بدر قال قلت هي عندي فزوجني عليها و قال لا تحدثن شيئا حتى آتيكما قال فجاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و نحن نيام فقال مكانكما فقعد بيننا فدعا بماء فرشه علينا قال فقلت يا رسول الله أنا أحب إليك أم هي قال هي أحب إلي منك و أنت أعز علي منها .

و روى النجاد في أماليه : أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دخل على فاطمة بعد ما بنى بها بأيام فصنعت كما تصنع الجارية إذا رأت بعض أهلها فبكت فقال لها ما يبكيك يا بنية لقد زوجتك خير من أعلم .

قال علي بن عيسى بن أبي الفتح عفا الله عنه : قد ثبت لعلي (عليه السلام) بما تقدم في هذا الكتاب من المزايا ما بذ به الأمثال و تقرر له من شرف السجايا ما فات به
[374]
الأصحاب و الآل و ظهر له من علو الشأن ما توحد به و تفرد و عرف له من سمو المكان ما ثبت به فضله و توطد و صرح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما يجب له على الأمة بما هو أشهر من النهار و كنى و عرض و أشار فما قبلوا ما أشار فقامت حجته (عليه السلام) بالدليل و دحض الله بما شاع من شرفه ما اختلق من الأباطيل و شهد بفضله النبي فحكم به حاكم التنزيل و أتم الله شرفه بفاطمة ( عليها السلام) و ناهيك بهذا التمام و نظمت عقود فضائله فازدان العقد بالنظام فإنها العقيلة الكريمة و الدرة اليتيمة و الموهبة العظيمة و المنحة الجسيمة و العطية السنية و السيدة السرية و البضعة النبوية و الشمس المنيرة المضيئة و البتول الطاهرية المحمدية سيدة النساء المخصوصة بالثناء و السناء المؤيدة بعناية رب السماء أم أبيها صلى الله عليه و عليها و على بعلها و بنيها فإنها زادته شرفا إلى شرفه القديم و كسته حلة مجد أوجبت له مزية التقديم و رفعت له منار سؤدد ظاهر الترحيب و التعظيم و كانت هذه الكريمة صالحة لذلك الكريم :

أتاه المجد من هنا و هنا *** و كان له بمجتمع السيول

اتصل بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من جهة تزيد على اتصاله و اختص بسببها به اختصاصا رفعه على أصحابه و آله فلهذا جعل نفسه نفسه و نساءه نساءه و أبناءه أبناءه حين قدم النجرانيون لمباهلته و جداله و كفاك بها مناقب سمت على النجوم الظاهرة و مراتب يغبطها أهل الدنيا و الآخرة لا يدفعها إلا من يدفع الحق بعد ظهوره و لا ينكرها إلا من ادعى أن الليل يغلب النهار بنوره و سيظهر لك أيدك الله عند ذكرها ما تعرف به حقيقة أمرها و تستدل به على شرف قدرها .

[376]
فصل : في ذكر مناقب شتى و أحاديث متفرقة أوردها الرواة و المحدثون
في ذكر مناقب شتى و أحاديث متفرقة أوردها الرواة و المحدثون و أخبار و آثار دالة على ما نحن بصدده من ذكر فضله .

من كفاية الطالب عن وهب بن منبه عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) ما بعثت عليا في سرية إلا رأيت جبرئيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره و السحابة تظله حتى يرزقه الله الظفر .

و من الكتاب المذكور عن الإمام علي بن موسى الرضا عن آبائه (عليهم السلام) عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا كان يوم القيامة نوديت من بطنان العرش نعم الأب أبوك إبراهيم خليل الرحمن و نعم الأخ أخوك علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و منه عن ابن أبي ليلى الغفاري قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه أول من آمن بي و أول من يصافحني يوم القيامة و هو معي في السماء العليا و هو الفاروق بين الحق و الباطل .

قال هذا حديث صحيح حسن عال .

رواه الحافظ في أماليه قال أبو علي الكوكبي عن أبي السمري عن عوانة بن الحكم عن أبي صالح قال : ذكر علي
[377]
بن أبي طالب (عليه السلام) عند عائشة و ابن عباس حاضر فقالت عائشة كان من أكرم رجالنا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ابن عباس و أي شي‏ء يمنعه عن ذاك اصطفاه الله بنصرة رسول الله و أرضاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأخوته و اختاره لكريمته و جعله أبا ذريته و وصيه من بعده فإن ابتغيت شرفا فهو في أكرم منبت و أورق عود و إن أردت إسلاما فأوفر بحظه و أجزل بنصيبه و إن أردت شجاعة فبهمة حرب و قاضية حتم يصافح السيوف أنسا لا يجد لموقعها حسا و لا ينهنه نعنعة و لا تقله الجموع الله ينجده و جبرئيل يرفده و دعوة الرسول تعضده أحد الناس لسانا و أظهرهم بيانا و أصدعهم بالثواب في أسرع جواب عظته أقل من عمله و عمله يعجز عنه أهل دهره فعليه رضوان الله و على مبغضيه لعائن الله .

و نقلت من أمالي الطوسي : أن عبد الرحمن بن أبي ليلى قام إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال يا أمير المؤمنين إني سائلك لآخذ عنك و لقد انتظرنا أن تقول من أمرك شيئا فلم تقله أ لا تحدثنا عن أمرك هذا كان بعهد من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو شي‏ء رأيته أنت فإنا قد أكثرنا فيك الأقاويل و أوثقه عندنا ما نقلناه عنك و سمعناه من فيك إنا كنا نقول لو رجعت إليكم بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) لم ينازعكم فيها أحد و الله ما أدري إذا سئلت ما أقول أ زعم أن القوم كانوا أولى بما كانوا فيه منك فإن قلت ذلك فعلام نصبك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد حجة الوداع فقال أيها الناس من كنت مولاه فعلي مولاه و إن تك أولى منهم بما كانوا فيه فعلام نتولاهم ?

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) يا عبد الرحمن إن الله تعالى قبض نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنا يوم قبضه أولى بالناس مني بقميصي هذا و قد كان من نبي الله إلي عهد لو خزمتموني بأنفي لأقررت سمعا لله و طاعة و إن أول ما انتقصنا بعده إبطال حقنا في
[378]
الخمس فلما رق أمرنا طمعت ريعان من قريش فينا و قد كان لي على الناس حق لو ردوه إلي عفوا قبلته و قمت فيه إلى أجل معلوم و كنت كرجل له على الناس حق إلى أجل فإن عجلوا له ماله أخذه و حمدهم عليه و إن أخروه أخذه غير محمودين و كنت كرجل يأخذ السهولة و هو عند الناس محزن و إنما يعرف الهدى بقلة من يأخذه من الناس و إذا سكت فاعفوني فإنه لو جاء أمر تحتاجون فيه إلى الجواب أجبتكم فكفوا عني ما كففت عنكم فقال عبد الرحمن يا أمير المؤمنين فأنت لعمرك كما قال الأول :

لعمري لقد أيقظت من كان نائما *** و أسمعت من كانت له أذنان

و عن الأصبغ بن نباتة قال : إن أمير المؤمنين (عليه السلام) خطب ذات يوم فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال أيها الناس اسمعوا مقالتي و عوا كلامي إن الخيلاء من التجبر و النخوة من التكبر و إن الشيطان عدو حاضر يعدكم الباطل ألا إن المسلم أخو المسلم فلا تنابزوا و لا تخاذلوا فإن شرائع الدين واحدة و سبله قاصدة من أخذ بها لحق و من تركها مرق و من فارقها محق ليس المسلم بالخائن إذا اؤتمن و لا بالمخلف إذا وعد و لا بالكذوب إذا نطق نحن أهل بيت الرحمة و قولنا الحق و فعلنا القسط و منا خاتم النبيين و فينا قادة الإسلام و أمناء الكتاب ندعوكم إلى الله و رسوله و إلى جهاد عدوه و الشدة في أمره و ابتغاء رضوانه و إلى إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و حج البيت و صيام شهر رمضان و توفير الفي‏ء لأهله ألا و إن أعجب العجب أن معاوية بن أبي سفيان الأموي و عمرو بن العاص
[379]
السهمي يحرضان الناس على طلب الدين بزعمهما و إني و الله لم أخالف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قط و لم أعصه في أمر قط أقيه بنفسه في المواطن التي تنكص فيها الأبطال و ترعد منها الفرائص بقوة أكرمني الله بها فله الحمد و لقد قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و إن رأسه لفي حجري و لقد وليت غسله بيدي تقلبه الملائكة المقربون معي و ايم الله ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر باطلها على حقها إلا ما شاء الله .

و عن سعيد بن المسيب قال : سمعت رجلا سأل عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له ابن عباس إن عليا صلى القبلتين و بايع البيعتين و لم يعبد صنما و لا وثنا و لم يضرب على رأسه بزلم و لا قدح ولد على الفطرة و لم يشرك بالله طرفة عين فقال الرجل إني لم أسألك عن هذا إنما أسألك عن حمله سيفه على عاتقه يختال به حتى أتى البصرة فقتل بها أربعين ألفا ثم سار إلى الشام فلقي حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتى قتلهم ثم أتى النهروان و هم مسلمون فقتلهم عن آخرهم فقال له ابن عباس أ علي أعلم عندك أم أنا فقال لو كان علي أعلم عندي منك ما سألتك قال فغضب ابن عباس حتى اشتد غضبه ثم قال ثكلتك أمك علي علمني و كان علمه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و رسول الله علمه من الله من فوق عرشه فعلم النبي من الله و علم علي من النبي و علمي من علم علي و علم أصحاب محمد كلهم في علم علي كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر .

و عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما قبض الله نبيا حتى أمره أن يوصي إلى أفضل عشيرته من عصبته و أمرني أن أوصي فقلت إلى من يا رب فقال أوص يا محمد إلى ابن عمك علي بن أبي طالب فإني
[380]
قد أثبته في الكتب السابقة و كتبت فيها أنه وصيك و على ذلك أخذت ميثاق الخلائق و مواثيق أنبيائي و رسلي أخذت مواثيقهم لي بالربوبية و لك يا محمد بالنبوة و لعلي بن أبي طالب بالولاية .

و من أمالي الطوسي عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول أعطاني الله تبارك و تعالى خمسا و أعطى عليا خمسا أعطاني جوامع الكلم و أعطى عليا جوامع العلم ; و جعلني نبيا و جعله وصيا ; و أعطاني الكوثر و أعطاه السلسبيل ; و أعطاني الوحي و أعطاه الإلهام ; و أسرى بي إليه و فتح له أبواب السماء و الحجب حتى نظر إلي و نظرت إليه .

ثم بكى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ; فقلت : ما يبكيك فداك أبي و أمي ?

فقال : يا ابن عباس , إن أول ما كلمني به أن قال يا محمد انظر تحتك فنظرت إلى الحجب قد انخرقت و إلى أبواب السماء قد فتحت و نظرت إلى علي و هو رافع رأسه إلي فكلمني و كلمته و كلمني ربي عز و جل .

فقلت : يا رسول الله , بم كلمك ربك ?

قال : قال لي يا محمد إني جعلت عليا وصيك و وزيرك و خليفتك من بعدك فأعلمه بها فها هو يسمع كلامك فأعلمته و أنا بين يدي ربي عز و جل .

فقال لي : قد قبلت و أطعت .

فأمر الله الملائكة أن تسلم عليه ; ففعلت فرد عليهم السلام .

و رأيت الملائكة يتباشرون به , وما مررت بملإ منهم إلا هنئوني و قالوا يا محمد و الذي بعثك بالحق لقد دخل السرور على جميع الملائكة باستخلاف الله عز و جل لك ابن عمك .

و رأيت حملة العرش و قد نكسوا رءوسهم فسألت جبرئيل (عليه السلام) فقال إنهم استأذنوا الله في النظر إليه فأذن لهم فلما هبطت الأرض جعلت أخبره بذلك و هو يخبرني فعلمت أني لم أطأ موطئا إلا و قد كشف لعلي عنه .

قال ابن عباس , فقلت : يا رسول الله أوصني .

فقال : عليك بحب علي بن أبي طالب .

قلت : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصني .

قال :عليك بمودة علي بن أبي طالب ; و الذي بعثني بالحق نبيا إن الله لا يقبل من عبد حسنة حتى يسأله عن حب علي بن أبي طالب و هو تعالى أعلم فإن جاءه بولايته قبل عمله على ما كان فيه و إن لم يأته بولايته لم يسأله عن شي‏ء و أمر به إلى النار ; يا ابن عباس و الذي بعثني بالحق نبيا إن النار لأشد غضبا على مبغض علي منها على من
[381]
زعم أن لله ولدا ; يا ابن عباس لو أن الملائكة المقربين و الأنبياء المرسلين اجتمعوا على بغضه و لن يفعلوا لعذبهم الله بالنار .

قلت : يا رسول الله و هل يبغضه أحد ?

فقال : يا ابن عباس نعم يبغضه قوم يذكرون أنهم من أمتي لم يجعل الله لهم في الإسلام نصيبا ; يا ابن عباس إن من علامة بغضهم له تفضيل من هو دونه عليه ; و الذي بعثني بالحق نبيا ما خلق الله نبيا أكرم عليه مني و لا وصيا أكرم عليه من وصيي علي .

قال ابن عباس : فلم أزل له كما أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و وصاني بمودته و إنه لأكبر عملي عندي .

قال ابن عباس : ثم مضى من الزمان ما مضى و حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الوفاة و حضرته , فقلت له : فداك أبي و أمي يا رسول الله قد دنا أجلك فما تأمرني ?

فقال : يا ابن عباس خالف من خالف عليا , و لا تكونن لهم ظهيرا و لا وليا .

قلت : يا رسول الله فلم لا تأمر الناس بترك مخالفته ?

قال : فبكى (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى أغمي عليه , وثم قال : يا ابن عباس سبق الكتاب فيهم و علم ربي و الذي بعثني بالحق نبيا لا يخرج أحد ممن خالفه من الدنيا و أنكر حقه حتى يغير الله ما به من نعمة ; يا ابن عباس إذا أردت أن تلقى الله و هو عنك راض فاسلك طريقة علي بن أبي طالب و مل معه حيث ما مال و ارض به إماما و عاد من عاداه و وال من والاه يا ابن عباس احذر أن يدخلك شك فيه فإن الشك في علي كفر بالله .

و عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : لما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بطن قديد قال لعلي (عليه السلام) يا علي إني سألت الله عز و جل أن يوالي بيني و بينك ففعل و سألته أن يؤاخي بيني و بينك ففعل و سألته أن يجعلك وصيي ففعل فقال رجل من القوم و الله لصاع من تمر في شن بال خير مما سأل محمد ربه هلا سأله ملكا يعضده أو كنزا يستعين به على فاقته فأنزل الله تعالى فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَ اللَّهُ
[382]
عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَكِيلٌ .

و عن حبش بن المعتمر قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقلت السلام عليك يا أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته كيف أمسيت قال أمسيت محبا لمحبنا و مبغضا لمبغضنا و أمسى محبنا مغتبطا برحمة من الله كان ينتظرها و أمسى و عدونا يؤسس بنيانه على شفا جرف هار فكان قد أنهار به في نار جهنم و كان أبواب الرحمة قد فتحت لأهلها فهنيئا لأهل الرحمة رحمتهم و التعس لأهل النار و النار لهم يا حبش من سره أن يعلم أ محب هو لنا أم مبغض فليمتحن قلبه فإن كان يحب وليا لنا فليس بمبغض لنا و إن كان يبغض ولينا فليس بمحب لنا إن الله أخذ الميثاق لمحبنا بمودتنا و كتب في الذكر الحكيم اسم مبغضنا نحن النجباء و أفراطنا أفراط الأنبياء .

الأفراط السابقون إلى الماء و في الحديث أنا فرطكم إلى الحوض أي سابقكم و منه يقال للطفل الميت اللهم اجعله لنا فرطا أي أجرا يتقدمنا .

و عن المنهال بن عمرو قال أخبرني رجل من تميم قال : كنا مع علي (عليه السلام) بذي قار و نحن نرى أنا سنتخطف في يومنا فسمعته يقول و الله لنظهرن على هذه الفرقة و لنقتلن هذين الرجلين يعني طلحة و الزبير و لنستبيحن عسكرهما .

قال التميمي فأتيت عبد الله بن العباس فقلت أ ما ترى إلى ابن عمك و ما يقول ?

فقال : لا تعجل حتى تنظر ما يكون فلما كان من أمر البصرة ما كان أتيته فقلت لا أرى ابن عمك إلا قد صدق فقال ويحك إنا كنا نتحدث أصحاب النبي ص أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إليه ثمانين عهدا لم يعهد شيئا منها إلى أحد غيره فلعل هذا مما عهد إليه .

[383]
و عن وائلة الكناني قال : سمعت أمير المؤمنين ع يقول ; إن أخوف ما أخاف عليكم طول الأمل و اتباع الهوى فأما طول الأمل فينسي الآخرة و أما اتباع الهوى فيصد عن الحق ألا و إن الدنيا قد ولت مدبرة و الآخرة قد أقبلت مقبلة و لكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة و لا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل و لا حساب و الآخرة حساب و لا عمل .

و عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن جبرئيل (عليه السلام) نزل علي و قال إن الله يأمرك أن تقوم بتفضيل علي بن أبي طالب خطيبا على أصحابك ليبلغوا من بعدهم ذلك و يأمر جميع الملائكة أن تسمع ما تذكره و الله يوحي إليك يا محمد أن من خالفك في أمره فله النار و من أطاعك فله الجنة فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مناديا فنادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس و خرج حتى علا المنبر فكان أول ما تكلم به أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال أيها الناس أنا البشير و أنا النذير و أنا النبي الأمي إني مبلغكم عن الله عز و جل في أمر رجل لحمه من لحمي و دمه من دمي و هو عيبة العلم و هو الذي انتجبه الله من هذه الأمة و اصطفاه و هداه و تولاه و خلقني و إياه و فضلني بالرسالة و فضله بالتبليغ عني و جعلني مدينة العلم و جعله الباب و جعله خازن العلم و المقتبس منه الأحكام و خصه بالوصية و أبان أمره و خوف من عداوته و أزلف من والاه و غفر لشيعته و أمر الناس جميعا بطاعته و إنه عز و جل يقول من عاداه فقد عاداني و من والاه فقد والاني و من ناصبه ناصبني و من خالفه خالفني و من عصاه عصاني و من آذاه آذاني و من أبغضه أبغضني و من أحبه أحبني و من أراده أرادني و من كاده كادني و من نصره نصرني يا أيها الناس اسمعوا لما أمركم به و أطيعوه فإني أخوفكم عقاب الله يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذركم الله نفسه ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فقال معاشر الناس هذا مولى المؤمنين و
[384]
حجة الله على الخلق أجمعين و المجاهد للكافرين اللهم إني قد بلغت و هم عبادك و أنت قادر على صلاحهم فأصلحهم برحمتك يا أرحم الراحمين أستغفر الله لي و لكم و نزل .

فأتاه جبرئيل (عليه السلام) فقال إن الله يقرئك السلام و يقول جزاك الله خيرا عن تبليغك فقد بلغت رسالات ربك و نصحت لأمتك و أرضيت المؤمنين و أرغمت الكافرين يا محمد إن ابن عمك مبتلى و مبتلى به يا محمد قل في كل أوقاتك الحمد لله رب العالمين و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

و عن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عن علي (عليه السلام) قال : كان لي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عشر لم يعطاهن أحد قبلي قال لي يا علي أنت أخي في الدنيا و معي في الآخرة و أنت أقرب الناس مني موقفا يوم القيامة و منزلي و منزلك في الجنة متواجهان كمنزل الأخوين و أنت الوصي و أنت الولي و أنت الوزير عدوك عدوي و عدوي عدو الله و وليك وليي و وليي ولي الله .

عن علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم (عليه السلام) فرحوا و استبشروا و إذا ذكر عندهم آل محمد اشمأزت قلوبهم و الذي نفس محمد بيده لو أن عبدا جاء يوم القيامة بعمل سبعين نبيا ما قبل الله ذلك منه حتى يلقاه بولايتي و ولاية أهل بيتي .

و عن أبي وجزة السعدي عن أبيه قال : أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الحسن بن علي (عليه السلام) و قال فيما أوصى به إليه :

يا بني لا فقر أشد من الجهل و لا عدم أعدم من عدم العقل و لا وحشة أوحش من العجب و لا حسب كحسن الخلق و لا ورع كالكف عن محارم الله و لا عبادة كالتفكر في صنعة الله يا بني العقل خليل المرء و الحلم وزيره و الرفق والده و الصبر من خير جنوده يا بني إنه لا بد للعاقل أن ينظر في شأنه فليحفظ لسانه و ليعرف أهل زمانه
[385]
يا بني إن من البلاء الفاقة و أشد من ذلك مرض البدن و أشد من ذلك مرض القلب و إن من النعم سعة المال و أفضل من ذلك صحة البدن و أفضل من ذلك تقوى القلوب يا بني للمؤمن ثلاث ساعات ساعة يناجي فيها ربه و ساعة يحاسب فيها نفسه و ساعة يخلي فيها بين نفسه و لذتها فيما يحل و يحمل و ليس للمؤمن بد من أن يكون شاخصا في ثلاث مرمة لمعاش أو خطوة لمعاد أو لذة في غير محرم .

و عن ميثم التمار رحمه الله و قد تقدم مثله و كان هذا الحديث أبسط فذكرته قال : تمسينا ليلة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لنا ليس من عبد امتحن الله قلبه للإيمان إلا أصبح يجد مودتنا على قلبه و لا أصبح عبد ممن سخط الله عليه إلا يجد بغضنا على قلبه و أصبحنا نفرح بحب المحب لنا و نعرف بغض المبغض لنا و أصبح محبنا مغتبطا بحبنا برحمة من الله ينتظرها كل يوم و أصبح مبغضنا يؤسس بنيانه على شفا جرف هار فكان ذلك الشفا قد أنهار به في نار جهنم و كان أبواب الرحمة قد فتحت لأهل الرحمة فهنيئا لهم رحمتهم و تعسا لأهل النار و مثواهم إن عبدا لن يقصر في حبنا لخير جعله الله في قلبه و لن يحبنا من يحب مبغضنا إن ذلك لا يجتمع في قلب واحد و ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه يحب بهذا قوما و يحب بالآخر عدوهم و الذي يحبنا فهو يخلص حبنا كما يخلص الذهب الذي لا غش فيه نحن النجباء و أفراطنا أفراط الأنبياء و أنا وصي الأوصياء و أنا حزب الله و رسوله و الفئة الباغية حزب الشيطان فمن أحب أن يمتحن حاله في حبنا فليمتحن قلبه فإن وجد فيه حب من ألب علينا فليعلم أن الله عدوه و جبرئيل و ميكائيل و الله عدو للكافرين .

و عن أبي سخيلة قال : حججت أنا و سلمان فمررنا بالربذة و جلسنا إلى أبي
[386]
ذر الغفاري رحمه الله فقال لنا أما إنه سيكون بعدي فتنة و لا بد منها فعليكم بكتاب الله و الشيخ علي بن أبي طالب فالزموهما فإني أشهد على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أني سمعته و هو يقول علي أول من آمن بي و أول من صدقني و أول من يصافحني يوم القيامة و هو الصديق الأكبر و هو فاروق هذه الأمة يفرق بين الحق و الباطل و هو يعسوب المؤمنين و المال يعسوب المنافقين .

و عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : لما نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بطن قديد قال لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) يا علي إني سألت الله عز و جل أن يوالي بيني و بينك ففعل و سألته أن يؤاخي بيني و بينك ففعل و سألته أن يجعلك وصيي ففعل فقال رجل من القوم و الله لصاع من تمر في شن بال خير مما قد سأل محمد ربه هلا سأله ملكا يعضده على عدوه أو كنزا يستعين به على فاقته فأنزل الله تعالى فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَكِيلٌ .

و عن المنهال بن عمرو قال : أخبرني رجل من تميم قال كنا مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) بذي قار و نحن نرى أنا سنخطف في يومنا فسمعته يقول و الله لنظهرن على هذه الفرقة و لنقتلن هذين الرجلين يعني طلحة و الزبير و لنستبيحن عسكرهما قال التميمي فأتيت ابن عباس فقلت أ لا ترى إلى ابن عمك و ما يقول فقال لا تعجل حتى تنظر ما يكون فلما كان من أمر البصرة ما كان أتيته فقلت لا أرى ابن عمك إلا قد صدق قال ويحك إنا كنا نتحدث أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عهد إليه ثمانين عهدا لم يعهد شيئا منها إلى أحد غيره فلعل هذا مما عهد إليه .

و عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن جبرئيل نزل علي و قال إن الله يأمرك أن تقوم الساعة بتفضيل علي بن أبي طالب (عليه السلام) خطيبا على أصحابك ليبلغوا من بعدهم ذلك عنك و يأمر جميع الملائكة أن تسمع ما تذكره و الله يوحي إليك يا محمد أن من خالفك
[387]
في أمره فله النار و من أطاعك فله الجنة فأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مناديا فنادى بالصلاة جامعة فاجتمع الناس و خرج حتى علا المنبر فكان أول ما تكلم به أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال يا أيها الناس أنا البشير و أنا النذير و أنا النبي الأمي إني مبلغكم عن الله عز و جل في أمر رجل لحمه من لحمي و دمه من دمي و هو عيبة العلم و هو الذي انتجبه الله من هذه الأمة و اصطفاه و هداه و تولاه و خلقني و إياه و فضلني بالرسالة و فضله بالتبليغ عني و جعلني مدينة العلم و جعله الباب و جعله خازن العلم و المقتبس منه الأحكام و خصه بالوصية و أبان أمره و خوف من عداوته و أزلف من والاه و غفر لشيعته و أمر الناس جميعا بطاعته و إنه عز و جل يقول من عاداه عاداني و من والاه والاني و من ناصبه ناصبني و من خالفه خالفني و من عصاه عصاني و من آذاه آذاني و من أبغضه أبغضني و من أحبه أحبني و من أراده أرادني و من كاده كادني و من نصره نصرني يا أيها الناس اسمعوا لما أمركم به و أطيعوا فإني أخوفكم عقاب الله يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا و يحذركم الله نفسه ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فقال معاشر الناس هذا مولى المؤمنين و حجة الله على الخلق أجمعين و المجاهد للكافرين اللهم إني قد بلغت و هم عبادك و أنت القادر على صلاحهم فأصلحهم برحمتك يا أرحم الراحمين أستغفر الله لي و لكم ثم نزل عن المنبر فأتاه جبرئيل ع فقال يا محمد إن الله يقرئك السلام و يقول جزاك الله عن تبليغك خيرا فقد بلغت رسالات ربك و نصحت لأمتك و أرضيت المؤمنين و أرغمت الكافرين يا محمد إن ابن عمك مبتلى و مبتلى به يا محمد قل في كل أوقاتك الحمد لله رب العالمين و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .

و قد تقدمت الرواية آنفا .

و عن عياض بن عياض عن أبيه قال : مر علي بن أبي طالب (عليه السلام) بملإ فيهم
[388]
سلمان رحمة الله عليه فقال لهم سلمان قوموا فخذوا بحجزة هذا فو الله لا يخبركم بسر نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم ) أحد غيره .

و عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) : ما ثبت الله حب علي بن أبي طالب في قلب أحد فزلت له قدم إلا ثبتت له قدم أخرى .

و عن زاذان قال : سمعت سلمان رحمه الله يقول لا أزال أحب عليا (عليه السلام) فإني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يضرب فخذه و يقول محبك لي محب و مبغضك لي مبغض و مبغضي لله تعالى مبغض الحديث ذو شجون .

قيل لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ما أكثر ما تذكر سلمان الفارسي فقال لا تقولوا الفارسي و قولوا المحمدي إن ذكري له لثلاث خصال أحدها إيثاره هوى أمير المؤمنين على هوى نفسه و الثانية حبه للفقراء و اختياره إياهم على أهل الثروة و العدد و الثالثة حبه للعلم و العلماء إن سلمان كان عبدا صالحا حنيفا مسلما و ما كان من المشركين .

و عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال : جلس جماعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ينتسبون و يفتخرون و فيهم سلمان رحمه الله فقال له عمر ما نسبك أنت يا سلمان و ما فضلك فقال أنا سلمان بن عبد الله كنت ضالا فهداني الله بمحمد (عليه السلام) و كنت عائلا فأغناني الله بمحمد و كنت مملوكا فأعتقني الله بمحمد (عليه السلام) فهذا حسبي و نسبي يا عمر ثم خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكر له سلمان ما قال عمر و ما أجابه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا معشر قريش إن حسب المرء دينه و مروته خلقه و فضله عقله قال الله تعالى يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ ثم أقبل على سلمان رحمه الله فقال له يا سلمان إنه ليس لأحد من هؤلاء عليك فضل إلا بتقوى الله عز و جل فمن كنت أتقى منه فأنت أفضل منه .

[389]
أقول إن فضل سلمان مشهور معلوم و مكانه من علو المكانة و الزهادة مفهوم و لو لا الخروج عن عرض هذا الكتاب لذكرت من فضله ما يشهد بنبله و لأمللت من مناقبه ما يؤذن باعتلاء مراتبه التي أغنته عن مناصبه و أنت لو فكرت لعلمت و رأيت أنه يكفيه نسبا .

قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : سلمان منا أهل البيت .

و إن مد الله في الأجل و فسح في رقعة المهل فسوف أفرد كتابا في فضل أصحاب علي (عليه السلام) من فضل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنبه فيه على شرف محلهم المرفوع و أبين أنه لا بد من مشابهة ما بين التابع و المتبوع .

و عن سلمان رحمه الله قال : بايعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على النصح للمسلمين و الائتمام بعلي بن أبي طالب و الموالاة له .

و عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) : أن الله تعالى ضمن للمؤمن ضمانا قال قلت و ما هو قال ضمن له أن أقر لله بالربوبية و لمحمد (عليه السلام) بالنبوة و لعلي (عليه السلام) بالإمامة و أدى ما افترض الله عليه أن يسكنه في جواره قال قلت هذه و الله هي الكرامة التي لا تشبهها كرامة الآدميين ثم قال أبو عبد الله اعملوا قليلا تنعموا كثيرا .

و عنه (عليه السلام) في قول الله عز و جل وَ عَلاماتٍ وَ بِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ قال النجم هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و العلامات الأئمة من بعده (عليه السلام) .

و عن علي الرضا عن أبيه موسى عن أبيه جعفر عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه الحسين عن أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي و قاتلهم و على المعترض عليهم و الساب لهم أولئك لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم .

و عن علي (عليه السلام) قال : و الله لأذودن بيدي هاتين القصيرتين عن حوض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعداءنا و ليردنه أحباؤنا .

و عنه (عليه السلام) قال من أحبني رآني يوم القيامة حيث يحب و من أبغضني رآني يوم القيامة حيث يكره .

[390]
و عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول أعطاني الله خمسا و أعطى عليا خمسا أعطاني جوامع الكلم و أعطى عليا جوامع العلم و جعلني نبيا و جعله وصيا و أعطاني الكوثر و أعطى عليا السلسبيل و أعطاني الوحي و أعطى عليا الإلهام و أسرى بي إليه و فتح له أبواب السماء حتى رأى ما رأيت و نظر إلى ما نظرت ثم قال يا ابن عباس من خالف عليا فلا تكونن ظهيرا له و لا وليا فو الذي بعثني بالحق نبيا ما يخالفه أحد إلا غير الله ما به من نعمة و شوه خلقه قبل إدخاله النار يا ابن عباس لا تشك في علي فإن الشك فيه كفر يخرج عن الإيمان و يوجب الخلود في النار .

و عن جابر بن عبد الله قال : أتيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت يا رسول الله من وصيك قال فأمسك عني عشرا لا يجيبني ثم قال يا جابر أ لا أخبرك عما سألتني فقلت بأبي أنت و أمي أما و الله لقد سكت عني حتى ظننت أنك وجدت علي فقال ما وجدت عليك يا جابر و لكني كنت أنتظر ما يأتيني من السماء فأتاني جبرئيل (عليه السلام) فقال يا محمد إن ربك يقول لك إن علي بن أبي طالب وصيك و خليفتك على أهلك و أمتك و الذائد عن حوضك و هو صاحب لوائك يقدمك إلى الجنة فقلت يا نبي الله أ رأيت من لا يؤمن بهذا أقتله قال نعم يا جابر ما وضع هذا الموضع إلا ليتابع عليه فمن تابعه كان معي غدا و من خالفه لم يرد علي الحوض أبدا .

و عن أبي ذر قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قد ضرب على كتف علي بن أبي طالب ع بيده و قال يا علي من أحبنا فهو العربي و من أبغضنا فهو العلج و شيعتنا هم أهل البيوتات و المعادن و الشرف و من كان مولده صحيحا و ما على ملة إبراهيم إلا نحن و شيعتنا و سائر الناس منها براء و إن لله ملائكة يهدمون سيئات شيعتنا كما يهدم القوم البنيان .

[391]
و عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما أسري بي إلى السماء و انتهيت إلى السدرة المنتهى نوديت يا محمد استوص بعلي خيرا فإنه سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين يوم القيامة .

و عنه عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال أمير المؤمنين (عليه السلام) على منبر الكوفة أيها الناس إنه كان لي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) عشر خصال لهن أحب إلي مما طلعت عليه الشمس قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي أنت أخي في الدنيا و الآخرة و أنت أقرب الخلائق إلي يوم القيامة في الموقف بين يدي الجبار و منزلك في الجنة مواجه منزلي كما يتواجه منازل الإخوان في الله عز و جل و أنت الوارث مني و أنت الوصي من بعدي في عداتي و أسرتي و أنت الحافظ لي في أهلي عند غيبتي و أنت الإمام لأمتي و القائم بالقسط في رعيتي و أنت وليي و وليي ولي الله و عدوك عدوي و عدوي عدو الله .

و عن الأصبغ بن نباتة قال : جاء رجل إلى علي (عليه السلام) فقال يا أمير المؤمنين هؤلاء القوم الذين تقاتلهم الدعوة واحدة و الرسول واحد و الصلاة واحدة و الحج واحد فبم نسميهم قال سمهم بما سماهم الله تعالى في كتابه فقال ما كل ما في الكتاب أعلمه قال أ ما سمعت الله يقول في كتابه تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله عز و جل و بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و بالكتاب و بالحق فنحن الذين آمنوا و هم الذين كفروا و شاء الله قتالهم بمشيئته و إرادته .

و قد أحسن السيد الحميري رحمه الله في قوله :

أقسم بالله و آلائه *** و المرء عما قال مسئول

‏إن علي بن أبي طالب *** على التقى و البر مجبول

[392]
و إنه كان الإمام الذي *** له على الأمة تفضيل

‏يقول بالحق و يعني *** به و لا تلهيه الأباطيل

‏كان إذا الحرب مرتها القنا *** و أحجمت عنها البهاليل

‏يمشي إلى القرن و في كفه *** أبيض ماضي الحد مصقول

‏مشي العفرنى بين أشباله *** أبرزه للقنص الغيل

‏ذاك الذي سلم في ليلة *** عليه ميكال و جبريل

‏ميكال في ألف و جبريل *** في ألف و يتلوهم سرافيل

‏ليلة بدر مددا أنزلوا *** كأنهم طير أبابيل

‏فسلموا لما أتوا نحوه *** و ذاك إعظام و تبجيل

يقال مرت الريح السحاب إذا استدرته يريد أن القنا تستدر الحرب و البهلول الضحاك و لعله لشجاعته و بسالته لا يكترث بالحرب فيتبسم في الحالة التي تقطب فيها الرجال لخوف الحرب كما قال أبو الطيب :

تمر بك الأبطال كلمى هزيمة *** و وجهك وضاح و ثغرك باسم

و العفرنى الأسد و هو فعلني و الغيل بالكسر الأجمة و بيت الأسد مثل الخميس و الجمع غيول و قال الأصمعي الغيل الشجر الملتف و أبابيل جماعات متفرقة و يجي‏ء بمعنى التكثير و هو من الجمع الذي لا واحد له و قال بعضهم واحده أبول مثل عجول و قيل أبيل قال و لم أجد العرب تعرف له واحدا .

