أضواء على دولة الإمام المهدي
بقلم السيد ياسين الموسويمقدّمة المركز
تعتبر فكرة الإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف من أوائل الأفكار والقضايا انطباعاً في الذهن العقائدي الإسلامي, فلا يكاد يوجد مسلم مهتم بشؤون دينه الحنيف ـ مهما كان المذهب الذي ينتسب إليه ـ إلاّ وسمع أكثر من حديث بخصوص تلك الشخصيّة المباركة التي خلقها الباري عزّ وجل لتحقيق أمل الإنسانية السرمدي وحلم الأنبياء على مرّ العصور بأن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً. ومن غير المتعذّر على كل متتبّع أن يهتدي إلى الأهمية القصوى والاهتمام البالغ الذي أولاه الدين الحنيف لهذه الشخصية المقدّسة, وذلك من خلال الأحاديث والتأكيدات المتكاثرة الواردة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وعن الأئمّة المعصومين عليهم السلام من أهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً, وتناقلها المحدّثون من الطوائف والمذاهب الإسلامية كافّة, فقلّما تجد كتاباً يهتم بجمع الأحاديث يخلو من ذكر هذه الشخصية أو من ذكر مواصفاتها ومتعلّقاتها, حتى صارت فكرة الإمام المنتظر من المسلّمات التي لا يمكن لمنصف أو باحث عن الحقيقة أن يتنكّر لها أو يطوي عنها كشحاً, على الرغم من كثرة الاختلافات التي وقعت بين أبناء الطوائف الإسلامية في تحديد التفاصيل والجزئيات, من حيث ولادته وطول عمره وغيبته وما يتعلّق به من تفاصيل. إلاّ أنّ كل هذا الاهتمام الذي أولته الشريعة لهذه القضية المقدّسة لم يمنع المتصيّدين بالماء العكر من إثارة الشبهات وتوجيه الشكوك, فأثاروا بعض الغبار هنا وهناك للتعتيم على هذه الفكرة, والتشويش على هذه العقيدة الحقّة, فكثرت التساؤلات عن ولادته عليه السلام وغيبته وطول عمره, وغير ذلك ممّا يثيره المغرضون الذين تتعارض مصالحهم مع الإيمان بهذا المصلح الذي يبعث الأمل في نفوس المؤمنين, ثمّ تمادى البعض في غيّه, فأثار من الشبهات ما لم ينزّل الله به من سلطان, ممّا تسبّب في إخفاء بعض الحقائق ودثر بعض الشواهد الإلهية, كما ساعد على ذلك أيضاً تعسّف الظالمين الذي حاولوا طمس الحقائق بكل ما يتمكّنون عليه من وسائل فوقفوا بوجه كل المحاولات التي أرادت توضيح الحقائق وكشف ما استتر من الحق. وهذا الأمر هو الذي بعث فينا الإحساس بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقنا, وخصوصاً بعد انقشاع الظلمة, فبذلنا كل ما نملك من وسع لإزالة الأغبرة المتراكمة, وتوضيح الحقائق والبراهين الدالّة على حضور الإمام المؤمّل, وذلك من خلال النشاطات التي تبنّاها مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجّل الله فرجه, والتي كان من جملتها: 1 ـ الاهتمام بطباعة الكتب المختصة بالإمام المهدي عليه السلام . 2 ـ الاهتمام بطباعة ونشر المحاضرات المختصّة به عليه السلام. 3 ـ الاهتمام بنشر كل ما من شأنه تقوية ارتباط الأطفال بإمامهم. 4 ـ إصدار مجلّة شهرية تخصصية باسم (الانتظار). 5 ـ الاهتمام بالبعد الإعلامي المختص بالإمام عجل الله فرجه, من خلال كافّة وسائل الإعلام بما فيها الانترنت. 6 ـ الاهتمام بإقامة الندوات التخصّصية في هذا الشأن. وها نحن ـ عزيزي القارئ ـ نضع بين يديك هذا الكتيّب الذي يحمل بين طيّاته جزءً من الندوات التي أقامها المركز, حيث يستضيف علماءنا الأعلام وشخصياتنا الإسلامية المرموقة, لتوضيح الحقيقة, وللإجابة على كل الشبهات, ليظهر الحقّ جلياً واضحاً لا غبار عليه, وليتبيّن الطريق اللاحب لكل من أراد جادّة الحق.. حيث أخذت هذه الندوات طريقها للنشر من خلال صفحات الانترنيت ووسائل الإعلام المسموعة والمرئية, ومن خلال الأشرطة المسجّلة والأقراص المضغوطة, خدمة للدين الحنيف والمذهب الحق. وقد تفضل سماحة السيد ياسين الموسوي حفظه الله بإلقاء أربع ندوات علمية وفكرية حول الإمام المهدي عجل الله فرجه التي أقامها المركز في الكليات والمعاهد العلمية، شاكرين له ولجناب الدكتور الفاضل السيد حسن الحكيم رئيس جامعة الكوفة والسادة العمداء هذا التعاون الكريم. نسأل المولى عزّ وجل أن يجعل هذه الخطوات محطّ قبول ورضى إمامنا صاحب الزمان عليه السلام الذي يعيش بين أظهرنا ويتفقّد أحوالنا ويعلم بكل ما نسرّ وما نعلن, دون أن نراه.. إنّه نعم المولى ونعم المجيب. السيد محمد القبانجي مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام النجف الأشرف الندوة الأولى حركة الإمام المهدي «عجل اللّه فرجه» والحتمية الإلهية ألقيت الندوة في كلية التربية للبنات في النجف الأشرف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، الكوكب الطاهر والبدر الزاهر، والمصطفى الأمجد أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ومنكري فضائلهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين. اللهم ربنا وفقنا وجميع المشتغلين واجعله خالصاً لوجهك الكريم، إنك أرحم الراحمين. عندما يريد الإنسان أن يتحدث عن العقيدة المهدوية ربما يقع أمام ناظر الباحث موضوع مهم، هذا الموضوع هو البحث عن دور حركة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف فيما يسمى بالحتمية الإلهية. اصطلاح الحتمية الإلهية نقصد به البحث عن حلقة التغيير والتكوين الاجتماعي في المجتمع الإنساني، كما يعبر عنه في حلقات فلسفة التأريخ. نفترض في الأيديولوجية الماركسية حينما يتحدثون عن تطور المجتمعات الإنسانية تحت قانون الحتمية، الديالكتيكية يتعرضون إلى نقطة مهمة في عملية تطور المجتمع من دور إلى دور، بالضبط عندما نقرأ المفهوم الإسلامي للعالم وفلسفة التأريخ نجد أن الإسلام عنده هذه الرؤية العقائدية التي يفسر بها عملية التغيير الحضاري والتطور الاجتماعي في مجتمعات الإنسان. بما إنني لم أقصد من هذا البحث الحديث عن تلك القوانين الاجتماعية المؤثرة في تكوين نوعية الطبقة الاجتماعية وتسلسل تلك الطبقات، وإنما أتحدث عن حلقة واحدة بشكل إيجازي ـ بما يقتضيه ويتحمله الوقت الضيق ـ عن دور حركة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف. ملامح الحركة المهدوية:
لو قرأنا كلما كتب عن الإمام سواء في الفكر الإمامي أو الفكر الإسلامي غير الإمامي بل وحتى الفكر غير الإسلامي، فإنّ أوضح ما يمكن أن يتحدثوا عنه هو التغيير الذي سوف يحدث في حركة الإمام عجل الله فرجه، هذا أوّلاً. والشيء الثاني من تلك الحركة، هو أن تكون تلك الحركة خاتمة الحركات التغييرية في الأمم والمجتمعات الإنسانية، يعني يمكننا أن نقول: إن الحركة الأخيرة في تطور المجتمع الإنساني ككل سوف تنتهي بحلقة ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، وتبعاً لهذه الحقيقة يتضح أنّ حركة الإمام غير مسبوقة ـ لا كماً ولا نوعاً ـ بحركة تغييرية أخرى، وهو المعبر عنه دينياً بالنص النبوي المأثور والمجمع عليه في الفكر الإسلامي عموماً سواء السني أو الشيعي بما رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه يظهر فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.(1) هذا الموضوع، وهو كيفية وتحديد نوع امتلاء الأرض بالعدل الإلهي إضافة إلى شرح وتوضيح نوع امتلاء الأرض قبل ظهوره عجل الله فرجه الشريف بالظلم والجور الإنساني الذي يفعله الإنسان الخاطئ، سواء الخاطئ عن عمد أو الخاطئ عن غير عمد يحتاج إلى بحث لسنا الآن بصدد الحديث عنه، لأن هذا ـ واقعاً ـ موضوع بكر يلزم أن نتطرق إليه بتفاصيل، ويحتاج إلى وقت مفصل للحديث عنه. تكامل الأدوار:
أما الذي أردت أن أبيّنه في هذه اللحظات والدقائق هو أن هذه النقاط التي تحدثت عنها تتحدث عن نوعية هذه الحركة الختامية لمجتمع الإنسان. يعتمد الإنسان الذي يريد أن يدرس حركة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، يعتمد على توضيح وفهم مركّز لكيفية ظهور هذه الحركة، ومدى أممية هذه الحركة وسعة حركة الإمام عجل الله فرجه. الشيء الذي يمكننا أن نتحدث عنه باختصار هو أن التأريخ الإنساني بحلقاته المتقدمة سوف يصل إلى مستوى يؤهل الإنسان النوع ـ ولا أقصد الإنسان الفرد ـ الإنسان النوع يؤهلّه ليكون أهلاً لأن يحكمه العدل المهدوي، بتعبير آخر يعطيك جواباً عن سؤال يقول: لماذا لم يظهر الإمام المهدي في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولماذا لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو المهدي؟ وهذا سؤال بالنسبة إلى الشيعة الإمامية: لماذا لم يكن الإمام علي وهو سيد الأئمة وأبو الأئمة وخير الأئمة سلام الله عليه، لماذا لم يكن هو الإمام المهدي؟ وهكذا لو أردنا أن نجري السؤال على كل إمام من الأئمة المعصومين عليهم السلام. الواقع أن كل أحد منهم سلام الله عليه له دور تأريخي في تطوير حياة الإنسان وفي تأهيل المجتمع الإنساني لكي يدخل الدور المتقدم الذي يوصله إليه الإمام المتقدم، يعني بتعبير أوضح النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان دوره إيصال البشرية إلى مستوى معين، وطبعاً محدد، وقلت إن هذا الموضوع لا أقصد الحديث عن فلسفة التأريخ للرؤية الدينية الإسلامية، ولذلك أنا أشير إشارات إليه لأصل إلى النتيجة التي أتحدث عنها. فإنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم له دور في تأهيل البشرية لمستوى يمكن أن تتحمل ولاية علي بن أبي طالب ثم إن لأمير المؤمنين عليه السلام دوره الذي سلمه للإمام الحسن، وهكذا الأئمة من بعده، إن تشخيص هذه الأدوار يحتاج إلى بحث مستقل. ولكن هناك دور قد اشترك فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأمير والأئمة الباقين في تأهيل البشرية إلى أن تكون مستحقة لتولي الإمام المهدي لجميع أدوار الإمامة، يعني أن من مهمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومهمات الأئمة الباقين فضلاً وإضافة إلى مهماتهم الخاصة الأخرى هي تأهيل البشرية لأن يتقبلوا ويصلوا بمستوى ليس القبول فقط، بل أن يصلوا بمستوى الطرح الميداني لإمامة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف. أي أنه لو لم يكن الأئمة السابقون يقومون بهذا الدور لما كانت البشرية مؤهّلة لاستقبال دورها في ظل إمامة الإمام المهدي وقيامه في ذلك. على كل حال، الإمامة بالنسبة للإمام المهدي لم تكن منحصرة بالظهور، وإنما دوره في الظهور وقبل الظهور، والذي أخذ أبعاده عجل الله فرجه الشريف من يوم ولادته إلى الغيبتين الصغرى والكبرى، ولذلك نجد أن كل هذه الخصوصيات المتعلقة في هذه المرحلة من تأريخ الإنسانية هذه قد وردت على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى لسان الأنبياء الذين سبقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أننا نجد ذكر المهدي عجل الله فرجه الشريف بالكناية أو بالأسماء التي قُصّت بالكتب السماوية نجد تلك الأسماء موجودة في كتب السماء في التوراة والإنجيل. وقد ألفت كتب خاصة في ذكر الآيات الإنجيلية والآيات التوراتية التي ذكرت الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.(2) أي أن هذا الدور لم يبتدئ بالنبي، وإنما كان هذا الدور قد قام به الأنبياء من قبل. إن مجموع الرسالات السماوية قد اهتمت في تربية البشرية لمستوى أن تتقبل العقيدة المهدوية أولاً، والحركة المهدوية التي تتعمق وتترسخ عندما يظهر عجل الله فرجه الشريف، يعني عندنا مرحلة العقيدة، ومرحلة إجراء العقيدة في الواقع وتنفيذ تلك العقيدة على أرض الواقع وتنفيذها عندما يظهر عجل الله فرجه الشريف فيتم بذلك «أن يملأ الأرض قسطاً وعدلاً» تتم الخاتمة في حركات الطبقات الاجتماعية لرؤية دينية سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية. مراحل تأهيل المجتمع:
نلاحظ أيضاً، بعدما وضحنا هذه الحقيقة، وأن حركة الإمام هي الحلقة الأخيرة لنهضة المجتمع، نقول: لابد أن تؤهل الإنسانية ـ وأريد هنا أن أبين كيفية تأهيل المجتمع ـ هناك تصور واضح أن المجتمع الذي يظهر فيه الإمام يختلف عن المجتمعات السابقة عليه، المجتمع الذي يظهر فيه الإمام، ولا أقصد المجتمع الذي يصنعه الإمام، عندنا مجتمع يسبق الإمام، وعندنا مجتمع ينهض فيه الإمام، وعندنا مجتمع يصنعه الإمام عجل الله فرجه الشريف. المجتمع الذي قبل ظهور الإمام، وهو المجتمع الأول، وهو ممتد بعصر الإنسانية إلى مستوى أن تظهر علامات ظهوره عجل الله فرجه الشريف. بتعبير آخر: نريد أن ندرس علامات الظهور دراسة أكاديمية واضحة، تحدد الفلسفة الواقعية لحركة الإمام. إن الإنسانية قبل الظهور تكون بمستوى غير مؤهل لاستقبال حركة الإمام ولذلك لم يظهر الإمام، ولذلك لم يكن الإمام هو النبي، ولم يكن هو الأمير، ولم يكن الإمام عجل الله فرجه الشريف هو أحد آبائه عليهم السلام، لأن البشرية غير مؤهلة لهذه النهضة، البشرية لم تملك الأهلية لهذه النهضة، ولكن الأئمة عليهم السلام قد سعوا لإيجاد هذا المجتمع الذي يكون مؤهلاً ليظهر فيه الإمام، المجتمع حيثما يتكامل، وأشد تكاملٍ له في الغيبة الكبرى، فإذا تكامل هذا المجتمع في الغيبة الكبرى حينئذ تبدأ المرحلة الثانية، وهي مرحلة الظهور. ففي مرحلة الظهور يكون المجتمع الإنساني عموماً مؤهلاً بشيئين، ببعدين، بعنصرين يملكان ويحكمان المجتمع، العنصر الأول هو العنصر المخطئ، الذي يعبر عنه بالظلمة والجور، تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً. العنصر الثاني الذي نقرؤه في الروايات أن الإمام المهدي لا يظهر إلاّ بعد أن تتكامل له قواعده التي يتحرك بها في نهضته وحركته، قد يتصور البعض أن القواعد محدودة بعددٍ محدود، عندنا روايات بعضها معتبرة من حيث سند الحديث الروائي، وبعضها يسند تلك الروايات أن عدد الذين ينتظرون ظهوره عجل الله فرجه الشريف 313 كعدد أهل بدر.(3) هؤلاء الـ 313 يعبر عنهم بأسمائهم، بعض الروايات موجودة بأسمائهم وأوطانهم.(4) وأنا عندي ملاحظات على هذه القطعة من كون تلك الأسماء هل هي رمزية أم هي واقعية تعبر عن أشخاصهم، وكذلك المدن هل هي تعبر عن بعد رمزي للمناطق التي يظهر هؤلاء بها أم هي تعبر عن أسماء موجودة في الواقع وموصوفة ومشخصة، هذا الموضوع بنفسه يحتاج إلى وقت. وإن هذا العدد 313، هؤلاء الذين يعبر عنهم بقادة جند الإمام، هؤلاء الأشخاص ليسوا لوحدهم هم القاعدة التي ينتظرها الإمام، وإنما هؤلاء هم قادة لمجتمع إيماني يظهر قبل الإمام، يقوده هؤلاء القادة الـ313. أي أنه كما نقرأ يمتلئ الوجود الإنساني الاجتماعي بالظلم والجور، كذلك هناك مساحات واسعة من الإيمان والإنسان المؤمن، هذه المساحة التي يفترض أن توجد بدون تحديد، الروايات لم تحدّد سعة هذه المساحة وإنما ذكرت وجود هذه المساحة التي يقوم بها الإمام بالتغيير. طبعاً عندنا شواهد وروايات كثيرة تنص على هذه الحقيقة، هذه الروايات بعضها وجدت في زمان الأئمة عليهم السلام، روايات عن الإمام الصادق عليه السلام أن الإمام لا يظهر إلاّ في مجتمع خاص هذا المجتمع يكون مؤهّلاً لحكومة الإمام ولقيادة الإمام. إذا توفّر هذان العنصران: العنصر الأوّل القادة، والعنصر الثاني القاعدة التي تحكمها تلك القيادة، إذا توفّرت تكوّن مجتمع قبل الظهور، فدلّ على ذلك علامات، هذه العلامات تدل على ذلك المجتمع الذي سوف يكون على يديه التغيير الإلهي والحتميّة الإلهية. منبع التغيير:
من الطبيعي في هذه المرحلة عندما نتحدث عن عملية التغيير لابد أن نتذكر دور الإنسان في التغيير، وهنا بحث سياسي واجتماعي وفقهي على مستوى ثقافي واسع، في أنّ الأهمية في التغيير هل تعود إلى الأمة أم أن الأهمية تعود إلى القائد؟ يعني من هو الذي يغير؟ هل أن الإمام أو القائد هو الذي يغيّر الأمّة، أم أن الأمة هي التي تغيّر القائد. يعني لابد أن نكثف جهودنا على أي الأثنين؟ لإيجاد أي الأثنين؟ هل نكثف الجهد في إيجاد الإنسان القائد، أم نكثف الجهد في إيجاد الأمة القائدة؟ هذا الموضوع موضوع مهم جدّاً سواء على المستوى الفكري أو المستوى الميداني والعملي. فإذا قلنا ـ نحن كأناس نعيش في الأمة وكمكلفين ـ إن الذي يقود التغيير الإمام، إذن فما هو دور الأمة؟ وما هو دور الفرد في الأمّة؟ وأما إذا قلنا أن المغير هي الأمة، فسوف يكون تحركنا تحركاً آخراً في التغيير من إيجاد الأمة القادرة على التغيير. هذا الموضوع من الأهمية بمكان، لا أريد أن أشخص كل أبعاد هذا الموضوع أيضاً، وإنما قد عنونت من قبل هذه الحقيقة، قد أوفق في أيام أخرى أو أنتم تبحثون وراء هذه العناوين بالتفتيش عن معرفة الحقائق المغيرة. هذا له واقع أيضاً، ليس فقط من جانب النظريّة وإنّما من جانب الواقع، الأمّة الإسلامية أمّة مكلفة والإمام هو المغير، ولكن الإمام قبل الظهور في عصر الغيبة غير الإمام في عصر المعصوم والإمام في عصر المعصوم، غير الإمام بعد الظهور. هذا موضوع مهم جدّاً يحتاج إلى وقت مفصّل لأجل توضيح جميع خصوصيّاته، لا أخالني أملك الوقت الكافي لأتّعرض لكل أبعاد هذه النظريّة، وإنما أشير إليها إشارة لأجل إعطاء البُنى الأساسية لنظرية حتميّة ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف بتكامل الإنسان من أجل أن يأخذ الإنسان موقعه الأصلي في الحياة، فيتم قوله تعالى (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً)(5) يعني أن الإنسان الخليفة إذا أراد أن يجسد الحقيقة الغائية للخلقة في الأرض، إنما يتم ذلك عندما تتم الغاية القصوى لظهور المجتمع المؤهل لاستلام قيادة الإمام عجل الله فرجه الشريف. عصر الظهور:
على كل حال، هذا العصر الذي هو عصر أو مرحلة الظهور، ذكرت له علامات، هذه العلامات التي تتحدث عن هذه المرحلة، ثم بعد ذلك عندما تنتهي هذه المرحلة التي نعيش ـ ولله الحمد ـ أبعادها في عصورنا المتأخرة، نعيش هذه المرحلة، وهي مرحلة علامات الظهور أو مرحلة بداية الظهور. هذه المرحلة مرحلة مهمّة، أمّا متى تبتدئ وإلى أين تنتهي فهذه تحتاج أيضاً إلى وقفة، يعني متى بدأت؟ بعضهم ممن كتب عن الإمام يعتبر أنّ هذه المرحلة بدأت منذ العباسيين مع ظهور الحركة العباسيّة ضد الأمويين، البعض الآخر يعتبر أنّ هذه الحركة بدأت في عصور متأخّرة، كالعلامة المجلسي التي يعدّها بظهور الدولة الصفوية في إيران.(6) الآن لست بصدد تشخيص بداية المرحلة فإنني قلت: إنّها تحتاج إلى أرقام تخصيصيّة تحتاج إلى تفاصيل كاملة من أجل أن نضع النقاط على الحروف، ولكني أقول بضرس قاطع أنّها سوف تنتهي هذه المرحلة بظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف، وأقول أيضاً بضرس قاطع أنّنا نعيش هذه المرحلة وفي وسط هذه المرحلة، نعيش مرحلة التمهيد وتأهيل المجتمع لظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف. طبعاً لست الآن بصدد تحديد الوظيفة الشرعية لكل من حضر أو أريد أن أحدّد الوظيفة الشرعية للمكلّف المسلم في هذه المرحلة، وإنّما يعتمد في ذلك على ما كتبه كثير من علمائنا في تحديد الوظيفة، هناك كتاب اسمه (وظيفة الأنام في غيبة الإمام)(7) للسيد التقي الموسوي. عصر التكامل:
المرحلة الأخرى، وهي المرحلة العظمى في تأريخ الإنسانية، وهي الحتميّة أو نهاية الحتميّة، أو نهاية البداية لتطوّر الإنسانية، تتم بظهور الإمام، نلاحظ المجتمع الذي يقوده الإمام والذي يصنعه الإمام غير المجتمع الذي نحن فيه، هناك عدّة جوانب بارزة في مجتمع الإمام، التغيّر الكوني وليس الإنساني فقط في مجتمع الإمام هذا التغيير بعضه يصنعه الإمام والبعض الآخر يصنعه ملائكة الله أو التكوين الإلهي. أنا أبيّن نقاط بشكل مجمل، وهي تبيّن كيف أنّ الإمام يغير الإنسان: أولاً: أن الإنسان كإنسان، كنوع ـ سواء كان مسلماً أو غير مسلم ـ يصل إلى مستوى تتشخّص فيه قوى الخير من قوى الشر، يعني لا يوجد إنسان وسط، بل يكون إما إنسان خيّر مطلقاً، وإما إنسان شرير مطلقاً، هذا الحد لم يكن متوفراً قبل هذه المرحلة، أي قبل مرحلة ظهور الإمام لم تكن البشرية قد وصلت إلى هذه المرحلة من الحدّية بين الخير والشر، وإنما تصل البشرية إلى هذه الحدّية عندما تدخل البشرية مؤهّلةً آخر مرحلة من مراحل تغيير الإنسان للمجتمع الإنساني في ظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف، هذا أولاً. لذلك قوانين التحكّم سوف تتغيّر، سواء كان تشريعاً، حتى بعض التشريعات السماويّة سوف تتغير، وتنقلب كثير من الموازين إلى ألوان أخرى، وبعض التغييرات يشخصها الإمام ويتحرك بها الإمام. أنا أعطيك مثالاً لما يفعله الإمام، سواء فسّرناه على نحو الإعجاز أو فسرناه بأحد التفسيرات المعيّنة، وهو الروايات المتعددة في تغيير أصحاب الإمام، أحد تلك الروايات المرويّة عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «إذا قام قائمنا وضع يده على رؤوس العباد فجمع بها عقولهم وكملت به أحلامهم».(8) كمال الحلم بمعنى العقل أيضاً، هذا الكمال، الكمال العقلي، هل كانت الرواية ترمز إلى أنّ تلك الحركة من يد الإمام عجل الله فرجه الشريف المقصود بها يده المقدّسة أم أنه سوف تكون يده على تعبير المجاز أيضاً؟ اليد تعني القوة والسطوة التي يستخدمها الإمام، أن القوّة التي تكون السبب المركزي لكمال العقول، يعني تكامل العقل الإنساني. نحن الآن مبهورون بما وصلت إليه الإنسانية من التكنلوجية والتطوّر الذي نشاهده، لكن إذا ظهر الإمام عجل الله فرجه الشريف سوف يتكامل العقل الإنساني، هذا التكامل في كل أبعاده الجغرافية أو أبعاده العملية كان يعبر عنه العقل النظري والعقل العملي، يعني طريقة الإدراك سوف تتكامل في عصره. كما أنه سوف تتكامل الوسائل الممهّدة للعقل الإنساني التي من جملتها التطور التكنلوجي الذي يكون في عصره، وهكذا نجد في زمانه عجل الله فرجه الشريف أن أصحابه يكلم من في المشرق من في المغرب، كان سابقاً في زمان الأئمة عليهم السلام، ربما كان نوعاً من أنواع الإعجاز، الآن صار من البديهة بواسطة التقدم التكنلوجي. التطور الذي يحدث في عصر الإمام يخاف منه الغرب، وتوجد دراسات غربية ـ قرأت عنها منذ عشرات السنين ـ تتحدّث عن التطوّر التكنلوجي في عصر الإمام عجل الله فرجه الشريف، وكيف يخافون من هذا التطور الذي يرهب التطور الغربي، فالغرب يحسب حساباً لهذا التطور التكنلوجي المهدوي، هذا التطور الذي سوف يكون في زمان الإمام عليه السلام. الروايات الأخرى تتحدث عن تغيّر في قوى الإنسان، عندنا رواية ـ وأكثر من رواية ـ تتحدث عن هذا التغير في قوى الإنسان، التغيرات التي تحدث في الإنسان المهدوي هذه التغيرات، من جملتها أنه إذا ظهر مسح بيده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن إلاّ صار قلبه أشدّ من زبر الحديد، وأعطاه الله قوّة أربعين رجلاً.(9) كما تعرفون أن هذا العدد ـ ثلاثون وأربعون وسبعون ـ يعد للمبالغة وللكثرة، يعني تصل قوّة الرجل إلى ما لا نهاية من القوى البدنية والجسمية، والله أعلم بالتغير الفسلجي الذي سوف يحدث في إنسان عصر الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف. هذا التكامل للإنسان ليس على مستوى الإدراك والعقل فقط، وإنّما يشمل التكامل الجسماني أيضاً، القوى الأخرى التي تحكم هذه الدنيا، تغير الدنيا، تبدل الدنيا، الاكتفاء بنور الإمام عن ضوء الشمس والقمر.(10) الآن عندما يتحدث علماء الفلك ويضعون مدّة سنويّة حتّى تخمد الشمس أضواءها وتنطفئ الشمس، هذه المرحلة مهمّة في تأريخ البشرية، هل بانطفاء الشمس تنتهي الحياة في الأرض؟ كما قد يقال حالياً من احتمال وجود حياة في المريخ انتهت لمثل هذه الأسباب، أم هناك حياة ما بين انطفاء الشمس التي يقرها علماء الفلك حالياً إلى مرحلة الله أعلم كم مداها، هذه المرحلة تحدّث عنها الإسلام بتشخيص التطور أو التغير الكوني في عصر الإمام عجل الله فرجه الشريف. لا أطيل البحث، وإنما أنا أشرت إلى هذا الموضوع إشارات، هذه الإشارات تدعوني وتدعوكم إلى دراسة هذه المرحلة الخطيرة في حركة الإمام التي لا تعبر عن نهاية البشرية، وإنّما تعبّر عن غاية الكمال الكوني والكمال الإنساني والذي يتم ويتحقق في آخر مرحلة من مراحل التطور الإنساني في حركة الإمام المهدي والمعبر عنه بالحتمية الإلهية. أنا أضع هذا الموضوع في هذا الإطار وبهذا المقدار، لأجل لتلك الفراغات آفاقاً أخرى غير التي شملناها في الحديث في هذه الدقائق، وأسأل الله التوفيق لكم ولنا. والحمد لله رب العالمين الأسئلة والأجوبة
السؤال الأول: سيدي تحدثتم عن تأهيل النفس الإنسانية، ووردت آيات قرآنية كثيرة في مسألة الصراع بين الشر والخير، وقد نقلت كثير من هذه الآيات على أنّ أصحاب الخير هم قلة، فهذه النفس الإنسانية، هل هي محصورة بالمؤمنين أم تشمل غير المسلمين؟ الجواب: بطبيعة الحال أنّ الإنسان له موقفان الموقف الفردي والاجتماعي، الموقف الفردي متميّز عن الموقف الاجتماعي، وقد تحدثنا عن الجانب الاجتماعي كمجتمع، لأننا حينما نحلل في علم النفس مرة نتحدّث عن الإنسان الفرد، ومرة نحلل الإنسان ولكن في علم الاجتماع، أي الإنسان المجتمع. الجانب الذي تحدّثت فيه إنّما تحدّثت عن الجانب الاجتماعي في حركة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، وليس معنى ذلك غض النظر والطرف عن الجانب الفردي، لأن هناك ترابط بين الفرد وبين المجتمع، يعني أنه يمكن أن يفصل الواحد عن الآخر، ولكن كما أن هناك مؤثرات شخصانيّة للإنسان هناك مؤثّرات اجتماعية في الإنسان، يعني أقوى وأكبر من إرادة الإنسان التي في بعض نظريات علم الاجتماع يعبر عنها بالحتمية الاجتماعية أو الجبر الاجتماعي. أي أنه هناك جبر فردي وهناك جبر اجتماعي، لست أريد أن أحدّد وأشخص هاتين النظريتين وهل هي صحيحة، وإنما استشهد لأوضح الظروف التي أتحدث عنها، وهو أن الإنسان الفرد يحتاج إلى موقف تفصيلي، تحدثت عن الإنسان المجتمع. الإنسان الفرد في عصر الظهور وعصر ما قبل الظهور له دور كبير في إيجاد هذه الحالة الاجتماعية، لكن لم يكن الدور هو الدور الأوّل والآخر، وإنّما يبقى الإنسان بدوره الفرداني والشخصاني يؤثر، فيه الخيّر وفيه الشرير، ولكن هناك أبعاد اجتماعية تتحكم في عمليّة التغيير الاجتماعي في تطور المجتمع الإنساني. فكما تحدثت عن ذلك الجانب، يبقى الحديث كما هو معروف أن الإنسان فيه خيّر وفيه شرير ولكن التطور الاجتماعي يوصل الإنسان قبل مرحلة الظهور إلى منطقة المائز والحد الفاصل بين الخير والشر. السؤال الثاني ـ أو بالأحرى مداخلة من أحد الاخوة الحضورـ: قلتم سماحتكم ما معناه أن الإمام أو المصلح النهائي لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن أحد من الأئمة الأحد عشر قبل الإمام لأن المجتمع غير مؤهل لذلك. أقول: وذلك لأنّه لم يميز بين الخبيث والطيب وبما أننا نشهد الآن سقوط قانون وضعي بعد آخر لكونه غير صالح لكل الأزمان وحتى تصبح البشرية مدركة أنه لا يكون صلاحها إلاّ بدين الله ودين الله الصحيح ومن منابعه الأصلية، وهذا هو التمييز بين الخبيث والطيب. الجواب: إن هناك سؤال أثاره البعض لطول عمر الإمام عجل الله فرجه الشريف وبيّن هذا السؤال أنه ربّما يقال أن أحد أسباب طول عمر الإمام لزيادة خبرة الإمام، في الواقع نحن الإماميّة نعتبر هذا الجواب خاطئاً، لأننا نعتبر أن الإمام المعصوم عجل الله فرجه الشريف علمه لدنّي ولا تؤثّر عليه الظروف الاجتماعية لتطوّر علومه عجل الله فرجه الشريف، وإنّما العكس هو الصحيح أن الخبرات الاجتماعية كلما تكثّفت، كلما سبّبت تكامل البشرية، فتكون البشرية مؤهّلة لاستقبال الحركة المحددة للتغيير التام ما قبل وما بعد ـ من قبل ومن بعد ـ فهذه الخبرات التي أشار إليها الكاتب بإشارة من الإشارات إنما عبرت عنها بالتطوّر. السؤال الثالث: هل هناك رواية تقول أنه لا يكون أمركم ـ أي ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ـ حتى يأتي الله بقوم لا تضرهم الفتنة(11)، فهل هؤلاء القوم المقصود بهم الأمّة أم أصحاب الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ الجواب: عندما نتكلّم عن الأمّة ونتكلّم عن أصحاب الإمام لا نعتبر أصحاب الإمام شيئاً مجرداً عن الأمّة، وإنّما قلنا: إنّ الأمّة أو المجتمع الإيماني، وطبعاً ـ بطبيعة الحال ـ يكون الأصحاب هم قادة هذا المجتمع الإيماني، يكون هذا المجتمع مؤهّلاً لقيادة الإمام، ففي الواقع أنّه لا تمييز بين القادة والمجتمع لأنّه سوف يكون هؤلاء هم قادة المجتمع. السؤال الرابع: بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلى على محمد وآل محمد. هنا مجموعة من الأسئلة كلها تتمحور في محور واحد، نعرضها على سماحة السيد: الأول: ما هي الواجبات الملقاة على عاتقنا، وما هو دورنا كنساء وموظفات ومعلّمات؟ وكيف نتهيأ في هذا الزمان لظهور الإمام عجل الله فرجه الشريف. الثاني: ما هو دور المرأة المؤمنة في عصر الظهور؟ الثالث: هل هناك من النساء مع الإمام المهدي عليه السلام ؟ الرابع: ماذا على المكلف أن يقوم به لتعجيل فرجه عليه السلام؟ الخامس: كيف تتهيأ المرأة لعصر الظهور؟ السادس: هل تستطيع المرأة في زمن الظهور اللقاء معه عجل الله فرجه الشريف؟ السابع: هل صحيح أنّ الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف يقتل على يد امرأة وما هي مواصفاتها واسمها وأين تظهر؟ الجواب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. مجموع الأسئلة تتحدث بشكل عام عن دور المرأة قبل الظهور وبعد الظهور، والإسلام يرى أنّ المرأة قد وجّه إليها التكليف بمقدار ما وجّه إلى الرجل، عندما يقول تعالى: (إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً)(12) الكل يعلم أنّ الله خلق اثنين ـ لم يخلق واحداً ـ خلق آدم وحوّاء، التكامل الإنساني بين الطرفين، لكن الخطاب عندما يوجّه إلى آدم، وهذا خطاب التغليب ـ كما تعلمون ـ يوجّه إلى طرف مع أنه يقصد الطرفين. وأمّا التغليب الذي صار في هذه المحادثات الربانيّة، فهو لشدّة العلقة بين حوّاء المرأة وبين آدم الرجل حتّى صارا شيئاً واحداً في الخطاب، فلو قرأنا القرآن الكريم نجد تكاليف الصلاة وتكاليف الصيام تكاليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا توجد عندنا تكاليف قرآنية موجهة إلى الرجل وحده أو تكاليف قرآنية موجهة إلى المرأة، فمثلاً )وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيل)(13)، كلمة: (من) لم يقصد بها الرجل ولم يقصد بها المرأة، ولذلك كان الخطاب )يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (لم يقصد به الرجل وإنّما المقصود به خطاب التكليف للذين آمنوا، أي الذين تكونوا من رجل وامرأة. أقصد من هذا التصور أنّ الرؤية القرآنية والإسلامية للمرأة بمنزلة الرجل بمستوى واحد، ولا يفرّق القرآن ولن تفرّق سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام بين الرجل والمرأة إلاّ عندما تتميّز الخلقة، في باب تميّز الخلقة والتكوين، ليس في التشريع. أمّا التشريعات الخاصة بالمرأة، فإنّما جاءت نتيجة التميز التكويني للمرأة، فمثلاً عندما أسقط الله تعالى الجهاد عن المرأة وأوجبه على الرجل في زمن من الأزمنة عندما كانت الحرب تعتمد على استخدام العضلات، فإنما كان السبب هو أنّ التكوين الفسلجي للمرأة لا يستطيع أن يوفّر هذا التكليف، وكذلك عندما الله سبحانه وتعالى أسقط تكاليف معيّنة عن الرجل وأوجبها على المرأة، فذلك لأنه فاقد القدرة التكوينيّة أو لهذه التغيرات التكوينية لأداء ذلك التكليف. أمّا بالنسبة للمرأة في عصر التهيئة للظهور، فدورها نفس الدور، عندما نتحدّث ويكون الخطاب للتذكير وليس التأنيث لكن لم يقصد به التذكير بما هو تذكير، وإنّما المقصود به المكلف الذي يتكون من رجل ومرأة، ولذلك دور المرأة في عصر الغيبة وفي عصر التمهيد للظهور هو نفس دور الرجل وبنفس القوّة وبنفس الحساسيّة وبنفس التكليف، وعندما نتحدث مع المجتمع بهذا الأسلوب فسوف تعلم المرأة كيف تؤدي وظيفتها كما أن الرجل يعلم من خلال التكاليف الشرعية كيف يؤدي وظيفته، وهكذا بالنسبة لما بعد الظهور. طبيعي هذا الموضوع مهم، أحب أن أشير إليه إشارات وأترك التفاصيل، وهو أن حركة الإمام العسكرية بعد الظهور هل كما نعرفها نحن؟ حرب وقتال، أم هناك حركة أخرى وعندما تذكر الحرب في بعض الروايات فهي عبارة عن كناية ومجاز وألفاظ هدفها إيصال معنى هو أن حركة الإمام ضخمة وعظيمة تحتاج إلى بحث ودراسة، وهذا يحتاج إلى وقت لشرح تلك الأبعاد المهمة لتلك الحركة بالنسبة إلى الإمام. والحقيقة أن دور المرأة التغييري يتبين إذا عرفنا أن دور حركة الإمام ليست قتالاً بمعنى القتل والقتال فقط، وإنّما لتغيير الإنسان، سوف نعرف أن الدور واحد للرجل والمرأة. وأمّا أن المرأة سوف تقتل الإمام فلم أجده في رواية، هذه خرافة لم نجدها في كتب أصحابنا أو كتب غيرهم، ولم أسمعه إلاّ في حكايات جدّتي، وهناك بحث يا أخواتي هو أن الإمام عجل الله فرجه الشريف هل يقتل أو يموت ميتة طبيعية أو بإشاءة ربانية، هذا أصله بحث لست الآن بصدد التفاصيل عنه، توجد روايات عندنا أنّه يقتل، لكن عندنا روايات أيضاً يموت ميتة طبيعيّة(14)، واستميحكم عذراً لأنني في بعض الأحيان لا أستطيع أن أوضح لأني أحتاج إلى وقت. السؤال الخامس: لماذا نقول: حركة الإمام المهدي ولا نطلق عليها ثورة الإمام المهدي عليه السلام؟ الجواب: يتمكّن الإنسان أن يعبّر كلا التعبيرين، يريد يعبر الحركة التغيرية أو الثورة، هذا مصطلح يمكن التسامح به لأنه مصطلح والمتحدّث والمتكلّم والكاتب يستخدم المصطلح كما هو يصطلح عليه، ولا تشاح باستعمال الألفاظ. السؤال السادس: يظهر من الروايات أن الإمام المهدي يتخذ العراق (الكوفة) عاصمة له، فهل هذا الاختيار مبني على وجود قاعدة محبة أم لأسباب أخرى؟ الجواب: إن موقع العراق بالنسبة لحركة الإمام وموضع العراق، فيه جملة من الأبعاد المهمة التي سوف تتحقق في هذه البقعة المباركة، فإن عاصمة دولة الإمام عجل الله فرجه الشريف هي العراق وبالخصوص الكوفة، الكوفة معقل الإمام وبيت الإمام، لذلك عندنا في بعض الروايات أن مسجد سهيل ـ أي مسجد السهلة ـ هو بيت الإمام(15) طبعاً هذا الموضوع كيف يكون مسجداً وبيتاً موضوع لطيف وطريف وفيه من المعالم العقائدية والفكرية التي تحتاج إلى تفصيل، كيف كان مسجد النبي بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ وبيت فاطمة عليها السلام في المسجد؟ ولذلك سدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل الأبواب التي كانت تطل علي المسجد إلاّ بيت علي عليه السلام (16)، لأن بيت علي هو بيت النبي وهو المسجد ـ أي لا فرق بين بيت علي والمسجد ـ لأنّ إرادة الله شاءت أن تكون للإمامة موقعها الخاص، وهذا يحتاج إلى تفصيل، وأن مسجد السهلة سوف يكون بيت الإمام، وفي هذا البيت سوف تشدّ الرايات للإمام المهدي، أي أن مركز الحرب يبتدئ هناك، والسبب في ذلك هو أنّ هذا الشعب بإرادة الله تبارك وتعالى سوف يبلغ القمة في التمحيص. عندنا روايات تتحدّث عن الآية الكريمة )وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَْمْوالِ وَالأَْنْفُسِ وَالثَّمَراتِ( ثم الآية تقول: )وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)(17) الإمام الصادق عليه السلام يقول: إن هذه خاصّة بأهل العراق(18)، يعني أن هذه العلامات، التي هي علامات الضغط، نقص في الأموال والثمرات ثم القتل والدمار والدم الذي سال في العراق وعلى أرض العراق. أمّا لماذا أنّ الله ابتلى أهل العراق بهذا الابتلاء؟! للأسف هناك ثقافة أمويّة ـ وليس ثقافة علوية هاشمية ـ أمويّة حاولت أن تثبّت كثيراً من قطاعات الأمّة على الانحراف باتهام العراقيين بأنّ هؤلاء يستحقون العذاب والمرارة لأنهم أهل الشقاق والنفاق، هذه الثقافة الأموية لماذا خصّوا بها أهل العراق ولم يختصوا أهل الشام؟! لأن أهل العراق من بداية تأسيس العراق وقبل أن يأتي الإمام أمير المؤمنين إلى الكوفة أسّس على أساس علوي هاشمي، ولذلك النهضة الأولى التي أسقطت الانحراف قبل أن ترجع زمام الإمامة إلى الإمام ابتدأت من العراق، والتصحيح بدأ من الكوفة، حرب الانحراف بدأت من الكوفة، الحرب ضد الانحراف بدأت من الكوفة، لأن الكوفة كانت علويّة من بداياتها وكبرت علويّة الكوفة، وبقيت الكوفة وبقي العراق علوياً، وبتعبير آخر محمّدياً، بتعبير آخر الإسلام الصحيح هو في العراق، ولذلك كان على عاتق هذا الشعب بناء جيش الإمام المنتظر عجل الله فرجه الشريف وعلى عاتق هذا الشعب قيادة البشريّة في التغيير الذي يحدث عند ظهور المهدي. ولذلك سوف يبتلي الله هذا الشعب بهذه الابتلاءات ويشدّد التمحيص ويشدّد الابتلاء، لأنّه في الروايات عندنا روايات الابتلاء وروايات الفتن: كلّما اشتد الابتلاء وكلما كثرت المحن كلما زكى هذا الإنسان، وهذا المجتمع وهذا الشعب وكان أكثر أهميّة لقيادة البشرية، كما أن الحديد كلما سلّطت عليه النار كلما تخلّص من الشوائب وكلما كان أنقى وكان أكثر تحمّلاً للصعوبات. المصاعب التي مر بهذا الشعب كانت مقصودة لأنّ هذا الشعب هو قائد العالم، قائد التغيير للدنيا في عصر الظهور، وأعطيكم مثالاً صغيراً رأيناه بأم أعيننا: العراقي في أي بلد كان من البلاد ـ حتى وإن كان قبل خروجه من العراق ليس متديّناً ـ عندما يخرج إلى بلد من بلدان العالم أول ما يشيد في ذلك البلد حسينيّة، يبني مسجداً، يقام مجلس الحسين عليه السلام، الآن الأرض بأبعادها امتلأت بذكر الحسين من يوم هاجر العراقيون إلى العالم، فهذه حكمة إلهيّة أن يكون هذا الإنسان يربّى هذه التربية ويعلّم هذا التعليم الذي له ـ قطعاً ـ يد غيبيّة فيكون هذا الإنسان له دور حالياًَ، فكيف يكون دوره في التغيير المستقبلي؟! إن شاء الله يقوم بتغيير الأمّة وتغيير العالم. لعله لهذه الأسباب يكون وتكون منشأ أهميّة العراق. الحمد لله رب العالمين (1) راجع سنن أبي داود، ج 2: 309، ح 4282، المستدرك للحاكم، ج 4: 465، مسند أحمد، ج 3: 27، كمال الدين للصدوق: 256، باب 24، ح1 و2. (2) راجع: كتاب بشارات العهدين للدكتور محمد الصادقي، كتاب المصلح المنتظر في أحاديث الأديان لمحمد أمين زين الدين العاملي، الإمام المهدي في كتب الأمم السابقة والمسلمين لمحمد رضا حكيمي. (3) راجع المستدرك للحاكم، ج 4: 431، المصنف لابن أبي شيبة، ج8: 609، ح 115، كنز العمال للمتقي الهندي، ج 14: 271، ح 38696. (4) راجع الملاحم والفتن لابن طاووس: 147، عن كتاب الفتن للسليلي. (5) البقرة (2): 30. (6) البحار للمجلسي، ج 52: 243. (7) طبع الكتاب من قبل مركزنا تحت سلسلة التراث المهدوي. (8) الكافي للكليني، ج 1: 25، ح 21 (كتاب العقل والجهل). (9) الخصال للصدوق: 541، ح14، كمال الدين للصدوق: 653، ح 17 و673، ح 26. (10) تفسير القمي، ج 2: 253، عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى )وَأَشْرَقَتِ الأَْرْضُ بِنُورِ رَبِّه) قال: رب الأرض يعني إمام الأرض، فقلت: فإذا خرج يكون ماذا؟ قال: إذاً يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور القمر ويجتزون بنور الإمام. (11) عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة قال:... لا يبقى منكم إلا عصابة لا تضرها الفتنة شيئاً. راجع كتاب الغيبة للنعماني: 210، ح 17. (12) البقرة (2): 30. (13) آل عمران (3): 97. (14) انظر كتاب الفتن لابن حماد: 248. (15) الكافي للكليني، ج 3: 494، ح 2، باب (مسجد السهلة). (16) يشير إلى ذلك ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: «سدوا الأبواب كلها إلا باب علي، وأومى إلى باب علي»، راجع كنز العمال، ج 13: 136، ح 36432. (17) البقرة (2): 155. (18) غيبة النعماني: 250، ب 14، ح 5 وح6 وح7. الندوة الثانية دور العراق في حركة الإمام المهدي«عجل اللّه فرجه» ألقيت هذه الندوة في كلية الآداب في النجف الأشرف بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعن على منكري فضائلهم إلى يوم الدين. اللهم ربنا وفقنا وجميع المؤمنين، واجعله خالصاً لوجهك الكريم، إنّك أرحم الراحمين. شمولية النظريّة الإسلامية: عندما نتحدّث عن حركة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، وندرس خريطة الحركة تقف أمامنا مواقع كثيرة مهمّة ذكرت بالروايات المستقبليّة لحركة الإمام، وأهم تلك المواقع هو العراق، موقع العراق على خارطة حركة الإمام، وجدنا أن هذا الموقع أخذ اهتماماً كبيراً بالروايات. قبل أن نتحدّث عن تفاصيل وجزئيات هذا الموقع الوارد في الروايات الشريفة لابد من الحديث كمقدّمة أولى عن دفع دخل ـ كما يقول العلماء ـ لموضوع الحديث الجغرافي عن المناطق: إن الفكر الإسلامي يعالج مسألة المكان برؤية فلسفيّة ثورية واقعية، وأثر المكان في حركة الإنسان، هذا الموضوع من الأهمية والضرورة التي تجعل الباحث أن يتطرق إلى عالمية الإسلام والمفاهيم التي جاء بها كأدليوجية حملها إنسان بدون قيد زماني أو مكاني. عندما نقرأ )وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ)(1)، فهو كسر لطوق المكانية وطوق الزمانية، يعني أن المؤثرات المكانية والزمانية سوف تنعدم عن الروح والفكر الثوري الإسلامي. نلاحظ أن الأطروحات المؤطرة بأطر مكانية، كالأطروحة القومية، سواء ما سميت بالقومية العربية أو القومية الفارسية أو القومية الألمانية أو أي أطروحة قومية أخرى، تأثير المكان على الأطروحة، يعني أُخذ في الأطروحة موضوع المكان كمسألة أساسية وأولية، يحدّد طوق تلك الأطروحة وذلك المشروع الفكري أو الثقافي الذي يطرح للأمّة المختصة بالمكان. فالقومية العربية تتحدث عن مكان محدد بوطن سموه بالوطن العربي، والقومية الفارسية تحدثت عن المكان الذي يحكمه جوّ من الانتماء العرقي أو الانتماء المكاني، وهكذا في القوميات الألمانية والقوميات الأخرى التي طرحت في أوربا في عصور تسبق ما طرح في وطننا العربي أو وطننا الإسلامي. لا أريد أن أعالج مسألة المكان وهل أنّ الإسلام قد أكّد على هذا المنطق في طرحه وفي مفهومه وفي المقدار الشرعي واللاشرعي فيه، لأن هذا الموضوع لابد أن يجرنا للحديث عن مفهوم الوطن وعن مفهوم القومية، وقد سبق لي أن طرحت هذا الموضوع في كتب مطبوعة ومنشورة على نحو مستقل ومنشورة في عدّة صحف في العراق وفي غير العراق. خصوصيّة العراق: لكني أريد أن أشير إلى أنّنا وإن تجاوزنا بطرحنا العام وطرحنا الأممي، والفكر الإسلامي تجاوز الموقع المكاني والزماني فالإسلام ليس لأمّة دون أمّة ولزمان دون زمان، مع أننا نؤكد على هذه الحقيقة فأننا نؤكّد أن هناك أموراً لابد أن نتحدث عنها بواقعية، وهي أن في كثير من الأحيان للمكان خصوصية في تحديد مواقع المبادئ والعقائد. عندما نتحدث عن العراق، فإنّ العراق يحتاج للحديث عنه من خلال الرؤية الإمامية الشيعية للعراق، نتحدث عنه كمستقبل، ونتحدث عنه كماضي مؤثّر في المستقبل ومؤثر في الحاضر، نتحدث عن العراق كموقع اهّتم به أهل البيت عليهم السلام فكرياً واهتموا به تطبيقياً وميدانياً. هذا الموضوع بنفسه يحتاج إلى تفصيل ويحتاج إلى حديث خاص في العراق بملاحظة ما ورد في العراق من روايات أهل البيت عليهم السلام من موقع قيادي في الماضي والحاضر والمستقبل، ولكني أختصّ بالحديث في هذه المحاضرة عن العراق ودور العراق المستقبلي للأمّة، الدور المستقبلي للأمّة في حركة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه. وجدنا هناك تنوعاً بالروايات وتحديداً لكثير من الخصوصيات التي تتحدث عن العراق كموقع جغرافي، عبّرنا عنه باصطلاح المكان، وهناك شيء آخر وجدناه في الروايات، تحدثت عن الناس والمجتمع الذي يعيش في هذه البقعة من الأرض والذي قد أعبر عنه بالعراقيين، وأقصد سكان هذه الأرض بدون لحاظ الانتماء العرقي أو غير ذلك من الانتماءات وتحديد الهوية والجنسية، وما إلى ذلك مما يمكن للإنسان أن يتعرّض أو لابد أن يشخص تلك الخصوصيات، يعني من هو العراقي ومن هو غير العراقي، هذا سوف أغضّ الطرف عنه في هذه المحاضرة، لأني أرى أن الروايات تحدثت عن العراقي الذي يكون في هذه المنطقة ويحمل همّ هذه الأرض وينتمي جغرافياًّ وليس قطرياً وإقليمياً فحسب، بل ينتمي جغرافياً لهذه الأرض المسماة بالعراق. مراحل دور العراق: العراق له دور مستقبلي في حركة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، ألاحظ أن الروايات التي تحدّثت عن العراق أخذت عدت صور بالحديث، فمرّة تحدثت عن العراق الذي يسبق الظهور، وأخرى الروايات التي تحدّثت عن العراق الذي يمهد للظهور، وأخرى تحدثت الروايات عن العراق الذي سوف يشارك في الظهور، بمعنى مراحل ثلاث يمر بها العراق، هذه المراحل الثلاث هي: المرحلة الأولى: قبل التمهيد وهي المرحلة التي تسبق التمهيد للظهور، وقد عبرت عنها الروايات أن الأمّة في العراق سوف يعانون التمحيص وسوف يعانون الابتلاء والشدة من حكام جور سوف يحكمون هذا البلد ويحكمون هذه البقعة الجغرافية، هذا الجور يؤدي إلى حالات صعبة يمر بها العراق والشعب العراقي، هذه الحالات قد عبرت عنها الروايات بأنواع مختلفة. من جملة تلك الأنواع التي يمر بها العراق في عصر قبل التمهيد، وهو العصر الأوّل الذي نتحدّث عنه، أن هذه المرارة التي يمر بها المجتمع العراقي سوف تؤدّي إلى عدّة ضغوط، منها نفسيّة وضغوط دينيّة وضغوط اقتصادية، وحتى في طوبوغرافية المجتمع العراقي. هذه الصور المتعددة التي تحدثت عنها الروايات صورت لنا أن العراق سوف يُحكم من قبل حكّام جور، هؤلاء الحكام يغيرون كثيراً من خصوصيّة هذه المنطقة مما يجعل المنطقة تعيش في حصار اقتصادي، وهو المعبر عنه في الروايات بالجوع: «يشمل أهل العراق جوع ذريع.. يشمل أهل العراق نقص في الأموال»(2) هذا كله يوجد في نصوص وروايات وردت عن الإمام الصادق عليه السلام والأئمة عليهم السلام تحدثوا عن الجوع والحصار والألم الاقتصادي الذي يمر به الشعب العراقي قبل مرحلة التمهيد. هذا شيء قد مر به العراق مرات كثيرة، ولكن قد يكون آخر مرة مر به خلال الحقبة الزمنية الأخيرة التي تجاوزت العشر سنوات. الشيء الآخر الذي يمر به العراق حالة الحروب المتكررة وكثرة الدم وكثرة القتل وكثرة الذبح، مما يؤدي إلى انتشار حالة اجتماعية مرفوضة، وهي حالة الخوف الذريع، والخوف الذريع سببه اللاأمن الذي سوف يكون في العراق. هذا الخوف الذريع ـ للأسف الشديد ـ سوف يؤثر على إرادة الإنسان، لأن الإنسان بطبيعته تحكمه خصوصيات اجتماعية ونفسية وإن أراد أن يتجرد منها أو يكبر عليها، لكن هناك ضغوط اجتماعية قد تفقد الإنسان في كثير من الأحيان إرادته، هذه الحالة سببها الخوف، والذي يمكن أن نرجع سكوت الشعب العراقي أو كثير من قطاعات الشعب العراقي عما مر عليه من الاضطهاد والحرمان والعذاب والقتل وما إلى ذلك، مع أنه كان ـ تقريباً ـ ساكتاً بالشكل العام نتيجة في كثير من الأحيان لما يفسر بفقدان الإرادة، فالإنسان عندما يرى الظلم لابد أن يقاتل الظلم لكنه كان فاقد الإرادة أمام الظلم وغير قادر على أن يجابه الظلام والحكام الذين سبق وأن حكموه وسلبوا إرادته. هذه الحالة تظهر قبل مرحلة التمهيد، والتي عبر عنها الإمام الصادق عليه السلام في كثير من تلك الأحيان بأنه «وخوف ذريع يشمل أهل العراق». هذا الخوف الذريع قد يؤدي إلى تغيير خصوصيات التفكير عند الإنسان، ولكن مع ذلك هذا الخوف الذريع، قد يؤدّي إلى حالة إيجابية، ليست فقط السلبية، وإنما قد تكون هناك حالة إيجابية، وهذه الحالة الإيجابية تميز وتغربل الناس بغربال كما يقول الإمام الصادق عليه السلام: «بغربال» تميّزهم على قسمين وهذه الرواية رواها النعماني في غيبته عن أبي بصير عندما كلّمه الإمام الصادق على ما يمر على أهل العراق من الفتن والامتحان والبلايا، وأنهم يغربلون كغربلة الغربال فيميز أحدهم عن الآخر، الرديء عن الحسن.(3) هذا التمييز إنما يأتي من الفتن، يأتي من الضغوط التي يمر بها المجتمع العراقي، هذا في هذه المرحلة. هنا سؤال قد يثار: لماذا يمتحن هذا الشعب بهذا الامتحان، وقد نجد أن أكثر الروايات التي تحدّثت عن عصر الظهور، بحيث أنّ الفقيه وأن القارئ المستنبط لتلك الروايات التي تحدثت عن عصر الظهور يجد أن أكثر تلك الروايات التي تحدثت عن عصر الظهور وما فيها من علامات ودلالات وآيات وما إلى ذلك تحدث بالعراق؟ يعني هذه المرحلة التمهيدية ـ المرحلة الأولى ـ أن هذه العلامات أكثرها تصير في العراق قبل أن تشمل العالم وقبل أن تشمل المناطق الأخرى، لماذا هذا التمحيص والابتلاء في العراق؟ لماذا هذا الامتحان وشده الامتحان في العراق؟ الجواب: لأن الله سبحانه وتعالى أخذ العراق مكاناً جغرافياً مهماً لحركة الإمام المهدي، وهو الذي نقرؤه في العصر الثالث، وهو عصر ظهوره وعصر حركته عجل الله تعالى فرجه الشريف، فإنّ موقع التحرك المهم يكون في العراق، ولذلك سوف يكون هذا الموقع بأهميته أن يكون الجمهور والمجتمع والناس الذين يسكنون في هذا الموقع الجغرافي يكونون بمستوى هذه المهمة. بمعنى أنه لابد من تناسب طردي بين مهمة المهمة وبين شخصية المجتمع الذي يسكن في تلك الأرض التي تتحمل هذه المهمة، عندما نقرأ أن عاصمة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه سوف تكون في العراق وتكون في الكوفة، عندما نقرأ أن مرحلة تحرك الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه تكون من الكوفة أو من العراق فلابد أن يكون المجتمع في ذلك الموقع قد تحمل كل الامتحانات ولم يسقط أمامها، وتحمل كل الهموم ولم يسقط أمامها. هذا المجتمع الذي لم يسقط أو الذي خرج من الامتحان ناجحاً يكون مؤهلاً لقيادة البشرية وقيادة العالم، فلذلك لأجل أن يكون هذا المجتمع القائد والمجتمع الرائد الذي يقوم بمرحلة هداية البشرية، لابد أن يكون قد مر بالامتحانات السابقة الصعبة وقد خرج منها ناجحاً. وبالفعل كان التأكيد الإلهي على العراق لأن العراق دولة الإمام، ولأن العراق مجتمع الإمام، ولأن العراق محط قيادة قادة الإمام وجند الإمام، لذلك لابد لهذا المجتمع أن يمر بالامتحان. إذن هذا الامتحان وهذا العذاب وهذا التمحيص لم يكن سخطاً إلهياً على المجتمع كما يصوّره بعض الناس عندما يقرؤون حركة الإمام، وإنما هذه العلامات التي تظهر من أجل أن يوفر المجتمع كل خصوصيات وكل صفات القيادة المؤهلة له لقيادة البشرية، نلاحظ الدور الإيجابي للمجتمع العراقي في عصر الظهور، هذا الدور مترابط بالمراحل. إذن هذا العذاب وهذا المرار الذي يمر به العراق ويمر به المجتمع العراقي سوف يؤهّله وينظّمه ليأخذ دوره الطبيعي. نحن في عقيدتنا الإمامية أن الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه لا يظهر بصورة إعجازية ويريد أن يثبت الإعجاز في الأرض وفي الوجود، وإنما يظهر عجل الله تعالى فرجه بشكل طبيعي عندما تتوفّر القواعد وتتهيّأ القيادة المؤهّلة لذلك الدور التغييري للعالم، وليس للعراق فقط، وليس للعرب فقط، وليس للمسلمين فقط، وإنما التغيير الأرضي، وبواسطة التغيير الأرضي سوف يكون هناك تغيير كوني، فالكون سوف يتغيّر. قد تعجب كيف يكون تغيير الكون؟! هذا يحتاج إلى حديث حول دور المهدي في تغيير المجموعة الشمسيّة وحركة المجموعة الشمسيّة، وهذا فيه لحاظات ليست انطلاقاً من روايات وأحاديث فقط وإنما من خلال بحوث علمية تتحدث عن هذا التغيير الكوني الذي سوف يحدث في عصر المهدي عجل الله تعالى فرجه. المرحلة الثانية: التمهيد هذا التغيير الذي يقوم به الإمام يبتدئ من العراق، ولذلك يحتاج هذا الدور إلى تمهيد، وهي المرحلة الثانية: مرحلة التمهيد، يأخذ العراق دوراً كبيراً قبل أن يتحرك الإمام وقبل أن يظهر الإمام. لابدّ لهذا المجتمع الذي خرج من الامتحان ناجحاً، لابد أن يكون له دور الممهّد لظهور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه. هناك روايات تتحدث عن الممهدين للمهدي سلطانه وعن الموطّئين ـ الذين تعبّر عنهم الروايات: الموطئون للمهدي سلطانه(4) ـ هؤلاء ينطلقون بحركتهم من العراق إلى خراسان، يعني هذه حركة متواصلة، ولا أريد أن أتحدّث عن الجانب الجغرافي لوجود هذه الحركة المتّصلة؛ العراق خراسان والمناطق الأخرى، إنّما أتحدّث عن هذا الجانب في هذه المحاضرة وهو: أنّ العراق جزء من الموطّئين والممهّدين للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه. هناك روايات متنوّعة تحدّثت عن هذا التمهيد، من جملة الروايات التي تحدثّت عن أن هناك قوى بمستوى الوعي وبمستوى الإدراك وبمستوى المسؤولية للتغيير الشمولي للدنيا في العراق قبل الظهور، إقرأ هذه الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام: قال: «يدخل الكوفة ـ يعني الإمام المهدي عجل الله فرجه ـ وبها ثلاث رايات قد اضطربت فتصفو له، ويدخل حتّى يأتي المنبر فيخطب فلا يدري الناس ما يقول من البكاء».(5) لاحظ شيئين: الشيء الأوّل: أنّه يأتي العراق، فلو كان العراق لا يملك التأهيل المناسب لاستمرار ثورته لانتقلت حركة الإمام إلى منطقة أخرى، مثلاً: إلى الشام أو إلى خراسان أو إلى اليمن أو إلى مصر، لكنه تجاوز كل تلك المناطق وإنما بمجرّد أن نجح في مكّة والمدينة ـ كما تقول الروايات ـ توجّه إلى العراق. الجهة التي يتحرّك وينطلق منها إلى الدنيا هو أن يأتي إلى العراق فيؤسّس الدولة المهدويّة في العراق، ثمّ بعد ذلك ينطلق إلى الدنيا، عندما يأتي إلى العراق. لا يتصوّر البعض في حركة الإمام الجانب السلبي الذي سمعناه وقرأناه في كثير من المرّات، حيث تحدّثت عن العراق بشكل سلبي فقط، وإنما سوف يكون للعراق دور إيجابي، هذا الدور الإيجابي فيه ثلاث رايات. بعض الروايات تقول فيها: راية الحسني وراية الحسيني وراية الخراساني هذه ثلاث رايات، رايات هدىً، يعني القوى الحاكمة في المنطقة قوىً لها امتداد عميق في الأمّة، قوىً تشكل براياتها الثلاث ـ والراية تمثل عملاً إيجابياً ـ قوى مسلّحة أو قوى غير مسلحة عسكرياً، ولكن تملك الجمهور الذي يساند، هذه الراية وهذه القوى هي الموطّئة والممهّدة. عندما يأتي المهدي تكون هذه القوى قد فرغت العراق له، ولذلك لم نقرأ في الروايات أن هناك حرب تجري في العراق بين الإمام المهدي وبين أهل العراق، لا توجد أي رواية إلاّ رواية البتريّة التي تحدّثت عن أولئك الاثني عشر ألف الذين يخرجون ويسمّون البتريّة يقولون عندما يظهر الإمام: ما لنا ولك يابن فاطمة ارجع لا شأن ولا شغل لنا معك فيضع السيف فيهم.(6) أولئك البتريّة قوم غرباء عن العراق، البترية لم يكونوا من الشيعة، قوم غرباء عن العراق غرباء عن التشيع غرباء عن شخصيّة هذا المجتمع العراقي، تكون الحرب في الأرض العراقية ولكن الشعب لم يكن شعباً عراقياً ولم يكن مجتمعاً عراقياً، الذي يقاتل هؤلاء هو الإمام المهدي بالرايات الثلاث: راية الحسني وراية الحسيني وراية الخراساني التي تكون قد نشرت. الشيء الثاني: الاضطراب الذي تذكره الرواية يكون في معنيين: معنىً من معاني الاضطراب إذا اهتزت لشدة وكثرة الجمهور والقواعد التي تحمل تلك الراية، يعبّر عنها قد اضطربت. وهناك تفسير آخر قد يكون للاضطراب: هناك حالة من اللاتفاهم الجزئي أو حالة من الاختلاف الجزئي الذي يكون بين هذه الرايات، والتي تسقط على يد الإمام عجل الله فرجه. على كل حال، هذا الوضع يوضّح أن هناك قوىً قبل ظهور الإمام، هذه القوى تمهّد للإمام وتوطّئ للإمام عجل الله فرجه. الرواية تتحدّث عن المجتمع العراقي تقول: « حتّى يأتي المنبر» لم يكن الإمام له مدّة طويلة عند دخوله العراق، وإنما الإمام عجل الله فرجه بمجرّد أن يصل إلى الكوفة يصعد المنبر ويخطب بالناس «فلا يدري الناس ما يقول من البكاء» أنت لاحظ: من البكاء لا يفهم الناس ما يقول الإمام، لأن حالة البكاء شملت الناس، وهذا يفسّر شيئين: أوّلاً: كثرة الجمهور، لأنه لو كان بكاءً فردياً لا نتبهوا. ثانياً: يعطيك مدلول الحالة النفسية والعاطفيّة بين الجمهور والقائد، يعني الحالة العاطفيّة والانفعال في أوجه، حالة الترقب والفرح والحضور في أعلى مستوياتها، حيث غلب البكاء على الجمهور. إذن هذه القاعدة التي تكون قبل ظهور الإمام لم تكن قاعدة صغيرة، ولم تكن هذه القاعدة شاذّة أو تعبّر عن حالة فردانية بالحضور، وإنما تكون قاعدة واسعة من حيث الكم، وتكون قاعدة واعية ومتّفقة عقائديّاً وعاطفيّاًَ مع الإمام لذلك يأخذها الانفعال، الانفعال الذي يغلب على كل حواس الإنسان سواء السمع أو غيره، لأنّ الإنسان الحاضر قد توجّه بكلّه إلى الإمام. هذا الوضع يعطينا أملاً في هذه الظلمة، إذ ربما الإنسان في مثل هذا الجو عندما يخرج إلى الشارع وعندما يخرج إلى المجتمع قد تأخذه حالة من حالات اليأس وحالة من حالات فقد الإرادة التي يعيش بها العالم الإسلامي والعالم العربي الآن. هذا الوضع المأساوي الذي تعيشه الأمّة ككل، هذا الوضع هو فقدان الجانب الفاعل في الإنسان والجانب المؤثّر في الإنسان. الذي يعطي الزخم المستقبلي الإيجابي هي العقيدة المهدوية عندما سوف تكون في هذه المرحلة العقيدة بكل خصوصيّاتها الشيعيّة التي تحكم الإنسان وفكر الإنسان، وتكون مؤهّلة للظهور. هذه الحالة من حالات الهزيمة التي نعيشها، الهزيمة السياسية بعد الهزيمة العسكرية في عدّة مواقع وقعنا فيها، هذه الهزيمة سوف تكون في مرحلة زمنية محدودة، وفي مرحلتنا هذه لا تكون طويلة وممتدّة، وإنما سوف تنقلب هذه الهزيمة إلى حالة إيجابية عندما نرتبط مع الروح الحقيقيّة للعقيدة الشيعيّة بما تفهمه عن الحركة المهدوية، هذا الجانب الثاني. المرحلة الثالثة: عصر الظهور العراق في عصر الظهور، قرأت الآن مجموعة من الروايات، وأنا أتحدّث عنها بشكل سريع، نجد أن الروايات تحدّثت عن أهميّة العراق ودور العراق المستقبلي. نجد بعض تلك الروايات تحدّثت أنّ هذا المجتمع من حيث كل الخصوصيّات التغييريّة يكون عين الإمام وحركة الإمام، ولذلك أوّل شيء يقوم به الإمام عليه السلام أن يصل إلى العراق ويؤسّس في العراق هذه الدولة، فمقرّ الدولة سيكون الكوفة. هذه الروايات تقول هكذا، حتّى أنّها تحدّثت عن الكوفة وعلاقة الكوفة بهذه القيادة، الرواية تقول: «ويكون أسعد الناس به أهل الكوفة»(7) إشارة إلى العراق، فالروايات عندما تقول الكوفة تعني العراق ككل وعموماً، أي بالشكل العام، عندما تتحدّث عن العراق، «أسعد الناس به أهل الكوفة»، ولم تقل الرواية: أفرح الناس، أي أكثر فرحاً، بل أكثر سعادةً، لأن هذا الشعب تحمّل الكثير من أجل الإمام عجل الله فرجه، وتحمّل الكثير من أجل أهل البيت عليهم السلام، فيكون حينئذٍ محل اقتطاف تلك الثمرة هو هذا المجتمع في هذه الأرض فلذلك يكون الناس سعداء، بمعنى مرتاحين من جميع الجوانب، الجوانب الحضاريّة والمدنية والثقافية والسياسية والعسكرية، كل الجوانب التي ترتبط بحياة الإنسان، تتوفّر أحسن سبل الراحة في العراق في عصر الإمام عجل الله فرجه. ولذلك نجد أنّ الإنسان في العراق سوف يتغيّر، هذه الحالة من حالة الهزيمة والتعب والمرارة والعذاب والشقاء وإذا يتحوّل إلى مجتمع مثالي، لابدّ أن نتحدّث عنه ضمن الحديث عن خصوصيّات المجتمع المهدوي. عاصمة الدولة المهدوية: المجتمع المهدوي يختلف عن باقي المجتمعات بخصوصيّات لم تتوفّر قبل الظهور، وإنما تكون هذه الخصوصيات قد توفرت بعد ظهوره عجل الله فرجه، فعندما تتوفر السبل العمرانية والحضارية بطبيعة الحال يكون سبباً للهجرة، فعلى سبيل المثال المدينة المنورة عندما جاءها النبي صلى الله عليه وآله كان لا يقطنها إلاّ الأوس والخزرج وبعض اليهود في مناطق وحصون بعيدة عن داخل المدينة، أي أنها كانت قرية صغيرة، أمّا مكّة فكانت تسمّى أمّ القرى، لأنّ فيها كل وسائل الراحة التي تجبى من الشام وتجبى من اليمن ومن حضارات الدنيا من الفرس والروم، وما إلى ذلك، لكن بعدما جعل الرسول صلى الله عليه وآله المدينة عاصمة له بدأت الهجرة، لتوفّر وسائل الراحة، ولذلك صار من حيث الكم والنفوس العدد أكبر بالنسبة إلى سكّان المدينة والتنوّع من جميع العرقيّات ومن جميع الناس، حتى تجد الرومي قد سكن ـ الرومي يعني الأوربي في زماننا ـ المدينة. في عصر الإمام عندما يكون العراق وتكون الكوفة عاصمة الإمام وتتوفّر في هذه العاصمة كل وسائل الراحة وتطوّرات المدنيّة، حينئذٍ يكون الحضور والهجرة تكون بكثرة بحيث تعبّر تلك الرواية عن الإمام الصادق عليه السلام يقول: «إذا قام قائم آل محمد عجل الله فرجه بنى في ظهر الكوفة مسجداً له ألف باب واتّصلت بيوت الكوفة بنهر كربلاء».(8) يعني أن الدنيا سوف تهاجر إلى هذه المنطقة، هذه المنطقة الخربة، التي خرّبها صدام وخرّبتها الأنظمة يعمّرها المهدي، وتعمّر في عصر قبل المهدي، ولكن يتم التعمير الأعظم عندما يظهر بقية الله. هذا التطوّر في هذه المنطقة بالخصوص ـ وهي العراق ـ حقّاً أن يكون أسعد الناس به أهل الكوفة، يعني أهل العراق، لما يظهر في هذه المنطقة منن تطوّر كبير، والحديث طويل جدّاً. واكتفي بهذا المقدار، لكني أرجو أن يوفّق الحاضرون لمتابعة الموضوع ومعرفة الدور المطلوب من العراقي. طبعاً أن القضية المهدوية بالبداية عقيدة في العقول والنفوس، ولكننا نؤمن أن العقيدة المهدوية لها آثارها الحياتية في واقع المجتمع العراقي، وهناك بحث كتبته سابقاً هو أثر العقيدة المهدوية في الفكر السني، يعني الفارق بين أثر العقيدة المهدوية في الفكر السني عن الفكر الشيعي وأثر العقيدة المهدوية في تأريخ الشيعة وحاضر الشيعة، وأهم أثر واقعي هو أن يعيش الإنسان الإيجاب والإيجابية والتغيير والتحول نحو الأحسن. والحمد لله رب العالمين الأسئلة والأجوبة السؤال الأول: أوّلاً: أود أن اتفق مع سماحة السيد أن العراق نقطة الانطلاق للمشروع الحضاري الإسلامي المعاصر، وأنه نقطة الانطلاق كما تقول كنوداليزا رايس مستشارة الأمن القومي: أن العراق اليوم نقطة انطلاق لشرق أوسط جديد. ثانياً: هناك حملة شديدة تتهّم الروايات المهدوية بالضعف والإرسال واضطراب المتون وضعف بعض روات أسانيدها مثل المفضّل بن عمر، فما يقول سماحة السيد بهذا الأمر؟ الجواب: أشكر الأخ الدكتور العميد(9) على ما كتبه وأشكره على حفاوته وتهيئة الظروف والأجواء الأخوية والعلمية، وأسأل الله له ولكم التوفيق وأكثر وأكثر، وأن يجعلنا من جند الإمام المهدي عجل الله فرجه. أمّا بالنسبة لتوثيق السند للروايات، فهذا موضوع قائم بنفسه، أي أن هناك بحث بالنسبة إلى موضوع روايات الظهور. أمّا اتهام هذه الروايات بالضعف فلي بحث مكتوب ومطبوع حول روايات الظهور عموماً بالشكل العام، ففي الفكر الإسلامي عندنا نوعان من الروايات: النوع الأوّل: الروايات العامّة التي تحدّثت عن المهدي وعلامات الظهور، والتي يدخل أكثر تلك الروايات تحت عنوان كتاب الملاحم لابن المنادي وكتاب الفتن لأبي نعيم، هذان الكتابان موضع نقد من حيث السند، ولو أن السيد ابن طاووس عندما كتب كتاب الملاحم والفتن في علامات الظهور إنما اعتمد على هذين الكتابين بالدرجة الأولى، ولذلك نعتبر من حيث الأسانيد أنّ هذه الأسانيد ساقطة من الاعتبار ولا يمكن نعمل عليها. النوع الثاني: وهي روايات الشيعة الموجودة في كتاب الغيبة للنعماني، والغيبة للشيخ الطوسي، وإكمال الدين للشيخ الصدوق، وغيرها من كتب الشيعة، ففيها من الروايات المتينة والصحيحة سنداً ودلالة، ولكن نحتاج إلى وقت خاص لتفصيل هذا الموضوع، نسأله تعالى أن يوفقنا للحديث عنه لاحقاً بشكل مفصّل. السؤال الثاني: نجد في كثير من الروايات والمقالات ما يذم أهل العراق ويتّهمهم بالنفاق، ولذا نجدهم قد وضعوا منهجيّة تنشر اليأس في قلوب الكثيرين وتخمّد الروح الثوريّة لدى الناس، لأنّها في الغالب تذكر السلبيّات دون الإيجابيّات. الجواب: في الواقع لا توجد رواية يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق، لم نجدها في نهج البلاغة ولا فيمن استدرك على نهج البلاغة، ما نسب لأمير المؤمنين عليه السلام، وإنّما هو افتعال قام به الأمويّون لأجل حربهم ضدّ العلويين باعتبار أنّ العراق تأريخياً كان علوياً نشأةً، وكان علوياً جهاداً، وكان علوياً سياسياً، وفي كل أبعاده بقي العراق مع أهل البيت وسوف يبقى العراق مع أهل البيت إلى أن يظهر المهدي إن شاء الله. ولذلك حظي العراق بحرب ضروس من الأمويين فاختلقوا من تلك الأكاذيب التي تحدثوا فيها عن أهل العراق. وأمّا ما نجده في بعض الروايات من خطب أمير المؤمنين عليه السلام فهو نحن نعبّر عنه منطقيّاً ـ أي بالمنطق الأورسطي ـ بالقضيّة الخارجية، يعني يتحدّث عن مجتمع عاصره وعانى من هذا المجتمع من مرارات، ولذلك كان يتحدّث عن بعض الحاضرين ولم يكن قد تحدث عن المجتمع كمجتمع، بل بالعكس لو أراد الفقيه أن يحدّد الصورة الدينيّة والرؤية الإسلامية والشيعيّة للمجتمع العراقي لرآه ممدوحاً، وأهم رواية ـ في نظري ـ تحدّثت عن الكوفة هي ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام: «يا كوفة ما أرادك جبّار بسوء إلاّ قصمه الله»(10)، يعني أنّ الله نصر الكوفة وسوف ينصر الكوفة ويحفظ الكوفة ويجعلها المنطقة التي تؤدي دورها المطلوب في دولة الإمام. سؤالان يتمحوران في محور واحد: الأول: هل تدل الأحداث الحالية في العراق وفي دول أخرى على أنّنا نعيش في عصر الظهور؟ الثاني: حاول سماحة السيد المحاضِر أن يطوّع الواقع ومجرياته ليوحي للمستمع وليدلل على أن المرحلة الراهنة هي مرحلة ما قبل التمهيد، أي المرحلة الأولى، في حين أنّ العراق مرّ بمراحل مماثلة على مرّ تأريخه وحتى عصرنا الحالي خاصة في العصر الوسيط الذي عاصر السنوات الأخيرة للدولة العباسية وتلى سقوطها والويلات التي مرّت على العراق، كان تلك الفترة والتي كانت من أقسى الفترات لعلّه المقصود على العراقيين أنّ ظروف الظهور تحتاج إلى وقت طويل لكي تمهّد لذلك الظهور، وهي تحتاج منّا نحن العراقيين بالذات العمل الجاد والدؤوب لنكون بحق الممهدين لتلك الدولة. الجواب: نتفق أنّ المرحلة طويلة وليس مرحلة بالأيام، عندما نتكلم بالمرحلة لا نقصد يومين أو شهرين أو سنتين سوف يظهر المهدي عجل الله فرجه، وإنّما نتحدّث عن العناصر بشكلها العام، فمثلاً الشيخ المجلسي عندما تحدّث عن التوطئة للمهدي تحدّث قال عن الدولة الصفوية، وهو كتب كتاب البحار في زمان الدولة الصفوية: إنّ هذه الدولة التي سوف تسلم للمهدي الراية وتسلم للمهدي عجل الله فرجه الأمور.(11) على كل حال نحن نعيش في الأمل ونبقى بالأمل، أمّا تشخيص هذه المرحلة فلا أتحدّث بالتشخيص الدقيق، والتشخيص الدقيق قد يكون نوعاً من أنواع التوقيت المذموم الذي نهينا عنه، وإنّما أتحدّث عن المرحلة بخصوصيّاتها العامّة التي نعيشها. لا إشكال نحن الآن في المرحلة الأولى أو الثانية وليس نحن في مرحلة الظهور، ولكن في المرحلة التي تمهّد إن شاء الله لظهوره، وقد تكون هذه المرحلة ألف سنة أو سنة أو سنتين أو أيّام أو أشهر، علم ذلك عند الله، لأنّ التوقيت مذموم ونهينا عنه، فلم يكن المقصود من كلامي هو التوقيت، وإنّما الطرح العام لتوضيح الرؤية الدينية والشيعية لحركة الإمام ومستقبلها. والحمد لله رب العالمين الهوامش (1) الأنبياء (21): 107. (2) لاحظ: الإرشاد للشيخ المفيد: 2/ 369، كشف الغمة للأربلي: 3/ 256. (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «...لابد للناس أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا وسيخرج من الغربال خلق كثير»، راجع كتاب الغيبة للنعماني: 204، ح6. (4) راجع كنز العمال للمتقى الهندي ج 14 ص 263 ح 38657. (5) الإرشاد للشيخ المفيد: 2/ 380، كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: 469. (6) دلائل الإمامة للطبري (الشيعي): 455. (7) كتاب الغيبة للنعماني: 15. (8) شجرة طوبى للشيخ الحائري: 1/ 178، إعلام الورى للطبرسي: 2/ 287. (9) المقصود: الدكتور عبد الأمير زاهد عميد كلية الآداب في جامعة الكوفة، حيث أقيمت هذه الندوة على قاعتها. (10) لاحظ: مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب: 2/ 84، شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي: 417 الحديث 766. (11) لاحظ: بحار الأنوار: 52/ 243 ذيل الحديث 116. الندوة الثالثة التطوّر الحضاري في دولة المهدي«عجل اللّه فرجه» ألقيت هذه الندوة الفكرية في كلية الإدارة والاقتصاد (جامعة كوفة) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، البدر الساطع المنصور المؤيّد أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللّعنة الدائمة على أعدائهم ومنكري فضائلهم إلى قيام يوم الدين. اللهم ربّنا وفقنا وجميع المؤمنين، واجعله خالصاً لوجهك الكريم يا أرحم الراحمين. في البداية أشكر الأخ السيد العميد والمعاون في جامعة الكوفة، كما أشكر مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عجل الله فرجه، وبالخصوص الأخ العزيز سماحة حجّة الإسلام والمسلمين السيد محمد القبانجي وباقي الاخوة الذين تجشّموا العناء في تهيئة الظروف المناسبة للحديث عن سيدنا ومولانا بقية الله في الأرض عجل الله فرجه. مفهوم الدولة: عندما نعنون الحديث والبحث عن التقدّم الحضاري في دولة الإمام، فإنّ العنوان يتحدّث عن جانب من جوانب ما يظهر ويتجلّى في دولة صاحب الأمر. تلاحظون العنوان يتحدّث عن التقدم الحضاري، كما أنّه يتحدّث عن الدولة الخاتمة للإمام، وعندما تريد أن تتحدّث عن الدولة كمفهوم سياسي وأثر الدولة في بناء المجتمع المتقدّم، أو بالعكس أثر الدولة في تأخّر الإنسانية، فإن هذا الموضوع بنفسه يحتاج إلى حديث مفصّل ومستقل، بمعنى ما هو دور الدولة في بناء المجتمع الصالح وفي بناء الإنسان الصالح، هل هنالك معادلة طرديّة أو عكسيّة بين المجتمع الصالح وبين الدولة الصالحة أو ليس هنالك علاقة؟ هذا تصوّر قد أخذ في مجمل أبحاث تحدّثت عن الدولة وأثر الدولة في المجتمع، لا أريد أن أتطرّق إلى كل ذلك البحث وإنّما من المقطوع به أنّ للدولة دوراً كبيراً في بناء الإنسان، بغض النظر عن كل خصوصيات ما يمكن أن يقال في هذا الصدد، وبهذا الصدد، فإن للدولة ـ كدولة وكبناء ـ دوراً في بناء المجتمع الصالح وفي بناء الإنسان الصالح، أما مقدار هذا الدور وحدود هذا الدور وتطوّر هذا الدور، هذا الموضوع بنفسه يحتاج إلى بحث وحديث. الدولة الإسلامية: يمكننا أن نعنون حديثاً آخر، عندما نتحدّث عن الدولة الإسلاميّة التي أسّست في عهد النبي صلى الله عليه وآله، وهي أوّل دولة إسلاميّة، بل أوّل دولة في مفهومها المعاصر نشأت في جزيرة العرب، صحيح كانت هناك دول أخرى خارج هذه البقعة الجغرافيّة كالدول التي كانت في الشرق أو في الغرب، مثل الروم أو الفرس أو الغساسنة أو المناذرة إن صحّ عليهم اسم دول، ولكن في الجزيرة العربية تعتبر الدولة المحمّدية التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله أوّل الدول بمنظور حضاري بما يؤدّي وبما يملك للدولة من مفهوم. أمّا أنّ هذه الدولة أخذت منحىً آخر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، هذا المنحى لا أريد أن أتحدث عنه بلحاظ عقائدي وانطلاقة عقائدية ورؤية شيعيّة صرفة، وإنّما أشير إلى أنّ انتكاسة كبيرة قد أصابت هذه الدولة ونقلتها من شكلها الحضاري وبنائها المؤسّساتي إلى الروح القبليّة التي كانت تحكم المجتمع العربي قبل رسول الله صلى الله عليه وآله، ولذلك خسرت الدولة كثيراً من مفاهيمها الاستراتيجيّة، كما خسرت الدولة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كثيراً من مؤسّساتها على الواقع والواقعيّة، ومن جملتها المؤسّسة القضائيّة التي كانت قد انفصلت عن المؤسّسة التنفيذيّة والتشريعيّه في دولة رسول الله. لا أريد أن أطيل الكلام إنّما هناك نموذج آخر، أو تطوّر آخر، أو استرداد واسترجاع للدولة في حياة أمير المؤمنين عليه السلام عندما صار خليفة للمسلمين، هذا يحتاج أيضاً إلى بحث أتعرّض أو يحتاج إلى بحث يتعرّض إليه الباحث والمتحدّث لتحديد مفهوم الدولة برؤية إسلاميّة ومفهوم الدولة برؤية عقائديّة مذهبيّة شيعيّة. خاتمة الدول: لكن هناك خاتم الدول التي تختم الدول الإنسانية في عقيدة الإماميّة، تكون في آخر الزمان عندما يقوم بتلك الدولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، طبعاً يحتاج البحث إلى تأصيل وتوضيح وتأسيس لمفهوم الدولة كدولة من وجهة سياسيّة، سواء كان كمذهب سياسي أو طبق الرؤى العلميّة بعلم السياسة التي تحدّد مفهوم الدولة في عصر الإمام المهدي عجل الله فرجه ومؤسّسات تلك الدولة التي يظهرها صلوات الله وسلامه عليه. وهذا بحث بنفسه لم أشأ أن أتعرّض لخصوصيّاته في هذا اليوم، وإنّما ألزمني التعرّض إليه عنوان البحث باعتبار أنّني أريد أن أقول أنّ للدولة دوراً بممفهومه العقائدي والسياسي والمذهبي في دولة الإمام وفي حياة الإمام وفي حركة الإمام الخاتم، الإمامأمامام المهدي عجل الله فرجه. هذا الدور سوف يؤثّر في رقيّ الإنسانية والتقدم الحضاري للإنسانيّة، ولذلك عندما تؤسّس تلك الدولة ذات المفهوم المحدّد والمدلول المعيّن سوف تهيئ الأجواء والظروف المناسبة لهذا التطوّر، يعني عندما أريد أن أتحدّث عن هذا التطوّر، لابدّ أن أبيّن العوامل والأسباب الواقعيّة والعمليّة لهذا التطوّر وهو وجود تلك الدولة الخاتمة. أمّا هذا التطوّر وأبعاد هذا التطوّر سوف نقرؤه من خلال رؤيتين: الرؤية الأولى: الرؤية الدينيّة المطلقة وأقصد بالإطلاق هنا ما يقابل الرؤية الدينيّة الخاصّة التي سوف أتحدث عنها، المختصّة بدولة صاحب الأمر عجل الله فرجه. هناك رؤية دينيّة مطلقة تعبّر أن لو توفّرت تلك الدولة ولو توفّرت تلك الأسس الموضوعيّة سوف ـ بطبيعي الحال ـ يتحقق القسم الثاني الطردي المرتبط بهذا القسم الأول، يعني لو كانت هناك دولة إسلاميّة وكان مجتمع إسلامي وتهيأت الظروف المناخيّة والسياسيّة وغير ذلك من الظروف، حينئذٍ لكان الجانب الثاني من المعادلة يتحقّق بشكل طبيعي، وهذا التحقّق هو التقدّم الحضاري. يعني هناك ترابط بين وجود دولة إسلاميّة ذات أبعاد إسلاميّة مع وجود تقدّم حضاري، وهذا الذي أشارت إليه مجموعة من الآيات الكريمة التي تحدّثت عن هذه الحالة، وهذا الموضوع يرتبط بما نتحدّث لو وفّرت الظروف المناسبة، نتحدّث بدور الدولة. من جملة تلك الآيات قوله تعالى: )اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّار) هذا الجزء الأول من الآية، ثم تقول الآية: )يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرار). إذن هناك ترابط بين الاستغفار، استغفار الله تبارك وتعالى وبين عملية نزول المطر، وهذا التنـزيل الإلهي للمطر تتمّه الآية الكريمة: )وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهار).(1) أنظر الوضع المترابط بين مطر السماء وبين ضخامة المال وتداول الثروة أو بقاء الثروة أو تكدّس أو تضّخم الثروة ـ أي شيء تريد أن تعبّر عبّر ـ وبين كثرة البنين وبين أن تمتلئ الدنيا بالجنات، والجنات هنا قطعاً لم يكن المقصود بها جنّات الآخرة وإنّما هي جنّات الدنيا، يعني أن تزدهر وتتطوّر وتتقدّم الزراعة في الأرض. ثم تتحدّث عن الثروة المائيّة بعد ما تحدثّت عن الزراعة وتحدّثت عن الأسرة وتحدّثت عن عدّة أشياء، تتحدّث عن الثروة المائية فتقول: ويجعل لكم أنهاراً. هذه الآية تبين هذه العلاقة والارتباط. اسمع قوله تعالى: )وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْرار)(2)، هذا هو نفس المنطق ونفس المفهوم الذي ذكر في الآية السابقة لكن في مفهوم آخر، فإنّ تكملة الآية تقول: )وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ(، هذه القوّة ومداليل القوّة، سواء كانت القوّة الجسمانيّة أو القوى الأخرى التي تظهر بظهور هذه الخيرات بواسطة الاستغفار. إذن برؤية عامّة هناك قضايا مترابطة بعضها في بعض، مقدّمات ونتائج استغفروا الله، تكن نهضة حضاريّة شموليّة تشمل جوانب متعدّدة من حياة الإنسان، بل تشمل حياة الإنسان ككل، هذا المفهوم العام. الرؤية الثانية: الرؤية الخاصّة هناك مفهوم خاص بعقيدتنا كإماميّة، نعتقد أنّ تحقّق الدولة ـ وإن كان هذا يحتاج إلى بحث خاص ـ تحقّق الدولة بكل مواقعها الحقيقيّة لا يمكن أن تظهر خيراتها إلاّ في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، فكم هناك من حكومات إسلاميّة تسبق دولة الإمام عجل الله فرجه ويظهر فيها الخير والبركة، ولكن الحكم الإلهي المطلق وتطبيق الحكم الإلهي المطلق منحصر في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه. ولذلك فسوف تكون مظهريّة تلك الخيرات أتم مظهريّة بتحقق دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، وأعلى مستوى من مستويات الرفاهيّة الإنسانية، وأعلى مستوى حضاري تقدّمي للإنسان سوف تكون في دولة صاحب الأمر، هذا بالمنطق العام. ولو أخذنا هذا المنطق من خلال الروايات التي وردت وتحدّثت عن دولة صاحب الأمر وعن تلك المظاهر العمرانيّة والحضاريّة في دولة صاحب الأمر، مجمل هذا الوضع ـ والحديث يحتاج إلى تفصيل ـ ينشأ ويؤيّد ما طرحناه من عموميّات. النظرية الغربية: قبل أن أتطرق لهذه الخصوصيّات لدولة صاحب الأمر، ألاحظ النظرة الغربيّة التي عشناها في بداية شبابنا عندما ظهرت في العالم العربي وترجمت النظريّات الغربيّة إلى العالم العربي والتخوّفات الغربيّة لمستقبل البشريّة في الأرض، التي كان يعبّر عنها تعبيراً أوضح نظريّة ماركس الذي تحدّث على أنّ البشريّة متقدّمة نحو الدمار والزوال. هذا البؤس والتشاؤم في الرؤية الغربيّة للدنيا وللبشريّة والعالم جعل الغربييّن يتحرّكون لوضع حلول بديلة عن الوقوع في الهاوية، لأنهم يتصوّرون أنّ الخيرات في الأرض محدودة، وذلك هو مجمل هذه النظريّة الغربية التي تزعّمها ماركس في ذلك الوقت، أنّ الدنيا والأرض تملك خيرات محدودة، فبما أنّ الأرض تملك خيرات محدودة فلابدّ أن يكون الإنسان وجوده السكاني في الأرض محدوداً بمحدوديّة الأرض. ومن هذا المنطلق، ومن هذه الفكرة نشأت وبقوّة نظريّة تحديد النسل التي دعى إليها الأوربيّون الغربيّون في بداية القرن العشرين وما زالوا لحدّ الآن يؤمنون بهذه النظريّة في تحديد النسل ويدعون إلى تحديد النسل لأجل إيجاد نهاية لهذه التخوّفات وحالة البؤس التي يعاني منها الإنسان الغربي. هذه رؤية. رؤية ترى أنّ البشريّة في حالة دمار وفي حالة هاوية وفي حالة شقاء، وهذه البشريّة لا يمكن علاجها إلاّ بأخذ مسكنات أوّلية وجرعات لهذه المسكّنات لإيقاف البشريّة من حيث التعداد السكّاني إلى مقدار يمكن للأرض أن تتحمّله. هذه نظريّة. يقابل هذه النظريّة النظريّة الدينيّة الإسلاميّة، التي تؤمن أنّ الأرض فيها من الخيرات الشيء الكثير، وأنّ ما نراه من الخيرات على هذه الأرض لم يكن كل خيرات الأرض، فهذه الأنهار لم تكن كل قابلية الطبيعة لإغناء الإنسان بالثروة المائيّة، كذلك السماء لم تكن قابليتها فقط هذه الزخّات من المطر، وهكذا بالنسبة للمعادن، وهكذا بالنسبة للثروات الطبيعيّة الأخرى. فإنّ الرؤية الدينيّة تقول: إن ما هو موجود حاليّاً لم يكن كل الثروة ولم يكن كل الخير ولم يكن كل البركة، بل إنّ الأرض فيها من إمكانيّة أن تعيّش من أبناءها البشر أضعاف وأضعاف هذا العدد السكاّني الموجود على الأرض ولكنّ المانع الذي يمنع من إيجاد وظهور تلك البركات هو العوامل الغيبية التي لا يحس بها الإنسان. تلاحظ أن الفكر المادي عندما يتصوّر أنّ المعادلة كلّها معادلة ماديّة بحتة ولا يوجد هناك دافع وعامل غيـبي يتحكّم بهذه العناصر الماديّة، في الوقت الذي نرى فيه أنّ الدوافع الغيبيّة والعوامل الغيبيّة لا تنحصر فقط في الآخرة والمعاد ويوم القيامة والعوامل اللاّمرئيّة، وإنّما ذلك الغيب وذلك العامل الغيبي مؤثّر حتّى في العوامل الطبيعيّة والأسباب الطبيعيّة. فإن الآية الكريمة التي قرأناها توضّح أن هناك تواصلاً وتلاحماً بين العامل الغيـبي ـ الاستغفار، ذكر الله، أن ينطلق المجتمع انطلاقة ربانيّة ـ وبين التطوّر الحضاري والعمراني والازدهار بكل أنواعه الذي يعيشه الإنسان، هذا الشيء كان مفقوداً، عندما نريد أن ندرسه لابدّ أن نبرهن عليه، هناك برهان علمي وجداني، هناك برهان تجريبي لست الآن بصدد البرهنة التجريبيّة على هذه الحقيقة الدينيّة، وهو يحتاج إلى وقت مفصّل للحديث عن كل خصوصيّة من هذه الخصوصيّات، وإنّما أشرت إليها إشارة لأنطلق إلى جوانب أخرى من البحث، وهذا الجانب هو عندما أتحدّث عن المخّ والمركز والأساس لتقدّم حضارة الإنسان في دولة الإمام وعصر الإمام عجل الله فرجه. بركات الدولة المهدوية: لو أردنا أن نقرأ الروايات، وهنا بشكل مجمل أوضّح لك حقيقة أنّ التقدّم بدولة صاحب الأمر ورد في روايات كثيرة، وسنذكر هنا جملة من تلك الروايات بأسانيد عامية، فإن الروايات التي وردت بأسانيد شيعية كثيرة جداً، ولكن من باب المحاججة نذكر بعض الروايات بأسانيد عامية ـ وهي كثيرة أيضاً ـ لتكوّن رؤية أكثر استيعاباً بما هو موجود في المذاهب الأخرى وبما روي عن النبي صلى الله عليه وآله. يقول اخواننا السنّة في كتبهم وهم يتحدّثون عن دولة المهدي عجل الله فرجه: من جملة تلك الروايات رواية حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يتحدّث عن المهدي، والرواية طويلة جدّاً لكن أنقل لك هذا المقطع: يقول صلى الله عليه وآله: «يفرح به أهل السماء والأرض، والطير والوحش والحيتان في البحر، وتزيد المياه في دولته، وتمد الأنهار، وتضاعف الأرض أكلها، وتستخرج الكنوز».