حق المبین فی معرفة المعصومین (ع) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حق المبین فی معرفة المعصومین (ع) - نسخه متنی

الشیخ علی الکورانی العاملی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

Untitled \n


الحـق المبيـن في معرفة المعصومين(ع)


بحوث مستفادة من محاضرات المرجع الديني
الوحيد الخراساني مد ظله


تأليف


الشيخ علي الكوراني العاملي


الطبعة الثانية ، مزيدة ومنقحة


1424هـ 2003م


الحـق المبيـن في معرفة المعصومين(ع)


بحوث مستفادة من محاضرات المرجع الديني
الوحيد الخراساني مد ظله


بقلم


علي الكوراني العاملي


الطبعة الثانية ، مزيدة ومنقحة


1424هـ 2003م


الكتاب : الحق المبين في معرفة
المعصومين(ع)


المؤلف : علي الكوراني العاملي


الناشر : دار الهدى ـ قم المشرفة


الطبعة : الثانية ، مزيدة ومنقحة


العدد : 3000 نسخة


التاريخ : 1424 هجرية ـ 2003 ميلادية


مقدمة


بسـم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، وأفضل الصلاة
وأتم السلام على سيدنا ونبينا


محمد وآله الطيبين الطاهرين


المرجع الخراساني وفهم النبي وآله(ص)


عرفت المرجع الوحيد الخراساني في الكويت
قبل نحو ثلاثين سنة ، لكني لم أعرف منهجه
في فهم النبي وآله(ص)حتى اطلعت على
محاضراته وآرائه في قم المشرفة ، فوجدت
فيها ضالتي التي كنت أبحث عنها ،
والبراهين على قناعاتي الكامنة ، بل وجدت
في عمق فهمه للنبي والأئمة صلوات الله
عليهم مالم أجده إلا عند القليل ممن
عايشته من علمائنا المعاصرين


فما دام الأئمة المعصومون(ع)مشروعاً
ربانياً تولى وضع خطته وتنفيذها الحكيم
الخبير عز وجل ، فلا يصح أن نحصر دورهم في
عصر دون عصر ، ولا أن نلخصه في العمل لتسلم
السلطة ، أو نختصره في بيانهم لبعض
العلوم، ورقابتهم على بعض الأوضاع
فقضيتهم(ع)أعمق من ذلك وأوسع


يدلنا على عمقها حتى لو لم نصل الى غورها ،
ما نراه من عمل صاحب مشروعهم عز وجل في هذا
الكون الوسيع والطبيعة التي حولنا وفي
أنفسنا ، هذا الصنع الذي بلغ أقصى درجات
الإعجاز والإتقان


وإذا كان من الغباء أن نُبَسِّط أيَّ جزءٍ
منه ، أو نُسَطِّح فيزياءه وقوانينه ، فإن
من الغباء الأكبر أن ننظر بسطحية الى
مشروع النبي والأئمة(ع)الذي هو أعمق من
فيزياء الطبيعة بكثير ، فهم حجج الله
تعالى على خلقه ، بعلمهم ومعجزاتهم ، وهم
نوره في أرضه ، هذا النور الذي قال لنا عنه
سبحانه في سورة النور (آية:35) إنه موجود في
بيوت عندكم: اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ
فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي
زُجَاجَةٍ ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا
كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، يُوقَدُ مِنْ
شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ
لاشَرْقِيَّةٍ وَلاغَرْبِيَّةٍ ،
يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِئُ وَلَوْ لَمْ
تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ
يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ
وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ
وَاللهُ بِكُلِّ شئ عَلِيمٌ


فالنبي وآله المعصومون(ص)نور الله في أرضه
، والرابط بينه وبين خلقه ، لايصح أن نقسس
بهم أحداً لابعلمهم ، ولابأفعالهم ،
ولابأرواحهم ، ولا بأجسادهم ، ولا بفريضة
ولايتهم وطاعتهم(ع) !


وليس كل من ادعى الفهم فاهماً ، ولامن
ادعى العلم عالماً ، ولامن تعاطى الطب
طبيباً ، ولا كل من ورد بحر فهم الأنبياء
والمعصومين(ع)سبَّاحاً ، فإن بحوث معرفة
شخصياتهم المقدسة(ع)بحرٌ ، النجاةُ فيه في
اللجة ، والغرق فيه في الشاطئ ، وهو بحرٌ
يحتاج الى فهم الفقيه ، وعمق الفيلسوف ،
وفهم المعصوم من كلام معصوم ، ويحتاج بعد
ذلك الىنبض قلب وإشراقة روح وتلك ميزات
وهب الله منها الكثير للمرجع الأستاذ دام
ظله


فهم الفقيه


إذا قرأت نصاً لعقد عمل أوإنشاء شركة ،
فسوف تفهمه ، أو تفهم منه لكن لو أعطيته
الى خبير قانوني فسيفهمه بشكل أعمق


إن الفرق بين فهم الشخص العادي وفهم
الحقوقي المتخصص، مثلٌ تقريبي نعرف به
الفرق بين فهم الفقيه وغير الفقيه


والفقيه بمستوى مراجعنا الكبار ، أدقُّ
من الحقوقي الذي قضى عمره في القانون ، لأن
منهج الفقهاء في البحث أصح ، وجهدهم أكثر


غيرُ الفقيه يقرأ بالجملة ، والفقيه يقرأ
بالمفرد


غيره يقرأ بالطول ، وهو يقرأ في العمق


غيره يقرأ الكلمات والجمل ويفهم منها ،
وهو يتأمل في اختيار الكلمة وصيغتها في
نفسها ، وتركيبها مع أخواتها ، ونوع الربط
والرابط بينهن


غير الفقيه يفهم المعنى الظاهر الذي تدل
عليه الألفاظ ، والفقيه يفهم الظاهر
ولوازمه وأبعاده ، ويفهم العمق ، وأبعاده
وإشاراته


غير الفقيه يتعامل مع اللفظ بسطحية ،
والفقيه يتفهم اللفظ واللغة ، ويحترم
المتكلم واختياره


غير الفقيه يفهم العقيدة بقطع النظر عن
معمارية الشريعة في مفرداتها وقواعدها
وأهدافها ، فقد يلائمها ، وقد يخسر
الإنسجام مع بنائها والفقيه يستحضر
منظومة الشريعة بكل أحكامها ، فيجئ فهمه
للعقيدة غنياً بفهمه للشريعة ، صَرْحَيْن
مُتَّسَقَيْن مُتَنَاسِقَيْن


غير الفقيه يكون فهمه عادةً في معرض
الإشكال والنقض والرد والبدل، والفقيه
يفهم بعقلية الأصولي الذي عايش لسنين
طويلة أبحاث أصول الفقه الدقيقة العميقة ،
وقتلها بحثاً وتعمقاً ، وتشقيقاً ،
وإشكالاً ورداً ، من أول بحث الوضع
والمعنى الحرفي، الى آخر بحث التعارض
والتراجيح


نقل لي أحدهم أن الكاتب المصري المعروف
أحمد أمين عندما زار النجف الأشرف سأل
المرحوم الشيخ محمد حسين كاشف
الغطاء(ره)عن علم أصول الفقه، فدعا له
بالمجلد الأول من كفاية الأصول للمحقق
الخراساني(ره)، فقرأ فيه أحمد أمين ، ثم
قرأ وقال: لم أفهم !


فقال له: نعم ، لأنك لم تدرس وهذا علم
يحتاج الى دراسة !


عمق الفيلسوف


يحترم الناس الفلاسفة بقطع النظر عن
عقائدهم ، بسبب مستوياتهم الذهنية
العالية فالذي يستطيع أن يفهم مصادر
الفلسفة القديمة اليونانية وما طوَّر
فيها الفلاسفة المسلمون ، ويستوعب منظومة
السبزواري وشفاء ابن سينا وإشاراته مثلاً
، أو يستوعب الفلسفة الحديثة كفلسفة كانت
، وديكارت ، وبراتراند راسل لابد أن يكون
فهيماً صاحب مستوى ذهني عال


والمرجع الوحيد الخراساني بهذا الميزان،
من أصحاب هذه الذهنيات العالية ، حيث درس
أمهات كتب الفلسفة ، فهو أستاذ فيها ، وإن
كان وزن الفلسفة والفلاسفة عنده خفيفاً،
فنراه عندما يتعرض لبعض نظريات الشيخ
الرئيس ابن سينا ، إنما يحترمه لأنه وصل في
آخر عمره الى اليأس من الفلسفة ، وتوجه
بفكره ليقتبس من القرآن الكريم


من هنا كانت خبرته الفلسفية عاملاً
مساعداً في فهمه للنبي وآله(ص) توجب مزيد
اطمئنان لأولئك الذين يُكْبِرون الفلسفة


فهم شخصية المعصوم من كلام المعصوم(ع)


كلما تقدمت المعرفة بالفلاسفة والمفكرين
والعلماء ، اكتشفوا أبعاداً جديدة في كلام
النبي(ص)وأهل بيته(ع)، وعرفوا قيمتهم أكثر ،
وعرفوا أن شخصية المعصوم يجب أن تفهم من
كلام المعصوم(ع) !


صحيح أن الله تعالى قال لنبيه(ص): قُلْ
إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى
إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ
وَاحِدٌ (سورة فصلت:6) ، لكنه قال لنا بذلك
إن النبي مثلنا وليس مثلنا ! وإن شخصيته
مركبة من جنبة بشرية يعاملنا بها ، وجنبة
غيبية يتلقى بها الوحي والعلم من رب
العالمين ! وأنى لنا أن نفهم بفكرنا وعقلنا
جنبة الغيب في شخصيته ، إلا بكلام معصوم له
نافذة مفتوحة على الغيب؟!


بل حتى المثلية في قوله تعالى:قُلْ
إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ، تعني
أنه من وسطكم يعرف تفكيركم ومشاعركم ويدرك
مشكلاتكم ، ولاتعني أنه مثلنا بمستوانا
ونوع تفكيرنا ومشاعرنا ، فإن له(ص)عالمه
الأعلى الذي لانرتقي اليه ، كما أنه
لاينزل الى عوالمنا الدنيا !


فالنبي إذن بسبب رقيِّ فكره ومشاعره ليس
مثلنا ، وبسبب أن شخصيته مفتوحة على الغيب
ليس مثلنا ! فماذا بقي من المثلية التي
تمكننا من الإحاطة بحقيقة شخصيته(ص)؟!
وكذلك هي شخصيات المعصومين من عترته(ع)


ومن هنا نعرف لماذا اختار الله تعالى لفظ
البشرية للمثلية ، دون الإنسانية !


ومن هنا كانت قوة منهج المرجع الأستاذ في
أن فهم المعصوم لايمكن إلا من كلام
المعصوم(ع)، وقد طبقه في محاضراته خير
تطبيق فكشف أبعاداً جديدة في شخصياتهم
ومقاماتهم(ع)لم تكن تتيسر لولا هذا المنهج


نبض القلب وإشراقة الروح


أقصد بنبض القلب: التفاعل الإنساني
العقلي والعاطفي مع الحقائق التي تهز
العقل والقلب ، الحيَّيْن الحَيَويَّيْن


وبإشراقة الروح: تلك الإنارة التي ينعم
الله بها على الإنسان فتضئ له الأمر ،
فيراه على واقعه ، أو قريباً من واقعه


وهما أمران يتوقفان على عدة عوامل
تكوينية وسلوكية يتفاوت فيها الناس
كثيراً ، وتختلف تبعاً لها إشراقة أرواحهم
، ونبض قلوبهم !


فبعض الناس تراه قطعة عاطفة ، ينفعل من
رمشة العين ، ويطير كالريشة في الهواء
الذاري !


تراه انفعالياً لايعرف التعقل ، وكأنه لم
يطرق سمعه أن الإنسان له عقل يفكر فيه ويصل
به الى نتائج نظرية وعملية مهمة !


وبعض الناس تراه كأنه عقلٌ رياضي محض ، كل
شئ عنده معادلة جافة إما معادلة حسابية
مالية ، أو معادلة أحداث وقعت أو سوف تقع ،
ثم لاشئ غير ذلك ! لا قلبٌ ينبض ، ولا
عاطفةٌ تجيش !


تراه يواجه حدثاً تهتز له أحجار المقابر
فلا يرفُّ له جفنٌ، ولايخفق له شعور،
فكأنه في حياته لم يبتسم ولاسمع بمن يضحك
ويبكي ويغضب!


وبين هذين النموذجين درجات كثيرة


وتكامل الشخصية وتميزها ، إنما يكون بما
يحققه صاحبها فيها من تعادل قوى العقل
والعاطفة ، وما يكسبه من استشراف الروح
وإشراقتها


وإذا نظرنا الى شخصية الشيخ الوحيد
الخراساني بهذا الميزان، يبدو لنا أنها
أقرب الى شخصيات أصحاب المعادلات
الرياضية ، الذين لايعجبهم العجب،
ولايهتمون بأكثر الأمور والقضايا التي
يهتم بها الناس !


لكن يكفي أن تسأله مسألة تتعلق بالله
تعالى أو بالنبي وآله الأطهار صلوات الله
عليهم ، حتى تعرف أن اهتمامه هنا ، وليس
هناك !


أو تسمع له محاضرة عنهم(ع)لترى هذا الساكن
الساكت عالَماً يموج بالإيمان ، وقلباً
نابضاً بالأفراح والأحزان ، وروحاً مشرقة
بنور النبي والزهراء والأئمة صلوات الله
عليهم


كنت نويت أن أكتب سيرته الذاتية حفظه الله
في مقدمة هذا الكتاب ، وطلبت منه أن يخصص
وقتاً للإجابة على أسئلتي التي أحتاجها
لكتابة الموضوع ، فأوعدني خيراً
واستمهلني أن يكمل عملاً بيده ، فصبرت حتى
أكمله ، لكنه فكر فرأى سيرته الذاتية
أمراً غير مهم فاعتذر عنها !


قالت له موازينه ومعادلاته إنها حديث عن
الذات والذات غير مهمة ، وإنما المهم
الحديث عن النبي وآل النبي(ص)


ميزة هذا الكتاب


وجدت في هذه الدروس ما أعتقده في فهم
النبي وآله(ص)، فهي بمادتها العلمية
وتحليلها تؤصل للمنهج الصحيح في
معرفتهم(ع) ، وبمادتها الولائية العملية
تمثل أنشودتي التي أحب أملأ بها جنبات
عقلي وروحي ، وأحملها معي الى قبري ،
وألاقي بها ربي عز وجل ، وأشنِّفَ بها
أسماع الموالين من إخواني الشيعة الذين
يعرفون نبيهم(ص)وأئمتهم(ع)بهذا المنهج
وهذا الفهم التقليدي الأصيل ، ويعيشون به
معهم في ليلهم ونهارهم ، وتزهر به قلوبهم
كالمصابيح ، وإن لم يستطيعوا أن يعبروا
عنه بشرح وبرهان !


فهؤلاء الموالون هم الذين وصفهم الإمام
الصادق(ع)ووصف أضدادهم بقوله: (تجد الرجل
لايخطئ بلام ولا واو ، خطيباً مصقعاً،
ولقلبُه أشدُّ ظلمةً من الليل المظلم !
وتجد الرجل لايستطيع يعبِّر عما في قلبه
بلسانه، وقلبه يزهر كما يزهر المصباح)
(الكافي:2/422)


والحمد لله أن كثيرين عرفوا قيمة هذه
الجواهر التي أفاضها شيخنا الأستاذ في
مركز تدريسه العامر ، قاعة المسجد الأعظم
بقم المشرفة ، خاصة فضلاء تلاميذه ، الذين
تخرَّج منهم على يده المئات وربما الألوف
، وفيهم من هو بمستوى المرجعية والحمد لله


وقد انتشرت أشرطة هذه الدروس بشكل واسع ،
لكني أردت أن أترجمها كاملة ، وأستخرج
مصادر أحاديثها ونصوصها ، وأشرح بعض
مواردها ، وأقدمها الى شيعة أهل البيت
الطاهرين(ع)بصيغة تضمن المحافظة على
أفكارها ، وتتميز بحرية التعبير وسلاسة
الأسلوب وانسيابه


فكان هذا الكتاب الذي أرجو أن يكون ذخراً
ليوم حشري ، وأن يكتبني الله تعالى به فيمن
دافع عن التشيع الأصيل ، في عصر كثرت فيه
الكتابات عن أنواع من التشيع ، منها
الأصيل المشرق ، ومنها البائس الهزيل ،
ومنها الإلتقاطي الهجين ، ومنها التحريفي
الممسوخ


أسأله تعالى أن يجزي أستاذنا المرجع خير
الجزاء بما أوضح من معالم ولاية أهل البيت
الطاهرين(ع)وعرَّفَ بمقاماتهم ، ونَصر
قضيتهم ، قضية الإسلام ، وأن يكتب لي سهماً
في عمله ، ويشمله وإياي بشفاعتهم(ع)


حرره بقم المشرفة ، في الأول من صفر الخير
1424


علي الكوراني العاملي


الإتجاهات المعاصرة في فهم النبي وآله(ص)


تنحصر المذاهب والإتجاهات الإسلامية
المعاصرة في فهم النبي وآله(ص) في خمسة:
المذهب السني ، والزيدي ، والإسماعيلي ،
والشيعي الإمامي ، وأخيراً الإتجاه
الشيعي التركيبي


ولابد لنا أن نستبعد الغلاة الذين يؤلهون
أحداً من أهل البيت النبوي (ع) بأي نوع من
التأليه ، ونستبعد النواصب الذين ينصبون
العداء لأهل البيت النبوي(ع)، لأنهما
اتجاهان خارجان عن الإسلام لايصح عدهما من
المذاهب أو الإتجاهات الإسلامية في فهم
النبي وآله المعصومين(ص)


1 ـ الإتجاه السني في فهم النبي وآله(ص)


يرى أتباع المذاهب السنية أن
النبي(ص)معصوم في تبليغ الرسالة فقط ، دون
بقية سلوكه العام ، وسلوكه الشخصي !


هذا من ناحية نظرية ، أما ناحية عملية فإن
مصادرهم تزعم أن النبي(ص) ارتكب أخطاء
عديدة وبعضها في تبليغ الرسالة ! وأن بعضها
كان يصححه له جبرئيل(ع)، وبعضها كان يصححه
له عمر بن الخطاب ، فيؤيده الوحي!


وكذلك لايرون عصمة أهل بيت النبي وعترته ،
علياً وفاطمة والحسن والحسين(ع)، ويقولون
إن لهم فضائل كما لهم أخطاء ، ولايعترفون
بأنهم معينون من الله تعالى أوصياء
للنبي(ص)وأئمة للأمة ، ولذا يؤولون الآيات
والأحاديث التي تدل على عصمتهم
وإمامتهم(ع) ، ويجعلون درجة علي(ع) رابع
الصحابة لأنه كان الخليفة الرابع ،
وأكثرهم يفضل عليه أبا بكر وعمر وعثمان ،
وقد يفضلون عائشة على فاطمة الزهراء(ع)،
كما يفضلون بعض التابعين العاديين على
أئمة أهل البيت(ع)أمثال الإمام زين
العابدين ، والإمام محمد الباقر ، والإمام
جعفر الصادق(ع) !


ويترتب على هذا الفهم أمور عديدة ، تظهر
في المعالم التالية:


الأول: أن النبي(ص)توفي عندهم بدون وصية
كتبية ولاشفهية! وأن الصحابة هم الأصل بعد
النبي(ص)والأفضل من جميع الأمة عبر
أجيالها ، وعنهم يتلقون دينهم ، ولايهتمون
بالرأي المخالف لهم ، بل يعتبرونه
انحرافاً عن الإسلام حتى لو كان صادراً من
أهل بيت النبي(ص)!


بل تراهم يقرنون الصحابة بالنبي في
الصلاة عليه(ص)، وقد يحذفون منها الصلاة
على آل النبي ، مع أنهم رووا في أصح صحاحهم
أن النبي(ص)علمهم الصلاة عليه وأمرهم أن
يقرنوا به آله(ع)فقط !


الثاني: عندما يقولون (الصحابة) فلا
يقصدون المئة ألف شخص وأكثر ، الذين رأوا
النبي(ص)وسموهم صحابة ، ولايقصدون أهل
بيته علياً وفاطمة والحسن والحسين(ع)الذين
هم أهل بيت وصحابة !


بل هم عملياً يقصدون أربعة رجال من
الصحابة هم: أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية ،
ومن وافقهم ، ومعهم امرأتان هما: عائشة
وحفصة ، ومن وافقهما


أما باقي الصحابة فهم مقبولون عندهم بشرط
أن يوافقوا هؤلاء الستة ، ولا عبرة بقول
جميع الصحابة إن خالفوا الستة ، أو خالفوا
عمر وحده !


الثالث: لايقول السنيون نظرياً بعصمة
هؤلاء الصحابة الستة ، لكنهم عملياً يرون
عصمتهم كمجموع ، بل يرون عصمة عمر وأبي بكر
خاصة ، فهم لا يقبلون أن يوجه اليهما أي نقد
! ويحاولون تصحيح أفعالهما وأقوالهما حتى
في مقابل النبي(ص)! ويحكمون بضلال من
ينتقدهما ، أو بكفره !


الرابع: أن تاريخ الإسلام في رأيهم صحيح
على عمومه ، ونظام الخلافة الذي أسسه أهل
السقيفة نظام شرعي، وما ارتكبوه من إقصاء
أهل البيت(ع) وما اقترفوه في حقهم وحق من
عارضهم، من بطش وتقتيل وتشريد وحروب كلها
طبيعية ومغفورة ، والحق فيها مع الصحابة
ككل ، فإن لم يمكن جعل الحق مع الكل ، فالحق
مع أبي بكر وعمر ، والضلال في من يقابلهم !


كما أن الدعوة الى إقامة نظام إسلامي في
عصرنا ، تعني عندهم الدعوة الى تطبيق فقه
المذاهب الأربعة ، وإعادة أمجاد نظام حكم
الخلافة الإسلامية عبر العصور ، وخاصة
خلافة أبي بكر وعمر


2- الإتجاه الزيدي في فهم النبي وآله(ص)


وهم يعتقدون أن الإمامة في ذرية علي
وفاطمة(ص)، وأن الإمام بعد الحسين هو
الإمام زين العابدين(ع)، وبعده زيد بن علي
بن الحسين ، وبعده من اجتمعت فيه شروط
الإمامة التي توجب البيعة والطاعة وهي
ثلاثة: أن يكون من ذرية علي وفاطمة(ص)، وأن
يكون عالماً ، وأن يقوم بالسيف


ولكنهم يعتقدون بعصمة أهل الكساء(ع)، دون
بقية أئمتهم


3- الإتجاه الإسماعيلي في فهم النبي
وآله(ص)


يرى المذهب الإسماعيلي أن الإمامة في
ذريةعلي وفاطمة(ص)، ويشتركون معنا في
إمامة الأئمة من العترة الطاهرة الى
الإمام الصادق(ع) ، ثم يقولون بإمامة ولده
إسماعيل بن الإمام الصادق(ع) ، ثم بإمامة
العشرات من أئمتهم ، ومنهم كل الخلفاء
الفاطميين وبعضهم يعتقد بعصمتهم جميعاً


4- الإتجاه الشيعي في فهم النبي وآله(ص)


نعتقد نحن الشيعة بإمامة الأئمة الإثني
عشر(ع)وعصمتهم ، وأنهم أئمة معيَّنون من
الله تعالى ورسوله(ص)مفروضةٌ طاعتهم ، بل
هم أفضل الخلق بعد نبينا(ص)، ولهم مقاماتٌ
عظيمة خصهم الله تعالى بها في نشأتهم في
هذه الدنيا وقبلها ، ولهم مع جدهم(ص)مقام
الشفاعة العظمى في الآخرة وقد يعبر
علماؤنا عن النبي وآله(ص)بأنهم وسائط
العطاء والرحمة والفيض الإلهي


ويترتب على هذا الفهم أمور ، تظهر في
المعالم التالية:


الأول:أن العصمة التي نعتقد بها
للنبي(ص)عصمةٌ كاملة عن جميع المعاصي
الكبائر والصغائر ، قبل البعثة وبعدها ،
في تبليغ الرسالة وغيره وكذلك عصمة الأئمة
من عترته(ع)، مع أنهم أئمة وليسوا أنبياء


الثاني: أن أهل البيت المعصومين(ع)هم مصدر
التلقي الوحيد للكتاب والسنة بعد
النبي(ص)، والميزان الوحيد لصلاح الصحابة
والأمة أو الحكم بانحرافهم عن الإسلام،
فالأئمة من العترة النبوية هم الأفضل وهم
الأصل، ولا عبرة بقول من خالفهم من
الصحابة وغيرهم ، وذلك لثبوت عصمتهم ،
وأمر النبي(ص)باتباعهم والتلقي منهم وحدهم


والآيات والأحاديث التي تدل على ذلك
كثيرة رواها الجميع، كقوله(ص):


إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تاركٌ فيكم
الثقلين، كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب
الله حبل ممدودٌ من السماء إلى الأرض
وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني
أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض،
فانظروني بِمَ تخلفوني فيهما (مسند أحمد:3
/17)


وقال السرخسي: قال(ع): إني تارك فيكم
الثقلين كتاب الله وعترتي، إن تمسكتم بهما
لم تضلوا بعدي وقال تعالى: إِنَّمَا
يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ
الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ
وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (أصول
الفقه:1/314)


الثالث: أن مذهب أهل البيت(ع)هو الإسلام
كما نزل على رسول الله(ص)، وهو استمرار خط
النبوة بالأئمة الذين أمر النبي(ص)الأمة
باتباعهم بعده


ويصح وصف التشيع بأنه مذهب ، لكن بمعنى
أشمل من المذاهب الفقهية والكلامية التي
أنشئت في القرن الأول والثاني ، في
العصرالأموي والعباسي


الرابع: أن قضية أهل البيت النبوي(ع)هي
لبُّ الإسلام ، وظلامتهم هي ظلامة الإسلام
، وفضائلهم فضائل الإسلام ، وأن الأولوية
في العمل الإسلامي لتعريف المسلمين
والعالم بهم ، ورد الشبهات عنهم وعن
شيعتهم ، والدفاع عن حقهم ودفع ظلامتهم ،
وتطبيق الإسلام الذي تلقيناه منهم


الخامس: أن مسار تاريخ الإسلام على عمومه
غير صحيح ، ما عدا ما أمضاه الأئمة
المعصومون من أهل البيت(ع)وأقروه من
الفتوحات التي خطط لفتحها النبي(ص)وأدار
فتوحها علي(ع)وقاد تلامذته أهم مراحلها


ونظام الحكم الذي أسسته قبائل قريش في
السقيفة غير شرعي ، ما عدا خلافة أمير
المؤمنين(ع)، وخلافة الإمام الحسن(ص)التي
عاشت ستة أشهر


والذي صنعته قبائل قريش وارتكبته مع
النبي وأهل بيته(ص)هو أسوأ أنواع
الإنقلابات التي قامت بها أمة في حياة
نبيها وبعده ، ضده وضد أوصيائه!


وقد فتحوا بذلك أبواب الظلم والصراع في
الأمة ، وحرفوا مسيرة الإسلام عن خطها
الصحيح ، حتى يظهر المهدي(ع)فيعيد الحق الى
نصابه !


ومن هنا كانت البراءة من ظالمي أهل بيت
النبي(ص)من أصول مذهبنا الى جنب ولايتهم
ومودتهم وطاعتهم(ع)


5- الإتجاه الشيعي التركيبي أو الإلتقاطي
في فهم النبي وآله(ص)


وهو الإتجاه المتأثر بأفكار السنيين
وأحياناً بأفكار الغربيين ، وقد توسعنا
فيه ، لأنه يتصل بموضوعنا مباشرة


وأصحاب هذا الإتجاه ليسوا فرقة متميزة عن
الشيعة ، بل هم أفرادٌ في أوساطهم ، ويظهر
اتجاههم من أقوالهم وبعض كتاباتهم


وأبرز معالم هذا الإتجاه الأمور التالية:


الأول ، أن أصحابه ينكرون عدداً من فضائل
الأئمة ومقاماتهم(ع)، مثل أن الله خلق
نورهم قبل خلق العالم ، وأنهم وسائط عطاء
الله تعالى وفيضه ، وأن لهم ولاية تكوينية
على العالم الخ ويحرصون على تقديم
شخصياتهم(ع) بعيدةً عن عناصر الغيب التي
فيها ، كأنهم مجرد أئمة مذهبٍ من المذاهب!
بينما هم(ع)أئمةٌ ربانيون معينون من الله
تعالى ، وعلمهم منه سبحانه ، فهم ورثة
الكتاب والعلم الإلهي ، وعندهم مواريث
الأنبياء(ع)، وهم ملهمون من الله تعالى ،
فلا يقاس بهم أحد ، ولا تقاس شخصياتهم
بغيرهم ، ولا مذهبهم ببقية مذاهب الدول
التي اضطهدتهم وأقامت مقابلهم علماء
أسسوا لها هذه المذاهب ، وجمعوا أصولها
وفروعها خليطاً من مصادر الإسلام ،
ومقولات أهل الكتاب ، وظنون مؤسسيها !


الثاني: يدعو أصحاب هذا الإتجاه الشيعة
الى تركيز اهتمامهم على الولاية دون
البراءة ، وأن يكتفوا بذكر فضائل أهل
البيت(ع)دون ذكر مظالمهم ودون البراءة من
أعدائهم وظالميهم ، حتى لايثيروا بذلك
حساسية أتباع المذاهب السنية ، وغيرتهم
على أئمتهم وحكامهم الذين ظلموا أهل بيت
النبي(ص) !


وقد يفرط بعضهم في التنازل عن ظلامة أهل
البيت(ع)فيعتبر أنها مسألة تاريخية لايصح
أن نهتم بها كثيراً ، لأن الإهتمام
بالقضايا العامة أولى منها !


الثالث: يشارك أصحاب هذا الإتجاه السنيين
في نظرتهم الى تاريخ الإسلام بشكل عام ،
ويرون أن الدعوة الى إقامة النظام
الإسلامي في عصرنا تعني الدعوة الى إعادة
ما يسمى أمجاد الحضارة الإسلامية ، وأمجاد
نظام حكم الخلافة الإسلامية في صدر
الإسلام ، وتطبيق ما يختاره الحاكم من فقه
المذاهب الأربعة أو الخمسة


كما أن نظرتهم الى نظام الخلافة الذي
أسسته بطون قريش في السقيفة ، وما نتج عنه
من صراع الخلفاء على الحكم ، أقرب الى نظرة
السنيين وإذا ذكرت أمامهم الجرائم التي
ارتكبها الخلفاء مع أهل البيت(ع)، فقد
يقرون بهولها ، لكنهم يريدون الإغماض عنها
وترك مناقشتها !


والأمر الأسوأ في آرائهم أنهم يريدون من
الشيعة أن يقدموا أهل البيت(ع) الى الأمة
ويربُّوا أبناءهم على أنهم شخصيات قيادية
ضمن المسار العام للأمة وكأن
الأئمة(ع)ارتضوا هذا المسار وعملوا في
تقويته ! مع أنهم أدانوا كل المسار ،
وحكموا بأنه انحراف عن الإسلام ، وتعاملوا
معه من باب الضرورة ، لحفظ كيان الأمة ، وما
يمكن حفظه من الإسلام ، وتثبيت خطه الصحيح !


الرابع: يتبنى بعض أصحاب هذا الإتجاه
مفهوماً خاطئاً للوحدة الإسلامية ،
فيتصورون أنها تعني الوحدة الفكرية بين
المسلمين على القواسم المشتركة بين
المذاهب في العقيدة والفقه ، وأنه يجب
إهمال ماعدا المشتركات !


مع أن الوحدة بهذا المعنى هدف خيالي
لايمكن تحقيقه إلا بالتنازل عن مجموعة من
عقائد المذاهب وأحكامها !


والوحدة الإسلامية الصحيحة هي وحدة
المسلمين السياسية في مواجهة أعدائهم ،
ووحدتهم بتعاونهم لتحقيق النهوض بشعوبهم
، وهذا لايتنافي مع المحافظة على حرية
المذهب ، وحرية البحث العلمي المذهبي مع
حفظ الأدب الاسلامي ، ولا مع العمل لبيان
ظلامة أهل بيت النبي(ص)


لهذه الأسباب وغيرها ، صحت تسميتهم
بأصحاب الإتجاه التركيبي ، وأحياناً تصح
تسميتهم بأصحاب الإتجاه الإلتقاطي


معايشتي لتأثير الموجة الشيوعية على
العراق في ولادة الفهم الإلتقاطي


أحمد الله تعالى حيث وفقني في نشأتي لأن
أعيش في أجواء المرحوم آية الله السيد عبد
الحسين شرف الدين(ره)، حيث كان يقضي شهور
الصيف في قريتنا ياطر ، من جنوب لبنان ،
وكان يفيض على القرية والمنطقة من
روحانيته الصافية ، وعمق ولائه لأهل البيت
الطاهرين(ع)


وكان من فضله عليَّ&أن شجعني على طلب
العلم في سن مبكرة ، وهيأ لي أستاذي آية
الله الشيخ ابراهيم سليمان حفظه الله ،
الذي كان يعيش أجواء السيد شرف الدين(ره)في
الولاء ، فدرست عنده نحو ثلاث سنوات


ثم عشت في الحوزة العلمية في النجف الأشرف
في أجواء هذا الفهم والولاء لأهل البيت
الطاهرين(ع)، وكنت مهتماً الى جانب دراستي
، بقراءة سيرتهم(ع)والتعرف عليهم أكثر ،
فكنت أقضي ساعات طويلة في مكتبة أمير
المؤمنين(ع)في أوائل تأسيسها في قراءة
السيرة من كتاب البحار وغيره ، وكنت أشاهد
العلامة الأميني(ره)مشغولاً في تأليف
موسوعة الغدير ، أو أراه في حرم أمير
المؤمنين(ع)مستغرقاً في الصلاة أو في
الزيارة


في تلك الفترة عايشتُ في النجف الصراع
الذي احتدم بين الحوزة الدينية وموجة
الشيوعيين(1377-1381هجرية 1958ـ1962ميلادية) ،
وشاهدت معاناة الشعب العراقي منهم ،
وتحملتُ بعض ما تحمله المتدينون وطلبة
الحوزة خاصة من تحديات وإذلال وخطر ، الى
أن استطاع المرجع السيد الحكيم(ره)أن يصدر
فتواه في الشيوعية ، ويحدث ضدهم موجةً
شعبيةً قويةً


رأيتُ كيف هبت الحوزة والمسلمون في كل
محافظات العراق في موجة إسلامية ضد
الشيوعيين وأفكارهم وتصرفاتهم ، ثم رأيت
كيف بدأت الحوزة تفكر في انتهاج طرق جديدة
في التوعية الإسلامية ، لمواجهة الأخطار
الشرسة على الدين والمتدينين


فقد تصدت الحوزة للموجة الشيوعية بكل
فئاتها ، التقليديون والمثقفون أو
الواعون كما كنا نسميهم ، لكن الذين
واصلوا العمل الحركي مثقفون يكثر فيهم
الإتجاه التركيبي في فهم الأئمة(ع)، وقد
أثروا على بعض الحوزويين ، وكنت أتأثر بهم
في بعض المفاهيم ، وأناقشهم في بعضها


وقد تبنينا باعتبارنا اتجاهاً واعياً في
الحوزة رؤية لشخصياتهم وسيرتهم (ع)،
وقبلتها يومذاك على تأمل في بعضها ، لكنها
لم تُقنع أعماقي ، فكنت في داخلي أبحث عن
رؤية أكثر إقناعاً


كانت رحلتي في البحث عن الفهم الصحيح
للنبي والمعصومين(ع)من أصعب الرحلات
الفكرية ! لأني قطعت مسافتها وأنا في وسط
يتبنى الإتجاه التركيبي ويعمل به !


وقد أنعم الله تعالى عليَّ بحب القراءة ،
فقرأت الكافي بمجلداته الثمانية ،
والبحار بمجلداته المئة ، وكتب الصدوق
كلها، وعشرات الدورات في التفسير والحديث
والتاريخ والكلام ، من مصادر الشيعة
والسنة ، مضافاً الى الكتب الجديدة ، التي
قرأت أكثرها ، أو تصفحته !


كنت يوماً أقرأ في روضة الكافي حديثاً عن
الإمام محمد الباقر(ع)يفسر قوله تعالى:
أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا
رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا
مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شئ حَيٍّ أَفَلا
يُؤْمِنُونَ(سورة الأنبياء:30) يقول فيه
الإمام الباقر(ع):


إن الله تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى
الأرض كانت السماوات رتقاً لاتمطر شيئاً،
وكانت الأرض رتقاً لاتنبت شيئاً ، فلما أن
تاب الله عز وجل على آدم أمر السماء فتقطرت
بالغمام، ثم أمرها فأرخت عزاليها ، ثم أمر
الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار
وتفهَّقت بالأنهار، فكان ذلك رتقها ، وهذا
فتقها


قرأت ذلك فقلت في نفسي: ما أغبانا! ركضنا
وراء ثقافة الإخوان المسلمين وابتعدنا عن
ثقافة أهل البيت الطاهرين(ع)الذين عندهم
علم الكتاب !


لقد مضى علينا سنين ونحن نأخذ بقول سيد
قطب وأمثاله، ونفسر الآية في تدريسنا
ومحاضراتنا بأن السماء والأرض كانتا قطعة
واحدة ، ففصَّلَهما الله تعالى الى أرض
ونجوم وكواكب الخ


تأملْ في الآية لتراها تنطق بصحة تفسير
الإمام الباقر(ع)لأن المخاطب فيها الكفار
لينظروا فصول السنة ، وموضوع الآية نظام
التبخير والإمطار ، ولا علاقة له بفصل
الأرض عن السماء ، فانظر الى قوله:
فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ
الْمَاءِ!


وقد جاء كلام الإمام الباقر(ع)هذا ضمن هذه
الرواية التي نوردها لفوائدها :


في الكافي:8/120، عن أبي الربيع قال: حججنا
مع أبي جعفر(الإمام الباقر(ع)) في السنة
التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك وكان
معه نافع مولى عبدالله بن عمر بن الخطاب
(من علماء النصارى وكان ناصبياً يميل
الخوارج) ، فنظر نافع إلى أبي جعفر في ركن
البيت وقد اجتمع عليه الناس ، فقال نافع:
يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تداكَّ
عليه الناس؟!


فقال: هذا نبيُّ أهل الكوفة ، هذا محمد بن
علي !


فقال: إشهد لآتينه فلأسألنه عن مسائل
لايجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي
نبي ! قال: فاذهب إليه وسله لعلك تخجله !


فجاء نافع حتى اتكأ على الناس ثم أشرف على
أبي جعفر(ع)فقال: يا محمد بن علي إني قرأت
التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ، وقد
عرفت حلالها وحرامها ، وقد جئت أسألك عن
مسائل لايجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو
ابن نبي! قال: فرفع أبوجعفر(ع)رأسه فقال: سل
عما بدا لك


فقال: أخبرني كم بين عيسى وبين محمدمن
سنة؟ قال: أخبرك بقولي أو بقولك؟ قال:
أخبرني بالقولين جميعاً قال: أما في قولي
فخمس مائة سنة ، وأما في قولك فست مائة سنة


قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه:
وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ
قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا
مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً
يُعْبَدُونَ (سورة الزخرف:45) مَن الذي سأل
محمدٌ وكان بينه وبين عيسى خمس مائة سنة؟


قال: فتلا أبو جعفر(ع)هذه الآية:سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ
آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ، فكان من الآيات التي أراها
الله تبارك وتعالى محمداً(ص)حيث أسرى به
إلى بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره
الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين،
ثم أمر جبرئيل(ع)فأذن شفعاً وأقام شفعاً
وقال في أذانه:حي على خير العمل، ثم تقدم
محمد(ص)فصلى بالقوم، فلما انصرف قال لهم:
على مَ تشهدون ، وما كنتم تعبدون؟ قالوا:
نشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له،
وأنك رسول الله أخذ على ذلك عهودنا
ومواثيقنا !


فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر ، فأخبرني عن
قول الله عز وجل: أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ
كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ
كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا
وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَئٍ
حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُون؟ قال: إن الله
تبارك وتعالى لما أهبط آدم إلى الأرض
وكانت السماوات رتقاً لاتمطر شيئاً ،
وكانت الأرض رتقاً لاتنبت شيئاً ، فلما أن
تاب الله عز وجل على آدم(ع)أمر السماء
فتفطرت بالغمام ، ثم أمرها فأرخت عزاليها
، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار ، وأثمرت
الثمار ، وتفهقت بالأنهار ، فكان ذلك
رتقها وهذا فتقها


قال نافع: صدقت يا ابن رسول الله فأخبرني
عن قول الله عز وجل:يَوْمَ تُبَدَّلُ
الأَرْضُ غَيْرَالأَرْضِ
وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ
الْوَاحِد ِالْقَهَّار(سورة ابراهيم:48) أي
أرض تبدل يومئذ ؟ فقال أبو جعفر(ع): أرض تبقى
خبزة يأكلون منها حتى يفرغ الله عز وجل من
الحساب!فقال نافع:إنهم عن الأكل لمشغولون؟
فقال أبو جعفر(ع): أهم يومئذ أشغل أم إذ هم
في النار؟ فقال نافع: بل إذ هم في النار
قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام
فأطعموا الزقوم ، ودعوا بالشراب فسقوا
الحميم !


قال: صدقت يا ابن رسول الله ولقد بقيت
مسألة واحدة ، قال: وما هي؟ قال: أخبرني عن
الله تبارك وتعالى متى كان؟


قال: ويلك متى لم يكن حتى أخبرك متى كان ؟!
سبحان من لم يزل ولا يزال ، فرداً صمداً ،
لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً


ثم قال: يا نافع أخبرني عما أسألك عنه ،
قال: وما هو ؟ قال: ما تقول في أصحاب
النهروان؟ فإن قلت: إن أمير المؤمنين
قتلهم بحق فقد ارتددت ، وإن قلت: إنه قتلهم
باطلاً فقد كفرت؟!


قال: فولى من عنده وهو يقول: أنت والله
أعلم الناس حقاً حقاً !


فأتى هشاماً فقال له: ما صنعت؟ قال: دعني
من كلامك! هذا والله أعلم الناس حقاً حقاً
وهو ابن رسول الله حقاً ، ويحق لأصحابه أن
يتخذوه نبياً) انتهى


وقد ذكر سيد قطب تفسير الآية بفتق الأرض
عن السماء في عدة مواضع من تفسيره: قال في
أحدها (ص2376): (وقد يشير القرآن أحياناً إلى
حقائق كونية كهذه الحقيقة التي يقررها هنا
أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما
، ونحن نستيقن هذه الحقيقة لمجرد ورودها في
القرآن ، وإن كنا لانعرف منه كيف كان فتق
السماوات والأرض أو فتق السماوات عن
الأرض، ونتقبل النظريات الفلكية التي
لاتخالف هذه الحقيقة) انتهى


وقد أخذه سيد قطب من مفسري الدولة الأموية
(نسبه الطبري:17/25، الى الحسن وقتادة ومجاهد
، ونسبه الرازي الى كعب الأحبار ، كما في
البحار:54/14)


إن تفسير هذه الآية ما هو إلا نموذج بسيط
ليس فيه معاناة تذكر ، لكن المعاناة كانت
عندما تصطدم النصوص التي نقرؤها بتصورنا
الذي غرسناه في أذهاننا عن الأئمة(ع)! فكم
فكرت في مشروع فهمهم(ع)الذي تبنيناه في
الحركة الإسلامية ، فلم أستطع تطبيقه على
نصوص سيرتهم(ع)، ولاعلى أصول فعل الله
تعالى العليم بعلمه المطلق ، الحكيم
بحكمته المطلقة


أهم الإتجاهات التي تبلورت أو تكونت بسبب
الهزة الشيوعية


يتوقف فهم نشوء الإتجاهات الفكرية
والسياسية الحديثة في كل مجتمعاتنا
الشيعية ، على فهم تأثير الموجة الشيوعية
في العراق(1377-1381هـ1958ـ1962م) على الحوزة
العلمية في النجف الأشرف


وقد حدثت تلك الموجة بسبب أن زعيم الثورة
عبد الكريم قاسم تحالف مع الحزب الشيوعي
العراقي ، وكان أقوى حزب شيوعي في البلاد
العربية ، واعتمد عليهم في تشكيل حرس
الثورة (المقاومة الشعبية) ، وأطلق يدهم في
العمل الإجتماعي والسياسي ، فاستغلوا
فرصتهم أوسع استغلال ، وساعدتهم على ذلك
عوامل داخلية وخارجية ، لايدخل في غرضنا
الحديث عنها


بدأت الموجة الشيوعية في العراق بشعار
(الدين أفيون الشعوب) ، ونشطوا في نشر هذا
المفهوم القنبلة بكل ما استطاعوا من وسائل
! ولك أن تقدر فعل الدعوة الى الإلحاد ورفض
الدين من أساسه ، في شعب مسلم كالعراق !


كانت تحدياً للجميع ، لأصل وجود دين !
وتحدياً خاصاً لأصل وجود الحوزة العلمية
في النجف ، ووجود العتبات المقدسة ،
والعلماء السنيين ومراكزهم العلمية في
بغداد والموصل ، ومشاهد أئمتهم !!


كان المسلم المتدين في تلك الفترة ذليلاً
، كأنه ارتكب بإيمانه بالدين ذنباً يعوق
تقدم كل المجتمع !


أما طالب العلم من أمثالنا فكان حسب
تهريجهم من بقايا وجود الإقطاع الرأسمالي
، وبقايا الدين الذي يخدر الشعوب عن
الثورة والتقدم والرقي !


كنا نعيش الخوف في النهار ، فلا نخرج من
مدارسنا وبيوتنا إلا مجموعات وإلى مسافات
قصيرة ! أما في الليل فنعيش الرعب من أن
تدخل علينا بعض المنظمات الشيوعية
المسلحة فتقتلنا ، أو تقتادنا الى السجن !


وكان بعضنا ينتظر أن تصدر أوامر بمنع
الدراسات الدينية وحل الحوزات العلمية ،
ومنع زيارة المشاهد المشرفة ، لولا أن عبد
الكريم قاسم قام بوضع حدوداً لحلفائه
الشيوعيين ، بعد أن ضاقت بهم ذرعاً تركيبة
المجتمع العراقي الإسلامية القبلية ،
التي لا تتحمل هذا النوع من التطرف !


لقد بلغ الأمر أن صاحب دكان في سوق
العمارة اسمه محمد أبو اللبن مجاور لمنزل
السيد محسن الحكيم(ره)المرجع العام للشيعة
في العالم ، كان إذا رأى السيد خرج الى صلاة
الجماعة في الصحن الحيدري الشريف ، رفع صوت
المذياع في دكانه بأناشيد الشيوعيين ،
فإذا وصل السيد الى أمام دكانه رفع صوته:
(عفلقي عفلقي) ! وكان السيد&يأمر بعدم جوابه
والصبر عليه !!


ومعنى عفلقي: بعثي ، نسبة الى ميشيل عفلق ،
فقد كان البعثيون والقوميون حزبيْن
ناشئيْن مؤيديْن لجمال عبد الناصر ،
يعملان ضد نظام عبد الكريم قاسم ، وكان
الشيوعيين يطاردونهم ويتهمون من عارضهم
بأنه ضد الثورة والزعيم الأوحد ويصفونه
بأنه عفلقي ، وكان من شعاراتهم:


(والمايصفق عفلقي ، والحبال موجودة) أي: من
لم يصفق للزعيم الأوحد فهو بعثي جزاؤه
القتل ، والحبال حاضرة لسحله في الشوارع !


لقد انتهت الموجة الشيوعية الى غير رجعة ،
لكن لك أن تقدر ما أحدثته من هزة وتحدٍّ في
الحوزة والأمة ، وما نتج عنها من اتجاهات
في العمل الديني ، في حوزاتنا ومجتمعاتنا !


كان وما زال لتلك السنوات الأربع أوسع
التأثير الفكري ، على الحوزة العلمية
والعمل الإسلامي ، ليس في العراق فحسب ، بل
في امتدادات الحوزة حيثما يوجد شيعة في
البلاد العربية وإيران والعالم !


وبذلك صح أن نسميها: سنوات الهزة ،
والتنظير ، والتأسيس لأهم الإتجاهات
الفكرية والسياسية الموجودة في حوزاتنا
وعالمنا الشيعي الى اليوم


وما أسهل على من واكب تلك الفترة أن يعرف
أصول أكثر الإتجاهات والأفكار ، والكتب
والمقالات ، التي يراها اليوم في بيروت أو
القطيف أو طهران أو كراتشيلأنها ليست إلا
رشحاً من تلك الينابيع التي نبعت وأخذت
مجراها بعد الهزة الشيوعية ، في آخر
الخمسينات وأوائل الستينات !


فعلى صعيد المرجعية والحوزة ومشاريع
تطوير هيكليتها ومناهجها ، نجد أن الأفكار
المطروحة كلها ترجع الى الإتجاهين
التقليدي والإصلاحي اللذين احتدم النقاش
حولهما ، وطرحت لهما المشاريع المتعددة في
تلك السنوات


وعلى صعيد فهم الإسلام والعمل الإسلامي،
فالإتجاهات الثلاثة التقليدي ، والحركي ،
والعصري ترجع الى تلك الفترة أو تتغذى من
فكرها ونتاجها !


لقد تجمعت الأسباب والعوامل يومها لتكوين
تلك الإتجاهات في الفكر الشيعي والعمل
الشيعي ، وأهمها العوامل الأربعة التالية:


المحفز القوي الذي هو الموجة الشيوعية ،
والفراغ الديني ، ووجود نابغين مؤسسين ،
ووجود نماذج تحتذى لهم من الفكر والأعمال
والتنظيمات


أما الإتجاهات التي تبلورت أو ولدت في تلك
السنوات الأربع التاريخية، فهي:


1-المرجعية التي تعتقد بوجوب الإنكماش
الحضاري:


2- المرجعية التي تعتقد بوجوب الإصلاح
المطلبي:


تعايشت المرجعية الشيعية عبر التاريخ مع
الحكومات المختلفة ، من زمن العباسيين الى
الخلافة العثمانية وحكم القاجاريين في
إيران ، لكن مع اتفاق المراجع على مشروعية
التعايش ، كان يوجد فيهم اتجاهان:


اتجاه إصلاحي ، يرى وجوب قيام المرجعية
بحركة مطلبية من السلطة لأخذ حقوق الشيعة
في الحرية المذهبية ، والشؤون الإجتماعية
والمعيشية


واتجاه آخر ، يتخوف من دخول المرجعية في
الأمور السياسية سواء كانت من نوع الثورة
على السلطة ، أو من نوع الحركة المطلبية ،
ويرى أن واجب المرجعية ينحصر في تبليغ
الدين وحفظ معالمه ، وأن هذا هو الطريق
الوحيد لحفظ التشيع ومواجهة الإنحرافات
الداخلية ، والغزو الثقافي الغربي


وكان هذا الإتجاه الذي سميناه(الإنكماش
الحضاري)هو الغالب على تاريخ مراجعنا
رضوان الله عليهم ، وحجتهم فيه أنه لايمكن
إقامة حكم إسلامي فلا يجب علينا ذلك ، بل
يجب علينا المحافظة على هويتنا وهوية من
يسمع كلامنا من الموالين المتدينين، وأن
ننكمش عن الذوبان في المحيط المخالف
والثقافات الغازية ، ونكون فئة مسالمة
تتعايش مع الأنظمة المختلفة ، لكنها تصر
على ثقافتها وخصوصيتها ، الى أن يشاء الله
، ويظهر حجته(ع)


لكن مراجعنا أصحاب نظرية الإنكماش
الحضاري كان يتنازلون عنها في الهزات التي
تواجه الأمة ، ومنها الغزو الغربي لبلاد
الخلافة العثمانية ، حيث غلب منطق الدفاع
عن بلاد المسلمين وبيضة الإسلام، فأفتوا
بالجهاد الدفاعي، وخرجوا مع جمهورهم
وعشائرهم الى ساحات الجهاد ، وقاتلوا
الإنكليز الى جنب جيش الخلافة العثمانية ،
وسطروا بطولات فيما سمي بـ(ثورة العشرين)


وعندما غلبهم الإنكليز ورتبوا الأمر مع
رؤساء العشائر(القادة الحقيقيين لثورة
العشرين) واتفقوا معهم أن ينصبوا على
العراق ملكاً من أولاد الشريف حسين، عاد
المراجع الى حوزاتهم وسيرتهم في اعتزال
العمل السياسي ، ومواصلة عملهم الأصلي في
التدريس والتبليغ وحفظ معالم الدين،
والتعايش مع الحكومة الجديدة ، كما كانوا
يتعايشون مع الوالي العثماني !


في تلك الفترة توجهت سهام النقد الى
المرجعية لماذا لم يواصلوا العمل حتى
يفرضوا الحكم الإسلامي في العراق ، أو
لماذا لم يشاركوا في الحكومة ويفرضوا على
الملك والإنكليز شخصيات كفوءة ، فقد تسبب
رفضهم المشاركة في أن يعتمد الإنكليز
والملك على موظفي الدولة العثمانية
ويسلموهم مقدرات البلد ، وقد كان أحدهم
مثلاً نوري السعيد !


لكن المراجع كانوا يسرون بحجتهم الى
خاصتهم بأننا قد غُلبنا ولاجمهور لنا ،
ولا أدوات ضغط بأيدينا ، ومشاركتنا في
الحكم لن تكون إلا شهادة زور وإعطاء شرعية
لغير الشرعي ، وهذا ليس شغلنا !


عادت المرجعية الى تقليديتها
الإنكماشيةحتى كانت مرجعية السيد الحكيم
فانتهج(ره)التقليدية الإصلاحية ، واغتنم
فرصة زيارة الملك فيصل الى النجف حيث كان
عُرْف المرجعية يقضي بأن يلتقي المرجع مع
الملك في حرم أمير المؤمنين(ع) ، فالتقى به
وقدم له مجموعة مطالب تتعلق بالحرية
المذهبية ، وإنصاف المناطق المحرومة


وعندما نجحت ثورة عبد الكريم قاسم أرسل
اليه السيد(ره)رسالة تهنئة تضمنت عدداً من
المطالب المشابهة


كما كان يرسل مطالبه المشابهة الى عبد
السلام عارف وأخيه عبد الرحمن عارف ، ثم
الى البعثيين


أما اصطدامه في آخر حياته(ره)مع البعثيين
فكانت له عوامل أجبرته على تجاوز الخط
الإصلاحي المطلبي الذي يؤمن به وللحديث
عنها مجال آخر


3- المرجعية الموضوعية:


وهي مشروع طرحه أستاذنا الشهيد السيد
محمد باقر الصدر(ره) ، مقابل النوعين
الأولين من المرجعية ، على أساس أنهما
مرجعية ذاتية تتمحور حول شخص المرجع
ومعتمديه من أولاده ووكلائه ، وتموت
مشاريعها بموته


وسمهاها أيضاً المرجعية الرشيدة ، في
مقابل المرجعة غير الرشيدة ، ويسميها
بعضهم المرجعية المؤسساتية ، في مقابل
المرجعية غير المنظمة !


وقد بقي هذا المشروع في ذهنه(ره)ولم يشهد
التطبيق !


وقد تبنت مشروعها حركة الدعوة الإسلامية
في الستينات ، وكتب الأستاذ محمد عبد
الساعدي تصوراً للمرجعية ومجلس الفقهاء
ونشره في كتاب ، وخلاصته أن تكون المرجعية
مؤسسة مجلس فقهاء شبيهة بالفاتيكان ، تقدم
المشورة والفتاوى الفقهية للحاكم المسلم ،
ليختار أصلحها في نظره


كما تبنى بعضهم مشروع المرجعية الرشيدة
أخيراً ، ولم ينجح في تطبيقها ، وقد ناقشنا
هذا الموضوع في كتاب: (نظرات في المرجعية)


4- الإتجاه العصري العلماني:


وهو اتجاه يتبناه مثقفون من أنواع متعددة
، ففيهم علماء دين ومتدينون ، وفيهم غير
متدينين ، وملحدون ذلك أن مصطلح العلمانية
في بلادنا كان وما زال عاماً عائماً ، يشمل
الملحدين واليساريين والقوميين ، وبعض
المتدين التقليديين الذين يعتقدون بأن
الحكم بالدين لغير النبي(ص)والإمام
المعصوم (ع)عملٌ يضر بالدين ، ويبعد الناس
عنه أكثر مما يقربهم اليه !


ويدَّعون أن مشروعهم يمنع الصراعات
الدينية التي تنشأ من تبني الدولة للدين ،
كما ينزه الدين من أن يستغله نظام حكم
فيمارس الظلم والقتل والإضطهاد باسمه
وينفر الناس منه !


والمقولة المشتركة بينهم: أن الدولة يجب
أن تكون دنيوية على أساس العلم والقانون
والعدالة الى آخر المبادئ الإنسانية
بتعبيرهم


ويقول المتدينون منهم: نحن لانتبنى تعطيل
أحكام الإسلام، بل يجب علينا أن نعمل بكل
وسعنا لبلوغ هذا الهدف العظيم ، لكنا
نعتقد عدم إمكان تطبيقها إلا على يد
المعصوم(ع) !


ويقولون إنهم لايتبنون العلمانية التي
تعادي الدين كعلمانية تركيا وروسيا ، بل
العلمانية التي تعطي الحرية للسلوك
الفردي ، وتضمن حرية ممارسة شعائر الدين
ومؤسساته القانونية ، كما في أكثر البلاد
الغربية


وكان غالبية السياسيين الشيعة والسنة في
الستينات ، في العراق وغيره ، من هؤلاء
العلمانيين، وكان عدد قليل من طلبة الحوزة
يتأثرون بهم ، ويميلون الى القومية وأفكار
التجديد الغربي


5- الإتجاه الحركي الحزبي:


ما أن انتشرت فتوى المرجع الحكيم(ره)ضد
الشيوعية ، حتى أحدثت موجة ضد الشيوعيين
في أنحاء المجتمع العراقي ، وبدأت الوفود
الشعبية من المحافظات تتقاطر على النجف
مؤيدة للسيد المرجع(ره) ، وتحولت الحوزة
العلمية وبيوت علماء الشيعة والسنة
ومراكزهم ، الى خلية عمل لنشر البيانات
والكتب ، وعقد المجالس لإدانة الشيوعيين
وتأييد الإسلام وعلمائه


وفي أيام الشعور بالنصر على موجة الإلحاد
، انفتح سوق العمل الحركي والإصلاحي على
مصراعيه ، وبدأ التداول في النجف وبغداد
وكربلاء وغيرها بين علماء ومثقفين ، في
مشاريع العمل الإسلامي


لم يكن يوجد عند الشيعة إلا تنظيم
إيراني(فدائيان خلق)وهو تنظيم فدائي
يتبنىالعنف والإغتيال للتوصل الى إقامة
نظام إسلامي ، ولم يكن معروفاً في البلاد
العربية ، إلا في بعض الأوساط المتصلة
بالإير انيين كالنجف


وكان يوجد تنظيم آخر نشأ في النجف ،
اسمه(الشباب المسلم)وكان تنظيماً سرياً
بقيادة المرحوم الشيخ عز الدين الجزائري ،
وهو شبيه بتنظيم الشباب المسلم الذي نشأ
قبل سنوات في سوريا ، بعد أن ضرب جمال عبد
الناصر تنظيم الإخوان المسلمين في مصر ،
وحظر فروعه في سوريا وغيرها


وكان عند السنة في العراق تنظيم الإخوان
المسلمين ، وكان تنظيماً قوياً خاصة في
الموصل وبغداد وقد نافسه تنظيم حزب
التحرير ، وكان بعض الشيعة في هذين
التنظيمين ، فخرجوا منهما وشاركوا في
أطروحات العمل الإسلامي ، والمداولات
التي استمرت شهوراً حولها


واستقرت مداولات المتشاورين والمنظِّرين
على تأسيس عدة حركات ، أهمها الدعوة
الإسلامية ، كمشروع لإقامة الدولة
الإسلامية العالمية ، وكان بعض مؤسسيها
متأثرين بأفكار التنظيمات التي كانوا
فيها أو أعجبوا بها ، وقد أخذوا موقعاً
قيادياً في الدعوة فكانوا أصحاب التأثير
في أفكارها وقرارها


في مقابل ذلك تأسست حركات شيعية أخرى ،
كانت أقرب الى المرجعية والحوزة من حركة
الدعوة ، لأنها تتبنى قيادة المرجعية ،
بينما تتبنى الدعوة قيادة شورى الحزب ،
وأغلب أعضاء تلك الشورى لم يكونوا من
الحوزة


وللحديث عن ذلك مجال آخر


مسائل تتعلق بالفهم الإلتقاطي للتشيع


نوجز فيما يلي أهم عوامل الفهم التركيبي
أو الإلتقاطي للتشيع ونتائجه ، في تسع
مسائل ، وإن كانت كل واحدة منها تستحق
كتاباً لتفصيله


المسألة الأولى


النظرة الخاطئة الى التاريخ الإسلامي


في مطلع هذا القرن كان تحدي الغربيين
للإسلام والمسلمين كبيراً ، فقد أخذهم
الغرور بثورتهم الصناعية وتقدمهم المادي
، ونشطوا لغزوا العالم ، وأخذوا يروجون
لنظرية تفوق الإنسان الأوروبي ، بينما كان
العالم الإسلامي غارقاً في الركود والتخلف
، تحت حكم الخلافة العثمانية ، والقاجارية


وبعد استفحال موجة الغزو الغربية ، جاءت
موجة المد الشيوعي واليساري في أوائل هذا
القرن أيضاً ، وكان تحديهم أكثر صراحة
ووقاحة !


وكان الرد الطبيعي من علماء المسلمين
ومثقفيهم أن قالوا لهم: مهلاً أيها
الغربيون والشرقيون ، لاتفخروا علينا
فنحن أيضاً أبناء دين وحضارة وأمجاد !


لقد استطاع نبينا(ص)وديننا العظيم أن يؤسس
مداً حضارياً ، وينشئ دولة عالمية ، في مدة
قياسية ، في حين كنتم أنتم غارقين في
الركود والتخلف !


نحن هزمنا كسرى وقيصر وفتحنا بلادهما ،
وأقمنا دولاً حديثة وحضارة عالمية ، أسسنا
فيها العلوم ، وعلمنا الشعوب ، ومن جملتهم
أنتم !


إنكم مدينون لنا في ثورتكم الصناعية
وحضارتكم ، لأنا نحن الذين أسسنا العلوم
الطبيعية فاستثمرتموها وطورتموها ، فنحن
المؤسسون والأساتذة ، وأنتم التلامذة
النابغون !


أما العلوم الإنسانية فكنا وما زلنا
معلمين فيها لكم ولغيركم ، لأن ما يوجد في
الإسلام من مبادئ وقيم وشريعة سماوية
عادلة فوق ما عندكم ، وما زالت مجتمعاتكم
بجاجة اليه !


كان هذا المنطق هو السائد عند المسلمين ،
وفيه قدر من الصواب ، وفيه ردة فعل وتفاخر
بـ(القومية الإسلامية)


وعندما نجح الغربيون في إسقاط الخلافة
العثمانية سنة 1925م بمساعدة الحركة
الوهابية وحركة القومية العربية ،
وسيطروا على البلاد التي كانت تحكمها ،
وأقاموا فيها دولاً قومية عربية وغير
عربية طفحت ثقافتهم التي تنتقد الدين
والتاريخ الإسلامي ، وتأثر بها أبناء
المسلمين ، فتعززت عند المتدينين مكانة
ثقافة القومية الإسلامية


وكان أمثال السيد جمال الدين الأفغاني
وتلميذه الشيخ محمد عبده ، والشاعر محمد
إقبال لاهوري ، يمثلون فكر إنهاض الأمة ،
في مقابل موجة الغزو الغربي وثقافته ،
وعلى وَقْع صيحاتهم وأفكارهم تأسست
الحركات والأحزاب الإسلامية في أندونيسيا
، ثم في مصر ثم في بقية البلاد ، وتبنت
ثقافة التفاخر بأمجاد الإسلام وتاريخه
وخلافته


كان من السهل عليك أن تلاحظ أيام الموجة
الشيوعية في العراق وبعدها كتب الإفتخار
بأمجاد الإسلام تملأ أسواق الكتب في النجف
، وتختار ما تريده من كتب جمال الدين
الأفغاني ، وحسن البنا ، والمودودي ، ثم
سيد قطب ، ومحمد قطب ، وظفر الدين خانالى
آخر قائمة المؤلفين الذين يجيبون على فكر
الغربيين واليساريين ، ويتفاخرون بأمجاد
الإسلام وتاريخه


كانت تلك الكتب مادة المتدينين لمناقشة
الشيوعيين في العراق ، ومادة الخطيب في
مساجد مصر ولبنان والهند ، ومادة مقدم
البرنامج الديني في إذاعات الدول العربية
التي تسمح بذلك


كانت أنشودتنا الفكرية هي النظرة
السنِّية الىأمجاد تاريخ الاسلام في
فتوحاته وحضارته وشمول دولته لكل آسيا
وإفريقيا ، ووصولها الى فرنسا


هذه النظرة التي تكاد تعتبر أن كل ما حدث
في تاريخنا كان صحيحاً بل معجزة ، وتقول إن
الأمة ابتعدت عن ذلك الإسلام الصحيح فتسلط
عليها أعداؤها وقوضوا كيانها السياسي
المتمثل بالخلافة العثمانية ، وأن علينا
إعادة دولة الخلافة مجدداً ، مع تحسينات
تجعلها تتسع لجميع مذاهبه


لكن هذا الفكر إن صح جواباً على هجمة
الثقافة الغربية والشيوعية ، فلا يصح أن
يؤثر علينا نحن أتباع أهل البيت(ع)فنعطي
الشرعية لمسار هذا التاريخ وأنظمته ،
وننتقص من مقام أهل البيت
الطاهرين(ع)بصفتهم أصحاب المشروع البديل
لكل التاريخ الإسلامي ، وإن لم يطبق
مشروعهم بعدُ


فلا بد لنا أن نركز أولاً على
قضيتهم(ع)بصفتها البرنامج الرباني الذي
تركته الأمة ، فتخبطت في ضياعها وصراعاتها
وعانت منها ، أكثر مما نَعِمَتْ بما بقي
فيها من زَخْم نبوي وهداية ، سلمت من شر
برنامجها الأرضي !


لذلك وجب علينا أن نتعامل بدقة مع مفردات
الفتوحات والإنجازات المدنية والحضارية
التي حققتها الأمة قبل أن تضعف وتنهار ،
فننظر الى كل مفردة على حدة ، ونقيِّمها
بميزان الإسلام من وجهة نظر أهل البيت(ع)


مثلاً الدخول التاريخي للنعمان بن
مقرن&على كسرى يزدجرد ، وكان اختاره
علي(ع)وأشار على عمر أن يرسله اليه ، فدخل
على كسرى باعتزاز ودعاه الى الإسلام أو
الجزية !


فهذا أمرٌ يعتز به المسلم، فإن من أمجاد
الإسلام أنه جعل واحداً من شيوخ قبيلة
مزينة الصحراوية كالنعمان ، يخاطب رئيس
ثاني أمبراطورية في العالم بهذا الخطاب
القوي الواثق ! ( تاريخ اليعقوبي:2/143)


وقصةُ الحمامة التي عششت على خيمة للجيش
الإسلامي الذي فتح مصر ، وعندما أرادوا أن
يرحلوا أخذتهم الشفقة على فراخها أو بيضها
فتركوا لها الخيمة أو الفسطاط ، فسميت
المنطقة بفسطاط مصر !


هذه القصة أيضاً من أمجاد الإسلام لأنها
رمزٌ تحول إنساني أحدثه الإسلام في نفوس
العرب الذين كان بعضهم يدفنون بناتهم وهن
أحياء!(معجم البلدان:4/263)


وحقيقةُ أن المسلمين كانوا أرحم الفاتحين
، حتى أن كثيراً من أهل البلاد المفتوحة
طلبوا منهم فتح بلادهم ، وإنقاذهم من
استعمار الروم والفرس !


هذه أيضاً من أمجاد الإسلام التي تخفف من
الأخطاء ، والقتل ، والنهب ، التي ارتكبها
المسلمون في عمليات الفتح


وعلى صعيد الحضارة ، والمدنية ، والقوة
السياسية للدولة الإسلامية في القرون
الثلاثة الأولى وفي العهد العثماني ، تكثر
قائمة الإنجازات الإيجابية


لكن ذلك لايجيز لنا أن نغمض عيوننا عن
السلبيات الكبرى في تاريخ الإسلام ، التي
جرَّت الأمة الى أسوأ نتائج الضعف
والإنهيار !


ولو لم يكن منها إلا مواجهة الأمة
لنبيها(ص)في حياته ، ورفضها التعهد له
بتنفيذ كتابه الذي يؤمِّنُها من الضلال
والإنحراف والإنهيار ، لكفى !


ولو لم يكن منها إلا رفض الأمة منظومة
الترتيب الإلهي للحكم بعد نبيها وإقصاؤها
آل نبيها(ص)عن الحكم ، وجعلها الخلافة
لقبائل قريش ، لمن غلب منهم بالسيف ، لكفى !


ولو لم يكن منها إلا الحكم الديكتاتوري
ومصادرة حريات الأمة ، وتشريع بيعة الحاكم
بالتهديد بالسيف ، من يوم السقيفة الى
يومنا هذا ، لكفى !


أليس عجيباً أن نقول إن الإسلام أعطى
الإنسان قيمته الإنسانية ، وضمن له حرياته
المشروعة ، ثم نرى أنه بمجرد أن أغمض
النبي(ص)عينيه صادروا حريات المسلمين في
سقيفة قريش ، وسَنُّوا سُنَّة البيعة
بالإجبار والتهديد بالقتل وحرق البيوت !
فلم نجد بعد ذلك اليوم في تاريخ الأمة
حاكماً لم يجبر المسلمين على بيعته ، غير
الإمامين علي والحسن(ص) !


إن علينا عندما ننظر الى أمجاد الإسلام
العظيمة ، أن ننظر الى ما يقابلها من جرائم
عظيمة ، أدت الى تبخير كل ذلك الكيان ،
وجعله حكايةً في خبر كان!


وعندما نتحدث عن أزهى عصور الإسلام وقوة
دولته في عصر هارون الرشيد ، علينا أن نعرف
أيَّ سفاح كان هذا الخليفة ، الذي رأى
كرامات الإمام الكاظم(ع)ومعجزاته وشاهد
آيات الله على يديه ، فازداد قلبه قسوة ولم
يقنع بسجنه الطويل ، حتى قتله !


أن نعرف أن هذا (الخليفة الرشيد) ظل يتلذذ
بسفك الدماء وتقطيع الناس الى أشلاء الى
آخر دقيقة من حياته كما يرويه محبوه وليس
مبغضوه !


قال الطبري في تاريخه:6/525: (عن ابن جامع
المروزي عن أبيه قال: كنت فيمن جاء إلى
الرشيد بأخ رافع ، قال فدخل عليه وهو على
سرير مرتفع عن الأرض بقدر عظم الذراع،
وعليه فرش بقدر ذلك أو قال أكثر ، وفي يده
مرآة ينظر إلى وجهه ، قال فسمعته يقول: إنا
لله وإنا إليه راجعون ، ونظر إلى أخ رافع
فقال: أما والله يا ابن اللخناء إني لأرجو
أن لا يفوتني خامل ، يريد رافعاً، كما لم
تفتني ! فقال له: يا أميرالمؤمنين قد كنت لك
حرباً وقد أظفرك الله بي فافعل ما يحب الله
، أكن لك سلماً ، ولعل الله أن يلين لك قلب
رافع إذا علم أنك قد مننت عليَّ! فغضب وقال:
والله لو لم يبق من أجلي إلا أن أحرك شفتي
بكلمة لقلت أقتلوه ! ثم دعا بقصاب فقال:
لاتشحذ مداك ، أتركها على حالها! وفَصِّلْ
هذا الفاسق وعجل لايحضرنَّ أجلي وعضوان من
أعضائه في جسمه ! ففصله حتى جعله أشلاءً !
فقال: عُدَّ أعضاءه ، فعُدَّت له أعضاؤه
فإذا هي أربعة عشر عضواً ! فرفع يديه إلى
السماء فقال: اللهم كما مكنتني من ثأرك
وعدوك فبلغت فيه رضاك ، فمكني من أخيه! ثم
أغمي عليه وتفرق من حضره! ) انتهى


ولم يكن الخلفاء العثمانيين أفضل من هذا
الخليفة القصاب ، بل أسوأ !


إن الذين حكموا الأمة من مخالفي أهل
البيت(ع)مَثَلُهُمْ كقراصنة بحرٍ سَطَوْا
على سفينة نبيٍّ ، فاعتقلوا ربانها
ومعاونيه ، وأبحروا بالسفينة وأهلها
وحاربوا لصوصاً آخرين في طريقهم ، وحققوا
عليهم انتصارات


وفي المقابل اضطهدوا أهل السفينة وساموهم
سوء العذاب ، واتخذوا بعضهم أعواناً ، ولم
يوصلوا السفينة الى الساحل ، بل اختلفوا
فيما بينهم وتقاتلوا ، فرسَوْا بها في
جزيرة ، فاستلمها لصوص أجانب غنيمةً باردة
!


وخلاصة الأمر: ما دمنا نؤمن بإمامة أهل
البيت النبوي(ع)وظلامتهم العظيمة
ونقيِّمُ تاريخ الإسلام بميزان الإسلام ،
فلا بد أن ننظر معاً الى الوجهين المضئ
والمظلم ، فهذا الوجه المظلم هو الذي قوض
الكيان الشكلي للإسلام ومكَّن الظلام
الغربي من السيطرة !


العلاقة بين المعصوم(ع)وغاصبي سلطته:


من أبرز مصاديق الخلل في فهم تاريخ
الإسلام ، الخطأ الذي يقع فيه بعض هؤلاء في
فهم العلاقة بين الأئمة
المعصومين(ع)وغاصبي سلطتهم


فمن الواضح أن الجدلية بين نبي
صادق(ع)ومُدَّعٍ للنبوة ، أو بين إمامٍ
مختارٍ من ربه(ع)وبين غاصبٍ لسلطته ،
لايمكن أن تكون إلا جدلية النفي التام !
فالقيادة المعصومة والغاصبة ضدان يستحيل
أن يجتمعا ومهما بدا لنا من إمضاء
المعصوم(ع)لوضعٍ من الأوضاع ، فلا بد أن
يكون رحمةً بالأمة من أجل تقليل الضياع ،
وتأخير الإنهيار ، وحفظ ما يمكن من
المهدور ، وتصريف ما يجب تصريفه من الأمور


ومحالٌ أن يكون إعطاءَ روحٍ لميت ، أو
منحَ شرعيةٍ لغاصب !


وبهذا نعرف أن كل محاولات التقليل من هذه
الجدلية لاتنسجم مع أسِّ أساس المذهب الذي
هو بيعة الغدير ، وبقية نصوص
النبي(ص)القاطعة على إمامة علي(ع)والعترة
الطاهرة وعصمتهم(ع)، ولا مع موقف أمير
المؤمنين والصديقة الزهراء وجميع
الأئمة(ع)الذي يؤكد على أن كل ترتيب يزعمه
أحد في قبال المعصوم فهو ردٌّ على الله
تعالى ورسوله(ص)ومَعْلَمٌ من معالم الضلال
البشري في مقابل الهدى الإلهي ، وخطُّ
انحرافٍ في مقابل الصراط المستقيم


إن النبي(ص)والأئمة(ع)مهما أمرونا أن نسكت
علىنظام حكم من غصبهم سلطانهم الرباني ،
أو أن نتعاون معه في المشتركات ، فلم
يجيزوا لنا أن نعطي نظامه حرفاً من
الشرعية ، إلا ما جاز في خوف وتقية


نسبة الفتوحات الإسلامية الى الولاة لا
إلى الأمة:


يُهَوِّل علينا خصوم أهل البيت(ع)بأن أبا
بكر وعمر وعثمان هم الذين قادوا الفتوحات
الإسلامية ، وأن علياً(ع)انشغل عنها
بالحروب الداخلية ، حرب الجمل عائشة وطلحة
والزبير ، وحرب صفين مع معاوية ، والنهروان
مع الخوارج ، فقد أوقف حركة الفتوحات ، أو
أنها كانت تمت قبل عهده


وهم يريدون بذلك إثبات فضيلة لخلفاء قريش
، توجب غض النظر عما ارتكبوه من غصب
الخلافة ، وإقصاء أهل البيت(ع) !


وقد أثر هذا التهويل على بعضهم لعدم
اطلاعهم على دور أمير المؤمنين (ع)ودور
الأمة في الفتوحات ونكتفي هنا بذكر
ملاحظات كلية حول ذلك :


1 ـ لقد هيأ النبي(ص)المسلمين للفتوحات
وأخبرهم من أول بعثته بأن الله تعالى وعده
أن تفتح أمته بلاد كسرى وقيصر وتملك
كنوزهما ، وكان ذلك معروفاً للجميع وكأنه
من عقائد الإسلام وأحكامه


ففي مجمع الزوائد:9/103: (عن عفيف الكندي قال:
كنت امرأ تاجراً فقدمت مكة فأتيت العباس بن
عبد المطلب لأبايع منه بعض التجارة وكان
امرأ تاجراً قال: فو الله إني لعنده بمنى
إذ خرج رجل من خباء قريب منه إذ نظر إلى
السماء فلما رآها مالت قام يصلي ، ثم خرجت
امرأة من ذلك الخباء الذي خرج ذلك الرجل
منه فقامت خلفه تصلي ، ثم خرج غلام حين
ناهز الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي
قال فقلت للعباس يا عباس: ما هذا ؟ قال: هذا
محمد بن أخي بن عبد الله بن عبد المطلب قال
قلت: من هذه المرأة؟ قال: هذه امرأته خديجة
ابنة خويلد قال: فقلت من هذا الفتى؟ قال:
هذا علي بن أبي طالب ابن عمه قال قلت: فما
هذا الذي يصنع ؟ قال: يصلي وهو يزعم أنه نبي
، ولم يتبعه على أمره إلا امرأته وابن عمه
هذا الفتى ، وهو يزعم أنه ستفتح عليه كنوز
كسرى وقيصر !!


قال فكان عفيف وهو ابن عم الأشعث بن قيس
يقول وأسلم بعد فحسن إسلامه: لو كان الله
رزقني الإسلام يومئذ فأكون ثانياً مع على
بن أبي طالب !! رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه
والطبراني بأسانيد ، ورجال أحمد
ثقات)انتهى


وفي الكافي:8/216: عن الإمام الصادق(ع)قال:
(لما حفر رسول الله(ص) الخندق مروا بكدية
(وصلوا الى صخرة صلبة) ، فتناول رسول
الله(ص)المعول من يد أمير المؤمنين(ع)فضرب
بها ضربة فتفرقت بثلاث فرق ، فقال رسول
الله(ص): لقد فتح عليَّ في ضربتي هذه كنوز
كسرى وقيصر ، فقال أحدهما لصاحبه: يعدنا
بكنوز كسرى وقيصر وما يقدر أحدنا أن يخرج
يتخلى) !


ونسب ابن هشام في سيرته:2/365 و:3/706 ، هذا
القول الى مُعتَّب بن قشير الأنصاري
والمهم إثبات أن الوعد الإلهي بالفتوحات
كان معروفاً للجميع ، وأن الأمة كانت
متحفزة لذلك ، ومعتقدة أن فتح بلاد فارس
والروم وعدٌ من الله الذي لايخلف الميعاده
، وأن أي حاكم يتولى السلطة بعد النبي
(ص)كان محكوماً لهذه العقيدة ، مجبوراً على
أن يوجه الأمة وجهتها النبوية


2- أن خلافة أبي بكر كانت نحو سنتين ، ولم
يكن فيها إلا مقدمات الفتوحات , أما في
خلافة عمر فكان علي(ع)هو المدبر الحقيقي
للفتوحات ، وكان تلاميذه الفرسان عمدة
قادتها الميدانيين ، مثل عمار بن ياسر ،
وحذيفة بن اليمان ، وسلمان الفارسي ، وأبو
ذر الغفاري ، والمقداد بن عمرو ، وحجر بن
عدي ، ومالك الأشتر ، وهاشم المرقال ،
وعبادة بن الصامت ، وخالد بن سعيد بن العاص
وإخوته أبان وعمرو ، وبريدة الأسلمي ،
وبلال بن رباح ، وعبدالله بن خليفة
البجلي، وعدي بن حاتم الطائي، وبديل بن
ورقاء الخزاعي والنعمان بن مقرن وغيرهم من
الفرسان الذين كانوا من شيعة علي(ع) ،
والذين قامت على أكتافهم حروب الفتوحات


ويكفي أن نعرف أن المسلمين هزموا في أول
معركة لهم مع الفرس قرب الكوفة ، وهي التي
تسمى (يوم القادسية ، ويوم الجسر ، وقيس
الناطف) حتى طمع الفرس في غزو المدينة ،
وأعدوا جيشاً ذا عدد ، فخاف عمر واستشار
الصحابة ، فثبته أمير المؤمنين(ع)وطمأنه
بالنصر ، وأشار عليه أن يقيم في المدينة
ويرسل مدداً للمسلمين ، واختار لمددهم
عدداً من القادة الفرسان


ومن المعروف عن عمر أنه كان خوافاً ولم
يكن يوماً فارس حرب ، وقد شهد بأن أبا بكر
وصفه بالجبن والخور ! ففي كنز العمال: 6/527: (
عن عمر قال: لما قبض رسول الله ارتد من ارتد
من العرب وقالوا: نصلي ولانزكي فأتيت أبا
بكر فقلت: يا خليفة رسول الله تألف الناس
وارفق بهم فإنهم بمنزلة الوحش ، فقال: رجوت
نصرك وجئتنى بخذلانك ! جبار في الجاهلية
خوار في الإسلام ! ماذا عسيت أن أتألفهم
بشعر مفتعل أو بسحر مفترى؟! هيهات هيهات
مضى النبي وانقطع الوحي!! والله لأجاهدنهم
ما استمسك السيف في يدي وإن منعوني عقالاً
، قال عمر فوجدته في ذلك أمضى مني وأصرم
مني ، وأدب الناس على أمور هانت عليَّ كثير
من مؤنتهم حين وليتهم )


وبعد أن نصر الله المسلمين وفتحوا أكثر
العراق والبصرة والأهواز ، أوقف عمر
الفتوحات ! قال الطبري:3/176: (قال عمر حسبنا
لأهل البصرة سوادهم والأهواز ، وددت أن
بيننا وبين فارس جبلاً من نار لايصلون
إلينا منه ولانصل إليهم ! كما قال لأهل
الكوفة: وددت أن بينهم وبين الجبل جبلاً من
نار لايصلون إلينا منه ولا نصل إليهم ! )


وفي الطبري:3/246: (عن أبي الجنوب اليشكري عن
علي بن أبي طالب قال: لما قدم على عمر فتح
خراسان قال لوددت أن بيننا وبينها بحراً
من نار ، فقال علي وما يشتد عليك من فتحها ،
فإن ذلك لموضع سرور !)


والأمر في فتح الشام كفتح العراق ، وهما
أساس كل الفتوحات الإسلامية ، فيكفي أن
نعرف دور الأبطال من تلاميذ علي(ع)مثل
حذيفة ، وحجر بن عدي ، وخالد بن سعيد بن
العاص الذي كان أبو بكر كتب له مرسوم قيادة
فتوحات الشام ، فخالف عمر وأصرَّ عمر على
عزله لأنه من شيعة علي ، لكنه ذهب قائدأ
ميدانياً ، وهاشم المرقال الذي كان قائد
الرجالة ، ومالك الأشتر ، الذي غير
الميزان لمصلحة المسلمين في معركة
اليرموك وهي أهم معارك المسلمين مع الروم
عندما برز الى قائد الروم وبطلهم (ماهان)
فقتله !


قال ابن الأعثم في كتابه الفتوح ص230:


( ثم سار ماهان من أرض حمص في مائة ألف فارس
، حتى نزل اليرموك وهو نهر من أنهار بلد
الأردن ، فلما استقر به الموضع إذا قناطر
قد أقبل في مائة ألف فارس حتى نزل به مع
ماهان ، قال: وإذا بطريق من بطارقة الروم
يقال له جرجيس قد أقبل من عند ملك الروم
مدداً لماهان في مائة ألف فارس ، قال : فصار
ماهان في أربعمائة ألف فارس )


وقال في ص268: (وبرز ماهان فخرج إليه رجل من
دوس فقتله ماهان ، وخرج إليه ثان فقتله !
وجال ماهان وقوي قلبه ودعا بالبراز فسارع
المسلمون إليه وكل يقول: اللهم اجعل قتله
على يدي ، فكان أول من برز إليه مالك
النخعي ثم جاوله في ميدان الحرب ، فقال له
ماهان: أنت صاحب خالد بن الوليد؟ قال: لا ،
أنا مالك النخعي صاحب رسول الله(ص)، فحمل
على مالك وضربه بعموده على بيضته فغاصت
البيضة في جبهته فشترت عينه ، فمن ذلك
اليوم سمي (الأشتر) وكان من فرسان العرب
المذكورة ، فصبر نفسه وحمل على ماهان
والدم يسيل من جبهته ! وأخذته أصوات
المسلمين فقوى عزمه قال مالك: فاستعنت
عليه بالله عز وجل وصليت على محمد(ص)
وضربته ضربة عظيمة فقطع سيفي فيه قطعاً
غير موهن ، فلما حس بحرارة الضربة ولى
منهزماً ، فصاح خالد بالمسلمين: يا أهل
الصبر والبأس إحملوا على القوم ما داموا
في دهشتهمالخ) انتهى


ولامجال لتفصيل دور علي(ع)وتلاميذه في
الفتوح ، وهو يحتاج الى دراسة جادة تكشف
الواقع ، وتنفي عنه تزييف رواة السلطة
القرشية


قال(ع)شاكياً قريشاً:


( اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم
أضمروا لرسولك (ص)ضروباً من الشر والغدر
فعجزوا عنها ، وحِلْتَ بينهم وبينها ،
فكانت الوجبة بي والدائرة عليَّ اللهم
احفظ حسناً وحسيناً ولا تمكن فجرة قريش
منهما ما دمت حياً ، فإذا توفيتني فأنت
الرقيب عليهم ، وأنت على كل شئ شهيد


وقال له قائل: يا أمير المؤمنين أرأيت لو
كان رسول الله(ص)ترك ولداً ذكراً قد بلغ
الحلم ، وآنس منه الرشد ، أكانت العرب تسلم
إليه ؟ أمرها ؟


قال: لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما
فعلتُ ! إن العرب كرهت أمر محمد(ص) وحسدته
على ما آتاه الله من فضله ، واستطالت أيامه
حتى قذفت زوجته ، ونفرت به ناقته ، مع عظيم
إحسانه إليها ، وجسيم مننه عندها ، وأجمعت
مذ كان حياً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد
موته !


ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى
الرياسة ، وسلماً إلى العز والإمرة ، لما
عبدت الله بعد موته يوماً واحداً ،
ولارتدت في حافرتها ، وعاد قارحها جذعا ،
وبازلها بكراً !


ثم فتح الله عليها الفتوح ، فأثْرت بعد
الفاقة ، وتمولت بعد الجَهد والمخمصة ،
فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً ،
وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان
مضطرباً ، وقالت: لولا إنه حق لما كان كذا ،
ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها ، وحسن
تدبير الأمراء القائمين بها ، فتأكد عند
الناس نباهة قوم وخمول آخرين ، فكنا نحن
ممن خمل ذكره وخبت ناره ، وانقطع صوته
وصيته ، حتى أكل الدهر علينا وشرب ، ومضت
السنون والأحقاب بما فيها ، ومات كثير ممن
يعرف ، ونشأ كثير ممن لا يعرف !!


وما عسى أن يكون الولد لو كان ! إن رسول
الله(ص)لم يقربني بما تعلمونه من القرب
للنسب واللحمة ، بل للجهاد والنصيحة ،
أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت !
وكذاك لم يكن يقرب ما قربت ، ثم لم يكن عند
قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة ، بل
للحرمان والجفوة !!


اللهم إنك تعلم أني لم أرد الإمرة ، ولا
علو الملك والرياسة ، وإنما أردت القيام
بحدودك والأداء لشرعك ، ووضع الأمور في
مواضعها ، وتوفير الحقوق على أهلها،
والمضي على منهاج نبيك(ص) ، وإرشاد الضال
إلى أنوار هدايتك)(شرح النهج:20/298)


3- حتى لو سلمنا أن لسلطة الخلافة القرشية
وخلفائها دوراً في الفتوحات،


فإن ذلك لايغير من الأمر شيئاً ، ولا يعطي
شرعية لحكم خالف النص النبوي والأمر
الإلهي وقام على أساس العصبة القبلية وأن
قبائل استكثرت على بني هاشم النبوة
والخلافة ، فقررت أن تأخذ منهم الخلافة
وتجعلها في قبائلها !! وقد صرح بمعنى ذلك
عمر بن الخطاب! ولا مجال للتفصيل


المسألة الثانية


الفهم الخاطئ للوحدة الإسلامية


وحدة الأمة فريضة شرعية على جميع
المسلمين ، ومطلب لجميعهم ، لكنها مع ذلك
حلمٌ بعيد المنال !


والسبب هو السياسة التي فرقت وما زالت
تفرق الأمة !


وأهم مشاريع الوحدة ثلاثة:


1- الوحدة بالإجبار على مذهب الخليفة
وطاعته:


وهي تعني سيطرة خليفة أو حاكم على الأمة
وفرض مذهبه وأفكاره عليها بالقوة ،
ومصادرة حريات المعارضين الثقافية
والمذهبية والسياسية


وهي التي طبقها أبو بكر وعمر وعثمان بعد
النبي(ص)وكذلك بنو أمية وبنو العباس ، ثم
طبقتها الدول المنشقة عنهم كدولة
الأدارسة في المغرب ، ودولة الأمويين في
الأندلس ، ثم الدول الوارثة لهم كدولة
المماليك في مصر ، وأخيراً دولة الخلافة
العثمانية


وهي الوحدة التي يتبناها أصحاب مشروع
الخلافة الإسلامية في عصرنا ، كحزب
الإخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي
، وكل الحركات التي تدعو الى إعادة أمجاد
الإسلام والخلافة


ونحن بصفتنا أتباع مذهب أهل البيت(ع)وفقهه
، لانستطيع أن نعتبر دول الخلافة دولاً
شرعية ، ولا إسلامية بالمعنى الحقوقي ،
لأن الحكم فيها قام على الغلبة والقهر ،
وليس على دستور ونظام حكم محدد الأجهزة
والآليات ! ولأنها صادرت الحريات الشرعية
لفئات واسعة من الأمة ، إن لم يكن لجميعها
، وهما أمران يحتاجان الى بحث مستقل


ونستثني دولة أمير المؤمنين علي(ع)لأنه
الحاكم الوحيد الذي قام حكمه على البيعة
بالإختيار ، ولم يجبر أحداً على بيعته أو
القتال معه ، وأعاد الى المسلمين حريتهم
في التعبير والعمل معه أو ضده !


إن نقطتي الضعف هاتين(الحكم بالغلبة،
ومصادرة الحريات) هما السبب في انهيار
الدول التي قامت في تاريخنا الإسلامي ،
رغم أنها كانت تملك أفضل الظروف ، وأقوى
عوامل الثبات والإستمرار !


فقد كانت النتيحة الطبيعية للنظام القرشي
الذي ولدته السقيفة وقمعت لأجله الأنصار
وأهل البيت(ع)، أن يتسلط بنو أمية ، وأن
يسببوا في الأمة ردة فعل فيتسلط بنو
العباس ، ثم تتسلط عسكرتاريا المماليك
والأتراك ، ثم تدفن الخلافة العثمانية بيد
الغربيين في استانبول ، وبمساعدة حركات
(التحرر) العربية ، والحركة الوهابية
السلفية !


2- الوحدة التلفيقية بين المذاهب:


يتصور البعض أن بالإمكان توحيد المسلمين
مذهبياً بالإتفاق على المشتركات في
العقائد والفقه ، وحل المسائل الخلافية
بحلول وسط


ويكثر هذا التصور في المثقفين على
الطريقة الغربية ، الذين لايعني لهم الدين
شيئاً كثيراً ، فضلاً عن فروقات مذاهبه !
كما يوجد في مناطق تعايش السنة والشيعة ،
فيقول بعضهم: أنا مسلم وكفى ، نريد إسلاماً
بلا مذاهب !


والإشكال عليه أنه مشروع نظري غير قابل
للحياة ، فليس له ضابطة تعيِّن المشتركات
، ولا مَن سيختارون المذهب الملفق من
المذاهب ؟!


ولو فرضنا أنه تحقق في صيغة من الصيغ ،
وصار المذهب (المنتخب) قوانين حكومية ،
فسيكون سبباًً لخلافات جديدة بين الناس !


قد يقال: نعم ، ولهذا يستدل العلمانيون
على ضرورة القوانين العلمانية ، بأن
المسلمين مختلفون على المذهب الذي يجب
تطبيقه ، فالأفضل أن تكون القوانين مدنية
حتى لا نقع في مشكلة الصراع المذهبي


والجواب: أن الحل الإسلامي للقوانين
لاينحصر بفرض مذهب بالغلبة والقهر ، أو
مذهب تلفيقي ! بل يكون بإعطاء الحرية
المذهبية للمسلمين


وثانياً ، أن النظام العلماني نفسه ليس
إلا شكلاً غربياً لنظام القهر والغلبة !
فهو لايحل مشكلة الدستور والقوانين ، بل
يلجأ الى الحكم العسكري لخوفه من
الإنتخابات الحرة !


وثالثاً ، أن النظام العلماني ليس حلاً
لمشكلة المذهبية ، بل هو إحداث قول ثالث
ومذهب إضافي تعارضه أكثرية المسلمين من
مختلف المذاهب !


3- الوحدة السياسية مع حفظ الحريات
الإقليمية والمذهبية:


وهو الأكثر ملاءمة للإسلام وروح العصر ،
لأنه لايقوم على القهر والغلبة ، بل يعطي
الحرية المذهبية للمسلمين ، ويركز على
وحدتهم في حفظ مصالحهم العليا كشؤون
الدفاع ، والتنمية ، والحفاظ على الثقافة
الإسلامية


وهذه الوحدة التي دعا اليها أهل
البيت(ع)بعد أن خسرت الأمة وحدتها
الطبيعية بوفاة النبي(ص)ودخلت تحت وحدة
الإجبار على مذهب الخليفة!


مقولة إخفاء المذهب من أجل الحفاظ على
الوحدة !


كنا في الستينات نفكر أنَّنا كأصحاب
مشروع نهضوي بالأمة ، لابد أن نحرص على
وحدتها ، ونغض النظر عن مذهبنا، ونخاطبها
إسلامياً لامذهبياً !


وبما أن أئمتنا(ع)أئمة لكل الأمة ، فعلينا
أن نقدمهم بصفتهم قادة عملوا لإغناء
المسار الإسلامي وتصحيحه لكنه تصور خاطئ
للأسباب التالية:


1- أن مخاطبة الأمة بالإسلام بدون مذهب أو
بإخفائه ، قد يصح من شخص يحتاج الى إخفاء
مذهبه مثل السيد جمال الدين الأفغاني ،
لأن إظهار مذهبه يضر بهدفه الذي نذر له
حياته ، وهو المحافظة على الأمة من الغزو
الغربي ، والعمل لتقوية قيادتها المتمثلة
بالخلافة العثمانية


أما الحركة التي تنطلق من علماء في الحوزة
العلمية في النجف ، وتعمل في وسط شيعي ،
وأحياناً نادرة في وسط سني ، فلا يمكنها أن
تواصل مخاطبتها للأمة بدون مذهب إلا مدة
قصيرة ! لأن مذهبها معروف من سلوك أفرادها
، وسوف ينظر أتباع المذاهب الأخرى بريبة
الى أسلوبهم في إخفاء مذهبهم ، ويطلبون
منهم تحديد موقفهم من المذاهب


وهذا ما حدث بالفعل، فقد تم تصنيف الحركات
الإسلامية المرتبطة بعلماء الشيعة الى
حركات مذهبية ، سواء من الحكومات أو
الجمهور السني ، وصار ذلك لازمةً لها
لاتنفك عنها ، ولم ينفعها ابتعادها عن
إعلان مذهبها ، ولا تحاشيها الخطاب
المذهبي في ثقافتها !


2- أن من أقوى عوامل نجاح الوحدة بين
المسلمين ، صدق الداعية الى الوحدة في
طرحه وممارسته ، فداعية الوحدة سيكون أقدر
على تحقيق هدفه إذا أظهر مذهبه الذي يعتقد
به، فقال أنا شيعي أتبع مذهب أهل البيت(ع) ،
أو أنا سني أتبع المذهب الشافعي ، ومع ذلك
أدعو وأعمل لوحدة المسلمين وتآخيهم ،
للنهوض بواقعهم الى واقع أفضل


فهذا الصدق في الشخصية ، شخصاً أو حركة ،
أدْعَى الى ثقة الموافق والمخالف ، بينما
إخفاء المذهب أو تعويمه ، يعني وجود ظلال
مبهمة تؤثر سلبياً على الثقة ، وقد يخطر في
بال الذين يدعوهم الى الوحدة والتعاون ، أن
هذا لو كان مخلصاً لمذهبه لأظهره ، وحيث لم
يظهره ولم يكن صادقاً مع مذهبه ، فكيف يكون
صادقاً في دعوته لوحدة المسلمين؟!


3- إن القول بأن أئمتنا(ع)أئمةٌ لكل
المسلمين ، وأنهم حملوا همَّ الإسلام
والأمة كلها ، مَنْ وافقهم ومن خالفهم ،
وعملوا لمصلحة الجميع ، وأنا يجب أن
نقدمهم الى جميع الأمة والى العالم بأحسن
أسلوب


هذا كله صحيحٌ ، لكنه لايجيز لنا بحال أن
ننسب الى هؤلاء المعصومين الطاهرين
المطهرين(ع)أنهم أقروا مسار الأمة المنحرف
، أو نحمِّلهم شيئاً من أوزار أنظمتها
وجرائم طغاتها في صراعهم على السلطة
وأنهار الدماء التي أجروها من ملايين
المسلمين المخالفين لهم !


وكيف يجوز لنا أن نحمِّل المعصومين
الأطهار(ع)الذين دفعوا حياتهم ثمناً
لمعارضة حكام الجور، شيئاً من أوزار
الإنحرافات الخطيرة عن الإسلام ، التي
سببت أسوأ الكوارث في الأمة ، حتى أدت الى
انهيار كيانها بالكامل وتسليط الغربيين
على شؤونها ومقدراتها ؟!


البحث العلمي المذهبي لاينافي الوحدة
الإسلامية:


كان المهم عند أساتذتنا بعد الموجة
الشيوعية: العمل للإسلام كما يفهمونه فقد
اعتبروا ذلك فريضةً متفقاً عليها ،
وأصدروا حكمهم على الذين لايرونها فريضةً
بأنهم موالون للسلطة ، أو خائفون لايملكون
الشجاعة !


ومع أنهم لم يبحثوا المسألة بحثاً فقهياً
في موقف الأئمة(ع)ورواياتهم الشريفة في
الخروج على الحاكم ، وفتاوى الفقهاء !


مع ذلك كانت الأولوية المطلقة عندهم لعمل
التوعية على هذا الخط فقط


ولهذا السبب ، كانت نظرتهم الى البحث
العلمي المذهبي سلبية ، لأنه في تصورهم
إشغالٌ للأمة ببعضها ، ناتجٌ عن عدم
الوعي، أو عن تحريك أعداء الإسلام ، وأنَّ
واجبنا الإبتعاد عنها ، ونُصح أصحابها ،
وأحياناً مقاومتها !


هكذا وبكل بساطة ، شطب هؤلاء المحترمون
على كل فعاليات البحوث العلمية لبيان
التشيع ، ورد الحملات الظالمة عليه ! وكأن
مقاومة أعداء الأمة والعمل لإقامة حياتها
على أساس الاسلام ، يستلزم سكوتنا عن
الطعن في مذهب أهل البيت(ع)، ويتنافى مع
الدفاع عنه وبيان جواهره للأمة والعالم !


وبذلك وجَّهونا ولو عن غير قصد ، الى
مقاومة دفاعات علماء الشيعة وكتَّابهم عن
التشيع ، بحجة أنها أعمال مذهبية ، تضر
بمسيرة الأمة نحو وحدتها ومقاومة أعدائها
!


كانت خسارتنا كبيرة طوال انشغالنا عن
الدفاع عن مذهب أهل البيت الطاهرين(ع) ،
ولم تقتصر على خسارتنا لثقافتنا المذهبية
اللازمة ، بل تحولنا عن غير قصد الى عامل
يعضد تلك الحملات الضارية ، التي يشنها
النواصب والأجانب على مذهب أهل
البيت(ع)وأتباعه ، بمن فيهم نحن !!


نضحي بوحدة الطائفة ولا نربح وحدة الأمة:


من مفارقات أصحاب هذا الإتجاه أنهم
مشغوفون بالوحدة الإسلامية ، يلهجون بها
دائماً ويعملون لها ، ويرقبون أي عمل قد
يثير أحداً من أبناء المذاهب فيقفون ضده


حسناً جزاكم الله خيراً ، فأنتم كمن يعمل
للحفاظ على وحدة أهل حيِّه الذي يسكن فيه ،
لكن هل يصح له أن يخرب وحدة بيته ؟!


ما بالكم لاتراعون جمهور الشيعة وعلماءهم
ومراجعهم الذين يخالفونكم بمقدار ما
تراعون فلان السلفي ، أو فلان الحنفي؟
أليس الدار قبل الجار ؟!


المسألة الثالثة


تعويم الإجتهاد، وتعويم المرجعية


كان الإجتهاد عند السنيين محصوراً
بالمذاهب الأربعة ، وإذا فتح بابه فإنما
يفتح لكبير علماء الأزهر ، ويتقيد الشعب
المصري برأيه وأكثر العالم السني


أما بعد ضرب مكانة الأزهر ، فقد تعوَّم
مركز الفتوى ، ودخل فيه من هبَّ ودب ، ممن
يرغب أن يكون مفتياً له أتباع !


أرادت السلطة المصرية والغربيون ، أن
يستبدلوا مركزية الأزهر الدينية الخطيرة
برمز ديني تعينه السلطة ! ولم يحسبوا حساب
المخزون الديني في الأمة ، وأن جذور
الأزهر ستنبت في كل بلد أزهر جديداً ،
ومفتين جدداً !


لقد ضربوا مركز الفتوى الطبيعي ومكانة
العلماء الطبيعية عند المسلمين ، لكنهم
زرعوا بذور عشرات المراكز ، فأنبتت مئات
القيادات الدينية ، وأكثرهم جهلاء ، يفتون
في كل أمور الدين ، بلا تخصص في علومه ، ولا
قواعد في فهم نصوصه ، ولا ضوابط للإجتهاد !


إن ماحدث في مصر تعويمٌ فوضويٌّ لمرجعية
الدين أغرق الموازين وطفح بسببه جيل من
(المجتهدين) كل بضاعة الواحد ظنونه
واستحساناته، وقدرته على إقناع بعض الناس
بأن يقلدوه ويعملوا بفتاواه ، وربما
بأوامره العسكرية !


لقد ملأ التعويم المصري للإجتهاد أسواق
الأمة وأذهانها بظنون المفتين الجدد
وتخيلاتهم ، وصار معنى طلب العلم طلب
الظن، وطلب الإحتمال !


ومصر هي مصر ! التي كانت وما زالت مؤثرة
على كل العالم الإسلامي ، حتى على خصومها
الوهابيين، وعلينا نحن الشيعة رغم
خصوصيتنا المذهبية!


فمن طريف ما نلاحظه أن علماء المذهب
الوهابي الذين هم مقلدون تقليداً حنبلياً
لابن تيمية ، والشيخ محمد عبد الوهاب ،
قلدوا المصريين في تعويم الإجتهاد في
الدين فأباحوه حتى لعوامهم ! فهذه هيئة
علمائهم تعطي إجازة اجتهاد لمعلمة عادية ،
تسألهم:


سؤال:أنا مدرسة دين متخرجة من الكلية
المتوسطة قسم دراسات إسلامية، وقد اطلعت
على مجموعة من الكتب الفقهية ، فما هو
الحكم حين أسأل من قبل الطالبات فأجاوبهن
على حسب معرفتي، أي عن طريق القياس
والإجتهاد دون التدخل في أحكام الحرام
والحلال ؟


جواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على
رسوله وآله وصحبه ، وبعد: عليك مراجعة
الكتب والإجتهاد ، ثم الإجابة بما غلب على
ظنك أنه الصواب ولاحرج عليك في ذلك ! أما
إذا شككت في الجواب ولم يتبين لك الصواب
فقولي لاأدري ، وعديهن بالبحث ثم أجيبيهن
بعد المراجعة ، أو سؤال أهل العلم
للاهتداء إلى الصواب حسب الأدلة الشرعية
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد
وآله وصحبه وسلم


(التوقيع: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية
والافتاء عضو: عبدالله بن قعود ، عضو:
عبدالله بن غديان نائب الرئيس: عبد الرزاق
عفيفي ، الرئيس: عبد العزيز بن عبدالله بن
باز - كتاب فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث
العلمية والافتاء في المملكة العربية
السعودية، مجلد:5/ 48 ـ 49 ، فتوى رقم 4798)


أما السؤال الثالث من الفتوى رقم 4400 ، فهو
من طالب مبتدئ يسألهم: هل أن من لم يحفظ ستة
آلاف حديث فلايحل له أن يقول لأحد هذا حلال
وهذا حرام ، فليتوضأ وليصل صلاته فقط


أجابته هيئة علماء الوهابية: كل من تعلم
مسألة من مسائل الشريعة الإسلامية
بدليلها ووثق من نفسه فيها ، فعليه
إبلاغها وبيانها عند الحاجة ، ولو لم يكن
حافظاً للعدد المذكور في السؤال ( نفس
المصدر ونفس التواقيع )


وبهذه الفتاوى تضع يدك على السبب في
انشقاقات الوهابيين وكثرة فرقهم حتى زادت
على الثلاثين ، وعلى سر تكفيرهم لبعضهم !
وماذا ينتظر الذين يفتحون باب الإجتهاد
للحفاة ، ويقولون بحجية الظنون
والإستحسانات !


كما نلاحظ أنا نحن الشيعة لم نسلم من داء
تعويم الإجتهاد المصري ! فقد سرى فينا ،
ونشأت ناشئة من متعلمينا ومن صغار طلبة
علوم الدين يكتبون في عقائد الإسلام
وشريعته ، ويفتون فيها كما يفتي كبار
الفقهاء !!


أذكر أنني قرأت يوماً قبل نحو ثلاثن سنة ،
الرواية التالية في علل الشرائع
للصدوق(ره):1/241 ، قال: (حدثنا محمد بن
ابراهيم بن اسحاق الطالقاني رضي الله عنه
قال كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن
روح قدس الله روحه مع جماعة فيهم على بن
عيسى القصري فقام إليه رجل فقال له: أريد
أسألك عن شئ ، فقال له: سل عما بدا لك، فقال
الرجل: أخبرني عن الحسين بن علي(ص)أهو ولي
الله ؟ قال: نعم ، قال أخبرني عن قاتله لعنه
الله أهو عدو الله ؟ قال: نعم قال الرجل: فهل
يجوز أن يسلط الله عدوه على وليه؟! فقال له
أبو القاسم قدس الله روحه: إفهم عني ما
أقول لك ، إعلم أن الله تعالى لايخاطب
الناس بشهادة العيان ولايشافههم بالكلام
، ولكنه عز وجل بعث اليهم رسلاً من أجناسهم
وأصنافهم بشراً مثلهم ، فلو بعث اليهم
رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم
ولم يقبلوا منهم ، فلما جاؤوهم وكانوا من
جنسهم يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ،
قالوا لهم أنتم مثلنا فلا نقبل منكم حتى
تأتونا بشئ نعجز أن نأتي بمثله فنعلم أنكم
مخصوصون دوننا بما لانقدر عليه، فجعل الله
تعالى لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها،
فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإنذار
والإعذار فغرق جميع من طغى وتمرد ، ومنهم
من ألقي في النار فكانت عليه برداً
وسلاماً ، ومنهم من أخرج له من الحجر الصلد
ناقة وأجرى في ضرعها لبناً ، ومنهم من فلق
له البحر وفجر له من الحجر العيون ، وجعل
له العصا اليابسة ثعباناً فتلقف ما يأفكون
ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا
الموتى بإذن الله تعالى ، وأنبأهم بما
يأكلون وما يدخرون في بيوتهم


ومنهم من انشق له القمر وكلمته البهائم
مثل البعير والذئب وغير ذلك ، فلما أتوا
بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا
بمثله ، كان من تقدير الله تعالى ولطفه
بعباده وحكمته أن جعل أنبياءه مع هذه
المعجزات في حال غالبين وفي أخرى مغلوبين،
وفي حال قاهرين وفي حال مقهورين، ولو جعلهم
عزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ولم
يبتلهم ولم يمتحنهم لاتخذهم الناس آلهة من
دون الله تعالى ، ولما عرف فضل صبرهم على
البلاء والمحن والإختبار، ولكنه عز وجل
جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ليكونوا
في حال المحنة والبلوى صابرين وفي حال
العافية والظهور على الأعداء شاكرين ،
ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير
شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أن
لهم(ع)إلهاً هوخالقهم ومدبرهم فيعبدوه
ويطيعوا رسله ، وتكون حجة الله تعالى
ثابتة على من تجاوز الحد فيهم ، وادعى لهم
الربوبية أو عاند وخالف وعصى وجحـد بما
أتت بـه الأنبياء والرسل ، ليهلك من هلك عن
بينة ويحيا من حي عن بينة


قال محمد بن ابراهيم بن اسحاق رضي الله
عنه: فعدت إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن
روح قدس الله روحه من الغد وأنا أقول في
نفسي: أتراه ذكر ماذكر لنا يوم أمس من عند
نفسه ؟ فابتدأني فقال لي: يا محمد بن
ابراهيم، لأن يلقى بي من شاهق أو أَخِرَّ
من السماء فتخطفني الطير ، أو تهوي بى
الريح في مكان سحيق ، أحبُّ إليَّ من أن
أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي ومن عند
نفسي ، بل ذلك عن الأصل ومسموع من الحجة
صلوات الله وسلامه عليه ) انتهى


قرأت هذه الرواية الشريفة وتأملت فيها ،
لأنها تعني أن غالبيتنا المطلقة نحن
الكتاب الإسلاميين والدعاة المحترمين ،
عندما نحلل عقائد الإسلام وأحكامه ونصدر
فيها أحكامنا ، نفعل بأنفسنا أكثر من
إلقائها من شاهق !!


نقول يريد الإسلام هذا الأمر ، ولا يريد
ذاك ، ويقصد كذا ولا يقصد كذا ، بغير علم
إلا اتباع الظن والإستحسان ، وتقليد
الكتَّاب المصريين !!


رواية الصدوق صحيحة ، ومنطقها قوي ،
ووقعها على المثقفين أثقل من الجبال !
والسبب أنهم تعودوا أن يكتبوا في مسائل
الدين بآرائهم ، فهم أبناء الإجتهاد
المصري ومدرسته الإخوانية، وأبناء عصر
الإنسان الغربي الذي أعطى لنفسه الحق في
تحليل الدين ، بل في اختراع دين ودعوة
الناس إليه !


لا أريد بذلك إلغاء دور العقل في فهم
الدين وتحليله ، لكني أريد (عقلنة) دور
العقل، والوقوف به عند مدركاته القطعية
فهي فقط الحجة الشرعية !


أريد أن من أتباع الإجتهاد المصري أن
يريحوا الإسلام والمسلمين من ظنونهم
واستحساناتهم ، ويعترفوا بأن الإسلام
العزيز عليهم ، قد احترم نفسه بقدر مبدأ
أرضي عادي ، حيث لايعطي لكل أحد الحق في
فهم نصوصه وتقديمها الى الناس باسمه ؟!


فما بالهم هوَّنوا الإسلام وجعلوا تفسيره
مشاعاً لكل أحد ، بلا ضوابط ، ولا شروط ، لا
في التفسير ، ولا في المفسِّر ؟!!


إن من الفروق الأساسية بيننا وبين
المذاهب السنية أن الاجتهاد الفقهي عندنا
يبحث عن العلم و(الحجة القطعية) من الكتاب
أو السنة أو العقل ، إما على الحكم الشرعي
مباشرة ، أوعلى ما يجب عمله عند الشك في
الحكم ، فالفقيه دائماً طالب علم وحجة
قطعية ، وليس طالب ظن واحتمال !


بينما يقوم منهج الإستنباط السني في
مرحلته الأولى على طلب العلم بالحكم ، فإن
لم يحصل للمجتهد انتقل فوراً الى اجتهاد
الرأي ، وهو يعني اتباع الظن مهما كانت
درجته نازلة ! بل يعني الإكتفاء بالقياس
والإستحسان والمصالح المرسلة ، وهي أقل من
الظن، لأنها لاتفيد غالباً أكثر من
الإحتمال!


ويترتب على هذا الفرق أمور عديدة ، تؤكد
ضرورة التخصص وصعوبة شروطه ، وبالتالي
مركزية الإجتهاد والأعلمية في المرجعية
والتقليد


ومن هنا ، يتضح لنا ما فعله تعويم
الإجتهاد في الأمة ، وما ارتكبه مروجوه من
تقديم ظنونهم واحتمالاتهم الى قرائهم
وأتباعهم على أنها دين الله تعالى ،
ومفاهيمه وأحكامه ! ويتضح لنا تأثير ذلك
على فهم النبي(ص)والأئمة(ع) ، وأصول
العقيدة ، وتفاصيلها


في اعتقادي أنه لابد لنا أن نضع حداً
لأتباع الإجتهاد المصري في أوساطنا
الشيعية ، وأن نساعد المذاهب السنية على
معالجة (بازار)الظنون والإحتمالات وندعو
فقهاءهم الى وضع ضوابط للإجتهاد ، ووضع حد
لأولئك المزدحمين في سوقه ، والمتجهين الى
الدخول فيه بلا بضاعة !!


العلاقة بين تعويم الإجتهاد وتعويم
المرجعية والقيادة:


من الذي له الحق بأن يفتي؟ ومن له الحق بأن
يقود ويأمر وينهى؟


تقول الثقافة الغربية إن الحق لمن غلب ،
مهما كانت وسائله في الغلبة ! وتميل الى
ذلك مذاهب إخواننا السنيين فتعتبر أن من
تسلط من الأمة فقد صار حاكماً شرعياً ،
بقطع النظر عن سلوكه ووسائله في الغلبة !


لكن الأسوأ من مقولة الحكم لمن غلب ،
مقولة: الفتوى لمن غلب ، التي يتبناها
اليوم كل المجتهدين بلا بضاعة ، والتجار
بلا رأسمال ، والأطباء بلا وسائل ، وهم
كثيرون في ساحة العمل الإسلامي ، وكل واحد
منهم يقدم المبررات الشرعية على أن له
الحق في التصدى للفتوى وقيادة الأمة ،
وأمر المسلمين ونهيهم ، ودعوتهم الى
الإسلام ، وأن على الأمة أن تسمع له وتطيع
!!


ومعنى ذلك أن نضيف الى تعويم القيادة
والحكم تعويم الفتوى! وأن نعرف أننا في
نظرية الفتيا والقيادة الدينية التي نعمل
بها في مجتمعاتنا ، لافرق بيننا وبين
الثقافة الغربية ، في قانون المغالبة
والغلبة ، الغربي الجاهلي الإسلامي !!


ومعنى ذلك أن مجتمعاتنا سوف لاتعرف
الهدوء ، مادامت أبواب الفتوى والقيادة
مفتوحة على مصاريعها ! فرغبة الفتوى
والقيادة مغروزة في الناس ، والمجتمع
لايتسع لتحقيق رغباتهم الجميع ، فالنتيجة
غابة الفتاوى والقيادات !


المسألة الرابعة


تكبير مشكلة الغلو وتصغير مشكلة التقصير


يتصور البعض أن المشكلة الوحيدة في قضية
أهل البيت(ع)هي الغلو ، مع أن الغلو محصورٌ
في حفنة من الناس غَلَوْا في بعض أهل
البيت(ع)وألَّهُوهُمْ وجعلوهم شركاء لله
تعالى، والعياذ بالله ! وقد حسم المسلمون
موقفهم منهم وأجمعوا على كفر كل من ألَّهَ
مخلوقاً ، أو أشركه مع الله تعالى


لقد غفل هؤلاء أو تغافلوا عن أن المشكلة
في قضية أهل البيت(ع)ليست الغلو ، بل هي
تقصير المسلمين في أداء فرائض الله تعالى
في حقهم ، من وجوب ولايتهم ومحبتهم ،
ومعرفتهم ، والتلقي منهم ، والإهتداء
بنورهم


المشكلة في أن أكثر المسلمين أعرضوا عن
عمد أو عادة ، عن أهل بيت نبيهم(ص)وابتعدوا
عن ولايتهم ، وحتى عن فهمهم ، وابتلوا بمرض
حب مخالفيهم وظالميهم وأعدائهم !


والأسوأ من التقصير أن بعض المقصرين
تبرعوا بمحاربة المسلم الذي يؤدي فريضة
ربه في حق أهل بيت نبيه صلوات الله عليه
وعليهم ! فتراهم يصفون محبيهم وشيعتهم
بالضلال والغلو ، وقد يحكمون عليهم بالكفر
!