[393]
و عن علي بن الحسين عن آبائه (عليهم السلام) قال : لما رجع علي (عليه السلام) من وقعة الجمل اجتاز بالزوراء فقال للناس إنها الزوراء فسيروا و جنبوا عنها فإن الخسف أسرع إليها من الوتد في النخالة .

فلما أتى موضعا من أرضها قال ما هذه الأرض قيل أرض بحرا فقال أرض سباخ جنبوا و يمنوا .

فلما أتى يمنة السواد إذا هو براهب في صومعة له ; فقال له : يا راهب , أنزل هاهنا ?

فقال له الراهب : لا تنزل بجيشك هذه الأرض .

قال :و لم ?

قال : لأنه لا ينزلها إلا نبي أو وصي نبي بجيشه يقاتل في سبيل الله عز و جل , هكذا نجد في كتبنا .

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : فأنا وصي سيد الأنبياء و سيد الأوصياء ?

فقال له الراهب : فأنت إذا أصلع قريش وصي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : أنا ذلك .

فنزل الراهب إليه , فقال : خذ علي شرائع الإسلام ; إني وجدت في الإنجيل نعتك فإنك تنزل أرض براثا بيت مريم , و أرض عيسى (عليه السلام) .

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : قف و لا تخبرنا بشي‏ء .

ثم أتى موضعا فقال الكزوا هذا ; فلكزه (عليه السلام) فانبجست برجله عين خرارة , فقال : هذه عين مريم التي أنبعت لها .

ثم قال اكشفوا هاهنا , على سبعة عشرة ذراعا .

فكشف , و إذا بصخرة بيضاء .

فقال (عليه السلام) : على هذه الصخرة وضعت مريم عيسى من عاتقها , و صلت هاهنا .

فنصب أمير المؤمنين (عليه السلام) الصخرة و صلى عليها و أقام هناك أربعة أيام يتم الصلاة و جعل الحرم في خيمة من
[394]
الموضع ثم قال : أرض براثا هذا بيت مريم (عليها السلام) ; هذا الموضع المقدس صلى فيه الأنبياء .

قال أبو جعفر محمد بن علي (عليه السلام) : و لقد وجدنا أنه صلى فيه إبراهيم قبل عيسى (عليه السلام) .

قلت : أرض براثا هذه عند باب محول على قدر ميل أو أكثر من ذلك من بغداد و جامع براثا هناك و هو خراب و حيطانه باقية إلا شي‏ء منها دخلت و صليت فيه و تبركت به .

و عن زيد بن علي عن آبائه (عليهم السلام) عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي إن الله تبارك و تعالى أمرني أن أتخذك أخا و وصيا فأنت أخي و وصيي و خليفتي على أهلي في حياتي و بعد موتي من تبعك فقد تبعني و من تخلف عنك فقد تخلف عني و من كفر بك فقد كفر بي و من ظلمك فقد ظلمني يا علي أنا منك و أنت مني يا علي لو لا أنت ما قوتل أهل النهر قال فقلت يا رسول الله و من أهل النهر قال قوم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية .

و عن سويد بن غفلة قال : سمعت عليا (عليه السلام) يقول و الله لو صببت الدنيا على المنافق صبا ما أحبني و لو ضربت بسيفي هذا خيشوم المؤمن لأحبني و ذلك أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : يا علي لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق .

و عن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري عن أبيه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطيت في علي تسعا ثلاثا في الدنيا و ثلاثا في الآخرة و اثنتين أرجوهما له و واحدة أخافها عليه فأما الثلاثة التي في الدنيا فساتر عورتي و القائم بأمر أهلي و وصيي فيهم و أما الثلاثة التي في الآخرة فإني أعطى لواء الحمد يوم القيامة فأدفعه إليه فيحمله عني و أعتمد عليه في مقام الشفاعة و يعينني على حمل مفاتيح الجنة و أما اللتان أرجوهما له فإنه لا يرجع من بعدي
[395]
ضالا و لا كافرا و أما التي أخافها عليه فغدر قريش به من بعدي .

و عن أبي عبد الله العنزي قال : إنا لجلوس مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم الجمل إذ جاءه الناس يهتفون به يا أمير المؤمنين و قالوا لقد نالنا النبل و النشاب فتنكر ثم جاء آخرون فذكروا مثل ذلك و قالوا قد جرحنا فقال (عليه السلام) يا قوم من يعذرني من قوم يأمروني بالقتال و لم تنزل بعد الملائكة فقال إنا لجلوس ما نرى ريحا و لا نحسسها إذ هبت ريح طيبة من خلفنا و الله لوجدت بردها بين كتفي من تحت الدرع و الثياب فلما هبت صب أمير المؤمنين ع درعه ثم قام إلى القوم فما رأيت فتحا كان أسرع منه .

و عن جابر بن عبد الله قال : سمعت عليا (عليه السلام) ينشد و رسول الله يسمع :

أنا أخو المصطفى لا شك في نسبي *** معه ربيت و سبطاه هما ولدي

‏جدي و جد رسول الله منفرد *** و فاطم زوجتي لا قول ذي فند

فالحمد لله شكرا لا شريك له *** البر بالعبد و الباقي بلا أمد

قال فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال : صدقت يا علي .

و على أمثال هذا روي عن أبي عبد الله قال من زار أمير المؤمنين (عليه السلام) عارفا بحقه غير متجبر و لا متكبر كتب الله له أجر مائة ألف شهيد و غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر و بعث من الآمنين و هون عليه الحساب و استقبلته الملائكة فإذا انصرف شيعته إلى منزله فإن مرض عادوه و إن مات تبعوه بالاستغفار إلى قبره .

و عن زيد بن أرقم قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول بغدير خم إن الصدقة لا تحل لي و لا لأهل بيتي لعن الله من ادعى إلى غير أبيه لعن الله من تولى غير
[396]
مواليه الولد لصاحب الفراش و للعاهر الحجر و ليس لوارث وصية ألا و قد سمعتم مني و رأيتموني ألا من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ألا و إني فرط لكم على الحوض و مكاثر بكم الأمم يوم القيامة فلا تسودوا وجهي ألا لأستنقذن رجالا من النار و ليستنقذن من يدي أقوام إن الله مولاي و إني مولى كل مؤمن و مؤمنة ألا فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه .

و قال السيد الحميري :

إن امرأ خصمه أبو حسن *** لعازب الرأي داحض الحجج‏

لا يقبل الله منه معذرة *** و لا يلقيه حجة الفلج

و سئل أنس بن مالك : من كان آثر الناس عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما رأيت قال ما رأيت أحدا بمنزلة علي بن أبي طالب (عليه السلام) أن كان يبعث في جوف الليل إليه فيستخلي به حتى يصبح هذا كان له عنده حتى فارق الدنيا .

قال : و لقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو يقول يا أنس تحب عليا قلت و الله يا رسول الله إني لأحبه لحبك إياه فقال أما إنك إن أحببته أحبك الله و إن أبغضته أبغضك الله و إن أبغضك الله أولجك النار .

و عن أبي جعفر ع قال عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إن الله عهد إلي عهدا فقلت يا رب بينه لي قال اسمع قلت سمعت قال يا محمد إن عليا راية الهدى بعدك و إمام أوليائي و نور من أطاعني و هو الكلمة التي ألزمها الله المتقين فمن أحبه فقد أحبني و من أبغضه فقد أبغضني فبشره بذلك .

و عن ميثم التمار رحمه الله قال : سمعت عليا (عليه السلام) و هو يجود بنفسه يقول يا حسن فقال الحسن لبيك يا أبتاه فقال إن الله أخذ ميثاق أبيك على بغض كل منافق و فاسق و أخذ ميثاق كل منافق و فاسق على بغض أبيك .

[397]
و من أخبار ابن مهدي رواية أبي جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي رضي الله عنه عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول من زعم أنه آمن بي و بما جئت به و هو مبغض عليا فهو كاذب ليس بمؤمن .

و عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبل علي بن أبي طالب فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أتاكم أخي ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ثم قال و الذي نفسي بيده إن هذا و شيعته هم الفائزون يوم القيامة ثم قال إنه أولكم إيمانا معي و أوفاكم بعهد الله و أقومكم بأمر الله و أعدلكم في الرعية و أقسمكم بالسوية و أعظمكم عند الله مزية قال فنزل إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ و قال و كان أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أقبل علي قالوا قد جاء خير البرية .

و من أخبار أبي محمد الفحام رواية الطوسي عن أنس بن مالك عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إذا كان يوم القيامة و نصب الصراط على جهنم لم يجز عليه إلا من معه جواز فيه ولاية علي بن أبي طالب و ذلك قوله تعالى وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ يعني
[398]
عن ولاية علي بن أبي طالب (عليه السلام) .

و عنه عن سعيد بن حذيفة عن أبيه حذيفة قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول ما من عبد و لا أمة يموت و في قلبه مثقال حبة من خردل من حب علي إلا أدخله الله عز و جل الجنة .

و عنه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : قال أبي دفع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الراية يوم خيبر إلى علي (عليه السلام) ففتح الله عليه و وقفه يوم غدير خم فأعلم الناس أنه مولى كل مؤمن و مؤمنة و قال أنت مني و أنا منك و قال تقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل و قال له أنت مني بمنزلة هارون من موسى و قال له أنا سلم لمن سالمت و حرب لمن حاربت و قال له أنت العروة الوثقى و قال له أنت تبين لهم ما اشتبه عليهم بعدي و قال له أنت إمام كل مؤمن و مؤمنة بعدي و ولي كل مؤمن و مؤمنة بعدي و قال أنت الذي أنزل الله فيه وَ أَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ و قال له أنت الآخذ بسنتي و الذاب عن ملتي و قال له أنت أول من تنشق الأرض عنه و أنت معي و قال له أنا عند الحوض و أنت معي و قال له أنا أول من يدخل الجنة و أنت معي تدخلها و الحسن و الحسين و فاطمة و قال له إن الله أوحى إلي بأن أقوم بفضلك فقمت به في الناس و بلغتهم ما أمرني الله بتبليغه و قال له اتق الضغائن التي لك في صدور من لا يظهرها إلا بعد موتي أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون ثم بكى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل مم تبكي يا رسول الله فقال أخبرني جبرئيل (عليه السلام) أنهم يظلمونه و يمنعونه حقه و يقاتلونه و يقتلون ولده و يظلمونهم بعده و أخبرني جبرئيل عن الله عز و جل أن ذلك يزول إذا قام قائمها و علت كلمتهم و اجتمعت الأمة على محبتهم و كان الشانئ لهم قليلا و الكاره لهم ذليلا و كثر المادح لهم و ذلك حين تغير البلاد و ضعف العباد و الإياس من الفرج فعند ذلك يظهر القائم فيهم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اسمه كاسمي و اسم أبيه كاسم أبي هو من ولد ابنتي
[399]
يظهر الله الحق بهم و يخمد الباطل بأسيافهم و يتبعهم الناس بين راغب إليهم و خائف لهم قال و سكن البكاء عن رسول الله فقال معاشر المؤمنين أبشروا بالفرج فإن وعد الله لا يخلف و قضاؤه لا يرد و هو الحكيم الخبير و إن فتح الله قريب اللهم فإنهم أهلي فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا اللهم اكلأهم و ارعهم و كن لهم و انصرهم و أعنهم و أعزهم و لا تذلهم و اخلفني فيهم إنك على كل شي‏ء قدير .

و عن علي (عليه السلام) في قوله تعالى فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَ كَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ قال : الصدق ولايتنا أهل البيت .

و عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة المكرم لذريتي من بعدي و القاضي لهم حوائجهم و الساعي لهم في أمورهم عند اضطرارهم إليه و المحب لهم بقلبه و لسانه .

و عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال : أتى أمير المؤمنين علي (عليه السلام) سوق القميص فساوم شيخا منهم فقال يا شيخ بعني قميصا بثلاثة دراهم فقال حبا و كرامة فاشترى منه قميصا بثلاثة دراهم فلبسه ما بين الرسغين إلى الكعبين و أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم قال الحمد لله الذي رزقني من الرياش ما أتجمل به في الناس و أؤدي فيه فريضتي و أستر به عورتي فقال له رجل أ عنك تروي هذا أو شي‏ء سمعته قال بل شي‏ء سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقوله عند الكسوة .

و عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جده (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أراد التوسل إلي و أن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي و يدخل السرور عليهم .

[400]
و نقلت من أمالي الطوسي رحمه الله و قد تقدم قريب منه قال : بلغ أم سلمة أن عبدا لها ينتقص عليا (عليه السلام) و يتناوله فأحضرته و قالت يا بني سمعت عنك كذا و كذا فقال نعم فقالت اجلس ثكلتك أمك حتى أحدثك بحديث سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم اختر لنفسك إنه كانت ليلتي و يومي من رسول الله فأتيت الباب فقلت أدخل يا رسول الله فقال لا فكبوت كبوة شديدة مخافة أن يكون ردني من سخطه أو نزل في شي‏ء من السماء ثم جئت ثانية فجرى ما جرى في الأولى فأتيت الثالثة فأذن لي فقال ادخلي فدخلت و علي (عليه السلام) جاث بين يديه و هو يقول فداك أبي و أمي يا رسول الله إذا كان كذا و كذا فما تأمرني قال آمرك بالصبر فأعاد القول ثانية و هو يأمره بالصبر فأعاد الثالثة فقال يا علي إذا كان ذلك منهم فسل سيفك و ضعه على عاتقك و اضرب قدما قدما حتى تلقاني و سيفك شاهر يقطر من دمائهم ثم التفت (عليه السلام) إلي فقال ما هذه الكآبة يا أم سلمة قلت لما كان من ردك إياي يا رسول الله فقال و الله ما رددتك عن موجدة و إنك لعلى خير من الله و رسوله و لكن أتيتني و جبرئيل عن يميني و علي عن يساري و جبرئيل يخبرني بالأحداث التي تكون بعدي و أمرني أن أوصي بذلك عليا يا أم سلمة اسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب أخي في الدنيا و أخي في الآخرة يا أم سلمة اسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب وزيري في الدنيا و وزيري في الآخرة يا أم سلمة اسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب حامل لوائي في الدنيا و الآخرة و حامل لواء الحمد في الآخرة يا أم سلمة اسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب وصيي و خليفتي من بعدي و قاضي عداتي و الذائد عن حوضي يا أم سلمة اسمعي و اشهدي هذا علي بن أبي طالب سيد المسلمين و إمام المتقين و قائد الغر المحجلين و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين .

[401]
قلت يا رسول الله من الناكثون قال الذين يبايعونه بالمدينة و ينكثون بالبصرة قلت من القاسطون قال معاوية و أصحابه من أهل الشام قلت من المارقون قال أصحاب النهروان فقال مولى أم سلمة فرجت عني فرج الله عنك و الله لا سببت عليا أبدا .

قلت : أبعد الله هذا العبد و أبعد داره و لا قرب منزله و لا أدنى جواره لأنه حين كان مبغضا لأمير المؤمنين (عليه السلام) كان ذا عقيدة ذميمة و طريقة غير مستقيمة فلما عرف الصواب تاب عن سبه و لم يمل إلى صحبته و لا قال أعتقد ما يجب منه حبه و أكون معه و من حزبه و هل يرضى بذلك إلا من غطى الله على عينه و قلبه.

و رضي الله عن أم المؤمنين أم سلمة فلقد أدت الأمانة في مقالها و قدمت هذه الشهادة أمام ارتحالها عن الدنيا و انتقالها و ستجني رحمها الله و رضي عنها ثمرة أعمالها عند مآلها .

و عن القاسم بن أبي سعيد قال : أتت فاطمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فذكرت عنده ضعف الحال فقال أ ما تدرين ما منزلة علي عندي كفاني أمري و هو ابن اثنتي عشرة سنة و ضرب بين يدي بالسيف و هو ابن ست عشرة سنة و قتل الأبطال و هو ابن تسع عشرة سنة و فرج همومي و هو ابن عشرين سنة و رفع باب خيبر و هو ابن اثنتين و عشرين سنة و كان لا يرفعه خمسون رجلا قال فأشرق لون فاطمة و لم تقر قدماها على الأرض حتى أتت عليا (عليه السلام) فأخبرته فقال كيف و لو حدثك بفضل الله كله علي .

و عن أنس بن مالك قال : رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما مقبلا على علي بن أبي طالب و هو يتلو وَ مِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً فقال يا علي إن ربي عز و جل ملكني الشفاعة في أهل التوحيد من أمتي و حظر ذلك على من ناصبك أو ناصب ولدك من بعدك .

و عن علي (عليه السلام) قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أبا ذر من أحبنا أهل البيت فليحمد الله على أول النعم قال يا رسول الله و ما أول النعم قال طيب
[402]
الولادة إنه لا يحبنا أهل البيت إلا من طاب مولده .

عن ثابت مولى أبي ذر رحمه الله قال : شهدت مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم الجمل فلما رأيت عائشة واقفة دخلني من الشك بعض ما يدخل الناس فلما زالت الشمس كشف الله ذلك عني فقاتلت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم أتيت بعد ذلك أم سلمة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و رضي عنها فقصصت عليها قصتي فقالت كيف صنعت حيث طارت القلوب مطائرها قال قلت إلى أحسن ذلك و الحمد لله كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس فقاتلت مع أمير المؤمنين (عليه السلام) قتالا شديدا فقالت أحسنت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول علي مع القرآن و القرآن معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض .

و عن عمار بن ياسر رضي الله عنه و أبي رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أبو عبيدة و حدثنيه سنان بن أبي سنان أن هند بن هند بن أبي هالة الأسيدي حدثه عن أبيه هند بن أبي هالة ربيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أمه خديجة زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أخته لأمه فاطمة ص قال أبو عبيدة : و كان هؤلاء الثلاثة هند بن أبي هالة و أبو رافع و عمار بن ياسر يحدثون عن هجرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة و مبيته من قبل ذلك على فراشه .

قال و صدر هذا الحديث عن هند بن أبي هالة و اقتصاصه عن الثلاثة و قد دخل حديث بعضهم في بعض قالوا : كان الله عز و جل مما يمنع نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بعمه أبي طالب فما كان يخلص إليه من قومه أمر يسوؤه مدة حياته فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بغيتها و أصابته بعظيم من أذى حتى تركته لقى .

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أسرع ما وجدنا فقدك يا عم و صلتك رحم و جزيت خيرا يا عم .

ثم ماتت خديجة بعد أبي طالب بشهر و اجتمع بذلك على رسول الله حزنان حتى عرف ذلك فيه.

قلت و سمي تلك السنة عام الحزن.

[403]
قال هند ثم انطلق ذوو الطول و الشرف من قريش إلى دار الندوة ليرتئوا و يأتمروا في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أسروا ذلك بينهم و قالوا نبني له برجا نستودعه فيه فلا يخلص من الصباة إليه أحد ثم لا يزال في رنق من العيش حتى يأتيه المنون و أشار بذلك العاص بن وائل و أمية و أبي ابنا خلف فقال قائل كلا ما هذا لكم برأي و لئن صنعتم ذلك ليتمنون له الحدب و الحميم و المولى و الحليف ثم ليأتين المواسم في الأشهر الحرم بالأمن فلينتزعن من أنشوطتكم قولوا قولكم.

فقال عتبة و شيبة و شركهما أبو سفيان قالوا فإنا نرى أن نرحل له بعيرا صعبا و نوثق محمدا عليه كتافا و شدا ثم نخز البعير بأطراف الرماح فيوشك أن يقطعه بين الدكادك إربا إربا فقال صاحب رأيهم إنكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا أ رأيتم إن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق فأخذ بقلوبهم بسحره و بيانه و طلاقة لسانه فصبا القوم إليه و استجابت له القبائل و سار إليكم فأهلككم قولوا قولكم.

فقال أبو جهل لكن أرى أن تعمدوا إلى قبائلكم العشر فتنتدبوا من كل قبيلة منها رجلا نجدا و تبيتون ابن أبي كبشة فيذهب دمه في قبائل قريش جميعا فلا يستطيع قومه محاربة الناس فيرضون حينئذ بالعقل فقال صاحب رأيهم أصبت يا أبا الحكم.

قلت و قد ورد أن هذا الرأي أشار به إبليس عليهم و جاءهم في زي رجل من نجد.

[404]
قال فأوحى الله إلى نبيه بما كان من كيدهم و تلا عليه جبرئيل (عليه السلام) وَ إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ... الآية و أمره بالهجرة فدعا عليا (عليه السلام) لوقته فأخبره بما أوحي إليه و ما أمر به و أنه أمرني أن آمرك بالمبيت على فراشي أو على مضجعي ليخفى بمبيتك عليه أمري فما أنت قائل و صانع .

فقال علي (عليه السلام) أ و تسلم بمبيتي هناك يا نبي الله قال نعم فتبسم علي (عليه السلام) ضاحكا و أهوى إلى الأرض ساجدا شكرا لما أنبأه به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من سلامته و كان أول من سجد شكرا و أول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم رفع رأسه و قال امض لما أمرت به فداك سمعي و بصري و سويداء قلبي و مرني بما شئت أكن فيه كمسرتك واقع منه بحيث مرادك و إن توفيقي إلا بالله قال إني أخبرك يا علي أن الله يختبر أولياءه على قدر إيمانهم و منازلهم من دينه فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل و قد امتحنك الله يا ابن أم و امتحنني فيك بمثل ما امتحن الله به خليله إبراهيم و الذبيح إسماعيل فصبرا صبرا فإن رحمة الله قريب من المحسنين ثم ضمه النبي (عليه السلام) إلى صدره و بكى وجدا به و بكى علي (عليه السلام) حزنا لفراق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و استتبع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبا بكر بن أبي قحافة و هند بن أبي هالة و أمرهما أن ينتظراه بمكان عينه لهما من طريقه إلى الغار و لبث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكانه يوصي عليا و يأمره بالصبر و خرج في فحمة العشاء و الرصد من قريش قد طافوا بالدار ينتظرون أن ينتصف الليل و تنام الأعين فخرج و هو يقرأ وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا الآية و رماهم بقبضة من تراب فما شعروا به و مضى حتى انتهى إلى صاحبيه فنهضا معه و وصلوا إلى الغار و رجع هند إلى مكة بما أمره به النبي (عليه السلام) و دخل هو و أبو بكر إلى الغار.

[405]
فلما نامت الأعين أقبل القوم إلى علي قذفا بالحجارة و لا يشكون أنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى إذا برق الفجر و أشفقوا أن يفضحهم الصبح هجموا على علي (عليه السلام) و كانت دور مكة يومئذ بغير أبواب فلما بصر بهم علي قد انتضوا السيوف و أقبلوا يقدمهم خالد بن الوليد وثب به علي فختله و همز يده و أخذ سيفه و شد عليهم فأجفلوا فعرفوه و قالوا إنا لم نردك فما فعل صاحبك فقال لا علم لي فأذكت قريش عليه العيون و ركبت في طلبه الصعب و الذلول.

و لما اعتم علي انطلق هو و هند إلى الغار و أمر رسول الله هندا أن يبتاع له و لصاحبه بعيرين فقال أبو بكر قد كنت أعددت لي و لك يا رسول الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب فقال لا آخذهما إلا بالثمن قال هي لك يا رسول الله بذلك فأمر عليا فأقبضه الثمن و وصاه بحفظ ذمته و أداء أمانته و كانت قريش تدعو النبي (عليه السلام) في الجاهلية الأمين و تودعه أموالها و بعث و الحال كذلك .

فأمر عليا أن يقيم صارخا بالأبطح يهتف غدوة و عشيا من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة فليأت فلتؤد إليه أمانته و قال له النبي (عليه السلام) لن يصلوا إليك من الآن بأمر تكرهه حتى تقدم علي فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا ثم إني أستخلفك على فاطمة ابنتي و مستخلف ربي عليكما و أمره أن يبتاع رواحل له و للفواطم و من يهاجر معه من بني هاشم و قال لعلي إذا أبرمت ما أمرتك به فكن على أهبة الهجرة إلى الله و رسوله و سر إلي لقدوم كتابي عليك .

و انطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يؤم المدينة و أقام في الغار ثلاثا و مبيت علي على فراشه أول ليلة .

و قال علي (عليه السلام) في ذلك :

[406]
وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى *** و من طاف بالبيت العتيق و بالحجر

محمد لما خاف أن يمكروا به *** فوقاه ربي ذو الجلال من المكر

و بت أراعيهم متى يأسرونني *** و قد وطنت نفسي على القتل و الأسر

و بات رسول الله في الغار آمنا هناك و في حفظ الإله و في ستر

أقام ثلاثا ثم زمنت قلائص *** قلائص يفرين الفلا أينما يفري

و لما ورد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقبا و أرادوه على الدخول إلى المدينة فقال ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي و ابنتي يعني عليا و فاطمة (عليها السلام) .

قال أبو اليقظان و حدثنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و نحن بقبا عما أرادت قريش من المكر به و مبيت علي على فراشه و قال : أوحى الله عز و جل إلى جبرئيل و ميكائيل (عليه السلام) أني قد آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه .

الحديث بتمامه و قد ذكرته قبل هذا .

و نقلت من الكشاف للزمخشري قال : و كتب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى علي يأمره بالتوجه إليه فلما وصله الكتاب تهيأ للخروج و الهجرة و خرج بالفواطم فاطمة بنت محمد (عليه السلام) و فاطمة بنت أسد أمه و فاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب رضي الله عنهما و خرج معه أيمن ابن أم أيمن مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و جماعة من ضعفاء المؤمنين و لحقهم جماعة من قريش فقتل (عليه السلام) منهم فارسا و عادوا عنه فانطلق حتى نزل ضجنان فأقام بها قدر يومه و لحق به نفر من مستضعفي المؤمنين و فيهم أم أيمن مولاة رسول الله (عليه السلام) فصلى ليلته تلك هو و الفواطم و باتوا يذكرون الله قياما و قعودا و على جنوبهم فما زالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر و سار و هم يصنعون ذلك منزلا فمنزلا يعبدون الله عز و جل و يرغبون إليه حتى قدم المدينة و قد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ
[407]
عَلى جُنُوبِهِمْ إلى قوله فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى فالذكر علي و الأنثى فاطمة و فاطمة و فاطمة بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ يقول علي من فاطمة و الفواطم من علي فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي ... الآية قال .

و قال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يا علي أنت أول هذه الأمة إيمانا بالله و رسوله و أولهم هجرة إلى الله و رسوله و آخرهم عهدا برسوله لا يحبك و الذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان و لا يبغضك إلا منافق أو كافر .

أقول : خبر الغار أوردته في أول هذا الكتاب من طريق آخر و أوردته هنا لما فيه من زيادات تتعلق بأمير المؤمنين (عليه السلام) و كان طويلا فاختصرت بعض ألفاظه و فيه ألفاظ أنبه عليها كما شرطت.

شرح : اللقى الشي‏ء الملقى لهوانه و الجمع ألقاء الندي على فعيل مجلس القوم و متحدثهم و كذلك الندوة و النادي و المستندي فإن تفرق القوم فليس بندي و منه سميت دار الندوة بمكة التي بناها قصي لأنهم كانوا يندون فيها أي يجتمعون للمشاورة و الصباة إليه المائلون إلى دينه من صبا يصبو أو من صبأ الرجل صبؤا خرج من دين إلى دين قال أبو عبيدة صبأ من دينه إلى دين آخر كما تصبأ النجوم أي تخرج من مطالعها و هو أنسب و الأول صحيح المعنى و صبأ أيضا أي صار صابئا و الصابئون جنس من أهل الكتاب و ليس من قبيل ما نحن بصدده ماء رنق بالتسكين كدر و عيش رنق بالكسر كذلك و يقال حدب عليه و حدب أي عطف عليه و حميمك قريبك الذي تهتم لأمره و الأنشوطة عقدة يسهل انحلالها مثل عقدة التكة و الصعب نقيض الذلول و الوخز الطعن بالرمح و نحوه لا يكون نافذا يقال وخزه بالخنجر الدكداك من الرمل ما التبد منه بالأرض و الجمع الدكادك و الفرقة الطائفة من الناس و الفريق أكثر منهم و في الحديث أفاريق العرب و هو جمع أفراق و أفراق جمع فرقة و البيات معروف و العقل
[408]
الدية قال الأصمعي و سميت بذلك لأن الإبل كانت تعقل في فناء ولي المقتول ثم كثر استعمالهم هذا الحرف حتى قالوا عقلت المقتول إذا أعطيت ديته دراهم أو دنانير و الكيد المكر كاده يكيده كيدا و مكيدة و كذلك المكايدة و ربما سميت الحرب كيدا و امتحنه اختبره و فحمة العشاء ظلمته يقال أفحموا من الليل أي لا يستروا في أول فحمته الراصد للشي‏ء الراقب له يقال رصده يرصده رصدا و رصدا و الترصد الترقب و القذف بالحجارة الرمي بها و ختله و خاتله خادعه و الهمز مثل الغمز و الضغط و أذكيت عليه العيون إذا أرسلت عليه الطلائع و هتف به هتافا أي صاح و القلوص من النوق الشابة و هي بمنزلة الجارية من النساء و الجمع قلص و قلائص و جمع القلص قلاص قال العدوي القلوص أول ما يركب من إناث الإبل إلى أن تثني فإذا أثنت فهي ناقة و القعود أول ما يركب من ذكور الإبل فإذا أثنى فهو جمل و ضجنان جبل بناحية مكة .

قال أبو ثابت مولى أبي ذر رحمه الله يقول : سمعت أم سلمة رضي الله عنها تقول سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي قبض فيه يقول و قد امتلأت الحجرة من أصحابه أيها الناس يوشك أن أقبض قبضا سريعا فينطلق بي و قد قدمت إليكم القول معذرة إليكم ألا و إني مخلف فيكم كتاب الله ربي عز و جل و عترتي أهل بيتي ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فرفعها فقال هذا علي مع القرآن و القرآن مع علي خليفتان نصيران لا يفترقان حتى يردا علي الحوض فأسألها ما ذا خلفت فيهما .

و عن أم سلمة قالت : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول و هو آخذ بكف علي (عليه السلام) الحق بعدي مع علي يدور معه حيث ما دار .

و عن رافع مولى أبي ذر رضي الله عنه قال : صعد أبو ذر على درجة الكعبة حتى أخذ بحلقة الباب ثم أسند ظهره إليه و قال أيها الناس من عرفني فقد عرفني و من أنكرني فأنا أبو ذر سمعت رسول الله ص يقول إنما مثل أهل بيتي في هذه الأمة كمثل سفينة نوح من ركبها نجا و من تركها هلك .

[409]
و سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد و مكان العينين من الرأس فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس و لا يهتدي الرأس إلا بالعينين .

و عن علي (عليه السلام) قال : كنا جلوسا عند النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو نائم و رأسه في حجري فتذاكرنا الدجال فاستيقظ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) محمرا وجهه فقال لغير الدجال أخوف عليكم من الدجال الأئمة المضلون و سفك دماء عترتي من بعدي أنا حرب لمن حاربهم سلم لمن سالمهم .

و عن عمر و سلمة ابني أبي سلمة ربيبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالا : سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول في حجته علي يعسوب المؤمنين و المال يعسوب الظالمين علي أخي و مولى المؤمنين من بعدي و هو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أن الله ختم النبوة فلا نبي بعدي و هو الخليفة في الأهل و المؤمنين بعدي .

و عن علي قال : كنت عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مرضه الذي قبض فيه فكان رأسه في حجري و العباس يذب عن وجهه فأغمي عليه .

ثم فتح عينه فقال : يا عباس يا عم رسول الله اقبل وصيتي و اضمن ديني و عداتي .

فقال العباس : يا رسول الله أنت أجود من الريح المرسلة و ليس في مالي وفاء لدينك و عداتك .

فقال ذلك ثلاثا ; و العباس يجيب بما قال أولا .

فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : لأقولنها لمن يقبلها و لا يقول مثل مقالتك يا عباس .

و قال : يا علي اقبل وصيتي و اضمن ديني و عداتي .

فخنقتني العبرة و ارتج جسدي و نظرت إلى رأسه (عليه السلام) يذهب و يجي‏ء في حجري فقطرت دموعي على وجهه و لم أقدر أن أجيبه ; ثم ثنى , فقال : يا علي اقبل وصيتي و اضمن ديني و عداتي .

فقلت : نعم بأبي أنت و أمي .

قال : أجلسني .

فأجلسته , فكان ظهره في صدري ; فقال : يا علي أنت أخي في الدنيا و الآخرة و وصيي و خليفتي في أهلي .

ثم قال : يا بلال هلم سيفي و درعي و بغلتي و سرجها و لجامها و منطقتي التي أشدها على درعي .

[410]
فجاء بلال بهذه الأشياء ; فوقف البغلة بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

فقال : يا علي قم فاقبض .

قال : فقمت و قام العباس فجلس في مكاني , و قبضت ذلك .

قال : فانطلق به إلى منزلك .

فانطلقت به .

ثم جئت فقمت بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قائما , فنظر إلي ثم عمد إلى خاتمه فنزعه ; ثم دفعه إلي , فقال هاك يا علي هذا لك في الدنيا و الآخرة - و البيت غاص من بني هاشم و المسلمين - فقال : يابني هاشم , يا معشر المسلمين , لا تخالفوا عليا فتضلوا و لا تحسدوه فتكفروا .

و من تمامه من حديث آخر في معناه ; فقال : يا بلال ائتني بولدي الحسن و الحسين .

فانطلق فجاء بهما .

فأسندهما إلى صدره , فجعل يشمهما .

قال علي (عليه السلام) : فظننت أنهما قد غماه - أي أكرباه - فذهبت لأؤخرهما عنه , فقال : دعهما يا علي يشماني و أشمهما و يتزودا مني و أتزود منهما ; فسيلقيان من بعدي زلزالا و أمرا عضالا فلعن الله من يحيفهما ; اللهم إني أستودعكهما و صالح المؤمنين .

و قيل سمع عامر بن عبد الله بن الزبير و كان من عقلاء قريش ابنا له ينتقص عليا فقال : يا بني لا تنتقص عليا فإن الدين لم يبن شيئا فاستطاعت الدنيا أن تهدمه و إن الدنيا لم تبن شيئا إلا و هدمه الدين ; يا بني إن بني أمية لهجوا بسب علي بن أبي طالب في مجالسهم و لعنوا على منابرهم فكأنما يأخذون و الله بضبعه إلى السماء مدا ; و إنهم لهجوا بتقريظ ذويهم و أوائلهم فكأنما يكشفون عن أنتن من بطون الجيف فأنهاك عن سبه .

يقال التقريظ بالظاء و الضاد المدح بحق أو باطل و اللهج بالشي‏ء الولوغ به و لهج بالكسر بالشي‏ء يلهج لهجا إذا أغري به فثابر عليه .

و سأل معاوية خالد بن معمر : على ما أحببت عليا?

قال : على ثلاث خصال ; على حلمه إذا غضب و على صدقه إذا قال و على عدله إذا ولي .

قلت رحمه الله خالد بن معمر فقد وصف عليا (عليه السلام) ببعض ما فيه و نفى
[411]
عن معاوية بعض ما فيه.

و عن يونس بن حبيب النحوي و كان عثمانيا قال : قلت للخليل بن أحمد أريد أن أسألك عن مسألة فتكتمها علي .

فقال : قولك يدل على أن الجواب أغلظ من السؤال , فتكتمه أنت أيضا .