(3) فيفرح به أهل السماء والأرض بمستوىً واحد، ما يشمل أهل الأرض يشمل أهل السماء وما يشمل أهل السماء يشمل أهل الأرض، وهذا يحتاج إلى رؤية علميّة غيبيّة، قلنا: الغيب متفاعل في الشهود في الأرض في الدنيا، تفاعل السماء التي هي عالم من عالم الغيب ببعض أوجهها مع الأرض التي هي عالم الشهود وعالم الظهور وعالم الواقع والوجدان والحضور، هذا التفاعل الثنائي معه الرواية تقول: فيفرح به أهل السماء والأرض والطير، هذا البعد الآخر، والوحوش والحيتان في البحر، وهذا يحتاج إلى حديث يتعلّق عن أثر دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه ودور دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه بتطوّر الحيوان وليس فقط الإنسان. وأنا لا أريد أن أعلّق على نظريّة دارون وأقول أنّ بعض هذه النظريّة في بعض جوانبها كان صحيحاً، لأن هذا يحتاج إلى بحث اختصاصي تفصيلي، قد نوفّق بالمستقبل إليه، والرواية تقول: وتزيد المياه في دولته وتمد الأنهار وتضاعف الأرض أكلها وتستخرج الكنوز. ملخّص هذه الرواية بما يتعلّق مع التقدّم الحضاري والعمراني للإنسان تلاحظ أنّه تزيد المياه تمدّ الأنهار تضاعف الأرض أكلها تستخرج الكنوز، هذه الرواية مع أنّها وردت في كتب اخواننا أبناء العامّة تحدّثت عن هذه المظاهر التقدّمية الحضاريّة لدولة صاحب الأمر. الرواية الأخرى أيضاً تروى بأسانيد اخواننا عن عبد الله بن عبّاس عن النبي صلى الله عليه وآله يقول في عصر الإمام ودولة الإمام: «وتأمن البهائم والسباع، وتلقي الأرض أفلاذ كبدها. قال: قلت: وما أفلاذ كبدها؟ قال: أمثال الاسطوانة من الذهب والفضة».(4) وتأمن البهائم، انظر الأمن هو من المواضيع المهمة، فعندما تحدّث عن الثروة المائيّة وعن الزراعة وعن الاقتصاد تحدّث عن الأمن، أهم معلم من المعالم الفاعلة والمحرّكة في تقدّم الحضارة الإنسانية، لا يمكن لأمة أن تترقّى بلا أمن، فقال: وتأمن البهائم والسباع، أي أن هذا الأمن الذي تتحدث عنه الرواية لا يختص بالبشر فقط، وإنما يشمل حتى البهائم، ثم قال: وتلقي الأرض أفلاذ كبدها، عبد الله بن عباس يقول إلى رسول الله صلى الله عليه وآله: وما أفلاذ أكبادها؟ قال: أمثال الاسطوانات من الذهب والفضة، اسطوانات، هكذا تخرج الخيرات هذه رواية. الرواية الأخرى التي تحدّثت عن هذا الجانب، وهي روايات كثيرة جدّاً في الواقع لكنّي أعنون الحديث بما يناسب المقام. الرواية يرويها أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله بأسانيد اخواننا العامّة، قال صلى الله عليه وآله: «ينـزل على أمّتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه، حتى تضيق بهم الأرض الرحبة، وحتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً، لا يجد المؤمن ملجأ يلتجئ إليه من الظلم، فيبعث الله عز وجل رجلاً من عترتي فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، لا تدّخر الأرض من بذرها شيئاً إلاّ أخرجته ولا السماء من قطرها شيئاً إلاّ صبّته منها».(5) انظر أثر الدولة التخريبـي، إذا كانت الدولة مخرّبة كيف تؤثّر تلك الدولة في حياة الإنسان المجتمع وفي حياة الإنسان الفرد، الدور التخريبي في حياة الإنسان من تخريب الدولة، وهو ما يقابل الدور الفاعل الإيجابي في حياة الإنسان والعمراني والتقدّمي في الدولة الخيّرة، ينزل على أمّتي في آخر الزمان بلاءٌ شديد من سلطانهم لم يسمع بلاء أشد منه حتى تضيق بهم الأرض الرحبة وحتى تملأ الأرض جوراً وظلماً ولا يجد المؤمن ملجأً يلجأ إليه من الظلم فيبعث الله رجلاً من عترتي فيملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يرضى عنه ساكن السماء ـ انظر التقدّم يصعد إلى السماء ـ وساكن الأرض، لا تدّخر الأرض من بذرها شيئاً إلاّ أخرجته ولا السماء من قطرها شيئاً إلاّ صبّته. طبعاً قلت سابقاً أنّ هذه الروايات كثيرة وإنّما أخذت عينة لما يناسب المقام، كي أرشد إلى جوانب متعدّدة من التقدّم الذي يظهر في دولة الإمام. وهذا التقدم لم يكن كيفياً، وإنّما هو طبيعي، أي بالقوانين الطبيعيّة وليس بالإعجاز وليس خارق العادة، بل بالقوانين الطبيعيّة سوف يتم هذا التطوّر عندما تفتح السماء أبوابها وعندما يكون الإنسان مؤهّلاً لنزول الخيرات. تلاحظ من مظاهر التقدّم في دولة الإمام عجل الله فرجه أوّل شيء هو مسألة المياه، الآن ونحن نعيش في هذا العصر، مسألة المياه مشكلة العصر، مشكلة القرن الواحد والعشرين هي مشكلة المياه، والمتوّقع كما تسمعون من الإعلام والاختصاصيين الذين يبحثون عن هذه المشكلة العويصة، لا فقط المشكلة بالنسبة كثروة زراعيّة أو مسألة مهمّة بالحياة الإنسانية، بل انعكاسها على الوضع السياسي العالمي، فإنّ الحروب المتوقّعة بالمستقبل في هذا القرن منشؤها قلّة المياه، لأن هناك جدباً بعضهم يفسّر هذه الحالة بعنوان أنّ الأرض ابتدأت ترتفع حرارتها، فربّما ارتفعت درجة حرارة الأرض ـ بحسب التقارير العلمية نصف درجة إلى درجة ممّا يسبّب هذا الارتفاع للجدب الذي تمرّ به الأرض بشكل عام. فإنّ من أهم مشكلات العصر الحاضر هي مشكلة المياه، فنحن الآن وإن كنا نعيش في بلاد الرافدين وقد أبعدنا الباري عن هذه المشكلة، إلاّ أنكم لو نظرتم إلى بقية دول العالم لرأيتم هذه المشكلة بوضوح، فالآن إحدى المشاكل في مباحثات السلام بين لبنان وسوريا من جهة وبين إسرائيل هي تقسيم الثروة المائيّة، يعني مسألة المياه مسألة سوف تدخل في السلم العالمي فضلاً عن دور المياه في الزراعة ودور المياه في الاقتصاد ودور المياه في حفظ حياة الإنسان. لكن هذه الحلول ـ كل الحلول التي تقدّم ـ على نمطين، النمط الأساسي عالمياً أنّ المرتكز العالمي لإيجاد الحلول هو الحلول السياسيّة، وهو تقسيم الثروة المائيّة كالمؤتمر الأخير الذي عقد في أفريقيا لتقسيم ثروة المياه في نهر النيل. الآن هذا الموضوع موضوع دولي لتقسيم المياه، لكن هذا التقسيم وهذا الحل هو حلّ مؤقّت، فإنّه سوف يوفّر لهم فرصة أخرى للعيش في مياه أقل، لكن عندهم مشكلة يعانون منها في تصوّرهم هي أنّ الأرض قادمة على جفاف كلّي، جفاف مؤثّر في حياة البشريّة ككل، ولذلك يحاولون أن يجدوا حلولاً طبيعيّة أخرى يستغنون بها عن تلف وإتلاف هذا المقدار من المياه، ولم يفلحوا لحدّ الآن إلاّ من جانب واحد، هو جانب الخيال العلمي، أمّا انطلاقة أخرى عمليّة واقعيّة تجريبيّة، فلم يتوصّل الإنسان إلى تجربة عمليةّ لتوفير المياه. نحن في دولة صاحب الأمر الحل موجود، وهو أنّ السماء سوف تمدّنا بمطر غزير وأنّ الأرض حينئذٍ يفجّر الله فيها عيوناً وأنهاراً، هذه الخيرات التي سوف تكون فيها هذه الأرض لم تكن على نحو إعجازي وإنّما تناسبي، لو فهمنا المعادلة التناسبيّة حينئذٍ نفهم التقدّم الذي يحصل في دولة صاحب الأمر. انظر بعض القضايا تطرح على الخيال العلمي، كما يقال وكما ترون بما يذكر في هذا الصدد، أنّ أثر الخيال العلمي في الوصول إلى اختراع الآلات المتطوّرة، ولا أريد أن أتطرّق لهذا الموضوع وليس من اختصاصي، وإنّما استشهد به لتوصيل الفكرة، وهو ربّما أنا وأنت نقرأ بعض الروايات وربّما لا نستوعب حدود هذه الرواية، فمرّة نوكلها إلى الإعجاز ومرّة نوكلها إلى ظروف لم يتوصّل إليها الإنسان. أنا أقول لك بصراحة أن القوانين الطبيعية التي اكتشفناها لحد الآن كبشر، القوانين والتطوّر الطبيعي فضلاً عن التطوّر العمراني والحضاري الذي وصل إليه الإنسان، لم يكن كل اكتشافاته، يعني أن القوانين التي اكتشفناها حاليّاً لم تكن كلّ القوانين التي تملكها الطبيعة، وإنّما هناك قوانين أخرى لم يتوصّل إليها الإنسان في مورد الاكتشاف يظهروه بالخيال العلمي. هذا الخيال العلمي، ربّما يكون على الأرض نحن على يقين أنّ هناك كثيراً من القوانين الطبيعيّة التي لم يكتشفها الإنسان حاليّاً إنّما سوف تظهر ويظهرها صاحب الأمر عجل الله فرجه، الذي آتاه من العلم ما لم يؤتِ أحداً من العالمين، فالإمام ليس عالماً بقوانين الشريعة فقط أو قوانين اللّغة أو العلوم الإنسانية بشتّى أنواعها وأصنافها، وإنّما الإمام المعصوم عجل الله فرجه عالم بكل قوانين الحياة، سواء كانت على مستوى فيزيائي أو كيميائي أو أي نوع من أنواع تلك القوانين التي تحكم حياة الإنسان والتطوّر الإنساني. عندما يظهر ويخرج كنوز الأرض، أحد التفاسير لكنوز الأرض أنه ليس المقصود من هذا الكنز هو الكنز من الذهب والفضّة المادّي فحسب، وإنّما قد يكون ـ والله العالم ـ كما تشير إليه الروايات الكثيرة إلى هذا المعنى، وهو أنّ الإمام يظهر مبادئ القوّة وقوانين القوّة وقوانين القدرة يظهرها للإنسان، أي يعطيه تلك القوانين التي يستطيع بها الإنسان أن يوفّر لحياته أفضل العيش وأهنأ العيش وأحسن العيش، أي أنّ الإمام من جملة الأشياء التي يوفّرها هي تلك القوانين. أعطيك رواية واحدة تشير إلى هذا المعنى، التي تحدّثت عمّا يظهر في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، هذه الرواية في الخرائج للراوندي، وهو من العلماء الأعلام للشيعة، عن الإمام الصادق عن أبيه الباقر عليه السلام قال: «إذا قام القائم بمكّة وأراد أن يتوجّه إلى الكوفة نادى مناديه: ألا لا يحمل أحد منكم طعاماً ولا شراباً، ويحمل معه حجر موسى الذي انبجست منه اثنتا عشرة عيناً، فلا ينزل منزلاً إلاّ نصبه فانبجست منه العيون، فمن كان جائعاً شبع ومن كان ظمآناً روي، فيكون زادهم حتّى ينزلوا النجف من ظاهر الكوفة، فإذا نزلوا ظاهرها انبعث منه الماء واللّبن دائماً، فمن كان جائعاً شبع ومن كان عطشاناً روي».(6) علماً أن عدد الجيش هو عدد ضخم، إذ أن قادة الجيش عددهم 313 قائداً، وقد ورد في بعض الروايات أن كل قائد يشد له الإمام عليه السلام راية على عشرة أو اثني عشرة ألف أو يزيدون، فكم مليون يكون عدد جند صاحب الأمر عجل الله فرجه؟ هذا يعطيك حالة تفاؤليّة لمن يكون معه عجل الله فرجه من حيث الكم، والأمل أن نكون ضمن هذا الكم. إعجاز الإمام المهدي عليه السلام: هذا المنطق ربّما نفسّره تفسيراً إعجازياً، فالمعجزة على نوعين: النوع الأوّل: تبقى دائماً إلى أن يأتي الله سبحانه وتعالى بعلمه، أي تبقى خارقة لقانون الطبيعة، يعني على الدوام والاستمرار. النوع الثاني: هناك نوع من المعجز يكون نسبياً، مثل السحر الذي كان في عهد موسى عليه السلام يقال أنّ هذا السحر إعجاز لم يكن خارقاً للعادة، وإنّما نسبي بما عجز عنه السحرة في عصره، والمقصود من النسبيّة هنا هو أنّ هناك في الطبيعة قوانين لم يتوصّل إليها البشر في ذلك العصر، والنبي بما أوتي من قوّة بالعلم والمعرفة يستخدم قوّته العلميّة وعلومه التي لم يعرفها باقي البشر لإظهار ذلك الخارق، وحينئذٍ لو سئل: من أين لك هذا العلم؟ فإنه سيقول: من الله سبحانه، باعتبار أنّ الله هو الذي علّمه هذا القانون، وممّا يؤيّد ويؤكّد إعجاز ذلك النبي على نبينا وعلى جميع الأنبياء آلاف التحيّة والسلام. هناك في حياة الإمام ربّما يقال نوع من هذا الإعجاز، يعني هناك إعجاز ربانّي لا إشكال، كما جرى على يد سائر الأنبياء يجري على يد الإمام المهدي عجل الله فرجه، وهناك إعجاز سبقي، بمعنى تقدّم علمي حصل عليه الإمام لم يحصل عليه السابقون، قد يكون من ذلك حجر موسى عليه السلام الذي يكون مع المهدي عجل الله فرجه. هذا الموضوع مهم ودقيق لا أريد أن أخوضه بكل تفاصيله، وإنّما بالشكل السريع من أجل إيصال الفكرة، وأمّا الخصوصيّات، فيمكن أن نناقش فيها للتوصّل إلى رؤىً صحيحة تنسجم مع العقيدة الصحيحة. أريد أن أقول أنّ هناك تقدّم حضاري علمي يسبق الخيال العلمي الموجود حاليّاً، ويطبّق أو ينفذ كثيراً من النظريّات الخياليّة العلميّة، فيكون تطبيقها في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه. هذا السبق يجعل هناك التقدّم في الزراعة، كما قرأت هذه الآية، إضافة إلى ما تحدثت به الروايات من أنّ الله يجعل في دولة صاحب الأمر الأرض خضراء، فهذه الجزائر والصحاري التي نراها، مثل جزيرة العرب أو جزيرة العراق أو غير ذلك من الصحاري الواسعة في الأرض، هذه الصحاري تتحوّل إلى جنّات وعيون تمتلئ بالخضرة، والخضرة التي تفيد الأرض، كما أنّ هنالك خضرة تفيد حياة الإنسان تعبّر عنها الرواية التي قرأناها عنه عليه أفضل الصلاة والسلام أنّ هذه الأُكل: «وتضاعف الأرض أكلها» حتى النوع سوف يختلف ويتكثّر، هذا السبق أيضاً ربّما للتأكيد بين الأثمار التي لم تكن معروفة في زمان الأئمة عليهم السلام. على كل حال، هذا بالنسبة للزراعة وبالنسبة للمياه، قالت روايات أنّ هناك مياهاً وأنهاراً جديدة عهد الإمام سوف تشق في الأرض، والإمام سوف يشق نهراً من كربلاء إلى النجف، الرواية هكذا تقول: أنّ الإمام يشقّ نهراً من كربلاء إلى النجف(7)، يعني هذه الصحراء التي تراها حاليّاً ما بين كربلاء وما بين النجف سوف يحييها الإمام عجل الله فرجه مرّة أخرى، هذا التقدّم سوف تمر به البشريّة في عصر الإمام. والإمام الصادق عليه السلام عندما يذكر هذه المناظر، إنّما كانت معروفة لمعاصريه، ولم يتحدّث عن المناظر الأخرى ليس لأنها لم يشملها التقدّم، بل سوف يشملها، ولكن لأنّ الرواة كانوا ربّما لا يعرفون إلاّ أبعاد ضيقة عن المناطق الجغرافيّة التي يعيشون بها أو التي يمرّون بها. البعد الاقتصادي: إذا أردنا أن نرى التقدّم الاقتصادي في دولة الإمام نلاحظ أثر المال في الاقتصاد ـ اقتصاد الدولة، اقتصاد المجتمع، اقتصاد الفرد ـ أثر المال في التطوّر والتقدّم، يعني البعد الاقتصادي في تطوّر حياة الإنسان. عندما نقرأ الآن في كتب الفكر الماركسي نجدها تتحدّث عن أنّ العامل الأوّل والآخر في التطوّر الحضاري عند الإنسان هو العامل الاقتصادي، يأتيك الإسلام فيجعل هناك عوامل متنوعّة للتطوّر، أهمها العامل الاقتصادي. وكيف يمكن لهذا التطوّر الاقتصادي توفير الحياة الهانئة والحضارة لتقدّم الإنسان، هذا بنفسه يحتاج إلى بحث مستقل لا أخالني أتمكّن من الحديث عنه، لضيق الوقت. لكن أريد أن أقول بأن هناك شعب كثيرة من الحديث عن حضارة الإنسان لدولة الإمام، هذا التطوّر الحضاري من حيث المدن وترتيبها وتطورها، أي الجانب العمراني في المدينة وأثر المدينة وبناء المدينة في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه. كل واحد من هذه المفردات التي طرحتها والتي لم أطرحها، مثل الجانب الأمني، الجانب العسكري، لحاظ بناء المدن، التقدّم العمراني، لحاظ التقدّم في الصناعات، التقدّم في التكنلوجية، كل شيء، كل هذه مسائل تحتاج إلى حديث مفصّل. وهناك تقدّم يحدث في الإنسان نفسه، أي في قدراته العقليّة، ففي إدراكات الإنسان سوف يحدث تطوّر آخر، أمّا كيف يتم هذا التطوّر في قدرات الإنسان والفرق بينه وبين التطوّر الذي يحدث في الآلة أو في التقدّم التكنلوجي والتقدّم الذي يحدث على الأرض، فهذا يحتاج إلى حديث آخر، أسأل الله التوفيق لي ولكم. والحمد لله رب العالمين الأسئلة والأجوبة السؤال الأول: سماحة السيد تحدّثتم أنّ هناك عدّة دول إسلاميّة تسبق دولة الإمام عجل الله فرجه، ما هي فائدة هذه الدول الإسلاميّة إذا كان تحقّق العدل المطلق محصوراً في دولة الإمام عجل الله فرجه؟ علماً أنّ هناك من المراجع من لا يرى قيام دولة إسلاميّة في الوقت الحاضر؟ الجواب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. السؤال ينشعب إلى قسمين: القسم الأوّل: ما هي فائدة وجود دول إسلاميّة قبل دولة صاحب الأمر؟ والجواب: من خلال البحث والحديث توضّح أنّ تلك الدول التي تكون قبل صاحب الأمر تكون قوّتها وقدرتها على تنفيذ الإسلام محدودة، يعني القوّة محدودة سواء كانت لظروف دوليّة أو سواء كان لظروف اقتصاديّة تجبر هذه الدولة على أن يكون تأثيرها محدوداً، أو أمور أخرى. الإنسان المنطقي والعلمي يتوصّل إلى أنّ القدرة في تلك الدول لا تجعلها أن تحكّم الإسلام، فضلاً عن أنّ الإنسان الحاكم إذا لم يكن معصوماً بطبيعته يكون معرضاً للخطأ.لكن فائدتها تمثّل جزءاً من الخير، فإنّ الخير القليل خير من لا خير، فالخير النسبي وإن كان محدوداً فهو خير، وأمّا عندما أقول: إسلاميّة، لا أقصد به إعطاء نمط خاص وهو النمط الإسلامي، يعني الدولة الفلانيّة إسلاميّة لا أقصد هذه التسميات التي تطلق على بعض الدول من الناحية الرسمية، وإنّما أقول معنى تطبيق الإسلام النسبي بما تهيئه الظروف، بتعبير الإمام الخميني ومؤسّس الدولة الإسلاميّة في إيران ـ كما تعلمون ـ كان يقول: نحن لحدّ الآن لم نطبق الإسلام كلّه وإنّما نسعى لتطبيق الإسلام، وأمّا الإسلام كلّه فسوف يطبق في دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه.القسم الثاني: وهو أنّ بعض المراجع لا يؤمنون بوجود حكومة إسلاميّة. فالصحيح: ليس لا يؤمنون بحكومة إسلامية، بل لا يدعون للوجوب، يعني لا يجب عليك أن تسعى وتجاهد وتقاتل من أجل إقامة دولة إسلاميّة. هذه رؤية فكريّة تحتاج إلى وقفة، ومن الطبيعي أن هناك فقهاء قد يكونون يؤمنون بعدم هذا الوجوب، أمّا لو وجدت الدولة الإسلاميّة فلا يسموها بأنّها دولة غير إسلاميّة ولا يسمّونها بأنّها ـ أعوذ بالله ـ مثلاً دولة منافقين أو دولة كفّار إلى آخره، وإنّما دولة إسلاميّة، نعم لم تتوفّر على تلك الشروط المطلقة، لأنّ الإنسان المطلق والكامل يحقق ذلك الأمل في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه. السؤال الثاني: سماحة السيد الموسوي، يبشّرنا بعض المراجع بأنّ هذا الزمان إن شاء الله زمن ظهور الإمام عجل الله فرجه، فما رأيك فيها؟ ولكوننا شباب نتطلّع لظهوره فما هو دورنا في هذا الأمر، وكيف يكون الاستعداد والمشاركة في دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه؟ السؤال الثالث: هل لنا دور في تعجيل أو تأخير ظهور الإمام؟ وما هي الأمور التي تساعد على ظهور الإمام؟ وما هو دور المرأة في تعجيل ظهور الإمام؟ وما هو دور الشباب في تعجيل ظهوره عجل الله فرجه؟ السؤال الرابع: هل هذا الاحتلال الذي عمّ العراق له دور في تعجيل ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه؟ وهل تعتبر هذه الحروب العلامات في تعجيله؟ وما هو دورنا في هذا الظرف؟ الجواب: بطبيعة الحال كل واحد من هذه الأسئلة يحتاج إلى وقت كامل للحديث عنه، أمّا بشكل مختصر: نحن كمؤمنين سواء الرجال منا أو النساء مكلفون ـ والكل مكلف ـ أن نسعى بالتهيؤ لصاحب الأمر، والسعي مرّة على نحو الفرد والشخصاني، ومرّة على نحو المجتمع والشكل العام، تهيئة الأمّة، تهيئة الفرد. الوظائف الشرعيّة محدّدة، كل إنسان يحدّد وظيفته الشرعيّة، أولاً ينطلق من تزكية النفس وتهذيب النفس إلى أن يملأ ذهنه وعقله بالرؤى والعقائد الصحيحة الإيمانيّة، خصوصاً في عصر الفتن، كما نقرأ في الروايات أنّه عصر ما قبل الظهور عصر الفتن، خصوصاً الفتن العقائديّة، يفترض في كل واحد منّا أن يتهيأ للدفاع عن عقيدته والعمل بوظيفته الشرعيّة، إمّا في بناء المجتمع الصالح وإمّا في بناء الأمّة الصالحة الممهّدة لصاحب الأمر. هناك تمهيد واع بوجود قوى قادرة أن تساند الإمام عجل الله فرجه، هذه كلّها ظروف يحتاج الحديث عنها إلى تفصيل يمنعنا عنه ضيق الوقت. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته الهوامش (1) نوح (71): 10 - 12. (2) هود (11): 52. (3) انظر جامع البيان للطبري، ج 15: 17، الكامل لابن عدي، ج 6: 2177، تهذيب ابن عساكر، ج 1: 196، الدر المنثور، ج 4: 250. على ما ذكره معجم أحاديث الإمام المهدي: 1/ 356. (4) المستدرك للحاكم، ج 4: 514، رواه وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه - أي البخاري ومسلم... .(5) المستدرك للحاكم، ج 4: 465، رواه وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه - أي البخاري ومسلم -، راجع أيضاً كنز العمال للمتقي الهندي، ج 14: 275، ح 38708. (6) الخرائج والجرائح للراوندي، ج2: 690. (7) أنظر الإرشاد للمفيد، ج2: 380، كتاب الغيبة للطوسي: 468، ح 485. الندوة الرابعة الإنسان الكامل في دولة الإمام المهدي «عجل اللّه فرجه» ألقيت هذه الندوة الفكرية في كلية الطب (جامعة الكوفة) بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، الطهر الطاهر والبدر الزاهر، المنصور المؤيّد والمصطفى الأمجد أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللّعنة الدائمة على أعدائهم ومنكري فضائلهم أجمعين من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين. اللهم ربّنا وفّقنا وجميع المشتغلين واجعله خالصاً لوجهك الكريم أنّك أرحم الراحمين. الإنسان بين الخلقة والكمال: عندما نتحدّث عن الإنسان الكامل في عهد الإمام المهدي عجل الله فرجه لابد أن نعطي لمحة تمهيدية لشرح هذا الاصطلاح الفلسفي والمقصود من هذا الاصطلاح والمداليل التي تؤدّيها هذه الكلمة. الإنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالى في موقع حباه ما لم يحبِ أحداً من خلقه. نلاحظ في المفهوم الإسلامي الفلسفي للعالم أنّ المركز في الكون هو الإنسان، والمحور الذي يتحرّك عليه كلّ شيء وإليه كلّ شيء هو الإنسان، لذلك عبّر عنه القرآن الكريم بأنّه خليفة الله )وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الأَْرْضِ خَلِيفَةً).(1) الإنسان الذي سمّي باسم آدم على نبينا محمد وآله وعلى آدم آلاف التحيّة والسلام، هذا الاسم كان المقصود به هو الخليفة الإنسان، ما يعبّر عنه بالنوع والجنس والكلّي، الإنسان الكلّي المقصود كلّ إنسان، نوع الإنسان، وليس المقصود الكاشف عن الأفراد الخارجيّة ـ كما يعبّر عنه في علم المنطق الشكلي أو الأرسطي ـ الإنسان الخليفة من حيث الفهم الفلسفي له، ودوره في الحياة، المركز الذي يتمحوّر حوله كلّ شيء في الكون. لذلك فإنّ الله سبحانه وتعالى جعله الخليفة وجعله الواسطة بينه وبين باقي الخلائق والكائنات، فلم نجد نبيّاً غير إنسان، مع أنّ الله سبحانه وتعالى خلق خلائق كثيرة (عالمين)، هذه العالمين التي وردت في كثير من الآيات الكريمة، أي مجموعة العوالم المتنوّعة سواء العوالم الشهوديّة أو العوالم الغيبّية باختلاف تلك العوالم الشهوديّة والعوالم الغيبية، لم نجد في جميع تلك العوالم نبياً إلاّ في الإنسان، لأنّ الخلافة الإلهيّة انحصرت في الإنسان ولم تعط تلك الخلافة الإلهيّة لأحد من خلق الله كائناً من كان حتّى لو كان ذلك الخلق جبرئيل، حتى لو كان ذلك الخلق الملائكة الكروبيّين، فضلاً عمّا خلق الله من الجن وخلق الله من النسناس ـ كما ذكر في الروايات(2) وخلق من الحيوانات وخلق من الأشجار وخلق ممّا يرى وممّا لا يرى، فلا يوجد فيها خلق نبي يوحى إليه، يتصّل بينه وبين السماء أو بينه وبين الله تبارك وتعالى مباشرة أو بواسطة الوحي إلاّ الإنسان. يكشف هذا الأمر عن الموقع الربّاني في هذا المخلوق في الكون، المركز الذي يتمحور حوله كل الموجودات في هذا الوجود. هذا المركز وهو الإنسان لم يقصد به الأنبياء فقط أو الأئمة عليهم السلام أو الأوصياء أو المعصومون، أيّ معصوم من المعصومين ـ على جميع المعصومين من الأنبياء والأئمة آلاف التحية والسلام ـ لم يكن هو المقصود الأوّل والآخر فقط، وإنّما المقصود هو الإنسان الكامل الذي خلقه الله تكويناً. فإنّ الله سبحانه وتعالى خلق البشر والإنسان على نمطين، على نحوين: خلق بالتكوين كامل وهم الأنبياء والمعصومون والأئمة، ومع ذلك هم في طور التكامل ويتكاملون، لذلك فإنّ إبراهيم النبي عليه السلام مرّ بمراحل من التكامل بما تجلّى بمقامات التجلّي والظهور في هذا الوجود، ولا أريد أن أتعرّض لهذه النظريّة بكل تفاصيلها، وإنّما أشير إليها إشارة لكي أتوصّل لتوضيح المصطلح الذي نريد أن نتحدّث عنه في دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه. الإنسان إذن على نوعين وقسمين: إنسان معصوم بالذات، خُلق كاملاً، ولكن هذا الكامل كامل نسبي، لذلك نرى أنّ بعض المعصومين بالنسبة للمعصومين الآخرين يكون أعلى درجة أو أقل درجة، فمثلاً عندنا الأنبياء أصحاب درجات والدرجات تعني أن نسبة الكمال والتكامل في ذلك الإنسان بما ظهر فيه، فعندنا أنبياء أكمل من أنبياء إلى أن تصل إلى الأنبياء أولي العزم الذين هم أكمل الأنبياء ثمّ تأتي درجة أعلى من الأنبياء أولي العزم وهو خاتميّة محمد صلى الله عليه وآله، فدرجته في النبوّة أعلى وأكمل لأنّ إنسانيّته أكمل من باقي الأنبياء. النظرية الإسلامية في تكامل الإنسان: هناك حديث طويل في هذا المضمار وهو الحديث عن كامليّة الإنسان الكامل في عالم التكوين، هذا الحديث يحتاج إلى وقت مفصّل وطويل نتحدّث عن نمط التكوين ونمط التكامل في هذا الإنسان وكيف ولماذا كانوا هؤلاء ولم يكونوا غيرهم، فهناك عدّة أسئلة تطرح ويمكن أن تطرح وتحتاج إلى أوقات لشرح تلك الجوانب. لكن أريد أن أتعرّض للنوع الثاني من الإنسان وهم باقي البشر، باقي البشر الله سبحانه وتعالى خلقهم وحسب النظرية الفلسفيّة في الحكمة المتعالية لصدر الدين الشيرازي المعروف بملاّ صدرا صاحب كتاب الأسفار، وهو أرقى ما وصل إليه الفكر الديني والإنساني في تفسير كثير من المسائل الوجوديّة فلسفيّاً وتوضيح مواقعها في خارطة الوجود على أكمل وأتم أوجه التفسير لتلك التساؤلات. أريد أن أقول من هذه النظريّة ـ ولم نجد لها معارضاً بين الفلاسفة المسلمين فضلاً عن غير المسلمين ـ هو أنّ الإنسان أوّل ما يخلق لم يخلق من كمال وإنّما خلق من طين لازب ـ كما يقول القرآن(3) ـ يعني هذا الطين العادي الذي فخره الله سبحانه وتعالى بفخار القدرة. طبعاً لا أريد أن أتعرّض عن بداية الإنسان ومن أي شيء كان الإنسان، وما يذكره دارون وغيره، الآن لا أريد أن أتعرّض لهذه التفاصيل ورؤية الدين والإسلام بما يطرح على هذا المستوى من الطرح العلمي وغير العلمي. وإنّما أريد أن أقول أنّ هناك شيئاً اسمه إنسان طيني، هذا الإنسان الطيني يخلق أوّل ما يخلق في الجوانب الأولى من ظهوره في الوجود بتعبير القرآن )مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى)(4) ثم بعد ذلك هذا يتحوّل إلى علقة ثم مضغة مخلّقة وغير مخلّقة ثم عظام فيكسو العظام لحماً فيكون جنيناً في بطن الأم تلجه الروح. هذا الإنسان الطيني من حيث الكمال لم يملك كمالاً، ولكن فيه قدرة وقابليّة الكمال والترقّي، هذا الكمال والترقّي فيه تعاطف وتناغم بين جنبتي الطينيّة والروحيّة. كيف بعد ذلك تظهر الروح وتنشأ الروح في الإنسان في بطن أمّه كجنين ثمّ يكون خلقاً آخر كما يقول الله تبارك وتعالى: )فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ)(5) هذا التناغم الطيني والروحي في بطن الأم والتناسل والتبادل يدخل كل واحدٍ منهما في تركيبة الإنسان الكامل، أي أن كون الإنسان خلق من هذه الصورة الطينيّة، من هذا الدماغ، من هذا القوام، من هذا الشكل له أثر في كمال الإنسان، كما أنّ الذي له الأثر الكبير في كمال الإنسان هو الجانب الثاني وهو الجانب الروحي. عندما يولد الإنسان، يقول القرآن: )وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئ)(6)، الآن لا أريد أن أتحدّث عن نظريّة المعرفة عند الإنسان، سواء كانت نظريّة المعرفة عند الفلاسفة التجريبيّين أو الفلاسفة العقليّين أو غير ذلك ممّا طرح من نظريّات حول نظرية المعرفة، لكنّنا كإسلامييّن ومسلمين نؤمن ـ كما قال القرآن الكريم ـ أنّ الكمال المعرفي عند الإنسان يكون من نقطة الصفر في بطن الأم، يعني يولد الإنسان وهو خالٍ من المعرفة، خلافاً لمفاهيم ديكارت الذي يؤمن ويحاول أن يبرهن أنّ المبادئ الفطريّة الأوليّة تلد مع الإنسان. بطبيعة الحال لا أريد أن أتحدّث عن كل هذه التفاصيل، لكن هذه التفاصيل لها أثر كبير في كمال الإنسان. على كل حال يولد الإنسان وهو لا يملك هذا الكمال، بل تبدأ معارفه الحسيّة ـ هي أوّل المعارف التي تتكون في عقل الإنسان ـ تظهر من خلال تجاربه مع الواقع الخارجي، ولذلك نعتبر نحن، حتّى الإسلاميّين، أنّ المعارف الحسيّة، وإن لم تكن هي المعارف الكماليّة للإنسان كإنسان ولكن هذه المعارف الحسيّة تعبّر عن الموجود الأوّل للمعرفة، يعني أنها تشكّل المعرفة الإنسانيّة في بداياتها: من المعرفة الحسيّة ثمّ تترقى إلى المعرفة العقليّة. وهذا يعني أننا نختلف مع الحسّيين حينما نقول أنّ المعرفة الحسيّة تترقّى إلى معرفة عقليّة ونختلف مع العقليين أو الفلاسفة العقليين أو الذي يعبّر عنهم بالمثاليين، سواء في المثالية القديمة أو بالمثالية الجديدة التي بشّر بها الفيلسوف الألماني هيگل أو غير ذلك، بدون لحاظ لهذه التصوّرات أنّ الإنسان تبدأ عمليّة التكامل ـ تكامل إنسانيته ـ من خلال ظهور الإنسانية، وهو أن تؤدّي الجوارح والطينيّة والجسم تؤدّي دورها في إعطاء المجال للقوى العاقلة في الإنسان أن تتكامل وتصل بمستويات أعلى، قادرة هذه المستويات أن تخرق العالم الطيني أو العالم الناسوتي ـ كما يقول الفلاسفة ـ وترتقي إلى عوالم أخرى كعالم الجبروت مثلاً، فيطّلع ويتكامل الإنسان، يكون في أعلى عليّين وهو في الدنيا. الغاية من خلق الإنسان: هذا الموضوع مع أهمّيته هو الهدف الإساسي لخلقة الإنسان، لأنّ الإنسان عندما يريد أن يكون خليفة الله في الأرض فلا بدّ أن يكون هذا الإنسان بهذا المستوى من الكمال الذي يستحق به أن يكون خليفة لله سبحانه وتعالى في الأرض وفي الوجود، يعني أن يكون عنده من قوى الإدراك والمعرفة ما يجعله مؤهّلاً ومسلّطاً ـ له سلطان ـ على كل الموجودات. إذن هذا المقصود من الإنسان الكامل، وهو المعبّر عنه )وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِْنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)(7) هذه اللاّم لام الغاية، وهنا نحتاج إلى تفصيل وبيان ما هو المقصود من )لِيَعْبُدُونِ(، هل العبادة الحركيّة الظاهريّة أم هناك حركة الواقع، وهو أن يتحرّك الإنسان بكلّه وبروحه. على كلّ حال، هذا الهدف الذي خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان لأجله، وهو أن يعبد الله سبحانه وتعالى، كما تقول الرواية في تفسير الآية السابقة: «ليعرفون»(8) لأنّ العبادة الحقيقية هي عبادة المعرفة، هذه الغاية هي التي يستطيع بها الإنسان أن يتكامل ويكون بمستوى فوق الملائكة وفوق كل المخلوقات، بل يكون المركز الذي تتمحور حوله جميع الموجودات والمخلوقات. هذه الغاية وتحقيق هذه الغاية هو غاية الأنبياء عليهم السلام على مرّ التأريخ، يعني أنّ الله بعث الأنبياء والرسل من أجل أن يوصلوا الخليقة للكمال الذي يستطيعون به أن يعبدوا الله تبارك وتعالى حقّ عبادته ويعرف الله تبارك وتعالى حقّ معرفته، هذه المهمّة إذن هي مهمّة الأنبياء. مهمّة الأنبياء تتوّج وتنتهي بمهمّة الوصي الخاتم المهدي المنتظر عجل الله فرجه، ولذلك نجد في كل النبوّات التي سبقت نبيّنا محمد صلى الله عليه وآله والتي لحقت النبوّة من الوصايات والإمامات التي تتالت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كانت تؤكّد وتبشّر بالمهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الذي سوف يحقّق تلك الأمنية الإلهيّة. أي أنّ الأنبياء كل نبي له دور يتمّم الدور الذي قبله، إلى أن جاء دور نبيّنا صلى الله عليه وآله وكان الدور الخاتم النهائي والذي ابتدأ في أعظم حلقة من حلقات هذا الدور ووجوده الشريف صلى الله عليه وآله وسوف تنتهي بأشرف حلقة بظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه. مجتمع عصر المعصومين: هذا الإنسان الكامل بقى على مرّ التأريخ مفردات يتحدّث عنها التأريخ، يعني الآن عندما نريد أن نتحدّث في عصر النبي صلى الله عليه وآله نجد أنّ في عصر النبي، وهو من العصور الشريفة، وهذا العصر قد حظي بحضوره صلى الله عليه وآله وحضور أئمة ثلاثة هم: الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والإمام الحسن والحسين عليهم السلام إضافة إلى الصدّيقة الكبرى فاطمة صلوات الله وسلامه عليها، مع هذا الوجود ولكن لم تكن البشريّة مؤهّلة لأن تحظى بالكمال التام فتكون هذه البشرية هي الإنسان الكامل، أعني بحيث نحس أنّ المجتمع المدني الذي عاصر النبي صلى الله عليه وآله والمدني ـ أقصد به نسبته إلى المدينة المنورّة على ساكنها ومشرّفها أفضل الصلاة والسلام ـ أنّ الإنسان المدني مع وجود النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام لم تكن مفردات وجود الإنسان الكامل إلاّ معدودة. لذلك نعد أفراداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذين وصلوا مرحلة عظيمة من الكمال بحيث يخدمهم الملائكة، كما في الرواية «سبعة بهم تمطرون وبهم ترزقون»(9) يعني أنّ الله لأجلهم ينزل المطر ولأجلهم يعطي الرزق للعباد، وذكر من جملتهم سلمان والمقداد وعمّار وأباذر، هؤلاء وصلوا بالكمال لهذا المستوى العظيم، ولكن مع هذا المستوى العظيم الذي وصلوا إليه من كمال لم يكونوا جميعهم بهذا المستوى، أي لم يكن جميع من حضر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الدرجة، وهذا موجود بقوله تعالى: )أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ).(10) يعني أنّ هذا المجتمع مع وجود النبي، وأنّ النبي صلى الله عليه وآله اشتغل لأجل نقل هذا المجتمع إلى هذا المستوى لم يستطع المجتمع أن يتوصّل لأن تكون نسبة الإنسان الكامل فيه نسبة كليّة ونسبة ظاهرة. مجتمع عصر الظهور: لكن سوف تتحقّق هذه النسبة في مجتمع الإمام المهدي عجل الله فرجه، لا لأنّ المهدي وحده سوف يقدر على ما لم يقدر عليه باقي الأنبياء والأئمة عليهم السلام لا، وإنّما الإمام المهدي عجل الله فرجه شاءت إرادة الله أن يكون الخاتم الذي تظهر جهود جميع الأنبياء في دولته، جميع مظاهر الجهاد والجهود التي قام بها الأنبياء والأوصياء سوف تظهر في دولته، وهذا بسبب أنّ تكامل الإنسان الكامل يحتاج إلى جهود وتظافر جهود كبيرة لا يمكن أن تتحقّق من حيث التكوين ـ ليس من حيث التشريع ـ إلاّ في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه. لذلك سوف تكون نسبة وجود الإنسان الكامل على نحوين، هنا نظريتان يوجد نحوان ـ أقصد بالنحوين نظريتين ـ: هناك نظريّة تقول بأنّ النسبة سوف تكون تامّة، وهو المعبّر عنه بالمجتمع المعصوم، يمكننا أن نتحدّث عن الإنسان الكامل الكلّي في مجتمع إنساني كلّي، وهو مجتمع المهدي عجل الله فرجه. هناك نظريّة تقول أنّ مجتمع الإمام المهدي مجتمع معصوم، وهذا يحتاج إلى بحث لست بصدد هذا الموضوع، لأنّ هذا الموضوع يحتاج إلى بسط في البحث ووقت لتفصيل المجتمع المعصوم في دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه. ولكن هناك نظريّة أخرى أيضاً تقول أنّ المجتمع في عصر الإمام المهدي عجل الله فرجه وإن لم يكن كلّه معصوماً، ولكن بالنسبة إلى النسبة الأغلبيّة من المجتمع سوف تكون فيه حالة العصمة، يعني أنّ أغلب المجتمع أو أنّ النسبة العامّة في مجتمع الإمام المهدي عجل الله فرجه يكون فيهم قد تحقّق عنصر الإنسان الكامل. طبعاً يبقون مختلفين في درجات الكمال، فإن الناس وإن وصلوا إلى مرتبة الإنسان الكامل بشكل عام ـ بحسب هذه النظرية ـ وليس بالمعنى الجوهري التام الذي ينكشف انكشافاً كلّياً على جميع الأفراد، مع ذلك فإنّ هذه النسبة سوف تكون مختلفة أي ـ بتعبير المناطقة الشكليّين ـ مشكّكة، يعني ليست متواطئة، يعني ليست على مستوىً واحد وإنّما على مستويات مختلفة، يعني أنّ مستويات الناس وإن وصلوا إلى مرتبة الإنسان الكامل إلا أنها يمكن تشبيهها بتفاوت درجات الأنبياء، فعندنا 124 ألف نبي وكل نبي عنده وصي أو أكثر من وصي، مع هذا فهم مختلفون في مراتب الكمال فيما بينهم فكذلك في مجتمع الإمام المهدي عليه السلام سوف يكون الإنسان الكامل مختلفاً من حيث رتبة الكمال فيما بينه وبين غيره من الأفراد..هذا الشيء الأوّل. مظاهر الكمال: أردت أن أتحدّث عن هذه المظاهر بتفصيل أكبر، لكن وللأسف الشديد أنّ الوقت أخذني وأدركني، وأنا سوف أتحدّث عن مظاهر هذا الكمال، وكيف نلاحظ هذا الكمال بما يسعفني به الوقت. التكامل يشمل التكامل العضوي والتكامل الروحي، فكما هناك تكامل روحي هناك تكامل عضوي. هذه النظريّة تحتاج إلى تفصيل، بحث طويل حول أن تكون العلاقة العضويّة والروحيّة متكافئة أو تكون بينهما حالة تبادل في الكمال، يعني أثر الجانب الروحي على الجانب العضوي، وكيف يمكن الإنسان إذا ترقّى روحيّاً يمكنه أن يؤثّر حتّى على قوته ـ بنوع ما من التأثير ـ على جسمه، هذا الكمال الجسمي، بحيث قواه أيضاً تملك نوعاً من أنواع الكمال. الآن هذا الموضوع جدّاً مهم، فإن هذا الموضوع حاليّاً يطرح على عدّة مستويات سواء على مستوى الفلسفات الشرقيّة، التي هي معروفة بالبوذيّة وغير البوذيّة، أو الفلسفات الجديدة في الغرب وهي الفلسفات الروحيّة، هذا الموضوع مهم، وهو الذي يعبّر عنه الباراسايكولوجي ويتحدّثون عن أثر القوى الخفيّة التي توجد في واقع الإنسان على الجانب العضوي في الإنسان، ليس فقط السكيلوجي وإنّما الجانب العضوي في الإنسان. هناك أثر حقيقي موجود في الواقع، هذا الأثر كيف يوجد وكيف يمكننا أن نتوصّل إليه، فهذا يحتاج إلى حديث مختصّ به. ولكن هناك عندما نقرأ الروايات عن إنسان دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه نجد هذا الإنسان يملك من القوى العضويّة مالا يملكه الإنسان الآخر..أعطيك مثالاً: العاهات والأمراض والعلل التي تصيب الإنسان، عندنا في رواياتنا عن أهل البيت عليهم السلام، وهذه الروايات موجودة أيضاً في كتب العامّة من اخواننا السنّة كما هي موجودة في كتب الشيعة، هذه الروايات لم نختص بروايتها وإنّما موجودة في كتب جميع المسلمين، تقول هذه الروايات أنّ الإنسان ـ إنسان دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه ـ يبرأ من العاهة، ويبرأ من الضعف البدني، ويبرأ هذا الإنسان من الأمراض والعلل. كيف يمكن لهذا الإنسان أن يبرأ من هذه العاهات وهذه النواقص البدنيّة في جسمه؟! هذا يوجد له عدّة تفاسير. ربّما الإنسان يفسّره على أساس غيبي، فيقول أنّ هناك أمراً إعجازياً أو أمراً ربّانياً، شاء الله تبارك وتعالى ـ المشيئة وهي الإرادة التكوينيّة فيه ـ أن يكون هذا الإنسان المعاصر للمهدي عجل الله فرجه بهذا المستوى من القدرة والقوّة البدنية، هذا هو التفسير الأول. لكن هذا التفسير لا نهضمه، لسبب هو أن الله تعالى أجرى قانون الطبيعة في حياة الإنسان في زمان النبي صلى الله عليه وآله وقبله وبعده، ولم تذكر الروايات أنّ هذه الحالات التي سوف يتوصّل إليها الإنسان في دولة الإمام بسبب أمر غيبـي. مثلاً: من جملة تلك الروايات ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام: «من أدرك قائم أهل بيتي من ذي عاهة برئ ومن ذي ضعف قوي»(11)، تلاحظ الرواية تتحدّث أنّ من له عاهة جسميّة قبل دولة صاحب الأمر فإنها في دولة صاحب الأمر تبرأ بشكل غير إعجازي، بشكل تكويني، شكل طبيعي، شكل تجريبي داخل تحت التجربة وداخل ضمن قوانين الطبيعة، وكذلك في الضعف. هذه رواية من الروايات. الرواية الأخرى عن الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه عن علي بن الحسين عليه السلام أنّه قال: «إذا قام القائم أذهب الله عن كل مؤمن العاهة وردّ إليه قوّته»(12) وهذه بقوّة الرواية السابقة. تلاحظ هذه روايات زوال الضعف وزوال العاهات والبرء من العلل والبرء من الأمراض قد يقال بالوضع التجريبي أنّ المجتمع المهدوي يصل بالتطوّر العلمي في شتّى وسائل، أو في شتّى مجالات العلوم يصل المجتمع المهدوي إلى مستوىً كبير من التطوّر والتقدّم التكنلوجي وغير التكنلوجي بحيث تزول تلك العلل. ولتوضيح هذه الفكرة نقول: الآن لو أنّ مجتمعنا يعيش في هذا القرن بدايات القرن الواحد والعشرين لو قسناه إلى مجتمع قبل سبع قرون نلاحظ نسبة العاهات ونسبة الأمراض ونسبة العلل والظواهر اللاّصحيّة التي كانت موجودة في تلك المجتمعات بنسبة كبيرة جدّاً وظاهرة للعيان، ولذلك الأوبئة كانت تنتشر بشكل سريع وكل سنة يتخوّف الناس في مواسم ـ خصوصاً مواسم الحر ـ من ظهور الأوبئة والأمراض مثل الكوليرا أو ما إلى ذلك، أمّا الآن فبالتطوّر العلمي خفت هذه الظواهر اللاّصحيّة بسبب التقدّم، وإن كان الإنسان توصّل لاكتشاف خريطة الجسم ـ فرضاً ـ التي يكتشف منها الأمراض المستقبليّة في الإنسان أو اكتشف أكثر هذه الخريطة للجسم استطاع أن يكتشف تلك الأمراض والأوبئة. وهكذا في زمان الإمام سوف يتطوّر الإنسان وتظهر، كما عندنا إحدى الروايات أنّ الإمام المهدي إذا جاء نشر العلم(13)، وكل علم ولا يختص فقط في علم الدين، وإنّما كل العلوم سوف تنتشر وتكون في أعلى مستوى في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، ولذلك سوف تختبئ هذه الأوبئة، يعني بشكل طبيعي بدون حاجة إلى الإعجاز. وهذا يؤيّده مجموعة من الروايات: من جملة تلك الروايات التي تحدّثت عن قوى الإنسان الكامل في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في صفة أصحاب القائم، ويقصد أصحاب القائم المجتمع الكامل الذي يحققه الإمام المهدي عجل الله فرجه، يقول الإمام الصادق عليه السلام: «وإنّ الرجل منهم ليعطى قوّة أربعين رجلاً وأنّ قلبه لأشد من زبر الحديد ولو مروّا بجبال الحديد لقلعوها».(14) هذه القوّة التي تعطى للجسم، قد الآن أنا وأنت بما نملك من وسائل تجريبيّة ما استطعنا أن نوفّر هذا المستوى من الطموح في رقيّ الإنسان وتكامل الإنسان، ولكن لو نلاحظ أنّ الإنسان يمكنه أن يقوى ونجد الأسباب في قوّته الجسميّة ونجد الأسباب في ضمور عضلاته، إذا افترضنا أن المقصود من هذه القوّة هو فقط القوّة الجسميّة، علماً أنه يوجد احتمال آخر، هو أن تكون له وسائل قدرة كالرشاشات ـ فرضاً ـ بل أكثر وأرقى وأقوى من هذه القوى بالنسبة للإنسان. هذه الروايات التي تحدّثت عن هذا الإنسان في زمان الإمام المهدي عجل الله فرجه تحدّثت عن الإنسان الذي سوف يتغيّر روحياً وسوف يتغير جسميّاً، هذا التغيّر الروحي والتغيّر الجسمي نحو الكمال، الكمال المنشود الذي يتناسب مع طموح الشريعة وطموح الأنبياء والأئمة عليهم السلام في تكميل الإنسان في أرقى المستويات. الموضوع فيه تفاصيل كثيرة والوقت أدركنا، نكتفي بهذا المقدار. نسأل الله سبحانه وتعالى التوفيق لنا ولكم. وبالنهاية أشكر العمادة، عمادة كليّة الطب على هذه الفرصة، وأشكر مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهدي عليه السلام، والذي هو برعاية آية الله العظمى السيد السيستاني حفظه الله، والذي بإشراف أخينا سماحة حجّة الإسلام السيد محمد القبانجي. أسأل الله أن تتهيأ فرصة أخرى نوفق فيها لتكملة البحث، لأن الوقت قد أدركنا قبل إكمال البحث بجوانبه المهمة. والحمد لله ربّ العالمين الأسئلة والأجوبة السؤال الأول: ما قول سماحتكم في بعض الدراسات القائلة في المهدي بأنّه ليس بشراً منّا أهل البيت، وإنّما هو ممكن أن يكون تغيير جذري في فكر الناس، أو هو دولة قويّة تقدّم الإسلام بفكره الصحيح وبأسلوبه المستقيم ويتمحور الناس حولها ويقبلونها؟ الجواب: الواقع إذا أردنا الموضوع من لحاظ ديني، فإنّ الروايات المتواترة عند السنّة والشيعة بالإجماع ـ لم يشذ عنهم شاذ ـ قد نصّوا على هذا الرجل الذي اسمه المهدي عجل الله فرجه أو صفته المهدي وصفته القائم، وعندنا نحن باسمه الشريف ابن الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وعندنا صفاته الجسميّة موجودة في الروايات، وعندنا أنه ولد في 15شعبان وقد روت السيّدة حكيمة يوم ولادته وكيف ولد، وعندنا أنّ هذا الإمام هو الذي سوف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً. هذا كلّه موجود بمئات بل بآلاف الروايات، فمثلاً واحد من الكتب التي جمعت قسم من هذه الروايات اسمه العبقري الحسان باللغة الفارسية هذا طبع على الحجر، لو يطبع على الطبعة الحديثة فسوف لن يكون أقل من عشرين مجلّداً، يجمع بعض تلك الروايات التي تحدّثت عن الإمام المهدي، عندنا موسوعات تحدّثت عن الإمام المهدي عجل الله فرجه وجمعت الروايات حوله. فالرؤية الدينيّة الإسلاميّة للإمام المهدي عجل الله فرجه محصورة به. السؤال الثاني: السلام علكيم، لو افترضنا ـ كما قلتم ـ أنّ المجتمع الإنساني في وقت الظهور قد وصل إلى أعلى درجة في التكامل الإنساني، فهناك إشكال، وهو الحديث المشهور الذي يقول أنّه: «سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً» فحيث هناك تناقض ـ ظاهراً ـ بين الحديث والمطلوب، نرجوا توضيح ذلك ورفع هذا التناقض جزاكم الله خير الجزاء؟ الجواب: طبعاً عندما نتحدّث عن المجتمع قبل الظهور غير المجتمع ما بعد الظهور. أمّا كيفيّة امتلاء الأرض بالظلم والجور فتفسير هذا الامتلاء فيه آراء كثيرة، لكن أهم تلك التفسيرات هو أنّ هذا الامتلاء قبل ظهور صاحب الأمر عجل الله فرجه المقصود منه على مرّ التأريخ بحيث لم تبق منطقة لم يشملها الظلم والجور، وهو المعبّر بالروايات التي تفسّرها طبعاً الروايات، فإنّ الروايات يفسّر بعضها بعضاً، كما نفسّر القرآن بالقرآن وبالرواية فنفِسّر الرواية بالرواية وبالقرآن، هذا التفسير اعتمد على جملة من الروايات، والموضوع يحتاج إلى تفصيل لست الآن بصدد بيانه وإنّما إشارة لأجيب على هذا السؤال، وهذه الرواية تقول: ما يبقى أصحاب ملّة إلاّ وحكموا قبل صاحبنا أو قبل حكمنا، وفي روايات أخرى لئلاّ تكون للناس حجّة فيقولوا لو حكمنا لعدلنا.(15) هذا المقصود «لو حكمنا لعدلنا» يعني أنّ الكل يحكم والكل تظهر منه مظاهر الجور والظلم بما يمتلئ به الوضع الأرضي، ممّا يمكنه أن يمتلئ. وأمّا امتلاء الأرض قسطاً وعدلاً ما بعد الظهور، فيعني أنّ البشرية تكون متكاملة. أمّا كيف يكون وكيف يتحقّق التكامل، فهذا يحتاج إلى حديث مفصّل، باعتبار أنّ التكامل الذي يظهر في دولة صاحب الأمر ويملأ الأرض يطرح علينا سؤالاً هو: الأشرار أين يذهبون والظلاّم أين يذهبون؟ وهذا ما يجاب عنه أنّ في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه يحكم بحكم داوود، وهل يوجد في حكمه إلاّ السيف؟! الآن السيف والقوّة والحديد والحوار، وهذا يحتاج إلى مجال للحديث وتفصيل متى يستعمل السيف ومتى يستعمل الحوار. هذا الموضوع أيضاً له من الأهمية الكبيرة ما نحتاج إلى البحث، ولكن المقصود بعد ما تتوفّر في حكمه كل الظروف لتطهير الإنسان وتطهير الأرض أو تطهير الأرض فيتطّهر الإنسان، حينئذ يمكن للإنسان أن يصل إلى مراتب الكمال. يوجد موضوع وهو قد يعبّر عنه بالتأثيرات الاجتماعية على سلوك الفرد وسلوك المجتمع، المعبّر عنه في علم الاجتماع بالعقل الجمعي، هذه نظرية العقل الجمعي وتأثير العقل الجمعي على العقل المفرد أو السلوك الفردي بالنسبة للإنسان والسلوك الجماعي للأمّة كمجتمع، سوف يتخلّص الفرد من العقل الجمعي الشرّير والجائر والظالم في دولة صاحب الأمر عجل الله فرجه، فلذلك يتوفّر للإنسان العقل الكامل والعقل المرشد. السؤال الثالث: إذا كان الإنسان في عصر النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام لم يصل مائة بالمائة إلى الإنسان الكامل، فما هي يا ترى نسبة الإنسان الكامل في عصرنا هذا الذي نعيشه؟ سؤال آخر حول نفس المحور ـ تقريباً ـ: في الأول والآخر الله وحده العالم ولكن حسب علمكم ما مدى نضوج المجتمع الإنساني في الوقت الحاضر ليكون بمستوى مجتمع عصر ظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه؟ الجواب: قلنا بالنسبة إلى ظهور الكمالات أن شغل الأنبياء وشغل الأئمة عليهم السلام ليس على الكم، فالمهمّة الأساسية التي كانت على النبي وعلى الأنبياء الذين سبقوه والأئمة عليهم السلام لم يكن الأصل فيها العدد الكمي وأنّهم يجعلون أكثر ما يستطيعون من الإنسان الكامل، وإنّما كان الجانب الرتبي من الإنسان، يعني إظهار أعلى مراتب الإنسان الكامل وإن كان أقل عدداً. أمّا في عصر اكتمال الشريعة، فعندما تكمل الشريعة، عندما تنزل الآية الكريمة )الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِْسْلامَ دِين)(16) الكمال في تمام الشريعة، هذا يوفّر الفرصة لظهور الإنسان الكامل، تلاحظون هذا شرط أساسي للإنسان، فلذلك لم تكن مهمة الأنبياء هي أن تكون المساحة الكمية، وإنّما كانت المهمة هي المساحة النوعية، فالمساحة النوعية عندما تتكامل في آخر المجتمعات الإنسانية سوف تظهر في ذلك المساحة الثانية وهي المساحة الكمية. أمّا مجتمعنا أو باقي المجتمعات والقياس عليها ـ كما سألتم ـ فهذا حديث يحتاج أن نتحدّث عن مجتمعنا والقوانين الاجتماعية الحاكمة في المجتمع الإنساني بشكل عام والإسلامي الذي نطمح إليه، وهذا يحتاج إلى بحث خاص. أمّا إلى أين وصلنا، نرجو من الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من المجتمعات التي تحظى بنظرة صاحب الأمر عجل الله فرجه، ويرحمنا ويرفعنا من مستوانا إلى أعلى مستوى، ويجعلنا ممّن يوفّق لرؤيته وخدمته والظهور في دولته عجل الله فرجه. والحمد لله رب العالمين الهوامش (1) البقرة (2): 30. (2) لاحظ: بحار الأنوار: 24/ 94 الباب 35. (3) الصافات (37): 11. (4) القيامة (75): 37. (5) المؤمنون (23): 15. (6) النحل (16): 78. (7) الذاريات (51): 56. (8) لاحظ: تفسير ابن كثير: 4/ 255، شرح أصول الكافي للمازندراني: 4/ 208. (9) لاحظ: الكافي: 2/ 244، الاحتجاج للطبرسي: 2/ 186. (10) آل عمران (3): 144. (11) الخرائج والجرائح للراوندي: 2/ 839، بحار الأنوار: 52/ 335 الحديث 68. (12) كتاب الغيبة للنعماني: 317 الحديث 2 من الباب 21. (13) الخرائج والجرائح للراوندي ج2 ص841 ح 59. (14) إكمال الدين وإتمام النعمة: 673 الحديث 26 من الباب 58. (15) كتاب الغيبة للنعماني: 274 الحديث 53. (16) المائدة (5): 3.