لقد توارثوا هذا الموقف الظالم تجله
الشيعي الأصيل، من أسلافهم أتباع الخلافة
القرشية ، كما وصفهم الكميت بن زيد الأسدي&
، فقال:


وطائفـةٌ قـد كفَّرَتْنِي بحُبَِكُـمْ
وطائفـةٌ قالـوا مسـئٌ ومذنـبُ


فما ساءني تكفيرُ هاتيكَ منهمُ ولا عيبُ
هاتيكَ التي هي أعْيَبُ


يعيبونني من خِبِّهم وضلالهمْ على حبكم ،
بل يسخرونَ وأعجب


وقالـوا ترابيٌّ هواهُ ورأيـهُ بذلـك
أدعـى فيهـمُ وألَقَّـبُ


فلا زلتُ منهم حيث يتهمونَنِي ولا زلتُ في
أشياعكمْ أتقلب


وأحمل أحقادَ الأقارب فيكم وينصب لي في
الأبعدين فأنصب


بخاتمكم غصباً تجوز أمورهم فلم أرَ غصباً
مثله حين يغصب


فقل للذي في ظل عمياءَ جونةٍ ترى الجور
عدلاً أين لاأينَ تذهب


بـأي كتاب أم بأيـة سنـة ترى حبهـم عاراً
عليَّ وتحسب


فما ليَ إلا آلَ أحمدَ شيعةٌ وما ليَ إلا
مذهبَ الحق مذهب


يتهمنا هؤلاء المعترضون بأن اعتقادنا
بمقامات أهل البيت(ع)وكلامنا فيهم يشبه
كلام الغلاة ، لأنه يخرج بهم عن حدود
البشرية التي أكد عليها الله تعالى بقوله:
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ
يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ
إِلَهٌ وَاحِدٌ (سورة فصلت:6)


لكن الأولى بهم أن يتهموا فهمهم ، ويحكموا
على أنفسهم بالسذاجة ، حيث أخذوا الجزء
الأدنى من وصف الآية للنبي(ص): بَشَرٌ
مِثْلُكُمْ ، وتركوا جزءَها الأعلى:
يُوحَى إِلَيَّ !


نعم إنه(ص)بشر مثلنا تجري عليه القوانين
التي تجري علينا إلا ماشاء الله ، لكن هذه
جَنْبَةٌ من شخصيته فقط ، أما الجَنْبَةُ
الأخرى فهي أن له قدرةً على تلقي الوحي من
رب العالمين سبحانه ! وهل هي حقيقة بسيطة
أن يكون إنسانٌ مثلنا فيه القدرة على تلقي
العلم من خالق السماوات والأرضين ؟!


كأنهم لم يؤمنوا بأن شخصية المعصوم(ع)ذات
جنبتين، بإحداهما ينفتح على الغيب ويتلقى
، وبالثانية يتعامل مع البشر فيهديهم !
وأنَّى لأحدنا ولكل أهل الأرض أن تكون في
شخصيته نافذة على خالق الكون يتلقى منه؟!


وقد يتصور البعض أن هذا الوصف يختص بشخصية
النبي(ص)فلايصح توسيعه الى الأئمة(ع)، لكن
فاتهم أن اختصاص وحي النبوة بخاتم
الأنبياء (ص)لاينفي أن يكون للأئمة
المعصومين من عترته(ع)جنبة انفتاح على
الغيب والتلقي من الله تعالى ، بما يشاء من
وسائل غير وحي النبوة


فاتهم أنهم أوصياء النبي هم الأئمة
الربانيون الذين بَشَّرَ بهم ، وأمر الأمة
بمودتهم وطاعتهم ، وجعلهم عِدْلَ القرآن
في وجوب التمسك بهم !


لقد حاول الحكام القرشيون أن ينكروا هذه
الجنبة في شخصيات الأئمة (ع)لكنهم عجزوا
بسبب قوة نصوصها وقوة واقعها ! فقد واجهتهم
معجزات الأئمة(ع)وأفحمتهم !


وما زالت النصوص والمعجزات تواجه أتباعهم
حتى يظهر الله خاتمهم الموعود(ع) فيظهر به
الحق ، ويظهر دينه على الدين كله !


المسألة الخامسة


التنقيص من مقام المعصوم(ع)


توجد مسألتان أساسيتان في معرفة
المعصومين(ع)هما: مقام المعصوم(ع) والعلاقة
الجدلية بين الأئمة(ع)وبين خلافة أبي بكر
وعمر خاصة


وينبغي لنا أن نعترف أنا عندما انطلقنا في
العمل الإسلامي على أثر الموجة الشيوعية ،
أهملنا فهم هاتين المسألتين ، أو قررنا أن
نتجاوزهما لتصورنا عدم الحاجة اليهما في
عملنا ، أو لمراعاة مخاطبنا الذي هو كل
الأمة الإسلامية!


كنا نتصور أن بحث مقام
المعصومين(ع)وعلاقتهم بالخلافة القرشية ،
سوف لايؤثر على فهمنا الذي توصلنا اليه
لحياتهم وأدوارهم(ع)!


وفاتنا أن فهم مقام المعصوم يعني فهم
برنامج عمله الرباني ، وأن فهم موقفه من
نظام حكم أبي بكر وعمر ، يعني تطبيقه
لبرنامج عمله الرباني ! وكلاهما يؤثران
على فهم شخصية المعصوم(ع)وعمله ، أبلغ
التأثير !


المعصوم(ع)إنسان اختاره الله تعالى صاحب
العلم المطلق والحكمة المطلقة وعصمه من
الخطأ والهوى ، وجعله إماماً لعباده ،
وحجةً على خلقه !


فماذا تعني للمسلم الشيعي هذه الصفات
الثلاث المتفق عليها في مذهبنا ؟!


إنها تعني أن حلم جميع المفكرين والعقلاء
، والمعذبين في الأرض ، قد تحقق ! وقد انحلت
مشاكلهم الفكرية والعملية ، وأن علينا
جميعاً أن نترك فذلكاتنا ونعطل فلسفاتنا
ونطيعه ، ونطيف حول بيته الذي أذن الله أن
يرفع ، ونؤدي فروض الإحترام لمقامه الشامخ
، ونتفكر فيه لعلنا نفهمه !


تعني أن علينا أن نفتح عقولنا وقلوبنا
لقول المعصوم(ع)وفعله وسلوكه ، حتى الفتات
منها ، إن كان عنده فتات ففتاته خير من كل
خبزنا !


أجل ، ما دام ثبت لنا بالنص القطعي وبدليل
العقل القطعي ، أن الله تعالى قد اختار ،
فقد انتهى الأمر ، وانحسمت القضايا ، وبدأ
ما يجب علينا !


وأول ما علينا أن نرضى بالذي اختاره رب
العالمين وجعله علينا إماماً ، ونحبه ، ثم
نفهمه ، ونصغي اليه ونطيعه مهما كلفنا ذلك
، ثم لانلتفت الى من خالفه كائناً من كان
شخصه ، وكائناً ما كان موقعه ، فكل شخص
مقابله وكل مقام بعد الذي اختاره الله رب
العالمين ، هوى وهواء وهباء !


المعصوم ، ليس قضيةً صغيرة ، بل هو أكبر
قضية عملية للأمة بعد نبيها !


إمامٌ مفتوحةٌ له نوافذ الغيب ، مهديٌّ من
ربه ، يملك الخريطة للبشرية ، وليس كمن
أضاعوا قضية خلقهم ، وخريطة طريقهم ، أو
ضاعوا فيها !


الإمام عالمٌ يملك العلم القطعي ، وليس
كعلماء الأرض ومفكريها ، الذين جمعوا
بضاعتهم من الظنون والإحتمالات ، وقليل
قليل منها اليقين !


كثيراً ما كنت أفكر كيف لم نهتم بفهم
شخصية المعصوم(ع)؟!


وكيف يمكن أن نبني فكرنا بقطع النظر عن
مقامه، ونحن نعتقد أن مشروع المعصومين من
عترة النبي(ص)، مازال موجوداً فعلاً ولم
ينته بعدُ ، فلم يتركه الله تعالى بسبب ترك
الأمة له ! فما زال سبحانه يقول: هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى
وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ ، وما زال قراره تعالى أن
يملأ الأرض بخاتمهم قسطاً وعدلاً ، كما
ملئت ظلماً وجوراً ، وما زال هذا الإمام
موعوداً من ربه الحكيم وجده المصطفى ،
حياً يرزق ، مدَّ الله في عمره ، فهو يعمل
في برنامجه مع الخضر وجنود الله في الغيب ،
حتى يأذن الله له ربه بالظهور ، فيكمل
مشروع الإسلام ، ويظهره على الدين كله ،
ويعيد مسيرته الى نصابها


ما دام الأمر كذلك ، فرؤيتنا للتاريخ
تختلف كثيراً ، وللمستقبل أيضاً !


ومشروعنا في هداية الناس ودعوتهم الى
الإسلام لابد أن يكون منسجماً مع المشروع
الإلهي للإسلام في المعصومين من
العترة(ع)وأن يكون مشروعاً ممهداً لخاتمهم
الموعود صلوات الله عليه ومن أول شروط
الإنسجام أن ينص أي مشروع عمل توعوي على
مقام المعصوم(ع)في ثقافته


ما دمنا نعتقد أنه قد وجد هذا
المعصوم(ع)بعد النبي(ص)، وأن النبي دلَّ
الأمة عليه ، وأعلنه لها ولياً وإماماً ،
وأخذ منها البيعة والمواثيق على اتِّباعه
، فالمسألة تختلف كثيراً !


لو أردنا أن نضرب للأمة مثلاً مصغراً ،
لقلنا إن مثلها كجماعة في صحراء قاحلة ،
فيهم شخص واحد يملك الخريطة لنجاتهم ويجيد
قراءتها ، فائتمروا عليه وعزلوه ورفضوا
خريطته ، واتخذوا بدله أئمة ضلال تاهوا
بهم يميناً وشمالاً ، تيهاً بعد تيه ،
وضلالاً في ضلال ، حتى شتتوهم في كل واد ،
ومزقوهم شرَّ ممزق !


ونكتفي أمام هذا الكتاب بهذه الكلمات في
بيان مقام الإمام المعصوم(ع)


تبقى مسألة من أسوأ أنواع التنقيص من مقام
لمعصوم(ع) ، وهي مصادرة مقامات
المعصومين(ع)وإعطاؤها لغير المعصومين !


وظواهرها في أصحاب التشيع الإلتقاطي
كثيرة ، وقد توجد في غيرهم من الشيعة
الأصيلين مع الأسف ، حيث يدَّعون عملياً
عصمة غيرالمعصوم ويغالون فيه ، وينسجون له
الفضائل ، ويمنعون من انتقاد أفكاره
وأعماله !


ويظهر أن كل الذين يُنقصون من مقام أهل
البيت(ع)يبتلون بالغلو في غيرهم ! فكأنه
جزاء من الله تعالى لمن يقصر في تعظيم حجته
المعصوم(ع)، أن يبتليه بتعظيم غيره !


ويمكن أن نفسر ذلك حسياً بأن الإئتمام
وتعظيم القدوة نزعةٌ في شخصية الإنسان قد
تصل الى الغريزة ، فإن لم تصرف في موضعها
الصحيح صرفت في غيره ، كما نرى في غريزة
الحب والبغض


ومن ظواهرها ، اختراع العصمة الجائزة
لغير المعصومين(ع)، في مقابل العصمة
الواجبة ! ووصفهم بها بعض كبار أنصار
المعصومين(ع) ، وبعض يحبونهم ! مع أنه
لاتوجد رواية ولا دليل عقلي عليها !


ومن ظواهرها ، ادعاء العناية الخاصة
للإمام صاحب الزمان(ع)بأشخاص يحبونهم ،
شبيهاً بالنيابة الخاصة عنه ، أو عن غيره
من المعصومين(ع) ، وقد يدعون له الكرامات
والولاية التكوينية ، بل السفارة !


ومن ظواهرها ، إعطاء عدد من الصفات الخاصة
بالمعصومين(ع)لغيرهم كصفة الخلافة في
الأرض ، ووعد الله للمستضعفين بها ،
وإعطاء الألقاب الخاصة بالمعصومين(ع)
لغيرهم


الى آخر القائمة في مشكلة مصادرة مفاهيم
الإسلام ومفاهيهم المذهب !


المسألة السادسة


نظرتهم الخاطئة الى زيارة
الأئمة(ع)ومراسم عاشوراء


من المجمع عليه في مذهب أهل البيت(ع)فضل
زيارة قبر النبي(ص)وبقية المعصومين من
عترته الطاهرة(ع)، خاصة الإمام الحسين
والإمام الرضا(ص)


وقد وردت في ذلك روايات صحيحة بلغت حد
التواتر وعمل بها الشيعة من عصر
الأئمة(ع)الى يومنا هذا ، وأفتى بها
فقهاؤنا القدماء والمتأخرون


وقد أكدت الروايات والفتاوى ما لزائرهم
من فضل وثواب في الدنيا والآخرة ، وأطلقت
ذلك ولم تقيده بقيد أو شرط


الى أن جاء تأثير فكر الإخوان المسلمين
والإخوان الوهابيين ، فقام بعض المتأثرين
به بوضع شروط لثواب الزيارة ، ثم لمحتواها
! فقالوا إن ثواب الزيارة بمقدار ما فيها
من عمل سياسي لمعارضة النظام ، وتوعية
الأمة على إقامة الحكم الإسلامي ! وادعوا
أن الروايات التي تصف ذلك الثواب العظيم
ناظرة الى ذلك الهدف مختصة بظرفه ، أما في
مثل ظرفنا فثواب ذهابك الى كربلاء بقدر
الأجرة التي تعطيها للسيارة ، وقدر السلام
العادي على الإمام الحسين(ع) ، والركعات
التي تصليها هناك !


كنا شباناً متحمسين لزيارة كربلاء مشياً
على الأقدام في المواسم ، أو بالسيارة في
ليالي الجمع ، فكان بعض أستاتذنا يناقشنا
بهذا الكلام ، وكان بعضنا يناقشه ، أو يسكت
احتراماً له ، دون أن يقتنع !


وطالت الأيام ، حتى اكتشفنا أن الفهم
السياسي للدين فهمٌ ناقص يُخرجه عن كونه
ديناً إلهياً كامل الأبعاد ! وأن صاحب هذا
الفهم مشغوفٌ بعامل واحد ، مصابٌ بالتسطيح
الذهني ، وعدم فهم بقية الجوانب !


ومن هذا النوع ، مسألة مخاطبة النبي(ص)أو
الإمام(ع)وأن تطلب منه أن يشفع لك الى الله
تعالى في المغفرة أو قضاء حوائجك


وقد كنت بحكم تربيتي وتأثري ببعض أساتذتي
، أخاطب أمير المؤمنين (ع)عندما أزوره
وأطلب منه الشفاعة أوقضاء حاجتي ، وكان
بعضهم لايعجبه ذلك ويتبرم منه !


ناقشته أكثر من مرة ، فلم يكن عنده حجة إلا
أن مخاطبة المعصوم(ع)قد يفهم منها إشراكه
مع الله تعالى !


كنت أقول له وهل أنا أطلب منه(ع)من جيبه
حتى أكون أشركته مع الله ؟! إنما أطلب منه
مما أعطاه الله تعالى ، وأطلب منه لأن الله
أمرني أن أتخذه واسطة وأتوسل به اليه في
قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا
إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي
سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)
(المائدة:35)


وأي وسيلة الى الله أعظم من محمد وآل
محمد(ص)؟!


لم يكن يقبل كلامي ، وغاية ما وصلنا اليه
ذات يوم أن قال: إذا كان قولك هذا لايؤثر في
ذهنك ذرة من الشرك فقله ، أما أنا فلا أقوله
!!


والأمر في مراسم عزاء الإمام
الحسين(ع)أكثر وضوحاً ، لأنها عمل شعبي
وثيق الصلة بالعمل السياسي , ولذا كثرت
أطروحاتهم لها !


يريدون من الحسين(ع)أن يكون ثائراً على
طريقتهم ، ولعلاقة الشيعة به أن يغلب فيها
الطابع السياسي على الطابع العقائدي
والعاطفي !


ويشنون حملة على مراسم العزاء القديمة من
أجل هدمها وإعادة تشكيلها حسب فهمهم
للإمام الحسين(ع)، وهدفهم من مراسم
عاشورائه !


وهنا يصطدمون بالجمهور الشيعي فيما
يعارضون من مراسم ويهاجمونه ، أو فيما
يقبلونه ويريدون التدخل فيه وصرفه الى
غرضهم !


ولاحلَّ لخلاف الشيعة معهم في هذا
الموضوع كما في غيره !


لأنهم من جهة لايقبلون التعددية في الرأي
والعمل ، فمن لم يكن معهم فهو ذدهم ، وكأنه
خارج عن الدين !


ومن جهة ، يريدون فرض مرجعيتهم في مسائل
الإختلاف ، من السياسيين أو من صغار
العلماء ، بينما يريد الشيعة تحكيم مراجع
الدين الذين يقلدونهم لأنهم المرجعية
الشرعية في مسائل الإختلاف !


المسألة السابعة


مرض الآحادية ، والجرأة على مقام المراجع
والعلماء


مرض الآحادية:


ندرس في الحوزة في أول دروسنا في قطر
الندى وألفية ابن مالك: قال الكوفيون وقال
البصريون ، فنعرف أنهم يختلفون في الرأي ،
لكنهم لايتعادون ولا يتقاتلون ! ثم نقرأ في
المنطق ، والمعاني والبيان ، وأصول الفقه ،
والفقه ، والتفسير ، وفي كل علم ندرسه أو
نقرأ فيه ، أنه توجد آراء مختلفة في
المسائل ، فلا يتعادى أهلها ، ولا يكره
بعضهم بعضاً ، ولا هم يحزنون !


نتعلم بذلك أنه يوجد في المسائل العلمية
موافق ومخالف ورأي ثالث ، وأن أصحابها
يتعايشون لأنهم يؤمنون بالتعددية ،
فيدافع كل منهم عن رأيه ، وينتقد رأي من
خالفه ، لكنه يحترمه ويتعايش معه


ونقرأ عن حقوق المؤمن على المؤمن ، في
الإخاء ، والمودة ، والمواساة ، وحفظه في
الغيب ، وتحريم غيبته ونرى نماذج عالية من
سلوك المؤمنين مع بعضهم ، من عصور
أئمتنا(ع)الى يومنا


ونولد في بيوت تحترم العلماء ، وتقدس
المراجع ، ثم نقرأ عن مكانتهم ومقامهم
وسيرتهم ، فنحبهم أكثر ونقلدهم ونتعلم
منهم ثم نتعرف على اختلاف آرائهم ،
فنعذرهم لأن اجتهادهم مشروع ، ولأن الله
تعالى يحاسب المرجع والعامي على قناعته هو
بينه وبين ربه ، وليس على قناعتي أنا !


وفي التاريخ والعقائد ، ننتقد الآحاديين
الذين اضطهدوا أصحاب الرأي الآخر ، وسلبوا
منهم حقهم الشرعي في التعبير عن رأيهم ،
ومنعوهم من قول ما يعتقدون ، وانتقاد ما
يخالفون ، وأجبروهم على بيعتهم بالسيف !


ونقول إن أئمتنا(ع)وشيعتهم ضحية فرض الرأي
ومصادرة الحرية ! وإن أمير المؤمنين
علياً(ع)هو الحاكم الوحيد بعد النبي(ص)الذي
احترم الإنسان المسلم ورد اليه حريته ، فلم
يجبر أحداً على بيعته ، ولم يجبر أحداً من
الذين بايعوه أن يقاتل معه الناكثين
والقاسطين والمارقين !


نقول ذلك ونقبله ، فإذا جاء دور العمل
دخلنا في امتحان التطبيق الصعب !


الفردية المفرطة عند الإلتقاطيين
وجرأتهم على المراجع:


إن مرض الآحادية وظلم أصحاب الرأي
المخالف واضطهادهم، مرضٌ عامٌّ لايسلم
منه إلا المعصومون(ع)والقليل من الأولياء
الذين قهروا شرَّ أنفسهم فاتسعت صدورهم
لخصومهم، وبحثوا لهم عن المعاذير ، واتقوا
الله فيهم حق تقاته ، فلم يقدموا على عمل
ضدهم ، إلا مجبرين بحكم الشرع والتكليف!


لكن نلاحظ أن مرض الآحادية في
الإلتقاطيين أكثر من غيرهم ! وأنهم من أشد
الناس على من خالفهم ! فكم وصموا مراجع
النجف وعلماءها الذين خالفونهم الرأي ،
بصفات يندى لها جبين المتدينين ، وأقلها
الجمود والقعود عن الواجب ! لكنهم غير
حاضرين لأن يسمعوا وجهة نظرهم ، والسبب
الشرعي عندهم في مخالفتهم لمشروعهم
السياسي ، وطريقتهم في العمل !


والذي يقرر أن لايسمع رأي من خالفه
ويفهمه، كيف ننتظر منه أن يحترمه ويحفظ
حقه ، ويتعايش بالحسنى معه ؟!


والذي يُسْكره الغرور فيفقد توازنه عندما
يرى حوله عدداً من الأنصار المسلحين ،
ويريد من المراجع أن يطيعوه ماذا تنتظر
منه إذا حكم ؟!


والوجه في الأمر واضح ، فإن الذي ينقص من
مقام المعصوم(ع)ويظلمه ، أحرى بأن ينقص من
مقام غيره ويظلمه !


العلاقة بين الجرأة على العلماء والجرأة
على سفك الدماء:


قال علي(ع): (إذا كان في رجل خلة رائعة
فانتظروا أخواتها) ( نهج البلاغة: 4/103)


ومعناه أنه إن كان فيه صفة سيئة فانتظروا
أخواتها أيضاً ، لأن صفات الإنسان الرائعة
والعائبة ، مجموعات أو عوائل مترابطة


ومن عائلة الجرأة على حرمة المراجع
والعلماء ، الجرأة على حرمات بقية الناس !
ومن عائلة الإعتداء على حرمات الناس
المعنوية ، إمكانية الإعتداء على حرمات
وجودهم ، وارتكاب سفك دمائهم


إن من أصعب امتحانات الله تعالى للإنسان
أن يمتحنه بخصم يخالفه الرأي ويعمل ضده ،
ومع ذلك يوجب عليه أن يحفظ دمه وعرضه
وغيبته ، إلا في موضوع ظلامته فيجيز له أن
يجهر بها: (لايُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ
بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ
ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً عَلِيماً)
(النساء:148) هنا يمكننا أن نفهم حقيقة الشخص
بأن ندرس تعامله مع خصمه ، خاصة في المسائل
السياسية ، فنعرف أنه متدين ، أو فاسق ، أو
مجرم !


أما صاحب الدين فيقف عند حدود الله تعالى
ولايتعداها ، وقليل ما هم !


وأما الفاسق فيطلق العنان للسانه وعمله
لكن الى مادون القتل وسفك الدم !


وأما المجرم فلا يقف في خصومته عند حد ، بل
هو مستعد لأن يسفك دم خصمه ، ودم من يتصل به
!!


وإذا وصل أمر الإنسان الى القتل بغير حق ،
فقد خرج من الدين ومن الإنسانية ، وصار
وحشاً مفترساً ، لكنه مع الأسف بصورة
(إنسان متدين) !!


المسألة الثامنة


النزعة المادية والضيق بالغيبيات


بعض هؤلاء يحمل في قلبه عقدة من الغيبيات
، فتراه يرد معجزات الأئمة صلوات الله
عليهم وكراماتهم، أو يميل الى ردها حتى لو
كانت بسند صحيح!


بل يرد أكثر معجزات النبي(ص)التي رواها
الشيعة والسنة بأسانيد صحيحة !!


وتصل حساسيته الى رواة الكرامات فتراه
يضغف الرواة الأجلاء الذين أجمعت الطائفة
على توثيقهم مثل جابر بن يزيد الجعفي& ،
والعلماء الأجلاء الذين أجمعت الطائفة
على وثاقتهم وعدالتهم ، مثل السيد ابن
طاووس(ره) ، لمجرد أنهما يعتقدان
بالمعجزات والكرامات ويرويانها !


تراه يشبه أصحاب النزعة الغربية
العلمانية ، الذين يكبرون الماديات ،
ويفسرون بها الأمور الغيبية ، ويردون منها
ما لا يقبل التفسير المادي !


عندما أسمع أحدهم وهو يتحامل على
الغيبيات ويردد كلمة الغيبيات بإهمال
واستخفاف ، لا أملك إلا التعجب لهذا
(العالم أو الطالب أو المسلم المتدين) ،
المعتقد بالله ورسوله(ص)وبالكتاب والسنة ،
وهو مع ذلك يتكلم بهذا الكلام !


وهل الإسلام إلا الغيب ؟! أليس وجود الله
تعالى الذي نعبده غيباً ؟ أليست الآخرة
التي نوقن بها غيباً ؟ أليس الغيب في
القرآن أضعاف الشهادة ؟


أليس الغيب يحيط بنا من كل جانب ؟!


يقول بعضهم ، أنا أؤمن بالغيب ، لكني
أناقش في وسائل إثباته ، وفي إشاعة ثقافة
الغيبيات في عوام الناس


وهو كلام يغريك لأول سماعه ،كأن صاحبه
عالم متثبت محتاط ! لكنك عندما تتعرف على
أفكاره ومبانيه وسلوكه ، تجد أنه لايؤمن
بالمفردة الغيبية حتى لو صح دليلها على
مبناه ، ويتمحل لتفسيرها تفسيراً مادياً !


إنه نزَّاعٌ الى الماديات ، معرضٌ عن
الغيبيات ، وكأنه يكرهها !


ولو سألتهم عن مقولتهم عن ثقافة الغيبيات:
ماذا يضركم أن يعتقد الناس بالغيبيات؟ وأن
يتلو الخطباء على أسماع المسلمين من منابر
الجمعة ومنابر العزاء الحسيني آياتها
ورواياتها ، ويشرحوا لهم مفاهيمها ،
ويقصوا عليهم قصصها ؟!


لقال قائلهم إن انشغال الأمة بالغيبيات
يبعدها عن واقعها ، ويقلل من استجابتها
للدعوة الى العمل الإسلامي ، وأداء واجبها
لإقامة الدولة الإسلامية ،


وهذا يعني تخلف الأمة في الوعي والعمل
السياسي الواجب !


هنا ينكشف سر حساسيتهم من الغيبيات !


فالواقع الذي يجب على الأمة وعيه هو
الواقع الحسي السياسي فقط ، والغيب ليس من
الواقع ، ولا يصح الإنشغال به إلا بقدر ملح
الزاد فقط !


من أين جاء هذا التعريف للواقع ، إلا من
الفهم الغربي ، الذي يتفق تماماً مع الفهم
السلفي في الحساسية من المعجزات
والكرامات والغيبيات ؟!!


لقد انكشف السر ! فالمطلوب سَوْق الأمة في
مساق معين ، وإيمانها بالغيبيات
والمعجزات والكرامات يعيق ذلك !


لهذا تجب التخلية ثم التحلية! التخلية من
زيادة الإيمان بالغيبيات ، والتحلية بوعي
الواقع الإسلامي والعمل السياسي له !


ولماذا لايكون الواقع الإسلامي شاملاً
لوعي الخارج الحسي ، ووعي الغيب في مختلف
شؤون العقيدة والحياة ، وفي طليعته وعي
مقامات النبي(ص) والأئمة(ع)ومعجزاتهم
وكراماتهم ، ومعايشتها ؟!


وأين هم عن صفات أصحاب الأمام
المهدي(ع)وأنهم رهبان بالليل ، وقد أعدهم
الله تعالى لأكبر تغيير ، وإقامة أعظم
دولة على وجه الأرض ؟!:


قال المفيد(ره)في الإختصاص ص208: (عن طارق بن
شهاب قال: سمعت حذيفة يقول: سمعت رسول
الله(ص)يقول: إذا كان عند خروج القائم
ينادي مناد من السماء: أيها الناس قطع عنكم
مدة الجبارين وولي الأمر خير أمة محمد
فالحقوا بمكة ، فيخرج النجباء من مصر
والأبدال من الشام وعصائب العراق ، رهبان
بالليل ليوث بالنهار ، كأن قلوبهم زبر
الحديد ، فيبايعونه بين الركن والمقام


قال عمران بن الحصين: يا رسول الله صف لنا
هذا الرجل ، قال: هو رجل من ولد الحسين كأنه
من رجال شنوءة ، عليه عباءتان قطوانيتان ،
اسمه اسمي ، فعند ذلك تفرخ الطيور في
أوكارها والحيتان في بحارها ، وتمد
الأنهار ، وتفيض العيون وتنبت الأرض ضعف
أكلها ، ثم يسير مقدمته جبرئيل وساقيه
إسرافيل فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما
ملئت جوراً وظلماً )


المسألة التاسعة


من ظواهر الإتجاه الإلتقاطي و صفات
أصحابه


من الظواهر البارزة في أصجاب هذا الإتجاه
، ضعف اطلاعهم على مصادر التشيع ، خاصة في
الكلام والحديث والتفسير ، مع أن بعضهم
كثير القراءة لأنواع الكتب ، لكنه معرضٌ
عن دراسة مصادرنا وقراءتها ، ومشغوفٌ
بأجواء ثقافية مشبعة بالمفاهيم الغربية
والسنية !


وبعضهم مشكلته شخصية ، فهو من صغره لم
تتركز عقيدته ولم يستوعبها من أسرته
ومحيطه ، وعاش التزلزل في عقيدته بالله
تعالى ورسوله(ص) والأئمة المعصومين(ع) !


وعندما كَبُر لم يبْنِ عقيدته ، ولم يتفهم
الإسلام والمذهب من مصادره وعلمائه ، بل
اختار تركيبية متنافرة ، أو التقاطية
متضادة !


ومن الواضح أن درجة استيعاب أي دين أو
مذهب ، تتبع المستوى العلمي للشخص ،
ومستوى تدينه ومعايشته الفكرية والروحية
لعقائده وقادته


وبعضهم كأنَّ عمله أن يرصد فضائل أهل
البيت الطاهرين(ع)المجمع عليها عند
الطائفة ، حتى ما رواه السنيون بأحاديث
صحيحة ، فينشر التشكيك فيها !


تراه لا تكاد تسلم منه آية في حقهم(ع)حتى
مثل آية المودة في القربى ، وآية التطهير ،
وآية البلاغ ، وآية المباهلة ، إلا وضعَّف
مقامهم الرباني فيها ، أو أدخل معهم غيرهم
، أو شكك في دلالتها ، أو في الروايات
المفسرة لها !


ثم تراه يرصد الأحاديث النبوية في
حقهم(ع)حتى حديث الغدير ، وحديث الثقلين،
وحديث الكساء، فيشكك في دلالتها ، أو في
سندها، أو يخدش فيها!


لذلك رأى مراجع الدين أن من واجبهم حراسة
عقائد المذهب الحق ، والوقوف في وجه أمثال
هذه الأفكار التحريفية لعقائده ومفاهيمه


وبعضهم يحرص على تقديم التشيع الإلتقاطي
الى العالم ! خاصة بعد الثورة الإيرانية
حيث كثر الطلب في العالم لمعرفة الشيعة ،
وعقائدهم ، فكثرت الكتابات والخطابات عن
عقائد الشيعة وفقههم وتاريخهم وشخصياتهم
، واختلط ما هو أصيل من مذهب التشيع فيما
هو غريب عنه ملصق به !


وكان من أسبابه أن بعض الجهلاء أو أصحاب
الإتجاه الإلتقاطي نشطوا في الكلام عن
مذهب التشيع والكتابة عنه بآرائهم ، دون
الإستناد الى مصادر الشيعة ونصوصهم ،
وآراء كبار علمائهم


وقد وصل الأمر ببعضهم أن سمى
المعصومين(ع)مجتهدين ، وسمى من ظلمهم
مجتهدين! ونسب الى الأئمة(ع)العمل بالظن في
أمور الدين ، مع أن عصمتهم(ع)من البدائه
وضروريات مذهب التشيع ، وأن الذين تبنوا
العمل بالظن هم أعداؤهم ، فقاومه الأئمة
(ع)بشدة !!


وبعضهم مفتونٌ بالعصرنة ، مبهورٌ
بالأفكار الغربية ، يهشُّ ويبشُّ
لمقالاتها وكتبها أو مغالٍ في الفلسفة
اليونانية والغربية ، كأنه يرى الفلاسفة
أنبياء أو أصحاب مقام قريب من مقامهم !


وهو في المقابل لايكبر مصادر الثقافة
الإسلامية ، ولايقدِّر علماء المسلمين
قدرهم


وكثير منهم ، سطحيون في الفكر والعمل


الى آخر صفاتهم ولحن قولهم ، الذي يعرفهم
به المؤمنون الأصيلون


استناد خصوم الشيعة الى آراء أصحاب هذا
الإتجاه:


من نتائج هذا الإتجاه السيئة على الشيعة ،
أن بعض خصوم مذهب أهل البيت(ع)، خاصة
السلفييين ، يأخذون آراء أصحابه على أنها
تمثل التشيع ، ويهاجمونه بها ، ويثيرون
بها الشبهات !


مع أنهم يعرفون أن الملاك في آراء المذهب
ليس فهم عوامه ، ولا فهم الشاذ من أتباعه،
بل ما دَوَّنه مراجع المذهب المعترف
بعلمهم ومرجعيتهم ، وما هو ثابت من سيرة
أتباعه جيلاً فجيلاً وصولاً الى جيل
الرواة والفقهاء من تلاميذ الأئمة(ع)


لقد قسمنا خصومنا الشيعة بسبب هؤلاء الى
شيعة معتدلين وشيعة متطرفين ، ومدحوا
أولئك المعتدلين لانتقادهم بعض عقائد
التشيع ومفاهيمه !


قيل لأحدهم إن صحيفة سلفية كتبت بسبب
كلامك: أحد أئمة الشيعة يعترف بزيف مذهبهم
! فقال: لماذا بسببي؟ أنا لم أقل لهم أن
يكتبوا !


وبعضهم يقيم علاقات ودية مع خصوم مذهب
التشيع ، ويناغيهم في نقد الشيعة
و(غلوهم)في أهل البيت(ع)! وعندما يسأل عن
ذلك ينكر ! أو يعترف بأن له علاقات ودية
معهم ، ويقول إنه لايوافقهم على طعنهم في
التشيع !


الفصل الأول


ما هو القرآن ؟


(1)لقد تجلى الله لخلقه بكلامه ولكنهم لا
يبصرون !


( بتاريخ: 13شعبان 1414 ـ 26/1/1994 ـ 6/11/1372 )


بسـم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين وصلى الله على
سيدنا محمد وآله الطاهرين ، سيما بقية
الله في الأرضين ، واللعن على أعدائهم الى
يوم الدين


قبل أسبوع ذكرنا فكرةً عن القرآن بمناسبة
قوله تعالى: وَللهِ الأَسْمَاءُ
الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا
الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ
سَيُجْزَوْنَ مَاكَانُوا
يَعْمَلُونَ(سورة الأعراف:180) ومع أن
قلوبنا كالحجارة ، فقد احتج علينا أحدهم
بحجةٍ كانت نتيجتها أن نتكلم هذا الأسبوع
حول القرآن ، القرآن الذي نعترف بظلمنا
له، لعل الله تعالى يعاملنا بفضله


على أنا نتخوف من الدخول في هذه المباحث
بسبب قلة الباع ونقص الإطلاع ، وعدم لياقة
الباحث ، فليس هذا من مباحث الفقه والأصول
التي نتسلط عليها ، بل هو من المباحث
المسلطة علينا ، التي نتحدث فيها بخوف
وهيبة ، معترفين بالعجز عن الخوض في
أعماقها !


توجد كلمة في القرآن للإمام الصادق(ع)وما
أدراك من هو؟ بها نعرف القرآن ونعرف
الإمام الصادق(ع) فلنتوجه جميعاً بأدب
وحضور قلب ، الى روح الإمام الصادق
المقدسة ، لعله يتفضل ويفيض علينا من بركة
الله فيه ، فنفهم شيئاً من هذه الفقرة التي
تجلى فيها(ع)


والكلمة هي: (لقد تجلى الله لخلقه بكلامه،
ولكنهم لايبصرون )(1)


إنه أمرٌ محيرٌ واقعاً ، أن يتجلى الله
بكلامه لخلقه ولكنهم لايبصرون ! وهذه
الجملة في عالم العلم معجزة ، فالمعجزة
للعوام تختلف عن المعجزة للخواص ،
والإنسان الذي وصل الى درجة البلوغ العقلي
يعرف منها أن الإمام الصادق(ع)متحدٌ بكله
مع القرآن ، وبهذا الإتحاد متحدٌ مع تجلي
الله تعالى في القرآن ، فهو حكيم قرآني(ع)


ومن هذه الجملة نفهم أن الإمام
الصادق(ع)قصد بالتجلي كلام الألوهية
التكويني ، لا الرحمانية ، ولا الرحيمية ،
ولا العليمية ، ولا السميعية ! فقد اختار
من الأسماء الحسنى اسم الله تعالى وقال:
لقد تجلى الله ، ولم يقل تجلى العليُّ
العظيم مثلاً ، ليفهمنا ما هو القرآن ،
الذي لم نفهم ما هو !


لقد تجلى الله هذا هو القسم الأول ، وفي
اسم الله تعالى ميزةٌ على التسع وتسعين
إسماً ، ميزةٌ في المسمى ، وفي الإسم


أما في المسمى فإن المسمى به الله مقام
يجمع كل الأسماء الحسنى والصفات العليا ،
من الجمال ، والكمال ، والجلال


وأما في الإسم ، فإن خصوصية اسم الله
تعالى من بين أسمائه كلها ، أن حقيقة غيب
الغيوب مندرجةٌ فيه ، وحقيقة المالكية
الربوبية ، وحقيقة بساطة الذات ، الحاكية
عن الوحدة الحقة الحقيقية كلها مندرجة فيه
!


نحن عندما نقرأ كلام الإمام الصادق(ع)،
لانستطيع أن نستفيد منه كما ينبغي ، لأنا
لم نصل الى عظمة ذلك الإمام الذي صدر عنه !
نعم ، نحن نقبل كلامه بدليل التعبد
والتقديس لشخصيته صلوات الله عليه ، لكنا
مع الأسف لانبذل جهدنا في فهمها ، بل ترانا
نولي أهمية أكثر لسطور الشفاء ، وكلمات
الأسفار ، وتأملات نهاية الدراية ،
والمنظومة ، والكفاية !


يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا
بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ، وَيُضِلُّ
اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ
مَا يَشَاءُ (سورةابراهيم:27)


وعندما ننظر الى عالَم الحروف المبني
بحكمة ، نجد أن اسم الله تعالى يتكون من
الألف في أوله ، وهو أول حروف الهجاء ، أما
آخره فهو الهاء التي هي آخر حروف الهجاء
والألف له الأولية والإستقامة والبساطة ،
وهو يحكي عن الوحدة الحقة الحقيقية،وقائل
هذه الكلمة ومبينها وشارحها هوالإمام(ع)،
والذي أول حرف من اسمه الألف أيضاً !


وإذا رفعنا الألف ، صارت الكلمة (لله):
للهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
(سورة لقمان: 26)


وإذا رفعنا اللام، صارت (له): لَهُ مُلْكُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي
وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ
(سورة الحديد: 2 )


وإذا رفعنا اللام الثانية ، بقيت الهاء
(هو): قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ
(سورةالإخلاص:1)


هذه رشحة من خصوصيات الإسم والمسمى ،
فالقرآن إذن جلوةٌ لهذه الذات المقدسة ،
بكل أسمائها الجمالية والكمالية ، وكل
أسمائها الجلالية للخلق فهل فهمنا القرآن
هكذا ، وهل عرفنا ماذا في أيدينا ؟!


وهل عرفنا معنى قول النبي(ص)عندما قال:
كأني قد دعيت فأجبت ، وإني تارك فيكم
الثقلين أحدهما أعظم من الآخر:كتاب الله
عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض ،
وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يزالا جميعاً
حتى يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف
تخلفوني فيهما (كمال الدين ص238) ، وأنه بذلك
سلم بأيدينا عصارة وجوده! فالقرآن حرف
الربط بين الخالق والخلق ، وهو تجلي
الألوهية بتمامها ! فما الذي يجب علينا
عمله لنستفيد منه ؟


الخطوة الأولى أن نعرف ما هو ؟ وأنتم أيها
الفضلاء لستم عواماً ، فالقرآن للعوام
عبارات ، لكنه للخواص إشارات أرجو أن
تنتبهوا الى هذا الموضوع لأنفسكم وغيركم ،
فكل واحد منا مسؤول حسب سهمه في القرآن


لاحظوا أنه تعالى يستعمل صيغة (تبارك) في
موارد خاصة كقوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ
اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ، ثُمَّ
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش، يُغْشِي
اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ
حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ،
أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ ،
تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ
(سورة الأعراف: 54 )


دققوا في التعبير، فعندمايجمع الله الخلق
والأمر فقد جمع الملك والملكوت أي لب الكون
وقشره ، وهنا يقول (تَبَارَكَ)


وعندما ينهي الملك والوجود اليه تعالى
يقول أيضاً (تَبَارَكَ)، تَبَارَكَ
الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى
كُلِّ شئ قَدِيرٌ (سورة الملك:1)


ثم لاحظوا أنه عندما يصل العالم الى ثمرته
، وتجتمع عصارة العالم في آدم وذريته من
نطفةٍ الى علقةٍ الى مضغةٍ، ثم يكسو
العظام لحماً، ثم ينشؤه خلقاً آخر يعبر
عنه بقوله (تَبَارَكَ): ثُمَّ خَلَقْنَا
النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا
الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا
الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا
الْعِظَامَ لَحْماً ، ثُمَّ
أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ،
فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ
الْخَالِقِينَ (سورة المؤمنون: 14 ) اللهُ
الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ قَرَاراً
وَالسَّمَاءَ بِنَاءً ، وَصَوَّرَكُمْ
فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ
مِنَ الطَّيِّبَاتِ ، ذَلِكُمُ اللهُ
رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ (سورة غافر: 64)


ثم لاحظوا أنه سبحانه استعمل كلمة
(تَبَارَك) في كلامه عن تنزيل الكتاب على
عبده: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ
الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ
لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً(سورة الفرقان:1)
وذلك ليفهمنا أن الله الذي له الملك
والملكوت ، والذي جعل عصارة العالم
وخلاصته الإنسان هو: الَّذِي نَزَّلَ
الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ !


وليحرك أذهاننا لنفهم ماذا في القرآن ،
وماذا يجب أن نعمل لكي نفوز به ، ولانضيع
عمرنا ولانصل اليه فنقول:يَاحَسْرَتَنَا
عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا(سورة
الأنعام:31)


روحي وأرواح العالمين فداء لصاحب تلك
النفس المقدسة الذي قال: لقد تجلى الله ،
لقد تجلى الله ! الكلمة التي كلما كررها
الإنسان ، وجد منها فيضاً جديداً لقد تجلى
الله لخلقه في كلامه ولكنهم لايبصرون


الجملة الثانية: ولكنّهم لايبصرون
والسؤال: أنه مادام الله تعالى قد تجلى في
القرآن فلماذا لانرى تجليه فيه؟! والجواب
هنا للقرآن نفسه ، لأن الكلام في هذا
الموضوع للقرآن وليس لابن سينا وغير ابن
سينا من الفلاسفة ، فالمكان الذي يتكلم
فيه جعفر بن محمد ، يتطاير هؤلاء كالهباء
في الهواء !


والقرآن يخبرنا أنا لانراه لأن القرآن
نفسه بصرٌ وبصيرة ، فلا بد أن نبصره
ببصيرته ، وهذا هو المهم والمعجزة ! نحن
البشر عندنا البصرأما البصيرة فهي موجودة
في القرآن: هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ
وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ(
سورة الجاثية:20) قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ
مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ
فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا
وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (سورة
الأنعام: 104 ) فأين نجد تلك البصيرة التي
نبصر بها التجلي الإلهي في القرآن؟


نختصر الموضوع وأرجو أن يوفقني الله
تعالى أنا وأنتم لأن نجعل ما قلناه
وفهمناه برنامج عمل لنا ، أن يوفقنا عندما
نفهم المشروط أن نعمل على تحقيق شرطه في
أنفسنا !


هذه البصيرة المطلوبة تحدث عنها الله
تعالى في قوله: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ
رَسُولاًمِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو
عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ
قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( سورة آل
عمران: 164 )


وفي دعاء ابراهيم(ع)للأمة الخاتمة:
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً
مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَوَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ
أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (سورة
البقرة: 129)، وفي كل القرآن نجد التأكيد على
هذا الشرط: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ
نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ
اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ
السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ
وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ ( سورة المائدة: 15- 16 )


إن البصيرة المطلوبة لرؤية التجلي الإلهي
في القرآن ، تكمن في هذه الجملة:
وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ بِإِذْنِه ! فماذا نعمل لكي نصل
اليها ؟!


لاتضيعوا وقتكم ، فليست المسألة دراسةً
ولا بحثاً وتحصيلاً ، ومهما ألقيتُ عليكم
دروساً فلا أثر لها هنا أصلاً ، ومهما
درستم وقرأتم لتصير الزجاجة الموجودة في
داخل الرمل والصخر مصباحاً ، ويتصل
المصباح بالكهرباء ، ويضئ ، فلا أثر
لقراءتكم ! لأن المسألة ليست فكرية ! ليست
كتاب الكفاية ، ولا نهاية الدراية ، ولا
جواهر الكلام ، لتدرسوها عند أستاذ !


الطريق هنا طريق آخر فلا بد أن يتم صهر
صخرنا أو رملنا في أتون حتى يذوب ، ثم يفصل
المعدن الذائب عن تفالته ، ثم يصنع منه
المصباح وبعد ذلك يحتاج الأمر الى ( يدٍ )
تصله بتيار الكهرباء حتى يضئ !


إن تيار الكهرباء ومنبعه من عند الله
تعالى: اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ
فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي
زُجَاجَةٍ ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا
كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، يُوقَدُ مِنْ
شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ
لاشَرْقِيَّةٍ وَلاغَرْبِيَّةٍ، يَكَادُ
زَيْتُهَا يُضِئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ
نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَضْرِبُ
اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ
بِكُلِّ شَئٍ عَلِيمٌ) (سورة النور: 35)،
فأنا وأنت زجاجة مصباح ، وذلك هو مصنع
الكهرباء ، ونحن في باطن الرمل والصخور ،
فلا بد أن نخرج منها ، وأن ننصهر بدرجة
حرارة عالية فنذوب ، ثم ننفصل عن بقية
موادنا الزائدة ، ثم ندخل الى المصنع ،
ليصنع صاحبه منا زجاجة مصباح


أما صاحب ذلك المصنع ، فهو الحجة بن
الحسن(ع)فهو الذي يملك أن ينفخ فينا بإذن
ربه ، لاغيره !


نعم ، إننا وجهاً لوجه أمام ذلك النور
الإلهي(ع)ولانحتاج الى عمل آخر ولا الى
الذهاب الى شرق أو غرب ، فهو(ع)حاضر دائماً
، وما علينا إلا أن نخرج معدن زجاجنا
ونهيئه لصانع المصابيح ، ليتفضل بصنع
مصباحنا منه ، ويصله بتيار الكهرباء ،
وينتهي الأمر !


من أين يبدأ هذا الطريق ؟


يبدأ من هنا تأملوا فيما يقوله الله تعالى
في قرآنه الذي هو فوق كلام البشر: أعوذ
بالله من الشيطان الرجيم: بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِيَاأَيُّهَا
الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا
قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِانْقُصْ مِنْهُ
قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ
الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً إِنَّا سَنُلْقِي
عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً إِنَّ
نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ
وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً ( سورة
المزمل:1- 6)


يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ مَن يتكلم مع
مَن ؟


المفتاح هنا، فلنقرر جميعنا من هذه
الليلة أن نطبق: قُمِ اللَّيْلَ ، فكل
مايوجد مخزون في ذلك الوقت، فلنحرص عليه
مهما كلفنا أمره !


إن هذه الآيات برهان ولا أقوى منه، فأول
السورة خطاب موجه الى شخص النبي(ص): قُمِ
اللَّيْلَ ثم قال له: وَرَتِّلِ
الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً


إن كل هذا التأكيد من الله تعالى على صلاة
الليل له سرٌّ ، وهو محسوبٌ بحساب ، وهو
تأكيدٌ على خير كبير وطريق الله لابد أن
نتعلمه من الله تعالى ومن المعلمين الذين
عينهم لنا


لاحظوا أنه في آخر سورة المزمل وجه الله
تعالى خطابه للنبي(ص)الذي له حساب خاص لأنه
النبي الخاتم ، ثم وجه الخطاب لأمته معه:
إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ
أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ
وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ
الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ
اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ
تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ
فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ
الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ
مِنْكُمْ مَرْضَى ، وَآخَرُونَ
يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ
مِنْ فَضْلِ اللهِ ، وَآخَرُونَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ،
فَاقْرَأُوا مَاتَيَسَّرَ مِنْهُ،
وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا
الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً
حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا
لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ
عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ
أَجْراً ، وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ
اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( سورة المزمل:20 )
ليفكر أصحاب الفكر هنا أن الخطاب كان في
أول السورة خاصاً للنبي(ص) وصار في آخرها
عاماً: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ
تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ
وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ
الَّذِينَ مَعَكَ ، وهذا هو الإعجاز ،
وهذا هو القرآن ، كتاب العلم والحكمة الذي
نتحسر لأنه لم يفسر ولو تركوا مفسره يفسره
للناس، لعرفوا أبواباً من هذا الخير !


المهم هنا أيها الفضلاء: وَاللهُ
يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ،
عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ
عَلَيْكُمْ ، فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ
مِنَ الْقُرْآنِ أما بعد قراءة مَا
تَيَسَّرَ مِنه ، فصلاة الليل هي المفتاح
، فبها فافتحوا الأقفال !


فَاقْرَأُوا مَاتَيَسَّرَ مِنَ
الْقُرْآنِ لتصلوا به وبصلاة الليل الى
مطلوبكم ! والمطلوب من أول القرآن الى آخره
هو الوصول الى الله تبارك وتعالى: وإذا
انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا (الكافي:1/92
)


فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ
الْقُرْآنِ ثم أعادها: فَاقْرَأُوا مَا
تَيَسَّرَ مِنْهُ إن في هذه الآية آياتٌ
لمن كان له لب !


وإذا أكمل الإنسان هذا الطريق ، يصل
رويداً رويداً الى مستوى أن يفهم ماذا
تعني: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ، وماذا
تعني: ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ،
وماذا تعني: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ


يصل الى معنى: الحكيم والمجيد والذكر ثم
يواصل ليفهم الأحرف الثلاثة من الإسم
الأعظم الربوبي ، ثم يفهم الربط بين حرف
القاف في أول سورة قاف، والقاف في إسم
القرآن الكريم وبعد ذلك يمكن أن يسير
رويداً رويداً حتى يكون من أهل: لَوْ
أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ
عَلَىجَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً
مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ،
وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (
سورة الحشر: 21 ) ثم يترقى الى درجة أعلى
فيكون من أهل: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً
سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ
قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ
بِهِ الْمَوْتَى بَلْ للهِ الأَمْرُ
جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ
آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى
النَّاسَ جَمِيعاً، وَلايَزَالُ
الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا
صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ
قَرِيباً مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ
وَعْدُ الله، إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ
الْمِيعَادَ ( سورة الرعد: 31 )


التعليقات


(1) رواه ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي
اللئالي:4/116، وفيه: (تجلى لخلقه في كلامه)
وفي البحار:89/107 ، عن أسرار الصلاة
والبهائي في مفتاح الفلاح ص292 ، وفيه: (تجلى
الله لعباده في كلامه )


وقال الزركشي في البرهان:1/452 ، في أنواع
القراءة: ( الأول ، من يشهد أوصاف المتكلم
في كلامه ومعرفة معاني خطابه ، فينظر إليه
من كلامه وتكلمه بخطابه لأن الكلام ينبئ
عن معاني الأوصاف، ويدل على الموصوفوهذا
مقام العارفين من المؤمنين لأنه لا ينظر
إلى نفسه ولا إلى قراءته ، ولا إلى تعلق
الإنعام به ، من حيث أنه منعم عليه ، بل هو
مقصور الفهم عن المتكلم ، موقوف الفكر
عليه ، مستغرق بمشاهدة المتكلم ، ولهذا
قال جعفر بن محمد الصادق: لقد تجلى الله
لخلقه بكلامه ولكن لا يبصرون )


وقال الفيروزآبادي في هامش العروة
الوثقى:2/434: (الظاهر أن أميرالمؤمنين
وأولاده الطيبين سلام الله عليهم أجمعين ،
لهم درجات أخرى فوق هذه ، بأن يعبدوه من غير
أن يجعلوا شيئاً غاية يقصد ، ويكون لهم أمر
زائد ملحوظ بالتفصيل يكون هو المحرك دون
أن يلاحظ طلب وأمر ، بل المحرك مشاهدة جلال
الله وجماله وشمول عنايته قال(ع): وأنر
أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك، حتى تخرق
أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن
العظمة، وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك
وقال(ع): والله لقد تجلى الله لخلقه في
كلامه ولكن لايبصرون)


وفي توحيد الصدوق ص115: (أبي&قال: حدثنا سعد
بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن
أبي نجران ، عن محمد بن سنان ، عن إبراهيم
والفضل ابني محمد الأشعريين ، عن عبيد بن
زرارة ، عن أبيه ، قال: قلت لأبي عبد
الله(ع): جعلت فداك ، الغشية التي كانت تصيب
رسول الله(ص)إذا أنزل عليه الوحي ؟ فقال:
ذاك إذا لم يكن بينه وبين الله أحد ، ذاك
إذا تجلى الله له ، قال ثم قال: تلك النبوة
يا زرارة )


الفصل الثاني


في مقام نبينا(ص)


(2)من هو النبي(ص)وما حققه للبشرية


( بتاريخ: 15 صفر 1422- 9/5/2001- 19/2/1380 )


بمناسبة العشرة الأخيرة من شهر صفر ، أيام
رحلة الشخصية الأولى في عالم
الوجود(ص)،وبمناسبة سفر العديد من
العلماء،من أهل الجد في تحصيل مرضات الله
تعالى، أسأل الله أن يوفقهم في سفرهم
التبليغي الى هداية أيتام آل محمد(ص)


تصل أخبار من عدة مناطق أن الملحدين
وأصحاب الشبهات يعملون بشكل واسع لنشر
دعاياتهم المسمومة ، بين الناس البعيدين
عن المناطق العامرة بالعلماء والمبلغين !
وفي مثل هذه الظروف يجب على القادرين من
الفضلاء العجم والعرب ، أن يؤدوا ما عليهم
من مسؤولية في المناطق التي يؤثرون فيها،
مسؤولية إنقاذ النفوس وصيانة عقائد
الإسلام


نعم إن راحة الإنسان ببقائه في بيته عند
أهله وعياله ، لأن سفره الى المناطق
الأخرى خاصة النائية فيه تعب ومشقة، لكن
ينبغي لأحدكم أن يفكر أن هجرته وسفره لكي
يبلغ الدين بعيداً عن عائلته ، ويهدي
الضائع ويرشد الجاهل ، سفره لكي يقيم
معروفاً ، أو يزيل منكراً ، هو بلا شك
حركةُ سير في سبيل الله تعالى ، وقد قال
الله تعالى عن أهل هذه الحركة: ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا
نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ
اللهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ
الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ
عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ
عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ
أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ


( سورة التوبة:120 )


فكل مايصيبكم ، من أدنى تعب الى أشده،
مكتوبٌ في سجل أعمالكم عند الله تعالى ،
وقد بلغت أهمية المسألة عنده سبحانه أنه
هو كاتب الأجر فيها ، وهو الضامن لصلاح هذا
العمل وجزائه ! وفي مقابل هذا الأجر العظيم
، فإن الإنسان يتقبل متاعب سفره وعمله


وبهذه المناسبة أذكر أموراً ينبغي
مراعاتها لتحقيق الإخلاص في النية الذي هو
الجهاد الأكبر ، وتحقيق التوفيق في عملكم
في إخراج الناس من الضلال الى الهدى ، الذي
هو التأويل الأعظم لقوله تعالى: وَمَنْ
أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا
النَّاسَ جَمِيعاً ( سورة المائدة:32 )


الأمر الأول: كونوا على وضوء في كل مجلس
تبليغ أو خطابة ، فالوضوء بنفسه نور،
ومضافاً الى ذلك فإن لمجالسكم خصوصية فيمن
يحضرها ، فقد يحضر في المجلس شخصٌ كادٌّ
على عياله يعمل من الصبح الى المغرب لكي
يوفر لقمة عيش لزوجته وأطفاله، وهذا
كالمجاهد في سبيل الله بكد يمينه وعرق
جبينه ، يأتي الى مجلسكم مدفوعاً بالإيمان
والعشق لرسول الله (ص)، أو سبطه الإمام
الحسن(ع)أو الإمام الرضا(ع)


أو تحضر مجلسكم عجوزٌ مستضعفة، تحملت
المتاعب في حياتها، وجاءت الى هذا المجلس
مع ضيق معيشتها ، بسبب محبتها وعشقها
للصديقة الطاهرة الزهراء(ع)


أو يحضره طفل يتيم فقد والديه ، وجاء
ضيفاً الى مجلس رسول الله(ص)


في مثل هذه الحالات يستحيل على الشخص
الأول في العالم(ص)أن لاينظر الى ذلك
المجلس بعين عطفه ، ليس من أجلي وأجلك بل
من أجل هؤلاء ! وإذا نظر الى المجلس فسوف
يشملك شعاع نظره ، فكن في كل مجلس على وضوء
هذا أولاً


والأمر الثاني: بعد أن تفتتحوا مجلسكم
بالقرآن ، إفتتحوه بزيارة آل ياسين ،
فاقرؤوا أصل الزيارة وإن لم تقرؤوا الدعاء
الذي بعدها ، لأن صاحب الزمان (ع)يقول: (إذا
أردتم التوجه بنا إلى الله والينا، فقولوا
كما قال الله تعالى: سلام على آل ياسين) (1)


إن هذه الزيارة إذا قرئت في مجلس وتلي
فيها التسليم على صاحب الزمان (ع)، فإن
أثرها أن تتوجه القلوب اليه ، والله تعالى
يقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ،
وَاشْكُرُوا لِي وَلاتَكْفُرُونِ ( سورة
البقرة: 152 ) وصاحب الزمان صلوات الله عليه
حجة الله علينا ، ومركز نور الله في أرضه ،
وهو متخلق بأخلاق الله تعالى ، فلا يمكن أن
نذكره ولا يذكرنا


والأمر الثالث: لاتختموا أي مجلس من
مجالسكم إلا بعد أن تكونوا ذكرتم فيه
الإمام صاحب الزمان(ع)فهو واسطة فيض
الوجود ، ونحن به نستيقظ من نومنا ، وبه
نريد ، وبه نفهم ، وبه نقول ، وبه نحيا ،
وبه نموت نعم عقيدتنا أن كل ذلك وكل النعم
من الله تعالى ، والإمام عبدٌ مخلوقٌ
مملوكٌ لله تعالى ، لايملك بذاته لنفسه
نفعاً ولا ضراً ، ولكن هذه الجزئيات من
الله به(ع) ومادامت منه بهذا المعنى فإن
شكر واسطة الفيض تستوجب عقلاً ونقلاً أن
تتوجه اليه القلوب في المجالس


والأمر الرابع: أقدم لكم حديثاً عن الإمام
الباقر(ع)، أنا عاجزٌ عن شرحه ، وكل أفكار
البشر أصغر من أن تدرك عمقه! ففي
الكافي:3/220، عن أبي جعفر الباقر(ع)أنه قال
لعمرو بن سعيد الثقفي: (إن أُصبتَ بمصيبة
في نفسك، أو في مالك ، أو في ولدك، فاذكر
مصابك برسول الله ، فإن الخلائق لم يصابوا
بمثله قط) والذي يحير العقل هنا هو تعليله
ووصفه(ع)للمصاب بالنبي(ص) بأن الخلائق لم
تصب بمثله! والخليقة عنوان عام يشمل كل
مخلوق ، فكيف بجمعه الخلائق؟ وهو محلى
بألْ ، فهو يشمل حتى الملائكة المقربين
والأنبياء والمرسلين(ع)ومايرى وما لايرى
فكل هؤلاء لم يصابوا بمثل رسول الله(ص)


وهو تعليل لايفهمه إلا خواص العلماء ،
الذين يدركون من هو النبي ، وماذا فعل ،
وماهي مصيبة فقده ، ومن الذين أصيبوا
به(ص)؟!


توجد كلمتان تعرفان كل وجود الشخص هما: من
كان، وماذا فعل؟ والإمام الباقر
نفسه(ع)يعلم ويدرك أن هذه المصيبة كانت
مصيبة بشخص لم يكن أحدٌ مثله، ولم يكن عملُ
أحد مثل عمله، لأنه هو الذي قال: فإن
الخلائق لم يصابوا بمثله قط ، يعني لافي
الماضي ولافي الحاضر ولافي المستقبل!
فماذا كان عمل النبي(ص) ، وماذا أعطى
للعالم ؟!


هذا بحر محيط لايمكننا التوصل الى قعره ،
فخوضه مقصور على الأنبياء والأوصياء(ع)،
فهم يدركون أي أمواج انطلقت من بحره(ص)؟!


سأقدم لكم أربع كلمات ، تقال في كل صلاة ،
تكفي لأن نفهم ما عمله رسول الله(ص)، وهي:
(سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا
الله، والله أكبر )


إن لكل واحدة من هذه الكلمات قدرها
وحسابها الخاص ولنتأمل في أول كلمة منها:
سبحان الله ، ولنتجول بفكرنا في شرق
العالم وغربه وشماله وجنوبه في كل الأديان
والمذاهب بلا استثناء لندرك أنه لو لم تكن
هذه الكلمة موجودة ، فلا يوجد ارتباط في
العالم بين الخالق والمخلوق !


العمل الذي قام به رسول الله(ص): أنه ربط
الخلق بخالقهم ! فلو لم يكن النبي موجوداً
، ولا دينه ، فلا وجود لحرف يربط بين
الخالق وخلقه ! ولكان العالم كله يدور في
زوبعةٍ من الضلال ، ما بين مشبهٍ وملحدٍ
وعابدٍ لغير الله تعالى !


يقول أمير المؤمنين(ع):


(إلى أن بعث الله سبحانه محمداً(ص)رسولاً
لإنجاز عدته ، وتمام نبوته، مأخوذاً على
النبيين ميثاقه ، مشهورةً سماته، كريماً
ميلاده وأهل الأرض يومئذ مللٌ متفرقة،
وأهواءٌ منتشرة ، وطوائفُ متشتتة ، بين
مشبِّهٍ لله بخلقه ، أو ملحدٍ في اسمه ، أو
مشيرٍ إلى غيره فهداهم به من الضلالة ،
وأنقذهم بمكانه من الجهالة) ( نهج البلاغة:1
/24 )


كان العالم كله في تلك الدوامة العاصفة ،
بين مشبِّهٍ لله بخلقه ، أو ملحدٍ في اسمه
، أو مشيرٍ إلى غيره ، فجاء(ص)وأخذ منجله
النبوي فحصد كل ذلك الحشيش التافه ، وغرس
بدله شجرة التسبيح الطيبة ، وأضاء شجرة
التهليل والتوحيد، وأنار في العالم مشعل
التسبيح والتحميد وأوصل البشر الى مستوى
أن يقولوا: ( الله أكبر من أن يوصف) !


نفس: سبحان الله ، ماذا تعني؟ هنا تتحير
عقول الكمَّل من البشر فقد أوصل النبي
المعرفة الى هنا! أوصل التنزيه الى هنا
تنزيهٌ عن الجسم، وتنزيهٌ عن صفات عالم
الكون ، وهذا هو التنزيه الإبتدائي لعامة
الناس !


قال النبي سبحان الله ، فهدى عقول الألوف
كعقل ابن سينا ، بل إن ابن سينا لاقيمة له
هناك، لقد هدى النبي(ص)ألوف العقول النيرة
كعقول الأنبياء(ع)الى أقصى مايمكنهم أن
يجدوا اليه طريقاً في دائرة الوحي
وإمكانيات العقل البشري ، والى أدق معاني
قوله: كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق
معانيه ، فهو مخلوق مصنوع مثلكم ، مردود
إليكم ! ولا غرو فهو(ص)نبي الأنبياء(ع)! (2)


نعم ، هذه هي كلمة: سبحان الله التي أتى
بها ! وهذا هو العمل الذي عمله في تعريف
البشر بالله تعالى! فكل ما في هذا العالم
من تسبيح لله تعالى ، فإنما هو من كلمات
شفتيه ، وكل ما في العالم من تحميد لله
تعالى ، فأصله من لفظ لسانه الشريف وكل ما
فيه من توحيد فمنبعه من نطق فمه المبارك
وكل ما فيه من تكبير، فمنطلقه من صوته
النبوي


هذا ما عمله النبي(ص)في تعريف الخلق
بخالقهم تبارك وتعالى


أما ما عمله مع خلق الله تعالى ، فإن
النموذج الواحد منه يحتاج شرحه الى كتاب!
في ذلك الوقت الذي انهزم المسلمون في أحد ،
وتركوا النبي(ص) وحده مع علي أمام سيوف قريش
الحاقدة ، فقاتل(ص)ومعه علي(ع)فقط ، قاتلا
بعد أن جرح أبو دجانة لساعات يردَّان
هجمات المشركين المستميتة لقتل
النبي(ص)حتى جرح في جبهته الشريفة وكسرت
مقدمة أسنانه، وهذا ما لم يحدث له في كل
حياته ، فأي جبهة جرحت يومئذ، وأسنان أي فم
كسرت؟ لقد تزلزلت أركان العالم ، فالعالم
قشرٌ والنبي لبه ، وإذا تضرر اللب فما قيمة
القشر ؟!


في ذلك الظرف ، قالوا له: يارسول الله أدع
عليهم في ذلك الوقت وقد سال ذلك الدم
المقدس من جبهته وفمه ، فوق قميصه الخام ،
ذلك القميص الذي لم يفتح إلا عندما لبسه
النبي(ص)يومها ، ثم طواه ليفتحه بيده ولده
الموعود الإمام المهدي(ع)! قيل له: أدع
عليهم فرفع يديه الى السماء وقال: اللهمَّ
اهْدِ قومي، فإنهم لايعلمون !


هذا ماعمله للخلق: إلهي أريد منك لهؤلاء
بدل العذاب الذي يستحقونه أن ترحمهم وتنعم
عليهم ! بأي نعمة ؟ بنعمة الهداية التي هي
أغلى جوهر في العالم ! ولمن طلبها النبي(ص)؟
لهؤلاء الذين أصروا وما زالوا مصرين على
قتله ، وجرحوه في جبهته وفمه الشريف !


ثم لم يقل(ص): اللهم اهدهم فقط ، بل قال:
إهْدِ قومي ! فأضافهم الى نفسه ليجر الرحمة
الإلهية من المضاف اليه الى المضاف !


أيها الرسول العظيم ! ماذا فعلت ، ومن كنت
؟! وبماذا جئت ؟!


قال: يارب هؤلاء قومي ، وبحث لهم عن عذر
أمام الله: فإنهم لايعلمون ، فاقبل مني يا
رب عذر هؤلاء الجهال ، لعلهم يعلمون !!


هذا مافعله النبي لمعرفة الخالق ، ولخدمة
الخلق !


وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ ( سورة الأنبياء: 107)


وأختم حديثي بهذه الحادثة :


عند رحلته(ص)جاءته أحب عترته اليه الصديقة
فاطمة الزهراء(ع) وجلست عنده ، وقد روت
مصادر الحديث عند الفريقين أجزاء من
الحديث الذي دار بينهما ، منها هذا
الرواية ، أرجو أن تتأملوا في كلماتها
خصوصاً في ختامها ، واشرحوا للناس وبينوا
لهم أن النبي(ص)هو هذا ، وأن دينه الإسلام
هو هذا ، عرفوهم بالدين وبصاحب الدين(ص)،
حتى يشملكم صاحب الزمان(ع) برضاه وعنايته
عرفوهم من هو نبينا(ص)، وكيف كان يعيش، وما
حققه وأنجزه للبشرية، وأبعدوا الأوهام عن
وجه هذا الدين الجميل المشرق، حتى يعرف
الناس ما هو ، ومن هو الذي أتى به(ص)؟!


قالت له فاطمة(ع): يا أبَهْ ، أنا لا أصبر
عنك ساعة من الدنيا ، فأين الميعاد غداً ؟
لا أصبر عنك ساعة ، يعني أستطيع أن أفارق
الحسن ، وأن أفارق الحسين ، وزينب ، لكني
لا أستطيع فراقك !


فبشرها بأنها ستلتحق به عما قريب قال لها:
أما إنك أول أهلي لحوقاً بي قالت: يا أبت
فأين ألقاك يوم القيامة؟ قال: انظري عند
الميزان وأنا أنادي: رب أرجح من شهد أن لا
إله إلا الله قالت: فإن لم أرك هناك؟ قال:
على جسر جهنم قالت: يا أبه أليس قد حرم الله
عز وجل جسمك ولحمك على النار؟ قال: بلى،
ولكني قائم حتى تجوز أمتي قالت: فإن لم أرك
هناك؟ قال: تريني عند القنطرة السابعة من
قناطر جهنم ، أستوهب الظالم من المظلوم
قالت: فإن لم أرك هناك؟ قال: تريني في مقام
الشفاعة وأنا أشفع لأمتي) (3)


إن العقل ليتحير لهذا الرسول الشفيع
الشفيق !


وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ ( سورة الأنبياء: 107 )


هذا مافعله ويفعله رسول الله للبشر(ص) !


وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ
نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ
رَبُّكَ مَقَاماًمَحْمُوداً ( الإسراء: 79 )


التعليقات


(1)في الإحتجاج للطبرسي&:2/315: (وعن محمد بن
عبدالله بن جعفر الحميري أنه قال: خرج
التوقيع من الناحية المقدسة حرسها الله ،
بعد المسائل:


بسم الله الرحمن الرحيم ، لا لأمره تعقلون
، ولا من أوليائه تقبلون ، حكمةٌ بالغةٌ
فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين


إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا ،
فقولوا كما قال الله تعالى: سلام على آل يس
السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته
السلام عليك يا باب الله وديان دينه
السلام عليك يا خليفة الله وناصر خلقه
السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته
السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه
السلام عليك يا بقية الله في أرضه السلام
عليك يا ميثاق الله الذي أخذه ووكده
السلام عليك يا وعد الله الذي ضمنه السلام
عليك أيها العلم المنصوب ، والعلم المصبوب
، والغوث والرحمة الواسعة وعداً غير مكذوب
السلام عليك حين تقعد السلام عليك حين
تقوم السلام عليك حين تقرأ وتبين السلام
عليك حين تصلي وتقنت السلام عليك حين تركع
وتسجد السلام عليك حين تكبر وتهلل السلام
عليك حين تحمد وتستغفر السلام عليك حين
تمسي وتصبحالسلام عليك في الليل إذا يغشى
والنهار إذا تجلى السلام عليك أيها الإمام
المأمون السلام عليك أيها المقدم المأمول
السلام عليك بجوامع السلام


أشهدك يا مولاي أني أشهد أن لا إله إلا
الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده
ورسوله، لاحبيب إلاهو وأهله، وأشهد أن
أميرالمؤمنين حجته، والحسن حجته، والحسين
حجته ، وعلي بن الحسين حجته، ومحمد بن علي
حجته، وجعفر بن محمد حجته، وموسى بن جعفر
حجته، وعلي بن موسى حجته، ومحمد بن علي
حجته، وعلي بن محمد حجته، والحسن بن علي
حجته ، وأشهد أنك حجة الله


أنتم الأول والآخر ، وأن رجعتكم حق لا شك
فيها ، يوم لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن
آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ،
وأن الموت حق ، وأن ناكراً ونكيراً حق ،
وأشهد أن النشر والبعث حق ، وأن الصراط
والمرصاد حق ، والميزان والحساب حق ،
والجنة والنار حق ، والوعد والوعيد بهما
حق


يا مولاي شقي من خالفكم وسعد من أطاعكم ،
فاشْهَدْ على ما أشهدتك عليه ، وأنا وليٌ
لك ، برئٌ من عدوك، فالحق ما رضيتموه،
والباطل ما سخطتموه، والمعروف ما أمرتم
به، والمنكر ما نهيتم عنه فنفسي مؤمنةٌ
بالله وحده لا شريك له ، وبرسوله ، وبأمير
المؤمنين ، وبأئمة المؤمنين وبكم يا مولاي
، أولكم وآخركم ، ونصرتي معدة لكم ، فمودتي
خالصة لكم آمين ، آمين


الدعاء للإمام عقيب الزيارة


بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إني أسألك
أن تصلي على محمد نبي رحمتك ، وكلمة نورك،
وأن تملأ قلبي نور اليقين ، وصدري نور
الإيمان، وفكري نور الثبات، وعزمي نور
العلم ، وقوتي نور العمل ، ولساني نور
الصدق ، وديني نور البصائر من عندك ، وبصري
نور الضياء ، وسمعي نور وعي الحكمة ،
ومودتي نور الموالاة لمحمد وآله(ص)، حتى
ألقاك وقد وفيت بعهدك وميثاقك ، فلتسعني
رحمتك يا ولي يا حميد


اللهم صل على حجتك في أرضك، وخليفتك في
بلادك ، والداعي إلى سبيلك والقائم بقسطك
، والثائر بأمرك ، ولي المؤمنين ، وبوار
الكافرين ، ومجلي الظلمة ومنير الحق ،
والساطع بالحكمة والصدق، وكلمتك التامة
في أرضك ، المرتقب الخائف والولي الناصح
سفينة النجاة ، وعلم الهدى ، ونور أبصار
الورى ، وخير من تقمص وارتدى ، ومجلي
العمى، الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما
ملئت ظلماً وجوراً ، إنك على كل شئ قدير


اللهم صل على وليك وابن أوليائك ، الذين
فرضت طاعتهم ، وأوجبت حقهم ، وأذهبت عنهم
الرجس وطهرتهم تطهيرا


اللهم انصره وانصر به أولياءك وأولياءه ،
وشيعته وأنصاره ، واجعلنا منهم اللهم أعذه
من كل باغ وطاغ ، ومن شر جميع خلقك واحفظه
من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن
شماله ، واحرسه وامنعه من أن يوصل إليه
بسوء ، واحفظ فيه رسولك وآل رسولك ، وأظهر
به العدل وأيده بالنصر، وانصر ناصريه
واخذل خاذليه، واقصم به جبابرة الكفرة ،
واقتل به الكفار والمنافقين ، وجميع
الملحدين ، حيث كانوا في مشارق الارض
ومغاربها ، برها وبحرها ، واملأ به الأرض
عدلاً ، وأظهر به دين نبيك واجعلني اللهم
من أنصاره وأعوانه ، وأتباعه وشيعته ،
وأرني في آل محمد ما يأملون ، وفي عدوهم ما
يحذرون إله الحق آمين ، يا ذا الجلال
والاكرام ، يا أرحم الراحمين )


(2) في بحار الأنوار:66/292: وفي كلام الإمام
أبي جعفر محمد بن علي الباقر(ص) إشارة إلى
هذا المعنى حيث قال: كلما ميزتموه
بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم
مردود إليكم


(3) ما أورده الأستاذ مد ظله عن
الزهراء(ع)قسم من رواية في بحار
الأنوار:22/535 نقلاً عن كشف الغمة للإربلي
ص148


وفي البحار:7/110 أيضاً: إن فاطمة صلوات الله
عليها قالت لأبيها: يا أبت أخبرني كيف يكون
الناس يوم القيامة ؟ قال: يا فاطمة يشغلون
فلا ينظر أحد إلى أحد ، ولا والد إلى ولده
ولا ولد إلى أمه قالت: هل يكون عليهم أكفان
إذا خرجوا من القبور؟ قال: يا فاطمة تبلى
الأكفان وتبقى الأبدان ، تُستر عورة
المؤمن ، وتبدى عورة الكافرين قالت يا أبت
ما يستر المؤمنين؟ قال: نورٌ يتلألأ
لايبصرون أجسادهم من النور قالت: يا أبت
فأين ألقاك يوم القيامة؟ قال: انظري عند
الميزان وأنا أنادي: رب أرجحْ من شهد أن لا
إله إلا الله وانظري عند الدواوين إذا
نشرت الصحف وأنا أنادي: رب حاسب أمتي
حساباً يسيراً وانظري عند مقام شفاعتي على
جسر جهنم، كل إنسان يشتغل بنفسه وأنا مشتغل
بأمتي أنادي: يا رب سلم أمتي ،
والنبيون(ع)حولي ينادون: رب سلم أمة محمد )


الفصل الثالث


في مقام أمير المؤمنين(ع)


(3)في عصمة أمير المؤمنين(ع)


( بتاريخ: 12 رجب 1411- 29/1/1991- 9/11/1369 )


هذا الحديث من الصحاح التي يجب أن يتعمق
الفقهاء في دلالتها وأبعادها قال رسول
الله(ص):(من أطاعني فقد أطاع ال له، ومن
عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع علياً فقد
أطاعني ، ومن عصا علياً فقد عصاني) !! (1)


ومن ميزات هذا الحديث أن الذهبي الذي هو
إمام النقد والتجريح عندهم، والذي عمل كل
ما استطاع لإسقاط عمدة أحاديث فضائل أمير
المؤمنين(ع)، قد صحح هذا الحديث ووصف أبا
ذر الذي ينتهي اليه بأنه: رأس في العلم
والزهد والإخلاص والجهاد وصدق اللهجة


لعل هذا الكلام يصل الى بعض أصحاب الفكر
السنيين ، فعندما نقول يجب أن يتعمق
الفقهاء في هذا الحديث ، لانقصد التعمق
بالفقه الإبتدائي بل بالفقه النهائي
فينبغي أن يعرف هؤلاء حتى لايقعوا في
الغرور بعملهم الحديثي ، أنهم بلغوا
الغاية في رواية الحديث والأسانيد ،
والشاهد على ذلك ما فعله محققوهم في قلب
المتون من قبيل قلب الحديث المرفوع عن
أنيسة في أذان بلال وابن أم مكتوم ، قلب
روايتها وفقهها ! وكذلك قلبهم طبقة
الإسناد ، كالذي ارتكبه الرواة الحمقى من
قلب مئات الأسانيد على المتون والمتون على
الأسانيد ، في البخاري وغيره


نعم إنهم قاموا بأعمالهم هذه بكل دقة !
وارتكبوا بكامل ذكائهم أنواعاً من القلب
والرفع والتدليس ، وبقية أنواع تحريف
السنة الثمانية والعشرين مما لايخفى على
الخاصة !


لكن الذي تركوه وأعرضوا عنه هو فقه
الحديث! وعليهم أن يعترفوا بذلك


ومن الواضح أن نسبة فقه الحديث الى عملهم
الواسع في روايته نسبة اللب الى القشر ،
فأين هم عن فقه السنة ؟!


ماذا فعلوا في فقه هذا الحديث الذي هو
باعتراف كبير نقادهم الذهبي صحيح لاريب
فيه ، وأن رسول الله(ص)قال: من أطاعني فقد
أطاع الله ومن عصاني فقد عصا الله، ومن
أطاع علياً فقد أطاعني ومن عصا علياً فقد
عصاني!


وماهي النتيحة التي أخذوها منه ؟!


هذا الحديث الذي صح عن الصحابي الجليل أبي
ذر رضوان الله عليه ، الذي يقول عنه الذهبي
في تذكرة الحفاظ إن النبي وصفه بأنه ليس
تحت ظل السماء أصدق لهجة منه فكيف تجاوزوا
قوله وأعرضوا عن حديث نبيهم (ص)ولم يتفكروا
فيه ؟!


لايمكننا في هذه العجالة أن نستوفي فقه
هذا الحديث الشريف ، لكنا نعمل بقاعدة
الميسور ، ففي هذا القول النبوي الكريم
أصل وفرع ، وشجرة وثمرة ، وعلة ومعلول أما
البحث في المعلول والنتيجة الظاهرة
المترتبة عليه، فأولها عصمة علي بن أبي
طالب(ع) فكيف غفلوا عن هذه الحقيقة ،
وحصروا العصمة برسول الله(ص)مع أن قوله هذا
نصٌّ في عصمة علي(ع)؟!


وبرهانه أن قوله: ( من أطاعني فقد أطاع
الله ، ومن عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع
علياً فقد أطاعني، ومن عصا علياً فقد
عصاني) يدل على أن إرادة عليٍّ لا يمكن أن
تتخلف عن إرادة الله تعالى ، ولا أن تتخلف
كراهته عن كراهة الله تعالى ، ولو أمكن أن
تتخلف لكان قوله: من أطاعه فقد أطاع الله ،
غلطاً ، ولكان قوله: من عصاه فقد عصى الله ،
باطلاً ، معاذ الله !


ومادام شق هذه القضية حقاً ، فإنكار عصمة
علي باطل !


ولنرجع الى العلة وجذر هذا الحديث ، لنرى
أن قائله هو أول عالم الوجود (ص)، وكلامه
ليس فقط للرواية والتسجيل في الكتب كما
يتخيلون ، فالعلم مخزونٌ عند أهله
فاقتبسوه في مظانه


لقد بدأ النبي(ص)عن طريق عقلي ، وأنهى
القضية الى إرشاد عقلي ، وهذا شأن مقامه
العلمي(ص)!


بدأ أولاً بكلمة: من أطاعني، وشرع من
إطاعة الله تعالى لا من علي(ع)وفي ذلك نكتة
عميقة ليس هذا مجالها وإن أحداً لايستثنى
من الدخول في دائرة قوله (مَن) ، فكل الناس
عليهم أن يطيعوا الله تعالى ، ويدخلوا في
دائرة (مَن) هذه، وذلك بالدليل العقلي أو
النقلي، الإستقلالي أو الإرشادي وكل من
دخل في هذه الدائرة التي هي طاعة الله
تعالى ، يجب عليه أن يدخل بنفس الدليل في
طاعة الرسول(ص)لأنه لاينطق عن الهوى !


ثم قال(ص)بعد ذلك: ومن أطاع علياً فقد
أطاعني ومن عصا علياً فقد عصاني فدل على أن
كل من دخل في تلك الدائرة فعليه أن يدخل في
هذه الدائرة ، فلا يمكن التخلف بين دائرة
(مَن) ودائرة (مَن) هناك!


فكيف لم يفكروا في ذلك ؟! إن مسؤولية
العالم غير مسؤولية الجاهل !


والمهم هنا أن يفهم الفقيه السني أننا
عندما نقول: علي وجه الله تعالى، فإنا
لانغالي بل نقولها بالدليل والبرهان ،
ونعتمد فيها على رواية السنيين التي لا
تقبل الإنكار عند علماء الجرح والتعديل
وعلماء اللغة والبيان !


وتوضيح المطلب: أن الأمر أو النهي له مبدأ
ومنتهى ، فمنتهاه الإطاعة أو المعصية ،
ومبدؤه الإرادة ، وحدُّه الوسط الكراهة


فالأمر والنهي معلولان للإرادة لامحالة،
فيستحيل إطاعة الله تعالى ومعصيته بدون
وجود إرادة وأمر أو نهي ربانيين صادرين
عنها ، وقد أراد النبي(ص) بقوله: ومن أطاع
علياً فقد أطاعنيأن يُفهم المسلمين أن
إرادة علي إرادة الله تعالى وكراهته كراهة
الله تعالى ! إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى
لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى
السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (سورة ق: 37 )


تأمل في تسلسل قوله(ص): من أطاعني فقد أطاع
الله ، ومن عصاني فقد عصا الله ، ومن أطاع
علياً فقد أطاعني ومن عصا علياً فقد
عصاني، فإنها لمن يفهمها قضية خطيرة تقشعر
منها الجلود ، ويضطرب لها الإنسان فيخرس عن
الكلام! قضية خطيرة وحق كبير ، لا يمكننا أن
نتنازل عنه !


من أطاعني فقد أطاع الله فقد استعمل
النبي(ص)في حكمه الذي أصدره لفظ (مَن)
للتعميم ، وحرف (الفاء) للتفريع ، وحرف (قد)
للتحقيق !


ونتيجة ذلك ومعناه: أنه إذا تغير وجه علي
غضباً ، فبدليل ارتباط البدن بالروح وفناء
إرادة علي(ع)في إرادة الله تعالى ، وفناء
غضبه في غضب الله تعالى ، فإن هذا ليس تغير
وجه علي(ع)، بل هو مرآة لغضب الله تعالى!


وإذا تبسمت شفتا علي فهذا ليس تبسم
علي(ع)بل هو مرآة لرضا الله تعالى!


ذلك أن هذه الإرادة فانيةٌ في تلك ، فهي
انعكاسٌ لها ، وكراهته فانية في تلك فهي
انعكاسٌ لها ، وذلك بقانون انعكاس الروح
على البدن !


فعلي(ع)لا محالة وجه الله تعالى ، ومظهر
أمره ونهيه وإرادته !


لايصح أيها الفضلاء أن تقدموا الروايات
الشريفة الواردة في تفاسيرنا في مثل هذا
الموضوع ، بشكل بسيط بدون تحليل ، أمام
المخالفين السذج الذين لاعلم لهم ، بل
ينبغي أن تبينوا جذرها العقلي والنقلي من
المصادر فعندما تقولون لهم إن علياً(ع)يد
الله وعين الله ، يتصور هؤلاء العوام أنها
غلو !!


إن هؤلاء الذين لم يشموا رائحة العلم
والحكمة ولم يفهموا الكتاب والسنة، كيف
يفهمون أن يصل إنسانٌ الى أن يكون وجه
إرادة الله تعالى ونهيه ، ومظهر سر اسمه
الأعظم وغيبه ؟!


إن هذا الظهور لإسم الله تعالى على روح
علي(ع)هو الذي يعطيه مقام قدرة يد الله
تعالى ، مقام: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى ! هذا
المقام العظيم الذي يجعله يقول: والله ما
قلعت باب خيبر بقوة جسدانية ، ولكن بقوة
ربانية ، ونفس بنور بارئها مُضيَّة


إن هذا البشر ، هذا الإنسان ، هذا الموجود
، فوق مستوى العقل البشري فها أنتم ترون
أنَّا لم نستطع أن نستوفي حديثاً نبوياً
واحداً في حقه ، ولا نستوعب ما قاله
النبي(ص)، في مقامه(ع)


فأيُّ ظلم في العالم كهذا الظلم الذي وقع
عليه؟! وكيف يمكن لعاقل أن يغض النظر عن
ظلامته ويتحمل أن يؤخر إنسان مثل علي(ع)،
ويقدم عليه أشخاص تعرفون مستواهم !


لله أي إنسان أخروا ، وأي أشخاص قدموهم
عليه ؟!


إذا كنت فقيهاً سنياً ، فهل فكرت في هذه
القصة التي يرويها ابن حجر في شرحه
للبخاري ، قال في فتح الباري:9/323: ( قوله:
وقال علي: ألم تعلم أن القلم رفع عن ثلاثة
عن المجنون حتى يفيق وعن الصبي حتى يدرك
وعن النائم حتى يستيقظ وصله البغوي في
الجعديات عن علي بن الجعد ، عن شعبة، عن
الأعمش عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، أن عمر
أتي بمجنونة قد زنت وهي حبلى ، فأراد أن
يرجمها ! فقال له علي: أما بلغك أن القلم قد
وضع عن ثلاثة فذكره ، وتابعه بن نمير،
ووكيع وغير واحد ، عن الأعمش، ورواه جرير
بن حازم عن الأعمش فصرح فيه بالرفع أخرجه
أبو داود وابن حبان من طريقه ، وأخرجه
النسائي من وجهين آخرين عن أبي ظبيان
مرفوعاً وموقوفاً، لكن لم يذكرفيهما ابن
عباس جعله عن أبي ظبيان عن علي، ورجح
الموقوف على المرفوع وأخذ بمقتضى هذا
الحديث الجمهور ) !


فالشخص الذي لايعرف حكم العاقل من حكم
المجنون ، ولو لم ينبهه أمير المؤمنين(ع)في
ذلك اليوم ، لقتل تلك المرأة بدون حق، وقتل
جنينها أيضاً ، ولنسبت هذه الجريمة الى
الإسلام !!


إنه لا مجال لإنكار هذه الرواية ، إلا
بإنكار الفقه السني الذي تسالم عليها !
تُرى ، كيف يقدَّم مثل هذا الشخص على
علي(ع)الذي يقول فيه النبي(ص): من أطاع
علياً فقد أطاعني ، ومن أطاعني فقد أطاع
الله؟! كيف يجوز أن يقدَّم أحدٌ على إنسان
طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله،
ورأيه حكم الله، وعلمه من علم الله
تعالى؟!! على شخصٍ قال فيه النبي(ص): أقضاكم
علي علي مع القرآن والقرآن مع علي الخ فهل
هذه النصوص النبوية الجازمة من مصادرنا
حتى ينكروها؟!


وهل حديث: أنا مدينة الحكمة وعلي بابها من
مصادرنا أو مصادرهم ؟


إن علياً(ع)قمة العلم في هذه الأمة ،
ومعدنه ، والذي عنده علم الكتاب ، والشاهد
على الأمة بعد رسول الله(ص): قُلْ كَفَى
بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ
وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ( سورة
الرعد: 43) ، الكتاب الذي وصفه الله تعالى
فقال: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ
تِبْيَاناً لِكُلِّ شَئٍْ وَهُدىً
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ
(سورة النحل:89)


فهل يجوز أن يؤخر إنسان بهذا المستوى
العظيم ، ويقدم عليه من لايعرف حكم الحبلى
المجنونة ؟


أم هل يجوز أن يقدم عليه أبو بكر بن أبي
قحافة الذي لم يكن يعرف حكم إرث الجدة ،
فاعترف أنه لايعرف هل ترث أم لا ، ولايعرف
سهمها ؟!


لقد حاول الذهبي أن يغطي على جهل أبي بكر
في تذكرة الحفاظ وسير الأعلام ، ويقلب
جهله بإرث الجدة الى افتخار ، وأنه كان
يسأل عما لايعرفه ! لكنه بذلك كشف مستواه
؟!! (2)


إن الجاهل بأحكام الإسلام الذي يفتي في
أمور الدين استناداً الى أمثال المغيرة بن
شعبة ، والمغيرة معروف أنه رأس المكر
والكذب ، والفاسق الذي عزله عمر بن الخطاب!
كيف يكون خليفة النبي(ص)ويجلس مجلسه ،
ويقدم على علي بن أبي طالب(ع)، الذي من
أطاعه فقد أطاع الله ، والذي هو مع القرآن
ومع الحق ، الى آخر الصفات التي قالها فيه
النبي(ص)؟!!


فهل هذا من العقل ، أو من الكتاب أو السنة
؟! أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا
يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ ( سورة يونس: 35 )


ألا يفكر هؤلاء أنهم مسؤولون يوم القيامة:
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ !


ألم تفكروا أن النبي(ص)عندما قال: من أطاعه
أطاعني، هل كان أبو بكر وعمر داخلين في
دائرة الإطاعة هذه ، أم خارجين عنها ؟!


إن من يخرج عن دائرة هذه الطاعة فقد خرج عن
دائرة طاعة الله تعالى ! ومن دخل في دائرة
طاعة الله ، فلا بد أن يدخل في دائرة طاعة
علي ، لأن أمره أمر الله ونهيه نهي الله
تعالى! وعليه فإن طاعة علي(ع)بنص صحاحهم
فريضة ! وأصل خلافة أبي بكر وعمر بنص
صحاحهم باطلة !!


( أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى
فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ؟!


إنها حقائق لايمكننا الإغماض عنها
والسكوت عليها فقد تقع ظلامة من نوعها على
مثلي أو مثلك ، بأن يعزل الإنسان عن الحكم
ويقصى عن منصب القيادة ويجلس بدله شخص
جاهل! فتكون ظلامةً خفيفة أو قابلة
للإصلاح ، لكنها في مثل خلافة النبي(ص)على
مثل علي ثم مصيبة مؤلمة ، وقد وصفها
هو(ع)بأنها أحدُّ من حزِّ الشفار ، وبأن
ألمها يذيب البدن ، لأنه يعرف ماذا خسرت
الأمة والبشرية بها ! فهو يعرف بما آتاه
الله علم وبعد نظر حقيقة ما حدث بعد
النبي(ص)، وأنهم أضاعوا الثمرة المطلوب
نضجها على يده من بعثة جميع الأنبياء(ع)،
ثمرة قوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللهُ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ
فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ
كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ
مُبِينٍ ( سورة آل عمران:164 )


أجل ، لم يكن كسر ضلع الصديقة
الزهراء(ع)مصيبةً قاتلة لعلي(ع)، ولا كان
غصب فدك مصيبةً غير محتملة ، لكن الذي كان
يحزُّ في قلبه ويؤرقه أنه يرى أن المجلس
الذي كان يجلس فيه رسول الله(ص)، والمنبر
الذي كان يجلس عليه من قال الله له:
وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ
تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ
عَلَيْكَ عَظِيماً (سورة النساء: 113) يراه
يجلس فيه من يقول عن نفسه: كل الناس أفقه من
عمر حتى ربات الحجال !!


المصيبة التي كانت تحز في قلبه أنه رأى
الزهراء(ع)عندما ذهبت من الدنيا وغسل
جنازتها، رآها قد ذاب جسمها من الأذى (حتى
صارت كالخيال) !


لقد بقي منها شبه البدن ، وذاب بدنها من
اضطهادهم وأذاهم !!


والأمر المهم بالنسبة اليكم أنتم
الحاضرين في هذا المجلس ، وأنتم ما بين
فقيه وسائر في طريق الفقاهة أن تعرفوا
تكليفكم اليوم فلوكان أحدنا عالماً سنياً
، وفهم ما يدل عليه هذا الحديث الصحيح
بمقاييسهم لقام بواجبه في الدفاع عن ظلامة
علي(ع)، فكيف بكم أنتم علماء الشيعة ؟!


إن الواجب المهم أمران: الأول ، أن تبذروا
بذور حب علي(ع)في القلوب والثاني، أن
تبذروا بذور البغض لغاصبي حقه بنفس
المقياس والمستوى ، ولا تنقصوا منه ذرةً
واحدة ، فإن الأمة إذا تراجعت يوماً عن
البراءة مقدار ذرة ، فستبتلى في ذلك اليوم
جميعها بلعنة لا يُعلم ما سوف تجره عليها !


ذلك أن كل الجهود التي بذلت من صدر
الإسلام الى اليوم ، إنما هي:


أولاً إحقاق الحق ، وثانياً إبطال الباطل


التعليقات


(1) قال الحاكم في المستدرك:3/121: أخبرنا أبو
أحمد محمد بن محمد الشيباني من أصل كتابه،
ثنا على بن سعيد بن بشير الرازي بمصر، ثنا
الحسن بن حماد الحضرمي، ثنا يحيى بن يعلى ،
ثنا بسام الصيرفي ، عن الحسن بن عمرو
الفقيمى ، عن معاوية بن ثعلبة، عن أبي ذر
رضي الله عنه قال قال رسول الله(ص): من
أطاعني فقد اطاع الله، ومن عصاني فقد عصى
الله ، ومن أطاع علياً فقد أطاعني ، ومن
عصى علياً فقد عصاني هذا حديث صحيح
الإسناد ولم يخرجاه ) انتهى


وقال السيد شرف الدين في النص والإجتهاد
ص574: ( وقال(ص): من أطاعني فقد أطاع الله ،
ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع علياً
فقد أطاعني ، ومن عصى علياً فقد عصاني
أخرجه الحاكم في ص 121 من الجزء الثالث من
المستدرك، والذهبي في تلك الصفحة من
تلخيصه ، وصرح كل منهما بصحته على شرط
الشيخين !) انتهى


وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ:1/17: ( أبو ذر
الغفاري جندب بن جنادة على الصحيح أحد
السابقين الأولين أسلم في أول المبعث خامس
خمسة ، ثم رجع إلى بلاد قومه ، ثم بعد حين
هاجر إلى المدينة ، وكان رأساً في العلم
والزهد والجهاد ، وصدق اللهجة والإخلاص ،
وكان آدمَ ، جسيماً ، كث اللحية ) انتهى


(2) قال مالك في الموطأ:2/54: (جاءت الجدة إلى
أبي بكر الصديق تسأله ميراثها فقال لها
أبو بكر: مالك في كتاب الله شئ، وما علمت لك
في سنة رسول الله شيئاً، فارجعي حتى أسأل
الناس، فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة:
حضرت رسول الله (ص) أعطاها السدس فقال أبو
بكر: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة
الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة، فأنفذه
لها أبو بكر ) (وروى نحوه الدارمي ، وأبو
داود ، وابن ماجة ، وغيرها )


وفي موطأ مالك أيضاً:2/54: ( أتته جدتان أم
الأم وأم الأب فأعطى الميراث أم الأم دون
أم الأب فقال عبد الرحمن بن سهل أخو بني
حارثة: يا خليفة رسول الله ! لقد أعطيت التي
لو أنها ماتت لم يرثها ، فجعله أبو بكر
بينهما ، يعني السدس ) !


وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء:41/210: (
قال ابن الحداد: ودخلت يوماً على أبي
العباس ، فأجلسني معه في مكانه وهو يقول
لرجل: أليس المتعلم محتاجاً إلى المعلم
أبداً؟ فعرفت أنه يريد الطعن على الصديق
في سؤاله عن فرض الجدة


وقال في هامشه: (إشارة إلى الحديث الذي
رواه مالك في الموطأ:2/54 في الفرائض: باب
ميراث الجدة ، وأبو داود (2894) والترمذي (2102)
فيه أيضاً ، باب ميراث الجدة ، وابن ماجه:
(2724) في الفرائض: باب ميراث الجدة ، من حديث
قبيصة بن ذؤيب أنه قال: جاءت الجدة إلى أبي
بكر تسأله ميراثها فقال: مالك في كتاب الله
من شئ ، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم شيئاً فارجعي حتى أسأل
الناس،فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة:
حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها
السدس، فقال: هل معك غيرك؟ فقام محمدبن
مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة
فأنفذ لها أبو بكر السدس


ثم جاءت الجدة الاخرى إلى عمر بن الخطاب
تسأله ميراثها فقال: مالك في كتاب الله من
شئ ، وما كان القضاء الذي قضي به إلا لغيرك
، وما أنا بزائد في الفرائض شيئاً ، ولكن
هو ذلك السدس ، فإن اجتمعتما فيه فهو
بينكما ، وأيتكما خلت به فهو لها ) !! قال
الترمذي: حسن صحيح ، وصححه الحاكم:4/338 ،
وابن حبان (1224) انتهى


(4)تفسير: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ


( بتاريخ: 15 ذي الحجة 1417 ـ 23/4/1997 ـ 3/2/1376 )


بسـم الله الرحمن الرحيم


قال الله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلامَ دِيناً ( سورة المائدة :3 ) على
مدى قرون ، وعلماء المسلمين يكتبون في
تفسير آية إكمال الدين ، وفي صاحب هذه
الآية(ع)، وأحداث ذلك اليوم


اليومَ تبدأ الآية بكلمة اليوم محلاةً
بالألف واللام ، لتشير الى أهمية ذلك
اليوم وعظمته ، فما هو سر ذلك اليوم ؟


ذلك اليوم الذي روى فيه أبو هريرة عن رسول
الله(ص)أن صيامه يعدل عند الله عبادة ستين
سنة ! (1)


اليوم الذي قال فيه النبي(ص)للمسلمين:
ألستُ أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا:
بلى فقال: من كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه ،
فنهض عمر بن الخطاب وقال: بخٍ بخٍ لك يا أبا
الحسن أصبحت مولايَ ومولى كل مسلم ومسلمة (
النهاية لابن كثير:7 /386 )


إن أهمية ذلك اليوم بأهمية صاحبه ، صاحبه
الذي سُئل عنه الخليل بن أحمد فقال: (ماذا
أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائله حسداً ،
وأخفاها محبوه خوفاً ، وظهر من بين ذين
وذين ما ملأ الخافقين! )


والذي قال فيه أحمد بن حنبل: (ما جاء في أحد
من الصحابة من الفضائل ما جاء في علي بن أبي
طالب ) ! (2)


ما الذي حدث في ذلك اليوم؟


حدث أولاً ، أن الله أكمل لنا ديننا


وحدث ثانياً، أنه أتم علينا نعمته وحدث
ثالثاً ، أنه رضي لنا الإسلام ديناً !


فما معنى الإكمال والإتمام والرضا؟


إن هذه المفاهيم القرآنية قضايا كبيرة
تبين معنى الدين الإلهي وتاريخ تنزله،
وفيها بحوث كثيرة ، قد يستغرق الحديث فيها
سنة من الزمان ، وإنما نتكلم حولها بكلمات
مختصرة !


ولكي نعرف ما هو الدين ، وما هو الإسلام ،
الذي رضيه الله لنا ديناً في هذا اليوم ،
ينبغي أن ننظر في الآيات التي تحدثت عن
الدين والإسلام ، من أول آية الى آخر آية


ينبغي أن نعرف أن الإسلام الذي قال الله
تعالى عنه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ
الإِسْلامُ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ
الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ
مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِينَ (سورة آل عمران: 85)هو
الإسلام الذي صار الجانب التنفيذي منه
ركناً في بنائه ، من يوم جدد
إبراهيم(ع)بناء البيت ودعا ربه كما أمره ،
أن يكون نبي الأمة المسلمة خاتمة الأمم ،
وأئمتها ، من ذريته: وَإِذْ يَرْفَعُ
إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ
الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا
تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( سورة البقرة: 127)


فبعد أن أتم ابراهيم بناء قِبْلَةَ الحق
للعالم ، طلب من ربه ما وعده به ، فقال إلهي
أنا معمار بيتك وهذا ابني العامل معي في
بناء بيتك فاجعل أجر بنائنا ما وعدتنا:
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ
لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً
مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا
وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ
التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ( سورة البقرة: 128 )


هذا الإسلام الذي أسس قبلته وأساسه
إبراهيم(ع)، ثم بعث الله به سيد المرسلين
من ولد إبراهيم(ص)فأشاد صرحه، وبنى أمته،
بجهاد وجهود مباركة مقدسة طيلة ثلاثٍ
وعشرين سنة، وكان عامل البناء معه بدل
إسماعيل: علي بن أبي طالب(ع)!


هذا الإسلام الذي أنزله الله تعالى، بقي
الى أواخر عمر النبي(ص)ناقصاً ، وبالذات
الى اليوم الثامن عشر من ذي الحجة ، فأعلن
الله إكماله !!


يا لله ، ما هو قدر ذلك اليوم ، الذي ظل
الإسلام يفتقد كماله حتى وجده؟! هنا ليس
موضع الكلام لأمثالي ، بل موضع الإستغفار
من الكلام ! فأي قضية قيلت للبشر في هذا
اليوم فلم يفهموها ، والى يومك هذا ؟!


أي يوم كنت يايوم الغدير ، حتى جاء الخطاب
الرباني فيك لرسول الله (ص)بهذا الحسم غير
المعهود في خطابه له: يَا أَيُّهَا
الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ
إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ
تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ،
وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، إِنَّ
اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكَافِرِينَ (سورة المائدة: 67) فنحن نعرف
أن خطاب الله تعالى لرسوله (ص) أرقُّ خطاب
وأحناه: مَاأَنْزَلْنَا عَلَيْكَ
الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ( سورة طـه: 2 ) وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ ( سورة الأنبياء: 107 )، بل
نراه أقسم بعمر نبيه الحبيب: لَعَمْرُكَ
إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ
يَعْمَهُونَ ( سورة الحجر: 72 ) ، لكنه في هذا
اليوم خاطبه بحسم خاص فقال: بَلِّغْ مَا
أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ
لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ
رِسَالَتَهُ !


يقول له بذلك إن هذا اليوم مركزي في تبليغ
الرسالة ، والعمل الذي ستقوم به ، به يكمل
الدين ، وبدونه يبقى ناقصاً وتضيع فائدة
جهودك في تبليغه !!


نعم ، إن الرحمة التي تنزلت يوم الغدير
أكبر من أن يتعقلها بشر ! والسبب أن الله
تعالى إنما خلق هذا العالم ، لأنه أراد أن
يوجد موجوداً ويودع فيه جوهرين نادرين
هما: العقل والنفس ، ولابد لهذين الجوهرين
أن يصلا الى مرحلة الإثمار


إن مشروع بعثة الأنبياء(ع)إنما كان من أجل
إيصال جوهر العقل الى درجة الكمال
النظري،وجوهر الإرادة الى درجة الكمال
العملي،وكانت بعثتهم مقدمات لكي تبلغ
هدفها وأوجها ببعثة نبينا(ص): لَقَدْ مَنَّ
اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ
فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ
كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ
مُبِينٍ ( سورة آل عمران: 164 ) إن قوله تعالى:
لَقَدْ مَنَّ اللهُ رمزٌ لقوله:
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
فبعثة خاتم الأنبياء(ص)لا تتم بتعليم
الكتاب والحكمة فقط ، بل لابد من يوم
الغدير!


ذلك أن تعليم الكتاب هو الجانب العلمي
وبناء الوعي البشري ، وتعليم الحكمة هو
الجانب العملي وبناء الإرادة البشرية ،
وتكميل هذين الجانبين يحتاج الى مفسر
رباني وحكيم رباني ، يواصل المهمة بعد
النبي(ص)


مفسرٌ رباني ، يستطيع تفسير الكتاب
الإلهي الذي قال فيه منزله عز وجل: الر
كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ
لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ
إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى
صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ( سورة
ابراهيم: 1 ) ، وقال فيه: وَيَوْمَ نَبْعَثُ
فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ
مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ
شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ
شئ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى
لِلْمُسْلِمِينَ ( سورة النحل: 89 )


وقال عن الذين يفهمونه ويفسرونه:
لايَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ ( سورة
الواقعة:79 )


لقد تم تنزيل الكتاب الإلهي لكنه بدون
مفسر رباني بعد النبي يبقى ناقصاً ، لأن
مفسره المؤهل تأهيلاً ربانياً هو الوحيد
الذي يستطيع أن يستخرج من خزائن العلم
الإلهي فيه ، كل ما يحتاج اليه العقل
البشري


إن القرآن الكريم كان وما زال خزائن الله
العظيمة ، التي يراها العلماء ولا
يستطيعون وصفها ، ويحومون حول كنوزها
ولايستطيعون استخراجها ! كان وما زال
بكراً على عقولهم، مهاباً في صدورهم ! ومع
أنه غني في عطائه لهم ، فإن كل حصيلتهم من
خزائنه الدنيا ، أما خزائنه العليا فهي
أعلى منالاً من مستواهم ، لايمسها إلا
المطهرون ، الذين يملكون الوسائل العليا
التي تمكنهم من استخراج ما يحتاجه البشر
من القرآن !


هل يستطيع أحدٌ من العلماء في عصرنا أو
غير عصرنا ، أن يدعي أنه يمكنه أن يستخرج
كنوز القرآن؟! فليتفضل علماء الأزهر ، وكل
علماء الحواضر الإسلامية من مذاهب السنة
والشيعة ، هل يستطيع أحد منهم أن يفتح فمه
بعلم فيخبرنا عن معنى: ألفلام ميم؟


هل يستطيع أحد منهم أن يخبرنا عن المعنى
المكنون في:ح م ع س ق؟! هل يوجد منهم أحد
يخبرنا عن رمز ق، وعن سر: أ ل ر ؟!


إن هذا الكتاب العظيم ، كان وما زال بحاجة
الى معلم رباني يعلمه للأمة وللبشرية ،
ومعلم هذا الكتاب بعد النبي(ص)، هو فقط من
يقول: سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عما
دون العرش !


إن البشرية لم ترَ بعد النبي(ص)من
قال:سلوني ، ولم يعين حداً لما يسأل عنه في
الأرض ولا في السماء ! فهذا الشخص فقط
يستطيع أن يفسر كتاب الله الذي فيه تبيان
كل شئ !


اليوم أكملت لكم دينكم لأنا إن اكتفينا
بتنزيل الكتاب عليكم ، ولم نجعل له مفسراً
له بعد رسولنا، فقد جعلنا الكتاب خزائن
مقفلة! ولكم مَنْ يستخرج منها ما تحتاجه
عقول البشر في كل جيل، فالنعمة العلمية
على البشر لاتتم إلا بمفسر للكتاب الإلهي


وكذلك النعمة العملية في بناء الإرادة
البشرية وتحقيق عدالة الكتاب الإلهي لا
تتم إلا بمن يجسدها ويعلمها للناس


قد نجدُ من يدعي أنه يستطيع تحقيق العدالة
الإلهية التي نزل بها القرآن ! لكن الواقع
أن تحقيق العدالة القرآنية النظرية
والعملية ، الفردية والإجتماعية إنما
يستطيع تطبيقها من وصل في تحقيق العدالة
مع نفسه الى أن يقول: والله لو أعطيت
الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن
أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعير ما فعلت
! فمثل هذه الإرادة ، هي التي تستطيع أن
تحقق الحكمة العملية القرآنية ، وتعلمها
للبشرية !


الذي يحق له أن يقول إنه يطبق العدالة
القرآنية ، هو فقط الذي كان يملك بلاد كسرى
وكثيراً من بلاد قيصر وخيراتها وكنوزها ،
ومع ذلك كان طعامه خبز شعير وملح، وربما
سمح لأولاده أن يضيفوا اليه شيئاً من لبن!
فقد كان يقول: إن الله فرض على أئمة العدل
أن يساووا أنفسهم بضعفة الناس أوَ أرضى
بأن يقال لي أمير المؤمنين ولاأشاركهم في
مكاره الدهر ! أأبيتُ مبطاناً وحولي بطونٌ
غرثى وأكبادٌ حرَّى ، ولعل بالحجاز أو
اليمامة من لاطمع له بالقرص ، ولاعهد له
بالشبع ؟! (3)


هذا عن طعام أمير المؤمنين(ع)، أما عن
ملبسه فكان يلبس الكرابيس، وهو نوع من
الثياب العادية لعامة الناس! ولم يختلف
ملبسه طوال عمره ، في فقر مرَّ عليه أو
غنىً ، وحتى عندما كانت تحت يده خزائن
الدولة الإسلامية المترامية الأطراف ،
وكان قسم من الناس يعيشون السعة والثروة ،
كان ملبسه نفس ملبس خادمه قنبر ! بل كان يخص
قنبر بالقميص الأجود الذي سعره ضعف سعر
قميصه ، يقول إنه شاب ينبغي أن يفرح !


اليوم أكملت لكم دينكم أكمله بهذا العالم
الرباني الذي يستطيع أن يتناول من خزائن
القرآن، وبهذا الإنسان الكامل الذي
يستطيع أن يطبق عدالة القرآن! أما الآخرون
، فهم مساكين ، من أين لهم هذا العلم ، وهذه
الإرادة ؟!


لقد تصور عمر بن الخطاب يوماً أن العدالة
القرآنية في المهور أن تكون متساوية الى
يوم القيامة ، فخطب على المنبر ناهياً
المسلمين عن زيادة المهر على مهر نساء
النبي(ص)،وحذر من يخالفه وهدد بالعقوبة!


فقامت اليه عجوز وقالت: بل قول الله أصدق
من قولك يا عمر ، قال الله تعالى: وَإِنْ
أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ
زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ
قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ
شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً
وَإِثْماً مُبِيناً ( سورة النساء: 20 )
فتعجب عمر من قولها ، وقال: كل الناس أفقه
من عمر ، حتى المخدرات في الحجال


فأيهما يجب أن يضم الى القرآن حتى يكمل
الدين ؟


الذي يقول: كل الناس أفقه من عمر ؟!


أم الذي يقول فيه عمر: علي أعلم الأمة !


ويقول فيه رسول الله(ص): أنا مدينة العلم
وعلي بابها ؟!


إن ما ذكرناه عن أمير المؤمنين(ع)هو ألف
باء صفاته ، وإلا فهو في مقام أعظم وأعظم ،
صلوات الله عليه قال الإمام
الصادق(ع)لمحمد بن مسلم الثقفي: إذهب الى
قبر أمير المؤمنين(ع)، وقف مقابله ، وزره
بهذه الزيارة الى أن يقول فيها: السلام على
اسم الله لكن أي إسم ؟


السلام على اسم الله الرضي


السلام على وجه الله المضي


السلام على جنب الله القوي


السلام على صراط الله السوي


الى أن يقول: السلام على نور الله الأنور ،
وضيائه الأزهر (4)


والفرق بين النور والضياء كالفرق بين نور
الشمس والقمر، فالشمس مضيئة والقمر منير ،
لأنه يعكس نورها بنسبة بسيطة ، والشمس
المضيئة هنا رسول الله(ص)ونورها الجلي
علي(ع)! لكن ما معنى الأنور ؟ وما معنى
الأزهر ؟


هنا يحق للملائكة أن تتعجب من مقامات
علي(ع)، وقد تعجبت !


ذاك هو علي بن أبي طالب(ع)، الذي يحق له
عندما سمع شخصاً تحت منبره يقول إني مظلوم
، أن يقول له: إنك ظلمت مرة ، لكني ظلمت عدد
المدر والحصى !!


السلام عليك يا أول المظلومين (5)


التعليقات


(1) تورط علماء الجرح والتعديل السنيون في
حديث أبي هريرة في آية إكمال الدين، وأنها
نزلت في يوم غدير خم بعد خطبة
النبي(ص)ووصيته للأمة بالقرآن والعترة،
وبعد أن أصعد علياً معه على المنبر ورفع
يده وأعلنه خليفة من بعده وقد روى أبو
هريرة أن النبي(ص) أمرهم أن يصوموا ذلك
اليوم شكراً لله تعالى ، وأن أجر من صامه
كمن صام ستين سنة !


قال أبو هريرة: (من صام يوم ثماني عشرة من
ذي الحجة كتب له صيام ستين شهراً ، وهو يوم
غدير خم لما أخذ النبي (ص) بيد علي بن أبي
طالب فقال: ألست ولي المؤمنين؟ قالوا: بلى
يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه
فقال عمر بن الخطاب بخ بخ لك يا ابن أبي
طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم! فأنزل
الله عز وجل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ
عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الأِسْلامَ دِيناً) انتهى (تاريخ
دمشق:42/233، وغيره)


وسبب تحيرهم أنهم لايمكنهم الطعن في سند
الحديث ، لأن رجاله رجال الصحاح والطعن
فيهم طعن في الصحاح كالبخاري ومسلم !


ولايمكنهم أيضاً قبول متن الحديث لأن عمر
سئل عن الآية فأنكر أنها نزلت في يوم
الغدير ، وقال إنها نزلت قبله بأيام في حجة
الوداع !


وقبول حديث أبي هريرة يعني تكذيب عمر في
سبب نزول الآية ، وأن ولاية علي
وخلافته(ع)نزلت من الله تعالى وبلغها
النبي(ص)للمسلمين، وأن عمر هنأه وبخبخ له !


وعادة المتعصبين لعمر عندما يقعون في مثل
هذا المأزق أن يخرجوا عن توازنهم ، ويردوا
الحديث النبوي المعارض لقول عمر بأي
وسيلة، فإن لم يجدوا وسيلة ردوه (دفعاً
بالصدر) وهو مصطلح لمن رد الحديث بلا حجة ،
تشبيهاً له بمن يدفع أحداً بصدره !


وفي هذ الحالة يصفون الحديث بأنه منكر أو
مكذوب ، لأنه يخالف قول عمر !


قال السيد حامد النقوي في خلاصة عبقات
الأنوار:7/246: (روى حديث صوم يوم الغدير
بطريق صحيح رجاله كلهم ثقات ، فقد أخرج
الحافظ الخطيب ، عن عبد الله بن علي بن
محمد بن بشران ، عن علي بن عمر الدار قطني ،
عن أبي نصر حبشون الخلال ، عن علي بن سعيد
الرملي، عن ضمرة بن ربيعة ، عن عبدالله بن
شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب عن
أبي هريرة قال: من صام يوم ثمان عشر من ذي
الحجة كتب له صيام ستين شهراً ، وهو يوم
غدير خم الخ)


وقال الراضي في سبيل النجاة ص192: (فضل صوم
عيد الغدير: عن أبي هريرة هذا يوجد في
ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ
دمشق لابن عساكر:2/75 ح575 و 576 و 577 ، شواهد
التنزيل للحسكاني: 1/158 ح210 و213 ، الغدير:1/402
، تاريخ بغداد:8 /290 وفي بعض الروايات بدل
ستين شهراً ستين سنة ، كما في فرائد
السمطين للحمويني: 1/77 ب 13 ، المناقب
للخوارزمي)


وعدَّد الأميني&في الغدير:1/236، ستة عشر من
علماء السنة رووا هذا الحديث: فقال: (15-
جلال الدين السيوطي الشافعي المتوفى911 ،
رواه في الدر المنثور:2/259 من طريق ابن
مردويه والخطيب وابن عساكر بلفظ مر في
رواية ابن مردويه، وقال في الإتقان:1/31 في
عد الآيات السفرية: ( منها اليوم أكملت لكم
دينكم: في الصحيح عن عمر أنها نزلت عشية
عرفة يوم الجمعة عام حجة الوداع ، له طرق
كثيرة لكن أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد
الخدري أنها نزلت يوم غدير خم ، وأخرج مثله
من حديث أبي هريرة وفيه:إنه اليوم الثامن
عشر من ذي الحجة مرجعه من حجة الوداع
وكلاهما لايصح) ا ه‍


وقال الأميني: قلنا إن كان مراده من عدم
الصحة غميزة في الإسناد ففيه أن رواية أبي
هريرة صحيحة الإسناد عند أساتذة الفن،
منصوص على رجالها بالتوثيق، وسنفصل ذلك
عند ذكر صوم الغدير، وحديث أبي سعيد له طرق
كثيرة كمامر في كلام الحمويني في فرائده


على أن الرواية لم تختص بأبي سعيد وأبي
هريرة فقد عرفت أنها رواها جابر بن عبد
الله، والمفسر التابعي مجاهد المكي،
والإمامان الباقر والصادق صلوات الله
عليهما، وأسند إليهم العلماء مخبتين إليه


كما إنها لم تختص روايتها من العلماء
وحفاظ الحديث بابن مردويه وقد سمعت عن
السيوطي نفسه في دره المنثور رواية الخطيب
وابن عساكر ، وعرفت أن هناك جمعا آخرين
أخرجوها بأسانيدهم وفيها مثل الحاكم
النيسابوري ، والحافظ البيهقي، والحافظ
ابن أبي شيبة ، والحافظ الدارقطني ،
والحافظ الديلمي ، والحافظ الحداد وغيرهم
كل ذلك من دون غمز فيها عن أي منهم


وإن كان يريد عدم الصحة من ناحية معارضتها
لما روي من نزول الآية يوم عرفة ، فهو مجازف
في الحكم بات بالبطلان على أحد الجانبين ،
وهب أنه ترجح في نظره الجانب الآخر لكنه لا
يستدعي الحكم القطعي ببطلان هذا الجانب ،
كما هو الشأن عند تعارض الحديثين ، لا سيما
مع إمكان الجمع بنزول الآية مرتين كما
احتمله سبط ابن الجوزي في تذكرته ص18 كغير
واحدة من الآيات الكريمة النازلة غير مرة
واحدة ، ومنها البسملة النازلة في مكة مرة
، وفي المدينة أخرى ، وغيرها مما يأتي


على أن حديث نزولها يوم الغدير معتضد بما
قدمناه عن الرازي وأبي السعود وغيرهما من
أن النبي(ص)لم يعمر بعد نزولها إلا أحداً
أو اثنين وثمانين يوماً فراجع ص230


والسيوطي في تحكمه هذا، قلد ابن كثير فإنه
قال في تفسيره:2/14 بعد ذكر الحديث بطريقيه:
لايصلح لاهذا ولاهذا فالبادي أظلم !) انتهى
كلام الأميني&


ولا يتسع المجال لنقل كلام ابن كثير وشيخه
الذهبي ومناقشته ، وقد كان العجلوني أقل
تزويراً وتحريفاً من بقيتهم ، فقد نقل
تكذيب الذهبي للحديث بدليل واه ، ولم
يردَّه ، ولا ذكر أسانيد الحديث الصحيحة
التي لايمكن دفعها !