قال : قلت نعم , أيام حياتك .

قال : سل .

قلت : ما بال أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و رحمهم كأنهم كلهم بنو أم واحدة ; و علي بن أبي طالب من بينهم كأنه ابن علة ?

فقال : إن عليا يقدمهم إسلاما ; و فاقهم علما ; و بذهم شرفا ; و رجحهم زهدا ; و طالهم جهادا ; و الناس إلى أشكالهم و أشباههم أميل منهم إلى من بان منهم ; فافهم .

قيل دخل الحارث الهمداني على أمير المؤمنين (عليه السلام) في نفر من الشيعة قال الأصبغ بن نباتة و كنت فيمن دخل : فجعل الحرث يتأود في مشيته و يخبط الأرض بمحجنه و كان مريضا فأقبل عليه أمير المؤمنين (عليه السلام) و كانت له منه منزلة ; فقال كيف تجدك يا حار ?

قال : نال الدهر مني يا أمير المؤمنين , و زادني أوارا و غليلا اختصام أصحابك ببابك .

قال : و فيم خصومتهم ?

قال : في شأنك , و البلية من قبلك , فمن مفرط غال و مبغض قال و من متردد مرتاب لا يدري أ يقدم أم يحجم .

قال : فحسبك يا أخا همدان ; أي كفاك هذا القول , ألا إن خير شيعتي النمط الأوسط إليهم يرجع الغالي و بهم يلحق التالي .

[412]
قال : لو كشفت فداك أبي و أمي الرين عن قلوبنا و جعلتنا في ذلك على بصيرة من أمرنا .

قال : قدك فإنك امرؤ ملبوس عليك إن دين الله لا يعرف بالرجال بل بآية الحق و الآية العلامة فاعرف الحق تعرف أهله , يا حار إن الحق أحسن الحديث و الصادع مجاهد و بالحق أخبرك فأرعني سمعك , ثم خبر به من كانت له حصاة من أصحابك ; ألا إني عبد الله و أخو رسوله و صديقه الأول صدقته و آدم بين الروح و الجسد ثم إني صديقه الأول في أمتكم حقا فنحن الأولون و نحن الآخرون ; ألا و أنا خاصته يا حار و خالصته و صنوه و وصيه و وليه و صاحب نجواه و سره أوتيت فهم الكتاب و فصل الخطاب و علم القرون و الأسباب و استودعت ألف مفتاح يفتح كل مفتاح ألف باب يفضي كل باب إلى ألف ألف عهد و أيدت أو قال أمددت بليلة القدر نفلا و إن ذلك ليجري لي و من استحفظ من ذريتي ما جرى الليل و النهار حتى يرث الله الأرض و من عليها ; و أبشرك يا حار ليعرفني و الذي فلق الحبة و برأ النسمة وليي و عدوي في مواطن شتى ; ليعرفني عند الممات , و عند الصراط , و عند المقاسمة .

قال : و ما المقاسمة يا مولاي ?

فقال لي : مقاسمة النار أقسمها قسمة صحاحا
[413]
أقول هذا وليي و هذا عدوي ; ثم أخذ أمير المؤمنين (عليه السلام) بيد الحارث و قال : ياحارث أخذت بيدك كما أخذ بيدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال لي و اشتكيت إليه حسدة قريش و المنافقين لي إذا كان يوم القيامة أخذت بحبل أو حجزة يعني عصمة من ذي العرش تعالى و أخذت أنت يا علي بحجزتي و أخذ ذريتك بحجزتك و أخذ شيعتكم بحجزكم فما ذا يصنع الله بنبيه و ما يصنع نبيه بوصيه و ما يصنع وصيه بأهل بيته و ما يصنع أهل بيته بشيعتهم ; خذها إليك حار قصيرة من طويلة أنت مع من أحببت و لك ما احتسبت أو قال ما اكتسبت , قالها ثلاثا .

فقال الحارث : و قام يجر رداءه جذلا ; ما أبالي و ربي بعد هذا أ لقيت الموت أو لقيني .

قال جميل بن صالح فأنشدني السيد بن محمد في كلمة له :

قول علي لحارث عجب كم ثم أعجوبة له جملا

يا حار همدان من يمت يرني *** من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه بنعته *** و اسمه و ما فعلا

و أنت عند الصراط تعرفني *** فلا تخف عثرة و لا زللا

أسقيك من بارد على ظمإ *** تخاله في الحلاوة العسلا

أقول للنار حين تعرض للعرض *** دعيه لا تقربي الرجلا

دعيه لا تقربيه إن له حبلا *** بحبل الوصي متصلا

قلت السيد الحميري (رهـ) كان كيسانيا يقول برجعة أبي القاسم محمد بن الحنفية (عليه السلام) فلما عرفه الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) الحق و القول بمذهب الإمامية الاثني عشرية ترك ما كان عليه و رجع إلى الحق و قال به و شعره رحمه الله في مذهبه مشهور لا حاجة إلى ذكره لاشتهاره و كان نظاما للوقائع مجيدا و هو كثير الشعر و لا يوجد من شعره إلا القليل .

و روي : أنه وجد حمال و هو يمشي بحمل ثقيل فقيل ما معك قال ميميات
[414]
السيد و غلب هذا الاسم عليه فلم يكن علويا فإنه بطريق تسميته السيد يتوهم ذلك و على ذكره.

حدث الحسين بن عون قال : دخلت على السيد بن محمد الحميري عائدا في علته التي مات فيها فوجدته يساق به و وجدت عنده جماعة من جيرانه و كانوا عثمانية و كان السيد جميل الوجه رحب الجبهة عريض ما بين السالفين فبدت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد ثم لم تزل تنمي و تزيد حتى طبقت وجهه بسوادها فاغتم لذلك من حضره من الشيعة و ظهر من الناصبة سرور و شماتة فلم يلبث بذلك إلا قليلا حتى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء فلم تزل تزيد أيضا و تنمي حتى اصفر وجهه و أشرق و افتر السيد ضاحكا و قال :

كذب الزاعمون أن عليا لم *** ينجي محبه من هنات

‏قد و ربي دخلت جنة عدن *** و عفا لي الإله عن سيئاتي

‏فأبشروا اليوم أولياء علي *** و تولوا علي حتى الممات‏

ثم من بعده تولوا بنيه *** واحدا بعد واحد بالصفات

ثم أتبع قوله هذا أشهد أن لا إله إلا الله حقا حقا ; أشهد أن محمدا رسول الله حقا حقا ; أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا حقا ; أشهد أن لا إله إلا الله .

ثم أغمض عينه لنفسه فكأنما كانت روحه ذبالة طفئت أو حصاة سقطت .

قال علي بن الحسين قال لي أبي الحسين بن عون و كان أذينة حاضرا فقال الله أكبر ما من شهد كمن لم يشهد أخبرني و إلا صمتا الفضيل بن يسار عن أبي جعفر الباقر و جعفر الصادق (عليه السلام) أنهما قالا : حرام على روح أن تفارق جسدها حتى ترى الخمسة محمدا و عليا و فاطمة و حسنا و حسينا بحيث تقر عينها أو تسخن عينها .

فانتشر هذا الحديث في الناس فشهد جنازته و الله الموافق و المفارق .

[415]
عن عبد الله بن الصامت ابن أخي أبي ذر قال حدثني أبو ذر و كان صفوه و انقطاعه إلى علي و أهل هذا البيت قال : قلت يا نبي الله إني أحب أقواما ما أبلغ أعمالهم قال فقال يا أبا ذر المرء مع من أحب و له ما اكتسب قلت فإني أحب الله و رسوله و أهل بيت نبيه قال فإنك مع من أحببت و كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ملإ من أصحابه فقال رجال منهم فإنا نحب الله و رسوله و لم يذكروا أهل بيته فغضب (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال أيها الناس أحبوا الله عز و جل لما يغدوكم به من نعمه و أحبوني بحب ربي و أحبوا أهل بيتي بحبي فو الذي نفسي بيده لو أن رجلا صفن بين الركن و المقام صائما و راكعا و ساجدا ثم لقي الله عز و جل غير محب لأهل بيتي لم ينفعه ذلك قالوا و من أهل بيتك يا رسول الله أو أي أهل بيتك هؤلاء قال من أجاب منهم دعوتي و استقبل قبلتي و من خلقه الله مني و من لحمي و دمي فقالوا نحن نحب الله و رسوله و أهل بيت رسوله فقال بخ بخ فأنتم إذا منهم أنتم إذا منهم و المرء مع من أحب و له ما اكتسب .

و الصافن من الخيل القائم على ثلاث قوائم و قد أقام الرابع على طرف الحافر يقال صفن يصفن صفونا و الصافن الذي يصف قدميه و في الحديث كنا إذا صلينا خلفه فرفع رأسه من الركوع قمنا خلفه صفوفا .

و عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عن أبيه عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : أنه كان ذات يوم جالسا بالرحبة و الناس حوله مجتمعون فقام إليه رجل فقال يا أمير المؤمنين إنك بالمكان الذي أنزلك الله عز و جل به و أبوك يعذب بالنار فقال مه فض الله فاك و الذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) بالحق لو شفع أبي في كل مذنب على
[416]
وجه الأرض لشفعه الله فيهم أ أبي يعذب بالنار و ابنه قسيم الجنة و النار ثم قال و الذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) إن نور أبي طالب يوم القيامة ليطفئ أنوار الخلق إلا خمسة أنوار نور محمد و نوري و نور فاطمة و نور الحسن و الحسين و من ولدته من الأئمة لأن نوره من نورنا الذي خلقه الله تعالى من قبل أن يخلق الله آدم بألفي عام .

و عن زيد بن علي عن أبيه : أن الحسين بن علي (عليه السلام) أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه و هو على المنبر يوم الجمعة فقال له انزل عن منبر أبي فبكى عمر ثم قال صدقت يا بني منبر أبيك لا منبر أبي فقال علي (عليه السلام) ما هو و الله عن رأيي فقال صدقت و الله ما أتهمك يا أبا الحسن ثم نزل من المنبر فأخذه فأجلسه إلى جانبه على المنبر فخطب الناس و هو جالس على المنبر معه ثم قال أيها الناس سمعت نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول احفظوني في عترتي و ذريتي فمن حفظني فيهم حفظه الله ألا لعنة الله على من آذاني فيهم ألا لعنة الله على من آذاني فيهم ثلاثا .

قال أفقر عباد الله تعالى علي بن عيسى بن أبي الفتح عفا الله عنه : قد كنت طالعت كتاب الموفقيات للزبير بن بكار الزبيري فرأيت فيها أخبارا ما كنت أظنه يروي مثلها لموضع مذهبه و لمن جمع له الكتاب و سماه باسم نسبه إليه و هو الأمير الموفق أبو أحمد طلحة بن المتوكل أخو المعتمد و ولي عهده و كان يخطب له بلقبين اللهم أصلح الأمير الناصر لدين الله أبا أحمد طلحة الموفق بالله و ولي عهد المسلمين و أخا أمير المؤمنين و مات في ثاني رجب سنة ثمان و سبعين و مائتين لقب بالناصر حين فرغ من أمر محمد بن علي صاحب الزنج و هو متولي حروبه و كان هو و أبوه و بنو أبيه في انحرافهم عن أهل البيت في أبعد الغاية لا سيما الموفق و المتوكل و حربه لصاحب الزنج و إن كان محافظة على الملك و إنما قوى هممهم على مطاولته و اتصال الحروب بينهم ما أظهره ذلك الخائن من انتسابه إلى أهل البيت و أنه علوي و كان مدعيا لم يصحح النسابون نسبه و حكى العمري النسابة (رهـ) أنه كان دعيا و كان من قرية اسمها ورزنين من قرى الري فلم يزالوا على حربه و منازلته جرى من قتله و تفرقة جموعه ما جرى و كان انتماؤه إلى هذا البيت الشريف أقوى
[417]
الموجبات لاستئصاله هذا حال من عمل الكتاب من أجله.

فأما جامعه فقد حكى ياقوت الحموي في كتابه معجم الأدباء كلاما هذا مختصره الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام يكنى أبا عبد الله الكثير العلم الغزير الفهم أعلم الناس قاطبة بأخبار قريش و أنسابها و مآثرها و أشعارها ولد و نشأ بالحجاز و مات بمكة في ذي القعدة سنة ست و خمسين و مائتين عن أربع و ثمانين سنة و كان أبوه على قضاء مكة و ولاه المتوكل القضاء بها بعد أبيه و مات و هو قاضيها و دخل بغداد عدة دفعات آخرها سنة ثلاث و خمسين و مائتين و كان فتى في شعره و مروته و بطالته مع سنه و عفافه و مثل هذا على صدقه عندهم إذا روى شيئا يكون صحيحا قطعا لأن الزمان قديم و المخبر صدوق و المصنف له متعنت و كيف يقدم على تصنيف كتابه باسمه و فيه ما يناقض مذهبه و يخالف عقيدته و يجبهه برده عليه ما قد عقد عليه خنصره و جعله دينه الذي يرجو به الفوز في آخرته.

حدث الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب عن جدي عبد الله بن مصعب قال : تقدم وكيل المونسة إلى شريك بن عبد الله القاضي مع خصم له فإذا الوكيل مدل بموضعه من مونسة فجعل يسطو على خصمه و يغلظ له فقال له شريك كف لا أم لك فقال أ و تقول لي هذا و أنا قهرمان مونسة فقال يا غلام اصفعه فصفعه عشر صفعات فانصرف بخزي فدخل على مونسة فشكا إليها ما صنع به فكتبت رقعة إلى المهدي تشكو شريكا و ما صنع بوكيلها فعزله و كان قبل هذا قد دخل إليه فأغلظ له الكلام و قال له ما مثلك من يولي أحكام المسلمين .

قال : و لم يا أمير المؤمنين ?

قال : لخلافك الجماعة و لقولك بالإمامة ?

قال : ما أعرف دينا إلا عن الجماعة فكيف أخالفها ? و عنها أخذت ديني و أما الإمامة فما أعرف إماما إلا كتاب الله و سنة نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) فهما إماماي و عليهما عقدي فأما ما ذكر

[418]
أمير المؤمنين أن ما مثلي يولي أحكام المسلمين فذاك شي‏ء أنتم فعلتموه فإن كان خطأ وجب عليكم الاستغفار منه و إن كان صوابا وجب عليكم الإمساك عنه .

قال : ما تقول في علي بن أبي طالب (عليه السلام) ?

قال : ما قال فيه جدك العباس و عبد الله .

قال : و ما قالا فيه ?

قال : أما العباس فمات و هو عنده أفضل أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) و قد شاهد كبراء الصحابة و المهاجرين يحتاجون إليه في الحوادث و لم يحتج إلى أحد منهم حتى خرج من الدنيا .

و أما عبد الله بن عباس رحمه الله فضارب معه بسيفين و شهد حروبه و كان فيها رأسا متبعا و قائدا مطاعا فلو كانت إمامته جورا كان أول من يقعد عنه أبوك لعلمه بدين الله و فقهه في أحكام الله .

فسكت المهدي و خرج شريك فما كان بين عزله و بين هذا المجلس إلا جمعة أو نحوها.

و عن الزبير عن رجاله عن الحسن البصري أنه قال : أربع خصال في معاوية لو لم يكن فيه منهن إلا واحدة لكانت موبقة ابتزاؤه على هذه الأمة بالسفهاء حتى ابتزها أمرها بغير مشورة منهم و فيهم بقايا الصحابة و ذوو الفضيلة و استخلافه ابنه يزيد من بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير و يضرب بالطنابير و ادعاؤه زيادا .

و قد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الولد للفراش و للعاهر الحجر .

و قتله حجر بن عدي و أصحابه فيا ويله من حجر و أصحاب حجر.

قلت : هذا الخبر و إن لم يكن من غرض هذا الكتاب لكن ساق إليه ما بينهما من أمر ما و ابتزاؤه توثبه و بزه يبز بزا سلبه و ابتزها سلبها و العهر و العهر الزنا و عهر فهو عاهر و الاسم العهر بالكسر.

و على هذا حدث الزبير عن رجاله قال : قال مطرف بن المغيرة بن شعبة وفدت مع أبي المغيرة على معاوية و كان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي فيذكر معاوية و يذكر عقله و يعجب بما يرى منه إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء و رأيته مغتما منذ الليلة فانتظرته ساعة و ظننت أنه لشي‏ء قد حدث فينا و في علمنا فقلت ما لي أراك مغتما منذ الليلة فقال يا بني جئت من عند أخبث الناس قلت و ما ذاك قال قلت له و قد خلوت به إنك قد بلغت سنا يا أمير المؤمنين فلو
[419]
أظهرت عدلا و بسطت خيرا فإنك قد كبرت و لو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم اليوم شي‏ء تخافه فقال هيهات هيهات ملك أخو تيم فعدل و فعل ما فعل فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل أبو بكر ثم ملك أخو بني عدي فاجتهد و شعر عشر سنين فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره إلا أن يقول قائل عمر ثم ملك عثمان فملك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه و فعل ما فعل و عمل به ما عمل فو الله ما عدا أن هلك فهلك ذكره و ذكر ما فعل به و إن أخا بني هاشم يصاح به في كل يوم خمس مرات أشهد أن محمدا رسول الله فأي عمل يبقى بعد هذا لا أم لك لا و الله إلا دفنا دفنا.

فانظر أيدك الله إلى قول معاوية في النبي (عليه السلام) و عقيدته فيه يهن عندك فعله مع علي (عليه السلام) كما قدمنا أن حب علي فرع على حب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و الإقرار بنبوته و تصديقه :

و إن الجرح ينفر بعد حين *** إذا كان البناء على فساد

حدث الزبير عن رجاله قال : إن ابن الزبير قال لابن عباس قاتلت أم المؤمنين و حواري رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أفتيت بتزويج المتعة .

قال : أنت أخرجتها و أبوك و خالك , و بنا سميت أم المؤمنين و كنا لها خير بنين فتجاوز الله عنها ; و قاتلت أنت و أبوك عليا فإن كان علي مؤمنا فقد ظللتم بقتالكم المؤمنين و إن كان كافرا فقد بؤتم بسخط من الله بفراركم من الزحف .

و أما المتعة : فإنا نحلها ; سمعت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يحلها و يرخص فيها فأفتيت فيها ... و ذكر الحديث .

و حدث الزبير عن رجاله عن ابن عباس قال : إني لأماشي عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سكة من سكك المدينة إذ قال لي يا ابن عباس ما أظن صاحبك إلا مظلوما قلت في نفسي و الله لا يسبقني بها فقلت يا أمير المؤمنين فاردد ظلامته فانتزع يده من يدي و مضى و هو يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته فقال يا ابن عباس ما أظنهم منعهم منه إلا استصغروه فقلت في نفسي هذه و الله شر من الأولى فقلت و الله ما استصغره الله حين أمره أن يأخذ سورة براءة من صاحبك قال فأعرض عني .

[420]
قال علي بن عيسى عفا الله عنه قد ذكرت بهذا الحديث حديثا يشابهه نقلت من كتاب عز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد في تفسير نهج البلاغة قال نقلت من كتاب تاريخ بغداد لأحمد بن أبي طاهر بسنده عن ابن عباس قال : دخلت على عمر رضي الله عنه في أول خلافته و قد ألقي له صاع من تمر على خصفة فدعاني للأكل فأكلت تمرة واحدة و أقبل يأكل حتى أتى عليه ثم شرب من جر كان عنده و استلقى على مرفقة له و طفق يحمد الله يكرر ذلك , ثم قال : من أين جئت يا عبد الله ?

قلت : من المسجد .

قال : كيف خلفت بني عمك ?

فظننته يعني عبد الله بن جعفر , فقلت : خلفته يلعب مع أترابه .

قال : لم أعن ذلك إنما عنيت عظيمكم أهل البيت .

قلت : خلفته يمتح بالغرب على نخلات له و هو يقرأ القرآن .

فقال : يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها , أ بقي في نفسه شي‏ء من أمر الخلافة ?

قلت : نعم .

قال : أ يزعم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جعلها له ?

قلت : نعم ; و أزيدك سألت أبي عما يدعيه , قال : صدق .

فقال عمر : لقد كان من رسول الله في أمره ذرو من قول , لا يثبت حجة و لا يقطع عذرا , و قد كان يزيغ في أمره وقتا ما و لقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا و حفيظة على الإسلام ; لا و رب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا , و لو وليها لانتقضت عليه العرب من أقطارها فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه فأمسك و أبى الله إلا إمضاء ما حتم .

قلت : يشير إلى اليوم الذي قال فيه ائتوني بدواة و كتف الحديث فقال عمر رضي الله عنه إن الرجل ليهجر , الخصفة بالتحريك الجلة من الخوص تعمل للتمر و جمعها خصف و خصاف و الصاع أربعة أمداد و المد مكيال أيضا و هو رطل و ثلاث عند أهل الحجاز و رطلان عند أهل العراق و المرفقة بالكسر المخدة و قد تمرفق إذا أخذها و الماتح المستقي و كذلك المتوح تقول متح الماء يمتحه متحا إذا نزعه و الغرب الدلو العظيمة و ذرو من قول أي طرف منه و لم يتكامل و أزاغ يزيغ إذا طلب و أراد .

[421]
حدث الزبير عن رجاله قال : دخل محفن بن أبي محفن الضبي على معاوية فقال يا أمير المؤمنين جئتك من عند ألأم العرب و أبخل العرب و أعيا العرب و أجبن العرب قال و من هو يا أخا بني تميم قال علي بن أبي طالب قال معاوية اسمعوا يا أهل الشام ما يقول أخوكم العراقي فابتدروه أيهم ينزله عليه و يكرمه فلما تصدع الناس عنه قال له كيف قلت فأعاد عليه فقال له ويحك يا جاهل كيف يكون ألأم العرب و أبوه أبو طالب و جده عبد المطلب و امرأته فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و أنى يكون أبخل العرب فو الله لو كان له بيتان بيت تبن و بيت تبر لأنفد تبره قبل تبنه و أنى يكون أجبن العرب فو الله ما التقت فئتان قط إلا ما كان فارسهم غير مدافع و أنى يكون أعيا العرب فو الله ما سن البلاغة لقريش غيره و لما قامت أم محفن عنه ألأم و أبخل و أجبن و أعيا لبظر أمه فو الله لو لا ما تعلم لضربت الذي فيه عيناك فإياك عليك لعنة الله و العود إلى مثل هذا قال و الله أنت أظلم مني فعلى أي شي‏ء قاتلته و هذا محله قال على خاتمي هذا حتى يجوز به أمري قال فحسبك ذلك عوضا من سخط الله و أليم عذابه قال لا يا ابن محفن و لكني أعرف من الله ما جهلت حيث يقول وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ .

قلت : قد شهد معاوية من فضل علي (عليه السلام) بما كان يعرف أضعافه و رأى مع ذلك عصيانه و منابذته و خلافه و ناصبه العداوة حتى قتل بينهما ألوف متعددة و استمر على سبه على المنابر بهمة لا وانية في ذلك و لا مترددة و أوصى على الاستمرار عليها بنيه و بني أبيه و اتخذها سنة جرى على بدعته هو و من يقتفيه إلى أن أجرى الله رفعها على يد عمر بن عبد العزيز رحمه الله فوفقه الله لصوابها و هداه إلى ثوابها و
[422]
أنجاه من أليم عذابها و وبيل عقابها.

ثم إن معاوية يجعل عذره فيما صنع و اعتماده في الفتنة التي خب فيها و وضع و عصره في الدماء التي أراقها و ملاذه في النار التي وراها و قوى إحراقها الاعتماد على رحمة الله و لعمري إنها قريبة من المحسنين فأين إحسانه و حاصله لصالحي المؤمنين فأين صلاحه و إيمانه و شفاعة نبيه معدة للمذنبين أ فيشفع له و هذا شأنه هيهات إنها من أماني النفوس الكاذبة و تعللاتها الباطلة الخائبة .

حملوها يوم السقيفة أوزارا *** تخف الجبال و هي ثقال

‏ثم جاءوا من بعدها يستقيلون *** و هيهات عثرة لا تقال

و حدث الزبير عن رجاله قال : قدم ابن عباس على معاوية و كان يلبس أدنى ثيابه و يخفض من شأنه لمعرفته أن معاوية كان يكره إظهاره لشأنه و جاء الخبر إلى معاوية بموت الحسن بن علي (عليه السلام) فسجد شكرا لله تعالى و بان السرور في وجهه في حديث طويل ذكره الزبير و ذكرت منه موضع الحاجة إليه و أذن للناس و أذن لابن عباس بعدهم فدخل فاستدناه و كان قد عرف بسجدته فقال له أ تدري ما حدث بأهلك قال لا قال فإن أبا محمد (عليه السلام) توفي رحمه الله فعظم الله لك الأجر فقال إنا لله و إنا إليه راجعون عند الله نحتسب المصيبة برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و عند الله نحتسب مصيبتنا بالحسن بن علي رحمه الله إنه قد بلغتني سجدتك فلا أظن ذلك إلا لوفاته و الله لا يسد جسده حفرتك و لا يزيد انقضاء أجله في عمرك و لطال ما رزينا بأعظم من الحسن ثم جبر الله قال معاوية كم كان أتى له من العمر قال شأنه أعظم من أن يجهل مولده قال أحسبه ترك صبية صغارا قال كلنا كان صغيرا فكبر قال
[423]
أصبحت سيد أهلك قال أما ما أبقى الله أبا عبد الله الحسين بن علي فلا ثم قام و عينه تدمع فقال معاوية لله دره لا و الله ما هيجناه قط إلا وجدناه سيدا و دخل على معاوية بعد انقضاء العزاء فقال يا ابن العباس أ ما تدري ما حدث في أهلك قال لا قال هلك أسامة بن زيد فعظم الله لك الأجر قال إنا لله و إنا إليه راجعون رحم الله أسامة و خرج و أتاه بعد أيام و قد عزم على محاقته فصلى في الجامع يوم الجمعة و اجتمع الناس عليه يسألونه عن الحلال و الحرام و الفقه و التفسير و أحوال الإسلام و الجاهلية و هو يجيب و افتقد معاوية الناس فقيل إنهم مشغولون بابن عباس و لو شاء أن يضربوا معه بمائة ألف سيف قبل الليل لفعل فقال نحن أظلم منه حبسناه عن أهله و منعناه حاجته و نعينا إليه أحبته انطلقوا فادعوه فأتاه الحاجب فدعاه فقال إنا بني عبد مناف إذا حضرت الصلاة لم نقم حتى نصلي أصلي إن شاء الله و آتيه فرجع و صلى العصر و أتاه فقال حاجتك فما سأله حاجة إلا قضاها و قال أقسمت عليك لما دخلت بيت المال فأخذت حاجتك و إنما أراد أن يعرف أهل الشام ميل ابن عباس إلى الدنيا فعرف ما يريده فقال إن ذلك ليس لي و لا لك فإن أذنت أن أعطي كل ذي حق حقه فعلت قال أقسمت عليك إلا دخلت فأخذت حاجتك فدخل فأخذ برنس خز أحمر يقال إنه كان لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثم خرج فقال يا أمير المؤمنين بقيت لي حاجة فقال ما هي قال علي بن أبي طالب قد عرفت فضله و سابقته و قرابته و قد كفاكه الموت أحب أن لا يشتم على منابركم قال هيهات يا ابن عباس هذا أمر دين أ ليس أ ليس و فعل و فعل فعدد ما بينه و بين علي كرم الله وجهه فقال ابن عباس أولى لك يا معاوية و الموعد القيامة و لكل نبإ مستقر و سوف تعلمون و توجه إلى المدينة .

قلت : أولى لك قال الجوهري تهدد و وعيد و قال الأصمعي أي قاربه ما
[424]
يهلكه أي نزل به قال ثعلب لم يقل أحد في أولى أحسن مما قال الأصمعي.

فأما إقدام معاوية و طغيانه و استمراره على ما سول له شيطانه و إعلانه على رءوس الأشهاد بما نطق به لسانه و جعله سب أمير المؤمنين (عليه السلام) من أمور الدين فاغرا بذلك فاه بين المسلمين منتهكا بذلك ما وجب له (عليه السلام) من الحرمة غير مراقب في ذلك إلا و لا ذمة خارجا على الإمام واثبا على الأمة فمما يقضي منه العجب لفرط تمرده و تتحير الخواطر من جريه في حلبات عصيانه في أمسه و يومه و غده و تذهل الألباب من ادعائه الإسلام مع جناية يده و إن كان قد جعله سترا دون أفعاله و وقاية لجاهه و ماله و نظرا لدنياه مع غفلة عن ماله نعوذ بالله من الفتنة في الأديان و التورط في حبالات الشيطان .

و حدث الزبير عن رجاله عن ابن عباس : أن معاوية أقبل عليه و على بني هاشم فقال إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة كما استحققتم النبوة و لا يجتمعان لأحد حجتكم في الخلافة شبهة على الناس تقولون نحن أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فما بال خلافة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غيرنا و هذه شبهة لأنها تشبه الحق فأما الخلافة فتنقلب في أحياء قريش برضا العامة و شورى الخاصة فلم يقل الناس ليت بني هاشم ولونا و لو أن بني هاشم ولونا لكان خيرا لنا في دنيانا و آخرتنا فلا هم حيث اجتمعوا على غيركم تمنوكم و لو زهدتم فيها أمس لم يقاتلوا عليها اليوم و أما ما زعمتم أن لكم ملكا هاشميا و مهديا قائما فالمهدي عيسى ابن مريم (عليه السلام) و هذا الأمر في أيدينا حتى نسلمه إليه و لعمري لئن ملكتمونا ما رائحة عاد و صاعقة ثمود بأهلك اليوم منكم لنا ثم سكت فقال له عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أما قولك إنا نستحق الخلافة بالنبوة فنعم فإذا لم نستحقها بها فبم تستحقها و أما قولك إن النبوة و الخلافة لا يجتمعان لأحد فأين قول الله تعالى فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فالكتاب
[425]
النبوة و الحكمة السنة و الملك الخلافة و نحن آل إبراهيم أمر الله فينا و فيهم و السنة لنا و لهم جارية و أما قولك إن حجتنا مشتبهة فو الله لهي أضوأ من الشمس و أنور من نور القمر و إنك لتعلم ذلك و لكن شي‏ء عطفك و صعرك قتلنا أخاك و جدك و أخاه و خالك فلا تبك على أعظم حائلة و أرواح أهل النار و لا تغضبن لدماء أحلها الشرك و وضعها فأما ترك الناس أن يجتمعوا علينا فما حرموا منا أعظم مما حرمنا منهم و أما قولك إنا زعمنا أن لنا ملكا مهديا فالزعم في كتاب الله تعالى شرك قال تعالى زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا و كل يشهد أن لنا ملكا و لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله لأمره منا من يملأ الأرض عدلا و قسطا كما ملئت جورا و ظلما لا تملكون يوما واحدا إلا ملكنا يومين و لا شهرا إلا ملكنا شهرين و لا حولا إلا ملكنا حولين و أما قولك إن المهدي عيسى ابن مريم فإنما ينزل عيسى على الدجال فإذا رآه يذوب كما تذوب الشحمة و الإمام منا رجل يصلي خلفه عيسى ابن مريم و لو شئت سميته و أما ريح عاد و صاعقة ثمود فإنهما كانا عذابا و ملكنا و الحمد لله رحمة .

حدث الزبير قال : حج معاوية فجلس إلى ابن عباس فأعرض عنه ابن عباس فقال معاوية لم تعرض عني فو الله إنك لتعلم أني أحق بالخلافة من ابن عمك قال ابن عباس لم ذاك لأنه كان مسلما و كنت كافرا قال لا و لكن ابن عمي عثمان قتل مظلوما قال ابن عباس و عمر رحمه الله قتل مظلوما قال إن عمر قتله كافر و إن عثمان قتله المسلمون قال ابن عباس ذاك أدحض لحجتك فأسكت معاوية .

[426]
و حدث الزبير عن رجاله عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصي من آمن بالله و صدقني بولاية علي بن أبي طالب من تولاه فقد تولاني و من تولاني فقد تولى الله و من أحبه فقد أحبني و من أحبني فقد أحب الله .

أقول : لا ريب أن القلم استحلى المناقب فجرى سعيا على رأسه و وجد مجالا فسيحا فأعنق في حلبة قرطاسه و رأى مكان القول ذا سعة فقال و اعتقلته الأيام مدة فألان حين ألقى العقال و لو لا كف غربه لاستمر على غلوائه فإن طلبه حصر ما لا يتناهى معدود من ضعف رأيه و من أين يحصر مناقب الإمام (عليه السلام) و هي تتجاوز حد الإكثار و كيف يمكن عد مفاخره و بيته بيت الشرف و الفخار إليه تنتهي مكارم الأخلاق و عنه يحدث بزكاء الأعراق و هو الحجة على العباد و المحجة المسلوكة ليوم المعاد و نور الله الذي من استضاء به اهتدى و عروته التي من اعتلق بها فما راح عن الحق و لا اعتدى و بابه الذي منه الدخول إلى طاعته و رضوانه و سبيله الذي يؤدي إلى الفوز بعالي جنانه و عصمته التي من اعتلق بحبالها اعتصم و ميثاقه الذي من التزم به فقد التزم و إذا كانت الإطالة لا تبلغ وصف كماله و الإطناب لا يحيط بنعت فضله و إفضاله فالأولى أن يقتصر على ما ذكرناه من شرفه و جلاله فحاله (صلى الله عليه وآله وسلم) أشهر من أن يحتاج إلى التنبيه على حاله.

و هذه الأخبار التي أوردتها و نسبتها إلى ناقليها ربما قال قائل هذه أخبار آحاد لا يعول عليها و لا يستند في إثبات المطلوب إليها.

فالجواب عن ذلك إنا معاشر الشيعة ننقل ما ننقله في فضائله من طرق أصحابنا و إجماعهم و فيهم الإمام المعصوم فلا حاجة هنا إلى آحادكم و لا متواتركم و أنتم تعملون بأخبار الآحاد فدونكم إلى العمل بها ثم إن هذه الأخبار قد
[427]
يحصل المجموع ما جاءوا به معنى التواتر كما إنه إذا سمعنا أن إنسانا ما بلغ من الملك مكانة جليلة ثم بلغنا أن الملك يتزيد في الإحسان إليه و إنا في كل يوم نسمع من جهات مختلفة بتخصيصه إياه بضروب من إنعامه فإنا نستفيد من جملة ذلك أن مكانته منه مكينة و أن محله منه عظيم فكذاك الحال في هذا و حيث ملنا إلى الاقتصار على هذا القدر فلنشرع في ذكر قتله (صلى الله عليه وآله وسلم) و كيف جرت الحال فيه و نختم هذا المجلد الأول بذلك و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب .
في ذكر قتله و مدة خلافته و ذكر عدد أولاده (صلى الله عليه وآله وسلم)
قال أبو المؤيد الخوارزمي رحمه الله في كتاب المناقب يرفعه إلى أبي سنان الدؤلي : أنه عاد عليا في شكوى اشتكاها قال فقلت له لقد تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه فقال لكني و الله ما تخوفت على نفسي لأني سمعت رسول الله الصادق المصدق (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إنك ستضرب ضربة هاهنا و أشار إلى صدغيه فيسيل دمها حتى تخضب لحيتك و يكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود .

قلت : الضمير في أشقاها يعود إلى الأمة و إن لم يجر لها ذكر كما قال تعالى حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ و كما قال حتى إذا ألقت يدا
[428]
في كافر و يدل عليه أشقى ثمود.