قال في كشف الخفاء:2/258: (من صام يوم ثمانية
عشر من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين
شهراً هذا الحديث ذكره الحلبي في سيرته في
أواخرها قبل باب ذكر عمره(ص)من غير عزو
لأحد ، ثم نقل عن الحافظ الذهبي أنه ( حديث
منكر جداً بل كذب فقد ثبت في الصحيح أن
صيام شهر رمضان بعشرة أشهر فكيف يكون صيام
يوم واحد يعدل ستين شهراً ؟ هذا باطل
فليتأمل انتهى ما في السيرة وذكر فيها
قبيل ذكره أن الرافضة اتخذوه عيداً لهم
لأمر ذكره فيها ، فليراجع ) انتهى


أما من طرقنا فرواه الصدوق&في الأمالي ص50:
(حدثنا الحسن بن محمد بن الحسن بن إسماعيل
السكوني في منزله بالكوفة قال: حدثني
إبراهيم بن محمد بن يحيى النيسابوري قال:
حدثنا أبو جعفر ابن السري وأبو نصر بن موسى
بن أيوب الخلال قال: حدثنا علي بن سعيد قال:
حدثنا ضمرة بن شوذب ، عن مطر ، عن شهر بن
حوشب ، عن أبي هريرة، قال: من صام يوم
ثمانية عشر من ذي الحجة ، كتب الله له صيام
ستين شهراً، وهو يوم غدير خم ، لما أخذ
رسول الله(ص)بيد علي بن أبي طالب وقال:


يا أيها الناس، ألست أولى بالمؤمنين؟
قالوا: نعم يا رسول الله، قال: من كنت مولاه
فعلي مولاه ، فقال له عمر: بخ بخ يا بن أبي
طالب ، أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ، فأنزل
الله عز وجل: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ
لَكُمْ دِينَكُمْ )


وفي الكافي:4/148: (علي بن إبراهيم، عن أبيه،
عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد ،
عن أبي عبدالله(ع)قال: قلت: جعلت فداك
للمسلمين عيد غير العيدين ؟ قال: نعم يا
حسن أعظمهما وأشرفهما ، قلت وأي يوم هو ؟
قال هو يوم نصب أمير المؤمنين صلوات الله
وسلامه عليه فيه علما للناس، قلت: جعلت
فداك وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟ قال:
تصومه يا حسن وتكثر الصلاة على محمدوآله
وتبرأ إلى الله ممن ظلمهم فإن الأنبياء
صلوات الله عليهم كانت تأمر الأوصياء
باليوم الذي كان يقام فيه الوصي أن يتخذ
عيداً


قال قلت: فما لمن صامه؟ قال: صيام ستين
شهراً ، ولا تدع صيام يوم سبع و عشرين من
رجب فإنه هو اليوم الذي نزلت فيه النبوة
على محمد(ص)وثوابه مثل ستين شهراً لكم)
انتهى ونحوه في الفقيه:2/90، وتهذيب
الأحكام:4/305 ، وثواب الأعمال ص74


(2) قال المناوي في فيض القدير:4/468: (قال
الإمام أحمد: ما جاء في أحد من الفضائل ما
جاء في علي وقال النيسابوري: لم يرد في حق
أحد من الصحابة بالأحاديث الحسان ما ورد
في حق علي رضي الله عنه )


(3) قال الأحنف بن قيس وهو رئيس قبيلة تميم
المشهورة: ( دخلت على معاوية فقدم إلي من
الحلو والحامض ماكثر تعجبي منه ، ثم قدم
لونا ما أدري ما هو فقلت: ما هذا ؟ قال:
مصارين البط محشوة بالمخ ، قد قُلي بدهن
الفستق ، وذُرَّ عليه الطبرزد فبكيت فقال:
ما يبكيك؟ قلت: ذكرت علياً، بينا أنا عنده
فحضر وقت إفطاره فسألني المقام ، إذ دعا
بجراب مختوم قلت: ما في الجراب؟ قال: سويق
شعير


قلت: خفت عليه أن يؤخذ أو بخلت به ؟


قال: لا ، ولا أحدهما ، ولكني خفتُ أن
يلِتَّهُ الحسن والحسين بسمنٍ أو زيت


قلت: محرمٌ هو يا أمير المؤمنين ؟


قال: لا ولكن يجب على أئمة الحق أن
يعتدُّوا أنفسهم من ضَعَفَة الناس لئلا
يطغي الفقيرَ فقرُه ! قال معاوية: ذكرت من
لا ينكر فضله !) انتهى


(شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي:23/261: عن
كتاب التذكرة الحمدونية لمحمد بن حمدون ،
ص69 طبعة بيروت ـ وذكره في مواقف الشيعة
سعيد منصور بن الحسين الآبى المتوفى سنة 422
ه‍ والكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية رقم
2604 )


(4) في كتاب المزار لابن المشهدي&ص205 ، من
زيارة لأمير المؤمنين(ع):


(السلام على اسم الله الرضي ، ووجهه المضئ
، وجنبه القوي ، وصراطه السوي ، السلام على
الإمام التقي المخلص الصفي


ومنها: السلام على النبأ العظيم ، الذي هم
فيه مختلفون ، وعليه يعرضون ، وعنه يسألون
السلام على نور الله الأنور ، وضيائه
الأزهر ورحمة الله وبركاته )


وفي إقبال الأعمال لابن طاووس:3/133 من
زيارة لأمير المؤمنين(ع):


(السلام على اسم الله الرضي ووجهه المضئ
وجنبه القوي وصراطه السوي)


(5) في المناقب لابن شهرآشوب:1/382: (روى
ابراهيم بإسناده عن المسيب بن نجية قال:
بينما علي يخطب وأعرابي يقول وا مظلمتاه،
فقال(ع): أدْنُ ، فدنا ، فقال: لقد ظُلِمْتُ
عددَ المدر والمطر والوبر ) !


(5)مولد أمير المؤمنين(ع)


( بتاريخ: 12 رجب 1417 ـ 24/11/1996 ـ 11 /8/1377 )


يصادف غداً مولد أميرالمؤمنين وإمام
الموحدين ويعسوب المسلمين ، وقائد
الغُرِّ المحجلين(ع) وولادته حدثٌ عظيم
لايمكن أن ينهض بمسؤولية تحليله بيان
الباحث ، فضلاً عن بيان المتعبد !


أي حادثة حدثت في مثل يوم غد؟


لقد دونتها مصادر الشيعة والسنة ، لكن
فقهها وتحليل لطائف كلام رسول
الله(ص)وإشاراته النبوية فيها ، لم يكتب
بعد !


ونحن نكتفي بالإشارة الى كلمة واحدة من
حديث واحد ، روته مصادر الشيعة والسنة !
فقد كان شهر رجب عند العرب في الجاهلية
شهراً ممتازاً ، ومن لم يستطع الحج منهم في
ذي الحجة ، زار الكعبة في رجب ، وأدى ما
كانوا يؤدونه عندها من مناسك


في تلك المناسبة، وفي اليوم الثالث عشر من
شهر رجب ، والمسجد ممتلئ بالطائفين من
قبائل العرب ، كانت امرأة تطوف حول البيت ،
لكن أي امرأة؟ إن الحديث الذي نبحث فقرة
منه حديث في حقها ، فعندما توفيت كفنها
رسول الله(ص)بقميصه ، وصلى عليها ، وكبر في
صلاته سبعين تكبيرة ! ثم نزل في قبرها ،
ودعا لها ولقنها الشهادة !


روى الحاكم النيسابوري: (لما ماتت فاطمة
بنت أسد بن هاشم كفنها رسول الله(ص)في
قميصه وصلى عليها، وكبر عليها سبعين
تكبيرة، ونزل في قبرها فجعل يومي في نواحي
القبر كأنه يوسعه، ويسوي عليها، وخرج من
قبرها وعيناه تذرفان، وحثا في قبرها، فلما
ذهب قال له عمر بن الخطاب:


يا رسول الله رأيتك فعلت على هذه المرأة
شيئاً لم تفعله على أحد!


فقال: يا عمر إن هذه المرأة كانت أمي التي
ولدتني! إن أباطالب كان يصنع الصنيع وتكون
له المأدبة، وكان يجمعنا على طعامه، فكانت
هذه المرأة تفضل منه كله نصيبنا فأعود فيه


وإن جبريل(ع)أخبرني عن ربي عز وجل أنها من
أهل الجنة، وأخبرني جبريل(ع) أن الله تعالى
أمرسبعين ألفاًمن الملائكة يصلون عليها)
!(المستدرك:3 /108)


إن هذه المرأة كانت أمي التي ولدتني كلمة
ينبغي للباحثين الشيعة والسنة أن يفكروا
فيها ! فماذا عنى النبي(ص)بقوله هذا ؟!


إن كلام النبي(ص)حكمه حكم التنزيل ، فهو لا
ينطق عن الهوى ، وكلامه بعد كلام الله
تعالى ، ومنطقه ميزان الحقيقة وعندما تكون
رتبة القائل بعد الله تعالى ، فمن يستطيع
أن يصل الى عمق الحق الذي يحويه كلامه ؟!


تلك المرأة العظيمة التي كانت تطوف حول
البيت، أحست بالمخاض وبدل أن يهديها ربها
الى خارج البيت ، هداها الى داخل بيته ،
أول بيت وضع للناس ، فدخلت الى الكعبة ،
وخرجت منها الى العالم بتحفة ، الى الآن لم
تدرك البشرية قيمتها ! جاءت الى قومها
بمولودها تحمله ، والى الآن لم تدرك
البشرية معنى ذلك المولود !


في دائرة الوجود توجد كلمتان: نحن ، وأنا
ويوجد في دائرة (نحن) في قوس الصعود ، شئ هو
أشرف مصاديقها يقع في قمة هرم تلك السلسلة
كما يوجد في دائرة كلمة (أنا) في قوس النزول
الذي يبدأ به تنزل الفيض ، نقطة هي أيضاً
أشرف من في الوجود ، وهذه النقطة مع النقطة
الأعلى في دائرة (نحن) هما أشرف مافي الوجود
!


أقول هذا الكلام لكي يتأمل أصحاب الفكر
غير المتعصبين من كل الفرق الإسلامية فيما
سأقوله ، ويتفكروا بأنفسهم ، ثم يصدروا
حكمهم ، لأن ما أقوله مقدمات لاتخرج كلمة
منها عن قطعي الكتاب والسنة !


إن تلك النقطة التي هي أشرف الموجودات في
دائرة (نحن) هي القرآن ففي القرآن تجلى
الله الى خلقه ، فهو مظهر إسمه الأعظم
الجامع لأسمائه الحسنى وأمثاله العلي


أما النقطة التي أشرف ما في قوس (أنا) حيث
يبدأ الفيض ، فهي الذي جاء بالقرآن(ص) هذه
هي المقدمة


روى الحاكم في المستدرك وصححه:3/124: (عن أبي
ثابت مولى أبي ذر قال: كنت مع علي رضي الله
عنه يوم الجمل ، فلما رأيت عائشة واقفة
دخلني بعض ما يدخل الناس! فكشف الله عني
ذلك عند صلاة الظهر ، فقاتلت مع أمير
المؤمنين ، فلما فرغ ذهبت إلى المدينة
فأتيت أم سلمة فقلت: إني والله ماجئت أسأل
طعاماً ولا شراباً ولكني مولى لأبي ذر
فقالت مرحباً ، فقصصت عليها قصتي فقالت:
أين كنت حين طارت القلوب مطائرها ؟ قلت:
إلى حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس!
قالت: أحسنت سمعت رسول الله (ص)يقول: علي مع
القرآن مع والقرآن مع علي، لن يتفرقا حتى
يردا عليَّ الحوض)


روى هذا الحديث الحاكم وصححه على شرط مسلم
أما الذهبي كبير نقادهم ، والذي لايترك
حديثاً في فضل أمير المؤمنين(ع)إلا وسعى
بكل قوته لتضعيفه ! فقال عن هذا الحديث:
(حديث صحيح) !


لكن غرضنا هنا ليس البحث في سنده ، بل لمحة
من فقهه ، فما معنى هذه الجملة النبوية:علي
مع القرآن والقرآن مع علي، لن يتفرقا حتى
يردا عليَّ الحوض؟


لايمكننا فهم ما قاله النبي(ص)حتى نفهم
معنى القرآن الذي حكم(ص) بوجود معيَّةٍ
بينه وبين علي(ع)


فعليٌّ مع القرآن الذي قال تعالى عنه:
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ
تِبْيَاناً لِكُلِّ شَئٍْ وَهُدىً
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (
سورة النحل: 89 )


القرآن الذي قال عنه: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ
كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ
لايَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ


( سورة الواقعة: 77-79 )


وقال عنه: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ
الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ
لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ( سورة الفرقان: 1
)


وقال عنه: لايَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ
بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِه
تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) ( سورة
فصلت: 42 )


فعليٌّ في رتبة المعية مع هذا القرآن ! فهو
في رتبة عبارات قرآن ، ورتبة إشارات القرآن
، ورتبة لطائف القرآن ، ورتبة حقائق القرآن
، ورتبة بطون القرآن السبعة !


وعلي في رتبة مقامات القرآن الذي لا تحصى
عجائبه ، ولا تبلى غرائبه ، له تخوم ، وعلى
تخومه تخوم !!


والمسألة لاتنتهي بأن علياً مع القرآن ،
فالقرآن مع علي أيضاً !


نحن نعرف أن المعية نسبة تقوم بطرفين
ويستحيل أن تقوم بطرف واحد ، وعندما قال
النبي(ص): علي مع القرآن فقد أثبتها بينهما
، فلماذا أعاد إثباتها بصيغة أخرى فقال:
والقرآن مع علي؟!


حاشا أفصح من نطق بالضاد من اللغو في
كلامه ، وحاشا أفصح من نطق بالضاد من
التكرار في كلامه بل أراد أن يفهمنا أن
مسألة معيتهما معية من نوع خاص، ويشير الى
أبعادها العميقة ، ذلك أن المعية بين
شيئين أو أكثر عندما تطلق فيقال: زيد مع
عمرو ، فهي أعم من أن يكون هذا الطرف في
الإضافة متقدماً رتبة على ذاك أو متأخراً
عنه ، بل تدل على أنهما معاً بقطع النظر عن
رتبة كل منهما ، وربما كان فيها إشارة الى
أن المقرون أقل رتبة من المقرون به لهذا
أعاد النبي(ص)صياغة هذه المعية ، ليقول
للمفكرين لاينبغي أن تفهموا من قولي:
عليٌّ من القرآن، أن علياً أقل رتبة من
القرآن ، بل القرآن مع علي أيضاً ، فهما
وجودان متعادلان !


علي مع القرآن فيها بحوث وبحوث! فعلي مع
القرآن من أول: ألم كهيعص حمعسق طسم ق ص


وعلي مع القرآن ، فقد وصل عليٌّ الى حيث
وصلت كل رموز الإسم الأعظم! بل وصل الى آخر
تخوم القرآن !


ومن جهة أخرى ، فالقرآن من أين ما فتحته أو
قرأته فهو مع علي(ع)!


فعلى ماذا يدل هذا التعادل والتوازن بين
هذا الإنسان والقرآن؟!


وهل يستيقظ المفكرون السنيون من نوم
الغفلة؟!


وهل يدركون أنه عندما يقول النبي(ص): علي
مع القرآن ، والقرآن مع علي، ويقرؤون معه
وصف الله للقرآن بأنه لا يأتيه الباطل من
بين يديه ولامن خلفه فإن معناه بمقتضى هذا
الحديث الصحيح عند الجميع، أن العصمة
الكبرى التي ثبتت للنبي(ص)هي ثابتة لعلي(ع)!
وأن منكر ذلك خارج عن التسنن وعن التشيع ؟!


علي مع القرآن ، والقرآن مع علي ومعنى ذلك
أن كل ماهناك من علم ، فهو في القرآن ، وهو
في صدر علي عديل القرآن !


نعم كل ماهناك من علم! لايستثنى منه إلا
علم الله تعالى المختص به فهو العلم
الربوبي الوحيد المستثنى من ذلك ، أما ما
دونه فهو في صدر علي !


وبما أن القرآن تبيان كل شئ ، فإنه فيه علم
الأولين والآخرين ، وعلم ما كان وما يكون ،
وكل علوم نظام التكوين ونظام التشريع


فكلها في القرآن ، وكلها في قلب علي(ع)!


ليس كلامنا هذا تعصباً للتشيع ، بل هو
مُرُّ الحق ، وخالص منطوق نبينا الذي لا
ينطق عن الهوى(ص)فلا بد أن نحني رؤوسنا
ونخضع لهذا الحق شئنا أم أبينا !


فهذا مقام علي(ع)ونسبته الى القرآن ،
ونسبته الى قوس ما في الوجود


أما نسبته الى من في الوجود ، والى من جاء
بالقرآن ، فلا بد أن نتذكر قول النبي(ص):
علي مني وأنا من علي ! (1)


والحديث متواتر، والمتواتر لايحتاج الى
بحث سنده ، لاعند الشيعة ولا عند السنة ،
ولاحتى عند الجهال! ومع ذلك فقد شهد بصحته
نقادهم في الحديث والمشككون في الأسانيد،
ورواه البخاري في:3/168 بلفظ: وقال لعلي أنت
مني وأنا منك ، (وكذا في:4/207، و:5/85) مضافاً
الى اتفاق أصحاب الصحاح والمسانيد
والتفسير على روايته


علي مني تعبير نبوي يحدد نسبة علي(ع)من
النبي(ص)، ويجري فيه ما قلناه في قوله: علي
مع القرآن ! ولكنه جزء من نسبة علي من رسول
الله(ص)، وليس كلها ! فتكملته: وأنا من علي
وهي جملة كبيرة ، عظيمة ، يقول فيها
النبي(ص): في نفس الوقت الذي علي مني ، فأنا
في كل مكان مع علي!!


فهل عرف البخاري ماذا كتب؟ لماذا لم تفكر
أيها البخاري ماذا يعني قول النبي: وأنا من
علي؟! إن فهم ذلك يتوقف على نقل هذه القصة:


بعد أن قتل المسلمون عثمان بن عفان ،
وهتفوا باسم أمير المؤمنين(ع) وجاؤوه الى
منزله فاستخرجوه منه وبايعوه ، صعد المنبر


وكان أبو بكر لما صعد منبر النبي(ص)نزل
مرقاة ، فلما صعد عمر نزل مرقاة، فلما صعد
عثمان نزل مرقاة ، فلما صعد علي صعد الى
الموضع الذي كان يجلس عليه رسول الله(ص)!
فسمع من الناس ضوضاء فقال: ما هذه التي
أسمعها ؟ قالوا لصعودك الى موضع رسول
الله(ص)الذي لم يصعده الذي تقدمك فقال(ع):
سمعت رسول الله(ص)يقول: من قام مقامي ولم
يعمل بعملي أكبه الله في النار، وأنا
والله العامل بعمله ، الممتثل قوله ،
الحاكم بحكمه فلذلك قمت هن


ثم قال في خطبته: معاشر الناس قمت مقام أخي
وابن عمي لأنه أعلمني بسري وما يكون مني !
فكأنه قال: أنا الذي وضعت قدمي على خاتم
النبوة فما هذه الأعواد ؟! أنا من محمد
ومحمد مني) ! (2)


فكروا في هذه الكلمات: أنا كسرت الأصنام ،
أنا رفعت الأعلام ، أنا بنيت الإسلام !! أي
صاحب فمٍ ولسان له جرأة على أن ينطق بذلك ؟!


صلوات الله عليك يا مظلوم العالم ، نعم
هكذا كنت !


فأي أيام رأيت بعد النبي(ص)حتى قلت مثل هذه
الكلمات التي تهز الدنيا وتذهل العقل! أنا
الذي وضعت قدمي على خاتم النبوة فما هذه
الأعواد؟ أنا من محمد ومحمد مني ! يقصد
بذلك عندما صعد إلى سطح الكعبة ليكسر
الأصنام ثم لنقرأ هذه التكملة: ( فلما سقط
ضحك ، فقال النبي(ص): ما يضحكك يا علي أضحك
الله سنك؟ قال: ضحكت يا رسول الله تعجباً
من أني رميت بنفسي من فوق البيت الى الأرض
فما ألمت ولا أصابني وجع؟! فقال:كيف تألم
يا أبا الحسن أو يصيبك وجع؟ إنما رفعك محمد
وأنزلك جبرئيل) (نفس المصدر ص403)


كذلك أنت يا علي صلوات الله عليك !


والآن: اتضح معنى قول النبي(ص)لعمر: يا عمر
إن هذه المرأة كانت أمي التي ولدتني فعلي
أنا وأنا علي !


ونختم بهذه الكلمة من السنة الصحيحة: علي
مع القرآن والقرآن مع علي فهذا موقع علي من
من أول نقطة (نحن)


وقالت السنة الصحيحة: علي مني وأنا من علي
، وهذا موقع علي من من أول نقطة (أنا)


أما الكتاب وهو فصل الخطاب فيقول: فَمَنْ
حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ
مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ
أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ
وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ
وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ
نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ
عَلَى الْكَاذِبِينَ ( سورة آل عمران: 61)


إن علياً لم يُعرف الى الآن !


وأختم بهذا الحديث الشريف ، عن ابن عباس
قال: (كنا جلوساً عند رسول الله(ص)فقال: من
أراد أن ينظر الىآدم في علمه،وإلى نوح في
سلمه، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في
فطانته ، وإلى داود في زهده ، فلينظر إلى
هذا قال: فنظرنا فإذا علي بن أبي طالب قد
أقبل كأنما ينحدر من صبب)! (كمال الدين ص25)


ولماذا لم يقل النبي عن شَبَهِ عليٍ بهِ؟
لأن الله تعالى قال عنه إنه نفس النبي(ص):
وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ !


سبحان الله أي ظلامة ارتكبتها الأمة في حق
أمير المؤمنين(ع)؟! والى الآن تراهم
يَغُطُّونَ في غفلتهم ، ويدَّعون العلم
والفقه والحديث ، ويَقْبلون أن يكون مكان
رسول الله(ص)شخص كان يقول باتفاق رواتهم:
وليتكم ولست بخيركم ويفضلونه علىمن كان
يقول: سلوني قبل أن تفقدوني! ومن قال فيه
النبي(ص): علي مع القرآن والقرآن مع علي !
وقال فيه: علي مني وأنا من علي !


بل من قال فيه الله تعالى: وَأَنْفُسَنَا
وَأَنْفُسَكُمْ ! (3)


أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ
أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ ، أَمَّنْ لا
يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ
كَيْفَ تَحْكُمُونَ ؟! ( سورة يونس: 35 )


ما لكم كيف تحكمون ، ما لكم كيف تحكمون ؟!!


التعليقات


(1) قال السيد شرف الدين&في النص والإجتهاد
ص579: (أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في ص164 من
الجزء الرابع من مسنده ، من حديث حبشي بن
جنادة بطرق متعددة كلها صحيحة ، وحسبك أنه
رواه عن يحيى بن آدم ، عن إسرائيل بن يونس،
عن جده إسحاق السبيعي ، عن حبشي ، وكل
هؤلاء حجج عند الشيخين وقد احتجا بهم في
الصحيحين


ومن راجع هذا الحديث في مسند أحمد علم أن
صدوره إنما كان في حجة الوداع


وقد أخرجه أيضاً ابن ماجة في باب فضائل
الصحابة ص92 من الجزء الأول من سننه،
والترمذي والنسائي في صحيحيهما ، وهو
الحديث 2531 في ص153 من الجزء السادس من كنز
العمال ) انتهى


(2) روى ذلك ابن شهراشوب&في مناقب آل أبي
طالب:1/398 ، وقال أيضاً: وروى القاضي أبو عمر
وعثمان بن أحمد ، عن شيوخه بإسناده عن ابن
عباس قال: قال النبي(ص)لعلي(ع): قم بنا الى
الصنم في أعلى الكعبة لنكسره ، فقاما
جميعاً ، فلما أتياه قال له النبي: قم على
عاتقي حتى أرفعك عليه، فأعطاه علي ثوبه،
فوضعه رسول الله على عاتقه ، ثم رفعه حتى
وضعه على البيت ، فأخذ علي الصنم وهو من
نحاس فرمى به من فوق الكعبة ، فنادى رسول
الله إنزل ، فوثب من أعلى الكعبة كأنما كان
له جناحان وقال(ع)في خطبة الإفتخار: أنا
كسرت الأصنام ، أنا رفعت الأعلام ، أنا
بنيت الإسلام ) انتهى ( وعنه في بحار
الأنوار: 83 /78 )


(3) روى محمد بن جرير الطبري الشيعي في
المسترشد ص287: (101 - قال: وحدثنا أحمد بن
حنبل، قال: وحدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن
الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة
، قال: بينا النبي(ص)في محفل من أصحابنا إذ
قال: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ،
وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في خلته ،
وإلى موسى في مناجاته، وإلى عيسى في سنته ،
وإلى محمد في تمامه وكماله، فلينظر إلى هذا
الرجل المقبل فنظر الناس متطاولين فإذا هم
بعلي بن أبي طالب(ع)كأنما ينقلع من صبب،
وينحط من جبل ) انتهى


والمعنى أنه أتى مقبلاً ينحدر انحداراً ،
كأنما يننزل من جبل


وقال في هامشه ص288: ( قال الأميني&: وهذا
الحديث الذي رواه الحموي في معجمه نقلاً
عن تاريخ ابن بشران ، قد أصفق على روايته
الفريقان غير أن له ألفاظاً مختلفة وإليك
نصوصها: أخرج إمام الحنابلة أحمد عن عبد
الرزاق بإسناده المذكور بلفظ وأورده كما
تقدم في المسترشد ، وقال: من أراد أن ينظر
إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى
إبراهيم في خلقه، وإلى موسى في مناجاته،
وإلى عيسى في سنته، وإلى محمد في تمامه
وكماله، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل،
فتطاول الناس فإذا هم بعلي بن أبي طالب
كأنما ينقلع من صبب ، وينحط من جبل أخرجه
أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفى 458
في فضائل الصحابة بلفظ: من أراد أن ينظر إلى
آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى
إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ،
وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى علي بن
أبي طالب الخ )


(6)في علي(ع)سنن الأنبياء(ع)


( بتاريخ: 12 رجب 1422 ـ 30/9/2001 ـ 8 /7/1380 )


الشئ المهم أن تتوجه قلوبنا الى ظلامة
مظلومٍ لم يوجد مثله في تاريخ البشرية ،
ولا سيوجد !


في مثل يوم غدٍ ولد في الكعبة مولودٌ ،
تتابعت الألسن والأقلام على الحديث
والبحث حوله لكن كل ما قيل وماكتب، وما سوف
يقال أو يكتب نسبته الى مقامه كنسبة جناح
الذبابة الى النسر! وهذا ما ينبغي إثباته
بالبرهان لا بالخطابة نحن نعرف أن الله
تعالى لايدرك ولايوصف ، بل إن عبده
المخلوق الذي فيه سر اسمه الأعظم ، يجل عن
الوصف والإدراك !


وتعقل هذه المسألة لايتيسر إلا للراسخين
في العلم ، فهؤلاء فقط يفهمون لماذا كان
أمير المؤمنين(ع)فوق الوصف وإدراك البشر؟


قال في بصائر الدرجات ص134: (عن أبي
جعفر(ع)قال: (كانت في علي سنة ألف نبي) ! وسند
الرواية في مرتبة عالية من الإعتبار، فيه
بعض أصحاب الإجماع وأما متنها فهو جملةٌ
تحير الكمَّل من أصحاب العقول !


تأمل فيها جيداً فهي تقول إن فهم
علي(ع)يتوقف على فهم النبوة ، لكن ليس أي
نبوة ، بل على فهم ألف نبي ، وأحد هؤلاء
الألف آدم ، وأحدهم ابراهيم الخليل ،
وأحدهم موسى بن عمران، وأحدهم عيسى بن
مريم ، وبقية أولي العزم(ع)، فعلي عصارة
هؤلاء الألف نبي ، فكيف يمكن لنا التقرير
والتحرير ؟!


بل كيف لنا أن ندرك مقام النبي مطلق
النبي(ع)هذا الموجود ذو الجنبتين ، جنبة
ملكوتية وجنبة بشرية؟! واحدة للحق بها
يتلقى الوحي ، وواحدة للخلق بها يبلغ
الوحي ، فبهذا يكون النبي نبياً !


فكيف يمكننا نحن الغارقين في جنبة الخلق
أن ندرك جنبة الحق في النبي، مهما بلغنا من
العلم والمعرفة؟!


إن الذين يتخيلون أنهم فهموا أو عرفوا ،
يقدمون بذلك دليلاً على أنهم ما فهموا ولا
عرفوا ! فعندما نتعمق في علم هذا الموضوع
وحكمته ونبدأ بتحليل مسألة واحدة منه ،
يتضح لنا أن القضية أكبر من فهمنا !


هذا كله في فهم الحد الأدنى للنبوة ، فكيف
بمستوياتها العليا ؟!


لابد لنا أن نعترف بأننا وكل من كان من
نوعنا من الأولين والآخرين، لا يمكننا أن
ندرك حتى مقاماً شبيهاً بمقام النبوة،
لأنها حقيقة من عالم الملكوت أعلىمن
متناولنا نحن المنفصلين عن ذلك العالم،
المنغمرين في عالم الملك! وأنى لنا أن نعرف
معنى اتصال شخص بالملكوت؟!


إن النبي إنسان من هذا النوع الذي يقول
عنه تعالى: وَكَذَلِكَ نُرِي
إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ
الْمُوقِنِينَ (سورة الأنعام:75 ) وحقيقة
اتصال النبي بعالم الملكوت ، مقولة
متفاوتة ، تبدأ مستوياتها من أول درجة
الإرتباط بذلك العالم، الى أعلى الدرجات!


فأين ابتداؤها ، وأين الوسط ، والإنتهاء؟!


وإذا كنا عاجزين عن إدراك أدنى درجة منها
، فكيف لنا بأوسطها ، فضلاً عن أعلاها التي
هي نقطة نهاية قوس الصعود والنزول؟!


النقطة التي يبدأ منها هرم الوجود وينتهي
اليها كمال كل موجود ، درجة وَلَكِنْ
رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ
وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَئٍ عَلِيماً (
سورة الأحزاب: 40 )


وحيث تصورنا دائره عالم النبوة، بدرجاتها
الواسعة الشاسعة، العظيمة كلها، من أدناها
الى أعلاها! نأتي الى معنى (السنة)


فما معنى: (كانت في علي سنة ألف نبي) ؟
السنة هنا بمعنى أبرز الأعمال والصفات في
النبي(ع)مثلاً العلم في آدم وَعَلَّمَ
آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا (سورة
البقرة:31) والصبر والتقوى في نوح، والخلة
في إبراهيم، والمناجاة في موسى بن عمران،
والإعراض عن عالم الطبيعة والمادة
والإستغراق في العبادة والسياحة، في عيسى
فهذا معنى سنة النبي(ع)!


وعلى هذا ، لو اجتمع عطر ألف نبي وسننهم في
شخصية واحدة ، فماذا ستكون درجة صاحبها؟
وأي مقام سيكون مقامه؟!


ومع أن سند هذا الحديث الشريف قوي لايحتاج
الى بحث ، فإن موضوعه واضحٌ أيضاً لمن اطلع
على مصادر الاسلام للعامة والخاصة، وعرف
منها مقام علي(ع) فالروايات المشتملة على
هذا المعنى موجودة في مصادر الجميع ، وردت
بألسنة مختلفة أن النبي(ص)تحدث عن شباهة
علي(ع)بعدد من الأنبياء(ع)ولا يتسع المجال
لبحثها كلها أو استعراضها، لذا اخترنا
واحدة منها لكي تعملوا ما بوسعكم لإحقاق
حق هذا المظلوم ، وتحفظوا كرامتكم عند
ربكم ، وأنتم تعيشون على مائدة علي
وتأملون أن تفوزوا غداً بشفاعته(ع)


سأكتفي بالإشارة الى شئ من فقه هذه
الرواية الشريفة لتتأملوا فيها وتنصروا
هذا الحق الضائع، الذي لم أر حقاً ضائعاً
مثله ، ولا مظلوماً مثل صاحبه!


لاحظوا قول أبي ذر&: بينما أنا ذات يوم من
الأيام بين يدي رسول الله(ص)، إذ قام وركع
وسجد شكراً لله تعالى، ثم قالالخ (1)


فعندما نقرأ عن رسول الله(ص)علينا أن
نتوقف عند كل كلمة وحركة وسكنة، ونتأمل
فيها فالشخص الذي ينزه الله تعالى نفسه
لأنه أسرى به فيقول:سُبْحَانَ الَّذِي
أَسْرَى بِعَبْدِهِ ( سورة الإسراء: 1 )
صاحب مقام رفيع لايمكن معرفته إلا مجملاً،
كما أجمل الله عنه القول بقوله: فَأَوْحَى
إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى( سورة النجم: 10
) فمثل هذا الشخص لايصح أن ينظر الى قوله
وعمله كغيره ، فإن الحركة والسكنة منه لها
حساب


يقول أبو ذر كان النبي(ص)جالساً مع أصحابه
وفيهم أبو ذر ، فوقف في مجلسه فجأة ، ثم ركع
، ثم سجد !


والقيام والركوع والسجود أعلى أوضاع
العبادة لله تعالى، ثم قال: يا جندب من
أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في
فهمه،وإلى إبراهيم في خلته، وإلى موسى في
مناجاته وإلى عيسى في سياحته ، وإلى أيوب
في صبره وبلائه ، فلينظر إلى هذا الرجل
المقبل


من أراد أن ينظر الى آدم في عطر وجوده الذي
هو العلم


والى نوح في عطر وجوده الذي هو الفهم ،
والى بقية هؤلاء الأنبياء العظام(ع)في
أعلى صفاتهم ، فلينظر الى رجل سوف يأتي !


وهذا أيضاً من الإعجاز النبوي، فالله هو
الذي أخبر النبي(ص)بهذه الصفات أخبره بأن
صاحبها آت في الطريق ، وأمره بأن يخبر
المسلمين بمقامه العظيم قبل أن يأتي،
ليستشرفوه وينتظروه، ويفكروا في أنفسهم
من ترى سيكون هذا الشخص الرباني الذي
يمدحه الله ورسوله بهذا المديح؟!


والذي يحير العقل أكثر أن النبي(ص)مضافاً
الى تلك الصفات الفريدة، التي وصف
علياً(ع)بها، قال عنه أيضاً: (الذي هو
كالشمس والقمر الساري، والكوكب الدري) !
ونحن نعرف أن منظومات الكون ثلاثة أنواع
لاأكثر: شموس مضيئة بنفسها، وأقمار منيرة
بغيرها، ونجوم وقد وصف النبي علياً بها
ثلاثتها !


وهذا الكلام ليس كلاماً صادراً من عارف
أوفيلسوف أو فلكي حتى نحمله على عالمه،
ولا المتكلم به موسى وعيسى(ص)، بل هو خاتم
الأنبياء والمرسلين، وعقل الكل، ونقطة
الوصل بين الرب وجميع المربوبين، فهو
(ص)يقول لنا إن أردتم أن تنظروا الى شخص
يحمل علم آدم وفهم نوح وخلة ابراهيم
ومناجاة موسى وسياحة عيسى وصبر أيوب(ع)
فانظروا الى علي بن أبي طالب! ويقول: إن
علياً فوق ذلك شمس مضيئة، وقمر منير، ونجم
يتلألأ !


ثم قال(ص): أشجع الناس قلباً ، وأسخى الناس
كفاً ، فعلى مبغضه لعنة الله والملائكة
والناس أجمعين


وكلمة (أشجع الناس) أعم الألفاظ في
الدلالة على التفضيل ، فلايستثنى من جميع
الناس إلا من أخبرنا الله تعالى بأنه سيد
الخلق وخاتم النبيين !


أو ليس هذا الكلام البليغ من رسول
الله(ص)دليلاً على أن ما قيل وكتب ، وما
سيقال ويكتب عن علي(ع)ليس إلا بمقدار جناح
بعوضة أمام ذروة ربانية شامخة ؟!


بلى ، إنه كلام فوق شرح الشراح ، وتفسير
المفسرين ، وقول القائلين !


روى أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة:2/662، عن
النبي(ص)أنه قال: (خلقت أنا وعلي بن أبي طالب
من نور واحد ، قبل أن يخلق الله تعالى آدم
بأربعة عشرة ألف عام، فلم يزل في شئ واحد ،
يسبح الله ذلك النور ويقدسه ، فلما خلق
الله تعالى آدم أسكن ذلك النور في صلبه ،
الى أن افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء في
صلب عبدالله، وجزء في صلب أبي طالب) !


هذه رواية إمام الحنابلة لهذه المنقبة !
والأربعة عشر ألف سنة في الحديث ليست من
سنيِّنا التي تبدأ بمحرم وتنتهي بذي الحجة
، بل هي سنين ربانية يومها أكبر مما نفكر !
فتأملوا بدقة في هذا الكلام النبوي ،
والمقام العجيب لسيدالأنبياء وسيد
الأوصياءصلوات الله عليهما،ومسار نورهما
في الوجود! (1)


وقد روى هذه المنقبة من العامة ابن
المغازلي في مناقبه ص87 وغيره


أما مصادرنا فقد روتها بألسنة مختلفة ،
ولعل اختلاف عدد السنين فيها تعبير عن
مراحل وجود ذلك النور قبل أن يحل في صلب
آدم(ع)


ففي علل الشرائع:1/134، عن أبي ذر&قال: سمعت
رسول الله(ص)وهو يقول:خلقت أنا وعلي بن أبي
طالب من نور واحد، نسبح الله يمنة العرش
قبل أن يخلق آدم بألفي عام ، فلما أن خلق
الله آدم جعل ذلك النور في صلبه ، ولقد سكن
الجنة ونحن في صلبه ، ولقد همَّ بالخطيئة
ونحن في صلبه ، ولقد ركب نوح في السفينة
ونحن في صلبه ، ولقد قذف إبراهيم في النار
ونحن في صلبه، فلم يزل ينقلنا الله عز وجل
من أصلاب طاهرة إلى أرحام طاهرة ، حتى
انتهى بنا إلى عبد المطلب فقسمنا بنصفين ،
فجعلني في صلب عبد الله وجعل علياً في صلب
أبي طالب ، وجعل فيَّ النبوة والبركة ،
وجعل في علي الفصاحة والفروسية ، وشق لنا
اسمين من أسمائه ، فذو العرش محمود وأنا
محمد ، والله الأعلى وهذا علي ) (2)


لاحظوا قول النبي(ص)لعمر: أَوَمَا علمت؟!
فهو استفهام يحمل معنى بليغاً إن رواية
أحمد بن حنبل المتقدمة عن نور النبي ونور
علي، وجواب النبي (ص)على سؤال عمر في هذه
الرواية ، يقولان للبشر إفهموا قوله تعالى
عنهما: وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ (
سورة آل عمران: 61 ) ، فأنا وعلي وجودٌ واحد ،
بِدأ واحدٌ، وختمٌ واحدٌ ، وانقسامه بعد
عبد المطلب كان لسر عظيم ، ليعود ويتحد من
بعدي وبعد علي وفاطمة في الحسن والحسين
والأئمة المعصومين(ع)!


وهذا معنى قوله(ص): علي شمس وقمر وكوكب


أما الكوكب فلأن في علي صبر أيوب ، وأيوب
كوكب


وأما القمر ، فلأن فيه شبه موسى وعيسى
وابراهيم ، ولهم رتبه القمر


لكن علياً مع ذلك شمسٌ أيضاً ، لأنه مني
وأنا هو ، ففي علي خصائص هذه الثلاثة ،
الشمس والقمر والكوكب الدري !


هذا المظلوم الذي لم تعرف الدنيا مظلوماً
مثله هل يصح أن يجعل طرفاً يقارن به شخصٌ
تنازع أبوته أربعة رجال، ولم يعرف هل أبوه
منهم أو من غيرهم؟! وهل يصح أن يجلس مثله
تحت منبر شخص يقول: كل الناس أفقه مني حتى
ربات الحجال؟!


وهل رأيتم مظلوماً أعظم ظلامة من
علي(ع)الذي تسلم من رسول الله (ص)أمانته
وابنته الصديقة الطاهرة، ثم سلمها اليه
جنازة تجرعت مرارات الظلم والإضطهاد حتى
ذاب جسدها وصارت كالخيال، وصلى على
جنازتها الطاهرة ودفنها نصف الليل، ولم
يحضر جنازتها إلا بضعة نفر ، ثم قال:


الآن انهدَّ ركناي !!


إن مسؤولية كل واحد منكم أن يعمل بكل ما
يستيطع، بقلمه وبيانه، لكشف هذه الظلامة
الكبرى ، ورفع غيومها عن وجه شمس العالم


والسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم
يبعث حي


التعليقات


(1) روى الحاكم الحسكاني النيشابوري في
كتابه شواهد التنزيل:1/398: عن أبي جعفر قال:
سئل رسول الله(ص)عن قوله تعالى: الَّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ( سورة
الرعد:29)؟ قال: هي شجرة في الجنة أصلها في
داري وفرعها على أهل الجنة ثم سئل عنها مرة
أخرى قال: هي شجرة في الجنة أصلها في دار
علي وفرعها على أهل الجنة فقيل له: سألناك
عنها يا رسول الله فقلت: أصلها في داري ثم
سألناك عنها مرة أخرى فقلت: شجرة في الجنة
أصلها في دار علي وفرعها على أهل الجنة
فقال إن داري ودار علي واحدة )


وفي بحار الأنوار:8/148: ( عن أنس بن مالك قال:
قال رسول الله(ص)إن في الجنة شجرة يقال لها
طوبى ، ما في الجنة دار ولا قصر ولا حجر ولا
بيت إلا وفيه غصن من تلك الشجرة وإن أصلها
في داري ثم أتى عليه ما شاء الله ، ثم حدثهم
في يوم آخر: إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى
، ما في الجنة قصر ولا دار ولا بيت إلا وفيه
من ذلك الشجر غصن ، وإن أصلها في دار علي
فقام عمر فقال: يا رسول الله أو ليس حدثتنا
عن هذه وقلت: أصلها في داري؟ ثم حدثت وتقول:
أصلها في دارعلي! فرفع النبي(ص) رأسه فقال:
أوَمَا علمت أن داري ودار علي واحد ،
وحجرتي وحجرة علي واحد ، وقصري وقصر علي
واحد ، وبيتي وبيت علي واحد ، ودرجتي ودرجة
علي واحد ، وستري وستر علي واحد ؟


وقال القرطبي في تفسيره:9/317: ( وقال ابن
عباس: طوبى ، شجرة في الجنة أصلها في دار
علي ، وفي دار كل مؤمن منها غصن وقال أبو
جعفر محمد بن علي: سئل النبي صلى الله عليه
وسلم عن قوله تعالى: طوبى لهم وحسن مآب ،
قال: شجرة أصلها في داري وفروعها في الجنة
ثم سئل عنها مرة أخرى فقال: شجرة أصلها في
دار علي وفروعها في الجنة فقيل له: يارسول
الله! سئلت عنها فقلت: أصلها في داري
وفروعها في الجنة ، ثم سئلت عنها فقلت:
أصلها في دار علي وفروعها في الجنة؟! فقال
النبي (ص): إن داري ودار علي غداً في الجنة
واحدة في مكان واحد ) انتهى


(2) الرواية في الفضائل لابن جبريل القمي
ص98 ، عن أبي ذر الغفاري&قال: بينما أنا ذات
يوم من الأيام بين يدي رسول الله (ص)، إذ
قام وركع وسجد شكراً لله تعالى ، ثم قال: يا
جُنْدُب من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ،
وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في خلته ،
وإلى موسى في مناجاته ، وإلى عيسى في
سياحته ، وإلى أيوب في صبره وبلائه،
فلينظر إلى هذا الرجل المقبل، الذي هو
كالشمس والقمر الساري، والكوكب الدري
أشجع الناس قلباً ، وأسخى الناس كفاً ،
فعلى مبغضه لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين، قال: فالتفت الناس ينظرون من هذا
المقبل ، فإذا هو علي بن أبي طالب ! ) انتهى
وعنه في بحار الأنوار:93/38 ، رواه الصدوق في
كمال الدين ص25 ، عن ابن عباس ، والطوسي في
الأمالي ص417 عن ابن مسعود، والطبري في
ذخائر العقبى ص93 عن أبي الحمراء


وأخرجه من العامة كما في الغدير:3/355 ، أحمد
بن حنبل عن أبي هريرة، والبيهقي في فضائل
الصحابة ، والخوارزمي في المناقب عن أبي
الحمراء وغيرهم


وأخرجه ابن الصديق المغربي في فتح الملك
العلى ص69 ، عن ابن بطة بسنده عن ابن عباس ،
وفي سنده مسعر بن يحيى الهدي ، وقال ابن
صديق المغربي: ذكره الذهبي في الميزان
وقال: لا أعرفه وأتى بخبر منكر ، ثم ذكر هذا
الحديث ، وقد عرفت أن النكارة عند الذهبي
هي فضل علي بن أبي طالب !!)


وفي كفاية الأثر للخزاز القمي ص71 ، من
حديث: ( خلقني الله تبارك وتعالى وأهل بيتي
من نور واحد ، قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف
عام ، ثم نقلنا الى صلب آدم ثم نقلنا من
صلبه في أصلاب الطاهرين الى أرحام
الطاهرات)


(7)في علم أمير المؤمنين(ع)


( بتاريخ: 10 رجب 1420 ـ 20/10/1999 ـ 28/7/1378 )


بما أنا نستقبل ولادة سيد الشهداء
والمظلومين أمير المؤمنين(ع)، فالبحث في
هذا الموضوع أهم من غيره


مظلوم لا يوجد في العالم أكثر منه ظلامة ،
ولا سوف يوجد !


قال(ع)ذات مرة: لقد ظلمتُ عددَ المَدَر
والمطر والوبر ووصفه المعصومون (ع)بأنه
أول المظلومين! (1)


وهي كلمة يصعب فهمها ، فإن تصور معاني هذا
الحد من الظلم الذي وقع على أمير
المؤمنين(ع)لايمكن إلا للمتعمقين في غور
الحكمة وهو مظلوم من مبغضيه ومن محبيه
أيضاً ! فلو دققنا في الأمر لوجدنا أنا
ظالمون له أيضاً!


وبذلك يتضح قوله(ع): عدد المدر والمطر
والحصى !


يوجد حديث متفق عليه بين الشيعة وأغلب
السنة، إذا فهمناه عرفنا مدى مظلومية أمير
المؤمنين(ع)، وهو قول النبي(ص): أنا مدينة
الحكمة وعلي بابها فمن أراد الحكمة فليأت
الباب


وفي لفظ آخر: أنا دار الحكمة وعلي بابها (2)


وفي تعبير الدار نكتة ، وفي تعبير المدينة
نكتة أخرى في فهم الحكمة ، فإن فهم الحكمة
وتعريفها من المشكلات العلمية، وعندما
يتعمق الباحث لمعرفة معناها بالطريقة
التحليلية العقلية يصل الى قوله تعالى:
وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ
الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا
أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً
(سورة الاسراء: 85) فيعرف بذلك حدود الحقيقة
التي يمكن أن يفهمها ثم يصل الى قوله تعالى
مخاطباً خاتم أنبيائه: قُلْ مَتَاعُ
الدُّنْيَا قَلِيلٌ ( سورة النساء: 77 )


فأي دنياً هذه التي يقول الله تعالى إن
متاعها قليل؟ إنها الدنيا التي زين الله
سماءها بزينة الكواكب، والتي تشمل كل تلك
المجرات والشموس والنجوم ، وبعضها أكبر من
حجم الأرض بملايين المرات ، والتي لانعرف
سعتها طولاً ولا عرضاً ، ولا ابتداءها ولا
انتهاءها !


هذه الدنيا بسعتها المذهلة ، وأمدها من
الأزل الى الأبد ، قليلة ، ومتاعها قليل!!


ونفس الذي يقول عن متاعها إنه قليل، وعن
علم الناس في الدنيا إنه قليل، هو عز وجل
يقول: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ
وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ
أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا
يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ (
سورة البقرة: 269 )


فمن يؤتَ الحكمة فهذا كثير مطلقَ الحكمة ،
وليس الحكمة المطلقة !


أما متاع الدنيا بقول مطلق ، فهو قليل
قليل !


هذه قيمة الحكمة ، إنها بمطلق وجودها
كثير، والدنيا بوجودها المطلق قليل !
وبهذا نفهم أن مدينة الحكمة في الحديث
النبوي ليست مطلق الحكمة بل هي الحكمة
المطلقة جمعت في هذه المدينة !


وبهذايتضح لنا من هو علي ومدى ظلامته(ع)!


لكن وضوح ذلك مخصوص بالفقهاء الكمَّل،
وفضلاء البشر الذين يدركون أن عالم المادة
من البدو الى الختم محكوم بالقلة ، ومطلق
الحكمة محكوم بالكثرة


إن صاحب الحكمة المطلقة هو الشخص الذي لم
يبق أمامه نقطة إبهام في الوجود إلا
واتضحت ، والذي تبلغ إحاطته العلمية
بالوجود مبلغاً يرى فيه كل الأشياء كما هي
في الواقع ، فهو من ناحية نظرية عالمٌ
عقلاني يضاهي آدم العيني بصورته لا بمادته
! وهو من ناحية عملية إنسانٌ متخلق بأخلاق
الله تعالى حتى يكون هو اسم الله الأعظم
علماً وعملاً !


هذا هو معنى: أنا مدينة الحكمة، بل لابد
لمعرفة معنى الحكمة أن نعرف أيضاً أن كل
عالم الوجود إنما هو مقدمة ، وذو المقدمة
هو بعثة الأنبياء(ع)


ثم إن بعثة الأنبياء(ع)مقدمة أيضاً ، وذو
المقدمة هو بعثة خاتم الأنبياء(ص) ثم إن
بعثة خاتم الأنبياء(ص)مقدمة، وذو المقدمة
له مبدأٌ واحدٌ ومنتهىً واحد ومبدؤه
الحكمة ، ومنتهاه الحكمة ! وبرهان ذلك قوله
تعالى: يُسَبِّحُ للهِ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ
الْحَكِيمِ ( سورة الجمعة: 1 )


فالعزيز الحكيم هو المبدأ ، أما المنتهى
فهو تعليمهم الحكمة في ختام قوله تعالى:
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ
رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ
قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ( سورة
الجمعة: 2 )


فمهمة النبي(ص)لاتتم بتلاوته الكتاب
الإلهي على الناس، ولا بتزكيتهم ولا
بتعليمهم الكتاب ، بل بتعليمهم الحكمة !
فهي التمام ، وبعدها لا كلام !


وبهذا تنفتح نافذة لفهم الحديث المتفق
عليه: (أنا مدينة الحكمة وعلي بابها) ترى من
هو هذا الإنسان ، وماذا في قلبه ، حتى صار
باب مدينة الحكمة ؟!


والآن حيث اتضح معنى الحكمة الى حد ،
فإنها تنقسم الى عشرة أجزاء ، ومدينة
الحكمة تشمل هذه الأجزاء العشرة ، تسعة
أجزاء يختص بها شخص واحد هو علي بن أبي
طالب(ع)،بشهادة النبي(ص)، وجزء واحد يشترك
فيه الناس ، أي كل البشرية من ابتدائها الى
انتهائها وعلي أعلمهم بهذا الجزء! (3)


والآن يستطيع الفقيه المتبحر بالفقه
الأكبر أن يفهم معنى:


السلام عليك يا أول مظلوم!


فإن الظلم الذي وقع على علي(ع)، لا يمكن
تصوره إلا إذا عرفنا من هو علي ، وأي ظلم
وقع على البشرية بظلمه صلوات الله عليه؟!


إن مسألة علم علي وحكمته وظلامته ، مسألة
عميقة والرواية فيها كثيرة ، لكن أين
الدراية ؟! إني أتحسر، وأتمنى لو أوفق
لأعمل لشهر على الأقل في بحث حديث: أنا
مدينة الحكمة وعلي بابها، فمن أراد الحكمة
فليأت الباب!


وأكتفي هنا بصحيح واحد فقط ، رواه علي بن
ابراهيم ، عن أبيه ابراهيم بن هاشم، عن
محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي
عبد الله(ع)قال: من عنده علم الكتاب علي بن
أبي طالب (4)


أما سند الحديث فهو مضافاً الى اشتماله
على بعض أصحاب الإجماع مثل ابن أبي عمير&،
ففيه شيوخ الحديث وأساطين الوثاقة والصحة:
علي بن ابراهيم ، وأبوه ابراهيم بن هاشم ،
وعمر بن أذينة ، رحمهم الله ومن ميزات هذا
الحديث الشريف قلة وسائطه ، فهم ثلاثة
وسائط من علي بن ابراهيم شيخ القميين الى
الإمام الصادق(ع)


عنده علم الكتاب فالعلم هنا مضاف الى
الكتاب، الكتاب المكنون الذي:
لايَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ (سورة
الواقعة:79) والذي قال عنه الله تعالى:
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ
تِبْيَاناً لِكُلِّ شئ وَهُدىً
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِين (
سورة النحل:89 )


وكلمة (شئ) مفهوم لا يوجد أعم منه، وهي لفظ
مطلق، مُصَدَّرٌ بكل! فلا يخرج عن دائرة
هذا التعميم مخلوق من الأزل الى الأبد !


وعلم هذا الكتاب كله ، في صدر علي بن أبي
طالب(ع)!


وهنا سؤال: ما هو الفرق بين قوله تعالى:
قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ
الْكِتَابِ ( سورة الرعد: 43 )، وقوله عن نبي
الله سليمان ووصيه ، عندما طلب سليمان أن
يحضروا له عرش بلقيس من اليمن:


قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلا أَيُّكُمْ
يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ
يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ قَالَ عِفْرِيتٌ
مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ
أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي
عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ
الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ
أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ
إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ
مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ
فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ
أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا
يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ
فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ ( سورة
النمل:40 )


فسليمان ووصيه(ص)عندهما: عِلْمٌ مِنَ
الْكِتَابِ و (مِن) هنا تبعيضية ، ومن هذا
البعض الذي كان عنده تعلَّم منطق الطير ،
وتسخير الجن وتسخير الريح غدوها شهر
ورواحها شهر !!


وقد سئل الإمام الصادق(ع)عن نسبة علم من
عنده علم من الكتاب الى علم من عنده علم
الكتاب فقال: (قدرقطرة من الماء في البحر
الأخضر) أي المحيط! فهذا هو الفرق بين علم
سليمان ووصيه وبين علم أمير المؤمنين(ع)!
ومعناه: انتبهوا واعرفوا علياً وعرفوه
للناس هكذا ، ولا تظلموه !


إن مسؤولية كل واحد منكم ثقيلة (5)


وإذا أردتم أن تعرفوا لماذا صار علي(ع)في
هذا المقام العظيم ، فاختص بتسعة أجزاء من
الحكمة الربانية من دون جميع الناس من
الأولين والآخرين، ما عدا سيد
المرسلين(ص)، وشارك الناس في الجزء الذي
عندهم منها ، فاقرؤوا هذا الحديث عن رسول
الله(ص): ما أخلص عبد لله عز وجل أربعين
صباحاً إلا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على
لسانه (6)


ومعنى أخلص لله تعالى أربعين صباحاً: لم
يقل شيئاً إلا لله تعالى ، ولم ير شيئاً
إلا لله تعالى ، ولم يقف إلا لله تعالى ،
ولم يفكر إلا لله تعالى فعند ذلك تجري
ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه!


وبهذا نعرف أي إخلاص لله تعالى كان في
شخصية علي(ع)، بحيث جرت كل حكمة الوجود
دفعة واحدة على قلبه المقدس !!


هكذا كان علي ابن أبي طالب(ع) وقد ذهب من
الدنيا ولم يعرفه أحد !


لا يعرف منه أهل الدنيا إلا أنه كبير ، لا
أكثر ، أما أهل السماء فيعرفون أنه جليل
جليل ، أما ما هي هذه الجلالة ففيها بحث
مفصل


أما عظمة علي(ع) فلا يعرفها أهل الأرض ولا
أهل السماء ! وشاهدها بيان الإمام
المعصوم(ع): كبير في الأرض، جليل في
السماء، عظيم عند الله سبحانه وتعالى!


إن عظمة علي يعرفها فقط المليك المقتدر عز
وجل ، هناك حيث يكون كل هذا العالم حقيراً
أمام شخصيته العظيمة صلوات الله عليه !


اللهم صل وسلم على سيد الشهداء
والمظلومين ، وولي الأوصياء ، وإمام
الصديقين ، زين المؤمنين ، ويعسوب
المسلمين ، أمير المؤمنين ،


عدد ما فيه الذكر ، صلاة دائمة ، بدوام
ملكك وسلطانك


التعليقات


(1) في المناقب لابن شهرآشوب:1/382: (روى
ابراهيم بإسناده عن المسيب بن نجية قال:
بينما علي يخطب وأعرابي يقول وامظلمتاه
فقال(ع): أدْنُ ، فدنا، فقال: لقد ظُلِمْتُ
عددَ المدر والمطر والوبر )


وفي الكافي:4/569: (باب ما يقال عند قبر أمير
المؤمنين(ع): (عدة من أصحابنا ، عن سهل بن
زياد، عن محمد بن أورمة، عمن حدثه، عن
الصادق أبي الحسن الثالث(ع) قال يقول:
السلام عليك يا ولي الله، أنت أول مظلوم،
وأول من غصب حقه، صبرت واحتسبت حتى أتاك
اليقين) ونحوه في الكافي:4/570، وكامل
الزيارات ص95 ، وص103 ، ومصباح المتهجد ص745 ،
وغيرها


(2) قال المناوي في فيض القدير:3/60: (2704 - (أنا
دار الحكمة) وفي رواية أنا مدينة الحكمة
(وعلي بابها) أي علي بن أبي طالب هو الباب
الذي يُدخل منه إلى الحكمة ، فناهيك بهذه
المرتبة ما أسناها وهذه المنقبة ما أعلاها
، ومن زعم أن المراد بقوله وعلي بابها أنه
مرتفع من العلو وهو الإرتفاع، فقد تمحل
لغرضه الفاسد بما لايجزيه ولا يسمنه ولا
يغنيه !


أخرج أبو نعيم عن ترجمان القرآن مرفوعاً:
ما أنزل الله عز وجل يا أيها الذين آمنوا
إلا وعلي رأسها وأميرها


وأخرج عن ابن مسعود قال: كنت عند النبي صلى
الله عليه وسلم فسئل عن علي كرم الله وجهه
فقال: قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي
تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً


وعنه أيضاً: أنزل القرآن على سبعة أحرف ما
منها حرف إلا وله بطن وظهر ، وأما علي
فعنده منه علم الظاهر والباطن


وأخرج أيضاً عن سيد المرسلين وإمام
المتقين: أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب


وأخرج أيضاً: علي راية الهدى


وأخرج أيضاً: يا علي إن الله أمرني أن
أدنيك وأعلمك لتعي ، وأنزلت عليه هذه
الآية:


( لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً
وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ )


وأخرج عن ابن عباس: كنا نتحدث أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم عهد إلى علي كرم الله
وجهه سبعين عهداً لم يعهده إلى غيره،
والأخبار في هذا الباب لاتكاد تحصى ...


2705- أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد
العلم فليأت الباب، فإن المصطفى صلى الله
عليه وسلم المدينة الجامعة لمعاني
الديانات كلها ، ولا بد للمدينة من باب ،
فأخبر أن بابها هو علي كرم الله وجهه ، فمن
أخذ طريقه دخل المدينة ، ومن أخطأه أخطأ
طريق الهدى!


وقد شهد له بالأعلمية الموافق والمخالف
والمعادي والمحالف ، أخرج الكلاباذي أن
رجلاً سأل معاوية عن مسألة فقال: سل علياً
هو أعلم مني ، فقال: أريد جوابك ! قال: ويحك
كرهت رجلاً كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يَغِرُّهُ بالعلم غَرّاً؟!


وقد كان أكابر الصحب يعترفون له بذلك وكان
عمر يسأله عما أشكل عليه ، جاءه رجل فسأله
فقال: هاهنا علي فاسأله ، فقال: أريد أسمع
منك يا أمير المؤمنين ! قال: فلا أقام الله
رجليك ! ومحى اسمه من الديوان


وصح عنه من طرق أنه كان يتعوذ من قوم ليس
هو فيهم ، حتى أمسكه عنده ، ولم يوله شيئاً
من البعوث لمشاورته في المشكل


وأخرج الحافظ عبد الملك بن سليمان قال:
ذكر لعطاء أكان أحد من الصحب أفقه من علي ؟
قال لا والله


قال الحرالي: قد علم الأولون والآخرون أن
فهم كتاب الله منحصر إلى علم علي ، ومن جهل
ذلك فقد ضل عن الباب الذي من ورائه يرفع
الله عنه القلوب الحجاب ، حتى يتحقق
اليقين الذي لا يتغير بكشف الغطاء ) انتهى
كلام المناوي


أقول: حديث أنا مدينة العلم ، ومدينة
الحكمة ، وعلي بابها مستفيض في مصادر
الطرفين، وقد أنكره ابن تيمية تعصباً ،
وحاول أتباعه تضعيفه ، ورد عليهم عدد من
علماء السنة وأثبتوا صحته ، ونقلوا تصحيح
عدد كبير من أئمتهم له وألف الحافظ الصديق
المغربي كتاباً في تصحيحه باسم ( فتح الملك
العلي في إثبات أنا مدينة العلم وعلي
بابها) وألف ابن يحيى الشافعي كتاب ( دفع
الإرتياب عن حديث الباب ) فهو في مصادرهم
ومصادرنا متواتر ، ولا اعتبار بمن شذ
وحاول تضعيفه


(3) في ينابيع المودة لذوي
القربىللقندوزي:1/215: (ابن المغازلي وموفق
الخوارزمي: أخرجا بسنديهما، عن علقمة ، عن
ابن مسعود رضي الله عنه قال: كنت عند
النبي(ص) فسئل عن علم علي فقال: قسمت الحكمة
عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس
جزءً واحداً ، وهو أعلم بالعشر الباقي
(أيضاً أخرجه موفق بن أحمد عن ابن مسعود)
وعن حلية الأولياء وابن شهر اشوب في
المناقب:1/312، والصراط المستقيم :1/226


وقال الأميني في الغدير:3/96: ( وقوله(ص):
قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة
أجزاء والناس جزءاً واحداًحلية
الأولياء:1/65، أسنى المطالب ص14 )


وقال ابن الصديق المغربي في فتح الملك
العلي ص68: ( قال أبو نعيم في الحلية ، ثنا
أبو أحمد الغطريفي، ثنا أبو الحسين بن أبي
مقاتل ، ثنا محمد بن عبد الله بن عتبة ، ثنا
محمد بن علي الوهبي الكوفي ، ثنا أحمد بن
عمران بن سلمه وكان ثقة عدلاً مرضياً ، ثنا
سفيان الثوري، عن منصور، عن ابراهيم، عن
علقمة، عن عبدالله قال: كنت عند النبي(ص)
فسئل عن علي فقال: قسمت الحكمة عشرة أجزاء
، فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءاً
واحداً اهـ‍


وقال في هامشه: أحمد بن عمران ذكره الذهبي
في الميزان وقال: لا يدرى من هو؟ ثم ضعفه
بهذا الحديث ، وتعقبه الحافظ في اللسان
بما تقدم في السند من قول الوهبي أنه كان
ثقة عدلاً مرضياً ، قال: وفي هذا مخالف لما
ذكره الذهبي


قلت: لو وثقه الناس كلهم لقال الذهبي في
حديثه إنه كذب ، كما فعل في عدة أحاديث
أخرجها الحاكم بسند الشيخين، وادعى هو
دفعاً بالصدر وبدون دليل أنها موضوعة
وماعلتها في نظره إلا كونها في فضل علي بن
أبي طالب ! فالله المستعان)


(4) في تفسير القمي&:1/367: (حدثني أبي، عن ابن
أبي عمير، عن ابن أذينة، عن أبي عبد
الله(ع)قال: الذي عنده علم الكتاب هو أمير
المؤمنين(ع) وسئل عن الذي عنده علمٌ من
الكتاب أعلم أم الذي عنده علم الكتاب ؟
فقال: ما كان علم الذي عنده علم من الكتاب
عند الذي عنده علم الكتاب إلا بقدر ماتأخذ
البعوضة بجناحها من ماء البحر!


قال أمير المؤمنين(ع): ألا إن العلم الذي
هبط به آدم من السماء إلى الأرض وجميع ما
فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين ، في
عترة خاتم النبيين(ص)


(5) في بصائر الدرجات ص232: (حدثنا
أبوالقاسم، قال حدثنامحمد بن يحيى العطار
قال حدثنامحمد بن الحسن الصفار،قال حدثنى
يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي بن فضال،
عن عبد الله بن بكير، عن أبي عبدالله(ع)،
قال كنت عنده فذكروا سليمان وما أعطي من
العلم، وما أوتي من الملك ، فقال لي: وما
أعطي سليمان بن داود؟ إنما كان عنده حرف
واحد من الإسم الأعظم ، وصاحبكم الذي قال
الله: قل كفى بالله شهيداً بينى وبينكم ومن
عنده علم الكتاب كان والله عند علي(ع)علم
الكتاب )


وفي الكافي:1/257: (أحمد بن محمد، عن محمد بن
الحسن، عن عباد بن سليمان، عن محمد بن
سليمان عن أبيه، عن سدير قال: كنت أنا وأبو
بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس
أبي عبد الله(ع)إذ خرج إلينا وهو مغضب ،
فلما أخذ مجلسه قال: يا عجباً لأقوام
يزعمون أنا نعلم الغيب ، ما يعلم الغيب إلا
الله عز وجل ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة ،
فهربت مني فما علمت في أي بيوت الدار هي !


قال سدير: فلما أن قام من مجلسه وصار في
منزله دخلت أنا وأبو بصير وميسر وقلنا له:
جعلنا فداك سمعناك وأنت تقول كذا وكذا ، في
أمر جاريتك ، ونحن نعلم أنك تعلم علماً
كثيراً ، ولا ننسبك إلى علم الغيب قال
فقال: يا سدير: ألم تقرأ القرآن ؟ قلت: بلى ،
قال: فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز
وجل: قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك
به قبل أن يرتد إليك طرفك ؟ قال قلت: جعلت
فداك قد قرأته ، قال: فهل عرفت الرجل ؟ وهل
علمت ما كان عنده من علم الكتاب ؟ قال قلت:
أخبرني به ؟ قال: قدر قطرة من الماء في
البحر الأخضر ، فما يكون ذلك من علم الكتاب
؟! قال: قلت جعلت: فداك ما أقل هذا ؟! فقال: يا
سدير: ما أكثر هذا ، أن ينسبه الله عز وجل
إلى العلم الذي أخبرك به يا سدير فهل وجدت
فيما قرأت من كتاب الله عز وجل أيضاً: قل
كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده
علم الكتاب ؟ قال قلت: قد قرأته جعلت فداك
قال: أفمن عنده علم الكتاب كله أفهم أم من
عنده علم الكتاب بعضه ؟


قلت: لا ، بل من عنده علم الكتاب كله ، قال:
فأومأ بيده إلى صدره وقال: علم الكتاب
والله كله عندنا ، علم الكتاب والله كله
عندنا ) انتهى


(6) الحديث الشريف في عيون أخبار الرضا:1/74 ،
وهو الكافي:2/16:عن أبي جعفر (ع)قال: ما أخلص
العبد الإيمان بالله عز وجل أربعين يوماً
أو قال: ما أجمل عبد ذكر الله عز وجل أربعين
يوماً ، إلا زهَّده الله عز وجل في الدنيا ،
وبصره داءها ودواءها ، فأثبت الحكمة في
قلبه ، وأنطق بها لسانه )


(8)أنت أحسن الخلق عبادة


( بتاريخ: 17 ذي الحجة 1422- 2/3/2002 ـ 11/12/1380 )


غداً يوم عيد الغدير ، اليوم الذي يفهم من
كلام أمير المؤمنين(ع)أنه ليس كمثله يوم ،
ولا كحقه حقٌّ مضيَّع ! فلا بد من توضيح
أمرين:


ذلك اليوم ما هو ؟


والحق المضيع فيه ماهو ؟ وكلاهما بحثان
عميقان !


إن أمير المؤمنين(ع)شمس مشرقة ، يستفيد
منها قلب كل إنسان بقدر ظرفه وسعته ، وما
كتبه المؤلفون عنه بدون استثناء ، إنما هو
تعريف للشعاع الذي استفاده المؤلف من
شمسه، أما نفس الشمس فلم يصل اليها أحد ،
ولن يصل ، إلا من كان في مرتبته ، أو أعلى
منه !


أما نحن فغاية ما نعرف منه أننا لانعرفه ،
وهو أمر مهم ، أن يعرف الإنسان حدود ما
يمكن أن تصل اليه معرفته ، ويعترف بذلك


عندما تقرأ كلام الإمام علي الهادي(ع)في
زيارة الغدير التي أنشأها ، تعرف ما هي
القضية ، وما هي تلك الشخصية!


إن فهم تلك الزيارة بدون مبالغة أعلى من
طاقات كل الحكماء والفقهاء !


واليوم نعرض بعض فقرات هذه الزيارة ، وهي
فقرات من بحر محيط، تحتاج الى علم وفكر
عميقين ، يتأملان فيها عمراً كاملاً !


قال(ع):


(صلوات الله عليك غاديةً ورائحة، وعاكفةً
وذاهبة ، فما يحيط المادح وصفك، ولا يحبط
الطاعن فضلك أنت أحسن الخلق عبادة،
وأخلصهم زهادة، وأذبُّهم عن الدين أقمت
حدود الله بجهدك، وفللت عساكر المارقين
بسيفك ، تخمد لهب الحروب ببنانك ، وتهتك
ستور الشبه ببيانك ، وتكشف لبس الباطل عن
صريح الحق ، لاتأخذك في الله لومة لائم ) (1)


إن شخصيةً كأمير المؤمنين(ع)، ينبغي أن
تعرفها شخصية مثل الإمام الهادي(ع)! أما
نحن جميعاً من الصدر الى الذيل ، فيجب أن
نكمَّ أفواهنا ، ونتأمل فيما قاله الذين
يستحقون أن يكونوا مداحين لأمير
المؤمنين(ع)!


إن كل جملة من هذا النص المعصوم ، تحتاج
الى ساعات من الحديث ، ونكتفي هذا اليوم
بواحدة منها !


إن الفرق بين كلام المعصوم وغيره أن كلام
المعصوم يغلب الحقيقة والواقع! فغير
المعصوم مهما كان مستوى فكره وعلمه،
فألفاظه تغلب معانيها، لأنه ليس (محيطاً)
بالواقع! وهي مسألة مهمة ينبغي لأهل الدقة
أن يتأملوا فيها! وكلما كان مستوى فكر
المتكلم أعلى ، وكان إدراك عقله أعمق، كان
التناسب بين الألفاظ والمعاني أكثر


فالمعادلة هنا: أن مستوى الفكر كلما نزل
كلما كان التطابق والتناسب والإنسجام أقل
، وكلما ارتفع كان أكثر


لكن في كل المستويات لايمكن أن يكون كلام
غير المعصوم أقوى من الواقع ، بل الواقع
دائماً أقوى منه لأن غلبة الكلام على
الواقع تحتاج الى إحاطة صاحبه الكاملة
بالواقع ، وهي صفة خاصة بالمعصوم، فهو
وحده هو الذي يملك الإحاطة بالحقيقة،
ويستطيع أن يفصل لها ثوب الألفاظ المناسب،
ويلبسها إياه !


إن الشاهد على الخلق ، الذي وصل الى عمق
الوجود ، هو الذي يستطيع بيان الواقع كما
هو ، والحقيقة كما هي !


وإنسان كهذا عندما يقف يوم الغدير على قبر
صاحب الغدير(ع)يستطيع أن يعبر عن شخصيته
ومقامه(ع)


لأن دائرة الخلق التي يحيط بها تشمل كل ما
عدا الخالق سبحانه ، فهو بهذه البصيرة
وهذه الإحاطة يتكلم !


هذا هو نوع كلام الإمام الهادي(ع)! وهذه
الجملة الواحدة التي قالها عن أمير
المؤمنين(ع)، تكفي لتشغل فكر أحكم الحكماء
وأفقه الفقهاء ، سنين وليس ساعات !


(فما يحيط المادح وصفك) ! فما هو ذلك
الموجود الذي لايستطيع مادح من دائرة
الخلق على الإطلاق ، كائناً من كان ، أن
يحيط بوصفه!


وما هو وصف علي(ع)؟ ما قدره كماً ، وما حده
كيفاً ؟ بحيث أن أحداً بدون استثناء
لايستطيع أن يحيط به ويستوعبه؟!


ومن هو هذا الموجود ، وماذا أعطاه الله
تعالى ، حتى أن الإمام المعصوم يقف مقابل
قبره ويقول: فما يحيط المادح وصفك؟!


هذا برهان ما قلته في مطلع حديثي من أن ما
كتبه المؤلفون عنه بدون استثناء ، إنما هو
تعريف للشعاع الذي استفاده أحدهم من
شمسه(ع) ووصل اليه من نافذة قلبه وعقله ،
أما نفس الشمس فهي أعلى وأرفع من أن يصل
اليها أحد ، إلا من كان في مرتبة أمير
المؤمنين(ع)وأعلى منه !


ثم يستدل الإمام الهادي(ع)، وكلام الإمام
إمام الكلام ، بعدة أدلة على ذلك أولها:
أنت أحسن الخلق عبادة !


ولابد أن نعرف ماهي العبادة ، فالسر كله
هنا فقد سمعنا بعبادة الله تعالى ، لكن هل
فهمنا معناها؟!


إن مفهوم العبادة من المفاهيم ذات التعلق
، أي التي لايمكن فهمها إلا بفهم المتعلق
وطرف التعلق ، ومن الواضح لدى أهل النظر أن
مفهوم الإضافة ذاتها لايمكن فهمه بدون
المضاف والمضاف اليه (وَمَا أُوتِيتُمْ
مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً) فما هي
العبادة ، وما هو العابد ، وما هو المعبود
؟


لابد لفهم العبادة أن نعرف المعبود الذي
صفته أن: (كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق
معانيه، فهو مخلوقٌ مصنوعٌ مثلكم، مردودٌ
إليكم ) (البحار:66ص292) ، لابد نعرف الإنسان
بصفاته بالفعل والقوة ، لكي نفهم قوله
تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ
وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ ) (سورة
الذريات: 56)


والخلاصة أن هذا العالم تم خلقه، وأنشئت
شجرته العظيمة المترامية المذهلة ، من أجل
ثمرة واحدة ، هي العبادة !


فلابد أن ننظر الى هذه القوة التي خلقها
الله في مخلوقاته لمعرفته وعبادته، لنرى
في أي مخلوق بلغت فعليتها، ونرى هذا
الإستعداد في المخلوقات بأي شكل تم ظهوره
و بأي وجود تحقق ؟


إن العبادة عبادتان: عبادة بالتسخير،
وعبادة بالإختيار ، وفي كل منهما بحث
والعبادة بالإختيار تكون من المخلوقات
الذين وهب الله لهم عقلاً ، سواء من عالم
الملك أو الملكوت: من ملائكة أسكنتهم
سمواتك ورفعتهم عن أرضك ، هم أعلم خلقك بك،
وأخوفهم لك، وأقربهم منك لم يسكنوا
الأصلاب ، ولم يُضَمَّنوا الأرحام ، ولم
يخلقوا من ماء مهين ، ولم يشعبهم ريب
المنون وإنهم على مكانهم منك، ومنزلتهم
عندك، واستجماع أهوائهم فيك، وكثرة
طاعتهم لك، وقلة غفلتهم عن أمرك، لو
عاينوا كنه ما خفي عليهم منك لحقروا
أعمالهم ولزروا على أنفسهم، ولعرفوا أنهم
لم يعبدوك حق عبادتك، ولم يطيعوك حق
طاعتكسبحانك خالقاً ومعبوداً بحسن بلائك
عند خلقك)(نهج البلاغة:1/210) (2)


فهؤلاء الملائكة الأبرار مستغرقون في
عبادة الله تعالى، وأي عبادة؟!


(منهم سجود لايركعون، وركوع لاينتصبون،
وصافون لا يتزايلون ، ومسبحون لايسأمون،
لايغشاهم نوم العيون، ولا سهو العقول، ولا
فترة الابدان، ولا غفلة النسيان، ومنهم
أمناء على وحيه ، وألسنة إلى رسله ) (نهج
البلاغة:1 /14 )


كذلك هي عبادة سكان الملأ الأعلى، عبادةٌ
لا كلل فيها ولا ملل حتى نصل الى عبادة
أنبياء الله تعالى: آدم، ونوح ، وابراهيم ،
وموسى، وعيسى(ع)، فهذه أيضاً عبادة عباد
وصلوا الى كمال المعرفة


والمهم هنا أن نعرف معنى قول الإمام
الهادي لأمير المؤمنين(ص): ( أنت أحسن الخلق
عبادةً ) ، فهذه الثمرة العليا لشجرة
الوجود ، وهذا المقام الأسمى في العبادة ،
لم يبلغه ملكٌ من الملائكة، ولا بشرٌ بعد
النبي(ص)، إلا أمير المؤمنين(ع)! فما هي هذ
العبادة التي صار بها أحسن الخلق عبادةً ؟


هنا يتضح لنا معنى قوله(ع): (إلهي ما عبدتك
خوفاً من عقابك، ولاطمعاً في ثوابك ، ولكن
وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك ) ( البحار:41/14 )
(3)


أرجو أن نكون فهمنا معنى هذه الكلمة ؟!


إن علياً(ع)عابدٌ لربه من أول يوم جاء الى
الدنيا في بيت ربه ، الى اليوم الذي قال في
بيت ربه: فزت ورب الكعبة ! لقد رأى الجنة
ولم يسمع بها ، ورأى جهنم ولم يسمع بها ،
أنت تسمع بهما ، ولكنه رآهما !


وهي الجنة التي يقول عنها(ع): (وكل شئ من
الدنيا سماعه أعظم من عيانه وكل شئ من
الآخرة عيانه أعظم من سماعه ، فليكفكم من
العيان السماع ، ومن الغيب الخبر ) ( نهج
البلاغة:1/225)


هذه الجنة التي فوق وصفنا، شطب عليها أمير
المؤمنين(ع)، وقال لربه إلهي منذ عبدتك
ماعبدتك شوقاً الى ثوابك وجنتك على
عظمتها، لا من أجل نعيمها وخلودها ،
وأشجارها وثمارها ، ولا حورها وقصورها!


فمَنْ غير علي بن أبي طالب قال هذ الكلام
؟!


وجهنم أيضاً، وأي جهنم هي أعاذنا الله
منها ، وقد رآها أمير المؤمنين وكان يتعوذ
منها ، وعرف أن طليعتها قوله تعالى: (يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ
إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شئ عَظِيمٌ
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ
مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ
كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى
النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى
وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ ) (سورة
الحج:1- 2)


لكن الخوف منها لم يكن الدافع له(ع)لعبادة
ربه !


فأيُّ قدرة عند هذا الشخص الذي يقول لربه
أنا أحب ثوابك والنعيم، أنا أخاف من عقابك
وأعلم أنه شديد ، وقد رأيته ، لكني لا
أعبدك خوفاً منه ؟!


الله أكبر فهنا موضع التكبير ، يقول أمير
المؤمنين(ع)لربه إني لا أعبدك شوقاً الى
ثوابك ، ولا خوفاً من عقابك ! فأي بشر هذا ،
وأي مخلوق هو ؟ بل أي جوهر لم يعرف العالم
قدره ؟!


إن روحه أعلى وأسمى من كل عالم الثواب
والعقاب ، ومحيطهما !


فقد وصلت به تلك الروح السامية الى حيث
يقول: ( لكني وجدتك ) !


تأملوا هنا لتعرفوا من هو علي(ع)، وتعرفوه
للناس هكذا كما هو ، لاكما يفعلون اليوم
فيتكلمون حوله بلا طائل ، ويحوكون كلاماً
على قدر فهمهم وإدراكهم ، ويقولون للناس
هذا علي بن أبي طالب !


وجدتُك وأيُّ فمٍ من البشر يجرؤ أن يقول
لذات الحق: ( وجدتُك ) ؟!


أنتم قضيتم عمراً في الدرس والبحث،
وقرأتم باب اللقطة وإن الضائع على الفطرة
هو الله تعالى ، فأعماق فكر الإنسان وعقله
تبحث عنه لتجده وتعرفه ، فمن الذي وجده
بحيث يستطيع أن يقول: ( أنا وجدتُك؟! ) من
ذلك الإنسان الذي يقول لله هذا الكلام ،
ويخاطبه بكاف الخطاب: ( وجدتُك ) !


وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك وبهذا نفهم
كلمة الإمام الهادي(ع)في وصف جده أمير
المؤمنين(ع): ( أنت أحسن الخلق عبادة ! )


ثم نصل الى ثمرة هذا النوع الفريد من
العبادة ، ما هي؟


هي أن أميرالمؤمنين(ع)صار مصداق الحديث
القدسي:(عبدي أطعني أجعلك مثلي أقول للشئ
كن فيكون، وتقول للشئ كن فيكون ! ) (4) وصار
المثل الأعلى لله تعالى: ( وَللهِ
الْمَثَلُ الأعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ ) ( سورة النحل:60 )


وقد أخبرنا الله تعالى أن هذا المثل موجود
في الأرض! ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ
أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ
الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ
وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) ( سورة
الروم: 27 )


وصار من حق علي(ع)أن يقول: أنا ذلك المثل
الأعلى لله تعالى !


التعليقات


(1) نورد هذه الزيارة الشريفة كاملة ،
لكثرة فوائدها ، من كتاب المزار لمحمد بن
المشهدي(ره)، قال في ص263: (زيارة أخرى
لمولانا أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب
صلوات الله عليه ، مختصة بيوم الغدير:


أخبرني بهذه الزيارة الشريفة العالم أبي
جعفر محمد المعروف بابن الحمد النحوي، رفع
الحديث عن الفقيه العسكري صلوات الله عليه
في شهور سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وأخبرني
الفقيه الأجل أبو الفضل شاذان بن جبرئيل
القمي رضي الله عنه، عن الفقيه العماد
محمد بن أبي القاسم الطبري، عن أبي علي، عن
والده، عن محمد بن محمد بن النعمان، عن أبي
القاسم جعفر بن قولويه، عن محمد بن يعقوب
الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن
أبي القاسم بن روح وعثمان بن سعيد العمري،
عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري، عن أبيه
صلوات الله عليهما، وذكر أنه(ع)زار بها في
يوم الغدير في السنة التي أشخصه المعتصم
تقف عليه وتقول:


السلام على محمد رسول الله ، خاتم النبيين
، وسيد المرسلين ، وصفوة رب العالمين ،
أمين الله على وحيه ، وعزائم أمره ، الخاتم
لما سبق ، والفاتح لما استقبل ، والمهيمن
على ذلك كله ، ورحمة الله وبركاته وصلواته
وتحياته


السلام على أنبياء الله ورسله ، وملائكته
المقربين ، وعباده الصالحين السلام عليك
يا أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، ووارث
علم النبيين ، وولي رب العالمين ، ومولاي
ومولى المؤمنين ورحمة الله وبركاته
السلام عليك يا أمير المؤمنين ، يا أمين
الله في أرضه ، وسفيره في خلقه، وحجته
البالغة على عباده


السلام عليك يا دين الله القويم ، وصراطه
المستقيم


السلام عليك أيها النبأ العظيم ، الذي هم
فيه مختلفون ، وعنه يسألون


السلام عليك يا أميرالمؤمنين، آمنت بالله
وهم مشركون ، وصدقت بالحق وهم مكذبون
وجاهدت وهم محجمون، وعبدت الله مخلصاً له
الدين ، صابراً محتسباً حتى أتاك اليقين،
ألا لعنة الله على الظالمين السلام عليك
يا سيد المسلمين ، ويعسوب المؤمنين ،
وإمام المتقين ، وقائد الغر المحجلين ،
ورحمة الله وبركاته


أشهد انك أخو الرسول ووصيه ، ووارث علمه ،
وأمينه على شرعه ، وخليفته في أمته، وأول
من آمن بالله ، وصدق بما أنزل على نبيه
وأشهد أنه قد بلغ عن الله ما أنزله فيك ،
وصدع بأمره ، وأوجب على أمته فرض ولايتك ،
وعقد عليهم البيعة لك ، وجعلك أولى
بالمؤمنين من أنفسهم كما جعلك الله كذلك،
ثم أشهد الله تعالى عليهم فقال: ألست قد
بلغت ؟ فقالوا: اللهم بلى ، فقال: اللهم
اشهد وكفى بك شهيداً وحاكماً بين العباد
فلعن الله جاحد ولايتك بعد الإقرار ،
وناكث عهدك بعد الميثاق وأشهد أنك أوفيت
بعهد الله تعالى ، وأن الله تعالى موف
بعهده لك ، وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ
عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً
عَظِيماً (سورة الفتح:10) وأشهد أنك أمير
المؤمنين الحق ، الذي نطق بولايتك التنزيل
، وأخذ لك العهد على الأمة بذلك الرسول


وأشهد أنك وعمك وأخاك ، الذين تاجرتم الله
بنفوسكم ، فأنزل الله فيكم: إِنَّ اللهَ
اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ
لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي
سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ
وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً
فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ
وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ
مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا
بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ
وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ
الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ
الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ
الله وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (سورة
التوبة:111-112) أشهد يا أمير المؤمنين أن
الشاك فيك ما آمن بالرسول الأمين ، وأن
العادل بك غيرك عادل عن الدين القويم ،
الذي ارتضاه لنا رب العالمين، فأكمله
بولايتك يوم الغدير


وأشهد أنك المعني بقول العزيز الرحيم:
وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً
فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا
السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ
سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (سورة الأنعام:153)
، ضلَّ والله وأضلَّ من اتبع سواك ،
وعَنَدَ عن الحق من عاداك اللهم سمعنا
لأمرك ، وأطعنا واتبعنا صراطك المستقيم ،
فاهدنا ربنا ولا تزغ قلوبنا بعد الهدى عن
طاعتك ، واجعلنا من الشاكرين لأنعمك وأشهد
أنك لم تزل للهوى مخالفاً ، وللتقى محالفاً
، وعلى كظم الغيظ قادراً، وعن الناس
عافياً، وإذا عصي الله ساخطاً ، وإذا أطيع
الله راضياً ، وبما عهد الله اليك عاملاً ،
راعياً ما استحفظت ، حافظاً ما استودعت ،
مبلغاً ما حملت ، منتظراً ما وُعدت


وأشهد أنك ما اتقيت ضارعاً ، ولا أمسكت عن
حقك جازعاً ، ولا أحجمت عن مجاهدة عاصيك
ناكلأ ، ولا أظهرت الرضا بخلاف ما يرضى
الله مداهناً ، ولا وهنت لما أصابك في سبيل
الله ، ولا ضعفت ولا استكنت عن طلب حقك
مراقبا


معاذ الله أن تكون كذلك ، بل إذ ظلمت
فاحتسبت ربك ، وفوضت إليه أمرك ، وذكرت فما
ذكروا ، ووعظت فما اتعظوا ، وخوفتهم الله
فما خافوا


وأشهد أنك يا أمير المؤمنين جاهدت في الله
حق جهاده ، حتى دعاك الله الى جواره ، وقبضك
إليه باختياره ، وألزم اعداءك الحجة ،
بقتلهم إياك ، لتكون لك الحجة عليهم ، مع
ما لك من الحجج البالغة على جميع خلقه


السلام عليك يا أمير المؤمنين ، عبدت الله
مخلصاً ، وجاهدت في الله صابراً ، وجدت
بنفسك صابراً محتسباً ، وعملت بكتابه ،
واتبعت سنة نبيه(ص)، وأقمت الصلاة ، وآتيت
الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن
المنكر ما استطعت ، مبتغياً مرضاة ما عند
الله ، راغباً فيما وعد الله لا تحفل
بالنوائب ، ولا تهن عند الشدائد ، ولا تحجم
عن محارب


أفِكَ من نسب غير ذلك وافترى باطلاَ عليك
، وأولى لمن عند عنك لقد جاهدت في الله حق
الجهاد ، وصبرت على الأذى صبر احتساب ،
وأنت أول من آمن بالله وصلى له ، وجاهد
وأبدى صفحته في دار الشرك، و الأرض مشحونة
ضلالة ، والشيطان يعبد جهرة


وأنت القائل لا تزيدني كثرة الناس حولي
عزة ، ولا تفرقهم عني وحشة، ولو أسلمني
الناس جميعاً لم أكن متضرع


اعتصمتَ بالله فعززت، وآثرت الآخرة
علىالأولى فزهدت، وأيدك الله وهداك
وأخلصك واجتباك ، فما تناقضت أفعالك ، ولا
اختلفت أقوالك ، ولا تقلبت أحوالك ، ولا
ادعيت ولا افتريت على الله كذباً ، ولا
شرهت الى الحطام ، ولا دنستك الآثام ، ولم
تزل على بينة من ربك ويقين من أمرك ، تهدي
الى الحق والى صراط مستقيم


أشهد شهادة حق ، وأقسم بالله قسم صدق أن
محمداً وآله صلوات الله عليهم سادات الخلق
، وأنك مولاي ومولى المؤمنين ، وأنك عبد
الله ووليه وأخو الرسول ، ووصيه ووارثه ،
وأنه القائل لك: والذي بعثني بالحق ما آمن
بي من كفر بك ، ولا أقر بالله من جحدك وقد
ضل من صد عنك ، ولم يهتد الى الله تعالى
ولااليَّ من لا يهتدى بك ، وهو قول ربي عز
وجل: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ
وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ
اهْتَدَى) الىولايتك


مولاي فضلك لا يخفى ، ونورك لا يطفى ، وإن
من جحدك الظلوم الأشقى


مولاي أنت الحجة على العباد ، والهادي الى
الرشاد ، والعدة للمعاد


مولاي لقد رفع الله في الأولى منزلتك ،
وأعلى في الآخرة درجتك ، وبصرك ما عمي على
من خالفك، وحال بينك وبين مواهب الله لك
فلعن الله مستحلي الحرمة منك وذائد الحق
عنك، وأشهد أنهم الأخسرون، الذين
تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ
فِيهَا كَالِحُونَ (سورة المؤمنون:104)


وأشهد أنك ما أقدمت ، ولا أحجمت ، ولا نطقت
، ولا أمسكت إلا بأمر من الله ورسوله ، قلت:
والذي نفسي بيده لنظر الي رسول الله(ص)أضرب
قدامه بسيفي فقال: يا علي أنت عندي بمنزلة
هارون من موسى إلا أنه لانبي بعدي ، وأعلمك
أن موتك وحياتك معي وعلى سنتي ، فوالله ما
كذبت ولاكذبت، ولاضللت ولا ضل بي، ولا
نسيت ما عهد الي ربي ، وإني لعلى بينة من
ربي ، بينها لنبيه ، وبينها النبي لي ،
وإني لعلى الطريق الواضح ، ألفظه لفظ


صدقت والله وقلت الحق ، فلعن الله من
ساواك بمن ناواك ، والله جل ذكره يقول:
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ
يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ
إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ
(سورة الزمر:9) ولعن الله من عدل بك من فرض
الله عليه ولايتك


وأنت ولي الله وأخو رسوله ، والذاب عن
دينه ، والذي نطق القرآن بتفضيله ، قال
الله تعالى: وَفَضَّلَ اللهُ
الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ
أَجْراً عَظِيماً دَرَجَاتٍ مِنْهُ
وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ
غَفُوراًرَحِيماً (سورة النساء:68-69) وقال
الله تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ
الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي
سَبِيلِ اللهِ لايَسْتَوُونَ عِنْدَ
اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ
اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ
يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ
مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ
فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (سورة التوبة:19-21)


أشهد أنك المخصوص بمدحة الله ، المخلص
لطاعة الله ، لم تبغ بالهدى بدلاً ولم تشرك
بعبادة ربك أحداً ، وان الله تعالى استجاب
لنبيه(ص)فيك دعوته ثم أمره باظهار ما أولاك
لأمته ، اعلاء لشأنك ، واعلانا لبرهانك ،
ودحضا للأباطيل ، وقطعا للمعاذير ، فلما
أشفق من فتنة الفاسقين ، واتقى فيك
المنافقين ، أوحى الله رب العالمين: يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا
أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ
لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ
رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ
النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي
الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ( سورة المائدة:
67) فوضع على نفسه أوزار المسير ، ونهض في
رمضاء الهجير ، فخطب فأسمع ، ونادى فأبلغ،
ثم سألهم أجمع ، فقال: هل بلغت؟ فقالوا:
اللهم بلى ، فقال: اللهم اشهد ، ثم قال:
ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ فقالوا:
بلى ، فأخذ بيدك ، وقال: من كنت مولاه فهذا
علي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من
عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله فما
آمن بما آنزل الله فيك على نبيه إلا قليل ،
ولا زاد أكثرهم إلا تخسيراً ، ولقد أنزل
الله تعالى فيك من قبل وهم كارهون: يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ
يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ
اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ
ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ
يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ
يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ
اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ( سورة المائدة:
54-56 )


رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ
وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا
مَعَ الشَّاهِدِينَ ( سورة آل عمران:53)
رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ
إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ
لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ
الْوَهَّابُ ( سورة آل عمران: 8 ) أللهم إنا
نعلم أن هذا هو الحق من عندك ، فالعن من
عارضه واستكبر وكذب به وكفر،
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ
مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ( سورة
الشعراء:227)


السلام عليك يا أمير المؤمنين ، وسيد
الوصيين ، وأول العابدين ، وأزهد الزاهدين
، ورحمة الله وبركاته وصلواته وتحياته


أنت مطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً
وأسيراً لوجه الله ، لا تريد منهم جزاء ولا
شكورا ، وفيك أنزل الله تعالى: وَالَّذِينَ
تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ
قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ
إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي
صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا
وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ
وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ
يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ ( سورة الحشر:9)


وأنت الكاظم للغيظ ، والعافي عن الناس ،
والله يحب المحسنين وأنت الصابر في
البأساء والضراء وحين البأس وأنت القاسم
بالسوية ، والعادل في الرعية ، والعالم
بحدود الله من جميع البرية والله تعالى
أخبر عما أولاك من فضله بقوله: أَفَمَنْ
كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً
لا يَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ
جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا
كَانُوا يَعْمَلُونَ ( سورة السجدة: 18-19 )
وأنت المخصوص بعلم التنزيل وحكم التأويل ،
ونصر الرسول ، ولك المواقف المشهورة،
والمقامات المشهورة والأيام المذكورة ،
يوم بدر ويوم الأحزاب: إِذْ جَاءُوكُمْ
مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ
مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأبْصَارُ
وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ
وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا
هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ
وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ
وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا
وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا
غُرُوراً وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ
مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ
لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ
فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ
إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ
بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلا
فِرَاراً ( سورة الأحزاب:10- 13 ) وقال الله
تعالى: وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ
الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا
اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ
وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا
إِيمَاناً وَتَسْلِيماً (سورة الأحزاب: 22)
فقتلت عمرهم وهزمت جمعهم وَرَدَّ اللهُ
الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ
يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ
الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ
اللهُ قَوِيّاً عَزِيزاً ( سورة الأحزاب:
25)


ويوم أحد إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا
تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ
يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ( سورة آل
عمران:153) وأنت تذودبهم المشركين عن النبي
ذات اليمين وذات الشمال، حتى صرفهما عنكم
الخائفين ، ونصر بك الخاذلين


ويوم حنين على ما نطق به التنزيل: لَقَدْ
نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ
كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرتُكُمْ فَلَمْ
تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ
عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ
ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ
أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى
رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ( سورة
التوبة: 25- 26) والمؤمنون أنت ومن يليك ،
وعمك العباس ينادي المنهزمين: يا أصحاب
سورة البقرة ، يا أهل بيعة الشجرة، حتى
استجاب له قوم قد كفيتهم المؤونة، وتكفلت
دونهم المعونة فعادوا آيسين من المثوبة ،
راجين وعد الله تعالى بالتوبة ، وذلك قوله
جل ذكره: ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ
ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ
غَفُورٌ رَحِيمٌ ( سورة التوبة: 27 ) وأنت
حائز درجة الصبر، فائز بعظيم الأجر


ويوم خيبر إذ ظهر الله خور المنافقين،
وقطع دابر الكافرين، والحمدلله رب
العالمين: وَلَقَدْكَانُوا عَاهَدُوا
اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ
الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُاللهِ
مَسْؤُولاً ( سورة الأحزاب: 15)


مولاي أنت الحجة البالغة، والمحجة
الواضحة ، والنعمة السابغة، والبرهان
المنير، فهنيئاً لك ما آتاك الله من فضل ،
وتباً لشانئك ذي الجهل شهدت مع
النبي(ص)جميع حروبه ومغازيه ، تحمل الراية
أمامه ، وتضرب بالسيف قدامه ، ثم لحزمك
المشهور ، وبصيرتك بما في الأمور ، أمرك في
المواطن ، ولم يك عليك أمير ، وكم من أمر
صدك عن إمضاء عزمك فيه التقى، واتبع غيرك
في نيله الهوى ، فظن الجاهلون أنك عجزت عما
إليه انتهى ضل والله الظان لذلك وما اهتدى
ولقد أوضحت ما اشكل من ذلك لمن توهم وامترى
، بقولك صلى الله عليك: قد يرى الحول القلب
وجه الحيلة ، ودونها حاجز من تقوى الله ،
فيدعها رأى العين، وينتهز فرصتها من
لاجريحة له في الدين ! صدقت وخسر المبطلون


وإذ ماكرك الناكثان فقالا: نريد العمرة،
فقلت لهما: لعمري ما تريدان العمرة لكن
الغدرة، وأخذت البيعة عليهما ، وجددت
الميثاق فجدا في النفاق، فلما نبهتهما على
فعلهما أغفلا وعادا ، وما انتفعا ، وكان
عاقبة أمرهما خسرا ثم تلاهما اهل الشام
فسرت إليهم بعد الإعذار ، وهم لا يدينون
دين الحق ولا يتدبرون القرآن، همج رعاع
ضالون ، وبالذي أنزل على محمد فيك كافرون ،
ولأهل الخلاف عليك ناصرون وقد أمر الله
تعالى باتباعك وندب الى نصرك ، قال الله
تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ
الصَّادِقِينَ ( سورة التوبة:119)


مولاي بك ظهر الحق ، وقد نبذه الخلق ،
وأوضحت السنن بعد الدروس والطمس ولك سابقة
الجهاد على تصديق التنزيل، ولك فضيلة
الجهاد على تحقيق التأويل، وعدوك عدو الله
، جاحد لرسول الله ، يدعو باطلاً ، ويحكم
جائراً ، ويتأمر غاصباً ، ويدعو حزبه الى
النار وعمار يجاهد وينادي بين الصفين:
الرواح الرواح الى الجنة، ولما استسقى ،
فسقي اللبن كبر وقال:قال لي رسول
الله(ص)آخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن
وتقتلك الفئة الباغية ، فاعترضه أبو
العادية الفزاري فقتله فعلى أبي العادية
لعنة الله ولعنة ملائكته ورسله أجمعين ،
وعلى من سل سيفه عليك وسللت عليه سيفك يا
أمير المؤمنين من المشركين والمنافقين
الى يوم الدين، وعلى من رضي بما ساءك ولم
يكرهه، وأغمض عينه ولم ينكره ، أو أعان
عليك بيد أو لسان، أو قعد عن نصرك، أو خذل
عن الجهاد معك ، أو غمط فضلك ، أو جحد حقك ،
أو عدل بك من جعلك الله اولى به من نفسه ،
وصلوات الله عليك ورحمة الله وبركاته
وسلامه وتحياته، وعلى الائمة من آلك
الطاهرين إنه حميد مجيد


والأمر الأعجب والخطب الأفظع بعد جحدك
حقك ، غصب الصديقة الزهراء سيدة النساء
فدكاً ، ورد شهادتك وشهادة السيدين سلالتك
وعترة أخيك المصطفى صلوات الله عليكم، وقد
أعلى الله تعالى على الأمة درجتكم، ورفع
منزلتكم، وأبان فضلكم، وشرفكم على
العالمين ، فأذهب عنكم الرجس وطهركم
تطهيراً !


قال الله جل وعز: إِنَّ الإنْسَانَ خُلِقَ
هَلُوعاً، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ
جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ
مَنُوعاً، إِلا الْمُصَلِّينَ ( سورة
المعارج: 19- 22) ، فاستثني الله تعالى نبيه
المصطفى وأنت يا سيد الأوصياء من جميع
الخلق ، فما أعمه من ظلمك عن الحق ، ثم
أفرضوك سهم ذوي القربى مكراً أو حادوه عن
أهله جوراً ، فلما آل الأمر اليك أجريتهم
على ما أجريا رغبة عنهما بما عند الله لك،
فأشبهت محنتك بهما محن الأنبياء(ع)عند
الوحدة وعدم الأنصار


وأشبهت في البيات على الفراش الذبيح(ع)،
إذ أجبت كما أجاب ، وأطعت كما أطاع إسماعيل
صابراً محتسباً ، إذ قال له: يَا بُنَيَّ
إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي
أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ
يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ
سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ
الصَّابِرِينَ ( سورة الصافات: 102)


وكذلك أنت لما أباتك النبي صلى الله
عليكما ، وأمرك أن تضطجع في مرقده واقياً
له بنفسك ، أسرعت الى إجابته مطيعاً،
ولنفسك على القتل موطناً ، فشكر الله
تعالى طاعتك، وأبان عن جميل فعلك بقوله جل
ذكره: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي
نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ
وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ ( سورة
البقرة:207)


ثم محنتك يوم صفين ، وقد رفعت المصاحف
حيلة ومكرا ، فأعرض الشك وعرف الحق واتبع
الظن ، أشبهت محنة هارون إذ أمره موسى على
قومه فتفرقوا عنه ، وهارون يناديهم: يَا
قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ
رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي
وَأَطِيعُوا أَمْرِي قَالُوا لَنْ
نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى
يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى ( سورة طـه:90- 91)


وكذلك أنت لما رفعت المصاحف قلت: يا قوم
إنما فتنتم بها وخدعتم ، فعصوك وخالفوا
عليك ، واستدعوا نصب الحكمين ، فأبيت
عليهم ، وتبرأت الى الله من فعلهم وفوضته
إليهم فلما أسفر الحق وسفه المنكر ،
واعترفوا بالزلل والجور عن القصد ،
واختلفوا من بعده ، وألزموك على سفه
التحكيم الذي أبيته ، وأحبوه وحظرته ،
وأباحوا ذنبهم الذي اقترفوه وأنت على نهج
بصيرة وهدى ، وهم على سنن ضلالة وعمى ، فما
زالواعلى النفاق مصرين، وفي الغي
مترددين، حتى أذاقهم الله وبال أمرهم،
فأمات بسيفك من عاندك ، فشفي وهوى ، وأحيا
بحجتك من سعد فهدى


صلوات الله عليك غادية ورائحة ، وعاكفة
وذاهبة ، فما يحيط المادح وصفك ، ولا يحبط
الطاعن فضلك أنت أحسن الخلق عبادة ،
وأخلصهم زهادة ، وأذبهم عن الدين ، أقمت
حدود الله بجهدك ، وفللت عساكر المارقين
بسيفك ، تخمد لهب الحروب ببنانك، وتهتك
ستور الشبه ببيانك ، وتكشف لبس الباطل عن
صريح الحق، لا تأخذك في الله لومة لائم وفي
مدح الله تعالى لك غنى عن مدح المادحين
وتقريظ الواصفين ، قال الله تعالى: مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا
عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ
مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (
سورة الأحزاب:23)


ولما رأيت قد قتلت الناكثين والقاسطين
والمارقين ، وصدقك رسول الله (ص)وعده،
فأوفيت بعهده ، قلت: أما آن أن تخضب هذه من
هذه ، أم متى يبعث أشقاها، واثقاً بأنك على
بينة من ربك وبصيرة من أمرك ، قادماً على
الله ، مستبشراً ببيعك الذي بايعته به ،
وذلك هو الفوز العظيم


اللهم العن قتلة أنبيائك وأوصياء أنبيائك
بجميع لعناتك ، وأصْلِهِمْ حَرَّ نارك ،
والعن من غصب وليك حقه ، وأنكر عهده، وجحده
بعد اليقين والاقرار بالولاية له يوم
أكملت له الدين اللهم العن قتلة أمير
المؤمنين ومن قتلته ، وأشياعهم وأنصارهم


اللهم العن ظالمي الحسين وقاتليه
والمتابعين عدوه وناصريه، والراضين بقتله
وخاذليه، لعناً وبيلاً اللهم ألعن أول
ظالم ظلم آل محمد ومانعيهم حقوقهم اللهم
خص أول ظالم وغاصب لآل محمد باللعن ، وكل
مستن بما سن الى يوم الدين


اللهم صل على محمد خاتم النبيين ، وسيد
المرسلين وآله الطاهرين ، واجعلنا بهم
متمسكين، وبموالاتهم من الفائزين
الآمنين، الذين لاخوف عليهم ولايحزنون،
إنك حميد مجيد) انتهى


(2) في نهج البلاغة:1/14، من خطبة له(ع)يذكر
فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم: (
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون
ولا يحصي نعماءه العادون ولا يؤدي حقه
المجتهدون ، الذي لا يدركه بعد الهمم ولا
يناله غوص الفطن


فسوى منه سبع سموات جعل سفلاهن موجاً
مكفوفاً وعلياهن سقفاً محفوظاً وسمكاً
مرفوعاً بغير عمد يدعمها ، ولا دسار
ينظمها


ثم زينها بزينة الكواكب ، وضياء الثواقب
وأجرى فيها سراجا مستطيراً ، وقمراً
منيراً في فلك دائر ، وسقف سائر ، ورقيم
مائر ثم فتق ما بين السموات العلا فملأهن
أطواراً من ملائكته، منهم سجود لا يركعون،
وركوع لا ينتصبون ، وصافون لايتزايلون
ومسبحون لايسأمون لايغشاهم نوم العين ولا
سهو العقول ولا فترة الابدان ولا غفلة
النسيان ومنهم أمناء على وحيه، وألسنة إلى
رسله، ومختلفون بقضائه وأمره ومنهم الحفظة
لعباده والسدنة لابواب جنانه ومنهم
الثابتة في الارضين السفلى أقدامهم ،
والمارقة من السماء العليا أعناقهم ،
والخارجة من الاقطار أركانهم ، والمناسبة
لقوائم العرش أكتافهم ، ناكسة دونه
أبصارهم ، متلفعون تحته بأجنحتهم ، مضروبة
بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار
القدرة ، لا يتوهمون ربهم بالتصوير ، ولا
يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه
بالاماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر)


(3) في البحار:41/14، وعنه(ع): (إلهي ماعبدتك
خوفاً من عقابك، ولاطمعاً في ثوابك، ولكن
وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك )


وفي نهج البلاغة:4/53، قال(ع): (إن قوماً
عبدوا الله رغبةً فتلك عبادة التجار، وإن
قوماً عبدواالله رهبةً فتلك عبادة
العبيد،وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك
عبادة الأحرار)


(4) في الجواهر السنية للحر العاملي ص361: (
وروى الحافظ البرسي قال: ورد في الحديث
القدسي عن الرب العلي أنه يقول: عبدي أطعني
أجعلك مثلي: أنا حيٌّ لا أموت، أجعلك حياً
لا تموت ، أنا غني لا أفتقر ، أجعلك غنياً
لا تفتقر، أنا مهما أشاء يكون، أجعلك مهما
تشاء يكون )


الفصل الرابع


مسؤولية العلماء والخطباء في التبليغ


(9)زاد المسافر: الكتاب والسنة


( بتاريخ: 23 شعبان 1417ـ 3/1/1997 ـ 3/10/1376 )


طلب بعض الأفاضل بمناسبة قرب سفرهم
للتبليغ (زاد المسافر)، وزاد المسافر
مصطلح ، تطبيقه هنا فقط: الكتاب والحديث


بعضهم يراجعنا ويسأل هل نذهب الى التبليغ
بمناسبة شهر رمضان أم لا ؟ الشيطان يقول
لاتذهب ، أما الله تعالى فيقول إذهبوا !
فاختاروا بينهما ، قال الله تعالى: وَمَا
كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا
كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ
فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ
إِذَارَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ (سورة التوبة: 122)


إن حاجة البلاد الى مبلغين في المحافظات
والقرى، حاجة كبيرة لا توصف في أصول الدين
وفروعه ، فالأجانب ينشطون في البلد ويبنون
مساجد في القرى، ويوظفون فيها أئمة مساجد
ومبلغين، ويضللون أفواجاً من شباب الشيعة
ويحرفونهم عن مذهب أهل البيت(ع)!


ففي مثل هذا الظروف لا يصح أن نسأل: هل
نجلس أم نذهب ؟!


هذا من جهة الخطر على أصول الدين


أما من جهة الأحكام فكثير من الناس في
المدن لايعرفون الحلال والحرام مع كثرة
أئمة الجماعة والعلماء ، فكيف بالقرى
النائية؟! إنهم جميعاً مسلمون شيعة،
ومائدة التبليغ هذه وضعت من قبل صاحب
الزمان(ع)من أجل خدمة ضعفاء الشيعة هؤلاء
ومن الطبيعي أن يكون في السفر مشقة، خاصة
في شهر رمضان


أين نذهب ، ماذا نعمل ، ماذا يحدث ؟ هذه
الأفكار موجودة


ولكن يوجد كلمة واحدة تسهل الأمر ، وهي أن
هذا السفر ليس سفر تجارة وكسب، بل هو سفر
عمل لهداية الناس وما دام كذلك فلا بد أن
نعرف ما هو عمل الهداية ؟


لو أنكم أدركتم ماهية هذا السفر لانحلت كل
المشكلات ، فما معنى هداية الناس التي
نسافر من أجلها؟ وهذا المجلس والحمد لله
ليس مجلس عوام نتحدث اليهم والهداية أول
واجبات مقام الإمامة ، تلك الإمامة التي
بحثنا في جلسة سابقة مقامها الرفيع، قال
الله تعالى:وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً
يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا
إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ
وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ
الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَاعَابِدِينَ
(سورة الأنبياء: 73 ) فعمل كل واحد منكم في
هذا السفر هو عمل ابراهيم الخليل(ع)، هو
عمل أمير المؤمنين(ع)، عمل الإمام
الحسين(ع) هذه عظمة هذا العمل


إنه لا كلام أعلى من كلام أئمة الدين
صلوات الله عليهم، فأرجو أن تقرروا جميعاً
بدون استثناء من هذا اليوم أن يقرأ الواحد
منكم كل يوم صفحة من أول كتاب البحار إن
هذه الجهود التي بذلها أساطين العلم من
أجلكم ، أمثال الشيخ الأنصاري والآخوند
وآقا ضيا والأصفهاني أعلى الله مقامهم ،
والأفكار التي طرحوها إنما هي مقدمة
لتصيروا أهل فكر واجتهاد ، وتستعملوا ذلك
في فهم الآيات والأحاديث ، فاقرؤوا صفحة
من البحار بتلك الحصيلة العلمية التي
استفدتموها من درسكم في الحوزة ، وتأملوا
في دقائقها ، وواصلوا هذا البرنامج في
حياتكم


غرضي مما أقوله أن أبين لكم أن المسافة
بيننا وبين الوصول الى الأسرار كبيرة ،
فقد قرأنا زيارة الجامعة كل عمرنا ،
فتأملوا فيها فقرة فقرة


من فقراتها: كلامكم نور وأمركم رشد فما
معناه؟ معناه أنكم جميعاً تطلبون النور ،
وتبحثون عن النور ، لكن هذا النور ليس في
شفاء ابن سينا ، ولا في المباحث المشرقية
للرازي ، ولا في كلمات أرسطو وأفلاطون
وفيثاغورس


هذا النور في قلب عدة من المستقيمين ، ذوي
القلوب المتوقدة من شعاع (يَكَادُ
زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ
تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ )


ابن سينا في آخر عمره وبعد أن قضى حياته في
الفلسفة المشائية، وولج كل الأبواب بحثاً
عن ضائعه ، واصطدم رأسه بالصخور مرات
عديدة في آخر عمره فهم أن ضائعه لايوجد في
تلك المداخل وإنما يوجد في القرآن ، فكتب
كلمات يفهم منها ذلك ، وكان يقضي نهاره
وليله في قراءة القرآن !


أما أنتم فيمكنكم أن تكونوا يقظين من أول
أعماركم وتصلوا من الآن الى القرآن
والحديث ، الى: ( إني تارك فيكم الثقلين
كتاب الله وعترتي ! )


ابن سينا في آخر عمره ، وبسبب قصة لايتسع
المجال لشرحها الآن، وصل ، لكن بعد فوات
الأوان! لكنه قرر أن يغتنم ما بقي له من
أيام، وأخذ في قراءة القرآن ومطالعته الى
أن توفي !


أما النبي(ص)فقال:(إني تارك فيكم الثقلين:
كتاب الله وعترتي، ما إن تمسكتم بهما لن
تضلوا أبداً )


كلامكم نور نقرأ هذا اليوم نوراً من
أنوارهم صلوات الله عليهم ، في هذه
الرواية الشريفة ، فإن لم نصل الى عمقها
وأسرارها ، فإن مجرد قراءتنا لها نور وإن
وصلنا الى شرحها فهو نور على نور


قال علي بن الحسين عليه الصلاة والسلام:
(أوحى الله تعالى إلى موسى: حَبِّبْنِي إلى
خلقي، وحَبِّبْ خلقي إليَّ قال: يارب كيف
أفعل؟ قال: ذكرهم آلائي ونعمائي ليحبوني،
فلئن ترد آبقاً عن بابي، أو ضالاً عن
فنائي، أفضل لك من عبادة مائة سنة بصيام
نهارها، وقيام ليلها


قال موسى: ومن هذا العبد الآبق منك؟


قال: العاصي المتمرد


قال: فمن الضال عن فنائك؟


قال: الجاهل بإمام زمانه تعرفه، والغائب
عنه بعد ما عرفه، الجاهل بشريعة دينه،
تعرفه شريعته ، وما يعبد به ربه ويتوصل به
إلى مرضاته قال علي بن الحسين(ص): فأبشروا
علماء شيعتنا بالثواب الأعظم والجزاء
الأوفر)( البحار:2/4)


إقرؤوا بتفكير ما معنى هذه
الكلمة:حَبِّبْنِي إلى خلقي، وحَبِّبْ
خلقي إليَّ ؟! يقول الله تعالى هذا الكلام
لنبيه موسى(ع)بعد أن نجح في تلك الإمتحانات
وعبر تلك المراحل ، ووصل الى تلك المقامات !


يقول له: الآن حان الوقت الذي تكون فيه
دلاَّلاً لمحبتي !


لله ، أي دلالون نحن بين الله وخلقه؟! إن
كل واحد منكم يذهب الى بلد أو قرية، فهو
دلال بين الخالق والخلق! هذا هو عملكم،
فافهموا ماذا تعملون، وبأي نية تذهبون ،
ثم انظروا في نتيجة ذلك


قال: يا رب كيف أفعل ، لكي أصل الى هذا
المقام ؟


قال: ذكرهم آلائي ونعمائي


ويسأل بعضهم: هل نذهب للتبليغ أم لا نذهب؟
وإذا ذهبنا ماذا نفعل؟


الجواب كله هنا لقد حدد لك كيف تذهب،
وماذا تقول وكيف، وماذا تفعل، وأي نتيجة
تهدف من عملك فلم يبق شئ !