و من المناقب مرفوعا إلى إسماعيل بن راشد قال : كان من حديث ابن ملجم لعنه الله و أصحابه أن عبد الرحمن بن ملجم و البرك بن عبد الله التميمي و عمرو بن بكر التميمي اجتمعوا بمكة فذكروا أمر الناس و عابوا على ولاتهم ثم ذكروا أهل النهروان فترحموا عليهم و قالوا و الله ما نصنع بالحياة بعدهم شيئا و قالوا إخواننا الذين كانوا دعاة الناس إلى عبادة ربهم الذين كانوا لا يخافون في الله لومة لائم فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلالة فالتمسنا قتلهم فأرحنا منهم البلاد و ثأرنا بهم إخواننا فقال ابن ملجم أنا أكفيكم أمر علي بن أبي طالب و كان من أهل مصر و قال البرك بن عبد الله أنا أكفيكم معاوية بن أبي سفيان و قال عمرو بن بكر التميمي أنا أكفيكم عمرو بن العاص فتعاهدوا و توافقوا الله لا ينكل الرجل عن صاحبه الذي وجه إليه حتى يقتله أو يموت دونه فأخذوا أسيافهم فسموها و اتعدوا لتسع عشرة ليلة من رمضان يثب كل واحد منهم إلى صاحبه الذي توجه إليه فأقبل كل واحد إلى المصر الذي فيه صاحبه.

فأما ابن ملجم المرادي فخرج فلقي أصحابه بالكوفة فكاتمهم أمره كراهة أن يظهروا شيئا من أمره فرأى ذات يوم أصحابا له من تيم الرباب و كان علي (عليه السلام) قتل منهم يوم النهروان عددا فذكروا قتلاهم و لقي من يومه ذلك امرأة منهم يقال لها قطام و كان علي قتل أباها و أخاها و كانت فائقة الجمال فلما رآها التبس عقله
[429]
فنسي حاجته التي جاء لها فخطبها فقالت لا أتزوجك حتى تشتفي لي قال و ما تشاءين قالت ثلاثة آلاف و عبدا و قينة و قتل علي بن أبي طالب قال هو مهرك فأما قتل علي فلا أراك تدركينه و لكن أضربه ضربة قالت فالتمس غرته فإن أصبته انتفعت بنفسك و نفسي و إن هلكت فما عند الله خير و أبقى لك من الدنيا و زبرج أهلها فقال و الله ما جاء بي إلى هذا المصر إلا قتل علي بن أبي طالب قالت فإذا أدركت ذلك فإني أطلب لك من يشد ظهرك و يساعدك على أمرك فبعثت إلى رجل من أهلها من تيم الرباب يقال له وردان فكلمته فأجابها و جاء ابن ملجم رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة فقال له هل لك في شرف الدنيا و الآخرة قال و ما ذاك قال قتل علي بن أبي طالب قال ثكلتك أمك لقد جئت شيئا إدا كيف تقدر على ذلك قال أكمن له في المسجد فإذا خرج لصلاة الغداة شددنا عليه فقتلناه فإن نجونا شفيت أنفسنا و أدركنا ثأرنا و إن قتلنا فما عند الله خير من الدنيا فقال له ويحك لو كان غير علي كان أهون علي قد عرفت بلاؤه في الإسلام و سابقته مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و ما أجدني أنشرح لهذا قال أ لم تعلم أنه قتل أهل النهروان العباد المصلين قال بلى قال فنقتله بمن قتل من إخواننا.

فأجابه فجاءوا حتى دخلوا على قطام و هي في المسجد الأعظم معتكفة فيه فقالوا لها قد أجمع رأينا على قتل علي بن أبي طالب قالت فإذا أردتم ذلك فأتوني ثم عادوا ليلة الجمعة التي قتل علي في صبيحتها سنة أربعين فقال هذه الليلة التي وعدت فيها صاحبي أن يقتل كل واحد منا صاحبه فأخذوا أسيافهم و جلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي فلما خرج شد عليه شبيب فضربه بالسيف
[430]
فوقع سيفه بعضادة الباب أو بالطاق و ضربه ابن ملجم بالسيف و هرب وردان فدخل منزله و دخل عليه رجل من بني أمية و رأى سيفه فسأله فعرفه فقتله و خرج شبيب نحو أبواب كندة فلقيه رجل من حضرموت و في يد شبيب السيف فقبض عليه الحضرمي و أخذ سيفه فلما رأى الناس قد أقبلوا في طلبه و سيف شبيب في يده خاف على نفسه فتركه فنجا في غمار الناس فشدوا على ابن ملجم فأخذوه و شد عليه رجل من همدان فضرب رجله فصرعه .

و تحامل علي (عليه السلام) فصلى بالناس الغداة و قال علي بالرجل فأدخل عليه فقال أي عدو الله أ لم أحسن إليك قال بلى قال فما حملك على هذا قال شحذته أربعين صباحا و سألت الله أن يقتل به شر خلقه قال علي فلا أراك إلا مقتولا به و ما أراك إلا من شر خلق الله عز و جل .

فذكروا أن محمد بن حنيف قال و الله إني لأصلي تلك الليلة في رجال كثير من المصر قريبا من السدة من أول الليل إلى آخره إذ خرج علي لصلاة الغداة فجعل ينادي أيها الناس الصلاة الصلاة فنظرت إلى بريق السيوف و سمعت قائلا يقول الحكم لله لا لك يا علي و لا لأصحابك فرأيت سيفا ثم رأيت ثانيا و سمعت عليا يقول لا يفوتنكم الرجل و شد عليه الناس من كل جانب فلم أبرح حتى أخذ و أدخل على علي فدخلت فسمعت عليا يقول النفس بالنفس فإن هلكت فاقتلوه كما قتلني فإن بقيت رأيت فيه رأيي و دخل الناس على الحسن فزعين و ابن ملجم مكتوف بين يديه فنادت أم كلثوم بنت علي أي عدو الله إنه لا بأس على أمير المؤمنين و الله مخزيك فقال لعنه الله على ما تبكين إذا و الله لقد اشتريته بألف و سممته بألف و لو كانت هذه الضربة بجميع
[431]
أهل المصر ما بقي منهم أحد .

قال و دعا علي حسنا و حسينا عليهما السلام فقال : أوصيكما بتقوى الله و لا تبغيا الدنيا و إن بغتكما و لا تبكيا على شي‏ء زوي عنكما و قولا بالحق و ارحما اليتيم و أعينا الضائع و اصنعا للأخرى و كونا للظالم خصما و للمظلوم ناصرا اعملا بما في كتاب الله و لا تأخذكما في الله لومة لائم ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال هل حفظت ما أوصيت به أخويك قال نعم قال فإني أوصيك بمثله و أوصيك بتوقير أخويك لعظم حقهما عليك فلا توثق أمرا دونهما ثم قال أوصيكما به فإنه شقيقكما و ابن أبيكما و قد علمتما أن أباكما كان يحبه و قال للحسن أوصيك يا بني بتقوى الله و إقام الصلاة لوقتها و إيتاء الزكاة عند محلها فإنه لا صلاة إلا بطهور و لا تقبل الصلاة ممن منع الزكاة و أوصيك بعفو الذنب و كظم الغيظ و صلة الرحم و الحلم عن الجاهل و التفقه في الدين و التثبت في الأمور و التعاهد للقرآن و حسن الجوار و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و اجتناب الفواحش فلما حضرته الوفاة أوصى فكانت وصيته (عليه السلام) بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون ثم إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين ثم أوصيك يا حسن و جميع ولدي و أهلي و من يبلغه كتابي بتقوى الله ربكم و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إن صلوح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصيام
[432]
فانظروا إلى ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب و الله الله في الأيتام فلا تغيروا أفواههم و لا يضيعن بحضرتكم و الله الله في جيرانكم فإنه وصية نبيكم (صلى الله عليه وآله وسلم) ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم و الله الله في القرآن فلا يسبقكم بالعمل به غيركم و الله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم و الله الله في بيت ربكم فلا تخلون به ما بقيتم فإنه إن يترك لن تناظروا و الله الله في شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار و الله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم و الله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب الرب و الله الله في ذرية نبيكم فلا تظلموا بين ظهرانيكم و الله الله في أصحاب نبيكم فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أوصى بهم و الله الله في الفقراء و المساكين فأشركوهم في معاشكم و الله الله فيما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلم به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن قال أوصيكم بالضعيفين نسائكم و ما ملكت أيمانكم الصلاة الصلاة لا تخافن في الله لومة لائم يكفيكم من أرادكم و بغى عليكم و قولوا للناس حسنا كما أمركم الله و لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر فيتولى الأمر شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليكم بالتواصل و التباذل و إياكم و التدابر و التقاطع و التفرق و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان و اتقوا الله إن الله شديد العقاب حفظكم الله من أهل بيت و حفظ فيكم نبيكم أستودعكم الله و أقرأ عليكم السلام و رحمة الله و بركاته .

و لم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض (صلى الله عليه وآله وسلم) في شهر رمضان سنة أربعين و غسله الحسن و الحسين و عبد الله بن جعفر و كفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص و كبر عليه الحسن تسع تكبيرات .

و كان (عليه السلام) نهى الحسن عن المثلة فقال يا بني عبد المطلب لا
[433]
ألفينكم تخوضون في دماء المسلمين خوضا تقولون قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي انظر يا حسن إن أنا مت من ضربتي هذه فاضربه ضربة و لا تمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول إياكم و المثلة و لو بالكلب العقور .

فلما قبض (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث الحسن (عليه السلام) إلى ابن ملجم فقتله و لفه الناس في البواري و أحرقوه و كان أنفذ إلى الحسن يقول إني و الله ما أعطيت الله عهدا إلا وفيت به إني عاهدت الله أن أقتل عليا و معاوية أو أموت دونهما فإن شئت خليت بيني و بينه و لك الله علي أن أقتله فإن قتلته و بقيت لآتينك حتى أضع يدي في يدك فقال أما و الله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله .

و ذكر أبو المؤيد في مناقبه يرفعه : أن عليا (عليه السلام) قال لأم كلثوم يا بنية ما أراني إلا قل ما أصحبكم قالت و لم يا أبة قال رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) البارحة في المنام و هو يمسح الغبار عن وجهي و يقول لي يا علي لا عليك قضيت ما عليك .

و عنه قال لما ضرب علي (عليه السلام) تلك الضربة قال فما فعل ضاربي أطعموه من طعامي و اسقوه من شرابي فإن عشت فأنا أولى بحقي و إن مت فاضربوه ضربة و لا تزيدوه عليها ثم أوصى الحسن فقال لا تغال في كفني فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول لا تغالوا في الكفن و امشوا بين المشيتين فإن كان خيرا عجلتموني و إن كان شرا ألقيتموني عن أكتافكم .

و بالإسناد عن الزهري قال : قال عبد الملك بن مروان أي واحد أنت إن حدثتني ما كانت علامة يوم قتل علي (عليه السلام) قال يا أمير المؤمنين ما رفعت حصاة ببيت المقدس إلا كانت تحتها دم عبيط فقال إني و إياك غريبان في هذا الحديث .

[434]
و عنه قال أبو القاسم الحسن بن محمد المعروف بابن الرفاء بالكوفة قال : كنت بالمسجد الحرام فرأيت الناس مجتمعون حول مقام إبراهيم فقلت ما هذا قالوا راهب أسلم فأشرفت عليه فإذا شيخ كبير عليه جبة صوف و قلنسوة صوف عظيم الخلق و هو قاعد بحذاء مقام إبراهيم فسمعته يقول كنت قاعدا في صومعتي فأشرفت منها فإذا طائر كالنسر قد سقط على صخرة على شاطئ البحر فتقيأ فرمى بربع إنسان ثم طار فتفقدته فعاد فتقيأ فرمى بربع إنسان كذا إلى أن تقيأ باقيه ثم طار فدنت الأرباع فقام رجلا فهو قائم و أنا أتعجب حتى انحدر الطير فضربه و أخذ ربعه و طار و فعل به في الثلاثة الأرباع كذلك فبقيت أتفكر و أتحسر أ لا أكون سألته من هو فبقيت أتفقد الصخرة حتى رأيت الطير فأقبل و فعل كما فعل فالتأمت الأرباع و صار رجلا فنزلت و قمت بإزائه و دنوت منه و سألته من أنت فسكت عني فقلت بحق من خلقك من أنت فقال أنا ابن ملجم فقلت و ما فعلت قال قتلت علي بن أبي طالب فوكل الله بي هذا الطائر يقتلني كل يوم قتلة فهذا خبري و انقض الطائر فأخذ ربعه و طار فسألت عن علي فقالوا ابن عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأسلمت .

قلت : قد اختصرت بعض ألفاظ هذه القصة لما فيها من تكرار فأثبت معناها و هي تناسب .

قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حين سأله (عليه السلام) من أشقى الناس قال عاقر الناقة و ضاربك على يافوخك هذا .

و عنه عن عثمان بن المغيرة قال : لما أن دخل رمضان كان علي يتعشى ليلة عند الحسن و ليلة عند الحسين و ليلة عند ابن عباس لا يزيد على ثلاث لقم يقول يأتيني أمر الله و أنا خميص إنما هي ليلة أو ليلتان فأصيب من الليل .

يقال فلان خميص الحشا أي ضامر البطن.

و بإسناده عن أبي بكر بن أبي شيبة قال : ولي علي بن أبي طالب خمس سنين و قتل سنة أربعين من مهاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو ابن ثلاث و ستين سنة قتل يوم
[435]
الجمعة الحادي و العشرين من شهر رمضان و مات يوم الأحد و دفن بالكوفة.

و بإسناده عن جابر قال : إني لشاهد لعلي و قد أتاه المرادي يستحمله فحمله ثم قال :

عذيري من خليلي من مراد *** أريد حباءه و يريد قتلي

كذا أورده فخر خوارزم و الذي نعرفه :

أريد حباءه و يريد قتلي عذيري ......... ... ... .

البيت ... ثم قال هذا و الله قاتلي .

قالوا : يا أمير المؤمنين أ فلا تقتله ?

قال : لا ; فمن يقتلني إذا , ثم قال :

اشدد حيازيمك للموت *** فإن الموت لاقيك‏

و لا تجزع من الموت *** إذا حل بناديك

لفظ اشدد زيادة على عروض البيت الحيزوم وسط الصدر و ما يشد عليه الحزام و الحزيم مثله.

و بإسناده قال إسماعيل بن عبد الرحمن : كان عبد الرحمن بن ملجم المرادي عشق امرأة من الخوارج من تيم الرباب يقال لها قطام فنكحها و أصدقها ثلاثة آلاف درهم و قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ففي ذلك قال الفرزدق :

فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة *** كمهر قطام من فصيح و أعجم

‏ثلاثة آلاف و عبد و قينة *** و ضرب علي بالحسام المصمم

‏فلا مهر أغلى من علي و إن غلا *** و لا قتل إلا دون قتل ابن ملجم

و ذكرت بهذه الأبيات قول القائل :

فلا غرو للأشراف قد عبثت بها *** ذئاب الأعادي من فصيح و أعجم

[436]
فحربة وحشي سقت حمزة الردى *** و حتف علي من حسام ابن ملجم

و ذكر الشيخ كمال الدين بن طلحة رحمه الله في كتاب مناقبه قال : قد تقدم القول في ولادته و بيان وقتها و إذا كان مبدأ عمره مضبوطا و هو الطرف الأول و كان آخر عمره مضبوطا و هو الطرف الثاني يستلزم ذلك ظهور مقدار مدة عمره و قد صح النقل أنه (عليه السلام) ضربه عبد الرحمن بن ملجم ليلة الجمعة لكن قيل لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان و قيل لتسعة عشر ليلة و قد نقله جماعة و قيل ليلة الحادي و العشرين من شهر رمضان و قيل ليلة الثالث و العشرين منه و مات ليلة الأحد ثالث ليلة ضرب من سنة أربعين للهجرة فيكون عمره خمسا و ستين سنة و قيل بل كان ثلاثا و ستين و قيل بل ثمان و خمسين سنة و قيل بل كان سبعا و خمسين سنة و أصح هذه الأقوال هو القول الأول فإنه يعضده ما نقل .

عن معروف رضي الله عنه قال : سمعت من أبي جعفر محمد بن علي الرضا س يقول قتل علي بن أبي طالب و له خمس و ستون سنة .

فهذه مدة عمره.

و أما تفصيل قتله : فقد نقل أنه (عليه السلام) لما فرغ من قتل الخوارج و أخذ في الرجوع إلى الكوفة سبقه عبد الرحمن بن ملجم إلى الكوفة يبشر أهلها بهلاك الشراة الخوارج فمر بدار من دور الكوفة فيها جمع فخرج منها نسوة فرأى فيهن امرأة يقال لها قطام بنت الأصبغ التميمي بها مسحة من حسن فأحبها و ساق كمال الدين حديث قتله قريبا مما أورده فخر خوارزم.

و قال فخرج في تلك الليلة و في داره إوز فلما صار في صحن الدار تصايح
[437]
في وجهه فقال (عليه السلام) : صوائح تتبعها نوائح و قيل صوارخ .

فقال ابنه الحسن (عليه السلام) : ما هذه الطيرة ?

فقال : يا بني لم أتطير و لكن قلبي يشهد أني مقتول .

و قال إنه ضربه و قد استفتح و قرأ و سجد سجدة فضربه على رأسه فوقعت الضربة على ضربة عمرو بن ود يوم الخندق بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .

قال ابن طلحة فلما مات (عليه السلام) غسله الحسن و الحسين و محمد يصب الماء ثم كفن و حنط و حمل و دفن في جوف الليل بالغري و قيل بين منزله و الجامع الأعظم و الله أعلم .

قال : و إذا كانت مدة عمره (عليه السلام) خمسا و ستين سنة على ما ظهر فاعلم منحك الله بألطاف تأييده أنه (عليه السلام) كان بمكة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أول عمره خمسا و عشرين سنة فمنها بعد المبعث و النبوة ثلاث عشرة سنة و قبلها اثنتي عشرة سنة ثم هاجر و أقام مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة إلى أن توفي عشر سنين ثم بقي بعد رسول الله إلى أن قتل ثلاثين سنة فذلك خمس و ستون سنة ... آخر كلامه .