عندما تذهبون وتريدون أن تتحدثوا إلى
الناس حببوهم بالله تعالى، قوُّوا
علاقتهم به وحبهم له ، فبذلك تحببون الله
تعالى بخلقه كيف ؟


طريق ذلك أن تقرؤوا بابين: باباً في آلاء
الله ، وباباً في نعمائه: ذكرهم بآلائي
ونعمائي هذا هو إعجاز كلام الأئمة(ع)


لقد قرأتم في كتب المقدمات أن الآلاء هي
المواهب المعنوية ، والنعماء هي المواهب
الظاهرية والإنسان المبلغ للدين يجب أن
يكون عالماً بآلاء الله تعالى ونعمائه ،
لابد له أن يعرف عالم ملك كل إنسان وعالم
ملكوته، وطريق ذلك التعمق والغور في
الأحاديث


ذكروا الناس بما أعطاهم الله تعالى في
ظاهرهم وفي باطنهم، ولا تحتاجون الى شئ
غيره، فبهذا تفتِّحون أكمام ورودهم ،
وتيقظون فيهم فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي
فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ( سورة الروم:30
)


أحيوا فيهم ذلك العشق الكامن في أعماق
فطرة الناس لخالقهم ، فإن أحييتم حبهم له،
صاروا مطيعين لربهم ، وصاروا محبوبين له


وبذلك تكونون حببتم الناس بربهم ،
وحببتموه بهم


وإذا ذهب أحدكم شهراً للتبليغ فليعاود
ذلك مرة أخرى ، وإن طبَّق ما سنذكره
إجمالاً ، فسوف تتحول شخصيته الى إكسير ،
أين منه الذهب؟!


وطريق ذلك هذه الرواية الشريفة التي
لايتسع المجال لشرحها ، فلنكمل قراءة
ألفاظها: فلئن ترد آبقاً عن بابي، أو
ضالاًعن فنائيإن تفعل واحداً هذين
الأمرين، إما أن ترد إنساناً آبقاً هارباً
من ربه، أو ترشد إنساناً ضالاً عن رحاب ربه
الى فنائه!


لاحظوا أن المتكلم هوالله تعالى،
والمستمع نبي الله موسى(ع)، والموضح هو
الإمام زين العابدين وتاج الساجدين(ع)!


إن عملكم في التبليغ أحد هذين الأمرين:
إما آبقٌ تردونه الى البيت ، أو ضالٌّ
لايعرف الفناء ترشدونه اليه! وفي كلمة
الآبق والضال، مالا يتسع له المجال


ياموسى، إن فعلت هذا فنتيجته: أفضل لك من
عبادة مئة سنة بصيام نهارها وقيام ليلها !
فأجر المبلغ للدين ليس تلك الدريهمات
القليلة أو الكثيرة ، إن هذا التفكير غلط ،
بل هو جوهر عظيم يسَّرَهُ الله لكم وجعله
من نصيبكم ، فلا تدعوا الشيطان يسلبه منكم
!


القضية ، أن كل واحد منكم إن استطاع أن
يرجع آبقاً الى ربه، أو يهدي ضالاً الى ربه
، فعمله أفضل من مئة سنة عبادة، ليست من
عبادته وصلاته وصومه هو ، بل من عبادة نبي
الله موسى بن عمران(ع)وصلاته وصومه!


من مئة سنة يصوم موسى(ع)كل أيامها ويصلي كل
لياليها !!


ثم شرح الله تعالى لموسى معنى الآبق
والضال:


قال موسى: ومن هذا العبد الآبق منك؟ قال:
العاصي المتمرد


فاعمل عملاً ترد فيه هذا العبد الهارب الى
ربه، تعيد تارك الصلاة الى ربه بإعادته الى
صلاته ، وتارك الصوم الى ربه بإعادته الى
صومه ، وتعيد آكل الحرام الى ربه بالتوبة
من الحرام


قال: فمن الضال عن فنائك؟ قال: الجاهل
بإمام زمانه تعرفه ، والغائب عنه بعد ما
عرفه ، الجاهل بشريعة دينه، تعرفه شريعته
وما يعبد به ربه ويتوصل به إلى مرضاته !


إن كل فقرة من هذا الرواية فيها بحث مفصل،
فاجعلو نصها برنامجاً شهرياً لعملكم في
التبليغ، وعسى أن نتوفق لتفصيل شرحه


ونتيجتها أن مسؤوليتكم مركبة من عملين:


الأول، أن تعلموا الناس فروع دينهم
ومسائل الحلال والحرام ، وترغبوهم في أداء
الواجبات وترك المحرمات ، فتردوا الآبق
الى ربه


والثاني، أن تعرفوهم بأصل دينهم، وأصل
الدين إمام الزمان(ع) ومع أن الخطاب من
الله تعالى لنبيه موسى بن عمران(ع)، فقد
بين فيه أهمية إمام الزمان في التدين
بالدين الإلهي في كل عصر، وهو كلام عظيم
يفهم سره كبار العلماء والحكماء ! ذلك أن
الإمام هو الرابط بين الخلق والخالق ، هو
حرف الربط ، وبدون حرف الربط محال أن يرتبط
المحمول بالموضوع !


إن قلوب الناس كلها بمنزلة المحمول ، وذات
القدوس والمبدأ المتعالي عز وجل موضوع
الموضوعات ، والرابط بينهما صاحب الزمان
صلوات الله عليه فإن كان الشخص بعيداً عن
هذا الحرف كان ضالاً عن فناء الله تعالى
ورحابه، مهاناً في فناء غيره ، فهو كالنبت
بلا جذور ، ومحال أن يثمر نبت بلا جذور !


ونتيجة هذا الحديث الشريف: أن تعرفوا أيها
المسافرون للتبليغ أن جذر المسائل الشريعة
وأحكام الحلال والحرام وجذعها هو صاحب
الزمان(ع)، وثمرة هذه الشجرة المباركة
سعادة الدنيا والآخرة فإن أوصلتم شخصاً
واحداً من أيتام آل محمد وشيعتهم الى
هاتين الكلمتين، أو بذلتم جهدكم في ذلك،
فثمرته ثواب صوم الدهر وصلاته من نبي الله
موسى بن عمران(ع)!


وشاهد ذلك قول الإمام زين العابدين(ع)في
آخر الحديث: فأبشروا علماء شيعتنا بالثواب
الأعظم ، والجزاء الأوفر والإمام لايبالغ
في كلامه ولا يُغرق ، فهو يخبر عن هذا
الثواب العظيم ويتكفل به عن الله تعالى ،
لمن رد عبداً آبقاً عن باب الله ، أو رد
عبداً ضالاً الى فناء الله تعالى!


فاستبشروا بهذا الثواب الأعظم والجزاء
الأوفر وبشروا به ، ولا يكن مجلسٌ من
مجالسكم خالياً من ذكر إمام العصر صلوات
الله عليه ، فليكن في كل مجلس أو خطبة
مسألة أو قضية تتعلق به، وإن فعلتم ذلك
فمحال أن لاينظر اليكم ، وإذا نظر اليكم
بعناية فإن نتيجة ذلك قدتصل الى خير عظيم ،
يدرك ولا يوصف !


اللهم صل على وليك الحجة بن الحسن العسكري
عدد ما في علمك ، صلاةً دائمة بدوام ملكك
وسطانك


اللهم سلم على وليك الحجة بن الحسن
العسكري، سلاماً دائماً بدوام ملكك
وسلطانك


(10)الكافلون لأيتام آل محمد(ص)


( بتاريخ: 23 شعبان 1419 ـ 13/12/1998 ـ 22/9/77 )


الآن أنتم أيها الفضلاء على قسمين: بعضكم
معذور من السفر للتبليغ وهؤلاء لهم أجر
نيتهم ، ما داموا نووا أن يذهبوا لو
استطاعوا


أما الذين لاعذر لهم فيجب أن يذهبوا ، لكن
عليهم أن يعرفوا قيمة هذا السفر ، وأنه
تجارة مربحة يَسَّرَهَا لهم ربُّهم


يوجد حديث شريف يبين لنا أهمية هذا الأمر:
جاءت امرأة الى الصديقة الطاهرة
الزهراء(ع)فقالت لها: ( إن لي والدة ضعيفة ،
وقد لبس عليها في أمر صلاتها شئ ، وقد
بعثتني إليك أسألك فأجابتها فاطمة عن ذلك
، ثم ثنَّتْ ، فأجابتْ ، ثم ثلَّثتْ
فأجابتْ، إلى أن عشَّرتْ فأجابتْ ، ثم
خجلت من الكثرة ، فقالت: لا أشقُّ عليك يا
بنت رسول الله قالت فاطمة(ع): هاتي وسلي عما
بدا لك ، أرأيت من اكتُرِيَ يوماً أن يصعد
إلى سطح بحمل ثقيل ، وكراؤه مائة ألف دينار
أيثقل عليه؟ فقالت: لا فقالت: اكتُرِيتُ
أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى
إلى العرش لؤلؤاً ، فأحرى أن لا يَثقل
عليَّ ! ) (1)


نعم، هذا أجر هداية الناس الى أحكام دين
الله تعالى!


ومسائل هذا الموضوع ليست تعبدية ، لكنها
تحتاج الى عقل ناضج لإدراكها فعندمايكون
الحكم حكم الله تعالى والقانون قانون الله
تعالى،فإن هذه الإضافة توجب تغيير كل
الأمور المتعلقة به فكل شئ موجود في هذه
الإضافة !


عندما يكون الحكم حكم الله تعالى يصير
الذي يبلغه نبياً ، ويصير حجة لله ويصير
موضوع التقييم نبي الله وحجة الله ! ويصير
أجره أكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش
لؤلؤاً ! ومعنى تعبير الصديقة الزهراء(ع)أن
هذا حد إدراكنا نحن ، وإلا فالأجر أعظم من
هذا ، ولم تعين(ع)بأي مقدار هو أعظم وأكثر
ولا عَجَبَ ، فإن طرف الإضافة هو الله
تعالى !


المهم لكم أن تستفيدوا من الفرصة صحيح
أنكم لو عملتم في مجال آخر لوصلتم الى
درجات مختلفة ، حسب استعداد كل منكم مثلاً
أكثركم لو اتجه الى دراسة فرع من الفروع
غير علوم الدين لكان الأمر عليه أسهل، وما
تكلف بذل هذا الجهد ولا تحمل هذه المصاعب،
فغيركم يدرس اثنتي عشرة سنة أو أكثر أو أقل
، فيصير مهندساً أو طبيباً ، ثم يعمل ويدير
أمور معيشته


أما أنتم فتدرسون سنيناً أطول ، وتبذلون
جهداً أكبر ، ثم يرى الطالب نفسه أنه
لايحصل من راتب الحوزة علىكفاف معيشته!


لكن المهم أن لايعطي أذنه لوسوسة
الشيطان، وأن يقدر النعمة التي أنعم الله
عليه بها ، حتى لاينطبق عليه لاسمح الله: (
خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ
هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ )


إن ما يمنَُ الله به على طالب العلم من
توفيقات ونعم عظيمة ، إنما هو بسبب حليب
الأم الطاهر، أو نية الأب الصافية، أو نية
أحد أجداده الصالحين، فإن عمل الله تعالى
أمرٌ محسوب بدقة ، فلا تتخيلوا أن منصب
خادم الإمام المهدي(ع)، الذي لاتقاس به
مناصب كل حكومات العالم مجتمعة أمراً
بسيطاً؟!


إن مجرد تسجيل اسم أحدكم في سجل صاحب
الزمان صلوات الله عليه ، مقامٌ وشرفٌ لا
تعدله ثروةٌ ولا سلطةٌ ، بل لاتعدل حتى
غبارَه !


فعلى الواحد منكم أن يعرف ماذا عليه أن
يفعل وقد أطلنا اليوم في هذا الموضوع، لأن
التذكير به ضروري


يُعرف الإمام(ع)بأمرين: العلم ، وإجابة
الدعوة فدعوة حجة الله في أرضه مستجابة لا
ترد ولا تبدل ، وقد قال الإمام علي بن موسى
الرضا(ع): (رحم الله عبداً أحيا أمرنا) رحم
الله بصيغة الماضي ، ولم يقل يرحم الله من
أحيا أمرنا! فالنسبة قسمان: نسبة تقديرية
هي مدلول هيئة المضارع، ونسبة تحقيقية وهي
مدلول هيئة الماضي ، وقد أكدها الإمام بأن
جاء بها بصورة الإخبار ، ثم بصيغة الدعاء ،
ودعاء المعصوم لايرد !


يقول أبو الصلت&:فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟


قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن
الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعون


( العيون:2/275 )


هذا هو إحياء أمرهم(ع)فأمرهم أمر الله
تعالىوالمتعلم علوم أهل البيت (ع)ومعلمها
للناس محيٍ لأمر الله فهل يتصور أحدنا أن
يحصل على مقام أعلى من هذا المقام ،
مقروناً بذلك الدعاء من حجة الله(ع)؟!


كما ينبغي أن تعرفوا أن التبليغ المؤثر في
الناس لعلوم أهل البيت(ع)في شهر رمضان
وغيره ، إنما هو أمران: القرآن والحديث


والسر في ذلك أن نص القرآن ذو روح ، ونص
الحديث نص له روح ، وحتى ترجمة القرآن
والحديث ليس فيها تلك الروح !


جربوا واقرؤوا على الناس أصل القرآن وأصل
الحديث، واقرؤوا ترجمتهما، لتلمسوا ذلك،
وأن الذي يؤثر في الناس أصل القرآن ، وأن
الروح التي فيه تدرك ولا توصف! وأن في كلام
النبي والأئمة(ع)نوراً خاصاً ، لايرى بهذه
العين، بل بعين أقوى!


فاقرؤوا على الناس نصوص تلك الآيات
الكريمة والكلمات المنيرة ، فإن قراءتها
تحيي الأرواح ، وتنعش القلوب


هذا هو طريق التبليغ ، وأمامكم ذلك الأجر
الذي وصفته الصديقة الكبرى فاطمة
الزهراء(ع)، ومعكم دعاء الإمام الرضا
المستجاب(ع)


وأهم من هذا أن الإمام الرضا(ع)قال: (أفضل
ما يقدمه العالم من محبينا وموالينا أمامه
ليوم فقره وفاقته وذله ومسكنته، أن يغيث في
الدنيا مسكيناً من محبينا، من يد ناصبٍ عدو
لله ولرسوله(ص)


يقوم من قبره والملائكة صفوف من شفير قبره
إلى موضع محله من جنان الله، فيحملونه على
أجنحتهم يقولون له: مرحباً طوباك طوباك،
يا دافع الكلاب عن الأبرار، ويا أيها
المتعصب للأئمة الأخيار) ( الإحتجاج:1/12)


ماذا يعني ذلك؟! يعني أن الذي يدفع شبهات
النواصب والمخالفين عن إمامة الأئمة
المعصومين من أهل بيت النبوة الأطهار(ع)،
أو الذي يرد شبهات المشككين ووسوساتهم في
عقيدتنا بمقامات الصديقة الكبرى والأئمة
المعصومين، أولئك الشكاكون الذين
يستكثرون عليهم أن تكون لهم مقامات من
الله تعالى فوق تصور البشر !


إن الذي يقف أمام هؤلاء ويدفع شبهاتهم
يعطى إسم: دافع الكلاب عن الأبرار ويعطى
وساماً آخر أيضاً وهو: المتعصب للأئمة
الأخيار !


إن التعصب لأحدٍ أو لقبيلة أو وطن، محرمٌ
في الإسلام ومبغوض، لكن هذا التعصب مستثنى
لأنه دفاع عن خير الخلق محمد وعترته الأئمة
الأخيار الأطهار المظلومين، صلوات الله
عليه وعليه !


وأختم كلامي بأن سفركم للتبليغ يجب أن
يكون منصباً على كلمتيتن:


دفع الكلاب عن الأبرار ، والتعصب للأئمة
الأخيار


التعليقات


(1) الحديث في تفسير الإمام
العسكري(ع)ص340والبحار:2/3، وتكملته: (سمعت
أبي رسول الله(ص)يقول: إن علماء شيعتنا
يحشرون، فيخلع عليهم من خلع الكرامات على
قدر كثرة علومهم وجدهم في إرشاد عباد
الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف
خلعة من نور ثم ينادي منادي ربنا عز وجل:
أيها الكافلون لأيتام آل محمد الناعشون
لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم
أئمتهم ، هؤلاءتلامذتكم والأيتام الذين
كفلتموهم ونعشتموهم، فاخلعوا عليهم كما
خلعتموهم خلع العلوم في الدنيا فيخلعون
على كل واحد من أولئك الأيتام على قدر ما
أخذوا عنهم من العلوم ، حتى أن فيهم لمن
يخلع عليه مائة ألف خلعة وكذلك يخلع هولاء
الأيتام على من تعلم منهم


ثم إن الله تعالى يقول: أعيدوا عليَّ
هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتى
تتموا لهم خلعهم وتضعفوها، فيتم لهم ما
كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم ، ويضاعف لهم
، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على
مرتبتهم


وقالت فاطمة(ع):يا أمة الله إن سلكاً من
تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف
ألف مرة ، وما له فضل ، فإنه مشوب بالتنغيص
والكدر ) انتهى


(11)مسؤولية العلماء في حراسة العقائد
وإحياء عاشوراء


( بتاريخ: 24 ذي الحجة 1418- 22/4/1998 ـ 2/2/1377 )


إن زماننا هذا زمان هرج ومرج ! فالظلم فيه
كثير ، وشبهات الشياطين ووسوساتهم كثيرة ،
يوجهونها الى أصول الإسلام ومبانيه ،
والمسؤولية ثقيلة على عاتق كل فرد منا !


إن المعذورين لاحرج عليهم إن لم يسافروا
الى التبليغ في أيام عاشوراء ، لكن على
المستطيعين أن يغتنموا هذه الفرصة ،
ويذهبوا بأي طريقة الى تلك المناطق التي
يوجد فيها قطاع طرق ، يقطعون طريق التشيع،
ويضللون بسطاء الناس بالشبهات !


يجب الإنتباه الى أن أهم واجباتنا اليوم
حفظ ثغور المذهب ، وخير من أن نتكلم نحن في
ذلك، فلنستمع الى كلام الأئمة(ع)، فمن ذلك
قول الإمام الصادق(ع): (علماء شيعتنا
مرابطون في الثغر الذي يلي إبليس وعفاريته
، يمنعونهم عن الخروج علىضعفاء شيعتنا،
وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته والنواصب
ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا ، كان أفضل
ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة
، لأنه يدفع عن أديان محبينا ، وذلك يدفع
عن أبدانهم ) ( الإحتجاج :1/8 )


إن هذا الكلام مصداق: كلامكم نور ، فهو خير
مصباح ينير كل حياتكم


أنتم ترون أن الفقهاء قسموا كتاب الجهاد
الى فصلين ، فصل في الجهاد ، وفصل في
الرباط ، والرباط ورد ذكره في القرآن في
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا
وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (سورة آل
عمران:200 )،


وقد وردت فيه أحاديث كثيرة ، وهو محل
إجماع فرق المسلمين


فالمرابطة عمل يلي الجهاد ، وقد بلغ من
أمر الجهاد أن من يخرج من بيته بنيته فهو
لايخلو من أمرين: إن رجع الى أهله رجع
مغفوراً له كيوم ولدته أمه، وإن مات فقد
وقع أجره على الله تعالى: وَمَنْ
يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي
الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً
وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ
مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ
ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ
وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَىاللهِ وَكَانَ
اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (سورة النساء:100)


وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ
أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ
( سورة آل عمران:169)


والرباط الذي يلي مرتبة الجهاد، منه رباط
للقوات العسكرية على حدود بلاد المسلمين،
يحفظون ثغورها من هجمات الأعداء، ومنه هذا
الرباط المميز الذي حثكم عليه الإمام
الصادق(ع)، وهو رباط العلماء على ثغور
عقائد الإسلام، وهو رباط من أفضل أنواع
الجهاد، لأنه رباط على ثغور التشيع الذي
حدوده قلوب ضعفاء المسلمين ، وعدوه
المقابل إبليس وعفاريته المضلون !


وفي كلامه(ع)لطائف كثيرة لايمكننا
استيعابها ، وكما قال هو(ع):حديث تدريه خير
من ألف حديث ترويه (معاني الأخبار للصدوق
ص2) ، لكن واجبي أن أقدم لكم عصارة الفقه
والأحاديث التي فيها سعادة الدنيا
والآخرة، حتى أسقط مسؤوليتي الشرعية ، ولا
يقال لي غداً: لماذا لم تقل؟


إن الذين يقومون بتنظيم برنامج حياتهم
حسب كلامه(ع)، فنتيجة عملهم الفريدة ليس
محلها الدنيا! لكنهم سوف يدركون ماذا
ينتظرهم عند ربهم، فهم في الدنيا يذوقون
حلاوة عملهم ، وهذه السعادة العليا
لاينالها كل أحد ، فاحرصوا على سلوك
التقوى لأن جناب الحق سبحانه عظيم الجلال،
والطريق هنا لا يمكن سلوكه بدون طهارة: لا
يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ فبمقدار
ما تحققون من التقوى في سلوككم ، يمن عليكم
الله تعالى بخلعته الربانية وهي لباس
المرابطين على ثغور المذهب، في غيبة ولي
العصر أرواحنا فداه


ومن واجبات المرابط أن يرصد العدو، ويفهم
من أين يريد إبليس وعفاريته أن ينفذوا ،
فيحصن تلك الثغرة ، ويسد ذلك المنفذ


هذه المهمة هي واجبكم اليوم ، أما ثوابها
فهو يبهر العقول!


قال الإمام(ع): ( ألا فمن انتصب لذلك من
شيعتنا، كان أفضل ممن جاهد الروم والترك
والخزر ألف ألف مرة! )


إن هذه الرواية وأمثالها التي وردت بهذا
المضمون، تدلنا على أن الأئمة (ع)كانوا
يتوقعون أن إبليس وعفاريته سوف يركزون
جهودهم لإبعاد الناس عن مذهب أهل البيت(ع)،
وأن الخطر سيتوجه من إبليس وعفاريته الى
ضعفاء الشيعة ! فاقرؤوا هذه الروايات في
البحار وغيره بفهم وليس مجرد قراءة !
وستجدون أن همَّ الأئمة(ع)يتركز على حفظ
ضعفاء الشيعة من وسوسات النواصب
والمخالفين !


والتعبير بإبليس وعفاريته له مغزى مهم ،
فهو يدل على أن قوى عفريتية وأعمالاً
عفريتية ستحاول النفوذ الى أذهان ضعفاء
الشيعة والتأثير عليها كما نرى في مثل هذا
الزمان!


فعلى العالم أن يكون مرابطاً في سبيل الله
، حارساً لثغور المذهب الحق ، حافظاً لقلوب
ضعفاء الشيعة ، دافعاً عنهم إبليس
وعفاريته، الذين يبذلون جهدهم للنفوذ الى
قلوبهم


هل تعرفون كم أريق من الدماء الطاهرة من
أجل هذه العقائد الحقة التي هي مذهب أهل
البيت الطاهرين(ع)؟!


وأن الأئمة المعصومين(ع)وشيعتهم الأبرار
قد تحملوا من المعاناة من أجل ترسيخها
وحفظها ما يصعب على الإنسان أن يتحمل
سماعه أو تصوره ؟!


هل عندكم خبر أن اضطهاد أهل البيت
الطاهرين وشيعتهم وصل الى حد أن الطاغية
هارون الرشيد العباسي أمر قائد حملته
العسكرية على المدينة (أن يُغير على دور آل
أبي طالب ، وأن يسلب نساءهم ، ولا يدع على
الواحدة منهن إلا ثوباً واحداً )؟!!


ثم بلغ في عهد الطاغية المتوكل العباسي
أنه (كان القميص يكون بين جماعة من
العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة) !!


قال الصدوق في عيون أخبار الرضا(ع):1/172:
(وكان الجلودي في خلافة الرشيد لما خرج
محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة ، بعثه
الرشيد وأمره إن ظفر به أن يضرب عنقه ، وأن
يغير دور آل أبي طالب ، وأن يسلب نساءهم ،
ولايدع على واحدة منهن إلا ثوباً واحداً ،
ففعل الجلودي ذلك، وقد كان مضى أبوالحسن
موسى بن جعفر(ص)فصارالجلودي إلى باب دار
أبي الحسن الرضا(ع)، هجم على داره مع خيله،
فلما نظر إليه الرضا جعل النساء كلهن في
بيت، ووقف على باب البيت فقال الجلودي
لأبي الحسن: لا بد من أن أدخل البيت
فأسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين! فقال
الرضا(ع): أنا أسلبهن لك وأحلف أني لا أدع
عليهن شيئاً إلا أخذته! فلم يزل يطلب إليه
ويحلف له حتى سكن، فدخل أبو الحسن
الرضا(ع)فلم يدع عليهن شيئاً حتى أقراطهن
وخلاخيلهن وأزرهن إلا أخذه منهن ، وجميع
ما كان في الدار من قليل وكثير ) !!


وقال أبو الفرج الأصفهاني في مقاتل
الطالبيين ص396: (واستعمل- أي المتوكل ـ على
المدينة ومكة عمر بن الفرج الرخجي ، فمنع
آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس ، ومنع
الناس من البر بهم ، وكان لا يبلغه أن أحداً
أبر أحداً منهم بشئ وإن قل إلا أنهكه عقوبة
وأثقله غرماً ، حتى كان القميص يكون بين
جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد
واحدة ، ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن
عواري حواسر ، إلى أن قتل المتوكل ) !! انتهى


إن مذهب التشيع الذي وصل الينا إنما هو
بقية السيف ، وحصيلة جهود عظيمة تواصلت
عبر قرون ، من أولئك الصامدين الأبرار ،
وثمرة تحملاتهم لأنواع أذى الطغاة
واضطهادهم ويوم يحاسب الله الظالمين على
ظلمهم ، لابد أن يحاسبنا على تقصيرنا بحق
هذا التراث النبوي إن لم يدركنا برحمته


إن هذه العقيدة مذكرات دم الحسين بن
علي(ع)وثمرة قهر زينب وأسرها ، وميراث قطع
يدي أبي الفضل العباس فعلينا أن نعرف قيمة
هذه العقيدة العظيمة ، وندرك حجم
مسؤوليتنا تجاهها


عندما تخرجون من بيوتكم في سفركم لتبليغ
الإسلام ، فلتكن همتكم أن تحفظوا عقائد
هذا المذهب الحق بحبات قلوبكم ، وإن رأيتم
قلباً موالياً بذروا فيه شكاً ، أن تزيلوا
شكه ، وإن رأيتموهم ألقوا شبهة ، أن
تدفعوها عندئذ سيكون أجركم ما فوق الدراهم
والدنانير! سيكون ما قال عنه أمير
المؤمنين(ع): من قوَّى مسكيناً في دينه
ضعيفاً في معرفته ، على ناصب مخالف فأفحمه
، لقنه الله تعالى يوم يدلى في قبره أن
يقول: الله ربي، ومحمد نبيي، وعلي وليي،
والكعبة قبلتي، والقرآن بهجتي وعدتي،
والمؤمنون إخواني، فيقول الله: أدليت
بالحجة فوجبت لك أعالي درجات الجنة، فعند
ذلك يتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة (
الإحتجاج :1/10)


لقَّنه الله تعالىكلمةٌ لايتصور أعلى
منها ! فهي وعد أمير المؤمنين لكم ، إن أنتم
قوَّيتم عقيدة ضعيف في معرفة دينه ،
وثبَّتم قلبه على مذهب الحق ، أن أول أثر
عملكم أن يكون ملقنَ أحدكم في قبره الله
تبارك وتعالى! ثم يكون الأثر أن يتحول قبره
الى روضة من رياض الجنة ، بل من أنزه رياضها
!!


إنه أجرٌ أكبر من توقعنا ، بل هو أكبر من
تصورنا ! فابذلوا همتكم في هذا السفر في
نشر فضائل أهل البيت(ع)، وليكن همكم أن
تشرحوا للناس القرآن والسنة فقط ، فلا
تنحرفوا عن هذا الخط واعلموا أن طريق
التأثير في قلوب الناس محصور في القرآن
وأحاديث النبي والعترة(ص)، وأن الطرق
الأخرى غلط! فلا تخلطوا الكلام البشري
بالكلام الإلهي ، ولا تقيسوا الأرضي
بالسماوي ، ولا الأوهام بالحقائق !


هذا هو طريق إرشاد الناس، وتبليغ الدين
فإن فعلتم فإن أفضل ماتحصلون عليه من أجرة
أنكم ترجعون برضا صاحب الزمان أرواحنا
فداه ، فرضاه يتحقق بذلك دون شك


إن الإمام المهدي أرواحنا فداه يركز نظره
في عصرنا على عاشوراء ، فهي محط نظره
وأمله، وهذا أمر قطعي لاشك فيه ولا قيد له
، وعنايته روحي فداه بهذا البلد مشروطة
بوجود عاشوراء ، فإن تزلزل وجودها فإن كل
ما يبقى لاقيمة له في نظره الشريف !


أما لماذا كانت عاشوراء مركز الثقل في
نظره، وما هو السر في ذلك؟ فجوابه: أن
الوصول الى أعماق أفكار الإسلام في مذهب
أهل البيت(ع)ليس أمراً سهلاً في متناول
الأطفال


السرأن الحارث بن المغيرة النصري قال: قلت
لأبي عبد الله: إني رجل كثير العلل
والأمراض وماتركت دواء إلا تداويت به فما
انتفعت بشئ منه!


فقال لي: أين أنت عن طين قبر الحسين بن علي
، فإن فيه شفاءً من كل داء ، وأمناً من كل
خوف (أمالي الطوسي ص317) إنه كلام إمام
نشرعلوم الأنبياء(ع)!


فإن فيه شفاءً من كل داء من الأمراض
البدنية والعقلية والروحية أيضاً! فلفظ
(كل) موضوع للدلالة على العموم ، ومقام
الإمام بالدرجة الأولى طب أمراض النفوس لا
الأبدان


فإن فيه شفاءً من كل داء فلو تفهمنا
لانفتح باب علم من تربة كربلاء !


إن الإمام الحسين(ع)لم يعرف الى الآن! وإن
تربة قبره إكسير يشفي داء أبداننا ، وداء
أفكارنا ، وداء أرواحنا ، وكل داء جسمي ،
أو روحي للبشر


وأمناً من كل خوف أيُّ خوف تؤمِّن منه
تربة قبر الحسين(ع)؟ إنها أمان من الخوف
الأكبر ، لمن وضعها في قبره وتفضل الله
عليه بإكرامه إكراماً لهذه التربة للإمام
الحسين(ع), كما أنها أمانٌ من خوف الظالم في
الدنيا لمن اصطحبها معه ليرد ببركتها ظلم
الظالم !


لكن الإمام الصادق(ع)قال إن لذلك دعاء
وآداباً ولايتسع وقتنا لشرحها ، قال(ع):(
فإذا أخذته فقل هذا الكلام: اللهم إني
أسألك بحق هذه الطينة ، وبحق الملك الذي
أخذها، وبحق النبي الذي قبضها، وبحق الوصي
الذي حل فيها، صل على محمد وأهل بيته،
وافعل بي كذا وكذ


قال: ثم قال لي أبو عبد الله: أما الملك
الذي قبضها فهو جبرئيل، وأراها النبي(ص)،
فقال: هذه تربة ابنك الحسين تقتله أمتك من
بعدك ، والذي قبضها فهو محمد رسول الله(ص)،
وأما الوصي الذي حل فيها فهو الحسين(ع)
والشهداء


قلت:قد عرفت جعلت فداك الشفاء من كل
داء،فكيف الأمن من كل خوف؟ فقال: إذا خفت
سلطاناً أو غير سلطان، فلاتخرجن من منزلك
إلا ومعك من طين قبر الحسين فتقول:اللهم
إني أخذته من قبر وليك وابن وليك، فاجعله
لي أمناً وحرزاً لما أخاف وما لا أخاف،
فإنه قد يرد ما لايخاف


قال الحارث بن المغيرة: فأخذت كما أمرني،
وقلت ما قال لي فصح جسمي، وكان لي أماناً
من كل ما خفت وما لم أخف كما قال أبو عبد
الله، فما رأيت مع ذلك بحمد الله مكروهاً
ولا محذوراً ) ( أمالي الطوسي ص317)


أما قول الإمام الصادق(ع):أما الملك الذي
قبضها فهو جبرئيل، وأراها النبي فهو إشارة
الى ذلك اليوم الذي جاء فيه جبرئيل الى
النبي(ص)وأخبره فيه عن الإمام الحسين
والأئمة من بعده من ذريته(ع)، قال الإمام
الصادق(ع):


( إن جبرئيل(ع)نزل على محمد وما ولد الحسين
بعدُ فقال: يولد لك غلامٌ تقتله أمتك من
بعدك! فقال: يا جبرئيل لاحاجة لي فيه ،
فخاطبه ثلاثاً ، ثم دعا علياً فقال له: إن
جبرئيل(ع)يخبرني عن الله تعالى أنه يولد لك
غلام تقتله أمتك من بعدك، قلت لاحاجة لي
فيه، فقال علي: لاحاجة لي فيه يا رسول
الله، فخاطب علياً ثلاثاً ، ثم قال: إنه
يكون فيه وفي ولده الإمامة والوراثة
والخزانة فأرسل إلى فاطمة: إن الله يبشرك
بغلام تقتله أمتي من بعدي! قالت فاطمة:
لاحاجة لي فيه، فخاطبها فيه ثلاثاً، ثم
أرسل إليها: لابد من أن يكون وتكون فيه
الإمامة والوراثة والخزانة فقالت له: رضيت
عن الله فعلقت وحملت بالحسين فحملته ستة
أشهر ثم وضعته، ولم يعش مولود قط لستة أشهر
غير الحسين وعيسى بن مريم(ص)فكفلته أم
سلمة)(الإمامة والتبصرة ص51)


إقرؤوا روايات كامل الزيارات لتروا
الإهتمام بهذه التربة المقدسة ، حيث ورد
التعبير عنها بحفظها ، وفي بعضها بخزن
النبي(ص)لها ! فقد وصل هذا التراب الطاهر
الى مستوى أن يقسم بها على الله تعالى، بعد
القسم عليه بجبرئيل والنبي(ص)! والروايات
في فضلها كثيرة أعم من المعتبرة وغيرها !


وفوق هذا، لقد وصلت مكانة تربة
الحسين(ع)الى أن السجود عليها ينور الى
الأرض السابعة ! فقدقال الصدوق&: وقال(ع):
السجود على طين قبر الحسين(ع) يُنوِّر إلى
الأرض السابعةانتهى(من لايحضره
الفقيه:1/268)


فما هي هذه الملحمة وما تلك الأسرار التي
جعلت أشعتها تصل الى الأرض السابعة ؟!


وفوق هذا ، والسر المحير للعقول أن السجود
عليها يخرق الحجب السبعة!! يقول معاوية بن
عمار رضي الله عنه:


(كان لأبي عبد الله(ع)خريطة ديباج صفراء
فيها تربة أبي عبد الله(ع)فكان إذا حضرته
الصلاة صبه على سجادته وسجد عليه ثم قال:
إن السجود على تربة أبي عبد الله يخرق
الحجب السبع) (وسائل الشيعة:3 /608 )


كان لأبي عبد الله(ع) وكان هنا تفيد
الإستمرار


خريطة ديباج صفراء من أغلى القماش الذي
كانت تحفظ فيه الجواهر واللئالي! فكان
يحفظ فيه تربة أبي عبد الله الحسين(ع)!


وكان يفتح هذا الكنز المقدس ، ويخرج ذلك
التراب المبارك ليسجد لله عليه في صلاته !
ثم يقول للناس لا تتعجبوا من فعلي هذا: إن
السجود على تربة أبي عبد الله يخرق الحجب
السبع !


أنا عاجز عن شرح هذه الكلمة! وروايتها
صحيحة ، فهي عن معاوية بن عمار رضي الله
عنه ، وسند الشيخ اليه صحيح


فاعجب إن أردت العجب لأن يكون السجود على
تربة الحسين(ع)يصل شعاعه المنير الى الأرض
السابعة! ويصعد من ناحية أخرى حتى يخرق
الحجب السبع! فأي قدرة جعل الله في هذا
التراب؟ ومن هو ذلك العظيم الذي وقع ظله
على تراب كربلاء؟!


التراب الذي بلغ من قدرته أن الإمام
الصادق(ع)، حجة الله في أرضه وولي الله
المطلق، يستفيد منه في سجوده فيضع عليه
جبهته ، ليخرق نوره وسجوده الحجب! إنه أمر
يحتاج الى فقيه نبيه ليفهمه !


إقرؤوا روايات تكبير الإفتتاح، لتروا ما
هو سر استحباب سبع تكبيرات؟!


( عن الإمام الصادق(ع)قال: إن رسول
الله(ص)كان في الصلاة إلى جانبه الحسين بن
علي، فكبر رسول الله فلم يُحِر الحسين
التكبير ، فلم يزل رسول الله(ص)يكبر ويعالج
الحسين التكبير فلم يحره ، حتى أكمل سبع
تكبيرات ، فأحار الحسين التكبير في
السابعة فقال أبو عبد الله: وصارت سنة )
(علل الشرائع:2/331 )


وصارت سنةيعني نزل جبرئيل فأخبر
النبي(ص)أن تكبيرات الإفتتاح سبع تكبيرات
بعدد الحجب السبعة ، وأن تكبيرات هذا
الطفل المبارك صحيحة وقد خرقت الحجب
السبعة ، وقد تركه الله تعالى يلثغ في
الستة حتى ألهمه فنطق السابعة (الله أكبر)
بدون لثغ الأطفال !


فهل جاء من هنا تأثير تربة قبر الحسين(ع)؟


هذا هو الإمام الحسين(ع)وهكذا فاعرفوه ،
وهكذا عرفوه الى الناس عسى أن يشملكم لطف
ولده الإمام المهدي أرواحنا فداه والسلام
عليه وعلى أولاده وأصحابه


اللهم صل على وليك الحسين بن علي بن أبي
طالب


عدد ما في علمك ، صلاة دائمة بدوام ملكك
وسلطانك


(12)فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ
مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ


( بتاريخ: 24 شعبان1421 ـ 21/11/200 ـ 1/9/13791 )


بعض الفضلاء يريدون أن يذهبوا للتبليغ في
هذا الشهر الشريف ، ومن أعظم ألطاف الله
تعالى أن يتوفق أحد لإرشاد جاهل لكن الذين
يريدون الذهاب لابد أن يستوعبوا هذا
الحديث الآتي


لاحظوا أن سورة البقرة بـ( ا لم) ، وفي
فواتح السور أسرار ، وكل سورة تبدأ
بالأحرف المقطعة فيها أسرار لايعلمها إلا
الله والراسخون في العلم !


فيها اسم الله الأعظم مقطع في هذا الحروف
، وسره لاينكشف لأحد إلا لولي العصرصلوات
الله عليه فقط وكل ما قاله المفسرون بدون
استثناء إنما هو بقدر فهمهم من هذه الحروف
لا بقدرها !


ح م ع س ق كهـ يعص حم المر ماذا يريد أن
يقول؟!


إقرؤوا هذه الآية أيضاً: (بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ق وَالْقُرْآنِ
الْمَجِيدِ )


(بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ص
وَالْقُرْآنِ ذي الذِّكْرِ )


مرة ترون الحرف آية ، ومرة الحرفين ، أو
الثلاثة !


هذه أيضاً أسرار فوق إدراكنا ، وكما قال
الإمام(ع)إن اسم الله مقطع في هذه الحروف ،
وتركيبه عندهم (1)


من كل هذه الحروف أعطي آصف بن برخيا حرفاً
واحداً ، فجاء بعرش بلقيس بنظرة واحدة !
(قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ
الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ
أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ)
(النمل:40) !


ولكل حرف من هذه الحروف متون ، وقد أعطوا
متناً لسلمان الفارسي رضي الله عنه ،
وبهذا المتن من الحرف أحاط بكل ما يقع الى
يوم القيامة !


إن هذه الكنوز أسرار ، ويجب أن تكون
أسراراً ، لأن من تعطى له يستطيع أن يغير
قوانين الطبيعة ، يستطيع بنظرة واحدة أن
يوقف جريان المنظومة الشمسية ، لذلك لابد
أن تكون له سيطرة على إرادته بحث يعيش
بالأسباب العادية ، وفي الوقت الذي يقول (
سلوني قبل أن تفقدوني ) (2) ، يستطيع أن يجلس
تحت منبر شخص عادي غصب وكان يقول: ( كل
الناس أفقه من عمر ) (3)


لمثل هؤلاء تعطى قدرة اسم الله الأعظم
فكروا في قول أمير المؤمنين(ع) الذي يقف
العقل عنده متحيراً مبهوتاً: (فصبرت وفي
العين قذى وفي الحلق شجى) (4) فإن الألفاظ
قوالب المعاني، وقول الإمام قالب الحقيقة
ليس فيه ذرة زيادة ولا نقصان ، ولاتجدون في
العالم أحداً كلامه قالب للمعنى بلا زيادة
ولا نقصان إلا المعصوم(ع)! لأن له إحاطة
بالقالب وما في القالب؟!


الشخص الذي عنده هذه القدرة ، يعطونه كل
أسرار تلك الحروف ، والقلوب أوعية ، وبقدر
ظرفية الوعاء يعطى صاحبه


تبدأ سورة البقرة بـ (الم ذَلِكَ
الْكِتَابُ لارَيْبَ فِيهِ هُدًى
لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلوةَ
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ )


تأملوا في هذه الجملة (وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) التي يسأل
محمد بن مسلم عنها الإمام الصادق(ع)، فيقول
الإمام(ع): (معناها: ومما علمناهم يبثون)(4)


وقد استعمل الإمام كلمة(معناها) لأن
المعنى هو المقصود وتمام المراد


والقرآن قسم نفسه وبين أنه قشر ولب ،
فقشره لأهل القشر ولبه لأولي الألباب !
والإمام(ع)يقول:(لانعد الرجل منكم فقيها
حتى يعرف معاني كلامنا)(5) فإن وصلتم الى
فهم المعاني والمقاصد ، فإن الإمام يعدكم
علماء !


ينبغي أن نعرف معنى الرزق في الآية ، ونحن
نتكلم بمقدار وقتنا ، وإلا فالقرآن بحر
عندما يرده الإنسان يغرق في أمواجه !


الرزق قوام وجود الموجود ، والإمام
اعتبره معنى لأنه يرتبط بهذه الحقيقة ، إن
ما يرتبط ببدني ليس هو رزقي بل هو رزق جلدي
وقشري ، رزق مركبي وليس رزقي


وعندما أخرج من جلدي ، فإن الذي يدفن تحت
التراب جسدي ولست أنا ، فإضافة الرزق الى
الجسد ، من إضافة الأوْل والصيرورة لا
الحقيقة ،


ثم إن رزقي(أنا) متوقف على معرفة أنا ، وما
لم نعرف معنى(هم) في رزقناهم لايمكن أن
نعرف معنى رزقناهم ، التي هي جوهر الحديث


إجمال المطلب أن ما تفهمه هو رزقك ، وما
تأكله رزق مركبك


فالعلم والمعرفة قوام الروح ، والعلم
قوام الوجود ، ومعنى ذلك قهراً أن رزقي هو
علمي ، ورزقك هو علمك


وعندما يقول بحر العلم، وهو بحر لاينال
قعره ، اسمه جعفر بن محمد(ع) يقول: المعنى
هنا: ومما علمناهم ، يتضح ما هو رزقنا


مما علمناهم هنا بحث ، مما علمناكم نحن


والخلاصة: رزقكم هو علمكم ، وهذا الرزق
ليس إلا القرآن وما يصدر من بيت الوحي (6)


علمناهم هنا يوجد العلم أما بقية ما يوجد
في الكتب فهو تفالة يشبه القوت الذي يأكله
الإنسان ، ففيه تفالة لا بد أن تذهب جانباً


هذه أسرار كلها بقيت في أكمامها ، مما
رزقناهم مما علمناهم


إن كل ما استوعبتموه من الكتاب والسنة ثم
هضمتموه ، فهو قوت روحكم وهو الرزق الذي
يقصده الإمام(ع)


وإن رزق أرواحكم وقوام وجودكم الأبدي
إنما هو في مائدة واحدة ليس إلا: القرآن
وروايات أهل البيت(ع) ، فركزوا فكركم ما
استطعتم منها


لقد أعطى الإمام الصادق(ع) بنصف سطر
عالماً من الأفكار !


والآن إن كانت هذه السعادة من نصيبكم ،
فاعملوا أولاً لأن تكونوا مصداق
(علمناهم)، فتعلموا من الكتاب والسنة، ثم
بثوه للناس في هذه الشهر المبارك


بعضكم معذور من السفر ، وعدة منكم راحتهم
في بقائهم عند أهليهم وعيالهم ، ويلاقون
في سفرهم صعوبات أتركوا عنكم هذه الأعذار
، فإن الذي يخسر هو الذي لا يبث ما تعلمه
للناس


المسألة من الأهمية بمكان ، وأذكر لكم
فيها حديثاً واحداً:


في تفسير العسكري(ع)ص340: جاءت امرأة الى
الصديقة الزهراء(ع)فقالت لها: (إن لي والدة
ضعيفة وقد لُبِّس عليها في أمر صلاتها شئ،
وقد بعثتني إليك أسألك فأجابتها فاطمة عن
ذلك ، ثم ثنَّتْ ، فأجابتْ ، ثم ثلَّثتْ
فأجابتْ ، إلى أن عشَّرتْ فأجابتْ ، ثم
خجلت من الكثرة فقالت: لا أشقُّ عليك يا
بنت رسول الله


قالت فاطمة(ع): هاتي وسلي عما بدا لك ،
أرأيت من اكتُرِيَ يوماً أن يصعد إلى سطح
بحمل ثقيل وكراؤه مائة ألف دينار أيثقل
عليه؟ فقالت: لا فقالت: اكتُرِيتُ أنا لكل
مسألة بأكثر من ملء مابين الثرى إلى العرش
لؤلؤاً ، فأحرى أن لا يَثقل عليَّ)


هذا كلام فاطمة الزهراء(ع)التي إذا دخلت
الجنة زارها آدم ومن دونه من النبيين(ع) !
أجابتها، ثانياً وثالثاً الى عشر مرات،
وفي المرة العاشرة اعتذرت لها المرأة أني
أثقلت عليك السؤال يابنت رسول الله ،
فأجابتها ذلك الجواب المحير وقالت(ع):
(هاتي وسلي عما بدا لك ، أرأيت من اكتُرِيَ
يوماً أن يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراؤه
مائة ألف دينار أيثقل عليه؟ فقالت: لا
فقالت: اكتُرِيتُ أنا لكل مسألة بأكثر من
ملء مابين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى
أن لا يَثقل عليَّ!)


ومثالها هذا(ع)لنا نحن الذين نجهل ، فهي
تمثل المعقول بالمحسوس !


هذا أجر تعليم حكم شرعي واحد لمن لايعرفه


ثم قالت(ع):(سمعت أبي رسول الله(ص)يقول: إن
علماء شيعتنا يحشرون، فيخلع عليهم من خلع
الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدهم في
إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد
منهم ألف ألف خلعة من نور ! ثم ينادي منادي
ربنا عز وجل: أيها الكافلون لأيتام آل محمد
الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم
الذين هم أئمتهم ، هؤلاءتلامذتكم
والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم،
فاخلعوا عليهم كما خلعتموهم خلع العلوم في
الدنيا فيخلعون على كل واحد من أولئك
الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم ،
حتى أن فيهم لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة
وكذلك يخلع هولاء الأيتام على من تعلم
منهم


ثم إن الله تعالى يقول: أعيدوا عليَّ
هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتى
تتموا لهم خلعهم وتضعفوها، فيتم لهم ما
كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم ، ويضاعف لهم
، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على
مرتبتهم


وقالت فاطمة(ع):ياأمة الله إن سلكاً من تلك
الخلع لأفضل مماطلعت عليه الشمس ألف ألف
مرة ، وما له فضل ، فإنه مشوب بالتنغيص
والكدر) انتهى


فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة
علومهم وجدهم


وهذا الشرط لنا حتى لانغتر بأننا تعلمنا
بعض المطالب ، فالمسألة ليست العلم فقط ،
بل في جديتنا في إرشاد عباد الله وبقدر
علومهم وجدهم تكون خلعة الله تبارك وتعالى


أقول ذلك للذين يذهبون للتبليغ ويتعبون
ويرون أنهم لم يحصلوا على شئ يذكر ! أتركوا
عنكم هذه المحاسبات ، فعدنما تتكاملون
تعرفوا أي فرصة كانت أمامكم فلا تفرطوا
فيها فلو أرشد أحدكم شخصاً واحداً ، فإن
أقل عطائه ألف حلة من نور ، وقيمة كل حلة أن
ما تشرق عليه الشمس لاقيمة له أمام سلك تلك
الحلة ، كما قالت الزهراء(ع)


هذا كله لمن (وممن علمناهم يبثون) ، فلا
تضيعوا هذه الفرصة وأنفقوا العلم في سبيل
الله ، وأنقذوا المبتلين ، وركزوا جهدكم
هذا الشهر على توجيه الناس الى الله تعالى
والى سبيل الله، وسبيل الله هو صاحب
الزمان (أنتم السبيل الأعظم ) ، فدلوا
الناس عليه ، وهذا ثوابكم من الله تعالى


اللهم إنا نسألك بحرمة إمام الزمان ،
بمقامه ، بعباداته ، أن تجعل هذا الشهر لنا
شهر رحمة بركة ومغفرة وسعادة واكتب اسمنا
في ليلة القدر في دفتر خدامه


التعليقات


(1) في معاني الأخبار للصدوق(ره)ص23، عن
الإمام الاصادق(ع)قال: ( الم هو حرف من حروف
اسم الله الاعظم ، المقطع في القرآن، الذي
يؤلفه النبي(ص)والإمام(ع) فإذا دعا به أجيب
ومما رزقناهم ينفقون، قال: مما علمناهم
يبثون، ومما علمناهم من القرآن يتلون ) (
وهو في البحار:2/16)


وفي تفسير الإمام العسكري(ع)ص6: (كذبت قريش
واليهود بالقرآن وقالوا: سحر مبين تقوله
فقال الله عز وجل: الم ذلك الكتاب لا ريب
فيه هدى للمتقين ، أي يا محمد هذا الكتاب
الذي أنزلته عليك هو بالحروف المقطعة التي
منها ألف ، لام ، ميم وهو بلغتكم وحروف
هجائكم ، فأتوا بمثله إن كنتم صادقين ،
واستعينوا على ذلك بسائر شهدائكم ثم بين
أنهم لا يقدرون عليه بقوله: قل لئن اجتمعت
الانس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن
لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا )


وفي تفسير نور الثقلين:2/480: (في تفسير
العياشي عن أبي لبيد عن أبي جعفر(ع)قال: يا
بالبيد إن لي في حروف القرآن المقطعة
لعلماً جماً ، إن الله تبارك وتعالى أنزل(
الم ذلك الكتاب)فقام محمد(ص)حتى ظهر نوره
وثبتت كلمته )


وفي تفسير القرطبي:1/155: (فروي عن ابن عباس
وعلي أيضاً أن الحروف المقطعة في القرآن
إسم الله الأعظم ، إلا أنا لانعرف تأليفه
منها ) ومثله في فتح القدير:1/29


(2) في نهج البلاغة:2/129: (إن أمرنا صعب
مستصعب ، لا يحمله إلا عبد مؤمن امتحن الله
قلبه للايمان ، ولا يعى حديثنا إلا صدور
أمينة وأحلام رزينة


أيها الناس سلوني قبل أن تفقدوني ، فلأنا
بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض ، قبل أن
تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها ، وتذهب
بأحلام قومها )


وفي كامل الزيارات ص155: (كان أمير
المؤمنين(ع)يخطب الناس وهو يقول: سلوني قبل
أن تفقدوني ، فوالله ما تسألوني عن شئ مضى
ولا شئ يكون إلا نبأتكم به !


قال: فقام إليه سعد بن أبي وقاص وقال: يا
أمير المؤمنين أخبرني كم في رأسي ولحيتي
من شعرة ؟ فقال له: والله لقد سألتني عن
مسألة حدثني خليلي رسول الله(ص)أنك
ستسألني عنها ، وما في رأسك ولحيتك من شعرة
إلا وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك
لسخلاً يقتل الحسين ابني !! وعمر يومئذ
يدرج بين يدي أبيه ) !! أنتهى


ورواه الصدوق(ره)في أماليه ص196 ، ورويت
عنه(ع)في مناسبات أخرى أيضاً ، راجع أمالي
الصدوق ص422 ، وتوحيده ص305 ، وقد فضح الله من
أراد أن يشبه نفسه بأمير المؤمنين(ع) مثل
مقاتل بن سليمان ، وكان ناصبياً !


قال المزي في تهذيب الكمال:28/447: (وقال علي
بن سهل البزاز: سمعت عفان بن مسلم يقول: قام
مقاتل بن سليمان فأسند ظهره إلى القبلة
فقال: سلوني عما دون العرش حتى أخبركم به ،
قال: فتمشى إليه يوسف السمتي ، فقال له: إنك
قلت سلوني عما دون العرش حتى أخبركم به؟
قال: نعم ، فسلني ، قال: أخبرني عن آدم أول
حجة حجها من حلق رأسه ؟ قال: لا أدري قال:
هذا ما دون العرش


وقال العباس بن الوليد بن مزيد: سمعت بعض
مشيختنا يقول: جلس مقاتل بن سليمان في مسجد
بيروت ، فقال: لاتسألوني عن شئ ما دون العرش
إلا أنبأتكم عنه ! فقال الأوزاعي لرجل: قم
إليه فسله ما ميراثه من جدتيه ! فحار ولم
يكن عنده جواب ، فما بات فيها إلا ليلة ثم
خرج بالغداة ) !!


(3) في مبسوط السرخسي:10/153: (ولما قال عمر في
خطبته ألا لاتغالوا في أصدقة النساء ،
فقالت امرأة سفعاء الخدين: أنت تقوله
برأيك أم سمعته من رسول الله(ص)فإنا نجد في
كتاب الله تعالى بخلاف ماتقول قال الله
تعالى (وآتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا
منه شيئا) فبقي عمر باهتاً وقال: كل الناس
أفقه من عمرحتى النساء في البيوت) !!


وفي كشف الخفاء للعجلوني:2/ 117: (1958- كل
الناس أفقه منك ياعمر قاله موبخاً لنفسه
تواضعاً ، وسيأتي قريباً لذلك حكاية في: كل
أحد أفقه من عمر


1960- كل أحد أعلم أو أفقه من عمر قاله عمر بن
الخطاب بعد أن خطب ناهياً عن المغالاة في
أصداق النساء وأن لايزدن على أربعمائة
درهم ، فقالت له امرأة من قريش أما سمعت
الله تعالى يقول: ( وآتيتم إحداهن قنطارا )
رواه أبو يعلى في مسنده الكبير عن مسروق
قال وسنده جيد ورواه البيهقي في سننه بدون
مسروق وقال إنه منقطع وأخرجه عبد الرزاق
عن أبي العجفاء السلمي قال وللبيهقي بسند
جيد لكنه مرسل عن بكير قال قال عمر) انتهى ،
ورواه في كنز العمال:16/ 536 و537 ، عن خمسة
مصادر


(4) في تفسير العياشي:1/25: عن الإمام
الصادق(ع)في تفسير قوله تعالى: الم ذلك
الكتاب لا ريب فيه ( قال: كتاب على لا ريب
فيه " هدى للمتقين قال: المتقون شيعتنا "
الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلوة ومما
رزقناهم ينفقون ومما علمناهم يبثون)انتهى
وهو في البحار :2/ 17


(5)في معاني الأخبار للصدوق(ره) ص1: (عن داود
بن فرقد قال: سمعت أبا عبد الله(ع)يقول:
أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ،
إن الكلمة لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان
لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب )


وعن إبراهيم الكرخي ، عن أبي عبد
الله(ع)أنه قال: حديث تدريه خير من ألف حديث
ترويه ، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى
يعرف معاريض كلامنا ، وإن الكلمة من
كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً لنا من
جميعها المخرج )


وفي بحار الأنوار:2/208: (عن المفضل قال قال
أبو عبد الله(ع): خبر تدريه خير من عشرة
ترويها ، إن لكل حقيقة حقاً ولكل صواب
نوراً ، ثم قال: إنا والله لانعد الرجل من
شيعتنا فقيهاً حتى يلحن له فيعرف اللحن )


(6) في الكافي:1/399: (عن زرارة قال: كنت عند
أبي جعفر(ع)فقال: له رجل من أهل الكوفة
يسأله عن قول أمير المؤمنين(ع):سلوني عما
شئتم فلا تسألوني عن شئ إلا أنبأتكم به ؟
قال: إنه ليس أحد عنده علم شئ إلا خرج من
عند أمير المؤمنين(ع)، فليذهب الناس حيث
شاؤوا ، فوالله ليس الأمر إلا من ههنا ،
وأشار بيده إلى بيته )


وفي بصائر الدرجات ص531: (حدثنا العباس بن
معروف عن حماد بن عيسى عن ربعي عن فضيل بن
يسار قال سمعت أبا جعفر يقول: كل ما لم يخرج
من هذا البيت فهو باطل )


وفي الإختصاص ص1: (وقال أبو جعفر الباقر(ع):
كل شئ لم يخرج من هذا البيت فهو وبال )


وفي الفصول المهمة:1/526: (وقول الباقر(ع): من
أصغى إلى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق
يؤدي عن الله فقد عبد الله وان كان الناطق
يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان وقوله(ع):
كل ما لم يخرج من هذا البيت فهو باطل )


(13)إن للحسين(ع)درجةً لاينالها أحد !


( بتاريخ 23 ذي الحجة 1423 ـ 7/2/2003 ـ 6/12/1381 )


بعض الفضلاء يريدون أن نتكلم عن محرم، فهل
نكمل المطلب ، أو نتكلم عن محرم ، ما هو
الأولى بنظركم ؟ فطلب الفضلاء الحديث عن
محرم فقال سماحته: لا بأس


يتصرم عمرنا ولم نفهم شيئاً ، ولم نبلغ
درجةً ! فالذي عندنا حفظيات ، والفهم
والفقه قليل إن عمر الإنسان أنفس النفائس
، فلا يوجد في العالم جوهر أغلى من عمر
الإنسان ، وإنما يقول يوم القيامة: (رَبِّ
ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً
فِيمَا تَرَكْتُ ) (المؤمنون:100) لأنه يعرف
أي جوهرة أضاع !


القرآن يقرأ كثيراً ، لكن ماذا يُفهم منه
، ومَن يفهم ؟


ما دام رأيكم أن نتكلم ، فاعرفوا أي
رأسمال تصرفونه ، وماذا نربحون في مقابله
؟


إذا فهم الإنسان هاتين الكلمتين: ماذا
أخسر وماذا أربح ؟ فقد تم الأمر


فكل شئ في هاتين الكلمتين وتفسيرهما في
آية النفر:(وَمَاكَانَ الْمُؤْمِنُونَ
لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ
مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا
رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ) (التوبة:122) إن في حروف هذه
الآية بحوثاً ، وليس في كلماتها فقط ! فهل
فكرنا في مرام الآية ، وبماذا افتتحت ،
وبماذا ختمت؟


افتتحت بحرف فاء ، وبكلمة لولا ، وفيهما
معان !


ثم في كلمة النفر وتعريف النفر ، بحث مفصل


وفي الآية: فرقة وطائفة ، وفي كل منهما بحث


ثم يصل الأمر الى نتيجة نفر الطائفة ، وهي
ثلاثة أقسام: التفقه في الدين ، وإنذار
القوم ، والتحذير والحذر


وتفسيرها بهذا التفصيل لم يكتب ، وهذه جار
في كل آيات القرآن ، وفي كل التفاسير،
فعندما يطالعها متبحر في القرآن والسنة ،
يجد أن كلمات القرآن ما زالت مخزونة في
حجاب مستور ، ودقائقها ما زالت في صرة لم
تفتح !


على أي حال ، إذا فهمنا هذه الآية وقرناها
بالعمل ، ننج من تلك الحسرة التي يقول الله
تعالى عنها: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ
الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ
فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لايُؤْمِنُونَ)
(مريم:39) ونحن نشير اليها إشارة لانقول
إنها تفسير


ينبغي التديقيق في كلمتي:
(لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنْذِرُوا)، ما هو التفقه وما هو
الإنذار ، وما الربط بينهما ؟ فلو صرفنا
حياتنا في هاتين الكلمتين فلا حسرة


الأولى: التفقه في الدين ، وقوله سهل ، لكن
فهمه والعمل به صعب


الفقه هو الفهم ، والفهم كمال العقل ،
والعقل دعامة الإنسان


فإنسانية الإنسان بعقله ، وكمال عقله
بفهمه ، وذلك الفهم هو التفقه !


ومتعلق هذا الفهم ، ماهو ؟ فالفهم صفة
نفسانية ذات تعلق ، تتعلق أحياناً بالأرض
فيكون المفهوم هو الأرض مثلاً ، أو السماء
الخ


وقيمة الفقه والفهم ترتبط قهراً
بمتعلقهما ، ومتعلقهما في الآية هو الدين
فإذا عرفنا الدين ما هو ، نعرف التفقه في
الدين ما هو


الدين هو الذي قال الله تعالى عنه:
(وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ
وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللهَ
اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ
فَلاتَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ) (البقرة:132) إن الكتاب والسنة
لازم وملزوم ، ومفتاح فهم القرآن في
روايات أهل البيت (ع)وقد أعطى القرآن كلمة
الحكمة أهمية كبيرة فقال: (يُؤْتِي
الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً
كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو
الأَلْبَابِ) (البقرة:269)


وقد سئل الإمام الصادق(ع)عن هذه الحكمة
التي من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيراً ،
والتي ليست جوهراً يعطونه لكل
أحد:(وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ
الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ للهِ وَمَنْ
يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ
لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ
غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (لقمان:12) فأجاب
الإمام(ع)فخذوا جوابه ثم افهموه من القرآن
، قال(ع):


(إن الحكمة المعرفة والتفقه في الدين ،
فمن فقه منكم فهو حكيم ، وما من أحد يموت من
المؤمنين أحب إلى ابليس من فقيه) (تفسير
العياشي:1/151 ) (1)


هذا هو الركن الأول


وعندما يعرِّفون كمال المسلم يعرفونه
بثلاث كلمات: التفقه في الدين ، والتقدير
في المعيشة ، والصبر في النوائب (2)


فإن صرفتم عمركم في التفقه في الدين فأنتم
في أمان من الحسرة الكبرى غداً ، التي
يتحسر فيها الأولون والآخرون:
(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ
قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ
وَهُمْ لايُؤْمِنُونَ) (مريم:39)


تدبروا في القرآن ، فالتفقه في الدين بهذه
العظمة والجلال والمقام ، والفقيه في
الدين أعظم على الشيطان من ألف عابد !


إن الذين تعبوا في عمرهم ، ووصلوا الى آخر
النظريات في الفقه والأصول، ينبغي أن
يفهموا هذه المطالب بالإشارة


على الذين يذهبون الى التبليغ في محرم أن
يستوعبوا ذلك قبل أن يتشرفوا بشرف الإنذار
، أن يكونوا متفقهين في الدين ، يكونوا هم
قد فهموا ما يعلمونه للناس ، وذلك الفهم هو
الإكسير الأحمر


والكملة الثانية: أن نتيجة التفقه
الإنذار


ويكفي في فهم الإنذار ومعرفة ما تنطوي
عليه كلمة (وَلِيُنْذِرُوا) أن تقرؤوا
سورة المدثر يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ
قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ
وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ
فَاهْجُرْ وَلاتَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ
وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ


إن المتفقه في الدين عندما يطبق التفقه
وينذر قوماً من الناس يصير مقامه من مقام
الخاتمية ، فيشرق على وجوده شعاع شمس وجود
خاتم الأنبياء (ص) فاعرفوا هذه القيمة
الغالية لعمركم !


والإنذار في هذه الآية ثلاثة أقسام ، إن
عملتم بها فقد تم الأمر: آية محكمة ،
وفريضة عادلة ، وسنة قائمة (3)


فإن قمتم بهذه الأمور الثلاثة في تبليغكم
في عاشوراء ، فقد سجلتم أسماءكم في سجل فيه
اسم ابراهيم الخليل(ص)


فواحدة منها: ترسيخ عقائد الناس ، أي
تبيين معارف الدين ومعالمه ، وتعريف الناس
بمبدأ الوجود عز وجل ، ووسائط فيض الوجود(ع)


والثانية: تعليم أحكام الحلال والحرام ،
واجبات الشريعة ومحرماتها


والثالثة: تهذيب النفوس وتزكية القلوب ،
بتعليم الأخلاق المستفادة من كلمات
المعصومين(ع)


والربح لكم والخسارة تعرف بمعرفة الربح ،
فاغتنموا رأس المال الذي وهبكم الله عز
وجل ، ولاتصرفوا أعماركم سدى ، فيقول
أحدنا غداً: (رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي
أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ) !


مجئ عاشوراء ، وقول عاشوراء أمر سهل لكن
المهم فهم معناها ما هي عاشوراء ، وكيف يجب
أن نستفيد منها ؟


إن من يوفقهم الله تعالى- ورزق التوفيق
ليس نصيب كل أحد- فيسجلون أسماءهم هذه
السنة في دفتر سيد الشهداء(ع) ، ينبغي لهم
أن يفهموا جيداً ويستوعبوا جيداً هاتين
الكلمتين: التفقه والإنذار


إن كل ما قلناه حاشية ، ويبقى المتن ،
فالكلام عن عاشوراء لو تضمن كل شئ لكنه
بدون ذكر سيد الشهداء(ع) لاملح فيه


أما متن هذا الكلام الحكيم وملحه فنفهمه
من الحديث الشريف التالي ، وسنده صحيح
،ففي الكافي:4/258: (عن معاوية بن عمار قال:
لما أفاض رسول الله (ص)تلقاه أعرابي
بالأبطح فقال: يا رسول الله إني خرجت أريد
الحج فعاقني ، وأنا رجل ميِّل ، يعني كثير
المال ، فمُرْني أصنع في مالي ما أبلغ به
ما يبلغ به الحاج قال فالتفت رسول
الله(ص)إلى أبي قبيس فقال: لوأن أبا قبيس لك
زنته ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ، ما
بلغتَ ما بلغ الحاج ) انتهى


هذا الحج الذي لايبلغ ثوابه من أنفق جبلاً
من ذهب ، والذي ورد في ثوابه أنه عندما
يتجهز له الحاج يكتب له بكل خطوة عشر حسنات
وتمحى عنه عشر سيئاتالخ (4)


هذا الحج يسأل عنه الإمام الصادق(ع)منصور
بن خزرج:(كم حججت؟ قال: تسعة عشر ، قال فقال:
أما إنك لو أتممت إحدى وعشرين حجة ، لكنت
كمن زار الحسين(ع)) ! (5)


إنه أمر محير ! فعندما تحج إحدى وعشرين حجة
من ذلك الحج العظيم المقبول عندها يكون
ثوابك معادلاً لزيارة أبي عبدالله
الحسين(ع)!


إن ملح الطعام اسمه صلوات الله عليه ونحن
نتحسر على أنفسنا ، فلا فهمناه هو، ولا
فهمنا عاشوراءه! لم نعرف ماذا كان
الحسبن(ع)، وماذا عمل يوم عاشوراء ، وماذا
صار ؟!


هذا الحديث قرأناه ، ومن أراد منكم أن
يذهب فهو في حل ، فقد ذكرنا اسم سيد
الشهداء(ع)ولايصح أن نقطع الكلام !


إن قضية عاشوراء ، وشخصية صاحبها إنما
تفهم وتتعقل من كلمات الأئمة المعصومين
صلوات الله عليهم ، فالإمام كلامه قالب
الواقع ، ومن المحال أن يكون فيها ذرة نقص
أو زيادة على الواقع


الإمام الرضا(ع)يقول: إن يوم الحسين أقرح
جفوننا ! يعني أنه(ع)كان يبكي في يوم أيام
عاشوراء حتى تُقرح أجفانه ! كما كان أبوه
الكاظم(ع)عندما يدخل محرم ينقبض ولايضحك !


ففي أمالي الصدوق(ره)ص190:(قال الرضا(ع): إن
المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون فيه
القتال ، فاستحلت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه
حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ،
وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما
فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله(ص)حرمة
في أمرنا ! إن يوم الحسين أقرح جفوننا ،
وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا، بأرض كرب
وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء ، إلى يوم
الإنقضاء !


فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإن
البكاء يحط الذنوب العظام


ثم قال(ع):كان أبي صلوات الله عليه إذا دخل
شهر المحرم لايرى ضاحكاً، وكانت الكآبة
تغلب عليه حتى يمضي منه عشرة أيام ، فإذا
كان يوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته
وحزنه وبكائه ويقول:هو اليوم الذي قتل فيه
الحسين صلوات الله عليه )


وفي أمالي الصدوق(ره)ص203: ( عن الإمام
الباقر(ع)قال:كان النبي(ص)في بيت أم سلمة
رضي الله عنها فقال لها: لايدخل عليَّ أحد
، فجاء الحسين(ع)وهو طفل ، فما ملكت معه
شيئاً حتى دخل على النبي(ص)، فدخلت أم سلمة
على أثره فإذا الحسين على صدره ، وإذا
النبي(ص)يبكي ، وإذا في يده شئ يقلبه ، فقال
النبي(ص): يا أم سلمة ، إن هذا جبرئيل يخبرني
أن هذا مقتول ، وهذه التربة التي يقتل
عليها ، فضعيها عندك فإذا صارت دماً فقد
قتل حبيبي ، فقالت أم سلمة: يا رسول الله ،
سل الله أن يدفع ذلك عنه قال: قد فعلت فأوحى
الله عز وجل إليَّ: أن له درجةً لاينالها
أحد من المخلوقين، وإن له شيعة يشفعون
فيشفعون ، وإن المهديَّ من ولده ، فطوبى
لمن كان من أولياء الحسين ، وشيعته هم
والله الفائزون يوم القيامة) (6)


قصدي من الحديث عبارة أم سلمة رضوان الله
عليها ، قالت للنبي(ص): (يارسول الله سلِ
الله أن يدفع ذلك عنه) فأنت صاحب الدعوة
المستجابة ، الذي يستطيع أن يغير بإرادته
صفحات الوجود ، ويمحو الله ما يشاء ويثبت !


(قال: قد فعلت فأوحى الله عز وجل إليَّ: أن
له درجةً لاينالها أحد من المخلوقين، وإن
له شيعة يشفعون فيشفعون ، وإن المهديَّ من
ولده، فطوبى لمن كان من أولياء الحسين ،
وشيعته هم والله الفائزون يوم القيامة)


قال(ص): دعوتُ ، ولكن قيل لي إن للحسين
درجةً لايصل اليها أحد إلا الحسين ، ولا
يصل اليها إلا بالشهادة !


والثانية، أنه يبلغ من درجته أن شيعته
يكون لهم حق الشفاعة !


والثالثة ، أن المهدي الموعود يكون من
صلبه(ص)!


هذه الثلاثة ترتبط بقتله ، وإلا فلا ،
وأنا اخترت أن يكون ما شاء الله !


فالمسألة أن الإمام الحسين(ع)قام بعمل في
عاشوراء فنال ذلك المقام الذي لايستطيع
أحد أن يدركه ! وأن وجود وليَّ
العصر(ع)ودولة الحق العالمية التي تمتد
الى يوم القيامة ، كلها ثمرة يوم عاشوراء !!


اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك
عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة
، ولياً وحافظاً ، وقائداً وناصراً
ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً ،
وتمتعه فيها طويلا


التعليقات


(1) في تفسير العياشي:1/151: (عن سليمان بن
خالد قال: سألت أبا عبد الله(ع)عن قول الله:
وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ
أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ، فقال: إن
الحكمة المعرفة والتفقه في الدين ، فمن
فقه منكم فهو حكيم ، وما من أحد يموت من
المؤمنين أحب إلى إبليس من فقيه )


وفي الكافي:1/16: (وقال: وَلَقَدْ آتَيْنَا
لُقْمَانَ الْحِكْمَةَقال: الفهم والعقل)


وفي الكافي:1/31: (عن على بن أبي حمزة قال:
سمعت أبا عبد الله(ع)يقول: تفقهوا في الدين
فإنه من لم يتفقه منكم في الدين فهو أعرابي
، إن الله يقول:(لِيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ
إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ)


وفي الكافي:1/33:(عن أبي جعفر(ع)قال: عالم
ينتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد) ويأتي
في الموضوع رقم: 28، ولا منافاة بينهما (راجع
المحاسن:1/148، والكافي:1/185)


وفي الكافي:2/284: (عن أبي عبدالله(ع): معرفة
الامام واجتناب الكبائر التي أوجب الله
عليها النار )


(2) في الكافي:1/32: (عن أبي جعفر(ع)قال: الكمال
كل الكمال التفقه في الدين ، والصبر على
النائبة وتقدير المعيشة)


وفي الكافي:5/87: (أحمد بن محمد، عن ابن فضال
، عن داود بن سرحان قال: رأيت أبا
عبدالله(ع)يكيل تمراً بيده فقلت: جعلت فداك
لو أمرت بعض ولدك أو بعض مواليك فيكفيك ،
فقال: يا داود إنه لايصلح المرء المسلم إلا
ثلاثة: التفقه في الدين ، والصبر على
النائبة ، وحسن التقدير في المعيشة


وفي الخصال ص124: عن أمير المؤمنين(ع): (ثلاث
بهن يكمل المسلم: التفقه في الدين ، و
التقدير في المعيشة ، والصبر على النوائب )


(3)في الكافي:1/32: (عن أبي الحسن
موسى(ع)قال:دخل رسول الله(ص) المسجد فإذا
جماعة قد أطافوا برجل فقال: ما هذا ؟ فقيل:
علامة فقال: وما العلامة ؟ فقالوا له: أعلم
الناس بأنساب العرب ووقائعها ، وأيام
الجاهلية ، والأشعار العربية ، قال: فقال
النبي(ص): ذاك علم لايضر من جهله، ولاينفع
من علمه، ثم قال النبي(ص): إنما العلم
ثلاثة: آية محكمة ، أو فريضة عادلة ، أو سنة
قائمة ، وما خلاهن فهو فضل )


(4) في الكافي:4/254: (عن سعد الإسكاف قال: سمعت
أبا جعفر(ع)يقول:


إن الحاج إذا أخذ في جهازه لم يحظ خطوة في
شئ من جهازه إلا كتب الله عزوجل له عشر
حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر
درجات حتى يفرغ من جهازه متى ما فرغ ، فإذا
استقبلت به راحلته لم تضع خفاً ولم ترفع
إلا كتب الله عز وجل له مثل ذلك حتى يقضي
نسكه فإذا قضى نسكه غفر الله له ذنوبه ،
وكان ذا الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع
الأول أربعة أشهر تكتب له الحسنات ولا
تكتب عليه السيئات إلا أن يأتي بموجِبة ،
فإذا مضت الأربعة الأشهر خلط بالناس) !


وفي الكافي:4/255: (عن أبي عبد الله(ع)قال:
الحاج لايزال عليه نور الحج ما لم يلم
بذنب)


(5) في كامل الزيارات ص303: (عن شهاب ، عن أبي
عبد الله(ع)قال: سألني فقال: يا شهاب كم
حججت من حجة ؟ فقلت: تسعة عشر حجة ز فقال لي:
تممها عشرين حجة تحسب لك بزيارة الحسين(ع))


في كامل الزيارات ص303: (عن حذيفة بن منصور
قال: قال أبوعبدالله(ع): كم حججت ؟ قلت: تسعة
عشر قال فقال: أما إنك لو أتممت إحدى وعشرين
حجة لكنت كمن زار الحسين(ع)) (وهو في ثواب
الأعمال ص92):


(6) في مجمع الزوائد:9/189: (عن أبي أمامة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه
لاتُبكوا هذا الصبي يعنى حسيناً قال وكان
يوم أم سلمة فنزل جبريل فدخل رسول الله صلى
الله عليه وسلم الداخل وقال لأم سلمة لا
تدعي أحداً أن يدخل عليَّ ، فجاء الحسين
فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم في
البيت أراد أن يدخل فأخذته أم سلمة
فاحتضنته وجعلت تناغيه وتسكنه ، فلما اشتد
في البكاء خلت عنه ، فدخل حتى جلس في حجر
النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال جبريل
للنبى: إن أمتك ستقتل ابنك هذا ! فقال النبي
صلى الله عليه وسلم: يقتلونه وهم مؤمنون
بي؟! قال: نعم، يقتلونه! فتناول جبريل تربة
فقال بمكان كذا وكذا ، فخرج رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد احتضن حسيناً كاسف
البال مغموماً ، فظنت أم سلمة أنه غضب من
دخول الصبي عليه فقالت: يا نبي الله جعلت
لك الفداء إنك قلت لنا لا تُبكوا هذا الصبي
، وأمرتني أن لا أدع أحداً يدخل عليك ، فجاء
فخليت عنه فلم يرد عليها ، فخرج إلى أصحابه
وهم جلوس فقال: إن أمتي يقتلون هذا ! وفي
القوم أبو بكر وعمر ، وكانا أجرأ القوم
عليه ، فقالا: يانبيَّ الله وهم مؤمنون ؟!
قال نعم ، وهذه تربته وأراهم إياها رواه
الطبراني ورجاله موثقون وفي بعضهم ضعف )


الفصل الخامس


في مقام الصديقة الكبرى الزهراء(ع)


(14)وجوب الجهر بظلامة الزهراء(ع)


( بتاريخ: 28جمادى الأولى 1412- 6/12/1991 ـ 15/9/1370 )


بما أن الأسبوع القادم تعطيل، ولا نستطيع
إكمال هذا البحث قبل التعطيل ، فلننتقل
اليوم من الفقه الأصغر الى الفقه الأكبر ،
والبحث في هذا الفقه أصعب من ذاك ، فذاك
بحثه سهل علينا لأنا مسلطون على مواضيعه ،
أما هذا فمواضيعه مسلطة علينا ! لكن ما لا
يدرك كله لا يترك كله


قال الله تعالى: لايُحِبُّ اللهُ
الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ
إِلامَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللهُ سَمِيعاً
عَلِيماً (سورة النساء: 148) وهي آية
عجيبة،لأن معناها أن الله تعالى يحب
للمظلوم أن يصيح ويصرخ !!


والظلم له مراتب ودرجات ، حكمه واضح عقلاً
ونقلاً ، لكن المهم أن نعرف مدى الظلم الذي
وقع على علي وفاطمة(ص)، فإدراكه يحتاج الى
دقة، وإن كانت معرفةحده وحقيقته غير ممكنة
لنا، بل غاية مايمكننا أن نستكشف بالدليل
العلمي مؤشرات على فداحته !


إن الشخص الوحيد في العالم الذي يحمل صفة
أصبر الصابرين هو أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب(ع) فقد ورد له هذا الوصف في
زيارته(ع)، وفي خطبة الإمام زين العابدين
في الشام وغيرها) (1)


فكيف صار أصبر الصابرين؟


يتضح ذلك من قوله(ع): فصبرت وفي العين قذى،
وفي الحلق شجى!


فهل رأيت شخصاً في العالم يصبر على شوكة
في عينه ، أو عظمة في حلقومه؟! لقد صبر
عليٌّ(ع)على أمور من هذا النوع ، وصبر على
أمور هي: أحدُّ من حزِّ الشِّفَار ! فهل
رأيت شخصاًً يحزُّون لحمه بالشفار ويصبر؟!
(2)


إن المعصوم لايبالغ في كلامه !


نعم ، هذا الرجل الفريد ، الصابر الأول في
العالم ، الذي لم تستطع خيبر أن تخضعه ،
ولا استطاع الخندق أن يحني ظهره ، الذي
أمضى ليلة المبيت على فراش النبي على
هولها فلم يخف نراه في ليلة موت
فاطمة(ع)منكسراً لاحيلة له ، يخاطب
النبي(ص)فيقول: قلَّ يارسول الله عن صفيتك
صبري !


إنها شكوى لم يشكها الى أحد! فلم يكن عنده
من يبث اليه ما لاقاه ، إلا الذي خاطبه
بهذه الآهات!


يقول بذلك: نعم ، أنا الذي صبرت وفي العين
قذى وفي الحلق شجى، وصبرت على أحدِّ من
حزِّ الشفار، لكني اليوم معذور إذا لم
أصبر هنا ! لماذا؟ قال: بعين الله تدفن
ابنتك سراً ! (3)


ماذا جرى حتى دفنت فاطمة الزهراء ليلاً ؟
ماذا حدث حتى وصلت الأمور بسرعة الى هذا
الحد؟!


إنها حوادث لايستطيع الإنسان المسلم أن
يغمض عينيه عنها، إلا أن يكون في إسلامه
خلل!


وهل يمكن لإنسان أن يؤمن بنبوة النبي(ص)،
ثم يتساهل في مظلومية فاطمة الزهراء
والصديقة الكبرى سيدة نساء العالم ، وحرمة
الله ورسوله في أرضه(ع)، ويغمض عينيه عن
جناياتهم في حقها ، حتى أوصت بدفنها ليلاً
حتى لايشهد الظالمون جنازتها !


إنها جنايةٌ يجب أن تكون محور البحث بين
عوامنا وخواصنا، ترى ماذا كان ، وماذا جرى
، حتى وصل الأمر الى شهادتها ؟!!


اللهم اغفر لنا ، ولا تجعلنا شركاء في ظلم
فاطمة الزهراء(ع)


اللهم اغفر لنا حتى لانكون مسؤولين في
مقابل ذلك الأنين ، وتلك الدموع، وتلك
الآهات التي عاشت بها فاطمة(ع) بعد فقد
أبيها(ص)


لنتأمل هذا اليوم في هذه الكلمة التي تبين
تلك الظلامة الى حد ما ، فقد روى ابن حجر في
لسان الميزان والذهبي في الميزان، عن أبي
صالح المؤذن، عن أبي هريرة عن
النبي(ص)قال:أول شخص يدخل الجنة فاطمة بنت
محمد كما رواه أعلام سنيون (4)


فلنتأمل نحن في فقهه ولو بقدر شخص سني
أزاح عن فكره حجاب التعصب ، وجعل العقل
والكتاب والسنة دليله للوصول الى الحق


إن الفرق بين عالم الدنيا والآخرة ، أن
هذا العالم عالم غلبة الملك على الملكوت ،
وحسب التعابير الدقيقة لأعيان المتألهين
والحكماء المتعمقين ، والفقهاء الراسخين
، فإن هذا العالم عالمُ غلبةِ الباطل على
الحق ، وغلبةُ عالم الشهود على عالمِ
الأمر ، وغلبة الغيب على الظهور ولهذا نرى
أن السِّيَر في هذه النشأة تابعةٌ للصور ،
والصور حاكمةٌ على السُّوَر !


والسِّيَر هي المنويات ولكل امرئ ما نوى
فالإنسان إنسانٌ بعالمه الداخلي ومعانيه
، ومنها فهمه للمعاني وقد صدق أهل
البيت(ع)حيث قالوا: لا نعد الرجل منكم
فقيهاً حتى يعرف معاني كلامنا


إن الظاهر من الإنسان هو صورته وشكله ،
أما مضمونه ونواياه وباطنه فمن الممكن أن
يكون ذئباً لكنه في ظاهره لايختلف عن
الإنسان الحقيقي!


فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ
كُلِّ شئ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (سورة يس:
83 )


إن عالم الملكوت المظلوم في هذه النشأة ،
يأخذ حقه في النشأة الأخرى ويكون حاكماً
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ
الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا
للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) ( سورة
ابراهيم: 48 ) ، فسوف ينتهي هذا الجور ، وسوف
يظهر المكنون الى العلن ، ويبرز المكتوم
الى الظاهر: وبرزوا لله الواحد القهار ، كل
شئ يبرز باطنه كما هو فيكون ظاهره وباطنه،
وتنتهي حكومة الظواهر والأشكال والصور،
وتحكم دولة الواقع والبواطن !!


إن آيات القرآن عجيبة في إبرازها للحقائق
، ورسمها للمستقبل ، ووصفها لوجوه الناس
يوم القيامة على حسب سِيَرهم لاصُورهم:


يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ
وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ
وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ
بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ( سورة آل
عمران:106 ) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى
الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ
وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي
جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (
سورة الزمر:60 )


وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ
جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا
وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ
اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا
أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ
اللَّيْلِ مُظْلِماً! أُولَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ ( سورة يونس:27 )


وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ
وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ
أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ
وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً
وَصُمّاً مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ
كُلَّمَاخَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً (
سورة الاسراء:97 ) سَرَابِيلُهُمْ مِنْ
قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ
النَّارُ (سورة ابراهيم:50)


أما وجوه المؤمنين فقال عنها عز
وجل:تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ
النَّعِيمِ (سورة المطففين: 24 ) وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ( سورة الغاشية: 8)
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍمُسْفِرَةٌ ( سورة عبس:
38 ) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى
رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ
يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ ( سورة القيامة:
21 - 25 )


إنه يوم بروز الحقائق والبواطن، فالذين
أخلدوا الى الأرض واتبعوا أهواءهم لابد أن
تظهر حقيقتهم ويحشروا على وجوههم الى
النار


أما الذي ناجى ربه فقال: إلهي ما عبدتك
طمعاً في جنتك، ولاخوفاً من نارك ، بل
وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك (نهج
السعادة:8/7)


فلابد أن يُحشر مشرقَ الوجه، مرفوعَ
الرأس،تعرف في وجهه نُضْرة النعيم، يجلله
نور ربه ، ويتطلع الى رحمته وفيض عطائه:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى
رَبِّهَا نَاظِرَةٌ


في ذلك العالم لابد أن يموت الباطل لكي
تظهر الأمور على واقعها ، وأن يحيا الحق
ويبرز من مكامنه: ( أشهد أن الموت حق والبعث
حق ! )


وبعد أن يتم حشر الناس وحسابهم، وتعدَّ
جنة الخلود لأولياء الله وأحبائه فمن هو
أول شخص يدخل الجنة ؟


لاشك أن درجة الأولية هي للشخص الأول في
الوجود وهو نبينا محمد (ص)فهو الأول في كل
درجات وجوده، ومحال أن يعطي الله هذه
الدرجة لغيره! فكيف يصح قوله(ص): أول شخص
يدخل الجنة فاطمة بنت محمد؟


يصح ذلك إذا تعمقنا في دراية الحديث ، ولم
نكن كالرواة الذين يروون الحديث ولا
يفقهونه ، لقد رووا أن النبي(ص)قال: نضر
الله عبداً سمع مقالتي فوعاها ثم بلغها
عني، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه
إلى من هو أفقه منه ( سنن ابن ماجة :1/86 ) !


إن فاطمة وأباها صلى الله عليهما جوهرٌ
واحد، ونورٌ واحد، ودخولها الجنة يعني
دخول النبي الجنة ! فهي كالشخص الأول في
الوجود خلقاً وخلقاً ومنطقاً، وسيرةً
وعلماً وعملاً! ألم يرووا عن عائشة أنها
قالت: (فأقبلت فاطمة تمشي، لاوالله ما تخفى
مشيتها من مشية رسول الله(ص)فلما رآها رحب
قال مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه)
(البخاري:7/141 ) (5)


ألم يرووا عنه(ص)أنه قال:فاطمة بضعة مني
فمن أغضبها أغضبني!(البخاري:4/210) فما
المانع أن يعطي الله ورسوله هذا المقام
لبضعة النبي المباركة ، ويكون افتتاح جنة
الخلد بدخولها اليها ؟!


وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق:13/334 ،أن
رسول الله(ص)قال: (تحشر ابنتي فاطمة وعليها
حلة الكرامة، قد عجنت بماء الحيوان، فينظر
الخلائق إليها فيتعجبون منها، وتكسى أيضاً
ألف حلة من حلل الجنة ، مكتوب على كل حلة
منها بخط أخضر: أدخلوا ابنة نبيي الجنة على
أحسن صورة ، وأحسن الكرامة ، وأحسن المنظر،
فتزف كماتزف العروس وتتوج بتاج العز،
ويكون معها سبعون ألف جارية)ورواه الطبري
في دلائل الإمامة ص155 ، والخوارزمي في مقتل
الحسين: 1/52 ، وغيرهم ، و الصدوق في عيون
أخبار الرضا :2/30 ـ 38 )


فما هي حلة الكرامة ، وما معنى أنها
معجونة بماء الحياة ؟! هذا بحث له مكانه ،
ونكتفي هنا بالإشارة الى كلمات وردت في
هذا الحديث :


أدخلوا ابنة نبيي الجنة على أحسن صورة
ونظام العدل في الوجود يقضي أن لاتعطى
أحسن صورة لإنسان إلا إذا كان عمله أحسن
عمل لله تعالى، فلا بد أن يكون في الكمال
العلمي أحسن العلماء ، وفي الكمال العملي
أحسن المتخلقين بالفضائل، فإن دقة
القانون الإلهي تقول: ( فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً
يَرَهُ ) ( سورة الزلزلة: 7- 8 )


في مثل ذلك اليوم العظيم، وذلك المشهد
العظيم، لايمكن أن يكون الإنسان الذي يضع
قدمه مكان قدم سيد المرسلين(ص)ويدخل أولاً
الى الجنة إلا إنساناً فريداً ، فالأمور
عند الله تعالى تخضع لحساب وكتاب !!


لا بد من التفكير في مثل هذه الحقائق التي
رواها الجميع ، في أمثال هذه الأحاديث
وذلك السلوك النبوي مع الصديقة الكبرى
فاطمة(ع)فقد كان آخر من يودعه النبي(ص)في
المدينة فاطمة ، وأول من يزوره إذا رجع من
سفره فاطمة! (كان إذا قدم من سفر بدأ
بالمسجد فصلى فيه ركعتين ، ثم يثني بفاطمة
ثم يأتي أزواجه ، وفي لفظ: ثم بدأ ببيت
فاطمة ، ثم أتى بيوت نسائه ) (فتح الباري:8/89
، المعجم الكبير للطبراني:22/225 )، وكان
يشمها ويقبلها ويقول أشم منها رائحة الجنة
(فاطمة حوراء إنسية، فكلما اشتقت إلى رائحة
الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة) (أمالي
الصدوق ص546 )


إن هذا السلوك فضلاً عن أنه عاطفة أبوية،
له دلالته النبوية على مقام الصديقة
الزهراء(ع)ومقامها عند الله تعالى!


فليس أمراً بسيطاً من سيد الخلق وأقربهم
الى الله تعالى(ص)، الذي يقبل سيد الملائكة
جبرئيل غبار قدميه ، أن يقبل ابنته فاطمة ،
ويشم منها رائحة الجنة !


وليس أمراً بسيطاً أن تكون أول شخص يدخل
الجنة ، لا بمعنى أن النبي (ص)يرسلها أمامه
الى الجنة ، بل لأن الله تعالى يريد أن يري
أهل المحشر من الأولين والآخرين أني عندما
أنزلت على عبدي محمد ( طه مَا أَنْزَلْنَا
عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ) فإن
فاطمة التي هي بضعة من أبيها كانت شريكة في
هذه السورة لأنها كانت شريكة لأبيها في
عبادتي، ووقفت مثله في محرابها بين يديَّ
حتى تورمت قدماها ! فقد روت مصادرهم
كالسيوطي في الدر المنثور: 6/361 قال: (وأخرج
العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن
الدلال وابن النجار عن جابر بن عبد الله
قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على
فاطمة وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من وبر
الابل ، فلما نظر إليها قال: يافاطمة تعجلي
فتجرعي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً!
فأنزل الله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ
رَبُّكَ فَتَرْضَى ( سورة الضحى: 5 )


وفي نهاية الإرب للنويري:3 جزء5/264: (فلما
نظر إليها بكى وقال: يا فاطمة تجرعي مرارة
الدنيا لنعيم الأبدالخ وكذا في إحياء
الغزالي:4/233


فرآها وعليها كساء من وبر الإبل رأى
حالتها، رأى ابنته التي أمضت ليلها في
محراب عبادتها ولم تكد تنم، وفي الصباح
بدأت بعملها، وهذا لباسها ، فانكسر لها
قلبه ودمعت عيناه!


وانكسار قلب النبي(ص)ليس أمراً عادياً ،
وعندما يجري دمع النبي(ص)فإن دمع باطن
الوجود يجري ! فبكى رسول الله وقال لها:
إصبري على مرارة الدنيا ولا نعرف مما نقله
السيوطي وغيره ماذا كانت القضية وماذا
جرى؟ لكن نفهم أنها كانت ملحمة في الصبر
والعبودية ، وأن النبي(ص)انكسر قلبه لحال
فاطمة وبكى، وأن الله تعالى أنزل عليه
جبرئيل شاكراً واعداً ، بقوله تعالى:
(ولسوف يعطيك ربك فترضى) !!


إن ما يجب أن نقوله ونصرخ به، ونحن نواجه
ظلماً لم تنصفه الدنيا ! أن بشراً ملائكياً
من نوع فاطمة(ع)هذه معيشتها، يستحيل أن تقف
في وجه أبي بكر من أجل لقمة خبز ، أو مزرعة
نخل وزروع !


ألم يحن للدنيا أن تفكر وتعرف أن أبا بكر
بن أبي قحافة كان أمياً في مسائل الدين،
وأن المحدثين والنقاد اتفقوا على أنه كان
جاهلاً بإرث الجدة هل ترث أم لا؟ فقال لا
أدري !


الى هذه الحد كان علمه بأحكام الشرع ، وقد
حاول الذهبي أن يجد له عذراً بأنه لم يكن
يحفظ، وأنه أراد الدقة ، وأنه لذلك منع
الناس من جمع السنة النبوية وتدوينها !
ولكنه عذر أقبح من ذنب !


وأبو بكر الذي كان جاهلاً بإرث الجدة فسأل
عنه وتعلمه لكن ممن ؟! من شخص متفق عليه أنه
من أفجر الفجار ، هو المغيرة بن شعبة !


لقد اعتمد أبو بكر على كلامه ، وحكم للجدة
بما قاله المغيرة !


لكن عندما جاءته سيدة نساء العالمين
فاطمة الزهراء(ع)واعترضت عليه لماذا صادرت
مني فدك؟! ردها أبو بكر ولم يصدقها! مع أن
ابنته عائشة كانت تقول قالت:(مارأيت أحد
كان أصدق لهجة من فاطمة، إلا أن يكون الذي
ولدها) حلية الأولياء:2 /42 ، الإستيعاب:2 /751
، ذخاير العقبى ص44 ، تقريب الأسانيد
وشرحه:1/150، مجمع الزوايد:9/201 ، وقال: رجاله
رجال الصحيح ) ( الغدير:2/312 )


أبو بكر يعرف من هي فاطمة ، وقد سمع شهادة
ابنته عائشة بحق فاطمة فلم يصدقها ! لكنه
صدق المغيرة الفاسق الفاجر في إرث الجدة !


إن الظلم الذي يحتاج الى صيحة، والذي يجب
على علماء المسلمين أن يجهروا به
ولايكتمونه أن مصادرهم وكبار مفسريهم
رووا أنهم عندما نزل قوله تعالى: ( فَآتِ
ذَا الْقُرْبَىحَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ
وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ
لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) ( سورة
الروم: 38 ) ، دعا النبي(ص)فاطمة فأعطاها
فدكاً ، وبقيت في يدها حتى صادرها أبو بكر !
(6)


لكن مطالبتها بفدك لم تكن من أجل فدك،
فهذه حياتها التي رضيت بها ، واختارت عن
علم وعمد أن تتجرع مرارتها من أجل حلاوة
الآخرة ، وهي أيضاً تعلم أنها أسرع أهل
البيت لحاقاً بأبيها رسول الله(ص)!


فأي قيمة لفدك؟!


إن غصة الصديقة الكبرى(ع)لم تكن من أجل
خبزها وخبز أطفالها ! فالتي قال الله عنها
وعن أسرتها في كتابه: ( وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً
وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّمَا
نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لانُرِيدُ
مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً)
(الانسان: 8-9 ) والتي تصوم مع أطفالها ثلاثة
أيام وتمنع اللقمة عن فمهم فيطعمونها
للمسكين واليتيم والأسير لاتركض وراء مال
الدنيا !


إنما يتصور ذلك خفاف العقول! وقد آن لهم أن
يستيقظوا من نومهم ويفكروا ماذا جرى ،
ويعرفوا أي تاريخ محمل بالعار حّرَفَ
مسيرة الأمة الإسلامية وأوصلها الى هذه
المهاوي التي نراها اليوم ؟!


إنما كانت مطالبة الزهراء(ع)بفدك إيقاظاً
للأمة، لتثبت لهم أن هؤلاء الذين سيطروا
على الحكم يأكلون الحق الواضح لبنت
النبي(ص)وينكرونه ، فماذا سيفعلون في حقوق
الأمة غداً ؟!


كانت غصتها أن الذي يجلس مكان
النبي(ص)اليوم لايعرف مسألة إرث الجدة ،
ويدعي أن الأنبياء(ع)مستثنون من أحكام
الشريعة !


وغداً سيجلس مكان النبي عمر بن الخطاب ،
وهو لايعرف حكم التيمم ! وبعده سيجلس أمثال
الوليد بن عبد الملك، ثم هارون والمأمون !
ثم يتقاتلون على كرسي النبي(ص)ويسفكون
دماء الأمة ، والأمة تسير بهم في الضلال
والضعف والتفكك ، حتى تنهار !!


هذه غصة فاطمة(ع)، وليست مزرعة فدك ! غصتها
أنهم بفعلهم وبأساسهم الذي أسسوه ، يبطلون
الهدف من بعثة الأنبياء(ع)!


إن الذي صدع قلب الصديقة
الزهراء(ع)وقتلها، أنها لم تستطع أن تشكو
مرارتها وغصتها الى عامة الأمة ، وتجعلهم
يستوعبون ما حدث ! لكنها قالت لأبي بكر
وعمر في نفسيهما قولاً بليغاً ! وقالت لهما
في آخر حياتها عندما جاءا لزيارتها ، ما
رواه ابن قتيبة وروته مصادرنا كما في
البحار:29/158 ، عن الإمام الصادق(ع)قال:
(بينما أبو بكر وعمر عند فاطمة يعودانها ،
فقالت لهما: أسألكما بالله الذي لاإله إلا
هو هل سمعتما رسول الله(ص)يقول: من آذى
فاطمة فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله؟
فقالا: اللهم نعم قالت: فأشهد أنكما
آذيتماني ) !!


وقد اعترف البخاري أنها بقيت ستة أشهر بعد
النبي(ص)، وهي مغاضبة لأبي بكر! قال: (فغضبت
فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى توفيت ،
وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
ستة أشهر) ( البخاري:4/42 )


ء وعندما حضرتها الوفاة أوصت الى علي
فقالت: (يا ابن عم ما أراني إلا لما بي،
وأنا أوصيك أن تتزوج بنت أختي زينب تكون
لولدي مثلي، وتتخذ لي نعشاً فإني رأيت
الملائكة يصفونه لي، وأن لايشهد أحدٌ من
أعداء الله جنازتي ولا دفني ولا الصلاة
عليَّ !


قال ابن عباس: فقبضت فاطمة من يومها ،
فارتجَّت المدينة بالبكاء من الرجال
والنساء، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول
الله(ص) فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان علياً
ويقولان له: يا أبا الحسن لا تسبقنا
بالصلاة على ابنة رسول الله فلما كان في
الليل دعا علي العباس والفضل والمقداد
وسلمان وأبا ذر وعماراً ، فقدم العباس
فصلى عليها ودفنوها


فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس
يريدون الصلاة على فاطمة(ع)فقال المقداد:
قد دفنا فاطمة البارحة فالتفت عمر إلى أبي
بكر فقال: ألم أقل لك إنهم سيفعلون؟ قال
العباس: إنها أوصت أن لا تصليا عليها! فقال
عمر: والله لاتتركون يا بني هاشم حسدكم
القديم لنا أبداً ! إن هذه الضغائن التي في
صدوركم لن تذهب، والله لقد هممت أن أنبشها
فأصلي عليها ! فقال علي: والله لو رمت ذلك
يابن صهاك لارجعتْ إليك يمينك ! والله لئن
سللت سيفي لا غمدته دون إزهاق نفسك فَرُمْ
ذلك فانكسر عمر وسكت وعلم أن علياً إذا حلف
صدق)(كتاب سليم بن قيس ص392 ) (7)


ودفنوها في جوف الليل ! فما جواب هذه الأمة
لمن سألها: لماذا دفنت بنت نبيهم سراً
وليلاً وأخفي قبرها ؟ إنها ظلامة بعد
ظلامة


ولأي الأمور تدفن سراً بضعة المصطفى
ويعفى ثراه


بنتُ مَنْ أمُّ مَنْ حليلةُ مَنْ ويلٌ لمن
سنَّ ظلمَها وأذاه


التعليقات


(1) في بحارالأنوار:45/138: (من خطبة الإمام
زين العابدين(ع): أنا ابن من ضرب بين يدي
رسول الله بسيفين، وطعن برمحين، وهاجر
الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتل ببدر
وحنين، ولم يكفر بالله طرفة عين ، أنا ابن
صالح المؤمنين ، ووارث النبيين ، وقامع
الملحدين ، ويعسوب المسلمين، ونور
المجاهدين، وزين العابدين، وتاج
البكائين، وأصبر الصابرين ، وأفضل
القائمين من آل ياسين )


وفي نهج السعادة:8/379: عن العاصمي في كتاب
(زين الفتى) عن ابن عباس، في جواب أعرابي
سأله عن أمير المؤمنين(ع)، قال: ( لقد سألت
يا أعرابي عن رجل عظيم يحب الله ورسوله،
ويحبه الله ورسوله ، ذاك والله صالح
المؤمنين ، وخير الوصيين، وقامع
الملحدين، وركن المسلمين، ويعسوب
المؤمنين، ونور المهاجرين، وزين
المتعبدين، ورئيس البكائين ، وأصبر
الصابرين ، وأفضل القائمين ، وسراج
الماضين ، وأول السابقين ، من آل ياسين ،
المؤيد بجبريل الأمين ، والمنصور
بميكائيل المتين) انتهى


(2) في نهج البلاغة:1/30: (ومن خطبة له وهي
المعروفة بالشقشقية: أما والله لقد تقمصها
ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل
القطب من الرحى ينحدر عني السيل ولا يرقى
إلي الطير فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها
كشحاً ، وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء
، أو أصبر على طِخية عمياء ، يهرم فيها
الكبير، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها
مؤمن حتى يلقى ربه! فرأيت أن الصبر على
هاتى أحجى، فصبرت وفي العين قذى ، وفي
الحلق شجا ، أرى تراثي نهبا )


وفي نهج البلاغة:2/202: ( ومن كلام له(ع):
أللهم إني أستعديك على قريش ، فإنهم قد
قطعوا رحمي ، وأكفأوا إنائي ، وأجمعوا على
منازعتي حقاً كنت أولى به من غيري وقالوا:
ألا إن في الحق أن تأخذه وفي الحق أن تمنعه
، فاصبر مغموماً أو مت متأسفاً ، فنظرت
فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد ، إلا
أهل بيتي ، فضننت بهم عن المنية ، فأغضيت
على القذى ، وجرعت ريقي على الشجى ، وصبرت
من كظم الغيظ على أمر من العلقم، وآلم
للقلب من حز الشفار! )


(3) في أمالي المفيدص281: عن علي بن الحسين بن
علي ، عن أبيه الحسين(ع) قال: لما مرضت فاطمة
بنت النبي(ص)وأوصت إلى علي صلوات الله عليه
أن يكتم أمرها، ويخفي خبرها، ولا يؤذن
أحداً بمرضها ، ففعل ذلك وكان يمرضها
بنفسه ، وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس
رحمها الله ، على استسرار بذلك كما وصت به


فلما حضرتها الوفاة وصت أمير
المؤمنين(ع)أن يتولى أمرها ، ويدفنها
ليلاً ويعفي قبرها فتولى ذلك أمير
المؤمنين(ع)ودفنها ، وعفى موضع قبرها ،
فلما نفض يده من تراب القبر، هاج به الحزن
، فأرسل دموعه على خديه ، وحول وجهه إلى
قبر رسول الله (ص)فقال:


السلام عليك يا رسول الله مني ، والسلام
عليك من ابنتك وحبيبتك ، وقرة عينك
وزائرتك ، والبائتة في الثرى ببقعتك ،
والمختار لها الله سرعة اللحاق بك


قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ، وضعف عن
سيدة النساء تجلدي ، إلا أن في التأسي لي
بسنتك، والحزن الذي حل بي بفراقك موضع
التعزي ، فلقد وسدتك في ملحود قبرك، بعد أن
فاضت نفسك على صدري ، وغمضتك بيدي، وتوليت
أمرك بنفسي نعم وفي كتاب الله أنعم القبول:
إنا لله وإنا إليه راجعون لقد استرجعت
الوديعة ، وأخذت الرهينة، واختلست
الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء


يا رسول الله ! أما حزني فسرمد ، وأما ليلي
فمسهد ، لا يبرح الحزن من قلبي ، أو يختار
الله لي دارك التي أنت فيها مقيم كَمَدٌ
مُقيح ، وهَمٌّ مُهيج ، سرعان ما فرق بيننا
، وإلى الله أشكو وستنبئك ابنتك بتضافر
أمتك عليَّ ، وعلى هضمها حقها ، فاستخبرها
الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد
إلى بثه سبيلاً !وستقولُ ويحكم الله ، وهو
خير الحاكمين


سلام عليك يا رسول الله سلام مودع، لا سئم
ولا قال، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم
فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين،
والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين
علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً ،
واللبث عنده معكوفاً ، ولأعولت إعوال
الثكلى على جليل الرزية !


فبعين الله تدفن ابنتك سراً ، وتهتضم حقها
قهراً ، وتمنع إرثها جهراً ، ولم يطل العهد
ولم يخل منك الذكر !


فإلى الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك
أجمل العزاء وصلوات الله عليك وعليها ،
ورحمة الله وبركاته )


(4) في ميزان الاعتدال للذهبي:2/618: (عن
عبدالسلام بن عجلان عن أبي يزيد المدني عن
أبي هريرة ، قال رسول الله: أول شخص يدخل
الجنة فاطمة أخرجه أبو صالح المؤذن في
مناقب فاطمة ) انتهى وهو في لسان الميزان
لابن حجر:4 ص16


وفي كنز العمال:12/110: ( أول شخص يدخل الجنة
فاطمة بنت محمد ، ومثلها في هذه الأمة مثل
مريم في بني إسرائيل ) وقال في مصادره: ( أبو
الحسن أحمد بن ميمون، في كتاب فضائل علي ،
والرافعي عن بدل بن المحبر ، عن عبد السلام
ابن عجلان ، عن أبي يزيد المدني ) انتهى


وفي مناقب آل أبي طالب:3/110 ، عن أبي صالح في
الأربعين، عن أبي حامد الإسفرائيني ،
بإسناده عن أبي هريرة


وفي البحار:73/70 ، من كتاب الفردوس لابن
شيرويه ، عن أبي هريرة


وفي اللمعة البيضاء للأنصاري ص55: عن مقتل
الحسين للخوارزمي: 56 ، وعن الفردوس1: 38 ح81 ،
ونظم درر السمطين: 180، والخصائص الكبرى
للسيوطي: 2/225، ومسند فاطمة الزهراء: 52 ح 114 ،
ومناقب ابن شهر آشوب )


(5) قالت عائشة: (ما رأيت أحداً كان أصدق
لهجة من فاطمة ، إلا أن يكون الذي ولدها)
حلية الأولياء:2/42 ، الإستيعاب:2/751 ، ذخائر
العقبى ص44 ، تقريب الأسانيد وشرحه:1/150،
مجمع الزوائد:9/201 ، وقال: رجاله رجال
الصحيح) (الغدير:2/312 )


(6) نكتفي هنا بنقل كلام السيد شرف
الدين&ونقل كلام الحسكاني في شواهد
التنزيل وحاشية المحمودي عليه،فهو كلام
كاف لإثبات أن فدكاً كانت في يد الزهراء(ع)
وأن أبا بكر صادرها من يدها !


قال في النص والإجتهاد ص67: ثم لما أنزل
الله عز وجل عليه: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى
حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً
(سورة الاسراء: 26) أَنْحَل فاطمة فدكاً ،
فكانت في يدها حتى انتزعت منها لبيت المال


أئمةُ أهل البيت(ع)وشيعتهم كافة،
لايرتابون في أن رسول الله(ص)أنحل بضعته
الزهراء (ع)ما كان خالصاً له من فدك ، وأنه
كان في يدها حتى انتزع منها ، وحسبك قول
أمير المؤمنين(ع)فيما كتبه إلى عامله في
البصرة عثمان بن حنيف: بلى كانت في أيدينا
فدك من كل ما أظلته السماء فشحَّت عليها
نفوس قوم ، وَسَخَتْ عنها نفوس قوم آخرين ،
ونعم الحكم الله إلى آخر كلامه وهو في نهج
البلاغة ، وفى معناه نصوص متواترة عن أئمة
العترة الطاهرة


والمحدثون الأثبات رووا بالإسناد إلى أبي
سعيد الخدري أنه قال: لما نزل قوله تعالى:
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ (سورة
الاسراء:26) أعطى رسول الله فاطمة فدكاً
أخرجه الإمام الطبرسي في مجمع البيان
فليراجع منه تفسير ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى
حَقَّهُ ) (سورة الاسراء: 26) وتجد ثمة أن هذا
الحديث مما ألزم المأمون برد فدك على ولد
فاطمة(ع)) انتهى


وفي شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني:1/441:
(472 - أخبرنا أبو سعد السعدي بقراءتي عليه
في الجامع من أصل سماعه قال: أخبرنا
أبوالفضل الطوسي قال: أخبرنا أبو بكر
العامري قال: أخبرنا هارون بن عيسى قال:
أخبرنا بكار بن محمد بن شعبة ، قال: حدثني
أبي قال: حدثني بكر بن الأعتق عن عطية
العوفي: عن أبي سعيد الخدري قال: لما نزلت
على رسول الله: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى
حَقَّهُ (سورة الاسراء: 26) ، دعا فاطمة
فأعطاها فدكاً والعوالي وقال: هذا قسم ،
قسمه الله لك ولعقبك)


وقال المحمودي في هامشه: كذا في النسخة
الكرمانية ، وفي النسخة اليمنية: بكر بن
الأغر أقول: والظاهر أنه هو الذي ذكره ابن
حجر مصغراً في كتاب تهذيب التهذيب: 1/493 قال:
بكير بن عتيق العامري، ويقال: المحاربي يعد
في الكوفيين روى عن سالم بن عبدالله بن
عمر، وسعيدبن جبيرروى عنه صفوان بن أبي
الصهباء والثوري وإسماعيل بن زكريا وابن
فضيل قال ابن سعد: حج ستين حجة وكان ثقة
وذكره ابن حبان في الثقات والحديث رواه
أيضاً أبوأحمد ابن عدي في ترجمة علي بن
عابس من كتاب الكامل:5/1835، قال:
أخبرناالقاسم بن زكريا، حدثنا عباد بن
يعقوب،حدثنا علي بن عابس عن فضيل يعني ابن
مرزوق: عن عطية عن أبي سعيد قال: لما نزلت:
(وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) دعا رسول
الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها
فدك


ورواه أيضا الخوارزمي في باب فضائل فاطمة
في الفصل: من كتاب مقتل الإمام الحسين:1/70
قال: قال سيد الحفاظ الديلمي: أخبرنا محي
السنة: أبوالفتح عبدوس بن عبدالله
الهمداني إجازة، حدثنا القاضي أبو نصر
شعيب بن علي، حدثنا موسى بن سعيد، حدثنا
الوليد بن علي، حدثنا عباد بن يعقوب،
حدثنا علي [بن] عياش عن فضيل، عن عطية: عن
أبي سعيد قال: لما نزلت آية: (وَآتِ ذَا
الْقُرْبَى حَقَّهُ) دعا رسول الله(ص)
فاطمة (ع)فأعطاها فدك


أقول: ورواه أيضاً السيد ابن طاووس في
الطرائف:1/254 و341 ) انتهى


وفي شواهد التنزيل:1/442: (473- حدثني أبو
الحسن الفارسي قال: حدثنا الحسين بن محمد
الماسرجسي قال: حدثنا جعفر بن سهل ببغداد
قال: حدثنا المنذر بن محمد القابوسي قال:
حدثنا أبي قال: حدثنا عمي ، عن أبيه، عن
أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمد عن أبيه ، عن
علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي قال: لما
نزلت: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) دعا
رسول الله فاطمة(ع)فأعطاها فدكاً


وقال في هامشه: والحديث رواه السيوطي في
تفسير الآية الكريمة من الدر المنثور:
أيضاً ; قال: وأخرج البزار، وأبو يعلى ،
وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد
الخدري قال: لما نزلت هذه الآية: (وَآتِ ذَا
الْقُرْبَى حَقَّهُ) دعا رسول الله صلى
الله عليه وسلم فاطمة سلام الله عليها
فأعطاها فدكاً ورواه أيضا الطبراني كما في
مجمع الزوائد: 7/49 وكما في ميزان
الاعتدال:2/228، ورواه عنهم جميعاً
الفيروزآبادي في كتاب فضائل الخمسة: 3/136
وروى المتقي في الحديث الأخير، من عنوان:
صلة الرحم والترغيب فيها، من كتاب منتخب
كنز العمال بهامش مسند أحمد بن حنبل:1/228: عن
أبي سعيد قال: لما نزلت: (وَآتِ ذَا
الْقُرْبَى حَقَّهُ) قال النبي(ص): يا
فاطمة لك فدك) [ قال: رواه ] الحاكم في
تاريخه وقال: تفرد به إبراهيم بن محمد بن
ميمون، عن علي بن عابس بن النجار كذا في
المنتخب، وفي كنز العمال:2/158، ط1: أخرجه
الحاكم في تاريخه وابن النجار ولعله
الصواب


473- ورواه أيضاً محمد بن سليمان في الحديث:
(91) في أواخر الجزء الأول من مناقب
علي(ع)الورق 35 بنص قال: حدثنا عثمان بن محمد
الألثغ: قال: حدثنا جعفر بن محمد الرماني
قال: حدثنا الحسن بن الحسين العرني، عن
إسماعيل بن زياد السلمي، عن جعفر بن محمد
قال: لما نزلت: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى
حَقَّهُ) أمر رسول الله(ص)لفاطمة وابنيها
بفدك فقالوا: يا رسول الله أمرت لهم بفدك ؟
فقال: والله ما أنا أمرت لهم بها ولكن الله
أمر لهم بها، ثم تلا هذه الآية: ( وَآتِ ذَا
الْقُرْبَى حَقَّهُ )


ورواه أيضاً في فضائل فاطمة في أوائل
الجزء السادس تحت الرقم: 674 من كتاب
المناقب ورقة151/أ قال: حدثنا عثمان بن محمد
الألثغ قال: حدثنا جعفر بن مسلم قال: حدثنا
يحي بن الحسن قال: حدثنا أبان بن أبان بن
تغلب ، عن أبي مريم الأنصاري ، عن أبان بن
تغلب: عن جعفر بن محمد قال: لما نزلت هذه
الآية: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) دعا
رسول الله(ص)فاطمة(ع)فأعطاها فدك قال أبان
بن تغلب: قلت لجعفر بن محمد: رسول الله
أعطاها ؟ قال: بل الله أعطاها !


وقال الطبري في تفسير الآية الكريمة من
تفسيره:15/72: حدثني محمد بن عمارة الأسدي،
قال: حدثنا إسماعيل بن أبان، قال: حدثنا
الصباح بن يحيى المزني، عن السدي، عن أبي
الديلم قال: قال علي بن الحسين(ص)لرجل من
أهل الشام: أقرأت القرآن؟ قال: نعم قال:
أفما قرأت في بني إسرائيل(وَآتِ ذَا
الْقُرْبَى حَقَّهُ) قال: وإنكم للقرابة
التي أمر الله جل ثناؤه أن يؤتى حقه ؟ قال:
نعم


وقريباً منه رواه في تفسير الآية الكريمة
من مجمع البيان ، عن السدي ثم قال: وهو الذي
رواه أصحابنا عن الصادقين(ع) ورواه أيضاً
الثعلبي كما في تفسير الآية الكريمة من
تفسير البرهان:2/415 وورد أيضاً عن ابن عباس
، قال السيوطي في تفسير الآية الكريمة من
تفسير الدر المنثور: وأخرج ابن مردويه عن
ابن عباس قال: لما نزلت: (وَآتِ ذَا
الْقُرْبَى حَقَّهُ) أقطع رسول الله صلى
الله عليه وسلم فاطمة سلام الله عليها
فدكاً


أقول: ويجئ حديث ابن عباس بسند آخر تحت
الرقم 608 ، في تفسير الآية 38 من سورة الروم
ص443


وقال علي بن طاووس&: وقد روى محمد بن
العباس المعروف بابن الحجام حديث فدك عن
عشرين طريقاً ، ونذكر منها طريقاً واحداً
بلفظه [قال]: حدثنا محمد بن محمد بن سليمان
الباغندي وإبراهيم بن خلف الدوري وعبد
الله بن سليمان بن الأشعث ومحمد بن القاسم
بن زكريا، قالوا:حدثنا عباد بن يعقوب قال:
أخبرنا علي بن عابس وحدثنا جعفر بن محمد
الحسيني قال: حدثنا علي بن المنذر الطريقي
قال: حدثنا علي بن عابس قال: حدثنا فضيل بن
مرزوق عن عطية العوفي: عن أبي سعيد الخدري
قال: لما نزلت:(وَآتِ ذَا الْقُرْبَى
حَقَّهُ) دعا رسول الله فاطمة وأعطاها
فدكاً سعد السعود ص102، وذكر بمعناه في
الطرائف ص254: وروى البلاذري في عنوان: فتح
فدك ، من كتاب فتوح البلدان ص40 قال: وحدثنا
عبد الله بن ميمون المكتب قال: أخبرنا
الفضيل بن عياض عن مالك بن جعونة عن أبيه
قال: قالت فاطمة لأبي بكر:إن رسول
الله(ص)جعل فدك لي فأعطني إياها وشهد لها
علي بن أبي طالب فسألها شاهداً آخر فشهدت
لها أم أيمن، فقال: قد علمت يا بنت رسول
الله أنه لاتجوز إلا شهادة رجلين أو رجل
وامرأتين!! فانصرفت


وحدثني عمرو الناقد قال: حدثني الحجاج بن
أبي منيع الرصافي عن أبيه عن أبي برقان
قال: ولما كانت سنة عشر وماءتين أمر أمير
المؤمنين المأمون عبد الله بن هارون
الرشيد فدفعها إلى ولد فاطمة، وكتب بذلك
إلى قثم بن جعفر عامله على المدينة:


أما بعد فإن أمير المؤمنين بمكانه من دين
الله وخلافة رسول الله(ص)وللقرابة به أولى
من استنَّ سنة ونفذ أمره، وسلم لمن منحه
منحة وتصدق عليه بصدقة منحته وصدقته،
وبالله توفيق أمير المؤمنين وعصمته ،
وإليه في العمل بما يقربه إليه رغبته وقد
كان رسول الله(ص)أعطى فاطمة بنت رسول الله
فدك وتصدق بها عليها، وكان ذلك أمراً
ظاهراً معروفاً لا خلاف فيه بين آل رسول
الله(ص)، ولم تزل تدعي منه ما هو أولى به من
صدق عليه، فرأى أمير المؤمنين أن يردها
إلى ورثتها ويسلمها إليهم تقرباً إلى الله
تعالى بإقامة حقها وعدله، وإلى رسول الله
بتنفيذ أمره وصدقته


فأمر بإثبات ذلك في دواوينه والكتاب به
إلى عماله: فلان كان ينادى في كل موسم بعد
أن قبض الله نبيه (ص) أن يذكر كل من كانت له
صدقة أو وهبة أو عدة ذلك؟فيقبل قوله وينفذ
عدته! وإن فاطمة رضي الله عنها لأولىبأن
يصدق قولها فيما جعل رسول الله (ص) له


وقد كتب أمير المؤمنين إلى المبارك
الطبري مولى أمير المؤمنين يأمره برد فدك
على ورثة فاطمة بنت رسول الله بحدودها
وجميع حقوقها المنسوبة إليها، وما فيها من
الرقيق والغلات وغير ذلك، وتسليمها إلى
محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن
الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمد بن عبد
الله بن الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن
أبي طالب ، لتولية أمير المؤمنين إياهما
القيام بها لأهلها ، فأعلمَ ذلك من رأي
أمير المؤمنين وما ألهمه الله من طاعته ،
ووفقه له من التقرب إليه وإلى رسوله ،
وأعلمه من قبلك وعامل محمد بن يحيى ومحمد
بن عبد الله بما كنت تعامل به المبارك
الطبري وأعنهما على ما فيه عمارتها
ومصلحتها ، ووفور غلاتها إن شاء الله
والسلام


وكتب يوم الأربعاء لليلتين خلتا من ذي
القعدة سنة عشر وماءتين


فلما استخلف المتوكل أمر بردها إلى ما
كانت عليه قبل المأمون !


وهذا قليل من كثير مماجاء في قصة فدك مع
شدة حرص حفاظ آل أمية وأنصار الظالمين على
سترها ، وإبادة الكتب المؤلفة حولها، فمن
أراد المزيد فعليه بكتاب الشافي للسيد
المرتضى وشرح المختار من الباب الثاني من
نهج البلاغة من شرح ابن أبي الحديد:ج4 ص834
طبيروت والباب11من القسم الاول من سيرة
أمير المؤمنين(ع)من كتاب بحار الأنوار:8 /91-
131 ، ط الكمباني، وكتاب الغدير:7 /190، و:8 /137)
انتهى


(7) في كتاب سليم بن قيس ص391: (فدخلا وسلما
وقالا: إرضيْ عنا رضي الله عنك فقالت: ما
دعاكما إلى هذا ؟ فقالا: اعترفنا
بالإساءة، ورجونا أن تعفي عنا وتخرجي
سخيمتك


فقالت: فإن كنتما صادقين فأخبراني عما
أسألكما عنه فإني لا أسألكما عن أمر إلا
وأنا عارفة بأنكما تعلمانه، فإن صدقتما
علمت أنكما صادقان في مجيئكم


قالا: سلي عما بدا لك قالت: نشدتكما بالله
هل سمعتما رسول الله(ص)يقول: فاطمة بضعة
مني فمن آذاها فقد آذاني؟ قالا: نعم


فرفعت يدها إلى السماء فقالت: اللهم إنهما
قد آذياني فأنا أشكوهما إليك وإلى رسولك لا
والله لا أرضى عنكما أبداً حتى ألقى أبي
رسول الله وأخبره بما صنعتما فيكون هو
الحاكم فيكما!


قال: فعند ذلك دعا أبو بكر بالويل والثبور
وجزع جزعاً شديداً فقال عمر: تجزع يا خليفة
رسول الله من قول امرأة؟! ) انتهى


وفي رواية علل الشرائع:1/187: (قالا نعم قالت:
الحمد لله، ثم قالت: اللهم إني أشهدك
فاشهدوا يامن حضرني أنهما قد آذياني في
حياتي وعند موتي! والله لاأكلمكما من رأسي
كلمة حتى ألقى ربي فأشكوكما بماصنعتما بي
وارتكبتما مني!


فدعا أبوبكر بالويل والثبور وقال: ليت أمي
لم تلدني !


فقال عمر: عجباً للناس كيف ولوك أمورهم،
وأنت شيخ قد خرفت! تجزع لغضب امرأة ، وتفرح
برضاها ، وما لمن أغضب إمرأة ؟! وقاما
وخرجا )


وفي الغدير:7/228، عن الإمامة والسياسة:1/14،
وأعلام النساء للجاحظ:3/1214: (قالت: فإني
أشهد الله وملائكته إنكما أسخطتماني وما
أرضيتماني ، ولئن لقيت النبي لأشكونكما
إليه فقال أبو بكر أنا عائذ بالله تعالى من
سخطه وسخطك يا فاطمة ! ثم انتحب أبو بكر
يبكي حتى كادت نفسه أن تزهق وهي تقول:
والله لأدعون عليك في كل صلاة أصليها ثم
خرج باكياً فاجتمع الناس إليه فقال لهم:
يبيت كل رجل معانقا حليلته مسرورا بأهله
وتركتموني وما أنا فيه ، لا حاجة لي في
بيعتكم ، أقيلوني بيعتي ) انتهى وهو في
الإمامة والسياسة طبعة مصر تحقيق الزيني
ج1ص31


وفي رواية روضة الواعظين للنيسابوري ص151: (
فقالت: يا بن عم إنه قد نعيت إلى نفسي لأرى
ما بي لا أشك ، إلا أننى لاحقة بأبي ساعة
بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي قال
لها علي: أوصيني بما أحببت يا بنت رسول
الله فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت
، ثم قالت يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا
خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني !


فقال: معاذ الله أنت أعلم بالله وأبر
وأتقى وأكرم ، وأشد خوفاً من الله أن أوبخك
غداً بمخالفتي، فقد عز علي بمفارقتك
وبفقدك ، إلا أنه أمر لابد منه والله جدد
على مصيبة رسول الله(ص)وقد عظمت وفاتك
وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من
مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها ،
هذه والله مصيبة لا عزاء عنها ورزية لاخلف
لها! ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ على رأسها
وضمها إلى صدره، ثم قال أوصيني بما شئت،
فإنك تجديني وفياً أمضي كل ما أمرتني به
وأختار أمرك على أمري


ثم قالت: جزاك الله عنى خير الجزاء، يا بن
عم أوصيك أولاً أن تتزوج بعدي بابنة أختي
أمامة فإنها تكون لولدي مثلي، فإن الرجال
لابد لهم من النساء ، ثم قالت أوصيك يابن
عم أن تتخذ لي نعشاً فقد رأيت الملائكة
صوروا صورته ، فقال لها: صفيه لي فوصفته
فاتخذه لها ، فأول نعش عمل في وجه الأرض
ذلك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد


ثم قالت: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من
هؤلاء الذين ظلموني ، وأخذوا حقي، فإنهم
أعدائي وأعداء رسول الله، وان لايصلي علي
أحد منهم ولامن أتباعهم وادفني في الليل
إذا هدأت العيون ونامت الأبصار !


ثم توفيت صلوات الله عليها وعلى أبيها
وبعلها وبنيها ، فصاحت أهل المدينة صيحة
واحدة واجتمعت نساء بني هاشم في دارها ،
فصرخن صرخة واحدة كادت المدينة أن تزعزع
من صراخهن وهن يقلن: يا سيدتاه يا بنت رسول
الله !


وأقبل الناس مثل عُرْف الفرس إلى علي وهو
جالس، والحسن والحسين بين يديه يبكيان
فبكى الناس لبكائهما ، وخرجت أم كلثوم
وعليها برقعة وتجر ذيلها متجللة برداء
عليها تسحبها ، وهي تقول: يا أبتاه يا رسول
الله ، الآن حقاً فقدناك فقداً لا لقاء
بعده ، واجتمع الناس فجلسوا وهم يرجون
وينظرون أن تخرج الجنازة فيصلون عليه


وخرج أبوذر فقال: إنصرفوا فإن ابنة رسول
الله قد أخر إخراجها في هذه العشية، فقام
الناس وانصرفوا، فلما أن هدأت العيون،
ومضى من الليل ، أخرجها علي والحسن
والحسين، وعمار ، والمقداد، وعقيل،
والزبير وأبو ذر، وسلمان، وبريدة، ونفر من
بني هاشم وخواصه ، صلوا عليها ، ودفنوها في
جوف الليل وسوى على حواليها قبوراً مزورة
مقدار سبعة حتى لا يعرف قبرها ) انتهى


(15)عصمة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء(ع)


( بتاريخ: 9 جمادى الأولى1411- 28/11/1990 ـ 7/9/1369 )


بسـم الله الرحمن الرحيم


(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ
لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ
مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا
رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ) ( سورة التوبة:122 )


عرَّف صاحب المعالم&الفقه بأنه: العلم
بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها
التفصيلية


لكن هذا التعريف لايتم، لأن القرآن
والسنة القطعية لم يحصرا الفقه في هذا
النطاق ، وهذا بحث مهم ينفع تحقيقه في
مباحث الإجتهاد والتقليد بشكل خاص ، وفي
بحث ولاية الفقيه ، وفي بحث الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفي بحث وجوب
تعليم الجاهل وإرشاده ، وبحث حجية الخبر ،
وحجية الفتوى


أما في الآية فإن (لولا) للتحضيض على
التفقه في الدين، وليس على التفقه فقط في
أحكام الطهارة ، فالطهارة جزء صغير من
الدين، وليست هي الدين ، وبعض الشئ ليس هو
الشئ!


والفقه المعروف بالأقسام
الأربعة:الإيقاعات، والعقود، والأحكام،
والعبادات، كله قسم صغير من الفقه ، بل
الفقه أوسع منه بكثير !


فالفقيه في رأي الإمام الصادق(ع)ليس هو
فقط الذي تعلم علم أصول الفقه وعرف مبانيه
، من أول مبحث وضع الألفاظ الى آخر مبحث
التعادل والتراجيح، وتعلم علم الفقه من
أول بحث طهارة الماء المطلق الى آخر أحكام
العاقلة فقوله تعالى: لِيَتَفَقَّهُوا
فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ
يدل على أن الإنذار يجب أن يكون بكل الدين،
وأن يكون الفقيه فقيهاً بكل الدين وهذه
الحقيقة يجب أن تكون واضحة لكم أنتم الذين
تسيرون في طريق الفقاهة، فالفقيه الذي
يكتفي بصفة نصف فقيه، كمن يترك بناءه على
النصف، لايمكنه أن يحل المشكلة الدينية
للناس !


الفقهاء الذين عينتهم الآية الكريمة:
فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ
مِنْهُمْ طَائِفَةٌ، لحل المشكلة ، هم
طائفة منتخبة من كل فرقة ، وهم ثمرات الناس
الذين لهم صلاحية أن يتفقهوا ، ثم ينذروا !


لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين أي دين؟ إنه
ذلك الدين الذي وصى به إِبْرَاهِيمُ
بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ
اللهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ
فَلاتَمُوتُنَّ إِلاوَأَنْتُمْ
مُسْلِمُونَ ( سورة البقرة:132 ) والذي قال
عنه الله تعالى:إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ
اللهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلامِنْ
بَعْدِ مَاجَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً
بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ
اللهِ فَإِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
(سورة آل عمران: 19)،فالتفقه المطلوب
هوالتفقه في الإسلام، وصاحبه هو الفقيه
المطلوب في الآية الكريمة ، وذلك الفقيه
هو الإكسير الأعظم


عندنا مثلاً في الأحكام الفقهية: ملعون من
أخر الصلاة حتى تشتبك النجوم ، وعندنا:
ملعون من أحب الرئاسة، فلماذا نعتبر النص
الأول حكماً فقهياً ولا نعتبر الثاني
حكماً فقهياً؟! فكما نبحث في معنى لعن من
أخر الصلاة حتى تشتبك النجوم ، وأنه هل يدل
على الحرمة أو الكراهة ، وما هو الموضوع
فيه وما هو المحمول، يجب أن نبحث ما يدل
عليه لعن من أحب الرئاسة ، وما هو حب
الرئاسة، وهل اللعن فيه تمحيضي أو
تحريمي؟! إنها مسألة مهمة ، وأغلبكم
والحمد لله في مستوى علمي كالثمر عند بدو
صلاحه


وعندنا مثلاً وجوب التولي والتبري،
فالواجب علينا أن نتبرأ من كل من أغضب ولي
الله وحجته(ع)، فهل هذا فقه أو ليس فقهاً؟


وهل أن التولي والتبري واجب أو مستحب؟


وإن كان واجباً ، فما هو موضوعه وما
محموله؟ وما هي النسبة بين هذين الفرضين،
هل يمكن أن ينقص أحدهما عن الآخر ، أم يجب
أن يساوق التبري التولي في كل مستوى تم
عليه الدليل برهاناً وعقلاً كتاباً وسنة
؟!


وما دامت هذه من مسائل الدين ، فلا بد لنا
أن نتفقه فيها ، لأنها مشمولة للمأمور به
في الآية: لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّين،
ومشمولة بوجوب الإنذار بعد التفقه:
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ


إن مقام الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء
صلوات الله عليها مقامٌ عظيمٌ ، وحقها في
أعناق المسلمين حقٌّ كبير ، ونحن مع الأسف
لم نعمل لبيان حقها كما يجب!


إني أخاف أن تعقد محكمة لمحاكمتنا في
الدنيا يكون القاضي فيها صاحب الزمان
أرواحنا فداه أو في الآخرة يكون القاضي
فيها الله تعالى ، وأن نسأل هل عملنا
لإحقاق فاطمة الزهراء(ع)بمقدار اعتراف
فقيه سني؟ أخشى أن نكون عاجزين عن الجواب !


ولننظر الى مارواه البخاري وما أثبته من
حقها(ع)ولو عن غير عمد! فالبخاري مقبول عند
أشد المتعصبين منهم، وأشد نقاد حديثهم !
وقد روى عن أبي الوليد عن ابن عيينة، عن
عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة، عن
المسور بن مخرمة، أن رسول الله(ص)قال:
(فاطمة بضعة مني، من أغضبها فقد أغضبني)
نوجه كلامنا حول هذا الحديث الى الفقيه
السني وليس الى السفيه! فماذا تقضي فقاهته
في سند هذا الحديث ، ودلالته ؟


أما سنده فهو عندهم في الدرجة العليا حيث
رواه البخاري الذي (يحتاط) في الرواية عن
الإمام جعفر الصادق(ع)!


وقد صحح هذا الحديث الذهبي الذي يعتبرونه
أنقد نقادهم للحديث، وصحح حديث: (إن الرب
يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضب فاطمة)
فالحديث عندهم في حد مقطوع الصدور عن
النبي(ص)،(1)


ونحن أردنا حديث البخاري مفسراً ومؤيداً
لحديث الذهبي، فعلى ماذا يدل هذا الحديث؟


من أين ينشأ الرضا والغضب في أنواع الناس؟


تقوم حياة النبات علىقوتين ، قوة جذب
الملائم ، وقوة دفع المنافر وتظهر هاتان
القوتان في حياة الحيوان بصورة قوة رضا
وقوة غضب ، وتستمدان وجودهما من الطبع
والغريزة


وأما في حياة الإنسان ، ولا نقصد بها
حياتنا نحن ، فليس مجلسنا هذا مجلس
مجاملات ، إن معنى حياة الإنسان أن يصل
أحدنا الى درجة الإنسان الذي دعامة وجوده
العقل: دعامة الإنسان العقل(2) حينئذ يكون
العقل منشأ كل رضاه وغضبه ، أما قبل ذلك
فمنشؤهما الطبع والغريزة !


هل وصلت أنا الى مرحلة الإنسان الذي ينشأ
رضاه وغضبه من عقله؟ أقول: كلا ، أبداً،
وكل عاقل لابد أن يعرف في أول درجات تعقله
أنه لم يبلغ درجة الإنسان العاقل ، وهذا
الإعتراف أمر مهم !


نحن الى الآن لم نلتفت الى محك إنسانيتنا
وميزانها ما هو ؟ فنحن نرضى ونغضب لذواتنا
ومكانتنا الإجتماعية، ولا أقول إن رضانا
وغضبنا لحاجاتنا البدنية !


فلينظر أحدنا الى نفسه عندما يتركه شخص
كان يثق به ويعتقد به ، هل ينقبض ويحزن؟
فهو إذن ذئب، ولم يصر إنساناً !


إن عمامة أحدنا لاتمنع أن يكون ما تحتها
ذئب!


فلن يصير أحدنا إنساناً إلا إذا صار منشأ
غضبه ورضاه العقل ، وليس الغريزة !


وإذا رأينا في حياتنا أن رضانا أو غضبنا
نشأ ذات مرة من العقل ، فقد صار أحدنا ذات
مرة إنساناً ! فإن عدنا الى الرضا والغضب
للبطن أو الفرج ، فنحن من تلك الحيوانات،
غاية الأمر أننا على شكل الناس !


أما الإنسان العقلاني فهو الذي يرضى
دائماً لرضا العقل، ويغضب لغضب العقل!


فإن كنت تعرف شخصاً على وجه الكرة الأرضية
بلغ في شخصيته هذه الدرجة فدلني عليه حتى
أذهب اليه وأقبل يده ، بل أقبل غبار قدميه !


وإن فوق هذه المرتبة مقاماً يمكن أن يبلغه
الإنسان، حيث تصير إرادته فانية في إرادة
الله تعالى، فلايكون له مع إرادة ربه
إرادة! وهي درجة تجعله في كل أموره يرضى
لرضا الله ويغضب لغضب ربه ! يعني لو قتلوا
ابنه فهو يغضب لغضب الرب وليس لنفسه، ولو
أحيوا ابنه فهو يرضى لرضا الرب، وليس
لنفسه !


إن تصور هذا المستوى أمر صعب ، فكيف
بتحققه ؟!


وهذا هو مقام عصمة خاتم الأنبياء(ص)، عصمة
ذلك المخلوق الذي لا نظير لوجوده في جميع
المخلوقات، الذي ذاب حبه وبغضه وفني في حب
الله وبغضه! فلا يحب إلا ما يحبه الله ، ولا
يبغض إلا ما يبغضه الله تعالى !


وهذا هو البشر الذي وصل الى درجة: وَمَا
يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا
وَحْيٌ يُوحَى (سورة النجم:3-4) وهذه
المرحلة والدرجة هي التي يعبر عنها
بالعصمة الخاتمية وهي غير العصمة
الإبراهيمية ، والعصمة الإبراهيمية غير
العصمة اليونسية


إن عصمة يونس(ع)عصمة ، لكن فيها: وَذَا
النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ
أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي
الظُّلُمَاتِ أَنْ لاإِلَهَ إِلاأَنْتَ
سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ (سورة الأنبياء:87 ) ، إنه
نبي معصوم ولكن في حياته نقاطاً يحتاج أن
يصل منها الى درجة:سُبْحَانَكَ إِنِّي
كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين وقبل بطن الحوت
لم يصل اليها !


ونبي الله يوسف نبي معصوم ، وبرهان ربه
الذي رآه هو عصمته: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ
وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى
بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ
عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ
مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (سورة
يوسف: 24) ، لكنها عصمة بمستوى: وَقَالَ
لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا
اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ
الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ
فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِين (سورة يوسف:42)
، أما التسليم المطلق لحب الله وبغضه ورضاه
وغضبه ، فهو مقام خاص بأفضل الخلق وخاتم
النبيين وسيد المرسلين(ص)، ففي هذا المقام
نستطيع أن نقول إنه يرضى لرضا الله ويغضب
لغضبه مطلقاً ، وأن الله تعالى يرى لرضاه
ويغضب لغضبه !


فهل فهم البخاري والذهبي ما روياه عن خير
الخلق وصححاه: إن الرب يرضا لرضا فاطمة
ويغضب لغضب فاطمة؟! وهل فهما أن النبي(ص)لو
قال: إن فاطمة ترضى لرضا الرب وتغضب لغضبه،
فقط ، لدل ذلك على أن رضاها وغضبها منشؤه من
الله تعالى فقط، وليس من نفسها ولا من عالم
الخلق ، وكان معناه درجة العصمة الكبرى
التي لرسول الله(ص)؟!


فما معنى قوله(ص)بعد هذا المقام: إن الرب
يرضى لرضى فاطمة ويغضب لغضب فاطمة؟ ما
معنى الصعود الى درجة أعلى تكون لام الرضا
من جهة فاطمة(ع)؟! هنا يفهم الكلام من يعرف
فاطمة(ع)ما هي؟


والذي يعرف فاطمة من هي هو الإمام جعفر
الصادق(ع)الذي يقول: إنما سميت فاطمة
فاطمة، لأن الناس فطموا عن معرفتها (تفسير
فرات ص581 ، البحار:43/65)


فثبت بالدليل أننا مفطومون عن معرفتها،
لأننا عاجزون عن معرفة تلك الدرجة الأعلى
التي تجعل الله تعالى يرضى لرضاها ويغضب
لغضبها!! عاجزون عن معرفة هذه المخلوقة
الربانية ، والحوراء الإنسية ، ما هي ، وفي
أي أفق هي ؟!


لقد كشف لنا أمير المؤمنين(ع)ليلة دفنها
عن نافذة من مقامها(ع)، حيث قال: أما حزني
فسرمد، وأما ليلي فمُسَهَّد ! ( أمالي
المفيد ص281)


وينبغي أن نعرف أن الذي يقول ذلك هو الذي
عرف الدنيا والآخرة ، ووضعهما كلتيهما تحت
قدميه! لكن غصة فقد فاطمة أرهقته ، لأنه
يعرف من هي فاطمة! لاحظوا كلماته(ع)عندما
صلى على جنازتها، فقد حدث عند جنازتها ما
لم يحدث عند جنازة أحد ! ولا نستطيع أن نذكر
أكثر من هذا:


في البحار عن مصباح الأنوار للخوارزمي عن
أبي عبد الله الحسين(ع)قال:


إن أمير المؤمنين(ع)غسل فاطمة(ع)ثلاثاً
وخمساً، وجعل في الغسلة الخامسة الآخرة
شيئاً من الكافور، وأشعرها مئزراً سابغاً
دون الكفن ، وكان هو الذي يلي ذلك منها،
وهو يقول: اللهم إنها أمتك، وبنت رسولك،
وصفيك وخيرتك من خلقك، اللهم لقنها حجتها،
وأعظم برهانها، وأعل درجتها، واجمع بينها
وبين أبيها محمد(ص) فلما جن الليل غسلها
علي، ووضعها على السرير، وقال للحسن أدع
لي أبا ذر فدعاه، فحملاها إلى المصلى،
فصلى عليها ثم صلى ركعتين، ورفع يديه إلى
السماء فنادى: هذه بنت نبيك فاطمة ،
أخرجتها من الظلمات إلى النور، فأضاءت
الأرض ميلا في ميل ! (مقتل الحسين
للخوارزمي1: 86 ، البحار 43: 214 ، عوالم
العلوم:11/514 ط ثانية )


ورفع يديه إلى السماء فنادى:هذه بنت نبيك
فاطمة أخرجتها من الظلمات إلى النور!


ماذا يعني هذا الكلام؟! لاحظوا أنه(ع)قال
ذلك مجملاً، فهذا المطلب لايمكن أن يقوله
لغير الله تعالى! قال له إلهي إنك أخذت
فاطمة من هذه الدنيا المظلمة، الى حيث
النور نور السماوات والأرض


ولاحظوا أن الله أجاب علياً وكأنه قال له
نعم نقلتها الى النور حيث خلقت روحها من
نور ربها وفي نور ربها ، وما أن أكمل أمير
المؤمنين(ع)كلمته حتى أضاء نورها من نقطة
بدنها الطاهر(ع)الى ميل في ميل، تصديقاً
لعلي (ع)وتطميناً له !


ماذا يعني هذا ؟! يعني أن حقيقة: إِنَّا
للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ،
للجميع ، أما فاطمة فإلى نور عظمة الله
الذي منه خلقت ، وإليه عادت !


هذه فاطمة وإلى ذلك النور ذهبت روحها،
وبهذا النحو استقبل ذلك العالم بدنها الذي
كان في عالم الظلمة!


وهذه فاطمة التي بلغت مقام: إن الرب ليغضب
لغضب فاطمة ويرضى لرضاها ! ومن المهم هنا
أن نشير الى أن البخاري يروي في صحيحه عن
عائشة أنها قالت: فغضبت فاطمة بنت رسول
الله(ص)فهجرت أبابكر فلم تزل مهاجرته حتى
توفيت! (:4/41) وروى غيره أنها أوصت علياً(ع)أن
يدفنها سراً ولا يعلمهم بجنازتها!


وبهذه الاعترافات تكتمل مواد الحكم عليهم
، في صغرى وكبرى ونتيجة القياس، فهذا ما
تقوله السنة:إن الله ليغضب لغضبها، وتقول
إنها غضبت على أبي بكر وهجرته حتى توفيت
فحل عليه غضب الله، والقرآن يقول: وَمَنْ
يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى!
(سورة طـه: 81 )


فلا طريق أمام الفقيه السني الذي يقرأ في
صلاته كل يوم عشر مرات: صِرَاطَ الَّذِينَ
أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ
الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا
الضَّالِّينَ ، إلا أن يتنازل عن أئمته ،
أو عن القرآن ، أو عن السنة ! نعم يوجد بديل
واحد لذلك أن يكون:مَثَلُ الَّذِينَ
حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ
يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ
يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ
الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ
اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (سورة الجمعة: 5 )


التعليقات


(1) في مستدرك الحاكم:3/154:(قال
النبي(ص)لفاطمة: إن الله يغضب لغضبك ويرضى
لرضاك هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه


وفي مجمع الزوائد:9/203: ( قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: إن الله يغضب لغضبك ويرضى
لرضاك رواه الطبراني وإسناده حسن )


وهو في الطبراني الكبير:1/108، ولم أجد
تصريح الذهبي بتصحيحه في ميزان الإعتدال،
وقد يفهم ذلك من توثيقه للقزاز في:2/492 ، وهو
في سلسلة رواته عند الطبري


وقال الصالحي في سبل الهدى والرشاد:11/44:
(الرابع: في أن الله تبارك وتعالى يرضى
لرضاها ، ويغضب لغضبها روى الطبراني
بإسناد حسن ، وابن السني في معجمه وأبو
سعيد النيسابوري في الشرف ، عن علي رضي
الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم قال لفاطمة: إن الله تعالى يغضب لغضبك
ويرضي لرضاك انتهى


وهو مستفيض في مصادرنا ، راجع عيون أخبار
الرضا(ع):2/ 26 ، وأمالي الصدوق :1/313 ، وأمالي
المفيد ، وغيرها


(2) في علل الشرائع:1/103: (حدثنا محمد بن
الحسن قال: حدثنا محمدبن الحسن الصفار، عن
أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب،عن بعض
أصحابه، عن أبي عبدالله (ع)قال: دعامة
الانسان العقل، ومن العقل الفطنة والفهم
والحفظ والعلم، فإذا كان تأييد عقله من
النور كان عالماً حافظاً ذكياً فطناً
فهماً ، وبالعقل يكمل ، وهو دليله ومبصره ،
ومفتاح أمره )


وفي الكافي 1/25: (عدة من أصحابنا ، عن أحمد
بن محمد مرسلاً ، قال: قال أبو عبد الله:
دعامة الإنسان العقل ، والعقل منه الفطنة
والفهم ، والحفظ والعلم ، وبالعقل يكمل،
وهو دليله ومبصره، ومفتاح أمره، فإذا كان
تأييد عقله من النور كان عالماً، حافظاً ،
ذاكراً فطناً ، فهماً ، فعلم بذلك كيفَ
ولمَ وحيثُ ، وعرف من نصَحَهُ ومن غشَّهُ ،
فإذا عرف ذلك عرف مجراه وموصوله ومفصوله ،
وأخلص الوحدانية لله ، والإقرار بالطاعة ،
فإذا فعل ذلك كان مستدركاً لما فات ،
ووارداً على ما هو آت ، يعرف ما هو فيه ،
ولأي شئ هو ههنا ، ومن أين يأتيه وإلى ما هو
صائر ، وذلك كله من تأييد العقل)


(16)فاطمة الزهراء(ع)حوراء إنسية


( بتاريخ: 19جمادى الثانية 1416 ـ 13/11/1995 ـ
17/8/1374 )


أشكو من الرشح، لكن لايصح أن نضيع حق
الصديقة الكبرى الزهراء(ع)


إن فاطمة الزهراء(ع)فوق كلامنا ، إنها
الصديقة الجليلة ، صاحبة المقام العظيم
عند الله تعالى ورسوله(ص)، التي إذا استقرت
في الجنة زارها جميع الأنبياء(ع)، آدم فمن
دونه ! (وإذا استقر أولياء الله في الجنة
زارك آدم ومن دونه من النبيين ) ( تفسير
فرات ص171 ) (1)


يا لها من عظمة! إن الفقه أن يعرف الإنسان
معنى ما يقوله المعصومون(ع) وكلمة النبي(ص):
(رب حامل فقه غير فقيه) كلمة عجيبة ، فكيف
إذا وصلنا الى قوله(ص): (ورب حامل فقه إلى من
هو أفقه منه) !


من الأمور المتفق عليها في مصادر الخاصة ،
وقد رويت في عدد من مصادر العامة ، أن أصل
مادة بدن الصديقة الطاهرة الزهراء(ع)ليست
من مادة هذا العالم والحياة الدنيا ، بل هي
من الجنة من أعلى أشجارها وثمارها ! وأن
جبرئيل(ع)أخذ النبي(ص)في معراجه الى الجنة
الى شجرة طوبى وأطعمه من ثمارها، أو أهدى
له وهو في الأرض من ثمارها ، فأكلها فتكونت
نطفة فاطمة وحملت بها خديجة الكبرى سلام
الله عليهما


فقد روى السيوطي ذلك في الدر المنثور ،
والطبراني في معجمه ، والثعلبي في تفسيره
، وغيرهم من كبار علماء السنة ومحدثيهم


وفي رواية الطبراني تعبيرات عجيبة عن تلك
الشجرة: عن عائشة قالت قال رسول(ص): لما
أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة ، فوقفت
على شجرة من أشجار الجنة لم أرَ في الجنة
أحسن منها ، ولا أبيض ورقاً ، ولا أطيب
ثمرة ، فتناولت ثمرةً من ثمرتها فأكلتها ،
فصارت نطفة في صلبي ، فلما هبطت إلى الأرض
واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فإذا أنا اشتقت
إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة) (الدر
المنثور: 4/153 ونحوه في أمالي الصدوق ص546 )


نعم رووا ذلك ، لكن هل فهموا فقه ما رووه؟!


أما الإمام الصادق(ع)فيقول: حديث تدريه
خير من ألف حديث ترويه ولايعد الرجل
فقيهاً حتى يفقه مقاصد الكلام ودقائقه !(2)


لاحظوا أن جبرئيل(ع)أخذ النبي(ص)وهو الشخص
الأول في العالم ، الى الشجرة الأولى في
الجنة ، في أرفع ملك الله تعالى ، وإنما
كان ذلك بجاذبية الملك والملكوت؟! ثم قطف
له من أفضل ثمارها فكان ذلك الثمر نطفة
الصديقة الطاهرةالزهراء(ع)لتكون آية لله
تعالى في الأرض فريدة في تكوينها وشخصيتها
وذريتها ؟!


تأملوا في قول الله تعالى: فَإِذَا
سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ
رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين َ (سورة
الحجر: 29 ) ، فلابد من فهم هاتين الكلمتين:
تسوية الجسد ، ثم نفخ الروح ، فهما تدلان
على إعداد خاص للجسد ، وعلى تناسب خاص
ضروري بينه وبين الروح ، فنفس الإنسان
لايمكن أن تحل في بدن حيوان مثلاً، لماذا؟
لأن تسويته غير مناسبة لها، فهي لاتحل إلا
في بدن تمت تسويته في أحسن تقويم:
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ
سِينِينَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ
فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ(سورة التين: 1-4)


ومادام بدن الإنسان العادي مخلوقاً في
أحسن تقويم، فكيف بالبدن الذي لم يؤخذ
أصله من عالم الملك، بل أخذ من عالم
الملكوت الذي هو فوق عالم الظلمات، كبدن
الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء(ع)؟! وكيف
ستكون النفس التي تناسبه وتحل فيه ؟!!


هذا هو الفقه الذي لم يفهمه الطبراني ولا
السيوطي ولا الفخر الرازي ، ولا كل من روى
منهم وكتب حديث خلق فاطمة من ثمار شجرة
طوبى !


إن شجرة طوبى شجرة وحيدة متفردة ، وقد شاء
الله تعالى أن يجعل تكوين بنت أفضل
أنبيائه(ص)وأم خير أوصيائه(ع)من أعلى
ثمارها !


فما هي الروح المتناسبة مع هذا البدن التي
اختارها الله لفاطمة(ع)؟!!


إنها من أسرار الله تعالى التي لا نستطيع
أن نفهمها ، لكنا نفهم منها لماذا علمنا
النبي وأهل بيته أن ندعو الله تعالى
فنقول:(اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها،
وبعلها وبنيها، والسر المستودع فيها) !!


نعم إن قضية الزهراء(ع)بهذا المستوى من
العظمة والأهمية ، غاية الأمر أن كل إنسان
يفهم منها بقدر عقله وفكره (إن هذه القلوب
أوعية فخيرها أوعاها)! فبعضهم يفهم من
شخصية الزهراء(ع)أنها أم نموذجية ! فمعرفته
لها على قدر عقله ! وبعضهم يفهم أنها زوجة
مثالية ، وهذا أيضاً قدر عقله وشعوره !
وبعضهم حد فهمه أن يرى فيها قدوة لنساء
العالم ، وهذا أيضاً حد فهمه !


لكن قضيتها(ع)أعظم من كل ذلك، فعندما نبحث
عن أسرار الله المودعة في الروح الفريدة
للزهراء(ع)، ذات التكوين البدني الفريد ،
نصل الى أن روحها خلقت من نور عظمة الله
تعالى!! فعن جابر بن يزيد الجعفي&أنه سأل
الإمام الصادق(ع): لم سميت فاطمة الزهراء،
زهراء؟ فقال: لأن الله عز وجل خلقها من نور
عظمته، فلما أشرقت أضاءت السموات والأرض
بنورها ، وغشيت أبصار الملائكة، وخرت
الملائكة لله ساجدين وقالوا: إلهنا وسيدنا
، ما هذا النور ؟ فأوحى الله إليهم: هذا نور
من نوري، أسكنته في سمائي، خلقته من
عظمتي، أُخرجه من صلب نبي من أنبيائي،
أُفضله على جميع الأنبياء، وأُخرج من ذلك
النور أئمة يقومون بأمري، يهدون إلى حقي،
وأَجْعَلُهُم خلفائي في أرضي، بعد انقضاء
وحيي) (الإمامة والتبصرة ص133)


إن إضافة النور الى الله تعالى يعطيه
خصوصية عالية، فالله تعالى نور السماوات
والأرض، والنور الذي خلقه ونسبه اليه،
يصعب على العقول فهمه: اللهُ نُورُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ
نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَامِصْبَاحٌ
الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ
الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ
مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ
وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضِئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ
الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ
شئ عَلِيمٌ (سورة النور: 35 )


ونور العظمة أعلى من نور العلو ، لأن وصف
العظيم في آية الكرسي ورد بعد وصف العلي:
وَلا يُحِيطُونَ بِشَئٍ مِنْ عِلْمِهِ
إِلاّ َبِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا
يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ
الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (سورة البقرة:255 )


وعندما يكون البدن من أعلى ما في الجنة ،
والروح من نور العظمة ، فأي بشر سيكون
صاحبه ؟! من أين أتى ، والى أين ، وماذا
سيكون في المحشر ، وأين سيكون في الجنة ؟!


وقد روى الإمام الصادق(ع)عن جده
المصطفى(ص)كيف خلق الله تعالى روح فاطمة من
نور عظمته قبل خلق آدم(ع)، فقال: (قال رسول
الله(ص): خلق نور فاطمة قبل أن تخلق الأرض
والسماء فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست
هي إنسية ؟ فقال(ص): فاطمة حوراء إنسية قال:
يا نبي الله وكيف هي حوراء إنسية؟ قال:
خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق
آدم، إذ كانت الأرواح، فلما خلق الله عز
وجل آدم عرضت على آدم ! قيل: يا نبي الله
وأين كانت فاطمة؟ قال: كانت في حقة تحت ساق
العرش قالوا: يا نبي الله فما كان طعامها؟
قال: التسبيح والتهليل والتحميد) (معاني
الأخبار للصدوق ص396) (3)


كانت في حقة تحت ساق العرش كالجوهر الذي
يحفظونه في علبة في صندوق ثمين ، مكانها
عند قوائم عرش الرحمن! أما طعام روح فاطمة
قبل أن تحل في هذا البدن الفريد أيضاً فكان
التسبيح والتهليل والتحميد ، وذلك بعد
التقديس !


فأول طعامها التسبيح وبهذه نعرف العلاقة
بين الزهراء(ع)وبين تسبيح الزهراء الذي
سماه النبي(ص)باسمها والذي كانت تتغذى به
وتداوم عليه في ذلك العالم !


إن المهم كما أكدنا دائماً هو الدراية ،
وليس مجرد الرواية !


نحن نتعجب عندما نعرف أن سبب نزول سورة
طه، أن رسول الله(ص) بلغ من حبه لربه
واستغراقه في عبادته أنه كان يقف في
محرابه يصلي حتى تورمت قدماه، فأنزل الله
عليه سورة ( طه ) يحدثه فيها ويطمئنه ويطلب
منه أن يخفف عن نفسه !


( طَهَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ
الْقُرْآنَ لِتَشْقَىإِلاَّ تَذْكِرَةً
لِمَنْ يَخْشَىتَنْزِيلا ًمِمَّنْ
خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ
الْعُلَىالرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ
اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ
وَمَا في الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا
وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِنْ تَجْهَرْ
بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ
السِّرَّ وَأَخْفَى اللهُ لا إِلَهَ
إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى ) (سورة طه:
1-9)


لكن هذا ليس عجيباً على الشخص الأول في
الوجود، والنقطة الأولى في قوس النزول،
والنقطة العليا في قوس الصعود!


بل هو عجيب على ابنته الزهراء(ع)التي لم
تبلغ ثمانية عشر عاماً ، وقد سلكت خط
أبيها، ووقفت في محرابها تصلي لربها
وتعبده، حتى تورمت قدماها كأبيها ، فكانت
شريكة له في سورة ( طه ) !


إنها ملحمة العبودية لله في هذا البيت ،
فقد كانت فاطمة مستغرقة في ذات الله ،
مندكة في عظمته وجلاله وكانت في هذه
النشأة في سباق في معرفة الله تعالى
وعبادته ، ونسخة عن أبيها رسول الله(ص)في
شبابه!(4)


والآن يمكننا أن نفكر لماذا تشترك
الزهراء مع أبيها يوم القيامة في فضيلة لا
يشاركهما فيها غيرهما ، فعندما يتم حشر
الناس وحسابهم ويؤتى بالبراق
للنبي(ص)للذهاب الى الجنة ، يتقدم أمامه
موكب واحد ، هو موكب فاطمة الزهراء(ع)!! (5)


ونفهم لماذا عندما تدخل فاطمة الجنة،
يزورها الأنبياء(ع)من آدم فما دونه،
يزورها نوح وإبراهيم وموسى وعيسى(ع)،
ويزورها رسول الله(ص)، ولذلك تفسير لايتسع
له المقام !


ويمكننا أن نفهم لماذا خصها الله بالذكر
في بشارة الأنبياء السابقين بخاتم
أنبيائه(ص): (أوحى الله تعالى إلى عيسى
جِدَّ في أمري ولا تترك، إني خلقتك من غير
فحل آية للعالمين، أخبرهم: آمنوا بي ،
وبرسولي النبي الأمي، نسله من مباركة هي
مع أمك في الجنة، طوبى لمن سمع كلامه ،
وأدرك زمانه ، وشهد أيامه) ( الخرائج
والجرائح:2/950 )


ونفهم معنى أنها ليلة القدر: (عن الإمام
الصادق(ع)أنه قال: (إنا أنزلناه في ليلة
القدر، ليلة القدر فاطمة ، ليلة القدر
فاطمة ، فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك
ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق
فطموا عن معرفتها) ( تفسير فرات الكوفي ص581
، البحار: 43/65 ، العوالم :11/103 )


فبطون الكتاب المحكمة كلها في ذلك السر
المستسر في قلب فاطمة(ع)!


إن بشراً كهذا البشر لهو فوق تعبيرنا ،
ومهما قلنا في حقها ينبغي لنا أن نستغفر
الله تعالى من تقصيرنا فيه


وهنا نصل الى قول الإمام الصادق(ع): (إنما
سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها ) !


التعليقات


(1) في البحار:8/172، عن تفسير فرات: عن ابن
عباس ، عن أمير المؤمنين(ع)قال: دخل رسول
الله(ص)ذات يوم على فاطمة(ع)وهي حزينة،فقال
لها- وساق الحديث في أحوال القيامة إلى أن
قال : فتقولين: يا رب أرني الحسن والحسين ،
فيأتيانك وأوداج الحسين تشخب دماً وهو
يقول: يارب خذ لي اليوم حقي ممن ظلمني،
فيغضب عند ذلك الجليل ويغضب لغضبه جهنم
والملائكة أجمعون، فتزفر جهنم عند ذلك
زفرة، ثم يخرج فوج من النار ويلتقط قتلة
الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم فيقولون
يارب إنا لم نحضر الحسين فيقول الله
لزبانية جهنم: خذوهم بسيماهم بزرقة العيون
وسواد الوجوه ، وخذوا بنواصيهم فألقوهم في
الدرك الأسفل من النار، فإنهم كانوا أشد
على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا
الحسين فقتلوه! فتسمع أشهقتهم في جهنم-
وساق الحديث إلى أن قال: فإذا بلغت باب
الجنة تلقتك اثنتا عشر ألف حوراء لم
يتلقين أحداً قبلك ولايتلقين أحداً كان
بعدك، بأيديهم حراب من نور على نجائب من
نور، جللها من الذهب الأصفر والياقوت
الأحمر، أزمتها من لؤلؤرطب، على كل نجيب
أبرقة من سندس منضود، فإذا دخلت الجنة
تباشر بك أهلها،ووضع لشيعتك موائد من جوهر
علىعمد من نور، فيأكلون منها والناس في
الحساب، وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون


وإذا استقر أولياء الله في الجنة زارك آدم
ومن دونه من النبيين


وإن في بطنان الفردوس للؤلؤتين من عرق
واحد: لؤلؤة بيضاء، ولؤلؤة صفراء، فيها
قصور ودور فيها سبعون ألف دار، البيضاء
منازل لنا ولشيعتنا، والصفراء منازل
لإبراهيم وآل إبراهيم) انتهى (تفسير فرات
ص171)


(2) في معاني الأخبارللصدوق&ص2: عن الإمام
الصادق(ع)قال: حديث تدريه خير من ألف حديث
ترويه ، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتى
يعرف معاريض كلامنا ، وإن الكلمة من
كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً ، لنا من
جميعها المخرج )


(3) في الكافي:1/389: ( أحمد بن محمد، عن محمد
بن الحسن، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن
محمد بن شعيب، عن عمران بن إسحاق
الزعفراني ، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد
الله(ع)قال: سمعته يقول: إن الله خلقنا من
نور عظمته ، ثم صور خلقنا من طينة مخزونة
مكنونة من تحت العرش، فأسكن ذلك النور
فيه، فكنا نحن خلقاً وبشراً نورانيين لم
يجعل لأحد في مثل الذي خلقنا منه نصيباً ،
وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا وأبدانهم من
طينة مخزونة مكنونة أسفل من تلك الطينة ،
ولم يجعل الله لأحد في مثل الذي خلقهم منه
نصيباً ، إلا للأنبياء ، ولذلك صرنا نحن
وهم الناس ، وصار سائر الناس همج ، للنار
وإلى النار )


(4) في المناقب لابن شهرآشوب:3/119: ( الحسن
البصري: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة
، كانت تقوم حتى تورم قدماها وقال النبي
لها: أي شئ خير للمرأة ؟ قالت: أن لا ترى
رجلاً ولا يراها رجل ، فضمها إليه وقال: (
ذرية بعضها من بعض )


وفي فضل آل البيت للمقريزي ص25: (ومن تتبع
سيرة علي وفاطمة والحسن والحسين
ومواضبتهم على صلاة الفريضة والنافلة
يدرك بطلان ذلك كيفَ وعليٌّ الذي لم يترك
صلاته حتى يوم صفين، وفاطمة التي كانت
تتورم قدماها من صلاة الليل، والحسن الذي
كان يحج ماشياً، والحسين الذي ما ترك
صلاته لا ليلة عاشوراء ولا يومها وبنو
أمية ترميه بالسهام )


وفي علل الشرائع للصدوق:1/179: (حدثنا محمد
بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال:
حدثنا عبدالعزيز بن يحيى الجلودي قال:
حدثنا محمد بن زكريا الجوهري ، عن جعفر بن
محمد بن عمارة، عن أبيه قال: سألت أبا
عبدالله(ع)عن فاطمة لم سميت الزهراء؟ فقال
لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها
لأهل السماء ، كما يزهر نور الكواكب لأهل
الأرض )


(5) في ميزان الإعتدال للذهبي:2/618: (عن عبد
السلام بن عجلان عن أبي يزيد المدني، عن
أبي هريرة قال رسول الله: أول شخص يدخل
الجنة فاطمة أخرجه أبو صالح المؤذن في
مناقب فاطمة) انتهى وهو في لسان الميزان
لابن حجر:4/16


وفي كنز العمال:12/110: (أول شخص يدخل الجنة
فاطمة بنت محمد، ومثلها في هذه الأمة مثل
مريم في بني اسرائيل) (أبو الحسن أحمد بن
ميمون في كتاب فضائل علي ، والرافعي عن بدل
بن المحبر عن عبد السلام بن عجلان عن أبي
يزيد المدني


وفي مناقب آل أبي طالب:3/10 عن أبي صالح في
الأربعين عن أبي حامد الإسفرائيني
بإسناده عن أبي هريرة


وفي البحار:73/70، من كتاب الفردوس لابن
شيرويه الديلمي عن أبي هريرة


وفي اللمعة البيضاء للأنصاري ص55: عن مقتل
الحسين للخوارزمي:56، والفردوس: 1/38 ح81 ،
ونظم درر السمطين:ص180 ، والخصائص الكبرى
للسيوطي:2/225 ، ومسند فاطمة الزهراء: ص52 ح114
، ومناقب ابن شهر آشوب )


وفي أمالي الصدوق ص69: (حدثنا محمد بن
إبراهيم ، قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن
جرير الطبري قال: حدثنا أبو محمد الحسن بن
عبد الواحد الخزاز قال: حدثني إسماعيل بن
علي السندي ، عن منيع بن الحجاج ، عن عيسى
بن موسى ، عن جعفر الأحمر، عن أبي جعفر
محمد بن علي الباقر قال: سمعت جابر بن عبد
الله الأنصاري يقول: قال رسول الله(ص): إذا
كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على
ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنين ، خطامها
من لؤلؤ رطب ، قوائمها من الزمرد الأخضر ،
ذنبها من المسك الأذفر ، عيناها ياقوتتان
حمراوان ، عليها قبة من نور يرى ظاهرها من
باطنها ، وباطنها من ظاهرها ، داخلها عفو
الله ، وخارجها رحمة الله ، على رأسها تاج
من نور ، للتاج سبعون ركناً ، كل ركن مرصع
بالدر والياقوت ، يضئ كما يضئ الكوكب
الدري في أفق السماء ، وعن يمينها سبعون
ألف ملك ، وعن شمالها سبعون ألف ملك ،
وجبرئيل آخذ بخطام الناقة ، ينادي بأعلى
صوته: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت
محمد فلا يبقى يومئذ نبي ولا رسول ولا صديق
ولا شهيد ، إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز
فاطمة بنت محمد ، فتسير حتى تحاذي عرش ربها
جل جلاله ، فتزج بنفسها عن ناقتها وتقول:
إلهي وسيدي ، احكم بيني وبين من ظلمني ،
اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي فإذا
النداء من قبل الله جل جلاله: يا حبيبتي
وابنة حبيبي، سليني تعطيْ ، واشفعي تشفعي
، فوعزتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم


فتقول: إلهي وسيدي ذريتي وشيعتي وشيعة
ذريتي، ومحبي ومحبي ذريتي فإذا النداء من
قبل الله جل جلاله: أين ذرية فاطمة وشيعتها
ومحبوها ومحبو ذريتها ؟ فيقبلون وقد أحاط
بهم ملائكة الرحمة ، فتقدمهم فاطمة حتى
تدخلهم الجنة


وفي ثواب الأعمال للصدوق ص219: ( حدثني علي
بن أحمد بن عبيدالله، عن أبيه عن جده أحمد
بن أبي عبد الله، عن أبيه عن محمد بن خالد ،
بإسناده يرفعه إلى عنبسة الطائي ، عن أبي
جبير، عن علي بن أبي طالب(ع)قال: قال رسول
الله(ص): يمثل لفاطمة رأس الحسين متشحطاً
بدمه فتصيح واولداه وا ثمرة فؤاداه ،
فتصيح الملائكة لصيحة فاطمة، وينادي أهل
القيامة: قتل الله قاتل ولدك يافاطمة، قال:
فيقول الله عز وجل: أفعل به ولشيعته
وأحبائه وأتباعه وإن فاطمة في ذلك اليوم
على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجبينين
واضحة الخدين شهلاء العينين رأسها من
الذهب المصفى، وأعناقها من المسك والعنبر
، خطامها من الزبرجد الأخضر ورحائلها
مفضضة بالجوهر ، على الناقة هودج غشاوته
من نور الله ، وحشوها من رحمة الله ،
خطامها فرسخ من فراسخ الدنيا ، يحف
بهودجهاسبعون ألف ملك بالتسبيح والتمجيد
والتهليل والتكبير والثناء على رب
العالمين، ثم ينادي مناد من بطنان العرش:
يا أهل القيامة غضوا أبصاركم فهذه فاطمة
بنت محمد رسول الله تمر على الصراط فتمر
فاطمة(ع)وشيعتها على الصراط كالبرق الخاطف
قال النبي(ص): ويلقى أعداءها وأعداء ذريتها
في جهنم )


وفي ذخائر العقبى للطبري ص48: (ذكر زفاف
فاطمة(ع)إلى الجنة كالعروس):عن علي(ع)قال:
قال رسول الله(ص): تحشر ابنتي فاطمة يوم
القيامة وعليها حلة الكرامة ، قد عجنت
بماء الحيوان، فتنظر إليها الخلائق
فيتعجبون منها، ثم تكسى حلة من حلل الجنة
على ألف حلة مكتوب بخط أخضر: أدخلوا ابنة
محمد الجنة على أحسن صورة ، وأكمل هيبة ،
وأتم كرامة ، وأوفر حظ ، فتزف إلى الجنة
كالعروس حولها سبعون ألف جارية )


(17)إن الرب يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها


( بتاريخ: 29 جمادى الأولى 1417 ـ 13/10/1996 ـ
22/7/1375ا )


المسألة التي يجب الإلتفات اليها أنا
نعاني من الضعف العلمي ، ليس في الفقه
وأصول الفقه فقط ، بل في أصول الدين أيضاً !
وهذا يسبب انحرافات خطيرة ، حتى عند خواص
العوام وعوام الخواص


إن قضيتنا تختلف عن مخالفينا الذين لم
يبنوا عقائدهم على أسس علمية محكمة معمقة
، بل بنوها على ما تربوا عليه وورثوه من
الآباء والدولة !


أما نحن فنحتاج في كل عصر الى مجتهدين
متعمقين في الأصول ، كما في الفروع من باب
المثال كم عندنا من أهل الإجتهاد والتعمق
من يستطيعون أن يدافعوا حق الدفاع عن
أساسٍ لو أصابه خلل لانهدمت الغاية وبطل
الغرض من التكوين والتشريع؟ وقصدي به أساس
خلافة النبي(ص)


نعم إن كمال الخلقة الإلهية وتمامها،
وتمام البعثة النبوية والتشريع والإسلام
مرتبطة بأن يكون الخليفة بعد
النبي(ص)علي(ع)أو عمر !


المسألة مهمةٌ الى حد أنها تحتاج من
الباحث الفقيه أن يكون صاحب قدرة علمية ،
تجعله يقف في مقابل أكثرية الناس فلا
يَرِفُّ له جفن ، ولا يسمح لكثرتهم أن تؤثر
على عقله وذهنه، لأنه يفهم معنى قوله
تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ
دِيناً (سورة المائدة: 3 )


ماذا يريد أن يقول الله تعالى بهذه الجملة
وأي سر أودعه فيها؟!


ما أعظم ما نواجه ، وما أقل ما نعلم؟! فهل
فكرت في معنى إكمال الدين وإتمام النعمة؟
وأن إيصال الإنسان الى كماله الذي هو غرض
بعثة النبي(ص) وجميع الأنبياء والمرسلين(ع)
، مرتبط بعلي بن أبي طالب !


الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، لأن
غاية تكوين الخلق، ونتيجة كل النعم التي
لا تعد ولا تحصى ، لا تتم على البشرية إلا
بدور علي بن أبي طالب(ع)بعد النبي(ص)


نعم ، المسألة بهذه الأهمية لكنا لا
نفهمها حق فهمها ، والذين هم أكبر منا
لايفهمونها حق فهمها ! والذي يفهم واقعها
وأهميتها ، هو الذي فهم أنه سيترتب على
تغيير قريش لمسار الإسلام بعد النبي(ص)أن
كل شئ سوف يتغير ، وأن الغرض والغاية من
البعثة سوف ينقضان !


هو الذي فهم ماذا سيحدث على العالم إذا لم
يحل القمر مكان الشمس ، وحلت مكانها ظلمات
الجهل! وماذا سيحدث إذا باع المسلمون الى
شعوب العالم الحديد الصدئ بدل الذهب ،
باسم الإسلام والوحي والقرآن !


الذي فهم ذلك، وبذل وجوده من أجل هذا
الفهم النبوي، وتحمل ما يترتب عليه من
مصائب حتى الموت، هي فاطمة الزهراء(ع) وما
أدراك ما فاطمة!!


سنتكلم فيما بقي من وقتنا مع ثلاثة أشخاص
، أحدهم إمام المفسرين جار الله الزمخشري
، والثاني إمام المشككين بهلوان المعقول
والمنقول الفخر الرازي ، والثالث إمام
اللغة صاحب القاموس الفيروز آبادي فأولئك
الذين هم أفقه القوم يفهمون ماذا قيل ، وما
هي نتيجته ؟


إن مسألة معرفة الصديقة الزهراء(ع)لابد أن
تستند الى البرهان ، وما سأقوله الآن يستند
الى ثلاثة شهود لايمكن ردها: القرآن والسنة
والإجماع


أورد الفخر الرازي في الجزء السابع
والعشرين من تفسيره ص165، في تفسير آية:
قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً
إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ
يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ
فِيهَاحُسْنا ًإِنَّ اللهَ غَفُورٌ
شَكُورٌ (سورة الشورى:23 ) ، بضعة عشر حديثاً
عن الزمخشري، وقال فيما قال: ( نقل صاحب
الكشاف عن النبي(ص)أنه قال: من مات على حب
آل محمد مات شهيد


ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له


ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائب


ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً
مستكمل الايمان


ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت
بالجنة ثم منكر ونكير


ألا ومن مات عل حب آل محمد يزف إلى الجنة
كما تزف العروس إلى بيت زوجه


ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره
بابان إلى الجنة


ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله قبره
مزار ملائكة الرحمة


ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنة
والجماعة


ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافر


ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة
الجنة )


ثم قال الرازي: هذاهو الذي رواه صاحب
الكشاف وأنا أقول: آل محمد(ص) هم الذين يؤول
أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد
وأكمل كانوا هم الآل ، ولاشك أن فاطمة
وعلياً والحسن والحسين كان التعلق بينهم
وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد
التعلقات، وهذا كالمعلوم بالنقل
المتواتر، فوجب أن يكونوا هم الآل وأيضاً
اختلف الناس في الآل فقيل هم الأقارب وقيل
هم أمته فإن حملناه على القرابة فهم الآل ،
وإن حملناه على الأمة الذين قبلوا دعوته
فهم أيضاً آل ، فثبت أنهم على جميع
التقديرات هم الآل


وأما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل ؟
فمختلف فيه


وروى صاحب الكشاف أنه لما نزلت هذه الآية
قيل يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين
وجبت علينا مودتهم؟فقال: علي وفاطمة
وابناهما، فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب
النبي(ص)، وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا
مخصوصين بمزيد التعظيم ويدل عليه وجوه:


الأول: قوله تعالى (إِلا الْمَوَدَّةَ فِي
الْقُرْبَى) ووجه الاستدلال به ما سبق


الثاني: لاشك أن النبي(ص)كان يحب فاطمة،
قال: (فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها)
وثبت بالنقل المتواتر عن محمد صلى الله
عليه وسلم أنه كان يحب علياً، والحسن ،
والحسين وإذاثبت ذلك وجب على كل الأمة
مثله لقوله (وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ
تَهْتَدُونَ)، ولقوله تعالى:
(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ
عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ
أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ولقوله
(قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ
فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ)
وقوله سبحانه (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةًٌ)


الثالث: أن الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك
جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة
وهو قوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد
وارحم محمداً وآل محمد ، وهذا التعظيم لم
يوجد في حق غير الآل ، فكل ذلك يدل على أن
حب آل محمد واجب وقال الشافعي (رض):


يا راكباً قف بالمحصب من منى واهتف بساكن
خيفها والناهض


سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى فيضاً
كملتطم الفرات الفائض


إن كان رفضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان
أني رافضي


المسألة الثالثة: قوله (إلا المودة في
القربى) فيه منصب عظيم للصحابة لأنه تعالى
قال (والسابقون السابقون أولئك المقربون)
فكل من أطاع الله كان مقرباً عند الله
تعالى فدخل تحت قوله (إلا المودة في
القربى)


والحاصل أن هذه الآية تدل على وجوب حب آل
رسول الله صلى الله عليه وسلم وحب أصحابه ،
وهذا المنصب لا يسلم إلا على قول أصحابنا
أهل السنة والجماعة الذين جمعوا بين حب
العترة والصحابة


وسمعت بعض المذكرين قال إنه صلى الله عليه
وسلم قال: (مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من
ركب فيها نجا) وقال: (أصحابي كالنجوم بأيهم
اقتديتم اهتديتم)، ونحن الآن في بحر
التكليف وتضربنا أمواج الشبهات والشهوات
، وراكب البحر يحتاج إلى أمرين: أحدهما
السفينة الخالية عن العيوب والثقب
والثاني الكواكب الظاهرة الطالعة النيرة
، فإذا ركب تلك السفينة ووقع نظره على تلك
الكواكب الظاهرة، كان رجاء السلامة
غالباً ، فكذلك ركب أصحابنا أهل السنة
سفينة حب آل محمد ، ووضعوا أبصارهم على
نجوم الصحابة ، فرجوا من الله تعالى أن
يفوزوا بالسلامة والسعادة والآخرة


ثم تابع الرازي: ولنرجع إلى التفسير: أورد
صاحب الكشاف على نفسه سؤالاً فقال: هلاَّ
قيل إلا مودة القربى أو إلا مودة للقربى ،
وما معنى قوله (إلا المودة في القربى)؟
وأجاب عنه بأن قال جعلوا مكاناً للمودة
ومقراً لها كقولك لي في آل فلان مودة ولي
فيهم هوى وحب شديد، تريد أحبهم وهم مكان
حبي ومحله)


انتهى كلام الرازي ، وقد زاد على ما قاله
الزمخشري، واستعمل قدرته علىالتفنن في
تضييع حق آل البيت الطاهرين(ع)، وتضعيف
حديث سفينة نوح الصحيح، وتقوية الحديث
الذي اعترفوا بوضعه: أصحابي كالنجوم !


لاحظوا أنه اعترف بأن (الآل) تشمل المتفق
عليهم أنهم آل النبي(ص)وهم من كان النبي
أشد تعلقاً بهم، وتشمل المختلف فيهم!


فلنسلك الدليل البرهاني لنرى نتيجة كلامه
فبناء على تفسيره للآل بالمعنى اللغوي دون
الإصطلاحي، وأنهم من الأوْل والرجوع، فإن
أول وأولى من يرجع أمرهم الى النبي(ص)،
الذين هم آله بلاريب ولا خلاف بين
المسلمين، هم أربعة: علي وفاطمة والحسن
والحسين(ع)أما البقية فهم محل اختلاف! هذه
مسألة


والأخرى أن الفخر الرازي قال في تفسير
القربى الذين جعل الله أجر تبليغ الرسالة
مودتهم (قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ
أَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي
الْقُرْبَى) ، قال: (لاشك أن النبي(ص) كان
يحب فاطمة، قال:فاطمة بضعة مني يؤذيني ما
يؤذيها)


ثم وصل الرازي الىمستوى أعلى وهو أن الله
تعالى أوجب الصلاة عليهم في الصلاة وقال:
(وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل)
انتهى


فاعترف بأن المتيقن من الذين أمرنا الله
تعالى بالصلاة عليهم هم: علي وفاطمة
والحسن والحسين(ع)


وسؤالنا: ما بالهم يتركون المتيقن المتفق
عليه الى المشكوك المختلف فيه؟!


لايتسع المجال لكشف أسلوب الفخر الرازي
ومغالطاته في الأحاديث التي أوردها
الزمخشري وأثبتها هو، ثم ظلمها ولم يشرحها
، ولعله لم يفقهها ! فإن كل واحد منها يحتاج
الى بحث علمي مفصل!


ونكتفي بالإشارة الى اعترافه فيما يتعلق
بالصديقة الكبرى الزهراء(ع)فقد اعترف أنها
القدر المتيقن من الآل ، وممن تجب مودتهم
أجراً للنبي(ص)على تبليغ الرسالة !


والنتيجة أن فاطمة القدر المتيقن من
الذين أوجب الله تعالى على كل مسلم في شرق
الأرض وغربها أن يصلي عليهم مع رسوله في
صلاته !


كما نشير الى نقطتين من حديث: من مات على
حب آل محمد(ص)


أولاهما، أنه حديث متكامل بالإثبات
والنفي معاً: ومن مات على بغض آل محمد(ص)الخ
! وهذا منسجم مع بناء الله تعالى لنظام
الكون على نظام النفي والإثبات، فهذه
الكهرباء التي تضئ المسجد تتولد من ضم
السالب الى الموجب ، هذا في الماديات
وإنتاجها ، وهو النظام الحاكم في إنتاج
أكبر الأنوار المعنوية العليا، فشهادة (لا
إله إلا الله) التي تنتج نور التوحيد وهو
أشرف الأنوار ، تتكون من نفي وإثبات فـ(لا
إله) هي النفي و(إلا الله) هي الإثبات


ولاحظوا بقية الأسرار العظيمة في
الأحاديث التي أوردها الزمخشري والرازي
في مقام أهل البيت(ع)! فالمهم كما أكدنا هو
دراية الحديث وليس روايته فمن مات على حب
آل محمد مات مؤمناً مستكمل الايمان وقد
فرغنا من البحث الصغروي وعرفنا أن القدر
المتيقن من الآل هم فاطمة وعلي والحسن
والحسين ، وموضوعنا الآن في الكبرى في أن
من مات على حب فاطمة(ع) فقد مات مؤمناً
مستكمل الإيمان ، ومعنى هذا الشرط كمال
الوجود


والمهم هنا فهم النفي الذي روياه: وهو أن
(من مات على بغض آل محمد مات كافراً) نعم ،
كافراً ! ولم يقل النبي(ص)مات مؤمناً غير
مستكمل الإيمان! فالقضية هنا ليست في وجود
الإيمان في الجميع واستكماله في محب آل
محمد ، بل في نفي وجود الإيمان فيمن
أبغضهم، وأن من يموت مبغضاً لهم لا إيمان
له ، بل يحشر يوم القيامة مكتوباً بين
عينيه: آيس من رحمة الله !


والنقطة الثانية: (ألا ومن مات على حب آل
محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة) !
فمن مات على ولاية فاطمة(ع)صار قبره مهبطاً
للملائكة !


يا بنت رسول الله، أيتها الصديقة
الطاهرةإلى أي مقام وصلتِ بحيث أن الذي
يموت على ولايتك يصير قبره مزاراً لملائكة
الرحمة؟!


فكيف يكون نفس قبرك؟!!


بعد أن يموت الذي يتشرف بموالاتك ويدفن
وينام في قبره ، يطوف حوله ملائكة الرحمة ،
كما يطوف الفراش حول السراج ! فمن هم
الملائكة الذين يطوفون حول قبرك أنت ، حيث
حلَّ جثمانك الطاهر؟!


أيها الفخر الرازي،أيها الزمخشري هل
فهمتما ماذا قلتما وكتبتما عن فاطمة؟ هل
فهمتما أن رحمة الله التي وسعت كل شئ
لاتشمل من آذى فاطمة؟ وأن الذي يغضب فاطمة
ولم يرتبط بولايتها بخيط ولاء، يخرج عن
مفهوم الشيئية ويستحق أن يكتب على جبينه:
منقطع عن الله ، آيس من رحمة الله ؟!


أيها الفخر الرازي، هل فهمت ما كتبت؟ كتبت
أن الايمان وجوداً وعدماً هذه واحدة! وقلت
إن الايمان كمالاً ونقصاً يرتبط بمحبة
فاطمة الزهراء(ع) هل فهمت لوازم ما قلت
وكتبت ؟!


أنسيت أنك أنت قلت وصححت وأمضيت أن
النبي(ص)قال: (من آذى فاطمة فقد آذاني وغضب
فاطمة غضبي )


هنا أمام هذه الكلمات ، أتكلم قليلاً في
بعض أبعاد هذا الحديث الشريف الذي أورده
الفخر الرازي في تفسيره ، ونسبه الى النبي
على نحو القطع بدون ترديد فقال: (قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم) فقصة هذا الحديث
أنه ورد بعدة صيغ بعضها بلفظ: (رضا فاطمة
رضايوغضب فاطمة غضبي) وبعضها بلفظ: (إن
الرب يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها)


ولفظ: (إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى
لرضاها)


والحديث من ناحية السند مفروغ عن صحته ،
فلايوجد أحد من أهل الجرح والتعديل تردد
في تصحيحه ، حتى رأس النقاد السنيين
وإمامهم شمس الدين الذهبي ، صححه بلفظ: (إن
الرب يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها)!! (تقدم
من مستدرك الحاكم:3/154وغيره )


ترى ، هل فهموا ماذا رووا وما كتبوا ؟! وأن
معنى هذا الحديث أن فاطمة لها مقام العصمة!
نعم مقام عصمةٍ ليست كعصمة يعقوب وعصمة
ويوسف ، ولا كعصمة موسى وعيسى ، بل ولا
كعصمة ابراهيم(ع)!


فهي عصمة كعصمة النبي الخاتم(ص)!


إن الرب ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها
وسؤالنا لأمثال الفخر الرازي: إذا لم تكن
فاطمة معصومة من الخطأ والهوى ، فإن أقل
انحراف في رضاها وغضبها عن نقطة الحق
المستقيمة، يوجب قهراً أن يتعلق رضا الله
تعالى وغضبه بالباطل!


وعليه ، فبحكم البرهان تكون الصديقة
فاطمة(ع) وصلت الى ذلك الأفق المبين،
واتخذت منزلاً في ذلك المقام المكين ،
هناك حيث تتعطل كل العقول عن العمل !


ولانحتاج الى الكلام الى بيان ما هي
العصمة ، فالمسألة هنا فوق العصمة! العصمة
أن يصل الإنسان الى مستوى فيرتفع غضبه
ورضاه عن حد الحيوانية ويصل الى حد
العقلانية، ثم لابد للمعصوم أن يعبر عن حد
العقلانية الى حد الربانية ، فيكون رضاه
رضا الله وغضبه غضب الله تعالى، فهنا يصل
الانسان الى مستوى أنه يغضب حيث يغضب الله
تعالى ويرضى حيث يرضى الله تعالى!!


لكن المسألة هنا فوق هذا ، لأن النبي(ص)لم
يقل فقط إن فاطمة(ع) وصلت الى مستوى بحيث
صارت تغضب حيث يغضب الله تعالى وترضى حيث
يرضى الله تعالى! بل قال إن الله يغضب
عندما تغضب فاطمة ، ويرضى عندما ترضى
فاطمة(ع)!! وهنا يقف العقل في الميدان ، ولو
كان جواده كميتاً !


شخصيةٌ بهذا المقام، وباعترافهم بأنها
سيدة نساء أهل الجنة أنظروا كيف يعاملونها
، ويتكلمون عنها!


روى البخاري:4/41 باب فرض الخمس، عن عائشة
(أن فاطمة ابنة رسول الله (ص) سألت أبا بكر
بعد وفاة رسول الله(ص)أن يقسم لها ميراثها
ما ترك رسول الله (ص) مما أفاء الله عليه
فقال لها أبو بكر: إن رسول الله (ص) قال: لا
نورث، ما تركنا صدقة فغضبت فاطمة بنت رسول
الله فهجرت أبا بكر فلم تزل مهاجرته حتى
توفيت وعاشت بعد رسول الله(ص) ستة أشهر
قالت: وكانت فاطمة تسأل أبابكرنصيبها
مماترك رسول الله(ص)من خيبر وفدك، وصدقته
بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك وقال
لست تاركاً شيئا كان رسول الله(ص)يعمل به
إلاعملت به، فإني أخشى إن تركت شيئاً من
أمره أن أزيغ فأما صدقته بالمدينة فدفعها
عمر إلى علي وعباس، فأما خيبر وفدك
فأمسكهما عمر، وقال: هما صدقة رسول الله(ص)
كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه ،
وأمرهما إلى من ولي الأمر)!! انتهى


ومع أن البخاري حريص دائماً على تبرئة أبي
بكر وعمر، لكنه هنا لم يعرف ماذا فعل!


فقد روى أن أبا بكر أبى أن يعطي
فاطمة(ع)صدقة النبي(ص)في المدينة ولم يهتم
لغضبها وآذاها، ولكن عمر دفعها الى علي
والعباس!


فهل كان فعل أبي بكر غلطاً أو فعل عمر؟!


وأي النجمين من نجوم السماء كما يقولون قد
أخطأ ؟ وبأيهما اقتدوا واهتدوا ؟!


في الواقع أن تعارض فعل أبي بكر وفعل عمر
يسقطهما عن الحجية والإعتبار ولا يبقى
ثابتاً إلا قول النبي الصادق الأمين الذي
لا ينطق عن الهوى(ص): إن الله يغضب لغضب
فاطمة ويرضى لرضاها !


ولا يبقى لعمر ولا لأبي بكر جواب مقابل
هذا الكلام !


وقد قالت له الزهراء(ع): فدونكها مخطومة
مرحولة تلقاك يوم حشرك ، ونعم الحَكَم
الله ، والزعيم محمد ، وعند الساعة يخسر
المبطلون !!


وختاماً فإن نتيجة الدلالة القطعية
للكتاب والسنة والإجماع ، أن مودة فاطمة
الزهراء(ع)فريضةٌ على كل المسلمين،
والصلاة عليها واجبة في صلاتهم ، بآية
مودة القربى ، وآية الصلاة على النبي(ص)،
وأن رضاها رضا الله وغضبها غضب الله، ومن
آذاها فقد آذى الله ورسوله ، بنص رسول الله
(ص)، واقرؤوا حكم أولئك المؤذين لله ورسوله
في سورة الأحزاب !


(18)ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً
ويتيماً وأسيرا


( بتاريخ: 19جمادى الثانية 1415 ـ 13/11/1994 ـ
2/9/1373 )


بمناسبة ميلاد الصديقة الزهراء(ع)، نركز
نظرنا على واحدة من الروايات الشريفة ،
والروايات كثيرة وأهلها كثيرون أيضاً ،
لكن الدراية وأهلها قليلون!


كلام أهل البيت(ع)كله نور، وأحاديثهم
تنحني العقول لارتفاعهما وعلو مطالبها ،
وكما أن إدراك ما يتعلق بالله تعالى مشكل
على أكثر الأذهان (جل جناب الحق أن يكون
شرعة لكل وارد) ، فكذلك مقامات خير خلقه
صلوات الله عليهم لاتستطيع فهمها إلابعض
الأذهان! لكن لايسقط الميسور بالمعسور


عن الإمام الصادق(ع)أنه قال: (إنا أنزلناه
في ليلة القدر ، ليلة القدر فاطمة ، ليلة
القدر فاطمة ، فمن عرف فاطمة حق معرفتها
فقد أدرك ليلة القدر ، وإنما سميت فاطمة
لأن الخلق فطموا عن معرفتها) (تفسير فرات
الكوفي ص581 ، البحار:43/65، العوالم :11/103 ،
وغيرها )


فطموا عن معرفتها فأي شخصية هذه التي عز
مقامها عن أن ينال الخلق معرفتها؟! لا بد
أن نتأمل في هذا الأمر ! بل ينبغي أن يتأمل
في ذلك كبار مفكري الانسانية، من أصحاب
التفكير الراقي الذي بلغ مستوى عالياً من
النضج والرشد ، ويتساءلوا عن حقيقة هذه
المسألة ؟!


ليلة القدر ليلة تنزل القرآن: إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ
إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (سورة الدخان: 3
) ، فما معنى أن فاطمة تفسيرٌ لهذه الليلة
المباركة ؟!


تلاحظون أن تعليل هذا المطلب جاء بتعليل
تسميتها (إنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا
عن معرفتها)! وكلمة الخلق أوسع نطاقاً من
كلمة الناس، فهي تشمل الإنس والجن الى أن
تصل الى الملائكة (الذين أسكنتهم سماواتك
ورفعتهم عن أرضك) فحتى هؤلاء فطموا عن
معرفتها !!


فما الخبر؟ ومن هي هذه المرأة؟ وماذا فيها
من حقيقة غيبٍ هي أرفع من أن ينال معرفتها
أصحاب العقول الراقية؟!!


من أجل فهم هذه المسألة نحتاج الى عقل قوي
تربى بالقرآن ، واستدلال معتمد على أكثر
الأدلة قطعية يعني القرآن، بمساعدة السنة
القطعية ، فلعله يستطيع أن يفتح نافذة
صغيرة على هذا المطلب العظيم


لأن الخلق فطموا عن معرفتها لماذا ؟


وأي سر في شخصية فاطمة(ع)، فطم الخلق عن
معرفته؟!


القرآن كتاب الحكمة الإلهية (يس
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) والإنسان أعلى
موجود في المخلوقات ، وقد ذكر القرآن
الإنسان في ثمان وخمسين مورداً ، وفي أغلب
هذه الموارد جاء ذكر الإنسان معرفةً وفي
بعضها ورد ذكره نكرة ، وهذا التعريف
والتنكير يحمل معاني كثيرة


وقد بين القرآن مبدأ تكوين الإنسان
ومنتهاه، فمبدؤه من علق اقْرَأْ بِاسْمِ
رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ
الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (سورة العلق:1-2 )
ومنتهى مساره (خَلَقَ الإِنْسَان
عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) ( سورة الرحمن: 4 )
ليس هذا بيان النطق باللسان فقط ، بل هو
البيان المتناسب مع تسمية القرآن بياناًً
في قوله تعالى هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ
وَهُدىًوَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ
(سورة آل عمران: 138 ) وبياناً في قوله تعالى
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ
تِبْيَاناً لِكُلِّ شَئٍ وَهُدىً
وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ
(سورة النحل: 89 )


كما بيََّن مسار الإنسان في خطين ، خط
صعود وخط نزول ، وقسم الناس لذلك الى
سالكين في طريق التكامل أو متسافلين، وخص
كلاً منهما بآيات وسمى أول سورة من القرآن
تتحدث عن خلق الإنسان وطغيانه ، باسم سورة
العلق! كما سمى سورة باسم سورة الإنسان،
تحدث فيها عن أعظم مراتب الكمال في
الإنسان ، وأعلى قوس الصعود في تكامله ،
وجمع فيها خلاصة ما أنزله عن الإنسان في
البضعة وخمسين مورداً ! هَلْ أَتَى عَلَى
الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ
يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراًإِنَّا
خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ
أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ
سَمِيعاً بَصِيراً (سورة الانسان:1-2)


فأين الذي يقرأ القرآن بفكر ثاقب يتدبر
القرآن ؟


إن سورة الإنسان تعني سورة العالم ، كل
عالم الإمكان ! وهي من أكبر حجج الله على
خلقه ، وهي بناء رباني يتحدث عن الإنسان
ذلك الكائن العجيب الذي بناه الله تعالى
بقدرته:


وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم
الأكبر


لقد لخص الله العالم في آدم(ع)، ثم فصَّل
حال آدم وبنيه في تكاملهم وصعودهم ،
وتسافلهم ونزولهم! ثم لخص قضيتهم في سورة
الإنسان !


ففي سورة العلق تحدث عن مبدأ خلق الإنسان
من علقة


وفي سورة الطارق تحدث عن خلق الإنسان من
ماء دافق: فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ
مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ
يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ
وَالتَّرَائِبِ (سورة الطارق:5-7)


فتراه يتناول الموضوع من هذه الزاوية ، أو
تلك ، ويجمع المفصل ، ويفصل المجمل ، أو
يلخص القضايا ، أويبسطها ، في وجوه من
إعجاز القرآن وخصائصه لا يأتيه الباطل من
بين يديه ولا من خلفه !


هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ
الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً
مَذْكُوراً هنا أفاض في الحديث عن الإنسان
، وذكر ما لم يذكره في مكان آخر! فمن عادته
أن يتكلم عن بدأ خلق الإنسان من نطفة ، أو
علقة ، أو سلالة ، أو تراب ، أو طين ، أو
صلصال ، أو ماء مهين لكنه هنا تحدث عما قبل
ذلك فقال: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ
حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ
شَيْئاً مَذْكُوراً) ؟!


لاحظوا تسلسل آيات سورة الإنسان:


هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ
الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا
مَذْكُورًا


إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ
نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ
فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرً


إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا
شَاكِرًا وَ إِمَّا كَفُورً


إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ
سَلاسِلا وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا


إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ
كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا


عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ
يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا


يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ
يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا


وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ
مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا


إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ
لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا
شُكُورًا


إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا
عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا


فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ
الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً
وَسُرُورًا


وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً
وَحَرِيرًا


مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ
لايَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا
زَمْهَرِيرًا


وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا
وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً


وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ
فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ
قَوَارِيرَاْ


قَوَارِيرَاْ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا
تَقْدِيرًا


وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ
مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً


عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً


وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ
مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ
حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا


وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ
نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا


عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ
وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ
مِنْ فِضَّةٍوَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ
شَرَابًا طَهُورًا


إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً
وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا


إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ
الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً


فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ
مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا (سورة
الإنسان: 1 - 24 )


يقول مستخرج لآلي القرآن الإمام
الصادق(ع): كان شيئاً ولم يكن مذكور


( تفسير نور الثقلين:5/469 ) ، وفيه مطالب
عالية لايتسع لها المجال


إِنَّا خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ
نُطْفَةٍ أَمْشَاج نَبْتَلِيه وكل كلمة
فيها تجعلك تتوقف عندها ، فهذا الهيكل
مركب من لب وقشر بناه الله بقدرته على
الأمشاج ، أي على التركيب والتأليف من
متضادات ومتوافقات! أمشاج نطفة الأب
وبويضة الأم، وأمشاج اللب والقشر، وأمشاج
العقل والهوى، وأمشاج المذكر والمؤنث في
تركيب البدن، وحتى في تركيب الروح !


نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا
بَصِيرًا إن ظاهر القرآن حق، وباطنه حق،
ولكل أهل وسير الإنسان يبدأ من هنا
بابتلائه ، بتطويره واختباره معاً ، حتى
يصل الى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ


ثم تنمو شجرته وتكبر ، لكنها تنقسم بشكل
متباين فتكون شعبتين:إِمَّا شَاكِرًا
وَإِمَّا كَفُورًا ، وتذهب كل منهما في
طريق !


أما فرع: شَاكِرًا ، فيكون كشجرة طيبة
أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي
السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ
حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ
اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ
لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (سورة
ابراهيم: 24-25)


وأما فرع كَفُورًا ( كَشَجَرَةٍ
خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ
الأَرْضِ مَالَهَا مِنْ قَرَارٍ ) (سورة
ابراهيم: 26)


ثم تبدأ السورة بآيات قوس النزول
البشري،وقوس الصعود الإنساني فتختصر آيات
الأشرار السافلين بآية واحدة:إِنَّا
أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا
وَأَغْلالاً وَسَعِيرًا ولكنها تفصل في
آيات الأبرار العالين بنحو عشرين آية:


إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ
كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا
الآيات !


لقد استعمل الله تعالى في آيات خلق
الإنسان كلمة (أحسن) مرتين، لخلق بدن
الإنسان ولخلق نفسه، في قوله تعالى: ثُمَّ
خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً
فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً
فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً
فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ
أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ
فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ
الْخَالِقِينَ (سورة المؤمنون: 14)


وفي قوله تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا
الإنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (سورة
التين: 4 )


أما في سورة الإنسان فقد بين تعالى كيف
يصل الإنسان صاحب أحسن تقويم الى أعلى
درجات الكمال ، فما لم يصل الإنسان الى هذه
الدرجة لايصل العالم الى كماله


أما أهل أعلى درجات الكمال الإنساني في
سورة الإنسان فهم أصحاب: "إِنَّمَا
نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لانُرِيدُ
مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاشُكُورًا"، فهؤلاء
هم أصحاب: وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى
الَّذِي يُؤْتي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا
لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى
إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ
الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى (سورة
الليل:17-21 ) فهذا هو منتهى مسار الإنسان في
قوس الصعود ، والكمال المطلق الممكن
للإنسان !


وفي هذه الدرجة تنطفئ كل المصابيح , فكل
الأنوار هنا ظلمات ، ويشرق نور الله تعالى!
حيث تفنى الأنا والنحن، وتفنى إرادة
الإنسان في إرادة الله، ويفنى فكره وعقله
فلا ابتغاء إلا لوجه الله ، ولا وجهة إلا
وجه الله !


لقد اتفقت كلمة جمع كبير من مفسري السنة
على القضية التالية ، ونقلوا اتفاق
مفسريهم القدامى على ذلك ، مثل قتادة ،
والحسن البصري ، ومجاهد ، والضحاك ، وابن
جبير ، وابن مسعود ، وابن عباس


ونحن ننقلها من تفسير الكشاف لجار الله بن
محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، من
مفسري أواخر القرن الرابع وأوائل القرن
الخامس، قال: وعن ابن عباس (رض) أن الحسن
والحسين مرضا ، فعادهما رسول الله(ص)في ناس
معه، فقالوا ياأباالحسن لو نذرت على
ولديك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما،
إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام،
فشفيا وما معهما شئ، فاستقرض عليٌ من
شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من
شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة
أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم
ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال:السلام
عليكم أهل بيت محمد،مسكين من مساكين
المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد
الجنة، فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا
الماء، وأصبحوا صياماً، فلما أمسوا
ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم
فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة
ففعلوا مثل ذلك ، فلما أصبحوا أخذ علي (رض)
بيد الحسن والحسين وأقبلوا الى رسول
الله(ص)، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ
من شدة الجوع، قال ما أشد ما يسوؤني ما أرى
بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في
محرابها، وقد التصق بطنها في ظهرها، وغارت
عيناها فساءه ذلك، فنزل عليه
جبرئيل(ع)وقال: خذها يا محمد هنأك الله في
أهل بيتك، فأقرأه السورة انتهى (1)


ما أحقر الدنيا عند الله تعالى، حتى سمح
أن يكون خيرة أوليائه بعد نبيه (ص)، الذين
لو دعا أحدهم أن يملأ الله بيته ذهباً لفعل
، سمح أن يستقرضوا قوتهم وهو خبز شعير ، من
يهودي !


إن هذا هو الإسلام الذي قَلَبَ الدنيا ،
وهذه هي المدينة الإسلامية الفاضلة التي
تهز العالم ، وهذا هو أشرف بيت فيها لايملك
قوت يومه ، ويحتاج أن يستقرض خبزه من يهودي
خيبري !


فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص
وفي الليلة الأولىجاءهم فقير مسلم، وفي
الثانية يتيم، وفي الثالثة أجنبي مشرك
فآثروه كلهم حتى الحسن والحسين تصرفا
كالكبار ، ومن أولى منهما بفعل الكبار؟


فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين
وأقبل فاتح خيبر وقالع بابها مع طفليه الى
رسول الله(ص) فلما أبصرهم وهم يرتعشون
كالفراخ من شدة الجوع قال ما أشد ما يسوؤني
ما أرى بكم !


فذلك الإنسان الكامل، ملك ثمرات الوجود،
وأشجع المخلوقات وأصبرها، الذي لا يهتز
قلبه لما يهتز له العرش اهتز قلبه لهم
وقال: ما أشد مايسوؤني ما أرى بكم! بلفظ
التعجب وأفعل التفضيل!


وقام فانطلق معهم لأنه لما رأى حالهم، رأى
بلوغ عترته ذروة الإنسان وتحقق الثمرة من
خلق الله للعالم ، فأراد أن ينظر الى بقية
عترته في أي حال؟ فلعل فاطمة لا تستطيع
الحراك أو أغشي عليها من الجوع!


فرأى فاطمة في محرابها، رأى ثمرة الوجود
في محرابها، وقد التصق بطنها في ظهرها،
وغارت عيناها فساءه ذلك! فنزل عليه
جبرئيل(ع)وقال: خذها يا محمد هناك الله في
أهل بيتك فأقرأه السورة !


فنزل جبرئيل، وهنا أوجُ المطلب وسره: خذها
يا محمد ، هنأك الله في أهل بيتك فقد أوصلت
خاتمية النبوة الى أوجها ، وقطفت ثمار
شجرة الخليقة ! لقد استطعت أن تربي بيتاً
بهذا المستوى ، سيرته وسريرته وظاهره
وباطنه: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ
اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَ لا
شُكُورً


هنا يظهر معنى الحديث، ويتضح أن هذا البيت
النبوي الفريد فانٍ في وجه الله ، وعندما
يفنى الإنسان في وجه الله ينقلب وجوده،
ويأخذ من أحكام وجه الله تعالى !


أيها الزمخشري والبيضاوي وكبار المفسرين
السنيين، هل تعقلون هذا الحديث الذي كتبته
أيديكم؟


هل عرفتم ماذا يأخذ الفاني في وجه الله ،
من الوجه المفني فيه؟


وهل عرفتم أن وجه الله لايمكننا معرفته ،
فعليٌّ لايمكننا معرفته ، وفاطمةُ
لايمكننا معرفتها ، والحسنُ والحسين
صلوات الله عليهم ! فهل عرفتم الآن معنى:
إنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن
معرفتها ؟!!


التعليقات


(1) الحديث الشريف في الكشاف:4/197، وفي
طبعةأخرى:4/670، وفي شواهد التنزيل:2/393- 414
ح1042- 1070، وفي المناقب للمغازلي ص272ح320،
وأسباب النزول للواحدي ص296 ، والدر
المنثور للسيوطي:8/371 ، وذخائر العقبى ص102 ،
وتفسير البيضاوي:5/165، وتفسير
الطبري:29/125،وتفسير الرا زي:30/243 وغيرها


وقد وردت له روايات أخرى منها في تفسير
القمي:2/398 قال:(قوله وَيُطْعِمُونَ
الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا
وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا فإنه حدثني أبي عن
عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي
عبدالله(ع)قال: كان عند فاطمة(ع)شعير
فجعلوه عصيدة، فلما أنضجوها ووضعوها بين
أيديهم جاء مسكين،فقال المسكين رحمكم
الله أطعمونا مما رزقكم الله، فقام علي(ع)
فأعطاه ثلثها، فما لبث أن جاء يتيم فقال
اليتيم رحمكم الله أطعمونا مما رزقكم الله
، فقام علي(ع)فأعطاه ثلثها الثاني، فما لبث
أن جاء أسير فقال الأسير يرحمكم الله
أطعمونا مما رزقكم الله ، فقام
علي(ع)فأعطاه الثلث الباقي ، وما ذاقوها !
فأنزل الله فيهم هذه الآية إلى قوله:
(إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً
وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)، في أمير
المؤمنين(ع)وهي جارية في كل مؤمن فعل مثل
ذلك لله عز وجل )


(19)النبي يباهل النصارى بآله أفضل الخلق(ص)


( بتاريخ: 11 جمادى الأولى 1414 ـ 28/10/1993 ـ 5/8/1372
)


نستقبل أيام شهادة الصديقة الكبرى
والإنسية الحوراء فاطمة الزهراء صلوات
الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها


هذه المظلومة المجهولة القدر عند غير
المسلمين وعند المسلمين ، عند السنة وعند
الشيعة ، عند العوام وحتى عند الخواص !


يجب علينا أن نحيي ذكرها العاطر في كل سنة
، معترفين بالتقصير والقصور عن أداء حقه


وفي هذا اليوم أخاطب اثنين من أئمة
التفسير السنيين، هما الفخر الرازي الذي
ذكرهذا الحديث في تفسيره في الجزء الثامن
صفحة ثمانين في المسألة الثانية ، وإمام
مفسريهم الزمخشري الذي طرح نفس الموضوع
الذي بحثه الفخر الرازي ، وكذلك البيضاوي
الذي ذكر الموضوع باختصار شديد


ومن أئمة الحديث عندهم ، رواه مسلم ،
والترمذي ، وابن منذر ، والحاكم
النيشابوري ، وجلال الدين السيوطي


فقد اتفقت كلمة أئمة التفسير والحديث على
ما أقوله اليوم ، وخلاصته :


أن النبي(ص)عندما خرج للمباهلة مع نصارى
نجران ، خرج في ذلك اليوم الموعود وعليه
مرط أسود ، وبعد أن أقام عليهم الحجة
بالبرهان العلمي القاطع بالوحي وقوله
تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ
كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ
ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (سورة آل
عمران: 59 ) ، بعد هذا وصل الأمر الى
المواجهة والمباهلة! وستتضح حقيقة
المباهلة من قول رأس النصارى الذي سيأتي


المطلب عندكم واضح لكن نتعرف على رواية
السنيين في آية المباهلة ، وما نذكره من
أتقن الروايات التفسيرية والحديثية


خرج رسول الله وعليه مرط أسود، وقد حمل
الحسين على صدره واحتضنه !


لقد كان الإمام الحسين في ذلك الوقت في سن
يستطيع أن يمشي ، لكن لأمر ما خرج
النبي(ص)بهذه الصفة: محتضناً الحسين،
آخذاً بيد الحسن يجره الى جانبه لاحظوا
تعبير النص بدقة


النبي(ص)في الإمام محتضناً الحسين، آخذاً
بيد الحسن، وخلفه فاطمة الزهراء ، وخلفها
علي بن أبي طالب(ع)!


إنه نفس النبي الذي قال فيه الله تعالى
وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (سورة
النجم: 3) والذي لا ينطق عن الهوى لا يفعل عن
الهوى!


إنه نفس النبي الذي يقول فيه الله تعالى
وَمَاآتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ (سورة الحشر: 7 ) ونفس النبي
الذي سنته ليست فقط قوله، بل سنته قوله
وفعله وتقريره وكل حركاته وسكناته سنة كل
أطواره وأحواله سنة وكل ما يرتبط بمقام
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ
قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (سورة النجم 8-9 )


إنه خلاصة العالم ، والنبي الخاتم، وجوهر
الوجود ، والشخص الأول في عالم الكون


إن شخصاً من هذا النوع ، النظرة الواحدة
منه عالم من الحكمة ، وكل عمل منه ربيع ملئ
بالمعرفة ، وعندما يكون هو في المقدمة
وفاطمة خلفه ، وعلي خلفهما ، فهذا عمل له
معنى ، ومعناه: أن فاطمة هي البرزخ بين
النواة الكبرى والولاية العظمى ومعناه أن
فاطمة فيها جنبة القطب والمحور ، ولها
موقع المركزية بين مقام الوحي الأعظم
وتبليغ الوحي ، وبين مقام تفسير الوحي
فأمام فاطمة النبي وتبليغ الوحي ، ووراءها
تفسير الوحي


هذه فاطمة الزهراء ، هذه مجهولة القدر عند
جميع العوالم ، هكذا خرج رسول الله(ص)الى
المباهلة ، فماذا كان التأثير ، وماذا
حدث؟!


عندما جاء رئيس أساقفة نجران في وفد علماء
النصارى وشخصياتهم ، ورأى هذا المنظر، لم
يملك نفسه أن قال: (والله إني لأرى وجوهاً
لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها
من مواضعها )


وجوهاً إذا حركت شفاهها بالدعاءأو مدت
أيديها الى السماء لامتلأ الوادي على وفد
النصارى ناراً ، ولما بقي نصراني على وجه
الأرض !!


يا ليت أن فهم هذا الأسقف النصراني كان
توأماً مع نقل الفخر الرازي !


لكن مع الأسف فإنا نرى نقل الحديث من
الفخر الرازي ، بينما درايته من الأسقف
النصراني ! وهذا بحد بذاته مصيبة كبرى !


قال الأسقف النصراني لقومه يجب أن نعمل
بكل وسيلة لكي لا يرفع هؤلاء أيديهم
بالدعاء!


وكان النبي(ص)قال لفاطمة وعلي والحسن
والحسين: (إذا دعوت فأمِّنوا)!


إلتفتوا الى هذه الكلمة، ما معنى هذه
الجملة أيها الفخر الرازي؟ أيها
الزمخشري؟ أيها البيضاوي؟ معناها أنه: أن
النبي يقول عملي تطبيق لأمر الوحي بقوله
تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ
مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ
تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا
وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا
وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا
وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ
فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ
عَلَىالْكَاذِبِينَ (سورة آل عمران:61) حيث
أوجب عز وجل أن يجتمع هؤلاء ، ولذا قال لهم
النبي: إذا دعوت فأمِّنوا


ومعنى هذا أن دعائي بصفتي خاتم النبيين
مقتض ، لكن شرط فعلية اقتضاء المقتضي
أنفاس فاطمة الزهراء ، فلا بد أن ينضم
تأمينها الى دعائي! هكذا قرر الوحي ، وهكذا
قررت السنة هنا: أن دعاء الزهراء شرط لدعاء
النبي(ص)والمقتضي محال أن يؤثر بدون شرطه!
ففي هذا المقام مقام مباهلة النبي(ص)مع
النصارى لابد مع رفع النبي يديه نحو
السماء أن ترتفع معه أيدي أربعة آخرين حتى
يستجاب الدعاء ويتحقق المطلوب !!


وما دام الأمر هكذا ، فيا ترى من هو علي؟
ومن هي فاطمة؟ ومن هو الحسن بن علي؟ ومن هو
الحسين بن علي؟!!


إن قيمة الحديث ليس بروايته ، بل بدرايته
، والأساس في الدين هو التفقه فيه ،
والكمال كل الكمال في التفقه والدراية لا
بالرواية وحقيقة التفقه أن تتعمق في كل
الأفعال والأقوال والخصوصيات ، ثم تستنتج


نفس ذلك النبي الذي (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوَى) ولايفعل عن الهوى ، خرج في هذا
الوضع! فلما رآه أسقف النصارى قال: ( والله
إني لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً
من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا
ولا يبقى على وجه الأرض نصراني الى يوم
القيامة ! (الكشاف:1- 369 دار البلاغة ط ثانية)
فليت الفخر الرازي والزمخشري أعطيا فقه
ذلك الأسقف النصراني وإنصافه !


ثم تأملوا فيما قاله الزمخشري بعد أن نقل
قضية المباهلة ، في سبب تقديم الأبناء
والنساء في آية المباهلة: (فَقُلْ
تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا
وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا
وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا
وَأَنْفُسَكُمْ) قال: (وقدمهم في الذكر على
الأنفس لينبه على لطف مكانهم وقرب
منزلتهم، وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس
مفدون بها وفيه دليل لا شئ أقوى منه على
فضل أصحاب الكساء، وفيه برهان واضح على
صحة نبوة النبي(ص) ) (الكشاف:1/370)


وبذلك اعترف الزمخشري بأن فاطمة والحسن
والحسين مفدون بنفس النبي(ص)وكذلك قال
البيضاوي إن في الآية دليلين على نبوة
النبي(ص)وعلى فضيلة أهل الكساء(ع)


أما الفخر الرازي فقال:وكان رسول الله خرج
وعليه مرط أسود وكان قد احتضن الحسين وأخذ
بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي رضي الله
عنه خلفهما ، وهو يقول: إذا دعوت فأمِّنوا
، فقال أسقف نجران الى آخر ما ذكره
الزمخشري ، ثم ذكر الرازي رواية حديث
الكساء وقال: واعلم أن هذه الرواية
كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير
والحديث (تفسير الفخر الرازي: 7/85 )


حسناً، لقد اعترفوا كلهم بهذا المقام
العظيم لهؤلاء العظماء الذين يفديهم
النبي بنفسه !


وهنا نوجه سؤالنا الى الزمخشري رجل
التفسير ، والى الفخر الرازي رجل العقل
والفلسفة ، صاحب التفسير وشرح الإشارات
والمباحث المشرقية ، الى من يشبههما من
أهل الدقة والتعمق من علماء السنة أمثال
البيضاوي والحاكم والسيوطي، فقد رووا
كلهم واعترفوا أن الله تعالى أظهر للعالم
في آية المباهلة أنه لا يوجد على وجه الأرض
أقرب اليه بعد النبي(ص)من هؤلاء الأربعة ،
فهؤلاء الذين يستطيعون أن يرفعوا أيديهم
بالدعاء ويدعوا ، فيستجيب الله لهم مهما
دعوا !


سؤالنا: لقد اعترفتم بأن هذه الأيدي ترتفع
فتدعوا فيستجيب الله ، فهل يمكن أن ترتفع
إلا عن عقل معصوم وقلب معصوم؟!


هل فهمتم أن الكلم الطيب الذي يصعد حتماً
الى الله تعالى ولا يرد ، لا يمكن أن يكون
إلا من معصوم: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ
الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ
الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (سورة فاطر: 10 )
وأنه لايمكن أن يصعد من قلب أبي بكر وعمر ،
ولا من قلب سلمان وأبي ذر ، فيصل حتماً الى
درجة: وَإِنْ مِنْ شئ إِلاَّ عِنْدَنَا
خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ
بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (سورة الحجر: 21) ، بل
لابد أن يصعد من قلب علي، أو قلب فاطمة، أو
الحسن، أو الحسين(ع)؟!!


وسؤالنا: مادام الأمر كذلك، فما حكم الذي
استحل قتل هؤلاء وشرع في إحراق البيت
عليهم ، من أجل تثبيت خلافة اعترف أنها
(فلتة) ؟!!


لقد كتبوا جميعاً من الزبير بن بكار وابن
قتيبة ، الى محمد فريد وجدي في دائرة
معارفه ، أن عمر جاء الى باب بيت
علي(ع)فقال: ياعلي أخرج فبايع ، وإلا أحرقت
عليكم هذا البيت بمن فيه! فبالله عليكم من
الذين كانوا في البيت؟!! أليس من حق
الإنسان أن يبكي دماً هنا ؟!


أيها الفخر الرازي ، أيها القاضي
البيضاوي ، أيها الزمخشري ، يا جلال الدين
السيوطي أنتم رجال فَهْم ، فلماذا نراكم
هنا لم تفهموا القضية؟! لماذا لم تفهموا
حكم هذا الشخص الذي جاء الى هذا البيت وقال
يا علي أخرج وبايع وإلا حرقت عليكم الدار
بأهلها ؟!


قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ
! قيل لعمر: إن في البيت فاطمة! وفي ذلك معنى
كبير، يعني داخل هذا البيت تلك التي قال
فيها النبي(ص)(من آذاها فقد آذاني ومن
آذاني فقد آذى الله) ! وكتبوا كلهم أن عمر
قال: وإن وإن !!


بالله عليكم أي بيعة هذه التي دفع ثمنها
كل شئ ، وهاجم من أجلها بيت آل النبي(ص)وكان
مستعداً لإحراقه على من فيه؟! إنها تلك
البيعة التي قال عنها هو نفسه: (كانت بيعة
أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرها) !


قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ
علىكل العالم ، نفس الشخص الذي جاء ليحرق
بيتاً فيه فاطمة وعلي والحسن والحسين(ع)،
نفسه قال كما في البخاري بيعة أبي بكر كانت
فلتةً - أي غلطاً وخطيئةً - وقى الله الأمة
شرها !!


أيها الرجل، إذا كانت حقيقة بيعتكما هذه
باعترافك، فلماذا دفعت من أجل تثبيتها هذا
الثمن الباهض من الإسلام ومستقبل الأمة،
ومن دينك أنت ؟!!


أيها العلماء السنيون هذا الرجل قائل تلك
الكلمة إن كان عاقلاً فإن إقرار العقلاء
على أنفسهم جائز ! وقد أقر أنه من أجل
الفلتة والغلطة جاء ليحرق فاطمة الزهراء
وبعلها وبنيها(ع)! ترى ، هل يوجد مظلوم في
العالم أكثر من هذه الحرة ؟! وهل توجد
مصيبة أعظم من هذ ه المصيبة ؟!!


إن قدر فاطمة مجهول عند أهل الأرض،
وظلامتها أيضاً ، وسوف لا يعرف مقامها حتى
يكون يوم المحشر ، فيظهر الله ظلامتها
ومقامها العظيم !


والله إن قدر فاطمة الزهراء مجهول في كل
العالم ، وإذا كان قدرها مجهولاً في مراكز
السنيين وبلادهم فليس فيه حسرة ، لكن في
دولة فاطمة ، هنا دولة الزهراء ، هنا بلد
فاطمة ، وهنا يعلنون عطلةً رسمية طويلة من
أجل ذكرى جم، من أجل نوروز العجم، لكن من
أجل شهادة فاطمة الزهراء(ع)لايوجد تعطيل
رسمي ليوم واحد ! المجهولة قدراً ،
المجهولة قدراً !


أما متى يعلم مقام فاطمة ويعرف قدرها؟ في
ذلك اليوم الذي تبعث من تربتها فيبعث الله
تعالى لاستقبالها سبعين ألف ملك بلواء
التكبير ، وسبعين ألف ملك بلواء التسبيح ،
يرافقونها حتى تستقر في مقرها !


هذا النوع من التكريم والتقدير الالهي لم
يصدر أمر من الله تعالى بمثله لإبراهيم
خليل الله وأب الأنبياء(ع)ولا لموسى بن
عمران كليم الله(ع)ولا لعيسى بن مريم روح
الله(ع)، مع أن خزائن الله لا تتناهى


إنه يفتح لفاطمة اعتباراً غير محدود!
يأتيها جبرئيل فيقول لها: سلي حاجتك تعطين
، ولا حد لهذه الحاجة ، مهما شئت فاطلبي!
فماذا تطلب فاطمة من الله تعالى ؟


أرجو الدقة في هذا الموضوع أيها العلماء ،
أنتم أهل دقة ففكروا في رقيّ هذه المسألة،
إن الطلب من الله تعالى في ذلك اليوم هو
الجزاء ، والجزاء غير العمل، ولكن فاطمة
عندما يقال لها أطلبي حاجتك من الله
تعالى، تقول: اللهم أرني الحسن والحسين!
إنها تريد أن ترى العمل قبل الجزاء !


يعني إلهي أرني الذي عملته كما هو ، ليكون
الجزاء متناسباً معه! فيأتونها بالحسن
والحسين وأوداج الحسين تشخب دماً !!


اللهم بفاطمة وأبيها، وبعلها، وبنيها،
والسر المستودع فيها صل وسلم عليها وعلى
أبيها وبعلها وبنيها عدد ما في علمك صلاةً
دائمة بدوام ملكك وفضلك


والعن أعداءها وغاصبي حقوقها ، عدد ما في
علمك لعناً دائماً أبدياً ، بدوام قهاريتك
وعدلك وآخر دعوانا أن الحمد لله رب
العالمين


(20)ولأي الأمور تدفن سراً ؟!


( بتاريخ: 1 جمادى الأولى 1413 ـ 28/10/1992 ـ 16/8/1371
)


كان المرحوم الميرزا الشيرازي أعلى الله
مقامه في منزله أو في منزل الشيخ حسن علي
الطهراني ، والشك مني ، فقرأ المرحوم
الطهراني وكان من أعظم تلامذة الميرزا
الشيرازي، من مقتل الحسين(ع)هذه
الجملة:دخلت زينب على ابن زياد، وما أن سمع
الميرزا هذه الجملةحتى تغير، فشرع
الطهراني في قراءة الجملة الثانية، فقال
له الميرزا: إصبر حتى نؤدي هذه الجملة حقها
!


والخلاصة، أن المجلس انقضى ذلك اليوم
بهذه الجملة !


إن درجة الفكر والفهم عندما ترتقي ، يختلف
تلقي المطالب وفهمها ! فالمطلب واحد ، لكنه
يختلف تبعاً لحدة الذهن وعمق الفكر الذي
يتلقاه ! لقد رأى الميرزا(ره)في هذه الجملة
مطالب ، لم يرها غيره !


وكذلك الأمر في جملة سمعناها وقرأناه
مراراً: دفنت فاطمة ليلاً سراً فقد اتفقت
مصادر الشيعة والسنة على هذه الجملة ،
وفهمت منها الأذهان أموراً ، لكن لو
تلقاها ذهنٌ كذهن الميرزا الشيرازي لفهم
ماذا تعني ! إن أحداث وفاة الزهراء(ع)فيها
أمور محيرة !


قالت فاطمة لعلي(ص)إذا لم تستطع تنفيذ
وصيتي فأنت معذور ، فأخبرني حتى أوصي غيرك!
وأوصته أن يقوم بمراسم جنازتها ويدفنها
ليلاً ، ولا يخبر فلاناً وفلاناً بموتها
وأن يخفي قبرها!


(أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء
الذين ظلموني وأن لايصلي علي أحدٌ منهم
ولامن أتباعهم وادفني في الليل إذا هدأت
العيون ونامت الأبصار) !


هذه الرواية وأمثالها تدل على أن الأحداث
كانت خطيرة وجدية الى أبعد حد! وأنه لم
يضيع حق شخص كما ضيعوا حق الزهراء(ع)، ولا
تحمَّل أحدٌ من الألم ما تحمله أمير
المؤمنين(ع)!


إن فكرنا يبقىعاجزاً عن إدراك هذه
الشخصية وهذا الحق المضيع ، ولكي ندرك ذلك
نحتاج الى ذهن كذهن الميرزا أعلى الله
مقامه !


ورد في روايات العامة ورواياتنا أن
النبي(ص)عُرج به الى السماء مرتين، وعن ابن
عباس أن أحدهما معراج كرامة ، والثاني
معراج عجائب ، وفي بعض رواياتنا أنه عُرج
به مئة وعشرين مرة


ولعل هذه الحادثة المرتبطة
بالزهراء(ع)كانت في معراج العجائب!


فقد روى السيوطي وهو من أكابر علمائهم في
الدر المنثور(:4/153) حديثاً عن الطبراني
بحذف سنده ، ثم نقل رواية عن الحاكم وقال
إنه ضعفها ، ثم روى حديثاً عن الطبراني
واهتم به ، وهو عن عائشة قالت: ( قال رسول(ص):


لما أسري بي إلى السماء أدخلت الجنة ،
فوقفت على شجرة من أشجار الجنة لم أرَ في
الجنة أحسن منها، ولا أبيض ورقاً، ولا
أطيب ثمرة، فتناولت ثمرة من ثمرتها
فأكلتها فصارت نطفة في صلبي فلما هبطت إلى
الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، فإذا
أنا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة)
انتهى


فلا بد أن نفهم من هي فاطمة(ع)التي هاجموا
بيتها وأضرموا فيه النار وضربوها ! والتي
عاشت بعد أبيها خمساً وسبعين يوماً ، في
مواجهة أحداث مؤامرة ضخمة ، حتى ذاب بدنها
من الآلام وصارت كالخيال ، ودفنت ليلاً !!


بعد أن أثبت الشيخ الرئيس ابن سينا جوهر
النفس ، في الإشارات في نمط النفس ، أشار
الى الإرتباط بين النفس والبدن أو الروح
والبدن! وقد جعل هذا النمط بتعبيره إشارةً
فقط ، ولم يجعله مبحثاً ، وعمله هذا صحيح ،
لأنه هنا متفهم وليس فيلسوفاً، وقد استفاد
في هذه الإشارة من مقام العارفين، على أن
مبناه في الإشارات أن يجمع جوهر الحكمة
ويؤسسه بشكل متن مختصر


وقد ذكر في هذا (النمط)كيفية الفعل
والإنفعال بين النفس والبدن، كيف يتأثر
البدن بالروح والروح بالبدن ؟


وهذا هو المنطلق لما نريد أن نقوله في
شخصية الصديقة الزهراء(ع)عن العلاقة
التامة بين طهارة الروح وطهارة البدن
وصفائهما ، فإن فقه الإسلام يؤكد على وجود
علاقة جدلية بين البدن والروح لاحظوا في
أبواب الفقه الأهمية التي يوليها الإسلام
للقوت الحلال وطهارته وزكائه ، وأن تسعة
أعشار الأمر في تحصيل الرزق الحلال ، لكي
يكون نسيج البدن حلالاً زكياً ، وتكون
نتيجته طهارةَ الروح وصفاءها إن قضية غذاء
الإنسان لها حساب دقيق في الإسلام ، وهي من
معجزات القرآن والشريعة المقدسة لكن من
الذي يفهم ذلك ، ومن يستخرج هذه الجواهر
الغالية ؟


وإن حقيقة أن الزهراء(ع)حوراء إنسية، ليست
مسألة بسيطة ! فعندما يكون نسيج البدن من
أرقى ثمار الجنة وأنقاها وأصفاها ، ويكون
الأب خير الخلق ، فأي بدن طاهر سيكون ؟


وفوق ذلك فالروح التي سترتبط بهذا البدن ،
أي روح ستكون؟


إنها روح الصديقة الزهراء(ع)


فهي ليست امرأة من النساء كما يتصور ذلك
السطحي الجاهل!


إنها جوهر وناموس ، وسرُّ وجود ، وقضيةٌ
فوق قدرة استيعاب عقولنا ، بل فوق قدرة
تصورنا وإدراكنا !


ذلك النبي العظيم(ص)، الذي لاينطق عن
الهوى، الذي يخضع جميع الأنبياء(ع)أمام
قوله وفعله عندما يقول عن شجرة طوبى
وثمرتها: لم أرَ في الجنة أحسنَ منها، ولا
أبيضَ ورقاً ولا أطيبَ ثمرةً ، فمعنى عدم
رؤيته عدم وجود المرئي ! ومعنى ذلك أن أصل
بدن فاطمة أنقى ما في الكون ! فأي روح تناسب
ذلك البدن تحل فيه ؟!


لاحظوا القرآن وتدبروا في آياته ، لتجدوا
أبواب حكمة تفوق حكمة ابن سينا، يقول
تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ
فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ
سَاجِدِينَ (سورة الحجر:29 ) فقبل أن
يُسَوِّي الله البدن بعلمه وحكمته لا تحل
فيه الروح فانظروا كيف كانت تسوية بدن
فاطمة ، وأي جوهر ستكون الروح الحالة فيه؟!


لابد أن نعترف أننا لا نفهم هذه المطالب
إلا عندما يقول الإمام(ع)إذا أردت أن
تستخير الله تعالى وتطلب منه أن يهديك الى
الخير فيما تريد الإقدام عليه فقل: اللهم
إني أسألك بفاطمة وأبيها وبعلها وبنيها
والسر المستودع فيها !


هكذا فاستخر الله تعالى ، وبهذا الدعاء
فادعه !


وتأمل في أول الدعاء وختامه؟! وفي هذه
المحورية لفاطمة الزهراء(ع)؟! محورية لمن
يقول الله تعالى فيهم: فَمَنْ حَاجَّكَ
فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ
الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ
أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ
وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ
وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ
نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ
عَلَىالْكَاذِبِينَ (سورة آل عمران: 61 )
إنها(ع)محور هؤلاء الخمسة الذين لا سادس
لهم في الكون، والذين بواسطتهم يتم
الإتصال بالله تعالى، ولو دعوا الله أن
يزيل الجبال لفعل، ولو دعوه أن يطبق
السماء على الأرض لفعل !


أحدهم المحور ، والثاني مركز الدائرة حول
ذلك المحور، وفي ذلك المركز سرٌّ مستسر!


ثم انظر كيف تتوزع مواقع الباقين ؟ مواقع
أين منها مواقعُ النجوم وأسرارٌ أين منها
أسرار الفيزياء ونسج الطبيعة!!


إن في حادثة المعراج حقائق عجيبة ، نستطيع
أن نتحدث عنها على قدر فهمنا وقدرة عقولنا
، لا على قدرها وواقعها !


القضية التالية التي سأنقلها اتفقت عليها
كلمة الكل ، وقد رواها البخاري في كتاب بدأ
الخلق وفي كتاب الإستئذان ، (:4/183) عن عائشة
قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي
النبي فقال النبي (ص): مرحباً يا ابنتي، ثم
أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسرَّ
اليها حديثاً فبكت فقلت لها: لم تبكين؟ ثم
أسر اليها حديثاً فضحكت، فقلت ما رأيت
كاليوم فرحاً أقرب من حزن! فسألتها عما قال
فقالت: ماكنت لأفشي سر رسول الله حتى قبض
النبي(ص)فسألتها فقالت: أسر إليَّ أن جبريل
كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وأنه
عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر
أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي، فبكيت!
فقال أماترضين أن تكوني سيدة نساء أهل
الجنة أو نساء المؤمنين،فضحكت لذلك) انتهى
ونحوه في مسند أحمد: 6/282،


لكن الأصح مارواه البخاري:4/210 وهو عن
عائشة أيضاً، قالت:


دعا النبي(ص) فاطمة ابنته في شكواه الذي
قبض فيها فسارَّها بشئ فبكت ثم دعاها
فسارَّها فضحكت، قالت فسألتها عن ذلك
فقالت: سارَّني النبي فأخبرني أنه يقبض في
وجعه الذي توفي فيه فبكيت، ثم سارني
فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه، فضحكت)
ونحوه في:5/138 ، وقد رواه في مواضع أخرى


وفي مسلم:7/142: (عن عائشة قالت: كنَّ أزواج
النبي(ص)عنده لم يغادر منهن واحدة ، فأقبلت
فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول
الله شيئاً ، فلما رآها رحَّب بها فقال
مرحباً بابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن
شماله، ثم سارَّها فبكت بكاء شديداً، فلما
رأى جزعها سارَّها الثانية، فضحكت! فقلت
لها خصك رسول الله من بين نسائه بالسرار ،
ثم أنت تبكين؟! فلما قام رسول الله سألتها
ما قال لك رسول الله (ص)؟ قالت: ما كنت لأفشي
على رسول الله سره! قالت: فلما توفي رسول
الله قلت: عزمتُ عليك بما لي عليك من الحق ،
لما حدثتني ما قال لك رسول الله؟ فقالت: أما
الآن فنعم ، أما حين سارَّني في المرة
الأولى فأخبرني أن جبريل كان يعارضه
القرآن في كل سنة مرة أو مرتين، وأنه عارضه
الآن مرتين، وإني لا أرى الأجل إلا قد
اقترب فاتقي الله واصبري، فإنه نعم السلف
أنا لك قالت فبكيت بكائي الذي رأيت فلما
رأى جزعي سارني الثانية فقال: يافاطمة أما
ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو
سيدة نساء هذه الأمة؟ قالت فضحكتُ ضحكي
الذي رأيت)


وإني لا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي
الله واصبري! هذه الكلمة التي قالها
النبي(ص)لفاطمة(ع)، غنيةٌ بالمعاني ، فهو
يذكر فاطمة بالإمتحان الكبير الذي أخبرها
أنها ستواجهه بعد وفاته! إن فراقها له أثقل
عليها من السماء والأرض، لكن ما بعد فراقه
سيكون أصعب ! وقد أعدها لهذه المرحلة وشرح
لها ما سيحدث ، وهو هنا يودعها ويؤكد عليها
أن تتسلح بسلاح الأولياء في
امتحاناتهم(فاتقي الله واصبري) ويبشرها
بقصر مدة الإمتحان، وبالجزاء العظيم من
الرب العظيم!