و قال الشيخ المفيد رضي الله عنه قريبا مما ذكره ابن طلحة رحمه الله و الخوارزمي و زاد على ما أورده : أنهم كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الأشعث بن قيس ما في نفوسهم
[438]
من العزيمة على قتل أمير المؤمنين و واطأهم عليه و حضر الأشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه و كان حجر بن عدي رحمه الله في تلك الليلة بائتا في المسجد فسمع الأشعث يقول لابن ملجم النجا النجا بحاجتك فقد فضحك الصبح فأحس حجر بما أراد الأشعث فقال له قتلته يا أعور و خرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين ليخبره الخبر و يحذره القوم فخالفه أمير المؤمنين (عليه السلام) فدخل المسجد فسبقه ابن ملجم لعنه الله فضربه بالسيف و أقبل حجر و الناس يقولون قتل أمير المؤمنين.

و قال المفيد رحمه الله : و هرب القوم نحو أبواب المسجد و تبادر الناس لأخذهم فأما شبيب بن بجرة فأخذه رجل و صرعه و جلس على صدره و أخذ السيف من يده ليقتله فرأى الناس يقصدون نحوه فخشي أن يعجلوا عليه و لا يسمعوا منه فوثب عن صدره و خلاه و طرح السيف عن يده و مضى شبيب هاربا حتى دخل منزله .

و دخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره , فقال له : ما هذا ! لعلك قتلت أمير المؤمنين ?

فأراد أن يقول لا ; فقال نعم .

فمضى ابن عمه فاشتمل على سيفه ثم دخل عليه فضربه حتى قتله.

و أما ابن ملجم لعنه الله فإن رجلا من همدان لحقه فطرح عليه قطيفة كانت في
[439]
يده ثم صرعه و أخذ السيف من يده و جاء به إلى أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم) و أفلت الثالث فانسل بين الناس .

و لما دخل ابن ملجم لعنه الله على أمير المؤمنين (عليه السلام) نظر إليه ثم قال النفس بالنفس إن أنا مت فاقتلوه كما قتلني و إن سلمت رأيت فيه رأيي .

فقال ابن ملجم لعنه الله : و الله لقد ابتعته بألف و سممته بألف فإن خانني فأبعده الله .

قال و نادته أم كلثوم : يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين .

قال : إنما قتلت أباك .

قالت : يا عدو الله إني لأرجو أن لا يكون عليه بأس .

فقال لها : فأراك إنما تبكين علي إذا و الله لقد ضربته ضربة لو قسمت على أهل المصر لأهلكتهم .

فأخرج من بين يدي أمير المؤمنين و إن الناس لينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع و هم يقولون يا عدو الله ما ذا فعلت ? أهلكت أمة محمد و قتلت خير الناس ; و إنه لصامت ما ينطق .

و جاء الناس إلى أمير المؤمنين فقالوا مرنا بأمرك في عدو الله فقد أهلك الأمة و أفسد الملة .

فقال لهم : إن عشت رأيت فيه رأيي و إن هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبي ; اقتلوه .

ثم حرقوه بعد ذلك بالنار .

و روى أحمد بن حنبل في مسنده قال : لما ضرب ابن ملجم لعنه الله عليا ع الضربة قال علي افعلوا به كما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يفعل برجل أراد قتله فقال اقتلوه ثم حرقوه فلما قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) نحبه و فرغ أهله من دفنه جلس الحسن (عليه السلام) و أمر أن يؤتى بابن ملجم فجي‏ء به فلما وقف بين يديه قال يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين و أعظمت الفساد في الدين ثم أمر به فضربت عنقه .

و استوهبت أم الهيثم بنت الأسود النخعية جيفته منه لتتولى إحراقها ; فوهبها لها فأحرقتها بالنار .

و أما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على قتل معاوية و عمرو بن العاص فإن أحدهما ضرب معاوية و هو راكع فوقعت ضربته في أليته و نجا منها و أخذ فقتل من وقته و أما الآخر فإنه وافى عمرو بن العاص في تلك الليلة و قد وجد علة فاستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حبيبة العامري فضربه
[440]
بسيفه و هو يظن أنه عمرو بن العاص فأخذ و أتي به عمرا فقتله و مات خارجة في اليوم الثاني.

قلت هذا موضع بيت ابن زيدون و قد تقدم :

فليتها إذ فدت عمرا بخارجة *** فدت عليا بمن شاءت من البشر

هذا آخر ما ذكره المفيد رحمه الله في حديث مقتله و إنما أوردته ليعلم موضع نقل أصحابنا و أصحابهم فيه فما الخلاف فيه بطائل.

و قد ورد في موضع مدفنه بالغري من جهة أصحابنا ما هو كاف شاف و ليس ذكر ذلك مما يتعلق به غرض و الخلاف فيه ظاهر كل الشيعة متفقون على أنه دفن بالغري حيث هو معروف الآن يزار بأخبار يروونها عن السلف و فيهم الإمام المعصوم و الجمهور يذكرون مواضع أحدها هذا الموضع و هذا لا يضرنا فيه خلاف من خالف و ليكن هذا القدر كافيا و الله المستعان .
ذكر أولاده الذكور و الإناث (عليه السلام)
قال المفيد رحمه الله : أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) سبعة و عشرون ولدا ذكرا و أنثى الحسن و الحسين و زينب الكبرى و زينب الصغرى المكناة أم كلثوم أمهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين بنت سيد المرسلين محمد خاتم النبيين صلى الله عليه و آله و عليهم أجمعين و محمد المكنى أبا القاسم أمه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية و عمر و رقية كانا توأمين و أمهما أم حبيبة بنت ربيعة و العباس و جعفر و عثمان و عبد الله الشهداء مع أخيهم الحسين صلوات الله عليه و عليهم السلام بطف كربلاء أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد بن دارم و محمد الأصغر المكنى أبا بكر و عبيد الله الشهيدان مع أخيهما الحسين (عليه السلام) بالطف أمهما ليلى بنت مسعود الدارمية و يحيى و عون أمهما أسماء بنت عميس الخثعمية رضي الله عنها و أم الحسن و رملة أمهما أم مسعود بن عروة بن مسعود الثقفي و نفيسة و زينب الصغرى و رقية الصغرى و أم هانئ و أم الكرام و جمانة المكناة بأم جعفر و أمامة و أم سلمة و ميمونة و خديجة
[441]
و فاطمة رحمة الله عليهن لأمهات أولاد شتى.

و في الشيعة من يذكر أن فاطمة (صلى الله عليه وآله وسلم) أسقطت بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرا كان سماه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو حمل محسنا فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين (عليه السلام) ثمانية و عشرون ولدا و الله أعلم.

و قال كمال الدين بن طلحة رحمه الله .
الفصل الحادي عشر : في ذكر أولاده (عليه السلام)
اعلم أيدك الله بروح منه أن أقوال الناس اختلفت في عدد أولاده (عليه السلام) ذكورا و إناثا فمنهم من أكثر فعد منهم السقط و لم يسقط ذكر نسبه و منهم من أسقطه و لم ير أن يحتسب في العدة به فجاء قول كل واحد بمقتضى ما اعتمده في ذلك و يحسبه و الذي نقل من كتاب صفوة الصفوة و غيره من تأليف الأئمة المعتبرين أن أولاده الذكور أربعة عشر ذكرا و أولاده الإناث تسعة عشر أنثى و هذا تفصيل أسمائهم.

الذكور الحسن و الحسين و محمد الأكبر و عبيد الله و أبو بكر و العباس و عثمان و جعفر و عبد الله و محمد الأصغر و يحيى و عون و عمر و محمد الأوسط (عليه السلام) .

الإناث زينب الكبرى و أم كلثوم الكبرى و أم الحسن و رملة الكبرى أم هانئ و ميمونة و زينب الصغرى و رملة الصغرى و أم كلثوم الصغرى و رقية و فاطمة و أمامة و خديجة و أم الكرام و أم سلمة و أم جعفر و جمانة و تقية بنت أخرى لم يذكر اسمها ماتت صغيرة.

و ذكر قوم آخرون زيادة على ذلك و ذكروا فيهم محسنا شقيقا للحسن و الحسين (عليه السلام) كان سقطا فالحسن و الحسين و زينب الكبرى و أم كلثوم هؤلاء الأربعة رضي الله عنهم من الطهر البتول فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) و محمد الأكبر هو ابن الحنفية و اسمها خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية و قيل غير ذلك و عبيد الله و أبو بكر أمهما ليلى بنت مسعود و العباس و عثمان و جعفر و عبد الله و أمهم أم البنين بنت حزام بن خالد و يحيى و عون أمهما أسماء بنت عميس و محمد الأوسط أمه أمامة بنت

[442]
أبي العاص و هذه أمامة هي بنت زينب بنت رسول الله ص و أم الحسن و رملة الكبرى أمهما أم سعيد بنت عروة فهؤلاء من المعقود عليهن نكاحا و بقية الأولاد من أمهات شتى أمهات أولاد.

و كان يوم قتله (عليه السلام) عنده أربع حرائر في نكاح و هن أمامة بنت أبي العاص و هي بنت زينب بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تزوجها بعد موت خالتها البتول فاطمة (عليها السلام) و ليلى بنت مسعود التميمية و أسماء بنت عميس الخثعمية و أم البنين الكلابية و أمهات أولاد ثمانية عشر أم ولد.

هذا آخر ما أردت إثباته من مناقب مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) و أنا أعتذر إلى كرمه من التقصير و أتنصل من ميلي في جميع مزاياه إلى المعاذير كوني إذ شرعت في إثباتها لم أستقصها و حين عددتها لم أحصها و قد ضرب قبل المثل مكره أخوك لا بطل و ما ذاك إلا لعجزي عن الإحاطة بمفاخره و قصوري عن الإتيان بمآثره و كيف أحصي شرف من صاحبه المجد فما جانبه و وافقه السداد فما فارقه و حالفه الرشاد فما خالفه الله يؤيده و القرآن يعضده و الرسول يسدده و همته تنجده و الطاهرة زوجته و ولدها ولده الطهارة تكتنفه و النسب الهاشمي يعرفه و القرابة القريبة تشرفه و الإخوة تقدمه و الصهر يعظمه و أنفسنا تكرمه و الأب شريف الفخار و العم أسد الله الكرار و الأخ جعفر الطيار و الأم ذات الشرف و الفخار في الدين متين و من النبي مكين و على أسراره أمين و لكشف الكروب عن وجهه ضمين فما الليث الخادر أجرى منه جنانا و لا الغيث الماطر أندى منه بنانا و لا السيف الباتر أمضى منه لسانا الفتى بشهادة جبرئيل المؤمن بأسجال التنزيل المجاهد في ذات الله بحكم البرهان و الدليل المتصدق و كل مانع أو بخيل المناجي لما جفا الصديق و ضن بالقليل الهادي فما عراه لبس و لا تضليل سيد أبو سيدين فارس بدر و أحد و حنين زوج البتول أبو الريحانتين قرار القلب قرة العين و أي شرف ما افترع هضابه و أي فخر ما أفضى
[443]
ركابه و أي معقل عز ما فتح بابه و أي منار مجد ما امتطى غاربه و أي أمد جلال ما حاز مشارقه و مغاربه أحاطت به الرئاسة من كل جهاته و ظهرت السماحة و الحماسة من صلاته و صولاته و بذ النظراء و لا نظير له في دينه المتين و صلواته و جرى بإرادة الله و رسوله في حركاته و سكناته فعفافه و طهارته متساويان في منامه و يقظاته سيف الله و حجته و صراطه المستقيم و محجته و ما ذا عسى أن أقول و في أي جلباب أوصافه أجول و في أي نعوته أطلق لساني و بأي روية أفكر فيما له من المعاني و أين ثمرات سوده من يد الجاني و ما قصرت عنها إلا و غيري مقصر و لا قهقرت إلا و غيري مقهقر و ما اعتذرت إلا في موضع الاعتذار و لا ثنيت جواد بلاغتي إلا بعد أن قصرت الجياد في هذا المضمار و حبي يقتضي المبالغة في الإكثار و صعوبة هذه السبيل تحملني على الاقتصار و ما أشبه الحال بقول من قال :

أحبك حبا لو يفض يسيره *** على الخلق مات الخلق من شدة الحب‏

و أعلم أني بعد ذاك مقصر *** لأنك في أعلى المراتب من قلبي

فالبيت الثاني وصف حالي و من الله ذي المعالي أسأل أن يجعل ما اعتمدته في جميع هذا الكتاب خالصا لوجهه الكريم و موجبا لإحسانه العميم و امتنانه الجسيم فبه تعالى و تقدس اهتدينا إلى محبتهم و إليه جل و علا نتقرب بمودتهم و هم الأدلاء على الكريم و الهداة إلى نهجه القويم و صراطه المستقيم و الملازمة واضحة الدليل و على الله قصد السبيل .

[444]

نجز الجزء الأول من كشف الغمة في معرفة الأئمة نقلا من نسخة بخط المولى الصدر الكبير العالم العامل الكامل جامع شتات الفضائل المبرز على الأواخر و الأوائل مجد الدين الفضل بن يحيى بن علي بن المظفر بن الطيبي تغمده الله برحمته و حشره بكرمه مع ساداته و أئمته و النسخة المشار إليها منقولة من نسخة الأصل بخط المصنف قدس الله روحه و نور ضريحه مقابلة به وقع الفراغ منه يوم السبت لثلاث ليال بقين من شهر رمضان المبارك من سنة تسع و سبعمائة الهلالية على يد كاتبه أضعف عباد الله و أحوجهم إلى رحمته محمد بن محمد بن حسن بن الطويل الحلي الصفار الساكن يومئذ بواسط القصب رحم الله من نظر فيه و سأل الله مغفرة ذنوبه و ستر عيوبه و الحمد لله حق حمده و الصلاة و السلام على خير خلقه محمد بن عبد الله خاتم النبيين و سيد المرسلين و على أهل بيته الطيبين الطاهرين و أصحابه الكرام المنتجبين و هو حسبي و نعم الوكيل
و يتلوه في الجزء الثاني أخبار سيدة نساء العالمين فاطمة ابنة سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و أخبار الأئمة من ولدها (عليها السلام) حسب ما شرط في صدر الكتاب و الحمد لله أولا و آخرا و صلى الله على محمد النبي و آله الطاهرين صورة ما كان مكتوبا على مجلد الأصل بخط المصنف أسكنه الله بحبوحة جنانه .

نجز الجزء الأول من كشف الغمة في معرفة الأئمة على يد جامعه أفقر عباد الله إلى رحمته و شفاعة نبيه و أئمته علي بن عيسى بن أبي الفتح الإربلي عفا الله عنه في ثالث شعبان من سنة ثمان و سبعين و ستمائة ببغداد في داره بالجانب الغربي على شاطئ دجلة .
و يتلوه بعون الله و حسن توفيقه في المجلد الثاني أخبار سيدة نساء العالمين فاطمة ابنة سيد المرسلين محمد صلى الله عليه و آله و عليها و على بعلها و أخبار الأئمة من ولدها (عليه السلام) حسب ما شرطناه في صدر هذا الكتاب و الحمد لله بجميع محامده كما هو أهله و مستحقه و صلواته على سيدنا محمد و آله و صحبه الطيبين
[445]
الطاهرين و سلم تسليما كثيرا إلى هنا كلام المؤلف (رهـ) و رضي عنه و أرضاه بحق سيد العالمين محمد و آله المعصومين و حشره معهم في عقبى .

و كان على أصل هذه النسخة إجازة لمجد الدين الفضل بن يحيى الطيبي رحمه الله تعالى من جامع هذا الكتاب قدس الله روحه و نور ضريحه و جعل الأئمة الاثني عشر (عليه السلام) في الجنة مصابيحه بمنه و سعة رحمته و هذه صورتها قرأت هذا الكتاب و هو الجزء الأول من كتاب كشف الغمة في معرفة الأئمة على جامعه المولى الصدر و الصاحب الكبير المعظم مولى الأيادي ملك العلماء و الفضلاء واسطة العقد أبي الحسن علي بن السعيد فخر الدين عيسى بن أبي الفتح الإربلي أطال الله عمره و أجزل ثوابه و حشره مع أئمته .

و سمعه الجماعة المسمون فيه و هم : الصدر عماد الدين عبد الله بن محمد بن مكي و الشيخ العالم الفقيه شرف الدين أحمد بن عثمان النصيبي المدرس المالكي و شرف الدين أحمد بن الصدر تاج الدين محمد ولد مؤلفه و والده المذكور سمعا بعضا و أجيز لهما الباقي و الصدر الكبير عز الدين أبو علي الحسن بن أبي الهيجاء الإربلي و تاج الدين أبو الفتح بن حسين بن أبي بكر الإربلي سمع الجميع و الشيخ العالم مولانا ملك الفضلاء و العلماء أمين الدين عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن الجزري الأصل الموصلي المنشأ سمعه أجمع معارضا بنسخة الأصل و حسن بن إسحاق بن إبراهيم بن عياش الموصلي سمعه جميعه .

و محمود بن علي بن أبي القاسم سمع بعضا و أجيز البعض و الشيخ العالم تقي الدين إبراهيم بن محمد بن سالم سمع المجلسين الأخيرين و أجيز له الباقي .

و كتب العبد الفقير إلى رحمة الله و شفاعة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) و الأئمة الطاهرة الفضل بن يحيى بن علي بن المظفر بن الطيبي كاتبه و ذلك في مجالس عدة آخرها الإثنين رابع عشري شهر رمضان المبارك من سنة إحدى و تسعين و ستمائة .

[446]
و صلواته على سيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

و سمع السيد شمس الدين محمد بن الفضل العلوي الحسني بعضا و أجيز له البعض و كتب في التاريخ المذكور و هو رابع عشر شهر رمضان من السنة.

هذا صحيح و قد أجزت لهم نفعهم الله لهم و إيانا رواية ذلك عني بشروطه و كتب العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى عبد الله علي بن عيسى بن أبي الفتح في التاريخ حامدا لله و مصليا على رسوله و آله الطاهرين و سمع علي [عيسى] بن محمد ابن جامعه بعضا و أجيز الباقي و كتب علي بن عيسى تمت .
/ 1