عندما نقرأ في زيارتها سلام الله عليها:
يا ممتحنة، امتحنك الله الذي خلقك قبل أن
يخلقك، فوجدك لماامتحنك صابرة (مصباح
المتهجد ص711) نعرف أنها بلغت مقامها العظيم
بامتحان الله تعالى لها ، لكنا لانعرف إلا
القليل عن ذلك الإمتحان وكيف نجحت فيه
بالصبر ، وكيف حبست نفسها على مرضاة الله
تعالى حتى رحلت من هذه الدنيا !


بقطع النظر عن كل ذلك، فإن كل المسلمين
عرفوا أن نبيهم هو خاتم الأنبياء
والمرسلين(ص)، وقد أوصاهم بعترته ، ولم يبق
منه ذكرى بعد موته إلا ابنته الوحيدة(ع)!
وأن هذه البنت الطاهرة لاقت من أمته من يوم
وفاته ، أنواعاً من الظلم والآذى ، حتى
أوصت أن تدفن سراً ، وتعمدت أن لايعرف
قبرها ! أقسم بالله أن هذه مصيبة فوق تحمل
الإنسان ، بل فوق الوصف !


فما هو واجبنا تجاهها؟


إن واجبكم أيها الفضلاء ، أنتم أهل الفكر
، وبعضكم حضروا بحوث الخارج لأكثر من عشر
سنوات، ووصلوا الى حد النبوغ الفكري أن
تطلقوا أقلامكم وألسنتكم في بيان هذه
الظلامة ، التي لم يَرَ العالم مثلها ، وأن
تعرفوا الناس بهذه المظلومة ، التي لم يعرف
التاريخ مظلوماً مثل زوجها ، ومثلها !


إكشفوا للمسلمين ماذا حدث بمجرد أن أغمض
النبي(ص)عينيه، حتى وصل الأمر الى أن توصي
فاطمة(ع)أن تدفن ليلاً وسراً ؟!


إن مسلماً لايمكنه أن يغضي عن هذه
الحادثة، إلا أن يكون في إيمانه خلل! فهل
يمكن أن يكون مؤمناً بالنبي(ص)ثم يترك قضية
ظلامة ابنته الصديقة الطاهرة ، ويساعد على
التعتيم عليها وتضييعها ؟!


إن ظلامة الزهراء(ع)جناية يجب أن يجعلها
عوامنا محور كلامهم واهتمامهم وخواصنا
محور بحثهم وحديثهم ، ليبينوا للعالم ماذا
حدث؟!


اللهم اعف عنا ولا تجعلنا شركاء في ظلم
فاطمة الزهراء(ع)!


اللهم أعنا لنبرئ ذمتنا ونقوم بواجبنا
تجاه غضب الزهراء(ع)وحزنها ودموعها !


لقد حدد لنا أمير المؤمنين(ع)واجبنا عندما
قال:


يارسول الله! أما حزني فسرمد ، وأما ليلي
فمسهد ، لا يبرح الحزن من قلبي ، أو يختار
الله لي دارك التي أنت فيها مقيم كَمَدٌ
مُقيح ، وهَمٌّ مُهيج ، سرعان ما فُرق
بيننا وإلى الله أشكو ، وستنبئك ابنتك
بتظافر أمتك عليَّ وعلى هضمها حقها ،
فاستخبرها الحال ، فكم من غليلٍ معتلجٍ
بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً ! ( أمالي
المفيد ص281)


(21)نحن بحاجة الى الفقاهة لا الى السفاهة !


( بتاريخ: 12جمادى الثاني 1418 ـ 15/10/1997 ـ 24/6/1376
)


إن منشأ مشكلات مجتمعاتنا السفاهة ،
وعلاج أمراضنا الفقاهة! فعندما يصير الشخص
سفيهاً ، حتى لو كان معمماً ذا لحية عريضة ،
فإن عيناه لاترى في الصديقة الكبرى فاطمة
الزهراء صاحبة المقام الرباني الذي لا
ينال، سلام الله عليها، لا يرى فيها إلا
أنها امرأة عادية! غاية الأمر أنها زوجة
ناجحة وربة بيت موفقة، وأنها عابدة لربها
وانتهى الأمر !!


فلو كان عنده فقاهة لعرف أنه لا يصح أن
يقال لفاطمة إنها امرأة عادية ، بل يجب أن
يقال لها (حوراء إنسية) فهذه هي العبارة
التي تعرف شخصيتها !


لو كان فقيهاً لعرف أنها ليست امرأة
كالنساء ، وأن النبي(ص)عندما عرج به الى
الملأ الأعلى رأى الجنة مكتوباً على
بابها: لا إله إلا الله، محمد رسول الله ،
عليٌّ حزب الله، والحسن والحسين صفوة
الله، فاطمة خيرة الله! إن هذا الحديث لم
يروه الشيعة فقط بل رواه السنة أيضاً ! ولا
بد للفقيه أن يفهم لماذا يجب أن يفتتح ما
كتب على باب الجنة بـ (لا إله إلا الله)
ويختم باسم (فاطمة) ! هنا يتميز حد الفقاهة
عن حد السفاهة !


والإنسان الذي يقول هذا الكلام لم يبلغ حد
الرشد، وعندما يبلغه سيفهم أن فاطمة
الزهراء(ع)موجودٌ أبلغ من كل تعبيرنا ، وأن
عباراتنا بطبيعتها مفصلة لمعان تبقى قاصرة
عن قمة وجود فاطمة الزهراء(ع)، ويفهم معنى
اختيار الله اسم فاطمة لها: لأن الناس
فطموا عن معرفتها !!


في هذا اليوم نتعرض لرواية واحدة،
ونلفتكم جميعاً الى أن أوجب الواجبات
عليكم فرداً فرداً أن تعملوا بكل طاقاتكم
الفكرية لكي تكونوا علماء فقهاء، في
الدين، في أصول الدين، في معرفةالنبي وأهل
بيته الطاهرين (ص)،وتنجوا الناس من هذه
الضلالات والفتنةالتي أثارها في هذا
الزمن بعض المعممين بمساندة جهات ضالة
وكافرة، محاولاً التشكيك في أصول المذهب
ومبانيه المحكمة


الرواية التي نتكلم حولها اليوم لها أصل
في مصادر التفسير السنية والحديثية
والتاريخية ، كتفسير السيوطي، ومستدرك
الحاكم، والخطيب البغدادي، ولكن هذه
المصادر لا تهمنا، والمهم هو الرواية
الصحيحة السند التي يعتمد على رجال سندها
في الفتوى في مهمات الأحكام الشرعية، وهي
عن الإمام الصادق(ع)(كان رسول الله يكثر
تقبيل فاطمة فعاتبته عائشة وقالت يارسول
الله إنك تكثر من تقبيل فاطمة فقال(ص):(إنه
لما عرج بي الى السماء مر بي جبرئيل على
شجرة طوبى، وناولني من ثمرها فأكلته، فحول
الله ذلك ماء الى ظهري، فلما هبطت الى
الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فما
قبلتها إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها!)
(المحتضر للحلي ص135، وفي المناقب:3/114:
(فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة
ابنتي) انتهى


لقد عرج بالنبي(ص)الى الملأ الأعلى مرات
عديدة ، كما ثبت في محله ، وفي تلك المرة
أخذ بيده جبرئيل فأدخله الجنة ، وأخذه الى
شجرة طوبى! وقد ورد وصف طوبى في مصادر
السنيين بأنه لم يُرَ أحسن من ورقها ، ولا
أطيب من ثمرها ! وقد سميت في القرآن (طوبى)
وهي مصدر من طاب ، وتسميتها من حمل المصدر
على الذات ، والروايات في عظمة هذه الشجرة
وأنها الأولى في الجنة والأكبر ، كثيرة في
مصادرنا ومصادر غيرنا ، ونحن في غنى عن بحث
دلالتها وسندها


ولشجرة طوبى ميزات منها أن جذعها في بيت
النبي(ص)، وأن الله تعالى غرسها بيده ،
كناية عن أن ملائكة الله بمن فيهم جبرئيل
وميكائيل وإسرافيل ، لايصلون الى مستوى
غرسها !


إن فقه الحديث يكمن في فهم كلماته فتأملوا
فيها: تربة شجرة طوبى ومغرسها في بيت الشخص
الأول في الوجود(ص) ويجري من تحتها ثلاث
عيون: السلسبيل ، والتسنيم ، والمعين وفي
أملاك كل مؤمن غصن منها ، هو أعز عليه من كل
ما يملك في الجنة ، لأنه مميز بثماره ،
وطيوره ، وأنغام حفيف أوراقه، والثياب
التي تنبت عليه كل ذلك فوق ما تشتهي الأنفس
!


مر بي جبرئيل على شجرة طوبى وناولني من
ثمرها، فأكلته فحول الله ذلك ماء الى ظهري
، فلما هبطت الى الأرض واقعت خديجة فحملت
بفاطمة ، فكلما اشتقت إلى رائحة الجنة
شممت رائحة ابنتي !


هنا لابد من استعمال أدوات الفقاهة،
فالفقيه هو الذي يفهم العلاقة بين البدن
والروح بمستوى ابتدائي، وقد بحث الشيخ
الرئيس ابن سينا ، والخواجه نصير الدين
الطوسي، وقطب الدين الشيرازي، والى حد ما
الفخر الرازي ، بحثوا هذه المسألة الى
الحد الإبتدائي، في ماهية الإرتباط بين
الروح والجسد، والتأثير والتأثر ،
والعلاقة الجدلية بينهم


إن خلق الزهراء(ع)من ثمرطوبى يفتح نافذة
لفقهاءالبشر والمفكرين في إنسانية
الإنسان، ويطرح عليهم سؤالاً: إذا أخذت
نطفة بدن إنسان من ثمرة شجرة طوبى، فما هو
البدن الذي يتكون من تلك النطفة ؟ ثم ما هي
تلكم الروح التي صنعت لتحل فيه، والتي
أكرمها الله أن يصل بدنها الى مرحلة:
فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ
مِنْ رُوحِي ، (سورة الحجر: 29 ) ، والى أن
يكتب الله تعالى على باب جنته: (فاطمة خيرة
الله) ؟


ترى من كان بدنها كهذا البدن ، فما هو نوع
روحها؟!


ماذا في تلك الروح ، وما هو مقصدها في
الوجود ؟!


إن المصنع الإلهي قائم على الحكمة ،
والصانع هو ذلك الحكيم الذي يدير كل
منظومة الوجود التي لا يحدها الحس البشري،
والذي هو اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ
سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ (سورة البقرة:255 ) ، وكل
هذه العظمة والحكمة في عالم المادة، الذي
لا يساوي بالنسبة الى بقية الوجود أكثر من
حصوة المثانة، على حد تعبير المحقق
السبزواري&


ذلك الحكيم سبحانه الذي يدير كل تلكم
العوالم ، ما غرضه من خلق روح فاطمة
الزهراء وبدنها؟! ما غرضه في أن يأخذ
الإنسان الأول في الوجود الى شجرة طوبى
التي تحدث عنها لعيسى في الإنجيل، وذكرها
في القرآن فقال: الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ
وَحُسْنُ مَآبٍ (سورة الرعد: 29)، ويطعمه من
ثمرها فيتحول ثمرها الى نطفة في بدنه ، ثم
يحل في رحم امرأة أعطت كل ما تملك لربها ،
قالوا كانت تجمع ما عندها من حلي وزينة
فيبلغ قامة الإنسان ولا يرى الواقف الى
جنبه ! لكنها عندما حضرتها الوفاة قالت
لرسول الله(ص)ليس عندي ثمن كفن، فأنزل الله
تعالى لها كفناً مع جبرئيل(ع)!


أمٌّ كهذه ، وأبٌ كهذا ، وبدنٌ فاطمة من
ثمار طوبى ، وروحها تلك الروح العليا فأي
موجودة تكون فاطمة(ع)؟!


هذا كله ألف باء المطلب ، أما أوْجهُ
وختامه فيحتاج الى فقيه حكيم قد استكمل
أصول البحث العقلي والنقلي ، ليدرك نهاية
هذا المسار !


وردت هذه الرواية بمضامين مختلفة في
مصادر الخاصة والعامة: (خرج رسول
الله(ص)وقد أخذ بيد فاطمة(ع)وقال: من عرف
هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة
بنت محمد، وهي بضعة مني، وهي قلبي الذي بين
جنبيَّ ، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني
فقد آذى الله جل وعلا )( المحتضر للحلي ص133،
وشرح الأخبار:3/30ح970 ، ومناقب ابن شهر
آشوب:3/332 وكتاب الأربعين للماحوزي ص316 ، عن
الفصول المهمة ص146 ، واللمعة البيضاء
للأنصاري ص59 ، عن كشف الغمة:2/94 والبحار:43/54
ح 48 )


أنظروا الى التعبير ، فمجلسنا والحمد لله
يكفيه إلفات النظر، ما معنى أن يخرج
النبي(ص)آخذاً بيد فاطمة(ع)؟!إن عمله هذا
كعمله في حق عليٍّ يوم الغدير، حيث أصعد
ذلك الرجل الفريد معه على المنبر، وأخذ
بيده ورفعها !


وفي هذا اليوم عندما خرج آخذاً بيد فاطمة
المرأة الفريدة في العالم، قال: من عرفها
فقد عرفهاومن لم يعرفها فليعرفها !


لاحظوا كيف قدمها النبي(ص)الى الأمة ،
وعرفهم مقامها درجةً درجة !


إن لكلامه(ص)في أنفس مستمعيه وقارئيه
جاذبيةً خاصة منوعة ! في المرتبة الأولى
قال: بضعةٌ مني لاحظوا كلمة (بضعة) ثم انتقل
الى الأعلى الى المرتبة الثانية فقال: (وهي
قلبي الذي بين جنبي)! وعندما يقول النبي
(أنا) فالأنا هنا غير كلمة بدني، فالبدن
مضاف وضمير المتكلم مضاف اليه هنا تعابير
خاصة: بضعةٌ مني، وهي أبلغ من بضعة من
بدني، وقلبي الذي بين جنبي غير قلبي، إنها
قلب بين جنبي الشخص الذي (إنيته) مبدأ
ومنشأ لكل الفضائل البشرية !


الشخص الذي قال وهو الصادق الأمين: (كنت
نبياً وآدم بين الماء والطين) ! (المناقب
لابن شهر آشوب :1/214 ، ونحوه في مسند أحمد بن
حنبل:4/66 )


معنى أن فاطمة قلب إنسان بهذه الصفة ، أنه
لو أخذت مني فاطمة فسأبقى بدناً بلا روح !
فالى أين وصلت الصديقة الزهراء(ع)حتى بلغت
مقاماً كهذا ، وصارت قلباً بين جنبي علم
وعمل ! فجنب النبي الأيمن علم ، والأيسر
عمل!


علمٌ عنده تتلاشى كل علوم الأنبياء(ع)!
وعملٌ عنده تتلاشى كل أعمال الأولياء!!
والقلب الذي بين هذين الجنبين هو الصديقة
الكبرى فاطمة الزهراء (ع)!! وهنا يتضح سر
الحديث القدسي في النبي والعترة(ص):


(هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها ) !


سيدتي ، ما ذا فعلت حتى صرت المحور والقطب
؟!


سيدتي ، ما ذا فعلت حتى صرت قلب عالم
الوجود ؟!


سيدتي ، حتى صرت في مقام قال عنك خاتم
النبيين صلوات الله عليه: (من صلى على
فاطمة فهو معي أينما كنت في الجنة) !


إن العمل الذي عملته لايعرف كنهه وقيمته
إلا الله تعالى ومن هم خزائن أسرار الله
تعالى فأنت تلك العظيمة التي يقول فيك
الإمام الصادق(ع)لو حاول الناس جادين أن
يعرفوا كنه فاطمة ما عرفوه: لأنهم فطموا عن
معرفتها!


وهنا نصل الى مرحلة من كلام الإمام
الصادق(ع): (اللهم إني أسألك بفاطمة وأبيها
، وبعلها وبنيها ) !


فكروا وتفهموا سر هذه الكلمات فالسؤال
بفاطمة، وأب فاطمة، وبعل فاطمة، وأبناء
فاطمة، وختام هذا الدعاءكلمة هي ختم
الكلام: والسر المستودع فيها !!


في معراج النبي(ص)أخذوه الى شجرة طوبى،
وقطفوا له من ثمرها ، وأطعموه منها ، ومن
هذا الثمر انعقدت نطفة فاطمة ، وفي هذه
النطفة وضعوا جوهر روح اختارها الله تعالى
من أشرف ما في خزائنه من جواهر !!


المسألة هنا: والسر المستودع فيها، فأي سر
هذا السر ، الذي كان لابد له من مقدمات ،
معراج النبي(ص)، وأن يتناول من ثمار شجرة
طوبى، ليتكون البدن الذي يكون محلاً لهذا
السر ! هذا السر يحتاج الى فرصة أخرى
لبيانه


إنها سرٌّ سر الله الأعظم فقد كان قلبها
سراً


وما في ذلك القلب كان سر


ألمها كان سراً ، لونها كان سر


ما تحملته كان سر


قدرها كان سراً ، مقامها ما زال سر


سرٌَ في سر ، وحتى القبر التي حوى جثمانها
كان سراً !


ماذا فعلت يا بنت رسول الله حتى صرت سر
الله ؟!


والى أي مقام وصلت؟!


الذي أستطيع أن أقوله إن العمل الذي قامت
بها فاطمة(ع) أحيت به قيم الأنبياء(ع)من آدم
الى النبي الخاتم(ص)!


العمل الذي عملته به أحيت اسم الله تعالى
أحيت كل حرمات الله تعالى


عندما يموت المؤمن أول تحفة يقدمونها له
في الجنة أنهم يقولون له: كل


من شارك في تشييع جنازتك مغفور له وفاطمة
تعرف ذلك ولذا قالت: يا علي لا تُعلم بموتي
أحداً منهم !


هذا العمل وما أحدثه ، جدير بأن نفكر فيه
كثيراً ، لنعرف ماذا حدث؟!


عندما غادر النبي الدنيا(ص)كانت فاطمة في
كامل النشاط وغاية السلامة ، وبعد مضي خمس
وسبعين يوماً لحقت به!


وفي الليلة التي غسلوا جثمانها قالوا
إنها كانت من ضعفها كالخيال! وأن جسدها على
المغتسل كان كالشبح!


لم يبق إلا نفَسٌ خافتُ أو مقلةٌ إنسانها
باهتُ !


الفصل السادس


في مقام الإمام الحسين(ع)وعظمة عاشوراء


(22)مسؤولية المبلغوعظمة عاشوراء


( بتاريخ: أواخر ذي الحجة 1417- /5/1997 - /2/1376 )


بمناسبة أيام عاشوراء يوجد أمران مهمان ،
أرجو أن تتأملوا فيهما بعمق:


للعلامة الحلي أعلى الله مقامه كتابان:
التبصرة ، ألفه لعامة الناس، والتذكرة
ألفها للفقهاء وطبيعي أن لايكون حديثي
اليكم التبصرة وأنتم تحضرون هذا البحث ،
وأكثركم والحمد لله من العلماء ، وعدة
منكم أساتيذ السطوح العالية وبحوث الخارج


المطلب الأول: ما هو واجبكم في موسم
عاشوراء؟


عاشوراء لها حكم ربيع القلوب ، فكما أن
الأرض في الربيع تستعد لإنبات النبات
وتنميته ، فإن قلوب الناس تستعد في موسم
عاشوراء لتقبل بذور الحكمة والموعظة
الحسنة ، ومن المهم جداً أن نستفيد من ربيع
قلوب الناس من أجل تربيتها فماذا يجب عمله؟


لقد عين الله تعالى في كتابه واجبنا بقوله
تعالى:وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ
لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَر
َمِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا
رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ (سورة التوبة:122)، فواجبكم
أمران: التفقه في الدين ، والإنذار، وإنه
لايصح ولايناسب أن نملأ وقت الناس بالقصص
ومواد الجرائد، فواجبنا تجاه أنفسنا
التفقه ، وتجاه الناس الإنذار: رُسُلاً
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا
يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَىاللهِ حُجَّةٌ
بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزاً
حَكِيماً (سورة النساء:165) ، فلابد أن نقتدي
في دعوة الناس الى الله تعالى بالأنبياء(ع)
، يعني أن تتعلموا مخاطبة الناس من طريقة
مخاطبه الله تعالى لهم


للقرآن في تربية البشر طريقتان: إحداهما
التخويف من المسؤولية والمستقبل والثانية
بعث الرجاء والأمل في نفوسهم


فلماذا نرى التأثير في الناس قليلاً ،
وتطبيقهم للأحكام الشرعية قليلاً ؟


إن السبب يكمن في تبليغنا وخطابنا للناس
عندما لا يكون على أساس صحيح ، فنحن لم
نستفد كما ينبغي من طريقة الرسل
والأنبياء(ع)في تحريك الفطرة التي فطر
الله الناس عليها !


إن طريق تربية الناس توجب أولاً أن نتفقه
نحن! أرجو أن تتأملوا أن كلمة (تفقُّه) من
باب(التفعل) الذي يعني قبول الفقه ، وأن
تكون شخصية أحدكم بلون الفقه ، لا أقصد
اللون الظاهري فقط ، بل أن يرسخ الفقه في
الأعماق ، فينعكس لونه على الشخصية فإن
حصلتم على هذه المرحلة ، فقد حصلتم على
التفقه وإذا صار الإنسان متفقهاً ، فمحال
أن لايحدث في سلوكه تحول!


إن فقه الدين حالة إذا رسخ في فكر الإنسان
وصار له خلقاً، فإن نفسه تتغير لا محالة ،
وإذا تغيرت نفسه نحو الكمال، فقد آن الوقت
الذي يكون فيه منذراً، وحينئذ لابد أن
يؤثر في الناس ويغيرهم


المتفقه في دينه عندما يقول للناس: يَا
أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ
إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شئ عَظِيمٌ
يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ
مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ
كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى
النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى
وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ (سورة
الحج:1-2) فإنه يحدث انقلاباً في القلوب
بإنذاره!


لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، ثم:
وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ


من روايات الإمام الحسن العسكري عن أمير
المؤمنين(ص)أنه قال:


(من كان من شيعتنا عالماً بشريعتنا، فأخرج
ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم
الذي حبوناه به، جاء يوم القيامة على رأسه
تاج من نور، يضئ لجميع أهل العرصات، وحلة
لا تقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها،
ثم ينادي مناد: يا عباد الله هذا عالم من
تلامذة بعض علماء آل محمد، ألا فمن أخرجه
في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره
ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزهة
الجنان فيخرج كل من كان علَّمه في الدنيا
خيراً ، أو فَتَحَ عن قلبه من الجهل قفلاً
، أو أوضح له عن شبهة) ( الاحتجاج للطبرسي:1/7
)


من كان عالماً بشريعتنا هذا قول أمير
المؤمنين(ع) فالشرط هو العلم بالشريعة،
وكلمات الأئمة(ع)تحتاج الى دقة عالية
لفهمها، فقد استعمل الإمام هنا لفظ
(الشريعة) وهي ولفظ (المشرعة) من جذر واحد !
وعند التأمل فيهما نفهم معنى: من كان
عالماً بشريعتنا، فمثل هذا الشخص يستطيع
أن يخرج ضعفاء شيعة آل محمد(ص)من ظلمة
جهلهم ، الى نور العلم الذي تعلمه من أهل
بيت النبوة(ع)


معنى هذه الجملة أنكم عندما تجلسون على
منبر الخطابة والتبليغ ، فلا تطعموا الناس
المساكين ما يلوكه زيد وعمرو، وما يتجشأه
هذا وذاك ! وليكن ما تقدمونه لهم علماً
ينبع من عين معين القرآن المبين والعترة
الطاهرة ، فبهذا الزلال فقط تحيون قلوب
الناس


من كان عالماً بشريعتنا ثم أخرج الناس من
جهالتهم الى نور علمنا، فما هو جزاؤه ؟ ما
جزاء تبليغكم في عاشوراء وغيرها ، إن
أتقنتموه ؟


إن إتقانه بثلاثة أمور:


أن تعلموهم خيراً


وأن تكسروا قفل الجهل عن ضعفاء شيعة آل
محمد (ص)


وأن تدفعوا شبهات أهل الريب التي يلقونها
في قلوب الشيعة


ولا بد أن تؤدوا هذه الأمور الثلاثة
مستضيئين بنور علمهم(ع) وعند ذلك يكون
جزاؤكم عندما تبعثون للمحشر أن يضع الله
تعالى على رأس الواحد منكم تاجاً: من نور،
يضئ لجميع أهل العرصات ! والجزاء أيضاً:حلة
لا تقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها !
هذا واجبكم في عاشوراء


والمطلب الثاني: أن تُفهموا الناس ما هي
عاشوراء؟ ومن هو صاحب عاشوراء؟ ونقصد بذلك
قدر استطاعتنا من الفهم ، وإلا فلا يمكن أن
ندعي أننا نفهم عاشوراء وصاحب عاشوراء
صلوات الله عليه ، لا أنا ولا أنتم ولا
ملايين من أمثال الشيخ الأنصاري،
والطوسي، والعلامة ، أعلى الله مقامهم


إنها قضية بلغت من أهميتها وعظمتها أن
الإنسان مهما زاد تبحره في المعقول
والمنقول ، لم يرجع من الغور فيها إلا
بالإكبار والحيرة والذهول !


وأكتفي بعدة كلمات من مصادر الخاصة
والعامة المتقنة ، لتعرفوا أن قضية الإمام
الحسين(ع)فوق الوصف والتقرير! بل إن ذلك
الغلام الأسود الذي استشهد معه ، فوق
وصفنا وبياننا! لأنه بلغ مقاماً أن سيد
المرسلين وخاتم النبيين يحضر من عالمه
الأعلى بنفسه فيحفر له قبره ويدفنه !


نعم ، خاتم النبيين(ص)الشخص الأول في
عوالم المخلوقات ، لكنه هو الذي يتولى حفر
قبر أصحاب الحسين سلام الله عليه ، ورضوان
الله عليهم !!


إنها عظمة قضية كربلاء ، وعظمة
الحسين(ع)وأصحابه!


فلنفكر في هذا الأمر ، وفيما يستلزمه !


والأمر الثاني أن الإمام
الحسين(ع)وأصحابه وصلوا الى مرتبة بحيث أن
جبرئيل قال للنبي(ص)إن الله تعالى بنفسه
يقبض أرواحهم!


فما هذا المقام؟! الذي بلغ أن الله يقبض
أرواحهم وليس عزرائيل(ع)!


والنبي(ص)يحفر لهم ويدفنهم !


هذا عن أصحاب الحسين ، أما عن مقام الحسين
نفسه(ع)فإني أورد لكم رواية من مصادر
العامة صححها كبارهم ، تدل على أن قضية
الحسين أعظم من كل ما ذكرناه ! فقد رواها
إمام الحنابلة في مسنده ، والحاكم
النيشابوري في مستدركه ، وآخرون من أئمة
السنة ، كالخطيب ، وابن كثير ، وابن الأثير
، وابن حجر وغرضي هنا فقه المطلب وإلا
فالأحاديث والآثار كثيرة ، لكن المهم
إدراك دقائق المعاني وفقه الحديث


(قال ابن عباس: رأيت رسول الله في المنام
نصف النهار أشعث أغبر ، معه قارورة فيها دم
، فقلت بأبي وأمى يارسول الله ما هذا ؟ قال:
هذا دم الحسين وأصحابه لم أزل التقطه منذ
اليوم ! قال عمار: فأحصينا ذلك اليوم
فوجدناه قد قتل فيه)


وقال ابن الأثير في تاريخه (ج1ص582 طبعة
إحياء التراث- بيروت ):(قال ابن عباس: رأيت
النبي الليلة التي قتل فيها الحسين، وبيده
قارورة يجمع فيها دماً فقلت: يارسول الله
ما هذا ؟ فقال: هذه دماء الحسين وأصحابه
أرفعها الى الله تعالى) ! انتهى (1)


أرجو أن تنتبهوا ، فإن أحاديث النبي
والأئمة(ص)فيها دقائق ، فقد وردت
عبارة:(كنت ألتقطه) في رواياتهم التي
صححوها وهي تعبير فيه رمز عجيب! لأن مادة
التقط تستعمل في اللغة لالتقاط الضائع ،
وجمع المتفرق المنثور من سلكه ومجمعه ،
فماذا يعني دم الحسين وأصحابه؟ ولماذا
يجمع النبي(ص)دم الحسين(ع)، وكيف يمكن جمعه
؟ ولماذا عبر عن جمعه بالإلتقاط ، ولماذا
قام هو بالإلتقاط ؟ والى أين يريد أن يأخذ
دمهم الطاهر المسفوك ؟


الجواب عن هذا السؤال الأخير بكلمة عجيبة
، نقلها هذا العالم السني الكبير والمؤرخ
ابن الأثير ونقلها غيره أيضاً ، لكن لا
أظنهم فقهوا معناها قال:


(قال النبي(ص): أرفعها إلى الله تعالى)!
يعني أن هذه الدماء لاتذهب الى الجنة ولا
الى اللوح ولا الى القلم ، فمكانها أرفع من
ذلك! دم الحسين ، ومعه دم العباس قمر بني
هاشم ، ودم علي الأكبر ، ودم القاسم بن
الحسن ، وبقية الأنصار ، لا بد أن يسلمها
النبي(ص)بيده الى حيث تصل الى خالقها عز
وجل الذي هو مبدأ الوجود والخلق ! فما معنى
ذلك ، وما هو فقهه ؟


خلاصة معناه أن النبي(ص)يقول لنا: أيها
البشر، إن الشجرة التي غرستها ببعثتي
اليكم ، قد أزهرت وأثمرت ، وها أنا أجمع
زهورها وثمارها لأسلمها الى الله تعالى !


هذه هي عاشوراء ، فلا تصغروا قدر هذه
الواقعة الكبرى إتقوا الله تعالى ومحارمه
وشعائره ، واحذروا العقاب إن صغرتم شأنها !


إن قضية الحسين وعاشوراء قضية عظيمة ، الى
حد أن أبي بن كعب كان عند النبي(ص)عندما دخل
عليه الحسين، فرحب به النبي(ص)وقال له:
مرحباً بك يا أبا عبد الله يا زين السموات
والأرضين ! فتعجب أبيٌّ من احترام النبي
لهذا الطفل وتكنيته له ، ووصفه له بأنه زين
السماوات كلها وزين الأرضين كلها! فقال
للنبي(ص): وكيف يكون يا رسول الله زين
السموات والأرضين أحد غيرك؟


قال: يا أبيُّ ، والذي بعثنى بالحق نبياً ،
إن الحسين بن علي في السماءأكبر منه في
الأرض،وإنه لمكتوب عن يمين عرش الله عز
وجل: مصباح هدى وسفينه نجاة (2)


فالمسألة فوق صفته بأنه زين السماوات
والأرض ، فقد كتبت على يمين العرش صفته
أنه: مصباح هدى وسفينه نجاة ! فلماذا كتب في
العرش أن الحسين سفينة نجاة؟ وما هي فلسفة
ذلك؟ لابد أن نجد سر القضية وأساسها، ومع
أن التاريخ قد عمل على تغطية هذا السر
وإخفائه ، لكن مضي العصور يكشف الكثير من
مخبآت التاريخ ، فقد وصل أمر انكشاف بني
أمية الى حد أن عالماً شيخ الأزهر مثل محمد
عبده ، يعلن رسمياً ويكتب أن دولة بني أمية
قامت من أجل محو الإسلام كلياً ! ومعناه أن
أمثال محمد عبده فهموا أن أصل خطة بني أمية
كانت من أجل هذا ! لكن من المبكر أن يصل
أمثال محمد عبده الى كنه القضية ، فهل
يمكنكم أنتم أن تصلوا ؟!


إن هداية البشرية ، أو صرح هدايتها له علة
محدثة وعلة مبقية ، كبناء هذا المسجد له
علة محدثة وعلة مبقية والعلة المحدثة
لهداية البشر هي بعثة الأنبياء صلوات الله
عليهم ، من نبي الله آدم الى النبي
الخاتم(ص)


والعلة المبقية إنما هي الولاية الكبرى،
ولاية الأئمة من العترة الطاهرة(ع)
فالحسين(ع)علة مبقية ولهذا كان زين
السماوات والأرضين ! فالنبوة والإمامة
معاً به باقيتان !


نعم، نفهم ذلك عندما نتأمل في أن جماعة
عملوا بمساندة اليهود والنصارى فتركوا
جنازة النبي(ص)مسجاة بيد أهل بيته ،
وائتمروا بسرِّية وعجلة وأعلنوا تشكيل
حكومة بإسم النبي والإسلام ، وعزلوا أهل
بيته !


ثم سرعان ما ظهر هدف ترتيباتهم السياسية
فأوصلت قيادة الأمة الإسلامية الى يد
عثمان بن عفان الأموي ، ثم الى معاوية
ويزيد ، اللذين عملا بكل قدرتهما لتحقيق
فكرة أبي سفيان بضرورة زوال اسم النبي(ص)عن
المآذن !


لقدظهر أن هدف السقيفة أن يجلس على كرسي
النبي(ص)شخص مثل يزيد الذي شهد أئمتهم أنه
كان لا يصلي، ويشرب الخمر وينكح البنات
والأخوات والأمهات ، فيرسل جيشاً الى
المدينة بقيادة شخص مثله ، ويأمره أن
يرتكب فيها مجزرة، فيقتل ثلاثة آلاف من
أهلها وفيهم بقية الصحابة، ويبيحها لجيشه
للنهب والعدوان ثلاثة أيام، وتدخل خيولهم
مسجد النبي(ص) ويرتكب جنوده القتل والسرقة
والزنا قرب قبر النبي(ص)! (3)


كانت هذه الأعمال مدروسة بجدية، من أجل
محو الإسلام! يعني محو ذكر كل الأنبياء(ع)،
ثم محو كل جهود أمير المؤمنين(ع)لإحياء
الإسلام وإعادة العهد النبوي !


إن الحسين(ع)أحيا الدين كله من آدم الى
النبي الخاتم(ص)وأحيا علياً(ع) الى آخر
الدهر ! فهذه هي نتائج عمله صلوات الله
عليه !


في كامل الزيارات ص222: (حدثني محمد بن عبد
الله الحميري، عن أبيه، عن هارون بن مسلم ،
عن عبد الرحمن بن الأشعث ، عن عبد الله بن
حماد الأنصاري ، عن ابن سنان ، عن أبي عبد
الله(ع)قال سمعته يقول: قبر الحسين بن علي
عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً مكسراً،
روضة من رياض الجنة، وفيه معراج الملائكة
الى السماء، وليس من ملك مقرب ولانبي مرسل
إلا وهو يسأل الله أن يزوره ، ففوج يهبط
وفوج يصعد) !


وما ذلك إلا لأنه أحيا دين كل الأنبياء(ع)


والمسألة فوق هذا أيضاً ونقول ذلك لكي
تعرفوا واجبكم في إقامة عزاء
الحسين(ع)وتعظيم مقامه، فكل ما نقوم به من
ذلك ليس إلا يسيراً، فالواجب الشرعي أن
تحفظ الشعائر الحسينية بكل قوة وحسم ، وأن
تكون في كل سنة أفضل من التي قبلها ! نعم ،
المسألة بهذا المستوى لماذا ؟


لأن أساس عاشوراء إذا صار واهناً توجه
الخطر الى الدين كله ، فإن بقاء الدين
بعاشوراء ، وبقاء توحيد الله تعالى مرتبط
بيوم عاشوراء ! إقرؤوا هذا التعبير
وافهموا معنى: وبذل فيك مهجته! فقد
بذل(ع)روحه من أجل بقاء توحيد الله تعالى ،
فإحياء ذكراه وتعظيمها ، تعظيم للتوحيد


روى في كامل الزيارات ص278، بسند قوي عن
الإمام الصادق(ع)(حدثني أبي&وعلي بن الحسين
وجماعة مشايخي رحمهم الله،عن سعد بن عبد
الله، عن أحمد بن محمد ومحمد بن الحسين، عن
محمد بن اسماعيل بن بزيع ، عن صالح بن عقبة
، عن زيد الشحام قال: قلت لأبي عبد الله(ع):
ما لمن زار قبر الحسين؟ قال: كان كمن زار
الله في عرشه قال قلت: ما لمن زار أحداً
منكم؟ قال: كمن زار رسول الله(ص)) !!


يا أبا عبد الله الحسين ، صلوات الله عليك


ماذا فعلت حتى صار ثواب زيارتك كمن زار
الله في عرشه ؟!


بينما ثواب الذي يزور أمير المؤمنين(ع)كمن
زار رسول الله(ص)؟!


ماذا فعلت فجعلت من كربلاء عرش الله ،
وزيارتك فيها زيارة الله ؟!


ماذا فعل أبو عبد الله حتى روى ابن طاووس
أن أخته زينب عندما هرعت الى مقتله وأقبل
الشمر ليحز رأسه ، قال لأخته: إرجعي الى
الخيمة، فأطاعته ورجعت ، وسمعت وهي راجعة
ضحكة أبي عبدالله الحسين(ع) !


هذا هو العمل الذي عمله أبو عبد الله
الحسين: بذل فيك مهجته !


روحي لك الفداء يا من أعطيت روحك وأنت
مبتسم ، وهويت الى الأرض وأنت تقول: بسم
الله وبالله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملة
رسول الله


السلام عليك يا أبا عبد الله ، وعلى
الأرواح التي حلت بفنائك


( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ
الْمُطْمَئِنَّةُ إرْجِعِي إِلَى
رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً )


التعليقات


(1) في أمالي الطوسي ص315 ، عن ابن عباس: (فلما
كانت الليلة رأيت رسول الله في منامي أغبر
أشعث ، فذكرت له ذلك وسألته عن شأنه ؟ فقال
لي: ألم تعلم أني فرغت من دفن الحسين
وأصحابه ) انتهى


ولا يصح للمخالف الإشكال علينا كيف يقبض
الله تعالى روح الحسين(ع)وأصحابه بيده
بدون توسيط عزرائيل ، لأن شبيه هذا
التكريم ورد عندهم لمن يقرأ سورة يس ففي
كنز العمال:1/569 ، عن أبي أمامة: من قرأ آية
الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة كان الرب الذي
يتولى قبض روحه بيده ، وكان بمنزله من قاتل
عن أنبياء الله ورسله حتى يستشهد - ابن
السني ، والديلمي )


والرواية التي أوردها الأستاذ في تاريخ
ابن الأثير:1/582 ، وفي طبعة أخرى:3/38 ، وفي
تاريخ دمشق لابن عساكر:14/237 ، ورواها ابن
كثير في البداية والنهاية:8/218 ، والصالحي
في سبل الهدى والرشاد:11/75 ، وابن الدمشقي
في المناقب:2/298، والغزالي في الإحياء:4/507،
وكلها فيها: أرفعه الى الله عز وجل، وفي
بعض مصادرهم: أرفعه الى السماء ولكن أكثر
مصادرهم روتها الى قوله(ص): هذا دم الحسين
وأصحابه لم أزل التقطه منذ اليوم ، ولم ترو
بعدها: أرفعها إلى الله عز وجل وفي مسند عبد
بن حميد ص235: لم أزل ألتقطهم قد منذ اليوم


ومن أبرز الذين رووا ها الحديث أيضاً أحمد
بن حنبل في مسنده:1/242 وص283 ، وقال عنه في
مجمع الزوائد:9/193: رواه أحمد والطبراني
ورجال أحمد رجال الصحيح ورواية الطبراني
في المعجم الكبير:3 /110 و:12/143


ورواه ابن كثير في النهاية:6/258 ، وقال عنه
في:8 /218:تفرد به أحمد وإسناده قوي


وكذلك رواه أحمد في فضائل الصحابة:2/778 ،
وص781 ، وفي 784


ومن أبرزهم الحاكم في المستدرك:4/398 ، وفيه:
فوجدوه قتل قبل ذلك بيوم وقال: هذا حديث
صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وقال
المقريزي في إمتاع الأسماع:/1 /241: (قال
الحاكم والذهبي: هذا حديث صحيح على شرط
مسلم )


وكذلك رواه الخطيب في تاريخ بغداد:1/152،
وابن عساكر في تاريخ دمشق:14/237 ، و:14/237،
وابن الأثير في أسد الغابة:2/22، وابن حجر في
الإصابة:2/71، وابن كثير في النهاية: 6/258،
و:8/218 ، والمناوي فيض القدير:1/265 ، وابن
العديم في تاريخ حلب: 6/2634 ، والخطيب
التبريزي في مشكاة المصابيح ص572 والذهبي
في سيره:3/315 ، وقال في هامشه: أخرجه أحمد:1/283
، والطبراني:28/22، وسنده قوي كما قال الحافظ
ابن كثير في البداية:8 /200 وهو في تهذيب ابن
عساكر:4/343 ونقله ابن نما الحلي في مثير
الأحزان ص62 عن تاريخ البلاذري وفي نظم درر
السمطين للزرندي الحنفي ص218: (دم الحسين
وأصحابه، ولم أزل أتتبعه منذ اليوم !
فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك اليوم ، رواه
الإمام أحمد وفي رواية قال: دم الحسين
أرفعه الى السماء


ورواه السيوطي في تاريخ الخلفاء ص208، عن
البيهقي في الدلائل، وقال قبله: وأخرج
الترمذي عن سلمى قالت دخلت على أم سلمة وهي
تبكي فقلت ما يبكيك؟ قالت رأيت رسول
الله(ص)في المنام وعلى رأسه ولحيته التراب
! فقلت: مالك يارسول الله؟ قال: شهدت قتل
الحسين آنفاً !) انتهى


وقال الأميني&في سيرتنا وسنتنا ص148: ( قال
السيد الشيخاني في الصراط السوي بعد
روايته حديث أحمد المذكور: وفي رواية
لأحمد: أن ابن العباس كان في قائلة فانتبه
وهو يسترجع ففزع أهله ، فقالوا: ما شأنك ما
لك؟ قال: رأيت النبي(ص)وهو يتناول من الأرض
شيئاً فقلت: بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا
الذي تصنع ؟ قال: دم الحسين أرفعه الى
السماء ) انتهى


وهذا يوجب الشك في إسقاطهم العبارة من
نسخة أحمد المطبوعة !


وفي مناقب آل أبي طالب:3/236: (وفي أثر ابن
عباس: رأى النبي(ص)في منامه بعد قتل الحسين
وهو مغبر الوجه حافي القدمين باكي العينين
، وقد ضم حجزة قميصه إلى نفسه، وهو يقرأ هذه
الآية: وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً
عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا
يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ
الأَبْصَارُ وقال: إني مضيت إلى كربلاء
والتقطت دم الحسين من الأرض وهو ذا في حجري
، وأنا ماض أخاصمهم بين يدي ربي)


(2) في عيون أخبارالرضا(ع):2/62، قال: (حدثنا
أبو الحسن على بن ثابت الدواليبي رضي الله
عنه بمدينة السلام ، سنه اثنتين وخمسين
وثلاث مأة قال: حدثنا محمد بن علي بن عبد
الصمد الكوفي قال: حدثنا علي بن عاصم ، عن
محمد بن علي بن موسى ، عن أبيه علي بن موسى
، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن
محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن
الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي أبي
طالب(ع)قال: دخلت على رسول الله(ص)وعنده أبي
بن كعب فقال لي رسول الله: مرحباً بك
ياأباعبدالله يا زين السموات والأرضين
قال له أبيُّ: وكيف يكون يا رسول الله زين
السموات والأرضين أحد غيرك؟ قال: يا أبيُّ
والذي بعثني بالحق نبياً، إن الحسين بن
علي في السماء أكبر منه في الأرض ، وإنه
لمكتوب عن يمين عرش الله عز وجل: مصباح هدى
وسفينه نجاة ، وإمام خير ويمن ، وعز وفخر ،
وعلم وذخر ، وإن الله عز وجل ركب في صلبه
نطفة طيبة مباركة زكية، ولقد لقن دعوات ما
يدعو بهن مخلوق إلا حشره الله عز وجل معه،
وكان شفيعه في آخرته، وفرج الله كربه،
وقضى بها دينه، ويسر أمره، وأوضح سبيله،
وقواه على عدوه ، ولم يهتك ستره فقال له
أبي بن كعب: وما هذه الدعوات يا رسول الله ؟


قال: تقول إذا فرغت من صلاتك وأنت قاعد:
اللهم إني أسألك بكلماتك ومعاقد عرشك ،
وسكان سمواتك وأنبيائك ورسلك أن تستجيب لي
، فقد رهقني من أمري عسراً ، فأسألك أن تصلي
على محمد وآل محمد ، وأن تجعل لي من أمري
يسراً فإن الله عز وجل يسهل أمرك ويشرح
صدرك ويلقنك شهادة أن لا إله إلا الله عند
خروج نفسك قال له أبيّ: يا رسول الله فما
هذه النطفة التي في صلب حبيبي الحسين ؟قال:
مثل هذه النطفة كمثل القمر، وهي نطفه تبيين
وبيان ، يكون من اتبعه رشيداً ومن ضل عنه
هوياً ) انتهى


(3) وفي الموفقيات للزبير بن بكار ص575: ( عن
المطرف بن المغيرة بن شعبة قال: دخلت مع
أبي على معاوية ، فكان أبي يأتيه فيتحدث
معه ، ثم ينصرف الي فيذكر معاوية وعقله،
ويعجب بما يرى منه ، إذ جاء ذات ليلة فأمسك
عن العشاء ، ورأيته مغتماً فانتظرته ساعة
، وظننت أنه لأمر حدث فينا ، فقلت: مالي
أراك مغتماً منذ الليلة ؟ فقال: يا بني ،
جئت من أكفر الناس وأخبثهم قلت: وما ذاك؟!
قال: قلت له وقد خلوت به: إنك قد بلغت سناً
يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلاً وبسطت
خيراً فإنك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من
بني هاشم، فوصلت أرحامهم ، فوالله ما عندهم
اليوم شئ تخافه ، وإن ذلك مما يبقى لك ذكره
وثوابه ؟


فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه؟!
ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل ، فما عدا أن
هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل: أبو بكر
ثم ملك أخو عدي ، فاجتهد وشمر عشر سنين ،
فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره ، إلا أن يقول
قائل: عمر وإن أخا هاشم ليصاح به كل يوم خمس
مرات: أشهد أن محمداً رسول الله !! فأي عمل
يبقى؟ وأي ذكر يدوم بعد هذا ، لا أباً لك ؟
لاوالله إلا دفناً دفناً !) انتهى ورواه
المسعودي في مروج الذهب:3 /454 ، وفي شرح
النهج:5/130


وفي طبقات ابن سعد:5/66: (أخبرنا محمد بن عمر
قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن
عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي ربيعة
المخزومي، عن أبيه قال: وأخبرنا بن أبي ذئب
عن صالح بن أبي حسان قال: وحدثنا سعيد بن
محمد عن عمرو بن يحيى عن عباد بن تميم ، عن
عمه عبد الله بن زيد ، وعن غيرهم أيضاً ، كل
قد حدثني قالوا: لما وثب أهل المدينة ليالي
الحرة فأخرجوا بني أمية عن المدينة ،
وأظهروا عيب يزيد بن معاوية وخلافه ،
أجمعوا على عبد الله بن حنظلة فأسندوا
أمرهم إليه فبايعهم على الموت وقال: يا قوم
اتقوا الله وحده لا شريك له ، فوالله ما
خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة
من السماء! إن رجلاً ينكح الأمهات والبنات
والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة ،
والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت
لله فيه بلاء حسناً ، فتواثب الناس يومئذ
يبايعون من كل النواحي ، وما كان لعبد الله
بن حنظلة تلك الليالي مبيت إلا المسجدالخ !!


وفي هامش سيرأعلام النبلاء:4/228، عن ابن
حزم في كتابه جوامع السيرة ص357 ما نصه:
(أغزى يزيد الجيوش إلى المدينة حرم رسول
الله صلى الله عليه وسلم وإلى مكة حرم الله
تعالى ، فقتل بقايا المهاجرين والأنصار
يوم الحرة ، وهي أيضاً أكبر مصائب الإسلام
وخرومه ، لأن أفاضل المسلمين وبقية
الصحابة ، وخيار المسلمين من جلة التابعين
قتلوا جهراً ظلماً في الحرب وصبراً ، وجالت
الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وراثت وبالت في الروضة بين القبر
والمنبر !! ولم تصلَّ جماعة في مسجد النبي
صلى الله عليه وسلم ، ولا كان فيه أحد ،
حاشا سعيد بن المسيب فإنه لم يفارق المسجد
، ولولا شهادة عمرو بن عثمان بن عفان ،
ومروان بن الحكم عند مجرم بن عقبة المري
بأنه مجنون لقتله ! وأكره الناس على أن
يبايعوا يزيد بن معاوية على أنهم عبيد له ،
إن شاء باع ، وإن شاء أعتق ! وذكر له بعضهم
البيعة على حكم القرآن وسنة رسول الله صلى
الله عليه وسلم فأمر بقتله ، فضرب عنقه
صبراً ! وهتك مسرف أو مجرم الاسلام هتكاً ،
وأنهب المدينة ثلاثاً، واستخف بأصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدت
الأيدي إليهم وانتهبت دورهم !


وانتقل هؤلاء إلى مكة شرفها الله تعالى،
فحوصرت ورمي البيت بحجارة المنجنيق ، تولى
ذلك الحصين بن نمير السكوني في جيوش أهل
الشام ، وذلك لأن مجرم بن عقبة المري مات
بعد وقعة الحرة بثلاث ليال ، وولي مكانه
الحصين بن نمير !


وأخذ الله تعالى يزيد أخذ عزيز مقتدر ،
فمات بعد الحرة بأقل من ثلاثة أشهر وأزيد
من شهرين، وانصرفت الجيوش عن مكة)اه‍
انظر:معجم البلدان:2ص249والطبري، والكامل،
والبداية ، وتاريخ الاسلام ، في أحداث سنة
63 وجوامع السيرة لابن حزم 357 - 358


وفي لسان الميزان:6/294: ( ثم إن أهل المدينة
خلعوا يزيد في سنة ثلاث وستين ، فجهز إليهم
مسلم بن عقبة المري في جيش حافل فقاتلهم
فهزمهم ، وقتل منهم خلقاً كثيراً من
الصحابة وأبنائهم ، وسبى أكابر التابعين
وفضلاؤهم ، واستباحها ثلاثة أيام نهباً
وقتلاً ، ثم بايع من بقي على أنهم عبيد
ليزيد ، ومن امتنع قتل !!


ثم توجه إلى مكة لحرب ابن الزبير فمات في
الطريق، وعهد إلى الحصين بن نمير فسار
بالجيش إلى مكة فحاصر ابن الزبير ونصبوا
المنجنيق على الكعبة ، فوهت أركانها ثم
احترقت ، وفي أثناء ذلك ورد الخبر بموت
يزيد ) ونحوه في الإصابة:6ص232


وفي نهاية ابن كثير:8/239-241: ( قالوا: وقد بلغ
يزيد أن ابن الزبير يقول في خطبته: يزيد
القرود ، شارب الخمور، تارك الصلوات ،
منعكف على القينات


ثم أباح مسلم بن عقبة ، الذي يقول فيه
السلف مسرف بن عقبة - قبحه الله من شيخ سوء
ما أجهله - المدينة ثلاث أيام كما أمره
يزيد لا جزاه الله خيراً ، وقتل خلقاً من
أشرافها وقرائها وانتهب أموالاً كثيرة
منها ، ووقع شر عظيم وفساد عريض على ما
ذكره غير واحد فكان ممن قتل بين يديه صبراً
معقل بن سنان ، وقد كان صديقه قبل ذلك ،
ولكن أسمعه في يزيد كلاماً غليظاً فنقم
عليه بسببه ) !


وقال الحافظ ابن عقيل في النصائح الكافية
لمن يتولى معاوية ص62:


(نقل أبو جعفر الطبري في تاريخه ، وابن
الأثير في الكامل ، والبيهقي في المحاسن
والمساوي، وغيرهم أن معاوية قال: ليزيد إن
لك من أهل المدينة ليوماً، فإن فعلوا
فارمهم بمسلم بن عقبة(هو الذي سمي مسرفاً
ومجرماً) فإنه رجل قد عرفت نصيحته اهـ


عرف معاوية أن مسلماً لا دين له ، فأمر
يزيد أن يرمي به أهل المدينة ، وقد فعل
يزيد ما أمره به أبوه ، وفعل مسلم بأهل
المدينة ما أريد منه ، حيث قال له يزيد: يا
مسلم لا تردن أهل الشام عن شئ يريدون
بعدوهم، فسار بجيوشه من أهل الشام فأخاف
المدينة واستباحها ثلاثة أيام بكل قبيح ،
وافتضت فيها نحو ثلثمائة بكر، وولدت فيها
أكثر من ألف امرأة من غير زوج ، وسماها
نتنة وقد سماها رسول الله(ص)طيبة ، وقتل
فيها من قريش والأنصار والصحابة وأبنائهم
نحو من ألف وسبعمائة وقتل أكثر من أربعة
آلاف من سائر الناس ، وبايع المسلمين على
أنهم عبيد ليزيد ! ومن أبى ذلك أمَرَّهُ
مسلم على السيف ! إلى غبر ذلك من المنكرات !


قال المحدث الفقيه ابن قتيبة&في كتاب
الإمامة والسياسة ، والبيهقي في المحاسن
والمساوي ، واللفظ للأول قال: أبو معشر دخل
رجل من أهل الشام على امرأة نفساء من نساء
الأنصار ومعها صبي لها ، فقال لها: هل من
مال؟ قالت: لا والله ما تركوا لي شيئاً ،
فقال: والله لتخرجن إلَّي شيئاً أو
لأقتلنك وصبيك هذا ! فقالت له: ويحك إنه ولد
أبي كبشة الأنصاري صاحب رسول الله(ص)، ولقد
بايعت رسول الله يوم بيعة الشجرة على أن لا
أسرق ولا أزني ، ولا أقتل ولدي ، ولا آتي
ببهتان أفتريه، فما أتيت شيئاً ، فاتق
الله ! ثم قالت له: يا بني والله لو كان عندي
شئ لافتديك به ! قال فأخذ برجل الصبي والثدي
في فمه فجذبه من حجرها فضرب به الحائط
فانتشر دماغه في الأرض ! قال فلم يخرج من
البيت حتى اسود نصف وجهه وصار مثل


وأمثال هذه من أهل الشام ومن مسلم نفسه
كثيرة ، فمسلم في هذا كله منفذ لأمر يزيد،
ويزيد منفذ لأمر معاوية! فكل هذه الدماء
وكل هذه المنكرات الموبقات ودم الحسين(ع)
ومن معه في عنق معاوية أولاً ، ثم في عنق
يزيد ثانياً ، ثم في عنق مسلم وابن زياد
ثالثاً ، أفبعد هذا يتصور أن يقال لعله تاب
ورجع ؟! كلا والله ، ولقد صدق من قال: أبقى
لنا معاوية في كل عصر فئة باغية ، فهاهم
أشياعه وأنصاره إلى يومنا هذا يقلبون
الحقائق ويلبسون الحق بالباطل ! (وَمَنْ
يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ
لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً)


أخرج مسلم في صحيحه: (من أخاف أهل المدينة
ظلماً أخافه الله ، وعليه لعنة الله
والملائكة والناس أجمعين) انتهى


(23)حسين مني وأنا من حسين


( بتاريخ: 24ذي الحجة 1416 ـ 13/5/1996 ـ 24/2/75 )


الموضوع الذي يجب التذكير به اليوم ، هو
أن الله تعالى يسر لكم بمناسبة أيام
عاشوراء خدمةً عظيمة لدينه ، وتجارةً لن
تبور


يجب أن يعرف العلماء والفضلاء الذين في
هذا المجلس ، قدر منصبهم الديني الذي
وفقهم الله اليه وأحاديث أهل البيت(ع)هي
عبارات للعوام ، وإشارات للعلماء ، كما هو
دأب القرآن


ومن الأمور المهمة في الدين كفالة
الأيتام ، ويكفينا لبيان أهميتها قول
النبي(ص)في الحديث الذي روته مصادر
السنيين: أنا وكافل اليتيم كهاتين هذا
بالنسبة الى عموم الأيتام ، ولكن الحديث
فيه إشارة فسرها الأئمة(ع)بأبي طالب رضوان
الله عليه ، الذي كفل أعظم يتميم على وجه
الأرض ، وآمن به أحسن إيمان ، وحماه ورعاه
أحسن رعاية ، رضوان الله عليه


وفيه إشارة فسرها الإمام العسكري(ع)بحديث
عن آبائه عن جده رسول الله(ص)أنه قال: ( أشد
من يتم اليتيم الذي انقطع من أمه وأبيه ،
يتم يتيمٍ انقطع عن إمامه ولا يقدر على
الوصول إليه ، ولا يدري كيف حكمه فيما
يبتلي به من شرائع دينه ألا فمن كان من
شيعتنا عالماً بعلومنا فهدى الجاهل
بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا وهو يتيم في
حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا
، كان معنا في الرفيق الأعلى ) (1)


فقد وصف النبي(ص)يتم من انقطع عن الوصول
الى إمامه بأنه: أشد اليتم ، لأن اليتم
تارة يكون يتماً جسمانياً ، وتارة يتماً
روحانياً وهذا من باطن كلامه(ص) والآن في
هذا البلد يوجد أناس محرومون من تعلم
مسائل الدين الإبتدائية البسيطة، وهم
يجهلون مسائل الحلال والحرام ، وعقائدهم
متزلزلة ، وقد تسلح ذئاب النواصب بكل
قواهم لصيدهم! ولا حاجة لبيان هذا الخطر


في مثل هذه الظروف يجب على كل من يستطيع أن
يقوم بحفظ أيتام آل محمد ويتكفلهم وبما
أننا في أيام عاشوراء ، أكتفي بهذا الحديث
عن أبي عبد الله الحسين(ع)قال: من كفل لنا
يتيماً قطعته عنا محنتنا باستتارنا ،
فواساه من علومنا التي سقطت إليه، حتى
أرشده وهداه وفي نسخة: قطعته عنا محبتنا،
ولكن الأظهر: قطعته عنا محنتنا باستتارنا،
فتنطبق الرواية على عصرنا ، عصر الإمتحان
بالغيبة والإستتار ، وبذلك يتضح واجبنا في
كفالة أيتام شيعة آل محمد في هذا العصر
والإمتحان


وقد بين الإمام(ع)في الجملة الثانية كيف
يتكفل أمثالكم اليتيم ، فقال: فواساه من
علومنا التي سقطت إليه، حتى أرشده وهداه ،
فبين لكم ماذا يجب أن تقدموه في خطابتكم من
الثمار المتساقطة عليكم من شجرة أهل البيت
الطيبة شجرة الوحي والنبوة


إن برنامجكم في التبليغ لا يحتاج الى شرح
وتوضيح ، فأنتم والحمد لله يكفيكم الإلفات
والتذكير، فاكفلوا اليتامى كما أمركم(ع)،
ولا تقرؤوا عليهم كلام زيد أو عمر، بل كلام
الله تعالىورسوله(ص)، إقرؤوا لهم ماقاله
جعفر بن محمد ومحمد بن علي صلوات الله
عليهما، من ثمار تلك الشجرة الطيبة التي:
أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي
السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ
حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا (سورة ابراهيم:
24-25) فاقطفوا الثمار من تلك الشجرة،
وأسقطوها على أولئك الأيتام !


هذه توجيهات الإمام الحسين(ع)ولا يتسع
الوقت لتفصيل فقه الحديث فإن فعلتم ذلك،
فإن أجر من تكفل أولئك الأيتام الفكريين
في زمن الغيبة وواساهم أن يقول الله له
الله عز وجل: أيها العبد الكريم المواسي
لأخيه أنا أولى بالكرم منك ، إجعلوا له يا
ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف
ألف قصر ، وضموا إليها ما يليق بها من سائر
النعيم


نعم هذا أجر الحرف الواحد للكافلين أيتام
آل محمد(ص)في غيبة إمامهم! وما أقل معرفتنا
بعالم الجزاء وحياة الخلود ؟!


يمكنكم في هذه الأيام القليلة أن تفوزوا
بتجارة رابحة، فالترغيب الكثير الذي
ترونه في القرآن والسنة لنشر العلم
والهداية ، إنما هو من أجل أن يقوم العلماء
بواجبهم في التعليم ، خاصة في مثل عصرنا ،
حتى لا يأتي بعض المخالفين والمتأثرين بهم
ويعملوا لتحريف تلك العقائد المقدسة
والأفكار النورانية ، التي بذل السلف
الصالح جهودهم وجهادهم لحراستها
والمحافظة عليها وإيصالها الى الأجيال،
من زمن أوتاد الأرض الأربعة من تلاميذ
الأئمة: محمد بن مسلم ، وبريد بن معاوية ،
وليث بن البختري المرادي ، وزرارة بن أعين
رضوان الله عليهم(2) ، وصولاً الى الذين
حفظوا عقائد التشيع الى عصرنا فأهم واجبكم
أن تحرسوا هذه العقائد لتبقى نقية سليمة
كما هي يجب أن تكون همتكم في أمرين: الأول:
حفظ العقائد، والثاني: تعليم مسائل الحلال
والحرام ويجب أن تعرفوا أنه لايمكن حفظ
الإسلام إلا بحفظ التشيع أصلاً لايوجد دين
في العالم إلا الإسلام، ولا يوجد إسلام
بالمعنى الصحيح إلا في مذهب التشيع ،
فالدين الصحيح والإسلام الصحيح منحصر في
مذهب أهل البيت(ع)


أنتم ترون أن الذين يكثرون الكلام عن
التوحيد ويدعون أنهم يحملون رايته دون
سواهم، هم عند المحاكمة البرهانية أتباع
أئمة في الشرك ، وبحكم البرهان رافعو راية
التشبيه والتجسيم !


إن العقيدة الإسلامية الحقة في الله
تعالى وتوحيده، وفي النبوات وفي المعاد
منحصرة في المذهب الجعفري فقط ! وهذا الحكم
ليس كلاماً خطابياً بل برهاني، فلن تجد
ثقافة عند فئة ولا مذهب إلا وهي متأثرة
بثقافات البشر وتحريفاتهم، إلا ما صدر من
هذا البيت النبوي المطهر !


روحي فداء للإمام الباقر الذي قال: كل ما
لم يخرج من هذا البيت فهو باطل! فهذه
الكلمة اليوم يثبتها البرهان (3)


وإذا أردتم أن تهدوا الناس فلا تنسوا أن
الحسين(ع)مصباح الهدى ، فما لم تجدوا
المصباح لايمكنكم هدايتهم !


إن الحسين مصباح الهدىكلمة رآها
النبي(ص)في معراجه الى السماء! لم ير هذه
الكلمة في السماء الأولى ولا الثانية ،
وصل الى اللوح ثم الى القلم ، وعَبَرَ
عنهما وعن الكرسي ، عَبَرَ عن سبعين ألف
قائمة للعرش ! وعندما وصل الى منتهى
المطالب والمقاصد رآها هناك! وإنه لمكتوب
عن يمين عرش الله عز وجل:مصباح هدى وسفينه
نجاة (4)


فعليكم أن تحافظوا على عظمة عزاء سيد
الشهداء(ع)ولاتسمحوا للضعفاء أو السفهاء
المتأثرين بالأفكار السنية ، أن ينقصوا من
عظمة العزاء الحسيني


في هذا اليوم لي كلمة مختصرة مع أعيان
علماء السنيين،فلا أهمية لعلمائهم
المقلدة ، لكن في كل قوم باحثون من أهل
الإستدلال العقلي لهم تضلع في العلوم
النقلية وكلامي فقط مع هؤلاء الذين لايقاس
الواحد منهم بملايين المقلدة توجد رواية
نصها: حسين مني، وأنا من حسين، أحب الله من
أحب حسينا في هذه الرواية جهتان للبحث: بحث
سندي ، ودلالي


أما البحث السندي فنتعرض له هنا ، مع أنه
ينبغي للمحققين منهم أن يلتفتوا الى أننا
لانحتاج الى أصالة السند في مثل هذا النص ،
بناء على مبنانا الذي نؤكد عليه ، من أن قوة
المتن قد تكون دليلاً على صحة السند ، وأنه
يستحيل أن يصدر هذا الكلام من غير
المعصوم(ع)


لقد روى الحديث من علمائهم وأئمة محدثيهم:
صاحب الإستيعاب ، وابن الأثير ، وأحمد بن
حنبل ، والترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم ،
والبخاري في الأدب المفرد، والطبراني،
وابن شيبة، وآخرون من أعيان علمائهم وهذا
نصه من الأدب المفرد للبخاري ص85: (364- حدثنا
عبدالله بن صالح قال: حدثنا معاوية بن صالح
، عن راشد بن سعد ، عن يعلى بن مرة أنه قال:
خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ،
ودعينا إلى طعام ، فإذا حسين يلعب في
الطريق ، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم
أمام القوم ، ثم بسط يديه فجعل الغلام يفر
ههنا وههنا، ويضاحكه النبي صلى الله عليه
وسلم حتى أخذه، فجعل إحدى يديه في ذقنه
والأخرى في رأسه، ثم اعتنقه، ثم قال النبي
صلى الله عليه وسلم: حسين مني وأنا من
حسين، أحب الله من أحب حسيناً، الحسين سبط
من الأسباط) انتهى (5)


وقد صححه عدد من علمائهم ، ومنهم الذهبي
كبير النقاد عندهم ، مع أنه حريص ما استطاع
على تضعيف أحاديث فضائل أهل البيت(ع)


أما فقه هذا الحديث فهو عميق ، لكنا نذكر
منه نقاطاً ، ويمكن لأهل البحث والتحقيق
أن يتوسعوا فيها ، وندعو مفكري السنة لأن
يهتموا بدرايته ، ولا يقتصروا على روايته
كما هو ديدنهم


حسين مني ماذا تعني؟ هذه الياء التي هي
ضمير متصل بِمِن ، ثم جاءت ضميراً منفصلاً
في أول الجملة الثانية:وأنا من حسين ، أي
ياء هي؟ وعن أي معنى تحكي؟ ينبغي أن ينتبه
من كان منهم متضلعاً في الإستدلالات
العقلية ، الى أن كلمة: مني، هنا لا تعني أن
الحسين يدي ، أوعيني ، أو رأسي ، أو جسدي
فالياء هنا وكذا: أنا ، تعني تمام وجود
النبي(ص)، من بدن وقوى ! فالحسين وجود انشعب
من حقيقة الحقائق !


فإن لم يكونوا من أهل التخصصات العقلية
العالية، فلا أقل أن يتفهموا النمط الثالث
للنفس الأرضية والسماوية عند ابن سينا،
هناك حيث يقال للإنسان: إرجع الى نفسك
وتأمل! فليقرؤوا التنبيه الأول في إشارات
ابن سينا في بحث النفس حتى آخره ليعرفوا
حقيقة العِلِّية للإنسانية، وأنها مبدأ
الإدراك والحركة ومبدأ كل فعل وانفعال في
تكوين شخصيته !


حسين مني معناها أنه منشعب ومتفرع من جوهر
النبوة السامي اللطيف، هذا الجوهر الذي هو
فوق البدن البشري للنبي(ص)ذي الحواس
المعروفة ، وفوق البدن المثالي
للنبي(ص)الذي له حواسه أيضاً أما حسين مني
فهو من جوهر مرتبته أعلى من هذا البدن
المادي ، وذاك البدن المثالي !


ما أسهل رواية الحديث، فقد رواه كبارهم
وصححوهرواه الحاكم النيشابوري وصححه هو
والذهبي، ورواه آخرون كالترمذي وابن ماجه
والبخاري ، لكن اقتحام العقبة إنما هو
بفقهه لابروايته فماذا فعلتم في فقهه؟!


لو فهمتم معنى حسين مني ، لتابعتم سيركم
فالحسين من النبي(ص)، والنبي من ماذا؟ والى
أين يرجع الضمير في(مِنِّي) ومن أين تفرع
النبي(ص)؟! هنا يخشع خواص المفكرين
ويقولون: انكسرت الأقلام ، وخرس البيان !


فالنبي(ص)متفرع من نور العظمة الإلهي!
والحقيقة المحمدية هي النقطة الأولى في
بدو قوس النزول في الوجود، وهي منتهى قوس
الصعود في الوجود ! وبه يتضح أن الحقيقة
الحسينية عين الحقيقة المحمدية !


وهنا يصل العالم المفكر السني من هذا
الحديث الشريف الى أصل النور وفروعه:
اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا
مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ
الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ
مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ
وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ
الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ
شئ عَلِيمٌ ( سورة النور:35 )


ومادام الأمر كذلك، فإن الجراحات التي
أصابت بدن الحسين يوم عاشوراء قد وقعت على
شخص رسول الله(ص)، وما يقع على النبي يقع
على نور عظمة الله تعالى ! إن المصيبة التي
أصيبها الإسلام بالحسين(ع)هي المصيبة التي
ثقلت في السماوات والأرض! المصيبة التي
تهدمت بها أركان الهدى ، وأثرت على كل
الوجود !


لو أن علماء المذاهب السنية تأملوا في
كلامنا بعين الإنصاف وتابعوا هذا الباب
الذي يفتحه لهم حديث: حسين مني وأنا من
حسين، لعظموا يوم عاشوراء، ولخرجوا فيه
حفاة حاسري الرؤوس دامعي العيون، وأوصوا
جميع المسلمين أن يقيموا مراسم العزاء
ليوم عاشوراء ، تفوق مراسم كل الحوادث
والمناسبات الأخرى !


أرجو أن يقرؤوا هذا الرواية ، ثم يقرؤوا
كلام ابن حجر العسقلاني ، وابن حجر
الهيتمي ، وجلال الدين السيوطي، وغيرهم من
علماء السنة ، حيث رووا كلهم ما حدث في يوم
عاشوراء قالوا: لما قتل الحسين بن علي رضي
الله عنهماكسفت الشمس كَسْفَةً بدت
الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي! أي
ظننا أنها القيامة ! (6)


فالمصيبة التي هزت الملأ الأعلى ، وأحدثت
فيه هذا الحزن والغضب، ماذا يجب أن تؤثر
فينا في هذا العالم ؟!


حسين مني هذه هي الجملة الأولى ، والجملة
الثانية:وأنا من حسين


ولا يتسع المقام لشرحها


أما الجملة الثالثة ، فهي عالم يموج
بالبلاغة النبوية والدقة: أحب الله من أحب
حسيناً والسر فيها أنها جملة خبرية،
وإنشائية تتضمن معنى الإخبار! ومعناها أن
الحسين محبوب الله تعالى الى حد أن محبته
محبة لله تعالى ! فما هذه العظمة، وما
السبب في حدوث هذا الإنقلاب حتى صار حب
الحسين حباً لله تعالى ؟!


ولي خطاب أيضاً معكم ، فخطابكم يختلف عن
خطاب السنيين


أقول لكم كلمتين لتفكروا فيهما:


الكلمة الأولى: أن الإمام
الصادق(ع)المعروف بأخلاقه وبشاشته ، كان
كما يروي صاحب كامل الزيارة عن أبي عمارة
المنشد: ما ذكر الحسين عند أبي عبد الله في
يوم قط فرئي أبو عبد الله متبسماً في ذلك
اليوم الى الليل ! وكان يقول: الحسين عبرة
كل مؤمن ! (7)


هذه هي قضية الحسين وهذا هو الإمام الصادق
صلوات الله عليهم


والكلمة الثانية: هل رأيتم كيف يكون
الفقيه؟! كان كبار العلماء إذا رأوا اتفاق
ثلاثة فقهاء على الفتوى في مسألة في الفقه
، أفتوا بها ثقة بعلمهم ودقتهم وتقواهم!
والثلاثة هم الشيخ الأنصاري، والميرزا
الشيرازي، والميرزا الشيرازي الثاني ،
قدس الله أرواحهم


وكان الميرزا محمد تقي الشيرازي أعلى
الله مقامه أعجوبة في الفكر ، من حيث دقة
النظر ، وأعجوبة في متانته وصلابته فهو
الذي وقف في وجه الإنكليز وأطلق ثورة
العراق ! شخص في مثل هذه الصفة ، كان يوم
عاشوراء حاسر الرأس حافياً ، في موكب
العزاء يلطم على صدره !


ما هذا العمل من رأس الشيعة ومرجعهم ؟ نعم
، كان رأس الشيعة ، وهو في عاشوراء، حاسر
الرأس حافي القدمين! وهذا علامة فقاهته
لأنه يرى أن الإمام الرضا(ع)يقول: إن يوم
الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذل
عزيزنا بأرض كرب وبلاء ، أورثتنا الكرب
والبلاء ، إلى يوم الانقضاء! (8)


إن يوم الحسين أقرح جفوننا إن أدق وألطف
عضو في البدن هو العين، فماذا بلغت مصيبة
الحسين حتى جرحت جفون الإمام الرضا(ع)؟!


إن الميرزا أعلى الله مقامه يفهم أن
المصيبة التي أقرحت جفون الإمام الرضا(ع)،
يجب أن يخرج لها حافيا حاسراً ، ويلطم على
صدره !


لقد كان& أكبر مما قلنا ، وكان عمله أكثر
مما ذكرن


وأختم حديثي كما افتتحته بجملة للإمام
الصادق(ع)رئيس المذهب ، فهو الذي ينبغي أن
يقول من هو الإمام الحسين(ع)، ومثله ينبغي
له أن يقول! ففي تعليماته للشيعة في زيارة
الإمام الحسين(ع)قال:إذا أتيت أبا عبدالله
فاغتسل على شاطئ الفرات، ثم البس ثيابك
الطاهرة، ثم امش حافياً، فإنك في حرم من
حرم الله وحرم رسوله ، وعليك بالتكبير
والتهليل والتسبيح والتحميد ، والتعظيم
لله عز وجل كثيراً ، والصلاة على محمد وأهل
بيته، حتى تصير إلى باب الحِير "الحائر"، ثم
تقول: السلام عليك يا حجة الله وابن حجته
الخ


وبما أن السائل سأله عن كيفية زيارته، فقد
علمه أنك عندما تصل الى قبره الشريف وتسلم
عليه بتلك التسليمات تقول: أشهد أنك حجة
الله وابن حجته، وأشهد أنك قتيل الله وابن
قتيله، وأشهد أنك ثائر الله وابن ثائره،
وأشهد أنك وتر الله الموتور في السماوات
والأرض، وأشهد أنك قد بلغت ونصحت ووفيت
وأوفيت، وجاهدت في سبيل الله،ومضيت للذي
كنت عليه شهيداً ومستشهداً وشاهداً
ومشهوداً ( الكافي:4/575 )


السلام عليك يا حجة الله أشهد أنك حجة
الله فبعد التسليم ، يأتي دور أداء
الشهادة لله تعالى ، شهادةٌ تشبه تشهدك
عندما تجثو في صلاتك بين يدي الله تعالى ،
فتشهد له بالوحدانية ولرسول بالرسالة ،
كذلك عندما تزور الإمام الحسين(ع)، فاشهد
لله عند قبره بأن الحسين حجته على خلقه !


وهناك شهادة أخرى عظيمة ، عليَّ قولها
وعليكم التفكير ، فقد علمنا الإمام الصادق
أن نشهد بها للحسين(ص)وهي: أشهد أنك نور
الله الذي لم يطفأ ولا يطفأ أبداً وأشهد
أنك وجه الله الذي لم يهلك ولا يهلك أبداً
(9)


التعليقات


(1) في الاحتجاج:1/5: (وأما الأخبار في فضل
العلماء فهي أكثر من أن تعد أو تحصى، لكنا
نذكر طرفاً منها فمن ذلك ما حدثني به السيد
العالم العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب
الحسيني المرعشي رضي الله عنه ، قال حدثني
الشيخ الصادق أبو عبد الله جعفر بن محمد بن
أحمد الدوريستي&عليه، قال حدثني أبي محمد
بن أحمد، قال حدثني الشيخ السعيد أبوجعفر
محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي&،
قال حدثني أبوالحسن محمد بن القاسم المفسر
الأسترآبادي، قال حدثني أبو يعقوب يوسف بن
محمد بن زياد، وأبو الحسن علي بن محمد بن
سيار، وكانا من الشيعة الإمامية، قالا:
حدثنا أبو محمد الحسن بن علي العسكري(ع)،
قال حدثني أبي عن آبائه(ع)عن رسول
الله(ص)أنه قال: أشد من يتم اليتيم الذي
انقطع من أمه وأبيه ، يتم يتيمٍ انقطع عن
إمامه ولا يقدر على الوصول إليه ، ولايدري
كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه، ألا
فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا فهذا
الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا
يتيم في حجره، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه
شريعتنا ، كان معنا في الرفيق الأعلى )


وفي الاحتجاج: 1/8: ( وبهذا الإسناد عن أبي
محمد الحسن بن علي العسكري قال: قال الحسين
بن علي(ع):من كفل لنا يتيماً قطعته عنا
محنتنا باستتارنا ، فواساه من علومنا التي
سقطت إليه ، حتى أرشده وهداه قال الله عز
وجل: أيها العبد الكريم المواسي لأخيه،
أنا أولى بالكرم منك ، إجعلوا له يا
ملائكتي في الجنان بعدد كل حرف علمه ألف
ألف قصر ، وضموا إليها ما يليق بها من سائر
النعيم


وبهذا الإسناد عنه(ع)قال قال محمد بن علي
الباقر(ع): العالم كمن معه شمعة تضئ للناس ،
فكل من أبصر بشمعته دعا بخير ، كذلك العالم
معه شمعة تزيل ظلمة الجهل والحيرة ، فكل من
أضاءت له فخرج بها من حيرة أو نجا بها من
جهل ، فهو من عتقائه من النار ، والله
يعوضه عن ذلك لكل شعرة لمن أعتقه ما هو
أفضل له من الصدقة بمائة ألف قنطار ، على
الوجه الذي أمر الله عز وجل به ، بل تلك
الصدقة وبال على صاحبها لكن يعطيه الله ما
هو أفضل من مائة ألف ركعة يصليها من بين
يدي الكعبة


وبهذا الإسناد عنه: قال قال جعفر بن محمد
الصادق(ع): علماء شيعتنا مرابطون في الثغر
الذي يلي ابليس وعفاريته ، يمنعونهم عن
الخروج على ضعفاء شيعتنا وعن أن يتسلط
عليهم ابليس وشيعته والنواصب ، ألا فمن
انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد
الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه
يدفع عن أديان محبينا وذلك يدفع عن
أبدانهم


وعنه بالإسناد المتقدم قال: قال موسى بن
جعفر(ص): فقيه واحد ينقذ يتيما من أيتامنا
المنقطعين عنا وعن مشاهدتنا بتعليم ما هو
محتاج إليه أشد على إبليس من ألف عابد لأن
العابد همه ذات نفسه فقط وهذا همه مع ذات
نفسه ذوات عباد الله وإمائه لينقذهم من يد
إبليس ومردته، فلذلك هو أفضل عند الله من
ألف عابد وألف ألف عابدة


وعنه قال: قال علي بن موسى الرضا(ع): يقال
للعابد يوم القيامة: نعم الرجل كنت همتك
ذات نفسك وكفيت مؤنتك فادخل الجنةألا إن
الفقيه من أفاض على الناس خيره وأنقذهم من
أعدائهم ووفر عليهم نعم جنان الله تعالى،
وحصل لهم رضوان الله تعالى ، ويقال للفقيه:
يا أيها الكافل لأيتام آل محمد ، الهادي
لضعفاء محبيهم ومواليهم قف حتى تشفع لكل
من أخذ عنك أو تعلم منك ، فيقف فيدخل الجنة
معه فئاما وفئاماً وفئاماً - حتى قال عشراً
- وهم الذين أخذوا عنه علومه وأخذوا عمن أخذ
عنه وعمن أخذ عمن أخذ عنه إلى يوم القيامة !
فانظروا كم صرف ما بين المنزلتين ؟!


(2) في معجم رجال الحديث:4/196: (عن جميل بن
دراج ، قال: سمعت أبا عبد الله(ع)يقول:
أوتاد الأرض وأعلام الدين أربعة: محمد بن
مسلم ، وبريد بن معاوية ، وليث بن البختري
المرادي ، وزرارة بن أعين )


(3) في بصائر الدرجات ص531: (عن الإمام
الباقر(ع)قال: كل ما لم يخرج من هذا البيت
فهو باطل ) انتهى ، وقد تقدم مع غيره في
موضوع رقم12


(4) في عيون أخبار الرضا(ع):2/62: ( وإنه لمكتوب
عن يمين عرش الله عز وجل: مصباح هدى وسفينه
نجاة )


(5) في مسند أحمد بن حنبل:4/172: ( عبد الله
حدثني أبي ، ثنا عفان ، ثنا وهيب ، ثنا عبد
الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن أبي
راشد عن يعلى العامري ، أنه خرج مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام دعوا له
، قال: فاستمثل رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، قال عفان قال وهيب فاستقبل رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمام القوم ،
وحسين مع غلمان يلعب فأراد رسول الله صلى
الله عليه وسلم أن يأخذه ، قال فطفق الصبي
ههنا مرة وههنا مرة ، فجعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم يضاحكه حتى أخذه ، قال فوضع
إحدى يديه تحت قفاه والأخرى تحت ذقنه ،
فوضع فاه على فيه فقبله، وقال: حسين مني
وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً ،
حسين سبط من الأسباط


وفي سنن ابن ماجة:1/51 بروايتين، وقال في
هامشه: ( في الزوائد: إسناده حسن رجاله ثقات
)


وفي سنن الترمذي:5/324 ، وقال: هذا حديث حسن


وفي مستدرك الحاكم:3/177، وقال: هذا حديث
صحيح الإسناد ولم يخرجاه


وفي تحفة الأحوذي بشرح الترمذي:10/190: (قوله:
حسين مني وأنا من حسين قال القاضي: كأنه صلى
الله عليه وسلم علم بنور الوحي ما سيحدث
بينه وبين القوم فخصه بالذكر، وبين أنهما
كالشئ الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض
والمحاربة ، وأكد ذلك بقوله: أحب الله من
أحب حسيناً، فإن محبته محبة الرسول ومحبة
الرسول محبة الله


(حسين سبط) بالكسر (من الأسباط) قال في
النهاية: أي أمة من الأمم في الخير ،
والأسباط في أولاد إسحاق بن إبراهيم
الخليل ، بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل
واحدهم سبط ، فهو واقع على الأمة والأمة
واقعة عليه انتهى


وقال القاضي: السبط ولد الولد ، أي هو من
أولاد أولادي ، أكد به البعضية وقررها ،
ويقال للقبيلة قال تعالى:
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ
أَسْبَاطاً أُمَماً، أي قبائل، ويحتمل أن
يكون المراد ههنا على معنى أنه يتشعب منه
قبيلة ، ويكون من نسله خلق كثير ، فيكون
إشارة إلى أن نسله يكون أكثر وأبقى ، وكان
الأمر كذلك


قوله (هذا حديث حسن ) وأخرجه البخاري في
الأدب المفرد ، وابن ماجه والحاكم


ورواه ابن أبي شيبة في المصنف:7/515 ،
والبخاري في الأدب المفرد ص85 ، وابن حبان
في صحيحه:15/427، والطبراني في المعجم
الكبير:3 /33 ، و:22/274 ، وابن حجر الهيثمي في
موارد الظمآن ص553


وفي كشف الخفاء:1/358:(حسين مني وأنا من حسين)
رواه الترمذي وحسنه ، عن يعلى ابن مرة
الثقفي مرفوعاً، ورواه أحمد وابن ماجه في
سننه عن يعلى بن مرة باللفظ المذكور، وزاد:
أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من
الأسباط )


وفي تناقضات الألباني الواضحات
للسقاف:1/74: (حديث يعلى بن مرة مرفوعاً:
(حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب
حسيناً، حسين سبط من الأسباط) رواه
الترمذي، وهو حسن الإسناد قلت: صححه
الألباني فأورده في سلسلته الصحيحة:3/229
برقم1227وهو متناقض حيث ضعفه في تخريج مشكاة
المصابيح:3/1738برقم 6160، قائلاً: وإسناده
ضعيف اه‍ !!


وقال ابن كثير في والنهاية:8/224: ( ثم قال (أي
الترمذي): حدثنا الحسن بن عرفة ، ثنا
إسماعيل بن عياش، عن عبدالله بن عثمان بن
خيثم ، عن سعيد بن راشد عن يعلى بن مرة قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسين
مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً
، حسين سبط من الأسباط


ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن ورواه أحمد
عن عفان عن وهب عن عبد الله بن عثمان بن
خيثم به ورواه الطبراني عن بكر بن سهل ، عن
عبد الله بن صالح ، عن معاوية بن صالح بن
راشد بن سعد ، عن يعلى بن مرة أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال: الحسن والحسين
سبطان من الأسباط وقال الإمام أحمد: حدثنا
أبو نعيم ، ثنا سفيان ، عن يزيد بن أبي زياد
، عن أبي نعيم ، عن أبي سعيد الخدري قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحسن
والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) انتهى


ورواه ابن عساكر في تاريخ دمشق:14/148،وص149،
وابن الأثير في أسد الغابة:2/19


(6) روى البيهقي في سننه:3/337 قال: (وأخبرنا
أبو الحسين بن الفضل القطان، أنبأ عبد
الله بن جعفر ، ثنا يعقوب بن سفيان ، حدثني
أبو الأسود النضر بن عبد الجبار ، أنبأ ابن
لهيعة ، عن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن
علي رضي الله عنهما كسفت الشمس كسفة بدت
الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنها هي!
انتهى أي أنها القيامة !


وفي مجمع الزوائد للهيتمي:9/196: (وعن أم
حكيم قالت قتل الحسين وأنا يومئذ جويرية
فمكثت السماء أياماًمثل العلقةرواه
الطبراني ورجاله إلىأم حكيم رجال الصحيح


وعن جميل بن زيد قال: لما قتل الحسين احمرت
السماء قلت أي شئ تقول قال ان الكذاب منافق
ان السماء احمرت حين قتل رواه الطبراني
وفيه من لم أعرفه


وعن أبي قبيل قال: لما قتل الحسين بن علي
انكسفت الشمس كسفة حتى بدت الكواكب نصف
النهار حتى ظننا أنها هي رواه الطبراني
وإسناده حسن


وفي المصنف لابن أبي شيبة:8/633: (262- حدثنا
علي بن مسهر عن أم حكيم قالت: لما قتل
الحسين بن علي وأنا يومئذ جارية قد بلغت
مبلغ النساء أو كدت أن أبلغ ، مكثت السماء
بعد قتله أياما كالعلقة


وقال القرطبي في تفسيره:16/141: (قال السدي:
لما قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما بكت
عليه السماء ، وبكاؤها حمرتها


وحكى جرير عن يزيد بن أبي زياد قال: لما
قتل الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله
عنهما احمر له آفاق السماء أربعة أشهر قال
يزيد: واحمرارها بكاؤها


وقال محمد بن سيرين: أخبرونا أن الحمرة
التي تكون مع الشفق لم تكن حتى قتل الحسين
بن علي رضي الله عنهما وقال سليمان القاضي:
مطرنا دماً يوم قتل الحسين


وقال ابن حجر في تلخيص الحبير:5/84: ( روى
البيهقي عن أبي قبيل أنه لما قتل الحسين
كسفت الشمس كسفةً بدت الكواكب نصف النهار
حتى ظننا أنها هي هو) انتهى


ورواه بنحوه الطبراني في المعجم
الكبير:3/113 و119 وابن عساكر:14/228 و229 ، والمزي
في تهذيب الكمال: 6/432 و433 ، والمناوي في فيض
القدير:1/265، وعلي بن محمد الحميري في جزئه
ص31 ، والنووي في المجموع:5/59 ، وفي روضة
الطالبين: 1/598، والرافعي في الفتح
العزيز:5/83، والشربيني في مغني
المحتاج:1/320، والشرواني في حواشيه:9/67


وروى البخاري في التاريخ الكبير:4/129: ( عن
سليم القاص قال: مطرنا أياماً أو يوم قتل
الحسين دماً سمع منه حماد بن سلمة
وإسماعيل بن إبراهيم أبو إبراهيم )


(7) في كامل الزيارات ص203: ( حدثني محمد بن
جعفر القرشي ، عن محمد بن الحسين بن أبي
الخطاب، عن الحسن بن علي، عن ابن أبي عمير
، عن علي بن المغيرة، عن أبي عمارة المنشد،
قال: ما ذكر الحسين بن علي(ع)عند أبي
عبدالله جعفر بن محمد (ع)في يوم قط فرئي أبو
عبد الله في ذلك اليوم متبسماً الى الليل )
ورواه في كامل الزيارات ص214 وزاد فيه: (
وكان(ع)يقول: الحسين عبرة كل مؤمن)


وفي أمالي الصدوق ص205: ( حدثنا أبي&قال:
حدثنا سعد بن عبد الله ، عن الحسن بن موسى
الخشاب، عن علي بن حسان الواسطي، عن عمه
عبد الرحمن بن كثير الهاشمي ، عن داود بن
كثير الرقي قال: كنت عند أبي عبد الله(ع)إذ
استسقى الماء ، فلما شربه رأيته وقد
استعبر واغرورقت عيناه بدموعه، ثم قال: يا
داود ، لعن الله قاتل الحسين، فما أنغص ذكر
الحسين للعيش ! إني ما شربت ماء بارداً إلا
وذكرت الحسين ، وما من عبد شرب الماء فذكر
الحسين ولعن قاتله إلا كتب الله له مائة
ألف حسنة ، ومحا عنه مائة ألف سيئة ، ورفع
له مائة ألف درجة ، وكان كأنما أعتق مائة
ألف نسمة ، وحشره الله يوم القيامة أبلج
الوجه )


(8) في أمالي الصدوق ص190: (حدثنا جعفر بن
محمد بن مسرور&، قال: حدثنا الحسين بن محمد
بن عامر ، عن عمه عبد الله بن عامر ، عن
إبراهيم بن أبي محمود ، قال: قال الرضا(ع):
إن المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون
فيه القتال ، فاستحلت فيه دماؤنا ، وهتكت
فيه حرمتنا ، وسبي فيه ذرارينا ونساؤنا ،
وأضرمت النيران في مضاربنا ، وانتهب ما
فيها من ثقلنا ، ولم ترع لرسول الله حرمة
في أمرنا ! إن يوم الحسين أقرح جفوننا ،
وأسبل دموعنا ، وأذل عزيزنا بأرض كرب
وبلاء ، أورثتنا الكرب والبلاء ، إلى يوم
الإنقضاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون
، فإن البكاء يحط الذنوب العظام


ثم قال(ع): كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا
يرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه حتى
يمضي منه عشرة أيام ، فإذا كان يوم العاشر
كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ،
ويقول: هو اليوم الذي قتل فيه الحسين صلوات
الله عليه )


(9) في بحار الأنوار:98/342: (روي عن
الصادق(ع)في زيارة الحسين(ع)قال: تقف على
القبر وتقول: الحمد لله العلي العظيم ،
والسلام عليك أيها العبد الصالح الزكي ،
أودعك شهادة مني لك تقربني إليك في يوم
شفاعتك ، أشهد أنك قتلت ولم تمت ، بل برجاء
حياتك حييت قلوب شيعتك ، وبضياء نورك
اهتدى الطالبون إليك ، وأشهد أنك نور الله
الذي لم يطفأ ، ولا يطفأ أبداً ، وأنك وجه
الله الذي لم يهلك ، ولا يهلك أبداً ) ورواه
أيضاً في:98 /251


(24)الإمام الحسين(ع)فوق الوصف والتعريف


( بتاريخ: 24ذي الحجة 1415ـ 25/5/1995 ـ 3/3/1374 )


طلب بعض الأفاضل أن أتكلم كلمات بمناسبة
قرب عاشوراء وإنه لفوز عظيم يفوق التصور
أن يشملكم التوفيق الإلهي ولطف حضرة ولي
العصر أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ،
فتُسجَّل أسماؤكم في دفتر سيد الشهداء في
أيام عاشوراء هذه كما أن المسؤولية مهمة
جداً وثقيلة ، وهي أن نعرف الناس من هو
الإمام الحسين(ع)، وما هي عاشوراء ؟


والمهم بالنسبة إلينا أن نفهم بالبرهان
أن سيد الشهداء(ع)فوق الوصف والتعريف ، وأن
عمله فوق رتبة التوفيق وبما أن المسألة
أكبر من أن نستطيع تقريرها بكلماتنا ،
فنحن ملزمون أن نطلب فهمها من كلمات أهل
البيت الطاهرين صلوات الله عليهم ،
بالتأمل فيها وكشف الحجاب عن أذهاننا
للوصول الى عمقها


سأعرض عليكم توجيه الإمام الصادق(ع)ليونس
بن ظبيان ، بشكل مجمل وأرجو أن تستفيدوا من
خبراتكم العلمية لفقه هذا الحديث ، لأن
مراتب العلماء إنما هي بدرجة الدراية لا
الرواية قال يونس للإمام الصادق(ع): (جعلت
فداك إني كثيراً ما أذكر الحسين ، فأي شئ
أقول؟ فقال قل: صلى الله عليك يا أبا عبد
الله تعيد ذلك ثلاثاً ، فإن السلام يصل
إليه من قريب ومن بعيد قال له يونس: جعلت
فداك إني أريد أن أزوره فكيف أقول وكيف
أصنع؟ قال: إذا أتيت أبا عبد الله فاغتسل
على شاطئ الفرات، ثم البس ثيابك الطاهرة،
ثم امش حافياً فإنك في حرم من حرم الله
وحرم رسوله ، وعليك بالتكبير والتهليل
والتسبيح والتحميد، والتعظيم لله عز وجل
كثيراً، والصلاة على محمد وأهل بيته ، حتى
تصير إلى باب الحائر ، ثم تقول:


السلام عليك يا حجة الله وابن حجته


السلام عليكم يا ملائكة الله ، وزوار قبر
ابن نبي الله


ثم اخط عشر خطوات ، ثم قف وكبر ثلاثين
تكبيرة ، ثم امش إليه حتى تأتيه من قبل
وجهه ، فاستقبل وجهك بوجهه وتجعل القبلة
بين كتفيك ثم قل:


السلام عليك يا حجة الله وابن حجته


السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله


السلام عليك يا ثأر الله وابن ثاره


السلام عليك يا وتر الله الموتور في
السماوات والأرض ) انتهى (1)


تأملوا جيداً ، فالسلام الأول سلام عام ،
وبعده ثلاث تسليمات خاصة ! وهنا المعرفة
والحكمة! إن لُباب العلم في كلمات الأئمة
المعصومين(ع)، والعقل البشري يحتاج الى
مدد إلهي وعناية ربانية ، ليصل الى شعاع من
تلك الشموس المتوهجة !


السلام عليك يا حجة الله وابن حجته وهذه
الصفة سمةٌ عامة للأئمة الذين جعلهم الله
ذرية مباركة بعضها من بعض ، لكن ما بعدها
صفاتُ وسماتٌ خاصة بالحسين لا يشترك معه
فيها غيره ، حتى أبوه صلوات الله عليهم


السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله
تعبيرٌ بليغٌ لنوع فريد من الشهادة لله
تعالى على خلقه ، شاركه فيه أبوه أمير
المؤمنين(ع)، لكن الحسين(ع) اختص بأنه قتيل
الله وابن قتيله ! فقد كُتِبَتْ له هذه
السمة الفريدة من عالم الغيب: قتيل الله
وابن قتيله! فلا تجد هذا المنصب الرباني
لغيره في كل تاريخ البشرية ، ولا في مقامات
الأنبياء والأوصياء والشهداء(ع)


ومن الممكن لنا أن نفهم صفة: قتيل الله
وابن قتيله ، وثأر الله في الأرض وابن ثاره
لكن العبارة المحيرة للعقول هي:


السلام عليك يا وتر الله الموتور ، في
السماوات والأرض !


ثم ، بعد هذه المقامات الثلاثة ، قال
الإمام الصادق(ع): أشهد أن دمك سكن في الخلد
، واقشعرت له أظلة العرش ، وبكى له جميع
الخلائق !!


فصاحب هذا المقام الذي نريد أن نعرِّفه
للمسلمين، جوهرٌ منحصرٌ بفرد! وإنجازاته
كليٌّ منحصر بفرد ! وفي كل فقرة من هذه
الدرر أبحاثٌ تستغرق ساعات ، ولا ندعي
الكمال في الشارح ، بل نأمل الإستعداد في
المستمع


والمهم الآن أن نفهم ما الذي حدث حتى صار
دم الحسين(ع)من سكان عالم الخلد؟! فعالم
الخلود مكان التجرد ، وذهاب الروح اليه
وسكناها فيه منسجم مع الأصل ، لكن ذهاب
الدم وسكنه فيه ، يعني أن الروح حدث فيها
تطور فصار مقرها فوق الخلد! وأن الدم صار
من نوع الروح فسكن الخلد ! معنى ذلك أن
الحسين(ع)وصل الى درجة أن الخلد صار مسكناً
لدمه الطاهر، أما روحه فمسكنها في درجة فوق
الخلد ، لا نعرفها !


أشهد أن دمك سكن في الخلد، واقشعرت له
أظلة العرش كلامٌ عن عالم أعلى، من إمام
مفتوحة له النوافذ على ذلك العالم ! فما
معنى سكن الدم في الخلد ، واقشعرار أظلة
العرش له؟! وما هذا التقابل والجدلية بين
سكن دم الحسين وسكونه في الخلد ، وبين
اقشعرار أظلة العرش؟


إنه تعبير يموج بالبحث والمعرفة ! ثم يأتي
بعده المشهد العجيب: وبكت له جميع الخلائق!


أين أهل التأمل والنظر وأصحاب الدقة
الفكرية؟ لقد استعمل الإمام الجمع المحلى
بالألف واللام للخليقة لتفيد التعميم لكل
المخلوقات ، ثم جمعها بكلمة (الخلائق) ، ثم
فصل الخلائق بعد إجمالها ! فقال: وبكت له
السماوات السبع والأرضون السبع ، وما فيهن
وما بينهن ومن يتقلب في الجنة والنار من
خلق ربنا ، وما يرى وما لا يرى كلها بكت من
أجل دم الحسين(ع)، فأين الحسين نفسه؟! نعم،
كل هذا التجليل والعظمة إنما هو لدم سيد
الشهداء الذي يجري في عروقه، والذي أراقه
لله تعالى في كربلاء ! أما روحه المتعلقة
بذلك الدم ، فلها حديث آخر !


فانظروا الى هذا التحول والإنقلاب الذي
حصل في مراتب الوجود ، في نقطة الصعود
ونقطة النزول ، من أين امتد إلى أين؟! وإلى
أين نصل من باب العلم هذا الذي فتحه الإمام
الصادق(ع)لأهل الفقه الأكبر ، عندما عرَّف
لنا الإمام أبا عبد الله الحسين(ع)بدمه
وليس بنفسه ولا بروحه فأفهمنا أن دمه
الشريف فوق التعريف ، فكيف بصاحب الدم ،
ومنزلته ؟!


إقرأ كتاب الكافي من أوله الى آخره ، ولكن
قراءة باحث ، وتتبعْ فيه مراتب الوجود ،
وقوس النزول والصعود ، لترى أن ما أشرت
اليه من تفصيل علامة الوجود الإمام جعفر
الصادق(ع)بعد إجماله: وبكت له السماوات
السبع والأرضون السبع، وما فيهن ومابينهن
ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا وما
يرى ومالا يرى يدل على أهل الجنة بكوْا
لهذا الدم ، وأهل جهنم بكوا لهذا الدم ! وما
ذلك إلا لأن انقلاباً حدث في قوس الصعود
وفي قوس النزول ! وأن أعلى نقطة في مراتب
الوجود الى أدنى نقطة في مراتبه ، كلها
اهتز وجودها ووجدانها أمام دم الإمام
الحسين(ع)، فما هذه العظمة ؟!


ولم يقف الإمام الصادق(ع)عند هذا ، بل قال
كلمة بعده لا يستوعبها إلا من خصه الله
برزق من عنده ! قال الإمام(ع):وما يرى ، وما
لا يرى !


فكل ما خلق الله مما يرى ولا يرى ، بكى لدم
الحسين(ع)!


فما هذا المجد الرباني للحسين ، وما قضيته
؟


هذا يعني أنك إذا أردت أن تتلفظ باسم
الحسين(ع)على المنبر، وتؤدي ما ينبغي من
مراسم ذكر اسمه، فغسلت فمك بماء الورد ألف
مرة ! فأنت مقصر في آداب ذكر اسمه الشريف!
كيف لا ، وأنت لا تستطيع أن تفهم دم
الحسين(ع)، وما معنى أنه سكن في الخلد! فكيف
تفهم روحه ؟!


وإذا أردنا أن نصوغ المطلب بنظم الدليل
البرهاني ، فإن إضافة النكرة الى المعرفة
تقلب النكرة فتكتسب بإضافتها التعريف ،
هذه قاعدة العَلَم الإضافي، فإذا كان
المضاف اليه فوق التعريف ، أخذ المضاف من
صفته فصار فوق التعريف ! وهذا هو الدليل
البرهاني على أن الإمام الحسين(ع)فوق
التعريف !


كما أن الإضافة تكون أحياناً إضافة
فنائية ، فيكون لها حكم آخر ، حيث تسري
آثار المفني فيه الى الفاني وتظهر عليه !
فلننظر الى إضافة الحسين الى الله تعالى ،
أي نوع من الإضافة هي ، لكي نفهم لماذا قال
الإمام الصادق(ع): السلام عليك يا قتيل
الله وابن قتيله !


فمن هو قتيل الله هذا ؟ إرجعوا الى دعاء
علقمة بن محمد الحضرمي، واقرؤوا هذا
الجملة التي تبين مقام النبي(ص)وبقية
أصحاب الكساء(ع) يقول: يا من يكفي من كل شئ
ولا يكفي منه شئ في السموات والأرض ! أسألك
بحق محمد خاتم النبيين،وعلي أمير
المؤمنين، وبحق فاطمة بنت نبيك وبحق الحسن
والحسين، فإني بهم أتوجه إليك في مقامي هذا
وبهم أتوسل ، وبهم أتشفع إليك، وبحقهم
أسألك وأقسم وأعزم عليك، وبالشأن الذي لهم
عندك، وبالقدر الذي لهم عندك، وبالذي
فضلتهم على العالمين، وباسمك الذي جعلته
عندهم، وبه خصصتهم دون العالمين ، وبه
أبنتهم وأبنت فضلهم من فضل العالمين ، حتى
فاق فضلهم فضل العالمين جميعاً (2)


فمعنى هذا أن هؤلاء الخمسة صار لهم حسابهم
الخاص عن كل العالمين ، بما حملهم الله
تعالى من اسمه الأعظم ، فلا يقاس بهم غيرهم
أبداً ! وذلك الدم المقدس الذي أريق في
كربلاء أخذ خصوصياته من هنا ! فهو دم بدن
يحمل اسم الله الأعظم ، لكن الى أي حد ، وأي
مستوى؟


إن اسم الله الأعظم ثلاث وسبعون حرفاً ،
منه حرف مختص بالله تعالى ، لايصل الى
مخلوق ولا يصل اليه مخلوق! ومن الإثنين
وسبعين حرفاً أعطى الله تعالىعبده عيسى بن
مريم(ع)أربعة حروف فقط، وبها كان يحيي
الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص ، ويخلق من
الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً
بإذن الله كل هذه الآثار كانت بالحروف
الأربعة !


أما ابراهيم(ع)فقد وصل الى درجة أن يعطى من
اسم الله الأعظم ثمانية حروف لم يتجاوز
الثمانية !


وأما نبينا وأهل بيته(ص)فقد أعطاهم الله
تعالى اثنين وسبعين حرفاً من إسمه الأعظم
فالحروف الأربعة التي عند عيسى المسيح(ع)،
والثمانية التي عند ابراهيم(ع)، الى
الإثنين وسبعين حرفاً ، كلها في قلب
الحسين(ع)! ولك أن تتصور بدناً يحمل مثل هذا
الجوهر الفرد ، ودماً أريق من مثل ذلك
القلب بأي حساب يجب أن يحسب ؟!


لا بد أن تعرف دمَ مَنْ هو ؟ ومن أي نوع من
المعرفة تغذى ؟


ومن أي نبع سقيت صفاته وملكاته ؟ ومن أجل
مَن أريق ، وكيف ؟


وهل يمكن لبشر أن يفهم ذلك الدم الذي يجري
فيه اسم الله الأعظم ؟!


لسنا في صدد الحديث عن الجراحات التي وقعت
على ذلك البدن الشريف صلوات الله عليه ،
وعن تعدادها وتفصيلها ، فغرضنا أن نفهم
شيئاً من شهادة الإمام الصادق(ع):أشهد أن
دمك سكن في الخلد ! فالإمام الحسين (ع)بكل
هذه الجراحات التي في بدنه(3) ، وقف في جانب
الميدان ليستريح ساعة ، فقد كان التعب بلغ
به مبلغه ، فهو على أي حال بشر ، وامتحانه
الإلهي هذا يتم في عالم بشريتهوقف وهو
يحمل جراحاته ليستريح هنيهة ، فقد رجع من
حملاته عليهم ، ورد حملاتهم عليه ، وقبل
قليل كان عند جسد أخيه العباس، وجثمان
ولده علي الأكبر، ورأى أجساد أصحابه
المجدلين في أرض كربلاء هنا وهناك ، والآن
هذه جراحاته تستوعب بدنه !


في ذلك الوقت ضربه خبيث بحجر فوقع على
جبهته ، فرفع طرف قميصه ليمسح الدم عن
وجهه، فماذا حدث؟ أتاه سهم محدد مسموم له
ثلاث شعب فوقع في صدره فانبعث الدم
كالميزاب ، فتلقى الدم بيده فلما امتلأت
رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك الدم
قطرة !!


أرجو أن تلتفتوا لماذا تلقى الحسين دم
قلبه بيده ورمى به الى السماء؟! وكم مرة
فعل ذلك؟ وفي إحداها مسح به وجهه وبدنه !


وأي دم صعد الى السماء ، وأي دم مسح به
رأسه ووجهه؟


وهل وقع من دمه على الأرض؟


ولماذا لم يتركه الإمام الحسين يجري على
الأرض ؟!


ولو جرى على الأرض هل تبقى أرض وأهل الأرض
؟!


إن هذا هو معنى: السلام عليك يا رحمة الله
الواسعة ويا باب نجاة الأمة


أنت يامولاي جعفر بن محمد ينبغي أن تقول
أي دم كان ذلك الدم؟!


أخذ الحسين(ع)الدم الشريف ونظر اليه وقال:
بسم الله وبالله، ثم قال: وفي سبيل الله،
ثم رمى به نحو السماء، يعني: إِلَيْه
يَصْعَد ُالْكَلِمُ الطَّيِّبُ
وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه! قال
الإمام الصادق(ع): فما رجع من ذلك الدم قطرة
!!


ذلك هو الدم الذي سكن في الخلد !!


يا أحمد بن حنبل ، أنت كتبت في مسندك


يا ابن عبد البر ، أنت كتبت في استيعابك


ويا ابن حجر ، أنت كتت في الإصابة


ويا ترمذي ، أنت كتبت في سننك


ويا جلال الدين السيوطي ، أنت كتبت في
تفسيرك وتاريخك


ويا بيهقي والخطيب البغدادي ، وأئمة
التفسير والحديث


أنتم جميعاً كتبتم ، فهل فهمتم ما كتبتم
من خبر ابن عباس قال رأيت النبي (ص)حزيناً
مغبر الثياب وبيده قارورة يلتقط فيها دم
الحسين(ع)ليرفعه الى العرش،وأن
النبي(ص)أخبر ابن عباس بشهادة
الحسين(ع)فكان كماقال وظهر صدق رؤيا ابن
عباس ، وظهرت كرامة للنبي(ص)في دم
الحسين(ع)!


(قال ابن الأثير في تاريخه:1/82: قال ابن
عباس: رأيت النبي الليلة التي قتل فيها
الحسين، وبيده قارورة يجمع فيها دماً
فقلت: يارسول الله ما هذا ؟ فقال: هذه دماء
الحسين وأصحابه، أرفعها الى الله تعالى ) !
انتهى


وفي رواية: أرفعه الى السماء، وفي رواية:
الى العرش وفي كلها: دم الحسين وأصحابه ! يا
أئمة رواة الحديث ، هل فهمتم ماذا يعني
النبي(ص) بذلك؟! يعني أني أنا بستاني
الإنسانية، بعثت في أهل الأرض وغرست
بستاناً وعندما تطلع منه الورود ، لابد أن
آتي وأقطفها وآخذها الى الله تعالى، لأن
محلها: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ
مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ !


أشهد لقد طيب الله بك التراب ، وأوضح بك
الكتاب


السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله


التعليقات


(1) في الكافي:4/575: (عدة من أصحابنا، عن أحمد
بن محمد، عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن
بن راشد، عن الحسين بن ثوير قال: كنت
أناويونس بن ظبيان والمفضل بن عمرو أبو
سلمة السراج جلوساً عند أبي عبد الله(ع)،
وكان المتكلم منا يونس وكان أكبرنا سناً
فقال له: جعلت فداك إني أحضر مجلس هؤلاء
القوم يعني ولد العباس فما أقول؟ فقال: إذا
حضرت فذكرتنا فقل: اللهم أرنا الرخاء
والسرور فإنك تأتي على ماتريد


فقلت: جعلت فداك إني كثيراً ما أذكر
الحسين(ع)فأي شئ أقول ؟ فقال: قل: صلى الله
عليك يا أبا عبد الله تعيد ذلك ثلاثاً فإن
السلام يصل إليه من قريب ومن بعيد


ثم قال: إن أبا عبد الله الحسين لما قضى
بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع
وما فيهن وما بينهن ، ومن يتقلب في الجنة
والنار من خلق ربنا ، وما يرى وما لايرى
بكى على أبي عبد الله الحسين إلا ثلاثة
أشياء لم تبك عليه ، قلت: جعلت فداك وما هذه
الثلاثة الأشياء ؟ قال: لم تبك عليه البصرة
ولا دمشق ولا آل عثمان عليهم لعنة الله


قلت: جعلت فداك إني أريد ، أن أزوره فكيف
أقول وكيف أصنع ؟


قال: إذا أتيت أبا عبد الله فاغتسل على
شاطئ الفرات ثم ألبس ثيابك الطاهرة ثم امش
حافياً ، فإنك في حرم من حرم الله وحرم
رسوله ، وعليك بالتكبير والتهليل
والتسبيح والتحميد ، والتعظيم لله عز وجل
كثيراً ، والصلاة على محمد وأهل بيته ، حتى
تصير إلى باب الحير ، ثم تقول:


السلام عليك يا حجة الله وابن حجته


السلام عليكم يا ملائكة الله وزوار قبر
ابن نبي الله


ثم اخط عشر خطوات ، ثم قف وكبر ثلاثين
تكبيرة ، ثم امش إليه حتى تأتيه من قبل
وجهه ، فاستقبل وجهك بوجهه وتجعل القبلة
بين كتفيك ثم قل:


السلام عليك يا حجة الله وابن حجته


السلام عليك يا قتيل الله وابن قتيله


السلام عليك يا ثأر الله وابن ثاره


السلام عليك يا وتر الله الموتور في
السماوات والأرض


أشهد أن دمك سكن في الخلد، واقشعرت له
أظلة العرش، وبكى له جميع الخلائق، وبكت
له السماوات السبع والأرضون السبع وما
فيهن وما بينهن ، ومن يتقلب في الجنة
والنار من خلق ربنا ، وما يرى وما لا يرى


أشهد أنك حجة الله وابن حجته، وأشهد أنك
قتيل الله وابن قتيله، وأشهد أنك ثائر
الله و ابن ثائره ، وأشهد أنك وتر الله
الموتور في السماوات والأرض ، وأشهد أنك
قد بلغت ونصحت ووفيت وأوفيت ، وجاهدت في
سبيل الله ، ومضيت للذي كنت عليه شهيداً
ومستشهداً وشاهداً ومشهود


أنا عبد الله ومولاك، وفي طاعتك، والوافد
إليك، ألتمس كمال المنزلة عند الله، وثبات
القدم في الهجرة إليك، والسبيل الذي
لايختلج دونك من الدخول في كفالتك التي
أمرتُ بها من أراد الله بدأ بكم ، بكم يبين
الله الكذب، وبكم يباعد الله الزمان
الكلب، وبكم فتح الله وبكم يختم، وبكم
يمحو ما يشاء وبكم يثبت ، وبكم يفك الذل من
رقابنا ، وبكم يدرك الله ترة كل مؤمن يطلب
بها، وبكم تنبت الأرض أشجارها، وبكم تخرج
الأشجار أثمارها ، وبكم تنزل السماء قطرها
ورزقها بكم يكشف الله الكرب ، وبكم ينزل
الله الغيث، وبكم تسيخ الأرض، التي تحمل
أبدانكم، وتستقر جبالها عن مراسيها إرادة
الرب في مقادير أموره تهبط إليكم ، وتصدر
من بيوتكم ، والصادر عما فصل من أحكام
العباد


لُعِنَتْ أمةٌ قتلتكم ، وأمة خالفتكم ،
وأمة جحدت ولايتكم ، وأمة ظاهرت عليكم ،
وأمة شهدت ولم تستشهد الحمد لله الذي جعل
النار مثواهم وبئس ورد الواردين ، وبئس
الورد المورود والحمد لله رب العالمين
وصلى الله عليك يا أبا عبد الله ، أنا إلى
الله ممن خالفك برئ ( ثلاثاً ) ثم تقوم
فتأتي ابنه علياً وهو عند رجليه فتقول:


السلام عليك يا بن رسول الله ، السلام
عليك يا بن علي أمير المؤمنين ، السلام
عليك يابن الحسن والحسين ، السلام عليك
يابن خديجة وفاطمة ، صلى الله عليك لعن
الله من قتلك - تقولها ثلاثاً - أنا إلى
الله منهم برئ ( ثلاثاً )


ثم تقوم فتؤمي بيدك إلى الشهداء وتقول:
السلام عليكم ( ثلاثاً ) فزتم والله فزتم
والله فليت أني معكم فأفوز فوزاً عظيما ثم
تدور فتجعل قبر أبي عبد الله بين يديك فصل
ست ركعات وقد تمت زيارتك ، فإن شئت فانصرف )


(2) في مصباح المتهجد ص777: (وروى محمد بن
خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة قال: خرجت
مع صفوان بن مهران الجمال وعندنا جماعة من
أصحابنا إلى الغري بعد ما خرج أبو عبد
الله(ع)فسرنا من الحيرة إلى المدينة فلما
فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى
ناحية أبي عبد الله الحسين(ع)فقال لنا:
تزورون الحسين(ع)من هذا المكان من عند رأس
أمير المؤمنين(ع)من هاهنا أومأ إليه
أبوعبدالله الصادق(ع)وأنا معه، قال فدعا
صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد
الحضرمي عن أبي جعفر(ع)في يوم عاشوراء ثم
صلى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين(ع)وكان
فيما دعا في دبرهما:


يا ألله يا ألله يا ألله يا مجيب دعوة
المضطرين يا كاشف كرب المكروبين يا غياث
المستغيثين ويا صريخ المستصرخين ويا من هو
أقرب إلي من حبل الوريد يا من يحول بين
المرء وقلبه ويا من هو بالمنظر الأعلى
وبالأفق المبين ويا من هو الرحمن الرحيم
على العرش استوى ، ويا من يعلم خائنة
الأعين وما تخفي الصدور ، ويا من لا يخفي
عليه خافية، يا من لاتشتبه عليه الأصوات،
ويا من لاتغلطه الحاجات ويا من لا يبرمه
إلحاح الملحين، يا مدرك كل فوت، ويا جامع
كل شمل، ويا بارئ النفوس بعد الموت ، يا من
هو كل يوم في شأن ، يا قاضي الحاجات ، يا
منفس الكربات ، يا معطي السؤلات ، يا ولي
الرغبات، يا كافي السؤالات المهمات ، يا
من يكفي من كل شئ ولا يكفي منه شئ في
السموات والأرض


أسألك بحق محمد خاتم النبيين ، وعلي أمير
المؤمنين ، وبحق فاطمة بنت نبيك، وبحق
الحسن والحسين ، فإني بهم أتوجه إليك في
مقامي هذا ، وبهم أتوسل ، وبهم أتشفع إليك
، وبحقهم أسألك وأقسم وأعزم عليك، وبالشأن
الذي لهم عندك وبالقدر الذي لهم عندك ،
وبالذي فضلتهم على العالمين وباسمك الذي
جعلته عندهم وبه خصصتهم دون العالمين ،
وبه أبنتهم وأبنت فضلهم من فضل العالمين ،
حتى فاق فضلهم فضل العالمين جميعاً أسألك
أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تكشف عني
غمي وهمي وكربي ، وتكفيني المهم من
أموريالى آخر الدعاء)


(3) في بحار الأنوار: 45/52: (وقال الباقر(ع):
أصيب الحسين(ع)، ووجد به ثلاث مائة وبضعة
وعشرون طعنة برمح وضربة بسيف أو رمية بسهم
وروي ثلاثمائة وستون جراحة وقيل ثلاث
وثلاثون ضربة سوى السهام وقيل ألف
وتسعمائة جراحة


وفي بحار الأنوار:45/53: (فوقف(ع)يستريح ساعة
وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف إذ
أتاه حجر فوقع في جبهته فأخذ الثوب ليمسح
الدم عن وجهه ، فأتاه سهم محدد مسموم له
ثلاث شعب ، فوقع السهم في صدره ـ وفي بعض
الروايات على قلبه ـ فقال الحسين(ع): بسم
الله وبالله وعلى ملة رسول الله ، ورفع
رأسه إلى السماء وقال: إلهي إنك تعلم أنهم
يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبي
غيره ، ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه فانبعث
الدم كالميزاب، فوضع يده على الجرح فلما
امتلأت رمى به إلى السماء، فما رجع من ذلك
الدم قطرة، وما عرفت الحمرة في السماء حتى
رمى الحسين (ع)بدمه إلى السماء ، ثم وضع يده
ثانياً فلما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته
وقال: هكذا أكون حتى ألقى جدي رسول الله
وأنا مخضوب بدمي وأقول: يارسول الله قتلني
فلان وفلان، ثم ضعف عن القتال فوقف ، فكلما
أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه! حتى جاءه
رجل من كندة يقال له: مالك بن اليسر فشتم
الحسين(ع)وضربه بالسيف على رأسه وعليه
برنس فامتلأ دماً، فقال له الحسين: لا أكلت
بها ولا شربت، وحشرك الله مع الظالمين ثم
ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتم عليها وقد
أعيا صلوات الله عليه)


(25)حديث اللوح الذي أهداه الله تعالى إلى
فاطمة(ع)


( بتاريخ: 24 ذي الحجة 1419 ـ 11/4/1999 ـ 22/1/1376 )


ينبغي للعلماء الأفاضل الذين واجبهم
السفر في أيام عاشوراء ، أن يتذكروا أن
تبليغ الإسلام ونشره من أهم الواجبات ،
وأن يستفيدوا من هذا الظرف الزماني أيام
عاشوراء الذي هو أهم ظرف في العالم فالزمن
الذي وقع في هذا الظرف وصفه الإمام بكلمة
قطعية: لا يوم كيومك يا أبا عبد الله


ينبغي أن نستفيد الكثير من أسماء السور في
القرآن، فأسماؤها تعطي أضواء على عمود
الموضوع في السورة ، ومنها سورة باسم
(التغابن) لقوله تعالى فيها: يَوْمَ
يَجْمَعُكُمْ لِيَوْم الْجَمْعِ ذَلِكَ
يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ
بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ
عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً
ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وكما نلاحظ
فإن أسماء القيامة في القرآن متعددة ، وقد
استعمل في هذا الآية اسمين منها ، وهذه
نقطة مهمة لا أدري هل تعرض المفسرون لها
وما هو الإرتباط بين الإسمين: الجمع
والتغابن ، ولماذا قال: يَوْمَ
يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، فأشار
الى جمع لغير يوم الجمع، وما الفرق بين
قوله تعالى: يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ
الْجَمْعِ، وقوله: ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة، (سورة
الجاثـية: 26) ثم لماذا استعمل هنا الإشارة
بالبعيد فقال: ذَلِكَ يَوْمُ
التَّغَابُنِ ؟!


مهما يكن ، فقد سميت السورة بالتغابن وهو
من التفاعل ، فما السر في هذا التفاعل
التغابني؟وأي معان عظيمة ولطائف يقصدها
الله تعالى من التغابن بين البشر في يوم
القيامة ؟


لابد لفهم القرآن من طلب المدد من كلمات
الوحي من كلام النبي وأهل بيته
الأطهار(ص)بقدرة فكرية وقوة فقهية ، لنفهم
به كلام الله تعالى


وهنا حديث عن النبي(ص)كما في عدة الداعي
لابن فهدالحلي(ره) ص 103: (إنه يفتح للعبد يوم
القيامة على كل يوم من أيام عمره أربع
وعشرون خزانة عدد ساعات الليل والنهار
فخزانة يجدها مملوءة نوراً وسروراً ،
فيناله عند مشاهدتها من الفرح والسرور
مالو وزع على أهل النار لأدهشهم عن
الإحساس بألم النار ، وهي الساعة التي
أطاع فيها ربه


ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها مظلمة منتنة
مفزعة، فيناله منها عند مشاهدتها من الفزع
والجزع ما لو قسم على أهل الجنة لنغص عليهم
نعيمها، وهي الساعة التي عصى فيها ربه !


ثم يفتح له خزانة أخرى فيراها خالية ليس
فيها مايسره ولايسوؤه، وهي الساعة التي
نام فيها ، أو اشتغل فيها بشئ من مباحات
الدنيا ، فيناله من الغبن والأسف على
فواتها حيث كان متمكناً من أن يملأها
حسنات، ما لايوصف ومن هذا قوله تعالى:
ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) انتهى


فكل ساعة من عمر أحدنا خزانة ، لابد أن
يفتحها يومئذ ليرى بماذا ملأها: إقْرَأْ
كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ
عَلَيْكَ حَسِيباً (سورة الإسراء:14 )
ونلاحظ أن تفسير التغابن عند الخزانة
الثالثة عندما يرى تلك الخزانة الفارغة
الخالية ، فالغبن هو أن يكون ما حصل عليه
أقل مما ذهب منه ، أن يكون المثمن أقل من
الثمن الى حد الغبن! وبهذا الغبن اهتزت
قاعدة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، وجعلت أصالة
اللزوم في العقود في الشريعة من أجل تدارك
ما فات بالغبن! إن الفقيه الذي يفقه خيار
الغبن، يجب أن يفهم سورة التغابن ، ويدرك
هذا الحديث النبوي ، وينظر في ساعات عمره
التي تمضي ، خاصة في الظرف الممتاز من
ساعات العمر ، كيف يجب أن يستفيد منها؟!


إن ساعاتكم في عاشوراء الحسين(ع)فيها
تغابن لايقاس بأي تغابن آخر! والعمدة في
الموضوع أن العالم الديني عليه أن يعمل
بما استطاع لاجتناب الوقوع في تلك الحسرة
التي تفوق الوصف: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ
الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ
فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ( سورة
مريم:39 )


أما كيف نجبر ذلك الغبن وننجو من يوم
التغابن ، فإن النبي(ص)بين لنا الطريق على
لسان الإمام العسكري(ع)إذ قال: ألا فمن كان
من شيعتنا عالماً بعلومنا فهذا الجاهل
بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا يتيم في
حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا
، كان معنا في الرفيق الأعلى


يقول(ص): بعلومنا، لا بأي علم !


ويقول: وعلمه شريعتنا ، لا أي شريعة ! فذلك
الذي هو موضوع الكلام ، وذلك الذي يكون
معهم في الرفيق الأعلى أما معلم العلوم
الأخرى فللكلام عنه موضع آخر


إن عاشوراء بالنسبة الى كل عالم وخطيب،
مَنْجَمٌ للحصول على تلك الجواهر فما هو
واجبه وتكليفه ؟


من أول ما ينبغي أن يعرفه العالم أن كل ما
له قدر وقيمة ، موجود بعد القرآن في كلام
النبي والأئمة صلوات الله عليهم ، أما
كلام زيد وعمر فلا قيمة له لكي يستحق أن
يطرحه على الناس ويجعله محوراً !


إن ما يجب أن يكون مستندكم ومنبع كلامكم
مع الناس ، أنتم الذين قضيتم عمراً في
الدرس والبحث ، هو القرآن والسنة فقط! ماذا
قال الله تعالى؟ وماذا أوضح النبي وأهل
بيته المعصومون(ص)؟


كونوا علماء بعلم هؤلاء صلوات الله عليهم
، فإن كنتم كذلك وهديتم في عاشوراء شخصاً
واحداً وأرشدتموه وعلمتموه من علمهم
وفقههم الأصيل ، التي هي شريعة الله
سبحانه ، عندئذ يكون الأجر والجزاء: كان
معنا في الرفيق الأعلى !!


كان معنا لايتصور مقام أعلى من هذا المقام
! فاعرفوا مقامكم ، واعرفوا مع من تتعاملون
، وإلى من تتركون أولادكم ونساءكم عندما
تذهبون الى منطقة فيها جهال بالعقيدة
والشريعة ، فترشدون ولو يتيماً واحداً من
أيتام آل محمد الى معرفة مقامهم وعلومهم
وشريعتهم


مقامكم معهم، ومقام المعية للنبي وآله
الطاهرين لايتصور أعلى منه ! ولم يكتف
الحديث بإضافة المعية ، فأضاف اليها إضافة
الظرفية ! أما إضافة المعية فهي الرجوع
اليهم عند الله تعالى: يَا أَيَّتُهَا
النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إرْجِعِي
إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً
فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي
جَنَّتِي (سورة الفجر: 27- 30 ) وأما الإضافة
الظرفية فهي:كان معنا في الرفيق الأعلى،
ولنترك بحثه الى وقت آخر


المهم الآن أن نفهم عاشوراء ما هي؟ ويوم
من هي؟ هنا يتحير أهل العقول!


يوجد حديث يعرف قيمته أهل الخبرة بالحديث
وأهل الفهم للأحاديث، ويفهمون أنه إكسير
لا مثيل له ، رواه الكليني أعلى الله مقامه
في الكافي ، والصدوق أعلى الله مقامه في
كمال الدين ، وبقية المشايخ من كبار
المحدثين والفقهاء، وهو معروف باسم (حديث
اللوح) هذا الحديث جاء به جبرئيل(ع) الى
رسول الله(ص)، مكتوباً على لوح زبرجد،
تحفةً لفاطمة الزهراء(ع)، تهنئةً لها
بولادة الإمام الحسين(ع)، وفيه أسماء
الأئمة من أولادها ، مع ذكر أهم خصوصياتهم
صلوات الله علييهم ومن نصه: (عظم يا محمد
أسمائي واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إني
أنا الله إله إلا أنا ، قاصم الجبارين ،
ومديل المظلومين، وديان الدين إني أنا
الله لا إله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي أو
خاف غير عدلي عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً
من العالمين فإيايَ فاعبد، وعليَّ فتوكل
إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت
مدته إلا جعلت له وصياً، وإني فضلتك على
الأنبياء، وفضلت وصيك على الأوصياء،
وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت
حسناً معدن علمي ، بعد انقضاء مدة أبيه ،
وجعلت حسيناً خازن وحيي،وأكرمته بالشهادة
وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من استشهد
وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة
معه ، وحجتي البالغة عنده ، بعترته أثيب
وأعاقب ) انتهى (1)


في هذا الحديث ثمانية مقامات للإمام
الحسين(ع)عدا أن الحديث في أصله تهنئةٌ
وبشرى من رب العالمين عز وجل للنبي(ص)،
ولوصيه علي وللصديقة الزهراء أم الأئمة ،
بمناسبة ولادة الإمام الحسين(ع)


أولها: وجعلت حسيناً خازن وحيي، فما هو
الوحي الذي جعل الله الحسين خازناً له؟
ومن أين يبدأ وحي الله ، وأين ينتهي؟ يبدأ
من قوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ
الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ
عَلَىالْمَلائِكَةِ فَقَالَ
أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ وينتهي عند قوله
تعالى: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا
أَوْحَى وقوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى !!


هذا الوحي كله مخزون في قلب الحسين بن علي
بن أبي طالب(ع)!!


وجعلت حسيناً خازن وحيي، ومتى نحن عرفناه
صلوات الله عليه، حتى نفهم عاشوراءه ما
هي؟ ونعرف ماذا حدث في ذلك اليوم؟ ودم أي
شخص أريق؟ إن كلمات الله تعالى لا أستطيع
أنا ولا غيري أن يفهم عمقها ، إنما ندرك
منها شعاعاً ! ومن يستطيع أن يفهم معنى:
خازن الوحي، وشخصية خازن الوحي، إلا الذي
يعرف الوحي ما هو؟! فذلك الذي يعرف حقيقة
الوحي ، ويعرف الفرق بين الوحي والعقل
والفكر !


إن الكلمات التي كلم الله بها موسى(ع)وقال
عنها عز وجل: وَرُسُلاً قَدْ
قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ
وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ
وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيماً (سورة
النساء:164 )، ذكرها بصيغة المفعول المطلق
وأجملها إجمالاً ، لأنها شعبةٌ من الموضوع
، وكلماتٌ من الكلمات أما تمام هذه الكلمات
فهي مخزونة في قلب الحسين بن علي(ع)! القلب
الذي وقع فيه ذلك السهم في يوم عاشوراء
والقلب الذي أريق منه ذلك الدم يوم
عاشوراء !


إقرأ كامل الزيارات لتفهم ماذا يقول
الأئمة عن مقام الإمام الحسين(ع)!


إن حول قبره عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً
، مهبطٌ للملائكة من السماء ومعراجٌ لهم !
والأهم هذه الجملة قوله(ع): فليس من ملك
مقرب ولا نبي مرسل إلا وهو يسأل الله تعالى
أن يزور الحسين، ففوج يهبط وفوج يصعد! (2)


هذا هو الإمام الحسين(ع)، الذي غير ماهية
يوم عاشوراء فصار: لا يوم كيومك يا أبا عبد
الله الذي يأتي لزيارته كل ليلة جمعة ، كل
الأنبياء(ع)بلا استثناء ، من آدم النبي
الخاتم ، وكل الأوصياء(ع)بلا استثناء !!


من خصوصيات الإمام الحسين(ع)أن الفاتحة
التي تقرأ لروح الأموات المدفونين بجواره
في كربلاء، لو قسمت لوصل الى الواحد منهم
ما لا يحصيه القلم ! ذلك هو سيد الشهداء ،
وذلك هو دمه الشريف , وأي دم ؟!


هذا الدم الطاهر لا تجعلوه تجارة ، ولا
تستعملوه من أجل منصب فلان وفلان! إنه رأس
مال حق ، يجب أن يستفاد منه للحق والحق
ثلاث كلمات فقط، الملك الحق: فَتَعَالَى
اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ (سورة طـه:114)،
والثانية الدين الحق: هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ
الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَىالدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
(سورة التوبة:33 )، والثالثة: السلام على
الحق الجديد صلوات الله عليه


والنتيجة: أن عاشوراء يجب حصر إنفاقها في
التعريف بالله تعالى ودينه ، وحجته إمام
العصر صلوات الله عليه ، لأنه صاحبها
عندما أريق دمه قال: بسم الله وبالله وفي
سبيل الله بسم الله وبالله وفي سبيل الله
فاستفيدوا من هذا الدم في سبيل الله ، لكي
تروا خير الدنيا والآخرة ، ولا يكون أحدنا
ممن: خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ
ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (
سورة الحج: 11 )


التعليقات


(1) حديث اللوح ، حديث عظيم ، وهو من معجزات
نبينا(ص)، وهو كتاب من الله تعالى نزل به
جبرئيل على النبي(ص)، في لوح أخضر كالزمرد
مكتوب بنور أبيض وفيه بيان نعم الله تعالى
على نبيه وتوجيهه الى شكرها، خاصة نعمته
عليه في جعل الحكم والإمامة في ذريته وله
شبيه فيما أوحاه الله الى نبيه موسىونبيه
عيسى(ص)


وفيما يلي خلاصة من عهد الله تعالى لموسى
وعيسى(ص)، والنص الكامل لحديث اللوح الذي
عهد به لنبيه محمد(ص):


عهد الله تعالى الى نبيه موسى(ع)


في الكافي:8/42: (عن علي بن إبراهيم، عن أبيه
، عن عمرو بن عثمان ، عن علي بن عيسى رفعه
قال: إن موسى ناجاه الله تبارك وتعالى فقال
له في مناجاته:


يا موسى: لا يطول في الدنيا أملك فيقسو
لذلك قلبك وقاسي القلب مني بعيد


يا موسى: كن كمسرتي فيك فإن مسرتي أن أطاع
فلا أعصى ، فأمت قلبك بالخشية وكن خلق
الثياب جديد القلب ، تخفى على أهل الأرض ،
وتعرف في أهل السماء ، حلس البيوت ، مصباح
الليل ، واقنت بين يدي قنوت الصابرين ،
وصُحْ إليَّ من كثرة الذنوب صياح المذنب
الهارب من عدوه، واستعن بي على ذلك، فإني
نعم العون ونعم المستعان


يا موسى: إني أنا الله فوق العباد ،
والعباد دوني ، وكل لي داخرون ، فاتهم نفسك
على نفسك ، ولا تأتمن ولدك على دينك ، إلا
أن يكون ولدك مثلك يحب الصالحين


يا موسى: اغسل واغتسل واقترب من عبادي
الصالحين


يا موسى: كن إمامهم في صلاتهم وإمامهم
فيما يتشاجرون ، واحكم بينهم بما أنزلت
عليك ، فقد أنزلته حكماً بيناً وبرهاناً
نيراً ونوراً، ينطق بما كان في الأولين ،
وبما هو كائن في الآخرين


أوصيك يا موسى وصية الشفيق المشفق بابن
البتول عيسى بن مريم ، صاحب الأتان
والبرنس ، والزيت والزيتون والمحراب


ومن بعدِهِ بصاحب الجمل الأحمر ، الطيب
الطاهر المطهر ، فمثله في كتابك أنه مؤمن
مهيمن على الكتب كلها ، وأنه راكع ساجد
راغب راهب ، إخوانه المساكين ، وأنصاره
قوم آخرون ، ويكون في زمانه أزل وزلزال ،
وقتل وقلة من المال إسمه أحمد ، محمد
الأمين، من الباقين من ثلة الأولين
الماضين، يؤمن بالكتب كلها، ويصدق جميع
المرسلين ويشهد بالإخلاص لجميع النبيين
أمته مرحومة مباركة ما بقوا في الدين على
حقائقه ، لهم ساعات مؤقتات يؤدون فيها
الصلوات ، أداء العبد إلى سيده نافلته ،
فبه فصدق ، ومنهاجه فاتبع فإنه أخوك


يا موسى: إنه أمي وهو عبد صدق ، يبارك له
فيما وضع يده عليه ، ويبارك عليه كذلك كان
في علمي وكذلك خلقته ، وبه أفتح الساعة ،
وبأمته أختم مفاتيح الدنيا ، فمر ظلمة بني
إسرائيل أن لا يدرسوا اسمه ولا يخذلوه ،
وإنهم لفاعلون ، حبه لي حسنة ، فأنا معه
وأنا من حزبه وهو من حزبي وحزبهم الغالبون
، فتمت كلماتي لأظهرن دينه على الأديان
كلها ، ولأعبدن بكل مكان ، ولأنزلن عليه
قرآناً فرقاناً شفاءاً لما في الصدور من
نفث الشيطان ، فصلِّ عليه يا ابن عمران ،
فإني أصلي عليه وملائكتي الى آخر ما جاء في
هذا العهد وهو طويل)


عهد الله تعالى الى نبيه عيسى(ع)


في الكافي:8/131: (عن علي بن إبراهيم ، عن
أبيه ، عن علي بن أسباط عنهم(ع)قال: فيما
وعظ الله عز وجل به عيسى(ع):


يا عيسى أنا ربك ورب آبائك ، إسمي واحد ،
وأنا الأحد المتفرد بخلق كل شئ ، وكل شئ من
صنعي ، وكل إلي راجعون


يا عيسى: أنت المسيح بأمري ، وأنت تخلق من
الطين كهيئة الطير بإذني ، وأنت تحيي
الموتى بكلامي ، فكن إليَّ راغباً ، ومني
راهباً ، ولن تجد مني ملجأ إلا إليَّ


يا عيسى: أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة
حتى حقت لك مني الولاية بتحرِّيك مني
المسرة ، فبوركت كبيراً ، وبوركت صغيراً
حيثما كنت ، إشهد أنك عبدي ابن أمتي ،
أنزلني من نفسك كهمِّك ، واجعل ذكري
لمعادك ، وتقرب إليَّ بالنوافل ، وتوكل
عليَّ أكفِكْ ، ولا توكَّل على غيري
فأخذلك


يا عيسى: إصبر على البلاء ، وارض بالقضاء ،
وكن كمسرتي فيك ، فإن مسرتي أن أطاع فلا
أعصى يا عيسى: أحي ذكري بلسانك ، وليكن ودي
في قلبك يا عيسى: تيقظ في ساعات الغفلة ،
واحكم لي لطيف الحكمة يا عيسى: كن راغباً
راهباً ، وأمت قلبك بالخشية يا عيسى: راع
الليل لتحري مسرتي ، واظمأ نهارك ليوم
حاجتك عندي


يا عيسى: نافس في الخير جهدك ، تعرف بالخير
حيثما توجهت


يا عيسى: أحكم في عبادي بنصحي ، وقم فيهم
بعدلي ، فقد أنزلت عليك شفاءا لما في
الصدور من مرض الشيطان يا عيسى: لا تكن
جليساً لكل مفتون


يا عيسى: حقا أقول: ما آمنت بي خليقة إلا
خشعت لي، ولاخشعت لي إلا رجت ثوابي، فاشهد
أنها آمنة من عقابي، ما لم تبدل أو تغير
سنتي


يا عيسى: إني لم أرض بالدنيا ثواباً لمن
كان قبلك ، ولا عقاباً لمن انتقمت منه


يا عيسى: إنك تفنى وأنا أبقى ، ومني رزقك ،
وعندي ميقات أجلك ، وإليَّ إيابك ، وعليَّ
حسابك ، فسلني ولا تسأل غيري ، فيحسن منك
الدعاء ومني الاجابة


يا عيسى: ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر ،
الأشجار كثيرة وطيبها قليل ، فلا يغرنك
حسن شجرة حتى تذوق ثمرها


يا عيسى: لا يغرنك المتمرد عليَّ بالعصيان
، يأكل رزقي ويعبد غيري، ثم يدعوني عند
الكرب فأجيبه ، ثم يرجع إلى ما كان عليه
فعليَّ يتمرد أم بسخطي يتعرض ؟ فبي حلفت
لآخذنه أخذةً ليس له منها منجىً ولا دوني
ملجىً، أين يهرب من سمائي وأرضي ؟!


يا عيسى: قل لظلمة بني إسرائيل لا تدعوني
والسحت تحت أحضانكم ، والأصنام في بيوتكم
، فإني آليت أن أجيب من دعاني ، وأن أجعل
إجابتي إياهم لعناً عليهم حتى يتفرقوا


يا عيسى: كن رحيما مترحماً ، وكن كما تشاء
أن يكون العباد لك ، وأكثر ذكر الموت
ومفارقة الأهلين ، ولا تَلْهُ فإن اللهو
يفسد صاحبه ، ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد
، واذكرني بالصالحات حتى أذكرك


يا عيسى: لا خير في لذاذة لا تدوم ، وعيش من
صاحبه يزول


يا ابن مريم لو رأت عينك ما أعددت
لأوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك
شوقاً إليه ، فليس كدار الآخرة دار تجاور
فيها الطيبون ، ويدخل عليهم فيها الملائكة
المقربون ، وهم مما يأتي يوم القيامة من
أهوالها آمنون ، دار لا يتغير فيها النعيم
ولا يزول عن أهلها


يا ابن مريم: نافس فيها مع المتنافسين
فإنها أمنية المتمنين ، حسنة المنظر ،
طوبى لك يا بن مريم إن كنت لها من العاملين
، مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم ،
لا تبغي لها بدلاً ولا تحويلاً ، كذلك أفعل
بالمتقين


يا عيسى: أهرب إليَّ مع من يهرب من نار ذات
لهب ، ونار ذات أغلال وأنكال ، لا يدخلها
روح ، ولا يخرج منها غم أبداً ، قطع كقطع
الليل المظلم من ينج منها يفز ، ولن ينجو
منها من كان من الهالكين ، هي دار الجبارين
والعتاة الظالمين ، وكل فظ غليظ ، وكل
مختال فخور


يا عيسى: كنت خلقاً بكلامي ، ولدتك مريم
بأمري ، المرسل إليها روحي جبرئيل الأمين
من ملائكتي ، حتى قمت على الأرض حياً تمشي
، كل ذلك في سابق علمي


يا عيسى: كيف يكفر العباد بي ونواصيهم في
قبضتي ، وتقلبهم في أرضي ، يجهلون نعمتي ،
ويتولون عدوي ، وكذلك يهلك الكافرون


يا عيسى: إني إذا غضبت عليك لم ينفعك رضى
من رضي عنك ، وإن رضيت عنك لم يضرك غضب
المغضبين يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في
نفسي ، واذكرني في ملائك أذكرك في ملأ خير
من ملأ الآدميين


يا عيسى: كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم
كتاباً ينطق بالحق وأنتم تشهدون ، بسرائر
قد كتمتموها ، وأعمال كنتم بها عاملين


يا عيسى: قل لظلمة بني إسرائيل غسلتم
وجوهكم ودنستم قلوبكم ، أبي تغترون ، أم
علي تجترئون ، تطيبون بالطيب لأهل الدنيا
، وأجوافكم عندي بمنزله الجيف المنتنة ،
كأنكم أقوام ميتون


يا عيسى قل لهم: قلموا أظفاركم من كسب
الحرام ، وأصموا أسماعكم عن ذكر الخنا ،
وأقبلوا علي بقلوبكم ، فإني لست أريد
صوركم


يا عيسى: إفرح بالحسنة ، فإنها لي رضىً ،
وابكِ على السيئة فإنها شيْن ، وما لا تحب
أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك ، وإن لطم خدك
الأيمن فأعطه الأيسر ، وتقرب إليَّ
بالمودة جهدك ، وأعرض عن الجاهلين


يا عيسى: ذُلَّ لأهل الحسنة وشاركهم فيها
، وكن عليهم شهيداً ، وقل لظلمة بني
إسرائيل: يا أخدان السوء والجلساء عليه ،
إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير


يا عيسى قل لظلمة بني إسرائيل: الحكمة
تبكي فرقاً مني ، وأنتم بالضحك تهجرون ،
أتتكم براءتي أم لديكم أمان من عذابي ، أم
تعرضون لعقوبتي ، فبي حلفت لأتركنكم مثلاً
للغابرين


ثم أوصيك يا ابن مريم البكر البتول بسيد
المرسلين وحبيبي، فهو أحمد صاحب الجمل
الأحمر، والوجه الأقمر ، المشرق بالنور ،
الطاهر القلب ، الشديد البأس ، الحيي
المتكرم ، فإنه رحمة للعالمين ، وسيد ولد
آدم يوم يلقاني ، أكرم السابقين عليَّ ،
وأقرب المرسلين مني، العربي الأمين ،
الديان بديني ، الصابر في ذاتي ، المجاهد
المشركين بيده عن ديني ، أن تخبر به بني
إسرائيل وتأمرهم أن يصدقوا به، وأن يؤمنوا
به، وأن يتبعون وأن ينصروه قال عيسى: إلهي
من هو حتى أرضيه ؟ فلك الرضا ؟


قال: هو محمد رسول الله إلى الناس كافة ،
أقربهم مني منزلة ، وأحضرهم شفاعة ، طوبى
له من نبي ، وطوبى لأمته إن هم لقوني على
سبيله ، يحمده أهل الأرض ويستغفر له أهل
السماء ، أمين ميمون طيب مطيب ، خير
الباقين عندي ، يكون في آخر الزمان إذا خرج
أرخت السماء عزاليها ، وأخرجت الأرض
زهرتها ، حتى يروا البركة وأبارك لهم فيما
وضع يده عليه ، كثير الأزواج ، قليل
الأولاد ، يسكن بكة موضع أساس إبراهيم


يا عيسى: دينه الحنيفية وقبلته يمانية ،
وهو من حزبي وأنا معه ، فطوبى له ثم طوبى له
، له الكوثر والمقام الأكبر في جنات عدن ،
يعيش أكرم من عاش ويقبض شهيداً ، له حوض
أكبر من بكة إلى مطلع الشمس من رحيق مختوم
، فيه آنية مثل نجوم السماء وأكواب مثل مدر
الأرض ، عذب فيه من كل شراب ، وطعم كل ثمار
في الجنة ، من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً ،
وذلك من قسمي له وتفضيلي إياه على فترة
بينك وبينة ، يوافق سره علانيته وقوله
فعله ، لا يأمر الناس إلا بما يبدأهم به ،
دينه الجهاد في عسر ويسر ، تنقاد له البلاد
، ويخضع له صاحب الروم على دين إبراهيم ،
يسمى عند الطعام ويفشي السلام ، ويصلي
والناس نيام ، له كل يوم خمس صلوات
متواليات ، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش
بالشعار ، ويفتتح بالتكبير ويختتم
بالتسليم ، ويصف قدميه في الصلاة كما تصف
الملائكة أقدامها ، ويخشع لي قلبه ورأسه ،
النور في صدره ، والحق على لسانه ، وهو على
الحق حيثما كان)


حديث اللوح أو عهد الله تعالى لنبيه
محمد(ص)


في الكافي:1/527: ( عن محمد بن يحيى ومحمد بن
عبد الله ، عن عبد الله بن جعفر عن الحسن بن
ظريف وعلي بن محمد ، عن صالح بن أبي حماد ،
عن بكر بن صالح ، عن عبدالرحمن بن سالم،عن
أبي بصير، عن أبي عبدالله(ع)قال:قال أبي
لجابر بن عبدالله الانصاري إن لي إليك
حاجة فمتى يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها
؟ فقال له جابر:أي الأوقات أحببته، فخلا به
في بعض الأيام فقال له:ياجابر أخبرني عن
اللوح الذي رأيته في يد أمي فاطمة(ع)بنت
رسول الله(ص)وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك
اللوح مكتوب ؟ فقال جابر: أشهد بالله أني
دخلت على أمك فاطمة(ع)في حياة رسول الله(ص)
فهنيتها بولادة الحسين ورأيت في يديها
لوحا أخضر ، ظننت أنه من زمرد ورأيت فيه
كتاباً أبيض، شبه لون الشمس ، فقلت لها:
بأبي وامي يابنت رسول الله(ص) ما هذا
اللوح؟ فقالت: هذا لوح أهداه الله إلى رسول
الله (ص)فيه اسم أبي واسم بعلي واسم ابني
واسم الأوصياء من ولدي وأعطانيه أبي
ليبشرني بذلك ، قال جابر فأعطتنيه أمك
فاطمة(ع) فقرأته واستنسخته ، فقال له أبي:
فهل لك يا جابر: أن تعرضه علي؟ قال: نعم،
فمشى معه أبي إلى منزل جابر فأخرج صحيفة من
رق ، فقال: يا جابر انظر في كتابك لأقرأ
عليك


فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي ، فما خالف
حرف حرفاً ، فقال جابر: فأشهد بالله أني
هكذا رأيته في اللوح مكتوباً:


(بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله
العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره وسفيره
وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين من عند
رب العالمين عظم يا محمد أسمائي واشكر
نعمائي ولا تجحد آلائي، إني أنا الله إله
إلا أنا قاصم الجبارين ومديل المظلومين
وديان الدين إني أنا الله لا إله إلا أنا ،
فمن رجا غير فضلي أو خاف غير عدلي، عذبته
عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين فإياي
فاعبد ، وعليَّ فتوكل


إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه وانقضت
مدته إلا جعلت له وصياً ، وإني فضلتك على
الأنبياء وفضلت وصيك على الأوصياء،
وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن وحسين، فجعلت
حسناً معدن علمي، بعد انقضاء مدة أبيه
وجعلت حسيناً خازن وحيي، وأكرمته
بالشهادة وختمت له بالسعادة، فهو أفضل من
استشهد وأرفع الشهداء درجة، جعلت كلمتي
التامة معه وحجتي البالغة عنده ، بعترته
أثيب وأعاقب


أولهم علي سيد العابدين وزين أوليائي
الماضين ، وابنه شبه جده المحمود محمد ،
الباقر علمي ، والمعدن لحكمتي


سيهلك المرتابون في جعفر ، الراد عليه
كالراد علي، حق القول مني لأكرمن مثوى
جعفر، ولأسرنه في أشياعه وأنصاره
وأوليائه


أتيحت بعده موسى فتنة عمياء حندس، لأن خيط
فرضي لا ينقطع، وحجتي لا تخفى، وإن أوليائي
يسقون بالكأس الأوفى ، من جحد واحداً منهم
فقد جحد نعمتي، ومن غير آية من كتابي فقد
افترى علي


ويل للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة
موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في علي وليي
وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوة ،
وأمتحنه بالاضطلاع بها، يقتله عفريت
مستكبر ، يدفن في المدينة التي بناها
العبد الصالح ، إلى جنب شر خلقي


حق القول مني لأسرنه بمحمد ابنه، وخليفته
من بعده، ووارث علمه، فهو معدن علمي،
وموضع سري ، وحجتي على خلقي لا يؤمن عبد به
إلا جعلت الجنة مثواه ، وشفعته في سبعين من
أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار


وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري،
والشاهد في خلقي، وأميني على وحيي


أخرج منه الداعي إلى سبيلي ، والخازن
لعلمي ، الحسن


وأكمل ذلك بابنه "م ح م د " رحمة للعالمين ،
عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب ،
فيذل أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم
كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ، فيقتلون
ويحرقون ، ويكونون خائفين، مرعوبين وجلين
، تصبغ الأرض بدمائهم ، ويفشو الويل
والرنا في نسائهم ، أولئك أوليائي حقاً ،
بهم أدفع كل فتنة عمياء حندس ، وبهم أكشف
الزلازل وأدفع الآصار والأغلال ، أولئك
عليهم صلوات من ربهم ورحمة، وأولئك هم
المهتدون


قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو
لم تسمع في دهرك ، إلا هذا الحديث لكفاك ،
فصنه إلا عن أهله ) انتهى


ورواه ابن بابويه في الإمامة والتبصرة
ص104، والصدوق في عيون أخبار الرضا:2/49، وفي
كمال الدين ص310، والنعماني في الغيبة ص64،
والطوسي في الغيبة ص 145، والطبرسي في
الإحتجاج:1/85 ، وابن شهر آشوب في
المناقب:1/255 ، وغيرهم رضوان الله عليهم


(2) في كامل الزيارات ص225: (حدثني القاسم بن
محمد بن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن جده
، عن عبد الله بن حماد الأنصاري ، عن عبد
الله بن سنان ، قال: سمعت أبا عبد الله
يقول: قبر الحسين عشرون ذراعاً في عشرين
ذراعاً مكسراً ، روضة من رياض الجنة ، منه
معراج الى السماء فليس من ملك مقرب ولا نبي
مرسل إلا وهو يسأل الله تعالى أن يزور
الحسين ، ففوج يهبط وفوج يصعد) !!


(26)الخيار بين عاشوراء وعيد النوروز


( بتاريخ: 21 ذي الحجة 1422 ـ 6/3/2002 ـ 15/12/1380 )


بمناسبة قرب عاشوراء ، وأن هذا اليوم آخر
أيام البحث أقدم ملاحظات الى الأفاضل
الذين يتوفقون في هذه الأيام لأداء خدمة
التبليغ الكبيرة ، التي لا يقدر ثوابها
ولا يوصف


أوصيهم أولاً: أن يفتتحوا كل مجلس من
مجالسهم ، بعد القرآن ، بزيارة: سلام على
آل ياسين، حتى يكون المجلس مشمولاً لإشراق
شمس وجود الإمام المهدي أرواحنا فداه


وأوصيهم ثانياً: أن يعلموا الناس أحكام
الإسلام من الحلال والحرام ، لأن المنبر
الخالي من إرشاد الجاهل وتنبيه الغافل ،
لايكون مشمولاً لرضا النبي والأئمة صلوات
الله عليهم


وأوصيهم ثالثاً: أن يرسخوا أصول عقائد
الناس


فإن كانت مجالسكم بهذه الصفات ، انطبقت
على أحدكم ثلاثة عناوين: الأول، عنوان
المرابطة في سد ثغور المسلمين، ودفع
الشبهات عن قلوب أهل الدين والعنوان
الثاني، عنوان الجهاد في سبيل الله تعالى
والثالث، أنه من كافلي أيتام آل محمد(ص)


فهنيئاً لكم حيث أن كل واحد منكم يذهب الى
التبليغ بيد خالية ، ولكنه يرجع بيد
مملوءة، فهو مرابط ، ومجاهد ، وكافل
لأيتام آل محمد(ص) وهذا كله في عصر الغيبة
الذي يتضاعف فيه الثواب


وأوصيكم رابعاً: بوصية خاصة في هذه السنة
التي يتقارن فيها عيد النوروز بأيام
عاشوراء ، لا بد أن يفهم الناس ما معنى
عزاء أبي عبدالله الحسين(ع)؟ وأي مصيبة
كانت مصيبته ؟!


عندي كلمات أقولها في هذا اليوم، لكن ليست
لكل الناس، فالناس قسمان: قسم لا شغل لهم
بسيد الشهداء(ع)، ونحن لا شغل لنا بهم !


أما الذين لهم به شغل(ع)، ومّنْ مِنَّا ليس
له شغل معه(ع)ونحن عما قريب سنواجه سكرات
الموت التي لا توصف، وليس عندنا لآخرتنا
شئ !


إن تصور أحدنا أنه يملك شيئاً هو منتهى
الجهل ! فلو عرفنا أنفسنا وعرفنا الله
تعالى ، لفهمنا أننا لانملك شيئاً إلا
الأمل بأن يتداركنا برحمته، ويشرفنا عند
احتضارنا بحضور أمير المؤمنين(ع)


والحاجة الثانية، التي لنا عند الإمام
الحسين(ع)وقتها في أول ليلة نحل فيها في
قبرنا ، في تلك الظلمة الموحشة ، والحيرة
المذهلة ، حيث لاحبيب ولا مؤنس ولا قريب ،
ولا نور إلا نور جماله الرباني ، وجمال جده
وأهل بيته الطاهرين(ع)


والحاجة الثالثة، وهنا انقطعت الكهرباء
فقال الأستاذ: ليس مهماً أن تنقطع
الكهرباء ، لا بأس ففي كل شئ عبرة ، قلنا إن
المهم لنا يومذاك هو نور الإمام الحسين(ع)،
حاجتنا الثالثة للإمام الحسين(ع)يوم
القيامة: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا
بَنُونَ (سورة الشعراء: 88) ، يوم لا وجود
لعمل الإنسان إلا بالنور: يَوْمَ لا
يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ
آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ
يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا
نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى
كُلِّ شئ قَدِيرٌ (سورة التحريم: 8) وَمَنْ
لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا
لَهُ مِنْ نُورٍ (سورة النور: 40 ) فكما أن
اتصال هذه السلك بتيار الكهرباء ومنبعها
يضئ المكان ، فإن اتصال قلبنا وعقلنا
بمركز نور الإمام الحسين(ع)يضئ ما حولنا
فيسعى نورنا يوم القيامة بين أيدينا
وبأيماننا !


إن المثل الذي ضربه الله لنا وأرشدنا فيه
الى مركز نوره في الأرض ، إنما هو لنور سيد
الأنبياء والرسل وآله سادة الأئمة
والأوصياء صلوات الله عليهم: مَثَلُ
نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ
الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَة
ٍالزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ
مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ
وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ
الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ
شئ عَلِيمٌ (سورة النور:35 )


نحن من ناحية العمل، لا شئ عندنا ليوم
موتنا وقبرنا وحشرنا ، إلا مثل هذا الظلام
الذي سببه انقطاع الكهرباء ! وكل ما في
كتابنا إنما هو كلمة واحدة هي ولاية
الحسين وحب الحسين(ع)!


وهذا الحب إذا حل في قلب إنسان ، يستطيع
صاحبه أن يفهم أي مصيبة أصيبها الوجود في
عاشوراء بسيد الشهداء(ع)، وماذا أثرت في
الوجود ؟


إن واجبكم فرداً فرداً أن تحبوا
الحسين(ع)وتَفهموا وتُفهموا الناس معنى:
لا يوم كيومك يا أبا عبدالله !


ومن أجل أن نفهم عمل أبي عبدالله
الحسين(ع)نحتاج الى الإستعانة بقوله
تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا
عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا
يَعْمَلُونَ (سورة الأنعام:132) ، فإن جميع
الدرجات في نظام الحكمة الإلهية والعدل
الإلهي، تكون حسب العمل، فلا بد أن نعرف
العمل البشري ما هو ؟


ونحتاج الى الإستعانة بقواعد الحكمة التي
تننظر في كل عمل الى ثلاث نقاط: جذره الذي
هو مبدؤه ودافعه ، وثمرته أو منتهاه ، وأن
ننظر ثالثاً الى نفس العمل لذلك ينبغي أن
ننظر الى عمل سيد الشهداء(ع)من هذه الزوايا
الثلاث ، الى بعضه بنظرة الدليل ، وبعضه
بنظرة البرهان ، وبعضه عن طريق الإستدلال
بإنْ ، وبعضه عن طريق الإستدلال بلمَ ،
وبعضه بالطريقين وبعد ذلك ننظر الى نفس
العمل


وعندما ننظر الى عاشوراء من هذه الجهات
يتضح لنا وللعالم أنه لا يستطيع أحد أن
يفهم عمق شخصية الإمام الحسين(ع)، أو
يستوعب عظمة عمله !


أولاً، ماهو مبدأ عمله ودافعه اليه؟ إن
عمل الإنسان ودافعه ينبع من مقامه وعالمه
الذي يعيشه مع الله تعالى، ومقام الإمام
الحسين(ع)يفهمه الكاملون من أهل العرفان
من دعائه في عرفات بالمقايسة مع مقام نبي
الله يونس(ع)! فمقام يونس يدل عليه نداؤه
الذي ناداه في بطن الحوت: وَذَا النُّونِ
إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ
لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىفِي
الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ
سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ (سورة الأنبياء: 87 ) فمع أن
يونس(ع)في الصف الأول في عظماء السالكين
الى الله تعالى، فمقامه: لا إِلَهَ إِلا
أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ


أما مقام الحسين(ع)فنجده في دعائه في
عرفات حيث أضاف الى جملة نبي الله
يونس(ص)أحد عشر جملة ، كما في بعض الروايات:


لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
المستغفرين


لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الموحدين


لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الخائفين


لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الوجلين


لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الراجين


لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
المهللين


لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
السائلين


لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
المسبحين


لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
المكبّرين


لا إله إلا أنت سبحانك ربي ورب آبائي
الأولين


ومعنى هذا أن الإمام الحسين(ع)في الرتبة
الثانية عشرة من مقام يونس (ع)! وإِنَّ
عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا
عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ
خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ (سورة
التوبة: 36) ولا وجود لرتبة الثالث عشر في
نظام الكون وهذا يعني أن الإمام
الحسين(ع)في دعاء عرفة ، قد قطع مراحل شهور
المعرفة التي هي المعنى الباطن لهذه
الآية! وقال ليونس: أنت قلت:لا إله إلا أنت
سبحانك إني كنت من الظالمين، وبقيت
الكلمات الباقية لي فأنا أقولها ! ( راجع
إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس:2/84 ، وبحار
الأنوار:95/222 )


إن كل واحدة من هذه الجمل بحر من المعرفة
بلا قعر ، يغرق فيه جبرئيل وميكائيل
وإسرافيل! فمن يستطيع أن يفهم أنه(ع)عندما
قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من
الموحدين، كيف قطع اثنتي عشرة مرحلة من
التوحيد، من مقامات توحيد الألوهية إلى
توحيد الربوبية ، حتى وصل إلى توحيد
المحبة لربه ، فصار لسان حاله: تركت الخلق
طراً في هواكا !


هذا هو جذر العمل عند الحسين ودافعه ،
منبعه من:لا إله إلا أنت، التي وقف عندها
عرفاء الأولين والآخرين ، فأنى لهم بما
بعدها ؟!


أما نفس عمل الإمام الحسين(ع)ماذا كان؟
فهنا يصمت المتكلمون عن الكلام! يقول أبو
بصير&:(كنت عند أبي عبد الله(الإمام
الصادق(ع))أحدثه، فدخل عليه ابنه فقال له
مرحباً وضمه وقبله وقال: حقَّر الله من
حقركم، وانتقم ممن وَترَكم، وخذل الله من
خذلكم ، ولعن الله من قتلكم ، وكان الله
لكم ولياً وحافظاً وناصراً ، فقد طال بكاء
النساء وبكاء الأنبياء والصديقين
والشهداء وملائكة السماء ثم بكى وقال:


يا أبا بصير إذا نظرت الى ولد الحسين
أتاني ما لا أملكه مما أتي الى أبيهم
وإليهم، يا أبا بصير إن فاطمة لتبكيه
وتشهق فتزفر جهنم زفرة لولا أن الخزنة
يسمعون بكاءها وقد استعدوا لذلك مخافة أن
يخرج منها عنق أو يشرد دخانها فيحرق أهل
الأرض فيكبحونها مادامت باكية ،
ويزجرونها ويوثقون من أبوابها مخافة على
أهل الأرض ، فلا تسكن حتى يسكن صوت فاطمة


وإن البحار تكاد أن تنفتق فيدخل بعضها على
بعض ، وما منها قطرة إلا بها ملك موكل، فإذا
سمع الملك صوتها أطفأ نارها بأجنحته، وحبس
بعضها على بعض مخافة على الدنيا وما فيها
ومن على الأرض، فلا تزال الملائكة مشفقين
، يبكونه لبكائها، ويدعون الله ويتضرعون
إليه،ويتضرع أهل العرش ومن حوله،وترتفع
أصوات من الملائكة بالتقديس لله مخافة على
أهل الأرض ولو أن صوتاً من أصواتهم يصل الى
الأرض لصعق أهل الأرض ، وتقطعت الجبال
وزلزلت الأرض بأهلها


قلت: جعلت فداك إن هذا لأمرٌ عظيم! قال:
غيره أعظم منه ما لم تسمعه ، ثم قال لي: يا
أبا بصير أما تحب أن تكون فيمن يسعد فاطمة؟
فبكيت حين قالها، فما قدرت على المنطق،
وماقدرت على كلامي من البكاء، ثم قام إلى
المصلى يدعو، فخرجت من عنده على تلك الحال
، فما انتفعت بطعام وما جاءني النوم
وأصبحت صائماً وجلاً حتى أتيته،
فلمارأيته قد سكن سكنت، وحمدت الله حيث لم
تنزل بي عقوبة!) ( كامل الزيارات ص169 )


ماذا رأى أبو بصير ، وماذا كان حال الإمام
الصادق(ع)؟!


فهل نستطيع أن نفهم ما عرفه الإمام الصادق
من يوم جده أبي عبدالله(ع)؟ أو ندرك ماذا
قدم الإمام الحسين(ع)في يوم عاشوراء وماذا
جرى له ، حتى أن الصديقة الكبرى سيدة نساء
أهل الجنة(ع)، تبكي له في ملئها الأعلى
فتضج لها السماوات ، وتضج لغضبها النار
والبحار؟!


ماذا عمل الإمام الحسين(ع)حتى أن الإمام
المعصوم قال إن يومه لا شبيه له في الصعاب
الكبرى التي مرت على الأنبياء
والأوصياء(ع)، فقال عنه: ولا يوم كيومك يا
أبا عبد الله !


قال الإمام الصادق(ع): إن الحسين بن علي بن
أبي طالب(ع)دخل يوماً على الحسن(ع)فلما نظر
إليه بكى فقال له: ما يبكيك يا أبا عبد الله
؟ قال: أبكى لما يصنع بك فقال له الحسن: إن
الذي يؤتى إلي سمٌّ يُدسُّ إليَّ فأقتل به
، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله،
يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل ، يدعون أنهم من
أمةجدنا محمد، وينتحلون دين الاسلام،
فيجتمعون على قتلك،وسفك دمك، وانتهاك
حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب
ثقلك، فعندها تحل ببني أمية اللعنة، وتمطر
السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كل شئ حتى
الوحوش في الفلوات، والحيتان في البحار!) (
أمالي الصدوق ص177 )


هذه نفحةٌ عن دافع العمل ، وعن نفس العمل


أماثمرات عمله(ع)فقد روى شيخ المحدثين
الصدوق(ره)في ثواب الأعمال وشيخ
الطائفة(ره)في التهذيب ، وسند الرواية في
الكافي وفي كامل الزيارات في غاية
الإعتبار ، ومتنها في نهاية العظمة ، عن
الإمام الصادق(ع)قال:


( لِِمَوْضِعُ قبر الحسين حرمةٌ معلومة،
من عرفها واستجار بها أجير قلت: صف لي
موضعها؟ قال:إمسح من موضع قبره اليوم خمسة
وعشرين ذراعاً من قدامه، وخمسة وعشرين
ذراعاً عند رأسه،وخمسة وعشرين ذراعاً من
ناحية رجليه، وخمسة وعشرين ذراعاً من خلفه
وموضع قبره من يوم دفن روضة من رياض الجنة،
ومنه معراج يعرج منه بأعمال زواره إلى
السماء، وليس من ملك ولا نبي في السماوات
إلا وهم يسألون الله أن يأذن لهم في زيارة
قبر الحسين ففوجٌ ينزل و فوجٌ يعرج)
(الكافي:4/588 ، وكامل الزيارات ص457 )


ولا يتسع المجال لشرح هذا الحديث الشريف ،
فنكتفي بالإشارة الى فقرته الأخيرة: وليس
من ملك ولا نبي في السماوات إلا وهم يسألون
الله أن يأذن لهم في زيارة قبر الحسين ،
ففوجٌ ينزل وفوجٌ يعرج ! فقد استعمل(ع)صيغة
النفي والإستثناء ، في النص على التعميم !


وهذا يعني أن جبرئيل ناموس الوحي،
وميكائيل ناموس الرزق، وإسرافيل ناموس
النفخ، وعزرائيل ناموس القبض،
والكروبيين، وحملة العرش، وسكان البيت
المعمور، وحفظة الكرسي، وجميع ملائكة
الله في أرجاء الكون، بدون استثناء
يستأذنون الله في زيارة قبر الإمام
الحسين(ع)!


ولا نبي من آدم(ع)بعلمه
للأسماء،ونوح(ع)صاحب مقام العبد الشكور،
وإبراهيم(ع)صاحب رتبة خليل الله،
وموسى(ع)صاحب مقام كليم الله، وعيسى
(ع)صاحب منصب روح الله كلهم يطلبون في باب
الله سائلين، أن يأذن لهم في زيارة قبر
الحسين(ع)! هذه ثمرة عمل الإمام الحسين(ع)!


إن عملاً هذا جذره ودافعه، وهذه طبيعته،
وتلك ثمرته! واجبكم تجاهه أن تعرفوه ،
وتعرِّفوه للناس كما هو على حقيقته


إن الجهاز الحاكم لهذا البلد ، أولئك
الذين يتكئون على كرسي النيابة ، أو
يجلسون على كرسي الوزارة، أو يقعدون في
منصب الرئاسة إنما وصلوا الى مناصبهم
ببركة تاسوعاء وعاشوراء! ومقتضى شكر
المنعم عندما تتقارن عاشوراء مع عيد
النوروز كما في هذه السنة،أن تشطبوا على
كل مراسم الفرح وأن تبدؤوا كلامكم وخطبكم
بـ: السلام عليك ياأبا عبدالله، فابدؤوا
هذا الربيع الذي تزامن مع خزنة حدائق
النبي الأكرم(ص)، وانشروا رايات السواد
على معالم البلد في كل أرجائه


صلى الله عليك يا أبا عبدالله صلى الله
عليك يا أبا عبدالله


السلام على الحسين ، وعلى علي بن الحسين ،
وعلى أولاد الحسين ،


وعلى أصحاب الحسين


الفصل السابع


في جهاد الإمام الصادق(ع)وظلامته


(27)صاحب منبر فقه أهل البيت(ع)


( بتاريخ: 24 شوال 1422 ـ 9/1/2002 ـ 18/10/1380 )


قال بعض العلماء عن هذا المنبر، منبر فقه
أهل البيت(ع): إن هذا المنبر له صاحب !
وحديثنا اليوم عن صاحب هذا المنبر الإمام
جعفر بن محمد الصادق صلوات الله عليه ! هذا
المنبر له صاحب ونحن له ظالمون، وبحقه
مقصرون، فالأفضل لنا أن نعتذر اليوم
لظلمنا وتقصيرن


السؤال الأول: ماذا نعرف عن الإمام
الصادق(ع)؟


والسؤال الثاني: ماذا عملنا ونعمل للإمام
الصادق(ع)؟


أما جواب السؤال الأول، فنحن نتخيل أنا
نعرف الكثير عن الإمام الصادق(ع) مع أن
تصور حياته وظروفه مشكل، فكيف بمعايشتها؟!


عاش الإمام محاطاً بظروف اضطهاد شديدة من
دولة بني أمية ، ثم من دولة بني العباس!
وكان أبو العباس السفاح عدواً شديداً لأهل
البيت(ع)مع أنه كان يعظم الإمام الباقر(ع)،
ويعترف بفضله عليه !


وهذا نموذج من التشديد والرقابة التي كان
يعيش فيها الإمام(ع)، فقد كان السفاح وبعده
يحضرونه الى الحيرة وكانت عاصمتهم قبل
بغداد ، ويبقونه مدة طويلة، ويمنعون الناس
من الإتصال به مع أنه في عاصمتهم !


يصف أحد الرواة الأجلاء كيف احتاج الى
مسألة شرعية ، فاضطر إلى استعمال الحيلة
لكي يصل الى الإمام الصادق(ع)ليسأله عنها:
قال هارون بن خارجة: كان رجل من أصحابنا
طلق امرأته ثلاثاً، فسأل أصحابنا فقالوا:
ليس بشئ فقالت امرأته: لا أرضى حتى تسأل
أبا عبدالله(ع)وكان بالحيرة إذ ذاك أيام
أبي العباس قال: فذهبت إلى الحيرة ولم أقدر
على كلامه إذ منع الخليفة الناس من الدخول
على أبي عبد الله(ع)، وأنا أنظر كيف ألتمس
لقاءه ، فإذا سوادي (أي رجل من أهل العراق ،
وكان العراق يسمى السواد) عليه جبة صوف
يبيع خياراً ، فقلت له: بكم خيارك هذا كله؟
قال: بدرهم فأعطيته درهماً وقلت له: أعطني
جبتك هذه، فأخذتها ولبستها وناديت:من
يشتري خياراً! ودنوت منه، فإذا غلام من
ناحية ينادي: يا صاحب الخيار فقال(ع)لي لما
دنوت منه: ما أجود ما احتلت! أي شئ حاجتك؟
قلت: إني ابتليت فطلقت أهلي ثلاثاً في
دفعة، فسألت أصحابنا فقالوا ليس بشئ وإن
المرأة قالت لا أرضى حتى تسأل
أباعبدالله(ع)، فقال: إرجع إلى أهلك فليس
عليك شئ ( الخرائج :2/642 والبحار: 47/171 )


في مثل هذه الأجواء كان يعيش الإمام
الصادق(ع)، وعندما سنحت له فرصة قصيرة ظهر
منه من العلوم ما ملأ الآفاق ، من بحوث
التوحيد ونفي التعطيل والتجسيم والتشبيه
، الى بحوث علم الباري تعالى وقدرته
وإرادته ومشيئته ، الى بحث الذات المقدسة
، والصفات والأفعال والأسماء


الى مباحث العقل ، والمعاد ، والنبوة
العامة والخاصة ، وتاريخ الأنبياء(ع)،
ومباحث الإحتجاجات في الإمامة الكبرى
وتطبيقها الى المباحث المتعلقة بالسماء
والعالم ، مضافاً الى بحوث الفقه من باب
الطهارة الى الديات ، في كل أبواب
العبادات والمعاملات


ظهر منه في هذه الفترة القصيرة ما ملأ
العالم ، من أعلى العلوم وأبواب العلم
بالله تعالى، الى أعمقها وأغربها في ذلك
الزمن كعلم الكيمياء والإكسير !


فكم روى عنه محمد بن مسلم الثقفي في
الفقه؟!


وكم روى عنه جابر بن يزيد الجعفي في
الغيبيات ؟!


وقال له زرارة ذات يوم: جعلني الله فداك،
أسألك في الحج منذ أربعين عاماً فتفتيني!
فقال: يا زرارة، بيتٌ يحج قبل آدم(ع)بألفي
عام، تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً
! (من لا يحضره الفقيه:2/519 )


أما جابر بن حيان أبو الكيمياء والجبر فهو
تلميذ الإمام الصادق(ع)! فأين تعلم الإمام
الكيمياء وأطلق في العالم أصولها حتى صار
تلميذه جابر يعرف في جامعات الغرب باسم أب
الكيمياء ، ويقام له تمثال في جامعاتها ؟!
(1)


لقد اعترف الجميع من العامة والخاصة
والأجانب ، أن علم الجبر الذي هو مفتاح
استكشاف المجهولات وعلم ما يكون ، من
إملاء الإمام الصادق(ع) على جابر بن حيان !
(2)


هذه الموسوعية في العلوم التي كانت
معروفة في عصره وغير المعروفة، من أين أتى
بها الإمام الصادق(ع)؟!


إن الحديث عن شخصية الإمام الصادق(ع)فوق
قدرتنا ، لأنا لا نستطيع أن نصل الى فهمه
وتعريفه ، فما زالت كثير من أسرار شخصيته
غائباً عنا !


والذي يستطيع تعريف الإمام الصادق(ع)هو
الشخص الأول في العالم جده المصطفى(ص)،
الذي بشر به أمته قبل زمانه !


كانت شخصيته(ع)متميزة عن كل أهل عصره ، كما
هو الحال في شخصيات المعصومين(ع)وكان
الإمام محل تعظيم وإعجاب حتى من أعدائه
ومخالفيه! فقد رووا عن أئمة المذاهب
إعجاباً كبيراً به لا يشبهه إعجابهم بأحد !
قال الصدوق أعلى الله مقامه في الخصال ص167:
(حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله
عنه قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي
، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه قال:
حدثنا أبو أحمد محمد بن زياد الأزدي قال:
سمعت مالك بن أنس فقيه المدينة يقول: كنت
أدخل على الصادق جعفر بن محمد ، فيقدم لي
مخدة ويعرف لي قدراً ويقول: يا مالك إني
أحبك ، فكنت أسر بذلك وأحمد الله عليه وكان
لا يخلو من إحدى ثلاث خصال: إما صائماً وإما
قائماً وإما ذاكراً، وكان من عظماء
العبَّاد، وأكابر الزهاد، الذين يخشون
الله عز وجل، وكان كثير الحديث، طيب
المجالسة، كثير الفوائد، فإذا قال: قال
رسول الله، اخْضَرَّ مرةً واصْفَرَّ أخرى
، حتى ينكره من يعرفه !


ولقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته
عند الإحرام ، كان كلما هم بالتلبية انقطع
الصوت في حلقه وكاد يخر من راحلته، فقلت:
قل يا ابن رسول الله فلا بد لك من أن تقول
فقال: يا ابن أبي عامر كيف أجسر أن أقول:
لبيك اللهم لبيك، وأخشى أن يقول عز وجل لي:
لا لبيك ولا سعديك ! ) ( الخصال للصدوق ص167 ،
ورواه أيضاً في الأمالي ص234 ، وفي علل
الشرائع:4/234 ، عنه في البحار: 99/181 )


فإذا قال قال رسول الله، اخْضَرَّ مرةً
واصْفَرَّ أخرى، إنتبهوا لكي نفقه هذه
الكلمة لمالك بن أنس فإنه لا يمكن أن يحدث
هذا التغير في البدن عند ذكر اسم
النبي(ص)بدون أن يكون صاحبه متصلاً بالملأ
الأعلى بروح النبي(ص) روح الشخص الأول في
العالم المحيطة بالوجود ! فلا بد أن يحدث
انقلاب في الروح أولاًُ حتى يحدث في البدن
، وذلك بقانون العلاقة الجدلية بين الروح
والبدن ، والتأثير والتأثر بينهما !


لا بد أن تكون نفس الإمام
الصادق(ع)مستغرقة مع النفس العليا لخاتم
الرسل(ص)في عالم الملكوت ، حتى يحدث هذا
التحول والإنقلاب !


كان كلما هم بالتلبية انقطع الصوت في حلقه
وكاد يخرُّ من راحلته! والذي يفهم هذا
الموقف، هو الذي يفهم معنى قوله عندما كرر
قراءة (إياك نعبد وإياك نستعين) في صلاته
فخر مغشياً عليه! فسئل عن ذلك فقال: (ما زلت
أردد الآية حتى سمعتها من المتكلم بها)
(البحار: 89 /107)


إن هذا استغراقٌ في عالم الأنوار فوق تعقل
البشر ، بل وفوق تصورهم !


واسمعوا إلى هذه الشهادة من أبي جعفر
المنصور: (قال جعفر بن محمد الأشعث لابن
أبي عمير: أتدري ماكان سبب دخولنا في هذا
الأمر ومعرفتنا به، وما كان عندنا فيه ذكر
ولا معرفة شئ مما عند الناس ؟ قال قلت: ما
ذاك ؟


قال: إن أبا جعفر يعني أبا الدوانيق قال
لأبي محمد الأشعث: يا محمد إبغ لي رجلاً له
عقل يؤدي عني فقال له: إنس قد أصبته لك ،
هذا فلان بن مهاجر خالي ، قال فأتني به قال
فأتيته بخالي فقال له أبو جعفر: يابن مهاجر
خذ هذا المال ، فأعطاه ألوف دنانير أو ما
شاء الله من ذلك ، وائت المدينة، واْلقَ
عبد الله بن الحسن وعدة من أهل بيته فيهم
جعفر بن محمد فقل لهم إني رجل غريب من أهل
خراسان ، وبها شيعة من شيعتكم وجهوا اليكم
بهذا المال، فادفع إلى كل واحد منهم على
هذا الشرط كذا وكذا، فإذا قبضوا المال فقل
إني رسول وأحب أن يكون معي خطوطكم بقبضكم
ماقبضتم مني !


قال فأخذ المال وأتى المدينة ، ثم رجع إلى
أبي جعفر ، وكان محمد بن الأشعث عنده ،
فقال أبو جعفر: ما وراءك؟ قال: أتيت القوم
وفعلت ما أمرتني به ، وهذه خطوطهم بقبضهم،
خلا جعفر بن محمد فإني أتيته وهو يصلي في
مسجد الرسول (ص) فجلست خلفه وقلت ينصرف
فأذكر له ما ذكرت لأصحابه ، فعجل وانصرف ،
ثم التفت إلي فقال: يا هذا اتق الله ولا
تغُرَّنَّ أهل بيت محمد(ص)وقل لصاحبك اتقِ
الله ولا تغرن أهل بيت محمد فإنهم قريبوا
العهد بدولة بني مروان ، وكلهم محتاج ! قال
فقلت: وماذا أصلحك الله؟!


فقال: أدنُ مني، فأخبرني بجميع ما جرى
بيني وبينك، حتى كأنه كان ثالثنا! قال فقال
أبو جعفر: يابن مهاجر، إعلم إنه ليس من أهل
بيت نبوة إلا وفيهم محدَّث، وإن جعفر بن
محمد محدَّث اليوم! فكان هذه دلالة أنا
قلنا بهذا المقالة) (بصائر الدرجات ص265)


هذا الأعتراف من المنصور الدوانيقي أعدى
أعداء الإمام(ع)إذعانٌ منه بأن الإمام
محدَّثٌ من ربه ! والمحدَّث هو الإنسان ذو
الجنبتين، فهو بين الملك والملكوت ، بين
الناسوت واللاهوت ، بين الغيب والشهادة !


فكم هو مظلوم الإمام الصادق(ع)، من أولئك
الجبارين ، ومنا أيضاً !


ثم ماذا نقول عن علم الإمام الصادق(ع)، وعن
مقامه ، وعن عبادته ، وعن مكارم أخلاقه؟ إن
كل ما قيل ويقال عنه(ع)قليل في حقه ! ( نام
رجل من الحاج في المدينة، فتوهم أن هميانه
سرق، فخرج فرأى جعفر الصادق(ع) مصلياً ولم
يعرفه ، فتعلق به وقال له: أنت أخذت همياني!
قال: ما كان فيه؟ قال: ألف دينار قال: فحمله
إلى داره ووزن له ألف دينار! وعاد إلى
منزله ووجد هميانه ، فعاد إلى جعفر
معتذراً بالمال ، فأبى قبوله وقال: شئٌ خرج
من يدي لا يعود إليَّ قال فسأل الرجل عنه
فقيل هذا جعفر الصادق ، قال لا جرم هذا
فعال مثله !) (المناقب لابن شهر آشوب:3/394 )


إنه من نور من قال الله تعالى فيه:
وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ !


صلوات الله عليك يا حجة الله، لقد تحير
فيك الأولون والآخرون ، فماذا نقول نحن
فيك ، وفي مقامك ، إلا أن نعترف بتقصيرنا
في حقك ؟!


في هذا البلد إذا أهين مسؤول ، إذا تجرأ
أحد على شخصية ، تستنفر مخابرات البلد،
وقواه الأمنية، وقواه القضائية، وينشغل
الجميع ، لأن الشخص الفلاني أهين ، وتجرأ
أحد عليه !


إن أي شخص ، أي شخصية ، ليست نسبته الى
الإمام الصادق كنسبة الشمع الى الشمس؟ كلا
فهذا كلام جهال ! إنها نسبة الظلمة الى نور
الأنوار !


لقد كان عند آصف بن برخيا وزير
سليمان(ع)حرف واحد من اثنين وسبعين حرفاً
من اسم الله الأعظم ، فأحضر به عرش بلقيس،
وجعفر بن محمد(ع)عنده من الإسم الأعظم
اثنان وسبعون حرفاً !


فهل يجوز أن يقاس به أحد ، أو يدنو من
مقامه أحد ؟! فالعجب أن تصدر في هذا البلد
إهانة بحق جعفر بن محمد(ع)؟! في طهران تعقد
مجالس ضد الإمام جعفر الصادق(ع)، وضد أمير
المؤمنين(ع)!!


يا من تحكمون إيران ، هل عندكم خبر بذلك ،
أم لا ؟! هل تعرف أنهم في تلك المجالس
يطعنون في شخصية أمير المؤمنين(ع)، أو لا
تعرف ؟


هل تعرف أنه في هذا البلد تكتب إهانات
بشخصية الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء(ع)،
أو لا تعرف ؟


أيها الحكام ، هل تعرفون أنه في هذا البلد
يكتب ويقال كلام فيه إهانة في حق رئيس
المذهب الإمام الصادق(ع)، أو لا تعرفون ؟!


إن كنت لا تدري فتلكَ مصيبةٌ وإن كنت تدري
فالمصيبةُ أعظمُ


اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا، وغيبة
ولينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وتظاهر
الزمان علينا اللهم إنا نرغب إليك في دولة
كريمة، تُعِزُّ بها الاسلام وأهله،
وتُذِلُّ بها النفاق وأهله


اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك
عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة
، ولياً وحافظاً ، وقائداً وناصراً
ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً ،
وتمتعه فيها طويلا


التعليقات


(1) كتب ابن النديم في الفهرست ص420 ترجمة
مفصلة لجابر بن حيان جاء فيها:


أخبار جابر بن حيان وأسماء كتبه وكان من
أهل الكوفة وزعم قوم من الفلاسفة أنه كان
منهم وله في كتب المنطق والفلسفة مصنفات
وزعم أهل صناعة الذهب والفضة أن الرياسة
انتهت إليه في عصره، وأن أمره كان
مكتوماً، وزعموا أنه كان يتنقل في البلدان
لا يستقر به بلد خوفاً من السلطان على نفسه
وقيل إنه كان في جملة البرامكة ومنقطعاً
إليها ومتحققاً بجعفر بن يحيى، فمن زعم
هذا قال إنه عنى بسيده جعفر هو البرمكي
وقالت الشيعة إنما عنى جعفر الصادق


وحدثني بعض الثقات ممن يتعاطى الصنعة أنه
كان ينزل في شارع باب الشام في درب يعرف
بدرب الذهب، وقال لى هذا الرجل: إن جابراً
كان أكثر مقامه بالكوفة ، وبها كان يدبر
الإكسير لصحة هوائها ، ولما أصيب بالكوفة
الأزج الذي وجد فيه هاون ذهب فيه نحو مائتي
رطل ، ذكر هذا الرجل أن الموضع الذي أصيب
ذلك فيه كان دار جابر بن حيان وقال لي أبو
اسبكتكين دستاردار إنه هو الذى خرج ليتسلم
ذلك


ولهذا الرجل كتب في مذاهب الشيعة أنا
أوردها في مواضعها ، وكتب في معاني شتى من
العلوم ، قد ذكرتها في مواضعها من الكتاب
وقد قيل إن أصله من خراسان ، والرازي يقول
في كتبه المؤلفة في الصنعة: قال أستاذنا
أبو موسى جابر بن حيان


أسماء تلامذته: الخرقي ، الذي ينسب إليه
سكة الخرقي بالمدينة وابن عياض المصري
والإخميمي


أسماء كتبه في الصنعة: له فهرست كبير
يحتوي على جميع ما ألف في الصنعة وغيرها،
وله فهرست صغير يحتوي على ماألف في الصنعة
فقط ونحن نذكر جملاً من كتبه رأيناها،
وشاهدها الثقات فذكروها لنا فمن ذلكوعدد
ابن النديم كثيراً من كتبه)


وقال البغدادي في هدية العارفين:1/249: (ابن
حيان - جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي
الطرسوسي أبو موسى تلميذ جعفر الصادق رضي
الله عنه توفي سنة 160 ستين ومائة من
تصانيفه: الإرشاد في التعبير أسرار
البرانيات الإيضاح في علم الكاف روح
الأرواح في الإكسير علل المعادن العلم
المخزون في الصنعة كتاب الإحراق كتاب
الخالص في الكيمياء كتاب الخواص الكبير
كتاب الرحمة في الكيمياء كتاب السبعين في
الصنعة كتاب الشعر كتاب الصافي من
الخمسمائة كتاب العهد كتاب القمر في
الصنعة كتاب النخب منافع الحجر بعد تمام
تدبيره مهج النفوس نهاية الأدب وغير ذلك
عدد تصانيف ابن حيان 232


وقال سركيس في معجم المطبوعات
العربية:1/664: (جابر بن حيان (161) أبو عبد الله
جابر بن حيان بن عبد الله الكوفي المعروف
بالصوفي ويعرف بأبي موسى اختلف الناس في
أمره فقالت الشيعة إنه من كبارهم، وزعموا
أنه كان صاحب جعفر الصادق وكان من قبل من
أهل الكوفة وزعم قوم من الفلاسفة أنه كان
منهم وله في المنطق والفلسفة مصنفات وزعم
أهل صناعة الذهب والفضة أن الرئاسة انتهت
إليه في عصره وأن أمره كان مكتوماً وزعموا
أنه كان يتنقل في البلدان لا يستقر به بلد
خوفاً من السلطان على نفسه ثم عدد من
مؤلفاته اثني عشر كتاباً، منها:


1 ـ أسرار الكيمياء ، أو كشف الأسرار وهتك
الأستار لم يطبع من هذا الكتاب إلا ترجمات
باللغة اللاتينية ، وطبع قسم منه باللغة
العربية 1893 ضمن كتاب الأستاذ برتولو
المسمى: La chimie au moyen age-vol paris 2 مجموعة أحد
عشر كتاباً في علم الإكسير الأعظم ولجابر
بن حيان كتاب نفيس في السموم مخطوط في
الخزانة التيمورية نقل عنه المرحوم
الدكتور صروف عدة مقالات ذات فائدة عظيمة
في مجلة المقتطف الجزء 58 و 59 وقال في هامشه:
( الفهرست 354 أنظر مفتاح السعادة في قسم علم
الكيمياء جزء أول من ص279 الى ص283 )


(2) قال الطهراني في الذريعة:5/190: ( 869: جواب
المسألة الجبرية ، وحلها بوسيلة القطوع
المخروطي ، للحكيم أبي الفتح عمر بن
ابراهيم الخيامي المتوفى (517) مختصر في عشر
صفحات ، ذكره عباس الإقبال وقال إنه صرح
الخيامي في هذا الجواب بأن تأسيس علم
الجبر والمقابلة وحل المعادلات الجبرية
كان من علماء الإسلام، ولم يكن اسم منه عند
الرياضيين قبل الإسلام )


وقال عبد الحليم الجندي في كتابه الإمام
جعفر الصادق ص295:


وربما كان الكلام المنقول عن جابر بن حيان
أوضح كلام في الدلالة على المنهج التجريبي
الذي تعلمه في مجلس الإمام أو من كتب
الإمام يخاطب جابر الإمام في مقدمة كتابه
الأحجار بقوله: وحق سيدي لولا أن هذه الكتب
باسم سيدي صلوات الله عليه، لما وصلت إلى
حرف من ذلك إلى الأبد


ويقول جابر في كتابه الخواص عن طريقته:
(إتعب أولاً تعباً واحداً واعلم ثم اعمل
فإنك لا تصل أولاً ، ثم تصل إلى ما تريد )
وفي كتابة السبعين يقول: (من كان دَرِباً
(مجرباً) كان عالماً حقاً ومن لم يكن درباً
لم يكن عالماً وحسبك بالدربة في جميع
الصنائع أن الصانع الدرِب يحذق وغير الدرب
يعطل) ويحصل جابر طريقته في عبارته
المأثورة:


( علمته بيدي وبعقلي وبحثته حتى صح ،
وامتحنته فما كذب )


وفي هذا المقام يقول أستاذ الفلسفة
الإسلامية المعاصر في جامعة القاهرة د زكي
نجيب محمود: ( فلو شئت تلخيصاً للمنهج
الديكارتي كله لم تجد خيراً من هذا النص
الذي أسلفناه عن جابر ) ( ديكارت 1596 -1650 - Rene
Descartes أصلاً)


ويرى الصيدلي المعاصر دمحمد يحيى
الهاشمي: أن الواقعية هي التي سوغت لجابر
أن يقسم القياس أو الإستدلال والإستنباط
إلى ثلاثه أقسام: المجانسة ومجرى العادة
وبالآثار ، ومن دلالة المجانسة دلالة
الأنموذج كمن يريك بعض الشئ دلالة على كله
وهو استدلال غير قاطع، إذ الأنموذج لا
يوجب وجود شئ من جنسه يساويه تماماً في
الطبيعة والجوهر وكذلك دلالة مجرى العادة
فإنه كما يقول جابر (ليس فيه علم يقين واجب
اضطراري برهاني، بل علم إقناعي يبلغ أن
يكون: أحرى وأولى وأجدر لا غير، لكن
استعمال الناس له وتقبلهم فيه واستدلالهم
به والعمل في أمورهم عليه أكثر كثيراً
جداً وليس في هذا الباب علم يقين واجب ،
وإنما وقع منه تعلق واستشهاد الشاهد على
الغائب، لما في النفس من الظن والحسبان،
فإن الأمورينبغي أن تجري على نظام ومشابهة
ومماثلة فإنك تجد أكثر الناس يجرون أمورهم
على هذا الحسبان والظن )


يقول جابر ( وبالجملة فليس لأحد أن يدعي
أنه ليس في الغائب إلا مثل ما شاهد إنما
ينبغي له أن يتوقف حتى يشهد البرهان
بوجوده من عدمه) فهو ينقد القياس من
الناحية المنطقية أو الرياضيةليترك
المجال مفتوحاً للحقائق القاطعة التي
تثبت بالتجارب وحسبك دليلاً على دقة طريقة
التدليل بآثار الأشياء ، أن تجدها إحدى
المسلمات في المعامل والجامعات ، في
القارات جميعاً منذ بدأ الأخذ بطريقة
التجربة والإستخلاص حتى اليوم وستبقى
أبداً


وعندما توضع أقوال جابر في القرن الثاني
للهجرة إلى جوار أقوال الحسن بن الهيثم
(354-430 ) بعد أكثر من قرنين ، وقد عمل في خدمة
الدولة الفاطمية ، وهي دولة من دول
الشيعة، وله 47 كتاباً في الرياضيات و 58
كتاباً في الهندسة ، تتأكد لنا طريقة
التجربة والإستخلاص التي سلكها الإمام
الصادق وأتقن العمل بها ، ووصفها جابر
والحسن وقد أحسن الحسن التعبير عنها بمنهج
علمي واضح الفحوى محدد العبارات


ويشهد بها من أهل أوربة درايير في كتابه
(النزاع بين العلم والدين) فيقول: كان
الأسلوب الذي توخاه المسلمون سبب تفوقهم
في العلم، فإنهم تحققوا أن الأسلوب النظري
لا يؤدي إلى التقدم ، وأن الأمل في معرفة
الحقيقة معقود بمشاهدة الحوادث ذاتها ومن
هنا كان شعارهم في أبحاثهم هو: الأسلوب
التجريبي وهذا الأسلوب هو الذي أرشدهم إلى
اكتشاف علم الجبر وغيره من علوم الرياضة
والحياة وإننا لندهش حينما نرى في
مؤلفاتهم من الآراء العلمية ما كنا نظنه
من ثمرات العلم في هذا العصر


والقارئ يلاحظ في هذا المقام أموراً ،
منها: الأول: أن جابراً يقرر إذ يقسم
بالإمام ، استرشاده في طريقته هذه به ، وأن
علمه منه هو سبب توفيقه )


وقال في هامشه: ( راجع مقدمة كتاب الدكتور
مصطفى نظيف مدير جامعة عين شمس بالقاهرة
عن الحسن بن الحسن الهيثم البصري، أكبر
عالم في الرياضيات والطبيعة في العصور
الوسطى )


الفصل الثامن


مقام الإمام موسى الكاظم(ع)عند الله تعالى


(28)الإمام موسى الكاظم ونبي الله موسى بن
عمران(ص)


( بتاريخ: 24 رجب 1423 ـ 2/10/2002 ـ 10-7-1381 )


هذه الليلة ليلة شهادة الإمام موسى بن
جعفر(ع) ، ونحن في جوار قبر ابنته الطاهرة ،
فمن المناسب أن ننتقل من الفقه الأصغر
ونلقي نظرة مختصرة على موضوع من الفقه
الأكبر ، بما يتسع له الوقت لابما يستحق
الموضوع


نظرة نسأل بها أنفسنا: ما هو مستوى
معرفتنا للإمام موسى بن جعفر(ع) ، نحن ،
والأكبر منا ، والأصغر منا ؟


قال الله تعالى:(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ
مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ
فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا
يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ)
(سورة البقرة:269) وهي آية عجيبة ، تدل على أن
الحكمة إعطاءٌ من الله تعال لأناس
مخصوصين(مَنْ يَشَاءُ) ، فمن هو هذا الذي
يكون مورد مشيئة الله تعالى؟


إن فهم القرآن والسنة والبحث فيهما
والوصول الى غورهما ، ليس أمراً سهلاً كما
يتصور البعض ، بل أمر في نهاية الصعوبة
والله تعالى ليس بحاجة الى أن يبحث الناس
كلامه ويحققوه ، فكلامه تعالى هو الحق
المطلق ، لكن الذين يبحثون فيه ويصلون الى
عمقه ، هم الذين أعطاهم الحكمة والخير
الكثير ، الخير الذي يصفه رب العالمين
بأنه كثير !


هذه الحكمة التي يعطيها الله لمن يشاء أين
توجد ؟


هل توجد في شفاء أبي علي سينا ؟ كلا


هل توجد في شرح العرشية للملا صدرا ؟ كلا


في قبسات ميرداماد أبداً


هذه الحكمة التي تعطى لمن يشاء ، والتي هي
الخير الكثير ، لابد أن نسأل عنها مفسر
القرآن الذي هو لسان الله الناطق والإمام
المعصوم ، فهو يقول عنها إنها: ( طاعة الله
ومعرفة الإمام ) (1)


لهذا فإن معرفة الإمام موسى بن جعفر(ع)ليس
مسألة بسيطة ، فقد شاء الله تعالى أن يكون
الحق في هذه الدنيا صعب المنال: جل جناب
الحق أن يكون شريعة لكل وارد


يروي الشيخ الجليل محمد بن علي بن بابويه
الصدوق ، عن شيخه محمد بن الحسن الوليد ،
وهو معتمد الصدوق ، فضلاً عن وثاقته
الخاصة ، عن الثقتين الجليلين محمد بن
الحسن الصفار وسعد بن عبدالله ، كلاهما عن
أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن
يقطين ، عن أخيه الحسين ، عن أبيه علي بن
يقطين ، أحد وزراء عند هارون الرشيد
المقربين ، والثقة المعتمد عند الكل


فعلوُّ سند الرواية واضح للخبير الرجالي
مع مراعاة دقائق علم الرجال


قال علي بن يقطين: استدعى الرشيد رجلاً
يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن
جعفر(ص)ويقطعه ويخجله في المجلس ، فانتدب
له رجل مُعزِّم ، فلما أحضرت المائدة عمل
ناموساً على الخبز ، فكان كلما رام خادم
أبي الحسن (ع)تناول رغيف من الخبز طار من
بين يديه ، واستفزَّ هارون الفرح والضحك
لذلك ، فلم يلبث أبو الحسن(ع)أن رفع رأسه
إلى أسد مصور على بعض الستور ، فقال له: يا
أسد الله ، خذ عدو الله !


قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم مايكون من
السباع ، فافترست ذلك المعزم ، فخر هارون
وندماؤه على وجوههم مغشياً عليهم، وطارت
عقولهم خوفاً من هول ما رأوه ، فلما أفاقوا
من ذلك بعد حين ، قال هارون لأبي الحسن(ع):
أسألك بحقي عليك ، لما سألت الصورة أن ترد
الرجل فقال: إن كانت عصى موسى(ع) ردت ما
ابتلعته من حبال القوم وعصيهم ، فإن هذه
الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل ، فكان
ذلك أعمل الأشياء في إفاقة نفسه) ( أمالي
الصدوق ص212)


أراد هارون أن يبطل أمر موسى بن جعفر ،
هارون هذا الذي يروون عنه أنه كان يخاطب
السحابة ويقول لها: أمطري أينما شئت فإن
خراجك يصل اليَّ ! والذي كان العلماء
والسحرة تحت يده، فاستدعى رجلاً (يبطل به
أمر أبي الحسن موسى بن جعفر(ص)) !


وأمْرُ الإمام الكاظم(ع)هو قوله وقول
شيعته بأنه إمام من الله تعالى


أراد هارون أن يُبطل أمر الإمام الذي حبسه
أربع سنوات أو سبع سنوات في ظُلَم المطامير
وقيود الزناجير ، فلم يخضع لطغيانه ، ولم
يلفظ فمه الشريف بكلمة استعطاف له !!


فاستدعى أقدر ساحر في طول أمبراطوريته
وعرضها ، فعمل له ناموساً ، والناموس في
اصطلاح أرباب السحر والعلوم الخفية اسم
لنوع متطور من القدرة على السحر عمل
ناموساً على الخبز ، فكان كلما رام خادم
أبي الحسن (ع)تناول رغيفاً من الخبز طار من
بين يديه !


وفرح الأمبراطور هارون بذلك ، واستفزه
الفرح وأخذه الضحك والقهقهة هو ووزراؤه
وندماؤه ، يسخرون من هذا الذي يدعي أنه
إمام من الله تعالى ، ويعتقد هو وشيعته أن
هاروناً غاصب لمنصبه !


وتصور هارون أنه حقق هدفه ، فالذي يدعون
له أنه (حجة الله على العباد) غلبه ساحر
موظف عند هارون، فلم يستطع خادمه أن
يتناول له رغيف خبز ! لكن فرح هارون لم يطل،
فقد استعمل الإمام(ع)بعض ما أعطاه الله من
قدرة وهو أعرف متى يستعملها ومتى
لايستعملها ، ونظر الى صورة أسد في ستائر
قاعة هارون وأمره أن يبتلع الساحر المعزم
ففعل ، وغشي على هارون وملإه!!


رأيتم سند الحديث ومتنه ، أما فقهه
فلايمكن استيفاؤه في عدة دروس ومجالس


عندما تقرؤون الرواية عن أهل البيت(ع)
إفهموها أولاً ، ثم عرفوا الناس بمقامات
أهل البيت الطاهرين(ع)


لابد أن نفهم أولاً السحر الذي استعمله
ساحر هارون (المعزِّم) ؟ لكي نفهم عمل
الإمام في مقابله


قال الله تعالى عن سحرة فرعون: (فَلَمَّا
أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ
وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ
عَظِيمٍ) (لأعراف:116) ففي هذه الآية ثلاث
جمل: سحروا عيونهم واسترهبوهم بسحر عظيم


حسرةً علينا أنا لم نعرف القرآن ، فلو
فهمنا أعماقه لعرفنا أي كتاب هو ؟ ولم نعرف
مفسر القرآن ، فلو عرفناهم صلوات الله
عليهم لعرفنا أن الحكمة العليا لاتؤخذ إلا
منهم


العمر تمضي أيامه ، وينقضي ، ولم يبق لنا
منه إلا القصور والتقصير


إن للسحر ثلاث مراتب: الأولى سحر أعين
الناس لا أكثر وهو السحر غير الحقيقي الذي
يعتمد على التصرف في أعين الناس


والمرتية الثانية: واسترهبوهم وهو تصرف
في أنفس الناس بالتخويف


والمرتبة الثالثة: السحر الذي توصل اليه
كبار علماء الهند ومصر القدماء ، الذي
يعتمد على استخراج قدرات النفس البشرية ،
هذه القدرات التي تبعث على الذهول ، وقد
كان أولئك السحرة الكبار أفراداً قليلين ،
لايمكن لكل أحد أن يجدهم ويستخدمهم ، إلا
إن كان مثل فرعون وهارون الرشيد


والشعبة الثانية من هذا النوع من السحر
عمل النواميس ، الذي يقوم على المزج
والتركيب بين القوى العلوية والمواد
السفلية ، ويسمونها الطلسمات


فالسحر الذي عمله هذا الساحر في قصر
الرشيد ليس من نوع سحر الأعين ، ولا من نوع
الإسترهاب ، بل من نوع استخراج قدرات نفس
الساحر وجعلها بشكل ناموس أو طلسم يؤثر في
المادة ، فيخرج الرغيف الذي تمسه يد
الخادم عن قوة الجاذبية الطبيعية وعن قوة
إمساك يده ، ويطيره !


(فكان كلما رام خادم أبي الحسن(ع)تناول
رغيف من الخبز طار من بين يديه) !!


كان مجلس هارون مجلس العلماء والحكماء ،
ونخبة أفراد مجتمعات العالم يومذاك ،
وكذلك كان مجلس ولده المأمون


وكان هارون حريصاً في مثل ذلك اليوم على
حضورهم لأن القضية أنه يريد أن يقابل حجة
الله تعالى ، وهذه الوسائل ضرورية !


وأراد الله تعالى أن يكون ذلك المجلس
واستعراض هارون لقدرته وتحديه
لوليه(ص)سبباً لفتح نافذة من معرفة الإمام
المعصوم ، والإمام موسى بن جعفر(ع) !


والأمر الذي يحير العلماء والعقلاء أن
الإمام الكاظم(ع)استخدم أسلوب النداء مع
شئ غير قابل للنداء! فمن شروط المنادى أن
تكون فيه قابلية النداء، أن يكون أسداً
مثلاً حتى يمكن نداؤه ، بينما لم يكن أسداً
ولاجسداً ، بل عرضاً على جوهر ، ولوناً
بصورة أسد على ستارة ، وقد صدر نداء
الإمام(ع) الى الأسد لا الى صورته


قبل حرف النداء (يا) لم يكن الأسد موجوداً
، وبحرف نداء فقط (يا) وجد وصار (أسد الله) ،
فسمع النداء وتلقى الأمر: ( يا أسد الله خذ
عدو الله) !


إن امتياز عمل موسى بن جعفر عن عمل موسى بن
عمران أن ذات الحق القدوس عز وجل أمر موسى
بإلقاء عصاه فقال له: (وَأَلْقِ مَا فِي
يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا
إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا
يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) (طـه:69)
، وعندما يقول الحق (ألقِ) ، فمعلومٌ ماذا
سيحدث


والملقى هناك كانت العصا ، وهي جسم ذو
أبعاد ثلاثة ، فظهرت بها تلك القدرة
وأحدثت ذلك الحدث العظيم ، وكان من
تأثيرها كما روي أن فرعون وهامان لم يكن في
رأسهما شعرة واحدة بيضاء ، فما أن أخذ موسى
عصاه حتى ابيض شعر رأسيهما فلم يبق فيهما
شعرة سوداء! (راجع تفسير نور الثقلين :4/52)


أما القدرة هنا ، فلايمكن قياس صورة
الستارة بالعصا ، ولا إلقاء العصا بالنداء
والأمر ! فهناك كان القول قول الله تعالى
جلت عظمته ، وعندما يكون قوله تكون قدرته ،
وقد أجرى منها ما شاء على يد وليه موسى بن
عمران !


أما هنا فكانت كلمة(يا) التي خلق الله بها
بإذنه على يد وليه موسى بن جعفر جوهراً من
عرض ، فكان أسداً وقطع مراحل وجوده في لحظة
، من نطفة الأسد الى أشده وأقوى قوته !


هذه قدرة موسى بن جعفر بإذن الله تعالى ،
ومعنى ذلك أن كلمة(يا) قد انطلقت من لسان
تحرك من عقل متصل بدون حاجب بإرادة من يقول
للشئ كن فيكون:(إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا
أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ) (يس:82)


فأي إرادة هذه التي صارت محلاً لأن يجري
الله فيها إرادته ؟!


وهذا معنى قول الصادق(ع)(الحكمة طاعة الله
ومعرفة الإمام ) !


هؤلاء هم أولياء الحق تعالى! فكلمة أولياء
الله عندما يطلقها الإنسان العادي لها
معنى ، وعندما يطلقها الله على أناس
ويخصهم بأنهم أولياؤه ، لها معنى آخر أعلى
وأعمق


هذه الليلة ليلة شهادة الإمام موسى بن
جعفر أحد هؤلاء الأولياء العظماء صلوات
الله عليهم (2)


هذا الولي الذي استطاع بإذن الله بحرف
واحد لا بكلمة ، أن يصنع هذه المعجزة


حرف لم يكن في نطقه دافع ولا هدف إلا الله
تعالى


نعم ، بحرف واحد ، وليس بمعنى إسمي- حسرة
أننا لم نستوعب بعد - فالإمام تارة يعمل
بالإسم فهذا موضوع آخر ، أما هنا فقد عمل
الإمام موسى بن جعفر بالحرف ! وبالحرف حول
الصورة على الستارة الى أسد حقيقي مطيع ،
وليس بالإسم الأعظم !


والحرف كان حرف نداء ، والمنادى كان صورة
وألواناً على ستائر بهذا الحرف عمل الإمام
ما عمله موسى بن عمر بارتباطه بأمر الله
تعالى !


اللهم صل على وليك موسى بن جعفرعدد مافي
علمك صلاة دائمة بدوام ملكك


إن من أوجب الواجبات على كل فرد منكم ، أن
يكون فقيهاً في أبواب معارف ولاية الأئمة
المعصومين(ع)، ليستطيع أن يزيح تلك الغيوم
والظلمات التي جعلت مقاماتهم(ع)مغطاة
بحجاب الأوهام والأعمال ، ويفتح باب هذه
الحكمة على أيتام آل محمد(ص)


التعليقات


(1) في الكافي:1/185: عن علي بن إبراهيم ، عن
محمد بن عيسى ، عن يونس، عن أيوب بن الحر ،
عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله الصادق(ع) في
قول الله عز وجل: وَمَنْ يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً
كَثِيراً؟ فقال(ع): طاعة الله ومعرفة
الإمام ) انتهى


فالرواية صحيحة السند ، وتأتي في الفصل
الخاص بالإمام المهدي(ع) تحت عنوان: الحكمة
طاعة الله ومعرفة الإمام(ع)


( 2 ) في شرح الأسماء الحسنى للسبزواري:1/228:
(وأعلى مراتب عدم البعد أن يكون العارف بعد
أن صار عالماً عقلياً مضاهياً للعالم
العيني يعرض عما سوى الله تعالى ويقبل
بشراشر وجوده عليه تعالى، بحيث يتلاشى
وجوده تحت نور وجوده ، ويفنى فيه بالكلية،
بل يفنى عن فنائه ! وهذا مقام الفناء في
الله والفناء عن الفناء ، وهو قرة عين
العارفين ، وغاية منى المحبين ، فإنه عين
الحياة الأبدية والديمومة السرمدية


وهناك يظهر أن الله تبارك وتعالى هو الأول
والآخر والمبدأ والمعاد ):


الفصل التاسع


الإمام الرضا(ع)والإمامة الربانية


(29)معنى مصطلح الإمام(ع)في الإسلام


( بتاريخ: 10ذي القعدة 1413 ـ 3/5/1993 ـ 12/2/1372 )


يصادف غداً ولادة الإمام علي بن موسى
الرضا أرواحنا فداه ، وهو يوم عظيم ونحن
نردد كلمة (إمام) فهل فهمنا ما تحويه هذه
الكلمة وما تشتمل عليه ، وهل استوفينا
البحث فيها ، وعرفنا موضوع أي سؤال تقع ؟


نحن على العموم نعرف مسائل الفقه والأصول
جيداً ، أما في مسألة الإمامة التي هي من
أهم المسائل ، فنحن قاصرون ومقصرون !


فهي ليست من مسائل علم الفقه أوأصول الفقه
حتى أقول إني قد استوعبتها وتسلطت عليها!
فأنا فيها في المرحلة الإبتدائية، ولا
أعرف في الدنيا من هو بلغ فيها المرحلة
المتوسطة ، حتى نبحث عن أهل المرحلة
العليا فيها !


إن علينا أن نعرف أهمية المسألة وعظمتها !
وأول ما يجب أن نعرفه أن عنوانها عنوان
مقدس فكلمة الإمام التي هي موضوع بحثنا
موضوع لسؤالين، عن المبدأ والمتلبس به،
فالسؤال الأول: ما هي الإمامة؟والثاني: من
هو الإمام؟


أما السؤال الأول فنجد مفهوم الإمامة في
القرآن في مخاطبة الله تعالى لنبيه
ابراهيم(ع): وَإِذ ِابْتَلَىإِبْرَاهِيمَ
رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ
إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ
لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (سورة
البقرة:124) والمفكر المستيقظ المتأمل في
عمق السؤال والجواب في الآية ، يرتجف أمام
عظمة الموضوع ! ويرى أن جواب السؤال يكمن
في كلمة (عهدي) فإنْ فَهِمَ كلمة (عهد الله)
فقد فهم الإمامة ما هي؟


ومن يستطيع أن يدعي أنه يفهم (عهد الله
تعالى) ما هو ؟


علينا أن نكون منصفين ونعترف بتقصيرنا
وقصورنا ! فالقضية ليست مسألة من مسائل
نهاية الدراية ، ولا الأسفار ، ولا الشفاء
! بل هي من المسائل لا يمكن أن تفهم إلا من
أحاديث أئمة الدين أهل البيت الطاهرين(ع)


هذا جواب السؤال عن الإمامة


أما السؤال عن الإمام من هو؟ فقد أجاب عنه
الإمام الرضا(ع)الذي يقول فيه النبي(ص)لمن
ذكر اسمه: قل صلى الله عليه، ثلاثاً ! قال
الصدوق أعلى الله مقامه في عيون أخبار
الرضا(ع)ج1 ص313: (حدثنا أبو علي محمد بن أحمد
بن محمد بن يحيى المعاذي النيسابوري قال:
حدثنا أبوالحسن علي بن أحمد بن علي البصري
المعدل قال: رأى رجل من الصالحين فيما يرى
النائم رسول الله(ص)فقال: يا رسول الله من
أزور من أولادك ؟ فقال(ص): إن من أولادي من
أتاني مسموماً، وإن من أولادي من أتاني
مقتولاً ! قال فقلت له: فمن أزور منهم
يارسول الله مع تشتت مشاهدهم أوقال
أماكنهم؟ قال(ص): من هو أقرب منك يعني
بالمجاورة وهو مدفون بأرض الغربة قال:
فقلت يا رسول الله تعني الرضا؟ فقال(ص): قل
صلى الله عليه ، ثلاثاً ) انتهى


ترى أي خصوصية في شخصية الإمام
الرضا(ع)حتى يأمر النبي(ص) بالصلاة عليه
ثلاثاً عند ذكر اسمه ؟! إن هذا بحث مستقل


يجيب عن سؤالنا الإمام الرضا(ع)الذي أعطاه
النبي(ص)والأئمة(ع)لقب: عالم آل محمد! فمع أن
النبي(ص)وكذا الأئمة(ع)علماء بكل أسرار
الوجود ، وشهداء الله على خلقه، وقد
أعطاهم الله تعالى علم السيطرة التكوينية
والتشريعية، فقال عز وجل: وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ
شَئٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى
لِلْمُسْلِمِينَ ( سورة النحل: 89) ، وقال
تعالى: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا
لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَىبِالله
شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ
عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَاب ( سورة الرعد:43
)


ومع ذلك فقد أعطوا لقب (عالم آل محمد) لشخص
واحد منهم فقط هو الإمام الرضا(ع)! روى أبو
الصلت الهروي&قال: ( لقد حدثني محمد بن
إسحاق بن موسى بن جعفر ، عن أبيه عن جده
موسى(ع)أنه كان يقول: هذا أخوك علي بن موسى
عالم آل محمد فاسألوه عن أديانكم واحفظوا
ما يقول لكم، فإني سمعت أبي جعفراً يقول
غير مرة: إن عالم آل محمد لفي صلبك، وليتني
أدركه فإنه سمي أمير المؤمنين(ع))(البحار:
49/100)


لقد أجاب عالم آل محمد(ع)عن سؤالنا: من هو
الإمام ؟ فعدَّدَ بضعةً وخمسين صفةً
للإمام المنصوب من الله تعالى ! وهنا معدن
معرفة الإمام ، من لسان الإمام ، الخبير
بالإمامة وصفات الإمام(ع)!


إن واجبكم جميعاً أن تدرسوا هذه الأصول من
هذا المنبع الصافي، وتتأملوا فيها، بقوة
إيمان ، وصفاء ضمير ، واستمداد من الله
تعالى ، لعله يفيض على قلوبكم بعض معارفها
(1)


من هذه الصفات التي ذكرها الإمام(ع)في
جوابه المفصل عن ماهية الإمامة والإمام ،
قال: الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد ،
لاحظوا أن الإمام(ع)استعمل كلمة (دهره) ولم
يقل (واحد زمانه) فالدهر غير الزمان كما
يأتي ولاحظوا أنه استعمل لفظ (واحد) ثم لفظ
(أحد) ولكل منهما معنى في مكانه


وقبل هذه الجملة وصف شخص الإمام بأنه:
كالشمس الطالعة المجللة بنورها للعالم
وهي في الأفق، بحيث لا تنالها الأيدي
والأبصار فشبهه بالشمس التي تجلل بنورها
العالم ولا تصل اليها الأيدي ، ولا إلى
عمقها الأنظار هذا كما في رواية الكافي
وتحف العقول وغيبة النعماني ونسخةمن
معاني الأخبار، أما رواية عيون أخبار
الرضا(ع)وغيرها من روايات الصدوق&ففيها:
كالشمس الطالعة بنورها للعالم ، لكن
العبارتين تصفان الإمام(ع)بأنه شمس تضئ
على العالم وأنها في أفق سام ، لا تناله
الأيدي والأبصار !


وقد أردنا أن تكون هذ الصفة مقدمة لشرح
صفة: الإمام واحد دهره، فالدهر في اصطلاح
الفلاسفة أعم من الزمان لأنه وعاء
المجردات ، في مقابل الزمان الذي هو وعاء
الماديات ، وعلى هذا بنى المحقق
الداماد&مصطلحه عن الإمام: القدوس الدهري


أما اللغويون فقد أطالوا بحث الفرق بين
الدهر والزمان ، وبعضهم قال بعدم الفرق ،
وبعضهم قال بأن الدهر أعم ، وهو ما نرجحه


على أنا يمكننا أن نفهم أن الإمام واحد
الدهر، وليس الزمان بالدليل العقلي، فإن
هذه المباحث برهانية لا تعبدية، وإن كانت
مقدمات البرهان فيها عميقة ودقيقة، فكلما
كانت المسألة مهمة أكثر ، كانت مقدمات
أدلتها أعمق وأدق !


إن الإمام عصارة خِلْقَة الإنسان ، وصورة
الإنسان كما عن الإمام الصادق (ع): أكبر حجج
الله على خلقه وهي الهيكل الذي بناه بقدرته
(2)


وقد استعمل الله سبحانه تعبير (تَبَارَكَ)
عن خلق الإنسان مرتين، مرة في غاية خلقه ،
ومرة فيما تنتهي اليه الغاية! قال الله
تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي
أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (سورة التين:4 ) ، وقال
تعالى: ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ
عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ
مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ
عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ
لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً
آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ
الْخَالِقِينَ ( سورة المؤمنون:14) وتعبير
(تَبَارَك) لم يستعمل في القرآن إلا في
موارد محدودة ، منها لملك الله تعالى:
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئٍ قَدِيرٌ


( سورة الملك: 1) ومنها لخلق السماوات
والأرض، ومنها لخلق البروج والشمس والقمر
، ومنها لخلق الإنسان ، ومنها لتنزيل
االقرآن: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ
الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ
لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ( سورة الفرقان:
1) وقد جمع بينهما في سورة الرحمان فقال:
الرَّحْمَنُعَلَّمَ الْقُرْآنَخَلَقَ
الأَنْسَانَعَلَّمَهُ الْبَيَانَ وختمها
بقوله: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِى
الْجَلالِ وَالأَكْرَامِ


هذا الإنسان المخلوق بهذه العظمة في
بنائه ، واستعداده للتكامل ، لابد أن يصل
الى كماله الذي قال الله عنه للملائكة:
إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ!
جواباً على قولهم: (أَتَجْعَلُ فِيهَا
مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ
الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ
بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)؟!


وكمال الإنسان إنما هو بوصول قوتين
كامنتين فيه الى أوج إثمارهما: قوة العقل،
وقوة الإرادة فعن أبي عبد الله
الصادق(ع)قال: (دعامة الإنسان العقل،
والعقل منه الفطنة والفهم، والحفظ والعلم)
(الكافي:1/25 ، وعلل الشرائع :1/103)


والعقل قسمان: عقلٌ نظري، وكماله المطلق
بالإستغراق في نوعٍ من المعرفة يشمل كل
أنواع معرفة الوجود ، وهو معرفة الله
تعالى !


وعقلٌ عملي، وكماله المطلق ينتهي الى
فناء إرادة الإنسان في إرادة ذات القدوس
الحق تعالى وعندما تفنى جنبة العقل
النظرية والعملية ، تلك في المعرفة ، وهذه
في الإرادة ، فعنئذ يكون الإنسان:واحد
دهره!


الإمام واحد دهره، فهو الإنسان الذي
يستحق العهد الإلهي المخصوص بين أبينا
ابراهيم(ع)وبين الله تعالى، ويستحق منصب
الإمامة الإلهية! ولا يمكن أن يستحقه أحد
إلا إذا كان:واحد دهره !


إن موضوع الإمامة عميق وواسع، فعليه
يتوقف تحقيق الغرض من خلق الله تعالى
للإنسان، بل من كل الخلق، وما لم يكن
الإمام في نظام الوجود ، فإن الغرض من خلق
الخلق لايتمّ


والناس كما قال(ص): معادن، فلابد أن يتم
تبلور معادنهم بإشراقة الإمام (ع)، فهو
للناس ضرورة كضرورة الشمس للمعادن في
الأرض قال(ص): (الناس معادن كمعادن الذهب
والفضة ، فمن كان له في الجاهلية أصل فله
في الإسلام أصل) ( الكافي :8 /177عن الإمام
الصادق(ع)ورواه مسلم:8/41 بلفظ: الناس معادن
كمعادن الفضة والذهب خيارهم في الجاهلية
خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )


إن الأمر الذي سبَّبَ عدم فهم المسلمين
والبشرية للإمامة هو الإنحراف الخطير
الذي وقعت فيه الأمة بعد النبي(ص)فأطاعت من
انحرف بمسيرة الإسلام عن مسارها الرباني
بقيادة الإمام المعصوم(ع)! فقد أقصت الأمة
مع الأسف الإمام الذي عينه لها الله تعالى
ورسوله(ص)وعزلته عن قيادتها، وأسلمت نفسها
الى أشخاص تقمصوا الإمامة بعد النبي(ص)،
قام أمرهم ووجودهم وأفعالهم وأقوالهم على
غير العلم والحق ! وهذا هو السبب الذي أوصل
الأمة الى مهاوي الضلال والضياع والضعف،
وجعلها لا تعرف مقام الإمام ومهمته
الربانية في مسيرتها !


أنتم تعرفون المأمون العباسي من هو؟!
فاقرؤوا عنه هذه القصة التي يرويها الصدوق
أعلى الله مقامه عن عبد الله بن محمد
الهاشمي قال: ( دخلت على المأمون يوماً
فأجلسني وأخرج من كان عنده، ثم دعا
بالطعام فطعمنا ثم طيبنا ، ثم أمر بستارة
فضربت، ثم أقبل على بعض من كان في الستارة
فقال: بالله لما رثيتِ لنا من بطوس، فأخذت
تقول:


سقياً لطوسٍ ومن أضحى بها قَطَنا من عترة
المصطفى أبقى لنا حَزَن


قال ثم بكى وقال لي: يا عبد الله أيلومني
أهل بيتي وأهل بيتك أن نصبت أبا الحسن
الرضا(ع)علماً، فو الله لأحدثُك بحديث
تتعجب منه: جئته يوماً فقلت له جعلت فداك
إن آبائك موسى بن حعفر وجعفر بن محمد ومحمد
بن علي وعلي بن الحسين، كان عندهم علم ما
كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، وأنت وصي
القوم ووارثهم وعندك علمهم، وقد بدت لي
إليك حاجة ؟


قال: هاتها فقلت: هذه الزاهرية حظيتي ولا
أقدِّم عليها أحداً من جواريَّ ، قد حملت
غير مرة وأسقطت ، وهي الآن حامل، فدلني على
ما نتعالج به فتسلم


فقال: لا تخف من إسقاطها، فإنها تسلم وتلد
غلاماً أشبه الناس بأمه، ويكون له خنصر
زائدة في يده اليمنى ليست بالمدلاة ، وفي
رجله اليسرى خنصر زائدة ليست بالمدلاة !
فقلت في نفسي أشهد أن الله على كل شئ قدير،
فولدت الزاهرية غلاماً أشبه الناس بأمه،
في يده اليمنى خنصر زائدة ليست بالمدلاة ،
وفي رجله اليسرى خنصر زائدة ليست
بالمدلاة، على ما كان وصفه لي الرضا !!


فمن يلومني على نصبي إياه علماً ) (عيون
أخبار الرضا(ع):1/241 ) (3)


بكى المأمون، وكيف لا يبكي رغم طغيانه
وتكبره؟! وقد شاهد علم الإمام
الرضا(ع)بمقادير الله تعالى فأخبره بيقين
المحيط بالأمر: لاتخف من إسقاطها، فإنها
تسلم وتلد غلاماً أشبه الناس بأمه!!


لقد شاهد المأمون قوله تعالى: وَكُلَّ
شَئٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً ( سورة
النبأ: 29) وشاهد تطبيقه في قوله تعالى:
إِنَّا نَحْنُ نُحيْيِ الْمَوْتَى
وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ
وَكُلَّ شَئٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ
مُبِينٍ ( سورة يس: 12) ورأى بعينيه وعقله أن
الله تعالى يُطلع حجته الإمام المعصوم على
مقاديره: إرادة الرب في مقادير أموره تهبط
إليكم وتصدر من بيوتكم! (الكافي:4/577 ، وكامل
الزيارات ص366 ، من زيارة الإمام الحسين(ع))


إن هذه القصة من الرحمة الرحمانية
للمأمون ، ومن مفردات إتمام الحجة على هذا
العفريت المستكبر الذي يعبد نفسه ولا يعبد
ربه ، ولا شغل له بالله
ورسوله(ص)ولابالإسلام والقرآن، ولا
بالإمام الرضا(ع)وعلمه الرباني،إلا بقدر
أن تلد له جاريته الزاهرية المفضلة ولداً
جميلاً ! وكذلك هي حقيقة الطغاة !


المرحوم الشيخ حبيب الله گلپايگاني،
شخصيةٌ معروفة عند كبار علماء گلپايگان ،
وهو من الأولياء ، وإن لم يكن من الأوتاد ،
فهو من الأبدال


كنت بخدمته في عودتي ذات مرة من النجف
الأشرف ، وسألته عن القصة التالية فنقلها
لي ، وهي مفصلة ، خلاصتها: سألته: ما هي
قصتك حتى أنك تمسح بيدك على مكان الوجع
فيشفيه الله تعالى؟


قال: مرضت في مشهد الإمام الرضا(ع)ونقلوني
الى المستشفى، وبعد يوم من معالجتي
واشتداد مرضي، تغيرت حالتي فأدرت وجهي الى
قبة الإمام الرضا(ع)وقلت له: سيدي كنت لمدة
أربعين سنة أول شخص يدخل حرمك الشريف
ويزورك !


(وقد صدق(ره)فقد رأيته يوم كنا في مدرسة في
مشهد اسمها مدرسة الحاج حسن،
وكان&مسؤولاًً عن الطلبة وله غرفة في
المدرسة، رأيته في شتاء خراسان القارس
يذهب قبل الفجر تحت هطول الثلج، ويفرش
سجادته في الإيوان خلف باب حرم الإمام
الرضا(ع)ويصلي صلاة الليل ، حتى يفتحوا
الباب قرب الفجر ، فيكون أول داخل الى
الحرم الشريف )


قال&:قلت للإمام كنت في خدمتك هكذا أربعين
سنة فهل تتركني الآن؟!


قال&: كنت في اليقظة ولم أكن نائماً ولا
ساهياً، فرأيت عالماً آخر، بستاناً فيه
أرائك ، وقد جلس الإمام الرضا(ع)وأنا الى
جنبه ، فمد اليَّ يده وأعطاني طاقة ورد ،
فأخذتها بيدي هذه! وعدت الى عالمي ونظرت في
يدي فلم أجد شيئاً! وكذلك لم أجد أثراً
لألمي ولا لمرضي! ومن ذلك اليوم رأيت أني
كلما مسحت بيدي على وجع في جسمي أو جسم أحد
يرتفع وجعه ويذهب مرضه بلطف الله تعالى!
وكم شافى الله علىيده&من أشخاص، وكان عدة
منهم مصابين بمرض السرطان !


قال&: قبل أن تكثر مصافحة أهل المعاصي ليدي
هذه ، كنت إذا مسحت بها على وجع يرتفع
مباشرة ويتم الشفاء، أما بعد ذلك فإني
أمسح على مكان الألم عدة مرات ، وأدعو حتى
يخف الألم ، وقد يرتفع !


تلك هي الرحمة الرحمانية تصل بواسطة
الإمام الرضا(ع)الى المأمون وهذه الرحمة
الرحيمية تصل الى هذا الولي الشيخ حبيب
الله(ره)، فبدون أن يتكلم الإمام(ع)يعطيه
طاقة ورد ، وبمجرد أن يأخذها يحدث انقلاب
في يده!


إنه الإكسير الأعظم ، لو تركوه يمس العالم
، لانقلب الى عالم أعلى !


إلهي بكرامة الإمام الرضا عندك، أعف عن
تقصيرنا وقصورن


اللهم صل وسلم على وليك علي بن موسى الرضا


عدد ما في علمك ، صلاةً دائمةً بدوام ملكك


التعليقات


(1) في الكافي:1/198: (عن عبدالعزيز بن مسلم
قال: كنا مع الرضا(ع)بمرو فاجتمعنا في
الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا فأداروا
أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس
فيها ، فدخلت على سيدي(ع)فأعلمته خوض الناس
فيه ، فتبسم ثم قال:


يا عبد العزيز جهل القوم وخُدعوا عن
آرائهم، إن الله عز وجل لم يقبض نبيه(ص)حتى
أكمل له الدين، وأنزل عليه القرآن فيه
تبيان كل شئ ، بين فيه الحلال والحرام ،
والحدود والأحكام وجميع مايحتاج إليه
الناس كُمَلاً، فقال عز وجل: مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَئٍْ
(سورة الأنعام: 38) وأنزل في حجة الوداع وهي
آخر عمره(ص): الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأَسْلامَ
دِيناً ( سورة المائدة: 3) وأمر الإمامة من
تمام الدين، ولم يمض(ص)حتى بين لأمته معالم
دينهم، وأوضح لهم سبيلهم، وتركهم على قصد
سبيل الحق ، وأقام لهم علياً(ع)علماً
وإماماً، وما ترك شيئاً تحتاج إليه الأمة
إلا بينه ، فمن زعم أن الله عز وجل لم يكمل
دينه فقد رد كتاب الله ، ومن رد كتاب الله
فهو كافر به


هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة ،
فيجوز فيها اختيارهم؟!


إن الإمامة أجل قدراً ، وأعظم شأناً ،
وأعلا مكاناً ، وأمنع جانباً ، وأبعد
غوراً ، من أن يبلغها الناس بعقولهم ، أو
ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماماً
باختيارهم !


إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم
الخليل(ع)بعد النبوة والخلة مرتبةً ثالثة
، وفضيلةً شرفه بها ، وأشاد بها ذكره ،
فقال: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ
رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ
إِمَاماً ( سورة البقرة: 124) فقال
الخليل(ع)سروراً بها: وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟
قال الله تبارك وتعالى: لا يَنَالُ عَهْدِي
الظَّالِمِينَ فأبطلت هذه الآية إمامة كل
ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم
أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل
الصفوة والطهارة فقال: وَوَهَبْنَا لَهُ
إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً
وَكُلاًًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ
بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ
فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ
الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ
وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (سورة
الأنبياء:72- 73) فلم تزل في ذريته يرثها بعض
عن بعض قرناً فقرناً ، حتى ورثها الله
تعالى النبي(ص)فقال جل وتعالى: إِنَّ
أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ
لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا
النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ
وَلِيُّ الْمُؤْمِنِين َ( سورة آل عمران: 68
) فكانت له خاصة فقلدها(ص)علياً(ع)بأمر الله
تعالى على رسم ما فرض الله ، فصارت في
ذريته الأصفياءالذين آتاهم الله العلم
والإيمان بقوله تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ وَالأَيمَانَ لَقَدْ
لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى
يَوْمِ الْبَعْثِ (سورة الروم: 56) فهي في
ولد علي(ع)خاصة إلى يوم القيامة، إذ
لانبيَّ بعد محمد (ص)، فمن أين يختار هؤلاء
الجهال ؟!


إن الإمامة هي منزلة الأنبياء ، وإرث
الأوصياء إن الإمامة خلافة الله وخلافة
الرسول (ص)ومقام أمير المؤمنين ، وميراث
الحسن والحسين(ع)


إن الإمامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ،
وصلاح الدنيا وعز المؤمنين


إن الإمامة أسُّ الاسلام النامي ، وفرعه
السامي


بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام
والحج والجهاد ، وتوفير الفئ والصدقات ،
وإمضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور
والأطراف


الإمام يحل حلال الله ، ويحرم حرام الله ،
ويقيم حدود الله ، ويذب عن دين الله ،
ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة
الحسنة ، والحجة البالغة


الإمام كالشمس الطالعة المجللة بنورها
للعالم ، وهي في الأفق بحيث لا تنالها
الأيدي والأبصار


الإمام البدر المنير ، والسراج الزاهر،
والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب
الدجى ، وأجواز البلدان والقفار ، ولجج
البحار


الإمام الماء العذب على الظمأ ، والدال
على الهدى ، والمنجي من الردى


الإمام النار على اليفاع ، الحار لمن
اصطلى به ، والدليل في المهالك ، من فارقه
فهالك ،


الإمام السحاب الماطر ، والغيث الهاطل،
والشمس المضيئة ، والسماء الظليلة ،
والأرض البسيطة ، والعين الغزيرة ،
والغدير والروضة


الإمام الأنيس الرفيق ، والوالد الشفيق ،
والأخ الشقيق ، والأم البرة بالولد الصغير
، ومفزع العباد في الداهية النآد


الإمام أمين الله في خلقه ، وحجته على
عباده ، وخليفته في بلاده ، والداعي إلى
الله ، والذاب عن حرم الله


الإمام المطهر من الذنوب ، والمبرأ عن
العيوب ، المخصوص بالعلم ، الموسوم بالحلم
نظام الدين ، وعز المسلمين ، وغيظ
المنافقين ، وبوار الكافرين


الإمام واحد دهره ، لا يدانيه أحد ، ول
ايعادله عالم ، ول ايوجد منه بدل ، ولا له
مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كله ، من غير
طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من
المفضل الوهاب فمن ذا الذي يبلغ معرفة
الإمام ، أو يمكنه اختياره؟!!


هيهات هيهات ، ضلت العقول ، وتاهت الحلوم
، وحارت الألباب ، وخسئت العيون ، وتصاغرت
العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت
الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألبَّاء
، وكلَّت الشعراء ، وعجزت الأدباء ، وعييت
البلغاء ، عن وصف شأن من شأنه ، أو فضيلة من
فضائله ، وأقرت بالعجز والتقصير !


وكيف يوصف بكله ، أو ينعت بكنهه ، أو يفهم
شئ من أمره ، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني
غناه ؟ لا كيف ؟


وأنى؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين ،
ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟
وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا؟!
أتظنون أن ذلك يوجد في غير آل الرسول
محمد(ص)؟! كذبتهم والله أنفسهم، ومنَّتهم
الأباطيل! فارتقوْا مرتقىً صعباً دحِضاً،
تزلُّ عنه إلى الحضيض أقدامهم ! راموا
إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة ،
وآراء مضلة ، فلم يزدادوا منه إلا بعداً:
وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ
اللهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ
ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ
بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ
قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (
سورة التوبة: 30) ولقد راموا صعباً ، وقالوا
إفكاً ، وضلوا ضلالاً بعيداً ، ووقعوا في
الحيرة ، إذ تركوا الإمام عن بصيرة:
وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ
السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ
(سورة العنكبوت: 38)


رغبوا عن اختيار الله واختيار رسول
الله(ص)وأهل بيته إلى اختيارهم ، والقرآن
يناديهم: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ
وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى
عَمَّا يُشْرِكُونَ ( سورة


القصص: 68) وقال عز وجل: وَمَا كَانَ
لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى
اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ
لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ
وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ
ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ( سورة الأحزاب: 36)
وقال: مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ
لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ
لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ أَمْ
لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ
لَمَا تَحْكُمُونَ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ
بِذَلِكَ زَعِيمٌأَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ
فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ
كَانُوا صَادِقِينَ ( سورة القلم: 36-41)


وقال عز وجل: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ
الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ
غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ
اخْتِلافاً كَثِيراً (سورة النساء: 82) ، أم
طبع الله على قلوبهم فهم لايفقهون؟! أم
قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ
الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ
لايَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللهُ
فِيهِمْ خَيْراً لأسْمَعَهُمْ وَلَوْ
أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ
مُعْرِضُونَ (سورة الأنفال:21-23) أم قَالُوا
سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي
قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ
قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ
إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
(سورة البقرة:93) بل هو فَضْلُ اللهِ
يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو
الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( الجمعة:4)


فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم
لايجهل، وراع لاينكل، معدن القدس
والطهارة، والنسك والزهادة، والعلم
والعبادة،مخصوصٌ بدعوة الرسول(ص)ونسل
المطهرة البتول، لا مغمز فيه في نسب،
ولايدانيه ذو حسب ، في البيت من قريش ( في
تحف العقول: فالبيت من قريش) والذروة من
هاشم ، والعترة من الرسول(ص)والرضا من الله
عز وجل ، شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف،
نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة،
عالم بالسياسة، مفروض الطاعة ، قائم بأمر
الله عز وجل ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدين
الله


إن الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم
يوفقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه
ما لا يؤتيه غيرهم ، فيكون علمهم فوق علم
أهل الزمان ، في قوله تعالى: قُلْ هَلْ
مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى
الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ
أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ
أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا
أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ
تَحْكُمُونَ (يونس:35) ، وقوله تبارك
وتعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ
يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ
فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً
(البقرة:269) ، وقوله في طالوت:(إِنَّ اللهَ
اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ
بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ
وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ
وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:247)،
وقال لنبيه(ص): وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ
مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ
اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (النساء:113) وقال
في الأئمة من أهل بيت نبيه وعترته وذريته
صلوات الله عليهم: أَمْ يَحْسُدُونَ
النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ
فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ
إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ
مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ
سَعِيراً (النساء:54- 55)


وإن العبد إذا اختاره الله عز وجل لأمور
عباده ، شرح صدره لذلك ، وأودع قلبه ينابيع
الحكمة ، وألهمه العلم إلهاماً ، فلم يعيَ
بعده بجواب ، ولا يحيد فيه عن الصواب ، فهو
معصومٌ مؤيد ، موفقٌ مسدد ، قد أمن من
الخطايا والزلل والعثار ، يخصه الله بذلك
ليكون حجته على عباده ، وشاهده على خلقه،
وذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ
الْعَظِيمِ (الحديد:21)


فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه، أو
يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه؟!تعدوا
- وبيت الله- الحق، ونبذوا كِتَابَ اللهِ
وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا
يَعْلَمُونَ (البقرة:101) وفي كتاب الله
الهدى والشفاء ، فنبذوه واتبعوا أهواءهم ،
فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال جل وتعالى:
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ
بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا
يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
(القصص:50) وقال: فَتَعْساً لَهُمْ
وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (محمد:8) وقال:
كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ
الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ
اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ
جَبَّارٍ (غافر:35)


ورواه الصدوق(ره)في عيون أخبار
الرضا(ع):2/195، قال: (حدثنا أبو العباس محمد
بن إبراهيم بن اسحاق الطالقاني رضي الله
عنه قال: حدثنا أبوأحمد القاسم بن محمد بن
على الهاروني قال: حدثني أبو حامد عمران بن
موسى بن إبراهيم عن الحسن بن القاسم الرقام
قال: حدثني القاسم بن مسلم عن أخيه عبد
العزيز بن مسلم قال: كنا في أيام علي بن
موسى الرضا(ع)بمرو فاجتمعنا في مسجد
جامعها في يوم الجمعه في بدء مقدمنا،
فأدار الناس أمر الإمامة، وذكروا كثرة
اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي ومولاي
الرضا (ع)فأعلمته ما خاض الناس فيه ...الحديث
)


وروى في الكافي:1/203، خطبةً عظيمة للإمام
الصادق(ع)في موسم الحج في حياة أبيه الإمام
الباقر(ع)بين فيها مكانة الأئمة(ع)ويعرف
الإمام للأمة، يناسب أن نوردها هنا، قال
الكليني&: (محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد
بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن
غالب، عن أبي عبد الله(ع)في خطبة له يذكر
فيها حال الأئمة (ع)وصفاتهم:


إن الله عز وجل أوضح بأئمة الهدى من أهل
بيت نبينا(ص)عن دينه ، وأبلج بهم عن سبيل
منهاجه، وفتح بهم عن باطن ينابيع علمه ،
فمن عرف من أمة محمد(ص)واجب حق إمامه، وجد
طعم حلاوة إيمانه ، وعلم فضل طلاوة إسلامه
، لأن الله تبارك وتعالى نصب الإمام علماً
لخلقه ، وجعله حجةً على أهل مواده وعالمه ،
وألبسه الله تاج الوقار ، وغشاه من نور
الجبار ، يمد بسبب إلى السماء ، ولاينقطع
عنه مواده ، ولاينال ما عند الله إلا بجهة
أسبابه ، ولا يقبل الله أعمال العباد إلا
بمعرفته ، فهو عالمٌ بما يرد عليه من
ملتبسات الدجى، ومعميات السنن، ومشبهات
الفتن، فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم
لخلقه من ولد الحسين(ع)من عقب كل إمام ،
يصطفيهم لذلك ويجتبيهم ، ويرضى بهم لخلقه
ويرتضيهم، كل ما مضى منهم إمام نصب لخلقه
من عقبه إماماً ، علماً بيناً ، وهادياً
نيراً ، وإماماً قيماً ، وحجةً عالماً ،
أئمةً من الله ، يهدون بالحق وبه يعدلون ،
حججُ الله ودعاتُه ، ورعاتُه على خلقه،
يدين بهديهم العباد، وتستهل بنورهم
البلاد، وينمو ببركتهم التلاد ، جعلهم
الله حياة للأنام ، ومصابيح للظلام،
ومفاتيح للكلام، ودعائم للإسلام ، جرت
بذلك فيهم مقادير الله على محتومها


فالإمام هو المنتجب المرتضى ، والهادي
المنتجى ، والقائم المترجى ، اصطفاه الله
بذلك ، واصطنعه على عينه في الذر حين ذرأه
، وفي البرية حين برأه ، ظلاً قبل خلق نسمة
عن يمين عرشه، محبواً بالحكمة في علم
الغيب عنده اختاره بعلمه، وانتجبه لطهره
بقيةً من آدم(ع)، وخيرةً من ذرية نوح،
ومصطفىً من آل إبراهيم ، وسلالةً من
إسماعيل ، وصفوةً من عترة محمد(ص)


لم يزل مرعياً بعين الله ، يحفظه ويكلؤه
بستره ، مطروداً عنه حبائل إبليس وجنوده ،
مدفوعاً عنه وقوب الغواسق ، ونفوثُ كل
فاسق ، مصروفاً عنه قوارف السوء ، مبرءاً
من العاهات ، محجوباً عن الآفات ، معصوماً
من الزلات ، مصوناً عن الفواحش كلها ،
معروفاً بالحلم والبر في يفاعه ، منسوباً
إلى العفاف والعلم والفضل عند انتهائه ،
مسنداً إليه أمر والده ، صامتاً عن المنطق
في حياته ، فإذا انقضت مدة والده ، إلى أن
انتهت به مقادير الله إلى مشيئته ، وجاءت
الإرادة من الله فيه إلى محبته ، وبلغ
منتهى مدة والده(ع)فمضى وصار أمر الله إليه
من بعده ، وقلده دينه ، وجعله الحجة على
عباده ، وقيِّمه في بلاده ، وأيده بروحه،
وآتاه علمه ، وأنبأه فصل بيانه، واستودعه
سره ، وانتدبه لعظيم أمره ، وأنبأه فضل
بيان علمه ، ونصبه علماً لخلقه ، وجعله
حجةً على أهل عالمه ، وضياءً لأهل دينه ،
والقيمَ على عباده ، رضي الله به إماماَ
لهم ، استودعه سره ، واستحفظه علمه ،
واستخبأه حكمته، واسترعاه لدينه ،
وانتدبه لعظيم أمره، وأحيا به مناهج سبيله
، وفرائضه وحدوده


فقام بالعدل عند تحير أهل الجهل ، وتحير
أهل الجدل ، بالنور الساطع ، والشفاء
النافع ، بالحق الأبلج ، والبيان اللائح
من كل مخرج ، على طريق المنهج ، الذي مضى
عليه الصادقون من آبائه(ع)


فليس يجهل حق هذا العالم إلا شقي ، ولا
يجحده إلا غوي ، ولا يصد عنه إلا جري على
الله جل وعلا )


(2) في التفسير الصافي للفيض الكاشاني:1/86:
وروي عن الصادق: أن الصورة الإنسانية هي
الطريق المستقيم إلى كل خير والجسر
الممدود بين الجنة والنار


وفي التفسير الصافي:1/92: (وقال الصادق(ع):
الصورة الإنسانية هي أكبر حجة الله على
خلقه ، وهي الكتاب الذي كتبه الله بيده )


وفي شرح الأسماء الحسنى للسبزواري:1/12:
(وعن الصادق(ع)كما في الصافي أو عن أمير
المؤمنين علي(ع)على ما قال ابن جمهور&:
الصورة الإنسانية هي أكبر حجج الله على
خلقه ، وهي الكتاب الذي كتبه بيده ، وهي
الهيكل الذي بناه بحكمته ، وهي مجموع صور
العالمين ، وهي المختصر من اللوح المحفوظ
، وهي الشاهدة على كل غايب ، وهي الحجة على
كل جاحد ، وهي الطريق المستقيم إلى كل خير
، وهي الجسر الممدود بين الجنة والنار )
انتهى


(3) رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا(ع):1/241،
كما ورد أعلاه وقال(ره)في آخره: والحديث فيه
زياده حذفناها ، ولاحول وقوه إلا بالله
العلي العظيم"


ورواه الطوسي في الغيبة ص74 ، قال: ( وروى
محمد بن عبد الله بن الحسن الأفطس قال: كنت
عند المأمون يوماًونحن على شراب، حتى إذا
أخذ منه الشراب مأخذه صرف ندماءه واحتبسني
، ثم أخرج جواريه ، وضربن وتغنين ، فقال
لبعضهن: بالله لما رثيت من بطوس قطنا ،
فأنشأت تقول:


سقياً لطوس ومن أضحى بها قطنا من عترة
المصطفى أبقى لنا حزن


أعني أبا حسن المأمـون إن له حقاً على كل
من أضحى بها شجن


قال محمد بن عبد الله: فجعل يبكي حتى
أبكاني ، ثم قال لي: ويلك يا محمد أيلومني
أهل بيتي وأهل بيتك أن أنصب أبا الحسن
علماً، والله إن وددت لو أخرجت من هذا
الأمر ولأجلسته مجلسي غير أنه عوجل ، فلعن
الله عبد الله وحمزة ابني الحسن فإنهما
قتلاه ثم قال لي: يا محمد بن عبد الله ،
والله لأحدثنك بحديث عجيب فاكتمه ، قلت: ما
ذاك يا أمير المؤمنين ؟ قال: لما حملت
زاهرية ببدر أتيته فقلت له: جعلت فداك
بلغني أن أبا الحسن موسى بن جعفر، وجعفر بن
محمد ، ومحمد بن علي ، وعلي بن الحسين ،
والحسين بن علي كانوا يزجرون الطير ولا
يخطئون، وأنت وصي القوم ، وعندك علم ما كان
عندهم ، وزاهرية حظيتي ومن لا أقدم عليها
أحداً من جواريَّ ، وقد حملت غير مرة كل
ذلك يسقط ، فهل عندك في ذلك شئ ننتفع به؟
فقال: لا تخش من سقطها ، فستسلم وتلد
غلاماً صحيحاً مسلماً أشبه الناس بأمه ،
قد زاده الله في خلقه مرتبتين ، في يده
اليمنى خنصر وفي رجله اليمنى خنصر فقلت في
نفسي هذه والله فرصة إن لم يكن الأمر على
ما ذكر خلعته ، فلم أزل أتوقع أمرها حتى
أدركها المخاض ، فقلت للقيمة: إذا وضعت
فجيئيني بولدها ذكراً كان أو أنثى فما
شعرت إلا بالقيمة وقد أتتني بالغلام كما
وصفه زائد اليد والرجل ، كأنه كوكب دري ،
فأردت أن أخرج من الأمر يومئذ وأسلم ما في
يدي إليه ، فلم تطاوعني نفسي لكني دفعت
إليه الخاتم فقلت: دبر الأمر فليس عليك مني
خلاف، وأنت المقدم ، وبالله أن لو فعل
لفعلت )


وفي الثاقب في المناقب لابن حمزة الطوسي
ص486: (415/2- عن عبد الله بن محمد الهاشمي
العلوي قال: دخلت علي المأمون فحدثني
ملياً ، ثم أخرج من كان عنده لمكاني، فلما
خلا المجلس دعا بماء فغلسنا أيدينا ، ثم
أتي بطعام فطعمنا ، ثم أمر بستارة فمدت ،
ثم أقبل على واحدة من الجواري وقال: يا بنت
فلان لمَّا رثيت لنا من بطوس قطنا فأنشأت
الجارية تقول شعراً:


سقياً لطوس ومن أضحى به قطنا من عترة
المصطفى أبقى لنا حزن


فبكى المأمون حتى اخضلت لحيته من دموعه ثم
قال: يا عبدالله، أيلومني أهل بيتي وأهل
بيتك أن أنصب أبا الحسن علماً، فوالله
لأحدثنك بحديث فاكتمه علي جئته يوماً فقلت
له: جعلت فداك ، آباؤك موسى بن جعفر وجعفر
بن محمد ومحمد بن علي وعلي بن الحسين
والحسين بن علي بن أبي طالب أمير
المؤمنين، كان عندهم علم ما كان وما يكون
إلى يوم القيامة، وأنت وصي القوم ، وعندك
علمهم ، وهذه الزاهرية حظيتي ومن لا أقدم
عليها أحداً من جواريَّ، وقد حملت غير مرة
كل ذلك تسقط، وهي حبلى، أفلا تعلمني شيئاً
أعلمها فتعالج به فلعلها تسلم ؟


قال المأمون: فأطرق إطراقة ثم رفع رأسه
وقال: لا تخف من إسقاطها ، فإنها ستسلم
وتلد لك غلاماً أشبه الناس بأمه، كأن وجهه
الكوكب الدري، وقد زاد الله في خلقه مرتين


قلت: فما المرتان الزائدتان ؟ قال:
فالأولى بيده اليمنى خنصرة زائدة ليست
بالمدلاة ، وفي رجله اليسرى خنصرة زائدة
ليست بالمدلاة فتعجبت من ذلك، ولم أزل
أتوقع من الزاهرية حتى إذا قرب أمرها
جاءتني القيمة على الجواري وعلى أمهات
الأولاد فقالت يا سيدي ، إن الزاهرية قد
دنت ولادتها، فتأذن لي أن أدخل عليها
القوابل؟ فأذنت لها في ذلك ثم قلت: إذا
وضعت المولود فأتيني به ذكراً كان أو
أنثى، فما شعرت إلا وأنا بالقابلة قد
أتتني بغلام مدرج في حريرة، فكشفت عن وجهه
كأنه الكوكب الدري، أشبه الناس بأمه ،
فرددت الغلام على القابلة، وقمت أسعى
حافياً ، وكان نزل معي في الدار ، فإذا هو
في بيت يصلي ، فلما أحس بي خفف صلاته،
فسلمت عليه ، ثم جئت إلى موضع سجوده فقبلته
وقلت: يا سيدي أنت الداعي المطاع ، وأنا من
رعيتك ، فأخرجت خاتمي وجعلته في أصبعه
وقلت: مرني بأمرك أنتهِ إلى ما تأمرني به
والله إنه لو فعل لفعلت، ولكن لعن الله
حمزة ومحمداً ابني جعفر فإنهما قتلاه ،
والله ما فعلت ولا أمرت ولا دسست ، وقد
أمرت بقاتليه فقتلا سراً ثم بكى ، وأبكاني
، وكان حمزة ومحمد من بني العباس)


ويناسب هنا أن نذكر نماذج من تاريخ
المأمون بأقلام محبيه ، لنعرف أنه عفريت
داهية ، خبيث الخطط ، مسرفٌ في سفك دماء
المسلمين وأموالهم:


ففي سير أعلام النبلاء للذهبي:10/284: (ثم في
سنة إحدى ومئتين جعل المأمون ولي عهده
علياً الرضا ، ولبس الخضرة فسار
(المأمون)من مرو إلى سرخس ، فشد قوم على
الفضل (وزيره)فقتلوه في حمام في شعبان سنة
اثنتين ومئتين عن ستين سنة ، فجعل المأمون
لمن جاء بقاتليه عشرة آلاف دينار ، وكانوا
أربعة من مماليك المأمون ، فقالوا: أنت
أمرتنا بقتله ! فأنكر وضرب أعناقهم ) !!


وفي تاريخ الطبري:7/178: (ووافى المأمون في
وقت العشاء وذلك في شهر رمضان من سنة 210
فأفطر هو والحسن والعباس، ودينار بن عبد
الله قائم على رجله حتى فرغوا من الإفطار
وغسلوا أيديهم ، فدعا المأمون بشراب فأتى
بجام ذهب ، فصب فيه وشرب ، ومد يده بجام فيه
شراب إلى الحسن فتباطأ عنه الحسن ، لأنه لم
يكن يشرب قبل ذلك ، فغمز دينار بن عبد الله
الحسن فقال له الحسن: يا أمير المؤمنين
أشربه بإذنك وأمرك ؟ فقال له المأمون لولا
أمري لم أمدد يدي اليك ، فأخذ الجام فشربه


فلما كان في الليلة الثانية جمع بين محمد
بن الحسن بن سهل والعباسة بنت الفضل ذي
الرئاستين، فلما كان في الليلة الثالثة
دخل على بوران وعندها حمدونة وأم جعفر
وجدتها، فلما جلس المأمون معها نثرت عليها
جدتها ألف درة كانت في صينية ذهب فأمر
المأمون أن تجمع وسألها عن عدد ذلك الدر كم
هو فقالت ألف حبة


وجمع المأمون ذلك الدر في الآنية كما كان
فوضع في حجرها وقال هذه نحلتك ، وسلي
حوائجك


وألبستها أم جعفر البدنة الأموية وابتنى
بها في ليلته ، وأوقد في تلك الليلة شمعة
عنبر فيها أربعون مناً فى تور ذهب


وذكر أن المأمون أقام عند الحسن بن سهل
سبعة عشر يوماً ، يعد له في كل يوم لجميع من
معه جميع ما يحتاج إليه، وأن الحسن خلع على
القواد على مراتبهم وحملهم ووصلهم وكان
مبلغ النفقة عليهم خمسين ألف ألف درهم


قال وأمر المأمون غسان بن عباد عند منصرفه
أن يدفع إلى الحسن عشرة آلاف ألف من مال
فارس وأقطعه الصلح، فحملت إليه على المكان
وكانت معدة عند غسان بن عباد فجلس الحسن
ففرقها في قواده وأصحابه وحشمه وخدمه ،
فلما انصرف المأمون شيعه الحسن ثم رجع إلى
فم الصلح


فذكر عن أحمد بن الحسن بن سهل قال كان
أهلنا يتحدثون أن الحسن بن سهل كتب رقاعاً
فيها أسماء ضياعه ونثرها على القواد وعلى
بني هاشم (أي العباسيين) ، فمن وقعت في يده
رقعة منها فيها اسم ضيعة بعث فتسلمه


ثم قال: سألها يوماً المأمون بفم الصلح
حيث خرج إلينا عن النفقة على بوران ، وسأل
حمدونة بنت غضيض عن مقدار ما أنفقت في ذلك
الأمر؟


قال فقالت حمدونة: أنفقت خمسة وعشرين ألف
ألف


قال فقلت أم جعفر: ما صنعتِ شيئاً ، قد
أنفقت ما بين خمسة وثلاثين ألف ألف إلى
سبعة وثلاثين ألف ألف درهم) انتهى أقول:
(كانت الشاة بثلاثة دراهم) !


وفي ذيل تاريخ بغداد لابن الدمياطي:1/203:
(لما بنى المأمون على بوران ، فرش له حصير
من ذهب مسقوف، ونثر عليه جواهر، فجعل بياض
الدر يشرق على صفرة الذهب وما مسه أحد فوجه
الحسن إلى المأمون: هذا نثار يجب أن يلقط ،
فقال المأمون لمن حوله من بنات الخلفاء:
شرفن أبامحمد، فمدت كل واحدة منهن يدها،
فأخذت درة وبقي باقي الدر يلوح على الذهب
حصير فقال المأمون: قاتل الله أبا نواس حيث
يقول:


كأن صغرى وكبرى من فواقعها حصباء در على
أرض من الذهب


فكيف لو رأى هذا معاينة !


وفي نهاية ابن كثير:10/245: ( ثم دخلت سنة خمس
وتسعين ومائة فيها في صفر منها أمر الأمين
الناس أن لا يتعاملوا بالدراهم والدنانير
التي عليها اسم أخيه المأمون، ونهى أن
يدعى له على المنابر وأن يدعى له ولولده من
بعده


وفيها تسمى المأمون بإمام المؤمنين وفي
ربيع الآخر فيها عقد الأمين لعلي بن عيسى
بن ماهان الأمارة على الجبل وهمذان
وأصبهان وقم وتلك البلاد ، وأمره بحرب
المأمون ، وجهز معه جيشاً كثيراً ، وأنفق
فيهم نفقات عظيمة وأعطاه مائتي ألف دينار
، ولولده خمسين ألف دينار ، وألفي سيف محلى
، وستة آلاف ثوب للخلع ) انتهى


(30)مناظرة الإمام الرضا(ع)مع علماء
الأديان والمذاهب


( بتاريخ: 10 ذي القعدة 1418ـ 9/3/1998 ـ 18/12/1376 )


يعتبر مجلس المأمون الذي عقده للمناظرة
بين الإمام الرضا(ع)وبين علماء الأديان
والمذاهب، مجلساً فريداً حيث لم ينعقد
مجلس مثله من ظهور الإسلام الى غيبة ولي
الأمر أرواحنا فداه ! فلم يحدث أن جمع رئيس
أقوى دولة كل القدرات العلمية على وجه
الأرض ، وعرضوا قوتهم في مناظرة مع إمام
معصوم(ع)!


لقد استعمل المأمون كل ما أوتي من دهاء
وشيطنة ليحرج الإمام الرضا(ع) ويغلبه ولو
واحد من أولئك العلماء فباؤوا جميعاً
بالفشل!


وقد وررد في الحديث القدسي الذي أهداه
جبرئيل(ع)مكتوباً على لوح الى الصديقة
الكبرى فاطمة(ع)فيه أسماء الأئمة من
ولدها(ع)، ورد وصف المأمون بأنه: عفريت
مستكبر ! (الكافي ج1ص527) ، والعفريت أطلق في
القرآن في قصة سليمان(ع)على ذلك الجني الذي
كان في مقابل وصي سليمان الذي عنده علمٌ من
الكتاب: قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلأ
أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا
قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا
آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ
مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ
أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ
مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ
قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ
فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ
قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي
لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ
وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ
لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي
غَنِيٌّ كَرِيمٌ ( سورة النمل:38-40)


والتعبير عن المأمون بعفريت يدل على أنه
جمع القدرة والشيطنة، مع تكبره وتنمرده !


إن ابتلاء كل معصوم بحاكم عصره يتم بقانون
للإبتلاء حسب خصائص ذلك العصر والإمام
وعلى هذا الإمتحان الرباني يبتني مقام
الإمام ودرجته(ع)!


كما ورد عن الإمام الصادق(ع)في وصف الإمام
الرضا(ع)قولها: (يخرج رجل من ولد ابني موسى
اسمه اسم أمير المؤمنين(ع)إلى أرض طوس وهي
بخراسان يقتل فيها بالسم فيدفن فيها
غريباً من زاره عارفاً بحقه أعطاه الله عز
وجل أجر من أنفق من قبل الفتح وقاتل) (من
لايحضره الفقيه:2/583، وعيون أخبار
الرضا:1/285)


وروى حمزة بن حمران قال: (قال أبو
عبدالله(ع): يقتل حفدتي بأرض خراسان في
مدينة يقال لها طوس، من زاره إليها عارفاً
بحقه أخذته بيدي يوم القيامة فأدخلته
الجنة، وإن كان من أهل الكبائر قال: قلت
جعلت فداك وما عرفان حقه؟ قال: يعلم أنه
إمامٌ مفترض الطاعة شهيد من زاره عارفاً
بحقه أعطاه الله تعالى أجر سبعين ألف شهيد
ممن استشهد بين يدي رسول الله(ص) على حقيقة)
(من لايحضره الفقيه :2/584، وعيون أخبار
الرضا(ع):1/289 ) (1)


وإن كان من أهل الكبائر هذا تعبير عجيب
يدل على مقام الإمام الرضا(ع) ومقام زواره !
والكلمة المحيرة أكثر بعده: أجر سبعين ألف
شهيدالخ! حيث أن المستشهدين بين يدي رسول
الله(ص)منهم شهداء على المعنى الحقيقي،
ومنهم شهداء على المعنى المجازي ، وزائر
الإمام الرضا(ع)له أجر سبعين ألف شهيد
حقيقي !!


إن فرق الإكسير عن الكيمياء كما يقول
القدماء ، أن الكيمياء مادة تُحول المعدن
الى ذهب، لكن الإكسير مادة تغير طبيعة
المواد الأخرى وتعطيها خصائص الإكسير !
والإنسان إذا وصل الى مرحلة من النجاح في
الإمتحان الإلهي الذي قرره الله له واختصه
به ، يصبح مثل الإكسير بحيث لو تحركت شفتا
إنسان عند قبره ينتقل أثر الإكسير عبر
ضريحه اليه ، فيُحدث انقلاباً في روح
الزائر ، ويصير شهيداً مع النبي(ص)في بدر !


إن ذلك من تأثير الإمام فيمن يزوره،
وخاصية إكسيره التي أثرت في زائره!


فماذا فعل الإمام الرضا(ع)حتى وصل الى هذه
الدرجة ؟


لقد عَبَرَ امتحانات ربه ، ومنها ابتلاؤه
بذلك العفريت المستكبر ! وتحمل في جميع تلك
الشدائد وصبَر ، حتى تعجبت الأنبياء(ع)من
صبره !


وماذا عسانا عرفنا عن الإمام الرضا(ع): عن
شخصيته، وكيف عاش ، وكيف كان يمضي نهاره
وليله؟ وكيف امتحنه الله، ونجح في
الإمتحان؟!


عندما أهدى قميصه الى دعبل قال له: إحتفظ
بهذا القميص، فقد صليت فيه ألف ليلة ألف
ركعة ، وختمت فيه القرآن ألف ختمة (أمالي
الطوسي ص359 ) (2)


وكان يختم القرآن في ثلاثة أيام، لكن كيف
؟ لا يمر بآية حتى يرى جوانبها وأطرافها ،
وسبعة أعماقها ، ويستخرج من جواهرها
ولآليها !


هذا عمله اليومي(ع)، وعندما ابتلي بولاية
العهد للمأمون كان مجلسه ينعقد كل يوم ،
ويواجه أنواع الأحداث والمؤامرات !


ذات يوم قرر المأمون أن يجمع كيده فيجمع
له (السحرة)من العلماء والمفكرين من أقطار
الدنيا ليناظروه ويفحموه ! وخطط لذلك
واستعمل فنون دهائه، وأنواع سلطته، وبريق
ذهبه! (أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب
المقالات مثل الجاثليق(رئيس
الأساقفة)ورأس الجالوت (عالم اليهود)
ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر( عالم
المجوس وقيل عظماء الهنود ) وأصحاب زردهشت
(زرادشت) ونسطاس الرومي (عالم بالطب)
والمتكلمين (الفلاسفة وعلماء المذاهب
الإسلامية) ليسمع كلامه وكلامهم، فجمعهم
الفضل بن سهل ثم أعلم المأمون باجتماعهم ! )
(عيون أخبار الرضا(ع):2/139)


إقرؤوا هذه المناظرة واعرفوا أئمة
المسلمين(ع)! فقد روى العلماء والرواة
قطعاً من أخبار ذلك المجلس حسب استيعابهم
، أو حسب ما وصلهم منها ، ومن ذلك: (عن الحسن
بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون يوماً
وعنده علي بن موسى الرضا(ع)وقد اجتمع
الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة ،
فسأله بعضهم فقال له: يا بن رسول الله بأي
شئ تصح الإمامة لمدعيها؟


قال بالنص والدليل


قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟


قال في العلم، واستجابة الدعوة) (عيون
أخبار الرضا(ع):1/216) (3)


ما معنى هذه الكلمة: قال بالنص والدليل؟
هل فكرت لماذا ذكر الإمام(ع) طريقين لمعرفة
الإمام ، فأضاف الدليل والمعجزة الى النص؟!


روحي وأرواح العالمين لتراب مرقدك
الفداء، ماذا جمع الله فيك؟ لستَ بحر علم
فقط ، بل لقد لخص الله فيك عالم الوجود
فقلت: بالنص والدليل !


مع ضيق الوقت، نستفيد من هذه الكلمة
الشريفة من ولي الله وحجته الإمام
الرضا(ع)، فإن الإمامة دعوى تثبت عن
طريقين: النص والدليل ، أي بالعلم الذي خص
الله به الامام ، والقدرة التي منحه الله
إياها !


ذلك أن الإمام موجود تجتمع فيه خلاصة
المقامات الإلهية التي يعطيها الله لخاصة
أوليائه ! فله صفة: أمين الله، التي نقرؤها
في زيارة: أمين الله، وهذه الزيارة على علو
سندها تبدأ بعبارة: السلام عليك يا أمين
الله في أرضه، وفيها فصول من العلم ، كقوله
بعد وصف الإمام بأمين الله: أشهد أنك جاهدت
في الله حق جهاده، وفي الربط بينهما بحث
مهم ، فالإمام إنسان كامل ، وأحد مقومات
كماله أنه أمين الله، ومعناه أن الإمام
عنده خزائن التشريع والتكوين!


راجعوا معنى الأمانة والأمين في القرآن
والأحاديث لتعرفوا هذا المقام العظيم،
فقد وصف الله به كبار الرسل:إِنِّي لَكُمْ
رَسُولٌ أَمِينٌ، ووصف به سيد الملائكة
جبرئيل: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم
ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ
مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (سورة
التكوير: 19-21) ووصف مسؤولية الأمانة
الإلهية وثقلها: إِنَّا عَرَضْنَا
الأَمَانَة َعَلَى السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ
أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ
مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِِنْسَانُ
إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً ( سورة
الأحزاب:72)


وإضافة الأمانة الى"الله"من بين الأسماء
الحسنى، تعطيها الشمولية التي ذكرناها ،
لأن لفظ الجلالة "الله" يحوي خصائص الأسماء
الحسنى كلها !


هذا هو معنى: أمين الله في أرضه والأمين
يحتاج الى سند من المستأمِن يثبت أنه
مستأمَن ، وإلا كانت دعوى استئمانه بلا
دليل ، ولذا احتاج الإمام(ع)إلى نص يشهد له
! وهذا معنى قوله(ع): بالنص والدليل


والدليل هنا معناه الدلالة: وأن الإمام
مضافاً الى النص عليه من النبي(ص)أو ممن نص
عليه النبي(ص)، يعرف بدلالة العلم
واستجابة الدعاء !


أما لماذا صار الدليل مركباً منهما ؟ فلأن
الكمال في العالم منحصر فيهما ، فكل
الكمالات الإنسانية ترجع الى العلم
والقدرة ! والإنسان الكامل هو المتصل
بمنبع علم: لا نفاد لكلماته، وبمخزن
القدرة الذي: إِذَا قَضَى أَمْراً
فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُون (
سورة آل عمران:47)


هذا هو البرهان، أما العيان فقد تجسدت
الدلالة في علم الإمام الرضا(ع) ودعواته
المستجابةومعجزاته الباهرة! ويكفي في
إثبات علمه(ع)هذه المناظرة التي هي مؤتمر ،
بل مباهلة ، أعدَّ لها المأمون بكل ما أعطي
من قدرة ، وكان حاكم أكبر دولة في العالم ،
وكانت دولته في أوج قوتها ، فأمر رئيس
وزرائه الفضل بن سهل أن يكتب الى حكام
الولايات ويجمع له من أرجاء البلاد علماء
الأديان ، والمذاهب ، والفلاسفة ، وأصحاب
الإتجاهات الفكرية ، حتى الإلحادية !


إن ما وصلنا عن مؤتمر المأمون ، يدل على
أنه كان أعظم مما عرفنا عنه ! فقد جمعوا
كبار علماء العالم من بلاد الهند وفارس
والروم وبلاد العرب ، وذكرت بعض الروايات
أنهم كانوا أربعة آلاف شخص ، جمعهم
العفريت المستكبر ليحاجوا الإمام
الرضا(ع)، واستضافهم وبذل لهم ، وشجعهم على
مناقشته حتى بالكفر والإلحاد، وربما جعل
الجوائز العظيمة لمن يغلب الإمام! وقد
امتدت الجلسة من بكرة الصباح الى الظهر ،
ثم استؤنفت بعد الظهر الى المغرب !


وعندما أرسل المأمون ياسر الخادم وهو
برتبة وزير الى الإمام(ع)قبل يومٍ من
المؤتمر يدعوه الى الحضور غداً ، أجابه
الإمام(ع): أبلغه السلام وقل له قد علمتُ ما
أردت، وأنا صائرٌ اليك بكرةً إن شاء الله!
وهو تعبير كافٍ لإفهام المأمون بقبول
التحدي !


وقل له قد علمتُ ما أردت ! واطلعت على نيتك
وخطتك، فقد استعملت أقصى شيطنتك، وجمعت لي
شياطين العلم في الأرض، لكنك لن تستطيع
إطفاء نور الله تعالى ، ولا إبطال حجته !


قال الحسن بن النوفلي: (فلما مضى ياسر
التفت إلينا ثم قال لي: يا نوفلي أنت عراقي
ورقَّة العراقي غير غليظة، فما عندك في
جمع ابن عمك علينا أهل الشرك وأصحاب
المقالات؟! فقلت: جعلت فداك يريد الإمتحان
ويحب أن يعرف ما عندك ؟!)


ومع أن الإمام أعرف من النوفلي والحاضرين
في مجلسه بنوايا المأمون وخططه ، لكنه
أراد أن يكشفها لهم ، وأن يتم حجة الله
تعالى


وقد خاف النوفلي على الإمام(ع)من ذلك
المجلس، ليس من علم العلماء بل من
شيطنتهم، لأنهم رؤساء أديان وفرق ومذاهب
واتجاهات ، ومن شيطنة المأمون الذي يقف
وراءهم ! فالعالم يدلي برأيه لكن إذا ظهر
له الحق يقبله ، أما رئيس الفرقةوالمذهب
فليس عنده استعداد لقبول الحق مهما كان
واضحاً، فهو يدافع عن دينه ومنصبه حتى
بإنكار البديهيات !


قال النوفلي: قلت: (إن أصحاب الكلام
والبدعة خلاف العلماء ، وذلك أن العالم لا
ينكر غير المنكر ، وأصحاب المقالات
والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار
ومباهتة ، إن احتججت عليهم بأن الله واحد
قالوا صحح وحدانيته! وإن قلت إن محمداً
رسول الله(ص)قالوا أثبت رسالته ! ثم
يباهتونه وهو يبطل عليهم بحجته،
ويغالطونه حتى يترك قوله، فاحذرهم جعلت
فداك قال النوفلي: فتبسم الإمام(ع)ثم قال
لي: يا نوفلي أفتخاف أن يقطعوا عليَّ
حجتي؟! فقلت: لا والله ما خفت عليك قط ،
وإني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله
تعالى


فقال لي: يا نوفلي أتحب أن تعلم متى يندم
المأمون ؟ قلت: نعم


قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة
بتوراتهم ، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم،
وعلى أهل الزبور بزبورهم، وعلى الصابئين
بعبرانيتهم، وعلى أهل الهرابذة
بفارسيتهم، وعلى أهل الروم بروميتهم،
وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم ! فإذا قطعت
كل صنف ودحضت حجته ، وترك مقالته ورجع الى
قولي علم المأمون الموضع الذي هو سبيله
ليس بمستحق له ! فعندها تكون الندامة ، ولا
حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم)


يعني بذلك(ع)أنه إذا وصل الأمر من النص الى
الدلالة ، ومن النظري الى العملي ، فسوف
يندم المأمون لأنه سيتضح له ولغيره أن
كرسيه في خلافة النبي(ص)كرسي، مغصوب ، وأن
صاحب هذا الكرسي غيره !


وبدأ المجلس بكرةً ، بهجوم من رئيس
الأساقفة ، وامتد الى العصر بهجوم
الفيلسوف العلماني عمران الصابي ! ولا
يتسع الوقت لبيان تلك المطالب واللطائف
التي استطاعت أن تحملها روايات النوفلي ،
وهو عالم هاشمي له علاقة حسنة
بالإمام(ع)وبالمأمون !


وما لبث رئيس الأساقفة أن هوى أرضاً ،
وتحول حاخام اليهود رأس الجالوت الى مسكين
منكسر ، وآمن الهزبر الأكبر ، وتمرغ نسطاس
الرومي بالتراب ! وواصل الإمام(ع)عمله يحصد
بمنجل علومه الربانية أباطيل علماء
الأديان والمذاهب واحداً بعد الآخر، وهم
يتهاوون صرعى في قاعة المجلس! ولم يبق إلا
بهلوان العلمانيين الملحدين عمران الصابي
الذي ادخره المأمون ليكون آخر نبل في
كنانته !


ونزل عمران الصابي الى الميدان فإذا هو
بحرٌ في علوم عصره ، متضلعٌ في كل فروع
الفلسفة التي كانت في ذلك العصر ، لم يغلبه
أحد في مناظرة في كل عمره ! وتكلم بما يملك
من تعمق وتفنن في مبدأ الوجود وفي أفعال
الله تعالىمن المبدأ الى المنتهى، وطرح
إشكالاته وأسئلته، وأخذ الإمام(ع)يفندها
ويجيبه عليها، حتى وصل عمران الى سؤال
مفصلي ، وما أن أجابه الإمام(ع) بعلمه
الرباني حتى خرَّ عمران أرضاً وهو يعلن
أمام أربعة آلاف حاضر: أشهد أن لا إله إلا
الله أشهد أن لا إله إلا الله !


لقد خُتم المجلس بعد الظهر بإسلام عمران
الصابي , ورأى النوفلي والجميع أن
الإمام(ع)هو المعني بالنص والمعجزة التي
تصدق كلامه! (4)


لقد رأى المأمون والمسلمون من الإمام
الرضا(ع)آيات في العلم وفي استجابة الدعوة!
لكن المأمون عفريت متكبر وقد قال الله
تعالى: قُلِ انْظُرُوا مَاذَافِي
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي
الآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا
يُؤْمِنُونَ (سورة يونس:101) رأوها في قضايا
صغيرة وكبيرة ، وظهرت للعيان الحجج
الرضوية منعالم آل محمد(ص)، أمام نخبة
العالم من شرقه وغربه


ثم رأوها في صلاة الإستسقاء العجيبة وما
تلاها مما هو أعجب!


قال الصدوق في عيون أخبارالرضا:1/179: (باب
استسقاء المأمون بالرضا (ع)وما أراه الله
عز وجل من القدرة في الإستجابة له، وفي
إهلاك من أنكر دلالته تلك: حدثنا أبوالحسن
محمد بن القسم المفسر رضي الله عنه قال:
حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد
بن سيار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي
العسكري ، عن أبيه علي بن محمد ، عن أبيه
محمد بن علي(ص)أن الرضا(ع)علي بن موسى لما
جعله المأمون ولي عهده، احتبس المطر فجعل
بعض حاشية المأمون والمتعصبين على الرضا
يقولون أنظروا لمَّا جاءنا علي بن
موسىوصار ولي عهدنا فحبس الله عنا المطر!
واتصل بالمأمون فاشتد عليه فقال
للرضا(ع)قد احتبس المطر ، فلو دعوت الله عز
وجل أن يمطر الناس ؟


فقال الرضا(ع): نعم قال: فمتى تفعل ذلك ؟
وكان ذلك يوم الجمعة قال يوم الإثنين فإن
رسول الله(ص)أتاني البارحة في منامي ومعه
أميرالمؤمنين (ع)وقال: يا بني انتظر يوم
الإثنين فابرز إلى الصحراء واستسق ، فإن
الله تعالى سيسقيهم وأخبرهم بما يريك الله
مما لايعلمون من حالهم ، ليزداد علمهم
بفضلك ومكانك من ربك عز وجل !


فلما كان يوم الإثنين غدا(ع)إلى الصحراء
وخرج الخلائق ينظرون فصعد المنبر فحمد
الله وأثنى عليه ثم قال: اللهم يا رب، أنت
عظمت حقنا أهل البيت فتوسلوا بنا كما
أمرت، وأملوا فضلك ورحمتك، وتوقعوا
إحسانك ونعمتك، فاسقهم سقياً نافعاً
عاماً غير رايث ولاضائر، وليكن ابتداء
مطرهم بعد انصرافهم من مشهدهم هذا إلى
منازلهم ومقارهم


قال: فو الذي بعث محمداً بالحق نبياً ، لقد
نسجت الرياح في الهواء الغيوم وأرعدت
وأبرقت، وتحرك الناس كأنهم يريدون التنحي
عن المطر، فقال الرضا(ع): على رسلكم أيها
الناس فليس هذا الغيم لكم، إنما هو لأهل
بلد كذا ! فمضت السحابة وعبرت ، ثم جاءت
سحابة أخرى تشتمل على رعد وبرق فتحركوا
فقال: على رسلكم فما هذه لكم ، إنما هي لأهل
بلد كذا ، فما زالت حتى جاءت عاشرسحابة
وعبرت، ويقول علي بن موسى الرضا في كل
واحدة: على رسلكم ليست هذه لكم إنما هي
لأهل بلد كذا ، ثم أقبلت سحابة حادية عشر
فقال: أيها الناس هذه سحابة بعثها الله عز
وجل لكم ، فاشكروا الله على تفضله عليكم،
وقوموا إلى مقاركم ومنازلكم،فإنها مسامتة
لكم ولرؤوسكم ممسكة عنكم إلى أن تدخلوا إلى
مقاركم ثم يأتيكم من الخير مايليق بكرم
الله تعالى وجلاله


ونزل من على المنبر وانصرف الناس ، فما
زالت السحابة ممسكة الى أن قربوا من
منازلهم ثم جاءت بوابل المطر فملأت
الأودية والحياض والغدران والفلوات ،
فجعل الناس يقولون: هنيئاً لولد رسول الله
كرامات الله عز وجل


ثم برز إليهم الرضا(ع)وحضرت الجماعة
الكثيرة منهم فقال: ياأيها الناس إتقوا
الله في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم
بمعاصيه، بل استديموها بطاعته وشكره على
نعمه وأياديه، واعلموا أنكم لا تشكرون
الله بشئ بعد الايمان بالله وبعد الإعتراف
بحقوق أولياء الله من آل محمد رسول
الله(ص)أحب إليه من معاونتكم لإخوانكم
المؤمنين على دنياهم ، التي هي معبر لهم
إلى جنان ربهم، فإن من فعل ذلك كان من خاصة
الله تبارك وتعالى، وقد قال رسول الله(ص)في
ذلك قولاً ما ينبغي لقائل أن يزهد في فضل
الله عليه فيه، إن تأمله وعمل عليه، قيل يا
رسول الله هلك فلان وكان يعمل من الذنوب
كيت وكيت، فقال رسول الله(ص): بل قد نجى ولا
يختم الله عمله إلا بالحسنى، وسيمحو الله
عنه السيئات ويبدلها حسنات! إنه كان يمر
مرة في طريق عرض له مؤمن قد انكشفت عورته
وهو لا يشعر فسترها عليه ولم يخبره مخافة
أن يخجل !


ثم إن ذلك المؤمن عرفه في مهواه فقال له:
أجزل الله لك الثواب وأكرم لك المآب ولا
ناقشك في الحساب، فاستجاب الله له فيه !
فهذا العبد لا يختم الله له إلابخير بدعاء
ذلك المؤمن،فاتصل قول رسول الله(ص)بهذا
الرجل فتاب وأناب وأقبل على طاعةالله عز
وجل،فلم يأت سبعة أيام حتى أغير على سرح
المدينة، فوجه رسول الله(ص)في أثرهم جماعة
ذلك الرجل أحدهم ، فاستشهد فيهم !


قال الإمام محمد بن علي بن موسى(ع): وعظم
الله تبارك وتعالى البركة في البلاد بدعاء
الرضا(ع)وقد كان للمأمون من يريد أن يكون هو
ولي عهده من دون الرضا(ع)وحساد كانوا بحضرة
المأمون للرضا(ع)فقال للمأمون بعض
أولئك:يا أميرالمؤمنين أعيذك بالله أن
تكون تاريخ الخلفاء في إخراجك هذا الشرف
العميم والفخر العظيم من بيت ولد العباس
إلى بيت ولد علي! لقد أعنت على نفسك وأهلك ،
جئت بهذا الساحر ولد السحرة ، وقد كان
خاملاً فأظهرته ، ومتضعاً فرفعته ،
ومنسياً فذكرت به ، ومستخفاً فنوهت به ، قد
ملأ الدنيا مخرقةً وتشوفاً بهذا المطر
الوارد عند دعائه! ما أخوفني أن يخرج هذا
الرجل هذا الأمر عن ولد العباس إلى ولد
علي! بل ما أخوفني أن يتوصل بسحره إلى
إزالة نعمتك والتواثب على مملكتك ، هل جنى
أحد على نفسه وملكه مثل جنايتك ؟!


فقال المأمون: كان هذا الرجل مستتراً عنا
يدعو إلى نفسه ، فأردنا أن نجعله ولي عهدنا
ليكون دعاؤه لنا ، وليعترف بالملك
والخلافة لنا ، وليعتقد فيه المفتونون به
أنه ليس مما ادعى في قليل ولا في كثير وأن
هذا الأمر لنا دونه ، وقد خشينا إن تركناه
على تلك الحالة أن ينفتق علينا منه ما لا
نسده ويأتي علينا منه ما لا نطيقه! والآن
فإذ قد فعلنا به ما فعلنا، وأخطأنا في أمره
بما أخطأنا ، وأشرفنا من الهلاك بالتنويه
به على ما أشرفنا ، فليس يجوز التهاون في
أمره، ولكنا نحتاج أن نضع منه قليلاً
قليلاً حتى نصوره عند الرعايا بصورة من لا
يستحق لهذا الأمر ، ثم ندبر فيه بما يحسم
عنا مواد بلائه !


قال الرجل: يا أمير المؤمنين فولني
مجادلته فإني أفحمه وأصحابه وأضع من قدره،
فلولا هيبتك في نفسي لأنزلته منزلته،
وبينت للناس قصوره عما رشحته له قال
المأمون: ما شئ أحب إليّ من هذا


قال فاجمع جماعة وجوه مملكتك من القواد
والقضاة وخيار الفقهاء ، لأبين نقضه
بحضرتهم ، فيكون أخذاً له عن محله الذي
أحللته فيه ، على علم منهم بصواب فعلك ! قال
فجمع الخلق الفاضلين من رعيته في مجلس واسع
قعد فيه لهم ، وأقعد الرضا(ع)بين يديه في
مرتبته التي جعلها له ، فابتدأ هذا الحاجب
بالكلام المتضمن للوضع من الرضا(ع)، وقال
له:


إن الناس قد أكثروا عنك الحكايات وأسرفوا
في وصفك بما أرى إنك أن وقفت عليه برئت
إليهم منه ، قال وذلك أنك قد دعوت الله في
المطر المعتاد مجيئه، فجاء فجعلوه آية
معجزة لك أوجبوا لك بها أن لا نظير لك في
الدنيا، وهذا أمير المؤمنين أدام الله
ملكه وبقاءه لا يوازى بأحد إلا رجح به ،
وقد أحلك المحل الذي قد عرفت ، فليس من حقه
عليك أن تسوغ الكاذبين لك وعليه ما
يتكذبونه


فقال الرضا(ع): ما أدفع عباد الله عن
التحدث بنعم الله عليَّ، وإن كنت لا أبغي
أشراً ولا بطراً وأما ما ذكرت عن صاحبك
الذي أحلني ما أحلني، فما أحلني إلا المحل
الذي أحله ملك مصر يوسف الصديق(ع)وكانت
حالهما ما قد علمت ! فغضب الحاجب عند ذلك
وقال:


يا ابن موسى لقد عدوت طورك وتجاوزك قدرك ،
إن بعث الله بمطر مقدر وقته لا يتقدم ولا
يتأخر ، جعلته آيةً تستطيل بها ، وصولةً
تصول بها ، كأنك جئت بمثل آية الخليل
إبراهيم(ع)لما أخذ رؤوس الطير بيده ودعا
أعضاءها التي كان فرقها على الجبال فأتينه
سعياً وتركَّبْنَ على الرؤوس وخَفَقْنَ
وطِرْنَ بإذن الله تعالى، فإن كنت صادقاً
فيما توهم فأحييِ هذين وسلطهما علي ، فإن
ذلك يكون حينئذ آية معجزة ، فأما المطر
المعتاد مجيؤه ، فلست أنت أحق بأن يكون جاء
بدعائك من غيرك الذي دعا كما دعوت !


وكان الحاجب أشار إلى أسدين مصورين على
مسند المأمون الذي كان مستنداً إليه ،
وكانا متقابلين على المسند ، فغضب علي بن
موسى(ص)وصاح بالصورتين:دونكما الفاجر
فافترساه ولا تبقيا له عيناً ولا أثراً !
فوثبت الصورتان وقد عادتا أسدين فتناولا
الحاجب ورضضاه وهشماه وأكلاه ولحسا دمه!
والقوم ينظرون متحيرين مما يبصرون! فلما
فرغا منه أقبلا على الرضا(ع) وقالا: يا ولي
الله في أرضه ماذا تأمرنا نفعل بهذا ،
أنفعل به ما فعلنا بهذا؟ يشيران إلى
المأمون! فغشي على المأمون مما سمع منهما ،
فقال الرضا(ع): قفا ، فوقفا ! قال الرضا(ع):
صبوا عليه ماء ورد وطيبوه ، ففعل ذلك به
وعاد الأسدان يقولان: أتأذن لنا أن نلحقه
بصاحبه الذي أفنيناه ؟ قال: لا ، فإن لله عز
وجل فيه تدبيراً هو ممضيه فقالا: ماذا
تأمرنا؟ قال: عودا إلى مقركما كما كنتما ،
فصارا إلى المسند وصارا صورتين كما كانتا
!!


فقال المأمون: الحمد لله الذي كفاني شر
حميد بن مهران ، يعني الرجل المفترَس ، ثم
قال للرضا(ع): يا ابن رسول هذا الأمر لجدكم
رسول الله(ص) ثم لكم ، فلو شئت لنزلت عنه لك
! فقال الرضا(ع): لو شئت ناظرتك ولم أسألك،
فإن الله تعالى قد أعطاني من طاعة سائر
خلقه مثل ما رأيت من طاعة هاتين الصورتين،
إلا جهال بني آدم فإنهم وإن خسروا حظوظهم
فلله عز وجل فيه تدبير، وقد أمرني بترك
الإعتراض عليك وإظهار ما أظهرته من العمل
من تحت يدك ، كما أمر يوسف بالعمل من تحت يد
فرعون مصر !


قال: فما زال المأمون ضئيلاً في نفسه
إلىأن قضى في علي بن موسى الرضا (ع)ما قضى) !
(ورواه الطبري في دلائل الإمامةص 376 ، وابن
حمزة في المناقب ص467) (5)


هذا هو علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه
، الذي سطعت شمس براهينه على العالم ،
وأفحمت عدوه وحاسده المستكبر ، فرأى أنه
لا بد أن يتخلص منه بقتله ، قبل أن أن يعشو
المسلمون الى ضوء هداه


اللهم بجاه الرضا عندك، وبحرمته لديك :


أكتب أسماءنا في دفتر محبيه ومواليه، ولا
تمحه


ولنتوجه جميعاً في صباحنا ومسائنا الى
حرمه المقدس ولو بكلمتين:


أللهم صل على وليك علي بن موسى الرضا ،
عددَ ما في علمك صلاةَ دائمة بدوام ملكك
وسلطانك أللهم سلم على وليك علي بن موسى
الرضا ، عددَ ما في علمك، سلاماً دائماً
بدوام مجدك وعظمتك وكبريائك


والحمد لله رب العالمين


التعليقات


(1) في عيون أخبار الرضا(ع):1/288: (حدثنا أحمد
بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه
قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال:
حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد قال: حدثنا
محمد بن سليمان المصري عن أبيه عن إبراهيم
بن أبي حجر الأسلمي ، قال: حدثنا قبيصة بن
جابر بن يزيد الجعفي قال: سمعت وصي
الأوصياء ووارث علم الأنبياء أباجعفر
محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي
طالب(ع)يقول: حدثني سيد العابدين علي بن
الحسين ، عن سيد الشهداء الحسين بن علي ،
عن سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب(ع)قال: قال رسول الله(ص): ستدفن بضعة
مني بأرض خراسان ما زارها مكروب إلا نفس
الله كربته ، ولا مذنب إلا غفر الله ذنوبه )


وفي عيون أخبار الرضا(ع):1/290: (حدثنا جعفر
بن محمد بن مسرور رضي الله عنه قال: حدثنا
الحسين بن محمد بن عامر عن عمه عبد الله بن
عامر ، عن سليمان بن حفص المروزي قال: سمعت
أبا الحسن موسى بن جعفر(ص)يقول: من زار قبر
ولدي علي كان له عند الله تعالى سبعون حجة
مبرورة قلت: سبعون حجة ؟ قال: نعم وسبعون
ألف حجة ثم قال: رب حجة لاتقبل ومن زاره أو
بات عنده ليله كمن زار الله تعالى في عرشه
قلت: كمن زار الله في عرشه ؟ قال: نعم إذا
كان يوم القيامة كان على عرش الله تعالى
أربعة من الأولين وأربعة من الآخرين، فأما
الأولين فنوح وإبراهيم وموسى وعيسى(ع) ،
وأما الأربعة الآخرون فمحمد وعلي والحسن
والحسين صلوات الله عليهم، ثم يمد المطمار
فتقعد معنا زوار قبور الأئمة ألا إن أعلاهم
درجة وأقربهم حبوةً زوار قبر ولدي علي قال
مصنف هذا الكتاب رحمة الله عليه: معنى
قوله(ع): كان كمن زار الله تعالى في عرشه
ليس بتشبيه ، لأن الملائكة تزور العرش
وتلوذ به وتطوف حوله ، وتقول نزور الله في
عرشه كما نقول: نحج بيت الله ونزور الله ،
لأن الله تعالى ليس بموصوف بمكان ، تعالى
عن ذلك علواً كبيرا )


(2) في عيون أخبار الرضا(ع):1/294: (حدثنا
الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب
وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهما
قالا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن
أبيه إبراهيم بن هاشم عن عبد السلام بن
صالح الهروي قال: دخل دعبل بن علي
الخزاعي&علي موسى الرضا(ع)بمرو فقال له: يا
بن رسول الله إني قد قلت فيك قصيدة وآليت
على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك فقال(ع):
هاتها ، فأنشده:


مدارسُ آياتٍ خلتْ من تلاوةٍ ومنزل وحي
مقفر العرصات


فلما بلغ إلى قوله:


أرى فيئهم في غيرهم متقسماً وأيديهم من
فيئهم صفرات


بكى أبو الحسن الرضا(ع)وقال له: صدقت يا
خزاعي


فلما بلغ إلى قوله:


إذا وُتروا مدوا إلى واتريهم أكفاً عن
الأوتار منقبضات


جعل أبو الحسن(ع)يقلب كفيه ويقول: أجل
والله منقبضات !


فلما بلغ إلى قوله:


لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها وإني لأرجو
الأمن بعد وفاتي


قال الرضا(ع): آمنك الله يوم الفزع الأكبر


فلما انتهى إلى قوله:


وقبر ببغداد لنفس زكية تضمنها الرحمن في
الغرفات


قال له الرضا(ع):أفلا ألحق لك بهذا الموضع
بيتين بهما تمام قصيدتك ؟


فقال: بلى يا ابن رسول الله ، فقال(ع):


وقبر بطـوس يا لهـا من مصيبـة تَوقَّدُ في
الأحشاء بالحرقات


الى الحشر حتى يبعث الله قائماً يفرج عنا
الهمَّ والكربات


فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر
الذي بطوس قبر من هو ؟


فقال الرضا(ع):قبري، ولا تنقضي الأيام
والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري
، ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في
درجتي يوم القيامة مغفوراً له


ثم نهض الرضا(ع)بعد فراغ دعبل من إنشاد
القصيدة ، وأمره أن لايبرح من موضعه ، فدخل
الدار فلما كان بعد ساعة خرج الخادم إليه
بمائة دينار رضوية فقال له: يقول لك مولاي
إجعلها في نفقتك فقال دعبل: والله ما لهذا
جئت ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شئ يصل
إليَّ ، ورد الصرة وسأل ثوباً من ثياب
الرضا(ع)ليتبرك ويتشرف به ، فأنفذ إليه
الرضا(ع)جبة خز مع الصرة وقال للخادم: قل له
خذ هذه الصرة فإنك ستحتاج إليها ، ولا
تراجعني فيها ، فأخذ دعبل الصرة والجبة
وانصرف وسار من مرو في قافلة ، فلما بلغ
ميان قوهان وقع عليهم اللصوص فأخذوا
القافلة بأسرها، وكتفوا أهلها وكان دعبل
فيمن كتف وملك اللصوص القافلة وجعلوا
يقسمونها بينهم ، فقال رجل من القوم
متمثلاً بقول دعبل في قصيدته:


أرى فيئهم في غيرهم متقسماً وأيديهم من
فيئهم صفرات


فسمعه دعبل فقال له: لمن هذا البيت؟ فقال
لرجل من خزاعة يقال له دعبل بن علي ، قال:
فأنا دعبل قائل هذه القصيدة التي منها هذا
البيت ! فوثب الرجل إلى رئيسهم وكان يصلي
على رأس تل ، وكان من الشيعة فأخبره فجاء
بنفسه حتى وقف على دعبل وقال له: أنت دعبل ؟
فقال نعم فقال له أنشدني القصيدة فأنشدها
فحل كتافه وكتاف جميع أهل القافلة ، ورد
إليهم جميع ما أخذ منهم لكرامة دعبل !


وسار دعبل حتى وصل إلى قم ، فسأله أهل قم
أن ينشدهم القصيدة فأمرهم أن يجتمعوا في
المسجد الجامع ، فلما اجتمعوا صعد المنبر
فأنشدهم القصيدة ، فوصله الناس من المال
والخلع بشئ كثير ، واتصل بهم خبر الجبة
فسألوه أن يبيعها بألف دينار ، فامتنع من
ذلك ، فقالوا له: فبعنا شيئاً منها بألف
دينار فأبى عليهم ، وسار عن قم ، فلما خرج
من رستاق البلد لحق به قوم من أحداث العرب
وأخذوا الجبة منه ، فرجع دعبل إلى قم
وسألهم رد الجبة فامتنع الأحداث من ذلك
وعصوا المشايخ في أمرها ، فقالوا لدعبل: لا
سبيل إلى لك إلى الجبة ، فخذ ثمنها ألف
دينار فأبى عليهم ، فلما يئس من ردهم الجبة
سألهم أن يدفعوا إليه شيئاً منها فأجابوه
إلى ذلك ، وأعطوه بعضها ودفعوا إليه ثمن
باقيها ألف دينار وانصرف دعبل إلى وطنه
فوجد اللصوص قد أخذوا جميع ما كان في منزله
فباع المأة الدينار التي كان الرضا(ع)وصله
بها فباع من الشيعة كل دينار بمأة درهم ،
فحصل في يده عشرة آلاف درهم ، فذكر قول
الرضا(ع): إنك ستحتاج إلى الدنانير ، وكانت
له جارية لها من قلبه محل فرمدت عينها
رمداً عظيماً ، فأدخل أهل الطب عليها
فنظروا إليها فقالوا: أما العين اليمنى
فليس لنا فيها حيلة وقد ذهبت ، وأما اليسرى
فنحن نعالجها ونجتهد ونرجو أن تسلم ، فاغتم
لذلك دعبل غماً شديداً وجزع عليها جزعاً
عظيماً ، ثم إنه ذكر ما كان معه من وصلة
الجبة فمسحها على عيني الجارية وعصبها
بعصابة منها ، أول الليل فأصبحت وعيناها
أصح ما كانتا من قبل ببركة أبي الحسن
الرضا(ع) قال مصنف هذا الكتاب رحمة الله
عليه: إنما ذكرت هذا الحديث في هذا الكتاب
وفي هذا الباب ، لما فيه من ثواب زيارة
الرضا(ع)


ولدعبل بن علي خبر عن الرضا(ع)في النص على
القائم(ع)أحببت ايراده على أثر هذا الحديث:
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي
الله عنه قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن
هاشم ، عن أبيه عن عبد السلام بن صالح
الهروي قال: سمعت دعبل بن علي الخزاعي
يقول: لما أنشدت مولاي الرضا(ع)قصيدتي التي
أولها:


مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر
العرصات


فلما انتهيت إلى قولي:


خروج إمام لا محالة خارج يقوم على اسم
الله والبركات


يميز فينا كل حق وباطل ويجزي على النعماء
والنقمات


بكى الرضا(ع)بكاء شديداً ثم رفع رأسه إلي
فقال لي: يا خزاعي نطق روح القدس على لسانك
بهذين البيتين ، فهل تدري من هذا الإمام؟
ومتى يقوم؟ فقلت: لا يا سيدي، إلا أني سمعت
بخروج إمام منكم يطهر الأرض من الفساد
ويملؤها عدلاً ، فقال: يا دعبل الإمام بعدي
محمد ابني ، وبعد محمد ابنه علي ، وبعد علي
ابنه الحسن ، وبعد الحسن ابنه الحجة
القائم ، المنتظر في غيبته ، المطاع في
ظهوره لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد
لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيملؤها
عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً وأما متى؟
فإخبار عن الوقت ، ولقد حدثني أبي عن أبيه
عن آبائه عن علي(ع)أن النبي(ص)قيل له: يا
رسول الله متى يخرج القائم من ذريتك؟ فقال:
مثله مثل الساعة لايُجَلِّيهَا
لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا
تَأْتِيكُمْ إلا بَغْتَةً ( سورة الأعراف:
187)


(3) في عيون أخبار الرضا(ع):1/216: (حدثنا تميم
بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه
قال: حدثني أبي قال: حدثنا أحمد بن علي
الأنصاري عن الحسن بن الجهم قال: حضرت مجلس
المأمون يوماً وعنده علي بن موسى
الرضا(ع)وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من
الفرق المختلفة ، فسأله بعضهم فقال له:


يا بن رسول الله بأي شئ تصح الإمامة
لمدعيها ؟ قال(ع): بالنص والدليل


قال له: فدلالة الإمام فيما هي؟ قال(ع): في
العلم واستجابة الدعوة


قال: فما وجه إخباركم بما يكون ؟ قال(ع):
ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله(ص)


قال: فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس؟
قال(ع)له: أما بلغك قول الرسول(ص): إتقوا
فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ؟ قال:
بلى


قال(ع): وما من مؤمن إلا وله فراسة ينظر
بنور الله على قدر إيمانه ومبلغ استبصاره
وعلمه ، وقد جمع الله للأئمة ما فرقه في
جميع المؤمنين وقال عز وجل في محكم كتابه:
إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ
لِلْمُتَوَسِّمِينَ ( سورة الحجر: 75 ) فأول
المتوسمين رسول الله(ص)ثم أمير
المؤمنين(ع)من بعده ، ثم الحسن والحسين
والأئمة من ولد الحسين(ع)إلى يوم القيامة


قال: فنظر إليه المأمون فقال له: يا أبا
الحسن زدنا مما جعل الله لكم أهل البيت


فقال الرضا(ع): إن الله عز وجل أيدنا بروح
منه مقدسة مطهرة ليست بملك ، لم تكن مع أحد
ممن مضى إلا مع رسول الله(ص)وهي مع الأئمة
منا تسددهم وتوفقهم ، وهو عمود من نور
بيننا وبين الله عز وجل !


قال له المأمون: يا أبا الحسن بلغني أن
قوماً يغلون فيكم ويتجاوزون فيكم الحد !


فقال الرضا(ع): حدثني أبي موسى بن جعفر، عن
أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي ،
عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن
علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب(ع)قال قال
رسول الله(ص): لاترفعوني فوق حقي، فإن الله
تبارك تعالى اتخذني عبداً قبل أن يتخذني
نبياً ، قال الله تبارك وتعالى: مَا كَانَ
لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ
الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ
ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا
عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ
كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ
تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا
كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلا يَأْمُرَكُمْ
أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ
وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً
أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ
أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ( سورة آل عمران: 79-80)


وقال علي(ع):يهلك فيَّ اثنان ولا ذنب لي:
محب مفرط، ومبغض مفرط


وأنا أبرأ إلى الله تبارك وتعالى ممن يغلو
فينا ويرفعنا فوق حدنا، كبراءة عيسى بن
مريم(ع)من النصارى، قال الله تعالى: وَإِذْ
قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي
وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ
قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ
أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ
كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ
تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ
مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ
الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا
أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ
رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ
شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ
فَلَمَّاتَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ
الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى
كُلِّ شَئٍ شَهِيدٌ (سورة المائدة: 116-117)
وقال عز وجل: لَنْ يَسْتَنْكِفَ
الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً للهِ
وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ
وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ
إِلَيْهِ جَمِيعاً ( سورة النساء:172)


وقال عز وجل: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ
مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ
قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ
صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ
الطَّعَامَ ( سورة المائدة:75) ومعناه أنهما
كانا يتغوطان، فمن ادعى للأنبياء ربوبية
وادعى للأئمة ربوبية أو نبوة ، أو لغير
الأئمة إمامة ، فنحن منه براء في الدنيا
والآخرة


فقال المأمون: يا أبا الحسن فما تقول في
الرجعة ؟


فقال الرضا(ع): إنها لحق ، قد كانت في الأمم
السالفة، ونطق به القرآن وقد قال رسول
الله(ص): يكون في هذه الأمة كل ما كان في
الأمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة
بالقذة وقال(ص): إذا خرج المهدي من ولدي نزل
عيسى بن مريم(ع)فصلى خلفه وقال: إن الإسلام
بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء
قيليا رسول الله ثم يكون ماذا؟ قال: ثم
يرجع الحق إلى أهله


فقال المأمون: يا أبا الحسن فما تقول في
القائلين بالتناسخ ؟


فقال الرضا(ع): من قال بالتناسخ فهو كافر
بالله العظيم ، مكذب بالجنة والنار


قال المأمون: ما تقول في المسوخ ؟


قال الرضا(ع): أولئك قوم غضب الله عليهم
فمسخهم ، فعاشوا ثلاثة أيام ثم ماتوا ولم
يتناسلوا فما يوجد في الدنيا من القردة
والخنازير وغير ذلك مما وقع عليهم إسم
المسوخية ، فهو مثل ما لايحل أكلها
والانتفاع به


قال المأمون: لا أبقاني الله بعدك يا أبا
الحسن، فوالله ما يوجد العلم الصحيح إلا
عند أهل البيت ، وإليك انتهت علوم آبائك ،
فجزاك الله عن الاسلام وأهله خير


قال الحسن بن جهم: فلما قام الرضا(ع)تبعته
، فانصرف إلى منزله فدخلت عليه وقلت له: يا
ابن رسول الله الحمد لله الذي وهب من جميل
رأي أمير المؤمنين(ع)ما حمله ما أرى من
إكرامه لك وقبوله لقولك


فقال(ع): يا ابن الجهم لايغرنك ما ألفيته
عليه من إكرامي والاستماع مني فإنه
سيقتلني بالسم وهو ظالم لي ! أن أعرف ذلك
بعهد معهود إليَّ من آبائي عن رسول
الله(ص)فاكتم هذا مادمت حياً قال الحسن بن
الجهم: فما حدثت أحداً بهذا الحديث إلى أن
مضى(ع) بطوس مقتولاً بالسم، ودفن في دار
حميد بن قحطبة الطائي، في القبة التي فيها
قبر هارون الرشيد ، إلى جانبه ! )


(4) في عيون أخبار الرضا(ع):2/139: (باب ذكر
مجلس الرضا(ع)مع أهل الأديان وأصحاب
المقالات في التوحيد عند المأمون:


حدثنا أبو محمد جعفر بن على بن أحمد
الفقيه القمي ثم الإيلاقي رضي الله عنه
قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي
بن صدقه القمي قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن
عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي قال:
حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي ثم
الهاشمي يقول: لما قدم علي بن موسى
الرضا(ع)على المأمون أمر الفضل بن سهل أن
يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق
(رئيس الأساقفة) ورأس الجالوت (عالم من
اليهود) ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر
(الهرابذة خدم نار المجوس وقيل عظماء
الهنود) وأصحاب زردهشت (زرادشت) ونسطاس
الرومي (بالرومية عالم بالطب)والمتكلمين
(تشمل الفلاسفة وعلماء المذاهب الإسلامية)
ليسمع كلامه وكلامهم، فجمعهم الفضل بن
سهل، ثم أعلم المأمون باجتماعهم فقال:
أدخلهم عليَّ ففعل ، فرحب بهم المأمون ثم
قال لهم: إني إنما جمعتكم لخير وأحببت أن
تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم عليَّ،
فإذا كان بكرةً فاغدوا ولا يتخلف منكم أحد
، فقالوا: السمع والطاعه يا أمير المؤمنين
نحن مبكرون إن شاء الله


قال الحسن بن محمد النوفلي: فبينا نحن في
حديث لنا عند أبي الحسن الرضا(ع)إذ دخل
علينا ياسر الخادم(خادم للمأمون برتبة
وزير) وكان يتولى أمر أبي الحسن(ع)فقال له:
يا سيدي إن أمير المؤمنين يقرؤك السلام
ويقول: فداك أخوك إنه جُمع اليَّ أصحاب
المقالات وأهل الأديان والمتكلمون من
جميع الملل ، فرأيك في البكور إلينا إن
أحببت كلامهم، وإن كرهت ذلك فلا تتجشم ،
وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا فقال
أبو الحسن: أبلغه السلام وقل له: قد علمت ما
أردت وأنا صائر إليك بكرةً إن شاء الله


قال الحسن بن النوفلي: فلما مضى ياسر
التفت إلينا ثم قال لي: يا نوفلي أنت عراقي
ورقة العراقي غير غليظة ، فما عندك في جمع
ابن عمك علينا أهل الشرك وأصحاب
المقالات؟! فقلت: جعلت فداك يريد الإمتحان
ويحب أن يعرف ما عندك؟ ولقد بني على أساس
غير وثيق البنيان ، وبئس والله ما بنى !


فقال لي: وما بناؤه في هذا الباب؟ قلت: إن
أصحاب الكلام والبدعة خلاف العلماء ، وذلك
أن العالم لا ينكر غير المنكر، وأصحاب
المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب
إنكار ومباهتة ، إن احتججت عليهم بأن الله
واحد قالوا صحح وحدانيته ! وإن قلت إن
محمداً رسول الله(ص)قالوا أثبت رسالته! ثم
يباهتونه وهو يبطل عليهم بحجته ،
ويغالطونه حتى يترك قوله ! فاحذرهم جعلت
فداك


قال فتبسم ثم قال لي: يا نوفلي أفتخاف أن
يقطعوا عليَّ حجتي؟!


فقلت: لا والله ما خفت عليك قط ، وإني
لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله تعالى


فقال لي: يا نوفلي أتحب أن تعلم متى يندم
المأمون ؟ قلت: نعم


قال: إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة
بتوراتهم ، وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم ،
وعلى أهل الزبور بزبورهم ، وعلى الصابئين
بعبرانيتهم ، وعلى أهل الهرابذة
بفارسيتهم ، وعلى أهل الروم بروميتهم ،
وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم ! فإذا قطعت
كل صنف ودحضت حجته، وترك مقالته ورجع الى
قولي، علم المأمون الموضع الذي هو سبيله
ليس بمستحق له ! فعندها تكون الندامة ، ولا
حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم


فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له:
جعلت فداك إن ابن عمك ينتظرك ، وقد اجتمع
القوم فما رأيك في إتيانه ؟


فقال له الرضا(ع): تقدمني فإني صائر إلى
ناحيتكم إن شاء الله


ثم توضأ وضوء للصلاة ، وشرب شربه سويق
وسقانا منه ، ثم خرج وخرجنا معه حتى دخلنا
على المأمون ، وإذا المجلس غاص بأهله: محمد
بن جعفر وجماعة من الطالبيين والهاشميين ،
والقواد حضور ، فلما دخل الرضا(ع)قام
المأمون وقام محمد بن جعفر وجميع بني هاشم
، فما زالوا وقوفاً والرضا جالس مع
المأمون حتى أمرهم بالجلوس فجلسوا، فلم
يزل المأمون مقبلاً عليه يحدثه ساعة، ثم
التفت الى الجاثليق فقال يا جاثليق هذا
ابن عمي علي بن موسى بن جعفر ، وهو من ولد
فاطمة بنت نبينا ، وابن علي بن طالب صلوات
الله عليهم ، فأحب أن تكلمه أو تحاجه
وتنصفه فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين
كيف أحاج رجلاً يحتج على بكتاب أنا منكره ،
ونبي لا أؤمن به؟


فقال له الرضا(ع): يا نصراني فإن احتججت
عليك بإنجيلك أتقر به ؟ قال الجاثليق: وهل
أقدر على رفع ما نطق الإنجيل ؟ نعم والله
أقرُّ به على رغم أنفي


فقال له الرضا(ع): سل عما بدا لك واسمع
الجواب


فقال الجاثليق: ما تقول في نبوة عيسى
وكتابه ، هل تنكر منهما شيئاً ؟


قال الرضا(ع): أنا مقر بنبوة عيسى وكتابه ،
وما بشر به أمته وأقرت به الحواريون ،


وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة
محمد(ص)وبكتابه ، ولم يبشر به أمته


قال الجاثليق: أليس إنما نقطع الأحكام
بشاهدي عدل ؟ قال(ع): بلى


قال: فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوة
محمد(ص)ممن لا تنكره النصرانية ، وسلنا مثل
ذلك من غير أهل ملتن


قال الرضا(ع): الآن جئت بالنصفة يا نصراني
، ألا تقبل مني العدل المقدم عند المسيح
عيسى بن مريم(ع)؟


قال الجاثليق: ومن هذا العدل ؟ سمه لي


قال(ع): ما تقول في يوحنا الديلمي ؟


قال: بخ بخ ، ذكرت أحب الناس إلى المسيح


قال: فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أن يوحنا
قال: إنما المسيح أخبرني بدين محمد العربي
، وبشرني به أنه يكون من بعده ، فبشرت به
الحواريين فآمنوا به


قال الجاثليق: قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح
وبشر بنبوة رجل ، وبأهل بيته ووصيه ، ولم
يلخص متى يكون ذلك ، ولم يسم لنا القوم
فنعرفهم قال الرضا(ع):فإن جئناك بمن يقرأ
الإنجيل فتلا عليك ذكر محمد وأهل بيته
وأمته أتؤمن به ؟ قال: سديد


قال الرضا(ع): لنسطاس الرومي كيف حفظك
للسفر الثالث من الإنجيل ؟ قال: ما أحفظني
له ثم التفت(ع)الى رأس الجالوت فقال: ألست
تقرأ الإنجيل؟ قال: بلى لعمري


قال: فخذ عليَّ السفر، فإن كان فيه ذكر
محمد وأهل بيته وأمته فاشهدوا لي، وإن لم
يكن فيه ذكره فلا تشهدوا لي !


ثم قرأ(ع)السفر الثالث حتى بلغ ذكر
النبي(ص)وقف ، ثم قال: يا نصراني إني اسألك
بحق المسيح وأمه أتعلم أني عالم بالإنجيل
؟ قال: نعم


ثم تلا(ع)علينا ذكر محمد وأهل بيته وأمته ،
ثم قال: ما تقول يا نصراني هذا قول عيسى
مريم(ع)؟فإن كذبت بما ينطق به الإنجيل فقد
كذبت موسى وعيسى(ع) ! ومتى أنكرت هذا الذكر
وجب عليك القتل لأنك تكون قد كفرت بربك
ونبيك وبكتابك!


قال الجاثليق: لا أنكر ما قد بان لي في
الإنجيل، وإني لمقر به


قال الرضا(ع): إشهدوا على إقراره


ثم قال(ع): يا جاثليق سل عما بدا لك ؟


قال الجاثليق: أخبرني عن حوارى عيسى بن
مريم(ع)كم كان عدتهم؟ وعن علماء الإنجيل كم
كانوا ؟


قال الرضا(ع):على الخبير سقطت، أما
الحواريون فكانوا اثني عشر رجلاً، وكان
أعلمهم وأفضلهم ألوقا، وأما علماء
النصارى فكانوا ثلاثه رجال: يوحنا الأكبر
بأج (قيل موضع بالبصرة)، ويوحنا بقرقيسيا
(بلد على الفرات بسوريا)، ويوحنا الديلمي
برجاز (رجاز واد بنجد وأج مكان هناك) وعنده
كان ذكر النبي(ص)وذكر أهل بيته وأمته ، وهو
الذي بشر أمة عيسى وبني إسرائيل به ، ثم
قال له:


يا نصراني والله إنا لنؤمن بعيسى الذي آمن
بمحمد(ص)وما ننقم على عيساكم شيئاً إلا
ضعفه وقلة صيامه وصلاته !


قال الجاثليق: أفسدت والله علمك، وضعفت
أمرك! وما كنت ظننت إلا أنك أعلم أهل
الاسلام ! قال الرضا(ع):وكيف ذاك ؟


قال الجاثليق: من قولك إن عيسى كان ضعيفاً
قليل الصيام قليل الصلاة وما أفطر عيسى
يوماً قط، ولا نام بليل قط، وما زال صائم
الدهر، وقائم الليل ! قال الرضا(ع):فلمن كان
يصوم ويصلي ؟!


قال فخرس الجاثليق وانقطع !!


قال الرضا(ع):يا نصراني أسألك عن مسألة


قال: سل فإن كان عندي علمها أجبتك


قال الرضا(ع): ما أنكرت أن عيسى(ع)كان يحيي
الموتى بإذن الله عز وجل ؟


قال الجاثليق: أنكرت ذلك من أجل أن من أحيا
الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص ، فهو رب
مستحق لأن يعبد


قال الرضا(ع): فإن اليسع قد صنع مثل صنع
عيسى(ع)مشى على الماء وأحيا الموتى، وأبرأ
الأكمه والأبرص، فلم تتخذه أمته رباً ولم
يعبده أحد من دون الله عز وجل!


ولقد صنع حزقيل النبي(ع)مثل ما صنع عيسى بن
مريم ، فأحيا خمسة وثلاثين ألف رجل من بعد
موتهم بستين سنة !


ثم التفت الى رأس الجالوت فقال له: يا رأس
الجالوت، أتجد هؤلاء في شباب بني إسرائيل
في التوراة ، اختارهم بخت نصر من سبي بني
إسرائيل حين غزا بيت المقدس ثم انصرف بهم
الى بابل ، فأرسله الله عز وجل إليهم
فأحياهم ؟! هذا في التوراة لا يدفعه إلا
كافر منكم !


قال رأس الجالوت: قد سمعنا به وعرفناه قال:
صدقت


ثم قال: يا يهودي خذ عليَّ هذا السفر من
التوراة فتلا(ع)علينا من التوراة آيات،
فأقبل اليهودي يترجج لقرائته ويتعجب !


ثم أقبل على النصراني فقال: يا نصراني
أفهؤلاء كانوا قبل عيسى أم عيسى كان قبلهم
؟ قال: بل كانوا قبله


فقال الرضا(ع): لقد اجتمعت قريش على رسول
الله(ص)فسألوه أن يحيي لهم موتاهم فوجه
معهم علي بن أبي طالب(ع)فقال له: إذهب الى
الجبانة فناد باسماء هؤلاء الرهط الذين
يسألون عنهم بأعلى صوتك: يا فلان ويا فلان
ويا فلان، يقول لكم محمد رسول الله قوموا
بإذن الله عز وجل ، فقاموا ينفضون التراب
عن رؤوسهم ! فأقبلت قريش تسألهم عن أمورهم
ثم خبروهم أن محمداً بعث نبياً ، فقالوا:
وددنا أنا أدركناه فنؤمن به ! ولقد أبرأ
الأكمه والأبرص والمجانين، وكلمه البهايم
والطير والجن والشياطين، ولم نتخذه رباً
من دون الله عز وجل ، ولم ننكر لأحد من
هؤلاء فضلهم، فمتى اتخذتم عيسى رباً جاز
لكم أن تتخذوا اليسع وحزقيل رباً ، لأنهما
قد صنعا مثل ما صنع عيسى بن مريم(ع)من إحياء
الموتى وغيره وإن قوماً من بني اسرائيل
خرجوا من بلادهم من الطاعون وهم ألوف حذر
الموت فأماتهم الله في ساعة واحدة، فعمد
أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيره ، فلم
يزالوا فيها حتى نخرت عظامهم وصاروا
رميماً ، فمر بهم نبي من أنبياء بني
إسرائيل فتعجب منهم ، ومن كثرة العظام
البالية، فأوحى الله عز وجل إليه: أتحب أن
أحييهم لك فتنذرهم؟ قال: نعم يا رب ، فأوحى
الله عز وجل إليه: أن ناداهم فقال: أيتها
العظام البالية قومي بإذن الله عز وجل،
فقاموا أحياء أجمعون ، ينفضون التراب عن
رؤوسهم !


ثم إبراهيم خليل الرحمن(ع)حين أخذ الطير
فقطعهن قطعاً ، ثم وضع على كل جبل منهن
جزءً ، ثم ناداهن فأقبلن سعياً إليه


ثم موسى بن عمران(ع)وأصحابه السبعون الذين
اختارهم صاروا معه الى الجبل فقالوا له:
إنك قد رأيت الله سبحانه فأرناه ، فقال لهم
إني لم أره فقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ
حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً (سورة
البقرة:55) فأخذتهم الصاعقة فاحترقوا عن
آخرهم وبقي موسى وحيداً فقال: يا رب اخترت
سبعين رجلاً من بني إسرائيل فجئت بهم،
وأرجع وحدي فكيف يصدقني قومي بما أخبرهم
به ؟! فلو شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ
قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا
فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا (سورة
الأعراف:155) فأحياهم الله عز وجل من بعد
موتهم


وكل شئ ذكرته لك من هذا لاتقدر على دفعه ،
لأن التوراة والإنجيل والزبور والفرقان
قد نطقت به فإن كان كل من أحيا الموتى
وأبرأ الأكمه والأبرص والمجانين، يتخذ
رباً من دون الله، فاتخذ هؤلاء كلهم
أرباباً !! ما تقول يا يهودي؟!


فقال الجاثليق: القول قولك ، ولا إله إلا
الله


ثم التفت الى رأس الجالوت فقال: يا يهودي
أقبل عليَّ أسألك بالعشر الآيات التي
أنزلت على موسى بن عمران(ع)هل تجد في
التوراة مكتوباً بنبأ محمد(ص)وأمته: إذا
جاءت الامه الأخيرة أتباع راكب البعير
يسبحون الرب جداً جداً تسبيحاً جديداً في
الكنائس الجدد، فليفرغ بنو إسرائيل إليهم
وإلى ملكهم ، لتطمئن قلوبهم ، فإن بأيديهم
سيوفاً ينتقمون بها من الأمم الكافرة في
أقطار الأرض ! أهكذا هو في التوراة مكتوب ؟


قال رأس الجالوت: نعم إنا لنجده كذلك


ثم قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك
بكتاب شعيا(ع)؟


قال: أعرفه حرفاً حرفاً


قال لهما: أتعرفان هذا من كلامه: يا قوم
إني رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب
النور، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء
القمر !


فقالا: قد قال ذلك شعيا(ع)


قال الرضا(ع): يا نصراني هل تعرف في
الإنجيل قول عيسى(ع): إني ذاهب الى ربكم
وربي والبارقليطا جاءٍ هو الذي يشهد لي
بالحق كما شهدت ، وهو الذي يفسر لكم كل شئ ،
وهو الذي يبدأ فضائح الأمم وهو الذي يكسر
عمود الكفر !


فقال الجاثليق: ما ذكرت شيئاً من الإنجيل
إلا ونحن مقرون به


فقال: أتجد هذا في الإنجيل ثابتاً يا
جاثليق ؟ قال: نعم


قال الرضا(ع): يا جاثليق ألا تخبرني عن
الإنجيل الأول ، حين افتقدتموه عند من
وجدتموه ؟ ومن وضع لكم هذا الإنجيل؟


فقال له: ما افتقدنا الإنجيل إلا يوماً
واحداً حتى وجدناه غضاً طرياً فأخرجه
الينا يوحنا ومتى


فقال له الرضا(ع): ما أقل معرفتك بسنن
الإنجيل وعلمائه ؟! فإن كان هذا كما تزعم ،
فلم اختلفتم في الإنجيل وإنما وقع
الاختلاف في هذا الإنجيل الذي في أياديكم
اليوم ، فلو كان على العهد الأول لم
تختلفوا فيه ، ولكني مفيدك علم ذلك: إعلم
أنه لما افتقد الإنجيل الأول اجتمعت
النصارى الى علمائهم فقالوا لهم: قتل عيسى
بن مريم(ع)وافتقدنا الإنجيل وأنتم العلماء
فما عندكم؟ فقال لهم ألوقا ومرقابوس: إن
الإنجيل في صدورنا ونحن نخرجه اليكم سفراً
سفراً في كل أحد ، فلا تحزنوا عليه ولا
تخلوا الكنائس، فإنا سنتلوه عليكم في كل
أحد سفراً سفراً ، حتى نجمعه كله فقعد
ألوقا ومرقابوس ويوحنا ومتى، فوضعوا لكم
هذا الإنجيل بعد ما افتقدتم الإنجيل
الأول، وإنما كان هؤلاء الأربعة تلاميذ
تلاميذ الأولين! أعلمت ذلك ؟


فقال الجاثليق: أما هذا فلم أعلمه وقد
علمته الآن ، وبان لي من فضل علمك بالإنجيل
وسمعت أشياء مما علمته شهد قلبي أنها حق
فاستزدت كثيراً من الفهم


فقال له الرضا(ع): فكيف شهاده هؤلاء عندك ؟


قال: جائزة، هؤلاء علماء الإنجيل وكلما
شهدوا به فهو حق


قال الرضا(ع)للمأمون ومن حضره من أهل بيته
ومن غيره: إشهدوا عليه ، قالوا: قد شهدن


ثم قال(ع)للجاثليق: بحق الإبن وأمه هل تعلم
أن متى قال: إن المسيح هو ابن داود بن
إبراهيم بن اسحاق بن يعقوب يهوذا بن
خضرون، فقال مرقابوس في نسب عيسى مريم: إنه
كلمة الله أحلها في جسد الآدمي فصارت
إنساناً ، وقال ألوقا: إن عيسى بن مريم(ع)
وأمه كانا إنسانين من لحم ودم ، فدخل فيها
الروح القدس


ثم إنك تقول من شهادة عيسى على نفسه: حقاً
أقول لكم: يا معشر الحواريين إنه لا يصعد
الى السماء إلا من نزل منها ، إلا راكب
البعير خاتم الأنبياء فإنه يصعد إلى
السماء وينزل فما تقول في هذا القول ؟


قال الجاثليق: هذا قول عيسى لا ننكره


قال الرضا(ع):فما تقول في شهاده ألوقا
ومرقابوس ومتى على عيسى وما نسبوه إليه؟


قال الجاثليق: كذبوا على عيسى


فقال: الرضا(ع): يا قوم أليس قد زكاهم وشهد
أنهم علماء الإنجيل وقولهم حق ؟


فقال الجاثليق: يا عالم المسلمين أحب أن
تعفيني من أمر هؤلاء


قال الرضا(ع): فإنا قد فعلنا سل يا نصراني
عما بدا لك؟


قال الجاثليق: ليسألك غيري فلا وحق المسيح
ما ظننت أن في علماء المسلمين مثلك


فالتفت الرضا(ع)الى رأس الجالوت فقال له:
تسألني أو أسألك ؟


فقال: بل أسألك ولست أقبل منك حجه إلا من
التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود أو
بما في صحف إبراهيم وموسى


قال الرضا(ع): لا تقبل مني حجة إلا بما تنطق
به التوراة على لسان موسى بن عمران ،
والإنجيل على لسان عيسى بن مريم ، والزبور
على لسان داود


فقال رأس الجالوت: من أين تثبت نبوه محمد ؟


قال الرضا(ع): شهد بنبوته موسى بن عمران
وعيسى بن مريم وداود خليفة الله عز وجل في
الأرض فقال له: ثبت قول موسى بن عمران ؟


فقال له الرضا(ع): هل تعلم يايهودي أن موسى
أوصى بني إسرائيل فقال لهم: إنه سيأتيكم
نبي من إخوانكم فبه فصدقوا ، ومنه فاسمعوا
؟ فهل تعلم ان لبني اسرائيل إخوة غير ولد
إسماعيل؟! إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من
إسماعيل والسبب الذي بينهما من قبل
إبراهيم(ع)؟!


فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لا ندفعه


فقال له الرضا(ع):هل جاءكم من إخوه بني
إسرائيل نبي غير محمد(ص)؟


قال: لا قال الرضا(ع): أو ليس قد صح هذا
عندكم ؟


قال: نعم ، ولكني أحب أن تصححه لي من
التوراة


فقال له الرضا(ع): هل تنكر أن التوراة تقول
لكم: جاء النور من قبل طور سيناء ، وأضاء
لنا من جبل ساعير ، واستعلن علينا من جبل
فاران ؟


قال رأس الجالوت: أعرف هذه الكلمات وما
أعرف تفسيرها !


قال الرضا(ع): أنا أخبرك به: أما قوله جاء
النور من قبل طور سيناء ، فذلك وحي الله
تبارك وتعالى الذي أنزله على جبل طور
سيناء وأما قوله: وأضاء لنا من جبل ساعير ،
فهو الجبل الذي أوحى الله عز وجل الى عيسى
بن مريم(ع) وأما قوله: واستعلن علينا جبل
فاران ، فذلك جبل من جبال مكه بينه وبينها
يوم ، وقال شعياء النبي(ع)فيما تقول أنت
وأصحابك في التوراة رأيت راكبين أضاءت لهم
الأرض ، أحدهما على حمار والآخر على جمل ،
فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل ؟


قال رأس الجالوت: لا أعرفهما فخبرني بهم


قال: أما راكب الحمار فعيسى(ع)، وأما راكب
الجمل فمحمد (ص)أتنكر هذا من التوراة؟! قال:
لا ما أنكره


ثم قال الرضا(ع): هل تعرف حيقوق النبي(ع)؟
قال: نعم إني به لعارف


قال(ع): فإنه قال: وكتابكم ينطق به جاء الله
تعالى بالبيان من جبل فاران وامتلأت
السموات من تسبيح أحمد وأمته ، يحمل خيله
في البحر كما يحمل في البر ، يأتينا بكتاب
جديد بعد خراب بيت المقدس ، يعني بالكتاب
الفرقان ! أتعرف هذا وتؤمن به ؟


قال رأس الجالوت: قد قال ذلك حيقوق
النبي(ع)ولا ننكر قوله


قال الرضا(ع): فقد قال داود في زبوره وأنت
تقرأه: اللهم ابعث مقيم السنة بعد الفترة ،
فهل تعرف نبياً أقام السنة بعد الفتره غير
محمد(ص)؟!


قال رأس الجالوت: هذا قول داود نعرفه ، ولا
ننكر ولكن عنى بذلك عيسى وأيامه هي الفترة
قال له الرضا(ع):جهلت أن عيسى(ع)لم يخالف
السنة وكان موافقاً لسنة التوراة ، حتى
رفعه الله إليه ، وفي الإنجيل مكتوب: إن
ابن البرة ذاهب والبارقليطا جاءٍ من بعده
، وهو الذي يحفظ الآصار ويفسر لكم شئ ،
ويشهد لي كما شهدت له أنا جئتكم بالأمثال
وهو يأتيكم بالتأويل ! أتؤمن بهذا في
الإنجيل؟ قال: نعم فقال له الرضا(ع): يا رأس
الجالوت أسألك عن نبيك موسى بن عمران(ع)
فقال: سل


قال: ما الحجة على أن موسى ثبتت نبوته ؟


قال اليهودي: إنه جاء بما لم يجئ به أحد من
الأنبياء قبله


قال له: مثل ماذا؟ قال:مثل فلق البحر وقلبه
العصا حية تسعى، وضربه الحجر فانفجرت منه
العيون ، وإخراجه يده بيضاء للناظرين ،
وعلاماته لا يقدر الخلق على مثله


قال له الرضا(ع): صدقت في أنه كانت حجته على
نبوته أنه جاء بما لا يقدر الخلق على مثله
أفليس كل من ادعى أنه نبي ثم جاء بما لا
يقدر الخلق على مثله وجب عليكم تصديقه ؟!
قال: لا, لأن موسى(ع)لم يكن له نظير لمكانه
من ربه وقربه منه ولا يجب علينا الإقرار
بنبوة من ادعاها حتى يأتي من الأعلام بمثل
ما جاء به


فقال الرضا(ع): فكيف أقررتم بالأنبياء
الذين كانوا قبل موسى(ع)ولم يفلقوا البحر ،
ولم يفجروا من الحجر اثنتي عشره عيناً ،
ولم يخرجوا أيديهم مثل إخراج موسى يده
بيضاء ، ولم يقلبوا العصا حية تسعى؟ قال
اليهودي: قد خبرتك أنه متى ما جاؤوا على
نبوتهم من الآيات بما لا يقدر الخلق على
مثله ، ولو جاؤا بما يجئ به موسى ، أو كان
على غير ما جاء به موسى وجب تصديقهم


قال له الرضا(ع): يا رأس الجالوت، فما
يمنعك من الإقرار بعيسى بن مريم وقد كان
يحيى الموتى ويبرء الأكمه والأبرص ويخلق
من الطين كهيئة الطير ثم ينفخ فيه فيكون
طيراً باذن الله تعالى؟ قال رأس الجالوت:
يقال إنه فعل ذلك ولم نشهده


قال الرضا(ع): أرايت ما جاء به موسى من
الآيات شاهدته ؟ أليس إنما جاءت الأخبار
من ثقات أصحاب موسى أنه فعل ذلك ؟ قال: بلى
قال: فكذلك أيضا أتتكم الأخبار المتواترة
بما فعل عيسى بن مريم(ع)فكيف صدقتم بموسى
ولم تصدقوا بعيسى؟


فلم يحر جواباً


قال الرضا(ع): وكذلك أمر محمد(ص)وما جاء به
، وأمر كل نبي بعثه الله ومن آياته أنه كان
يتيماً فقيراً راعياً أجيراً ، لم يتعلم
كتاباً ولم يختلف الى معلم ، ثم جاء
بالقرآن الذي فيه قصص الأنبياء(ع)وأخبارهم
حرفاً حرفاً وأخبار من مضى ومن بقى الى يوم
القيامة ، ثم كان يخبرهم بأسرارهم وما
يعملون في بيوتهم، وجاء بآيات كثيرة لا
تحصى


قال رأس الجالوت: لم يصح عندنا خبر عيسى
ولا خبر محمد ، ولا يجوز لنا أن نقر لهما
بما لا يصح قال الرضا(ع): فالشاهد الذي شهد
لعيسى ولمحمد(ص)شاهد زور ؟ فلم يحر جواب


ثم دعا بالهربذ الأكبر، فقال له الرضا(ع):
أخبرني عن زردهشت الذي تزعم أنه نبي ما
حجتك على نبوته ؟


قال: إنه أتى بما لم يأتنا أحد قبله ، ولم
نشهده ولكن الأخبار من أسلافنا وردت علينا
بأنه أحل لنا ما لم يحله غيره فاتبعناه


قال(ع): أفليس إنما أتتكم الأخبار
فاتبعتموه ؟ قال: بلى


قال: فكذلك سائر الأمم السالفة أتتهم
الأخبار بما أتى به النبيون ، وأتى به موسى
وعيسى ومحمد(ع)فما عذركم في ترك الإقرار
لهم إذ كنتم إنما أقررتم بزردهشت من قبل
الأخبار المتواترة بأنه جاء بما لم يجئ به
غيره ؟ فانقطع الهربذ مكانه


فقال الرضا(ع): يا قوم إن كان فيكم أحد
يخالف الإسلام وأراد أن يسأل فليسأل غير
محتشم فقام إليه عمران الصابي وكان واحداً
من المتكلمين فقال:


يا عالم الناس لولا أنك دعوت الى مسألتك
لم أقدم عليك بالمسائل ، فلقد دخلت الكوفة
والبصرة والشام والجزيرة ، ولقيت
المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحداً
ليس غيره قائماً بوحدانيته ، أفتأذن لي
أسألك ؟


قال الرضا(ع): إن كان في الجماعة عمران
الصابي فأنت هو؟ قال: أنا هو


قال(ع): سل يا عمران وعليك بالنصفة وإياك
والخطل والجور


فقال: والله يا سيدي ما أريد إلا أن تثبت
لي شيئاً أتعلق به فلا أجوزه


قال(ع): سل عما بدا لك ، فازدحم الناس وانضم
بعضهم الى بعض


فقال عمران الصابي: أخبرني عن الكائن
الأول وعما خلق


فقال له(ع): سألت فافهم ، أما الواحد فلم
يزل واحداً كائناً لا شئ معه بلا حدود
وأعراض، ولا يزال كذلك ، ثم خلق خلقاً
مبتدعاً مختلفاً بأعراض وحدود مختلفة، لا
في شئ أقامه ولا في شئ حده ولا على شئ حذاه
ومثله له ، فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة
وغير صفوة ، واختلافاً وائتلافاً ،
وألواناً وذوقاً وطعماً ، لا لحاجة كانت
منه إلى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلا
به ، ولا رأى لنفسه فيما خلق زيادة ولا
نقصاناً تعقل هذا يا عمران ؟ قال: نعم
والله يا سيدي


قال(ع): واعلم يا عمران أنه لو كان خلق ما
خلق لحاجة ، لم يخلق إلا من يستعين به على
حاجته ، ولكان ينبغي أن يخلق أضعاف ما خلق
، لأن الأعوان كلما كثروا كان صاحبهم أقوى
، والحاجه يا عمران لا يسعها لأنه كان لم
يحدث من الخلق شيئاً إلا حدثت به حاجة أخرى
، ولذلك أقول: لم يخلق الخلق لحاجة ، ولكن
نقل بالخلق الحوائج بعضهم الى بعض، وفضل
بعضهم على بعض ، بلا حاجة منه إلى فضل ، ولا
نقمة منه على من أذل ، فلهذا خلق


قال عمران: يا سيدي هل كان الكائن معلوماً
في نفسه عند نفسه ؟


قال الرضا(ع): إنما يكون المعلمة بالشئ
لنفي خلافه ، وليكون الشئ نفسه بما نفى عنه
موجوداً ، ولم يكن هناك شئ يخالفه فتدعوه
الحاجة الى نفي ذلك الشئ عن نفسه بتحديد ما
علم منها ، أفهمت يا عمران ؟ قال: نعم والله
سيدي فأخبرني بأي شئ علم ما علم، أبضمير أم
بغير ذلك ؟ قال الرضا(ع): أرايت إذا علم
بضمير هل يجد بداً من أن يجعل لذلك الضمير
حداً تنتهي إليه المعرفة ؟ قال عمران: لا
بد من ذلك


قال الرضا(ع): فما ذلك الضمير ؟! فانقطع ولم
يحر جواب


قال الرضا(ع): لا بأس إن سألتك عن الضمير
نفسه تعرفه بضمير آخر؟ فإن قلت نعم أفسدت
عليك قولك ودعواك يا عمران أليس ينبغي أن
تعلم أن الواحد ليس يوصف بضمير، وليس يقال
له أكثر من فعل وعمل وصنع ، وليس يتوهم منه
مذاهب وتجزية كمذاهب المخلوقين وتجزيتهم
، فاعقل ذلك وابن عليه ما علمت صواب


قال عمران:ياسيدي ألاتخبرني حدود خلقه
كيف هي، وما معانيها وعلىكم نوع تكون؟


قال: قد سألت فاعلم أن حدود خلقه على ستة
أنواع ، ملموس وموزون ومنظور إليه وما
لاذوق له وهو الروح، ومنها منظور إليه
وليس له وزن ولالمس ولاحس ولالون ولاذوق ،
وهو التقدير والأعراض والصور والطول
والعرض، ومنها العمل والحركات التي تصنع
الأشياء وتعملها وتغيرها من حال الى حال ،
وتزيدها وتنقصها فأما الأعمال والحركات
فإنها تنطلق ، لأنه لا وقت لها أكثر من قدر
ما يحتاج إليه ، فإذا فرغ من الشئ انطلق
بالحركة وبقى الأثر ويجري مجرى الكلام
يذهب ويبقى أثره قال عمران: يا سيدي ألا
تخبرني عن الخالق إذا كان واحداً لا شئ
غيره ولا شئ معه؟ أليس قد تغير بخلقه
الخلق؟


قال له الرضا(ع): قديم لم يتغير عز وجل
بخلقه الخلق ، ولكن الخلق يتغير بتغيره


قال عمران: يا سيدي فبأي شئ عرفناه؟ قال:
بغيره قال: فأي شئ غيره ؟ قال الرضا (ع):
مشيته واسمه وصفته وما أشبه ذلك ، وكل ذلك
محدث مخلوق مدبر


قال عمران: يا سيدي فأي شئ هو ؟


قال: هو نور بمعنى أنه هاد خلقه من أهل
السماء وأهل الأرض ، وليس لك عليَّ أكثر من
توحيدي إياه قال عمران: يا سيدي أليس قد كان
ساكتاً قبل الخلق لا ينطق ثم نطق؟


قال الرضا(ع): لا يكون السكوت إلا عن نطق
قبله ، والمثل في ذلك أنه لا يقال للسراج
هو ساكت لا ينطق ولا يقال إن السراج ليضئ
فيما يريد أن يفعل بنا ، لأن الضوء من
السراج ليس بفعل منه ولا كون ، وإنما هو
ليس شئ غيره ، فلما استضاء لنا قلنا قد
أضاء لنا حتى استضأنا به ، فبهذا تستبصر
أمرك


قال عمران: يا سيدي فإن الذي كان عندي أن
الكائن قد تغير في فعله عن حاله بخلقه
الخلق ؟ قال الرضا(ع): أحلت يا عمران في
قولك إن الكائن يتغير في وجه من الوجوه حتى
يصيب الذات منه ما يغيره ! يا عمران هل تجد
النار تغيرها تغير نفسها؟ وهل تجد الحرارة
تحرق نفسها ؟ أو هل رأيت بصيراً قط رأى بصره
؟


قال عمران: لم أر هذا إلا أن تخبرني يا
سيدي أهو في الخلق ؟ أم الخلق فيه ؟


قال الرضا(ع): أجلُّ يا عمران عن ذلك ، ليس
هو في الخلق ولا الخلق فيه ، تعالى عن ذلك،
وساء علمك، ما تعرفه، ولا قوه الا بالله
أخبرني عن المرآة أنت فيها أم هي فيك؟ فإن
كان ليس واحد منكما في صاحبه ، فبأي شئ
استدللت بها على نفسك يا عمران ؟


قال: بضوء بيني وبينه


قال الرضا(ع): هل ترى من ذلك الضوء في
المرآة أكثر مما تراه في عينك؟ قال: نعم


قال الرضا(ع): فأرناه ! فلم يحر جواب


قال: فلا أرى النور إلا وقد دلك ودل المرآة
على أنفسكما ، من غير أن يكون في واحد منكما
ولهذا أمثال كثيرة غير هذا ، لا يجد الجاهل
فيها مقالاً ، ولله المثل الأعلى


ثم التفت الى المأمون فقال: الصلاة قد
حضرت فقال عمران: يا سيدي لا تقطع عليَّ
مسألتي فقد رق قلبي قال الرضا(ع): نصلي
ونعود، فنهض ونهض المأمون فصلى
الرضا(ع)داخلاً، وصلى الناس خارجاً خلف
محمد بن جعفر، ثم خرجا فعاد الرضا(ع) إلى
مجلسه ودعا بعمران فقال: سل يا عمران


قال: يا سيدي ألا تخبرني عن الله عز وجل هل
يوحد بحقيقة أو يوحد بوصف ؟


قال الرضا(ع): إن الله المبدئ الواحد
الكائن الأول ، لم يزل واحداً لا شئ معه ،
فرداً لاثانيَ معه ، لا معلوماً ولا
مجهولاً ولا محكماً ولا متشابهاً ، ولا
مذكوراً ولا منسياً ولا شيئاً يقع عليه
اسم شئ من الأشياء غيره ، ولا من وقت كان ،
ولا إلى وقت يكون ، ولا بشئ قام ، ولا إلى
شئ يقوم ، ولا إلى شئ استند ، ولا في شئ
استكن ، وذلك كله قبل الخلق إذ لا شئ غيره ،
وما أوقعت عليه من الكل فهى صفات محدثة
وترجمة يفهم بها من فهم واعلم أن الابداع
والمشيئة والإراده معناها واحد وأسماؤها
ثلاثة ، وكان أول إبداعه وإرادته ومشيته
الحروف التي جعلها أصلا لكل شئ ، ودليلا
على كل مدرك ، وفاصلا لكل مشكل ، وبتلك
الحروف تفريق كل شئ من اسم حق وباطل ، أو
فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى ، وعليها
اجتمعت الأمور كلها ولم يجعل للحروف في
إبداعه لها معنى غير أنفسها تتناهى ، ولا
وجود لها لأنها مبدعة بالإبداع


والنور في هذا الموضع أول فعل الله الذي
هو نور السموات والأرض، والحروف هي
المفعول بذلك الفعل ، وهي الحروف التي
عليها مدار الكلام والعبارات ، كلها من
الله عز وجل ، علمها خلقه وهي ثلاثة
وثلاثون حرفاً ، فمنها ثمانية وعشرون
حرفاً تدل على لغات العربية ، ومن
الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفاً
تدل على لغات السريانية والعبرانية،
ومنها خمسةأحرف متحرفة في سائر اللغات من
العجم والأقاليم واللغات كلها وهي خمسة
أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين حرفاً من
اللغات ، فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين
حرفاً ، فأما الخمسة المختلفة ف(يتجحخ)
لايجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه ، ثم جعل
الحروف بعد إحصائها وإحكام عدتها فعلاً
منه كقوله عز وجل: (كُنْ فَيَكُون)، وكن منه
صنع ، وما يكون به المصنوع فالخلق الأول من
الله عز وجل الإبداع لاوزن له ولاحركة ولا
سمع ولا لون ولا حس والخلق الثاني الحروف
لاوزن لها ولا لون وهي مسموعة موصوفة غير
منظور إليها، والخلق الثالث ما كان من
الأنواع كلها محسوساً ملموساً ذا ذوق
منظوراً إليه ، والله تبارك وتعالى سابق
للإبداع لأنه ليس قبله عز وجل شئ ، ولا كان
معه شئ ، والإبداع سابق للحروف ، والحروف
لا تدل على غير نفسه


قال المأمون: وكيف لا تدل على غير أنفسها ؟


قال الرضا(ع): لأن الله تبارك وتعالى لا
يجمع منها شيئاً لغير معنى أبداً ، فإذا
ألف منها أحرفاً أربعة أو خمسة أو ستة أو
أكثر من ذلك أو أقل ، لم يؤلفها بغير معنى ،
ولم يكن إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شئ
قال عمران: فكيف لنا بمعرفه ذلك ؟


قال الرضا(ع): أما المعرفة فوجه ذلك وبيانه
أنك تذكر الحروف إذا لم ترد بها غير نفسها
ذكرتها فرداً فقلت: ا ب ت ث ج ح خ ، حتى تأتي
على آخرها ، فلم تجد لها معنى غير أنفسها ،
وإذا ألفتها وجمعت منها أحرفاً وجعلتها
إسماً وصفةً لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت ،
كانت دليلةً على معانيها داعيةً الى
الموصوف بما أفهمته ؟ قال: نعم


قال الرضا(ع): واعلم أنه لا يكون صفة لغير
موصوف ، ولا اسم لغير معنى ، ولا حد لغير
محدود، والصفات والأسماء كلها تدل على
الكمال والوجود ، ولا تدل على الإحاطة كما
تدل الحدود التي هي التربيع والتثليث
والتسديس ، لأن الله عز وجل تدرك معرفته
بالصفات والأسماء ، ولا تدرك بالتحديد
بالطول والعرض والقلة والكثرة واللون
والوزن وما أشبه ذلك ، وليس يحل بالله جل
وتقدس شئ من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم
أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا ، ولكن يدل
على الله عز وجل بصفاته ويدرك بأسمائه
ويستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك
الطالب المرتاد الى رؤية عين ولا استماع
أذن ولا لمس كف ولا إحاطة بقلب ولو كانت
صفاته جل ثناؤه لا تدل عليها أسماؤه لا
تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه
لمعناه ، كانت العبادة من الخلق لأسمائه
وصفاته دون معناه ، فلولا أن ذلك كذلك لكان
المعبود الموحد غير الله ، لأن صفاته
وأسماءه غيره ، أفهمت ؟ قال: نعم يا سيدي
زدني


قال الرضا(ع): إياك وقول الجهال من أهل
العمى والضلال الذين يزعمون أن الله جل
وتقدس موجود في الآخرة للحساب في الثواب
والعقاب ، وليس بموجود في الدنيا للطاعة
والرجاء ، ولو كان في الوجود لله عز وجل
نقص واهتضام ، لم يوجد في الآخرة أبداً ،
ولكن القوم تاهوا وعموا وصموا عن الحق ، من
حيث لا يعلمون ، وقوله عز وجل: وَمَنْ كَانَ
فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ
أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً ( سورة
الاسراء:72) يعني أعمى عن الحقائق الموجودة
، وقد علم ذووا الألباب أن الاستدلال على
ما هناك لا يكون إلا بما هاهنا ، ومن أخذ
علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه
دون غيرها ، لم يزدد من علم ذلك إلا بعداً ،
لأن الله عز وجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم
يعقلون ويعلمون ويفهمون


قال عمران: يا سيدي ألا تخبرني عن الإبداع
أخلق هو أم غير خلق؟


قال الرضا(ع): بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون
، وإنما صار خلقاً لأنه شئ محدث والله
تعالى الذي أحدثه فصار خلقاً له ، وإنما هو
الله عز وجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث
غيرهما ، فما خلق الله عز وجل لم يعد أن
يكون خلقه ، ويكون الخلق ساكناً ومتحركاً
ومختلفاً ومؤتلفاً ومعلوماً ومتشابهاً ،
وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عز وجل
واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى
مدرك للحواس ، وكل حاسة تدل على ما جعل
الله عز وجل لها في إدراكها ، والفهم من
القلب بجميع ذلك كله


واعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير
ولا تحديد خلق خلقاً مقدراً بتحديد وتقدير
وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير
والمقدر ، وليس في كل واحد منهما لون ولا
وزن ولا ذوق ، فجعل أحدهما يدرك بالآخر
وجعلهما مدركين بنفسهما ، ولم يخلق شيئاً
فرداً قائماً بنفسه دون غيره ، للذي أراد
من الدلالة على نفسه ، وإثبات وجوده ،
فالله تبارك وتعالى فرد واحد لا ثاني معه
يقيمه ، ولا يعضده ، ولا يكنه ، والخلق
يمسك بعضه بعضاً بإذن الله تعالى ومشيئته


وإنما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا
وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة
، في وصفهم الله تعالى بصفة أنفسهم
فازدادوا من الحق بعداً ، ولو وصفوا الله
عز وجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم
لقالوا بالفهم واليقين ، ولما اختلفوا
فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتكبوا ،
والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم


قال عمران: يا سيدي أشهد أنه كما وصفت ،
ولكن بقيت لي مسألة ؟


قال: سل عما أردت قال: أسألك عن الحكيم في
أي شئ هو؟ وهل يحيط به شئ؟ وهل يتحول من شئ
الى شئ؟ أو به حاجه الى شئ ؟


قال الرضا(ع): أخبرك يا عمران فاعقل ما
سألت عنه، فإنه من أغمض ما يرد على الخلق
في مسائلهم ، وليس يفهم المتفاوت عقله
العازب حلمه، ولا يعجز عن فهمه أولوا
العقل المنصفون أما أول ذلك فلو كان خلق ما
خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول: يتحول
الى ما خلق لحاجته الى ذلك، ولكنه عز وجل
لم يخلق شيئاً لحاجة ، ولم يزل ثابتاً لا
في شئ ولا على شئ ، إن الخلق يمسك بعضه
بعضاً ، ويدخل بعضه في بعض ويخرج منه ،
والله جل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله وليس
يدخل في شئ ولا يخرج منه ، ولا يؤده حفظه ،
ولا يعجز عن إمساكه، ولا يعرف أحد من الخلق
كيف ذلك إلا الله عز وجل ، ومن أطلعه عليه
من رسله ، وأهل سره ، والمستحفظين لأمره ،
وخزانه القائمين بشريعته، وإنما أمره
كلمح البصر أو هو أقرب، إذا شاء شيئاً
فإنما يقول له (كن فيكون) بمشيئته وإرادته
، ولا شئ من خلقه أقرب إليه من شئ ، ولا شئ
أبعد منه من شئ أفهمت يا عمران ؟


قال: نعم ياسيدي قد فهمت ، وأشهد أن الله
تعالى على ما وصفتَ ووحدتَ ، وأشهد أن
محمداً(ص)عبده المبعوث بالهدى ودين الحق ،
ثم خر ساجداً نحو القبلة وأسلم


قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما نظر
المتكلمون الى كلام عمران الصابي وكان
جدلاً لم يقطعه عن حجته أحد منهم قط ، لم
يدن من الرضا(ع)أحد منهم ، ولم يسألوه عن شئ
، وأمسينا فنهض المأمون والرضا(ع)فدخلا ،
وانصرف الناس


وكنت مع جماعه من أصحابنا إذ بعث اليَّ
محمد بن جعفر فأتيته فقال لي: يا نوفلي أما
رأيت ما جاء به صديقك؟! لا والله ما ظننت أن
علي بن موسى الرضا(ع)خاض في شئ من هذا قط ،
ولا عرفناه أنه كان يتكلم بالمدينة أو
يجتمع إليه أصحاب الكلام !


قلت: قد كان الحاج يأتونه فيسألونه عن
أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم ، وربما
كلم من يأتيه بحاجة فقال محمد بن جعفر: يا
أبا محمد إني أخاف عليه أن يحسده عليه هذا
الرجل فيسمه ، أو يفعل به بلية ، فأشر عليه
بالإمساك عن هذه الأشياء قلت: إذاً لا يقبل
مني ، وما أراد الرجل إلا امتحانه ليعلم هل
عنده شئ من علوم آبائه ؟ فقال لي: قل له إن
عمك قد كره هذا الباب ، وأحب أن تمسك عن هذه
الأشياء لخصال شتى فلما انقلبت الى منزل
الرضا(ع)أخبرته بما كان عن عمه محمد بن
جعفر فتبسم(ع)ثم قال: حفظ الله عمي ما
أعرفني به لم كره ذلك؟ يا غلام صر الى
عمران الصابي فأتني به فقلت: جعلت فداك أنا
أعرف موضعه ، وهو عند بعض إخواننا من
الشيعة ، قال: فلا بأس قربوا إليه دابة ،
فصرت الى عمران فأتيته به فرحب به ودعا
بكسوة فخلعها عليه ، وحمله ودعا بعشرة
آلاف درهم ، فوصله بها


قلت: جعلت فداك حكيت فعل جدك أمير
المؤمنين(ع)، قال: هكذا نحب ، ثم دعا
بالعشاء فأجلسني عن يمينه وأجلس عمران عن
يساره حتى إذا فرغنا ، قال لعمران: إنصرف
مصاحباً وبكر علينا ، نطعمك طعام المدينة


فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون
من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم ، حتى
اجتنبوه ، ووصله المأمون بعشره آلاف درهم
، وأعطاه الفضل مالاً وحمله وولاه صدقات
بلخ ، فأصاب الرغائب ) انتهى


أقول: يظهر أن النوفلي وأبا الصلت الهروي
والحسن بن الجهم وأمثالهم من العلماء ،
الذين نقلوا مناظرات الإمام الرضا(ع)في
مجلس المأمون مع أولئك العلماء والفلاسفة
وغيرهم ، كانوا كتبوها أو كتبوا منها في
المجلس، لأن المناظرة كانت حدثاً وحديث
الناس وقد يكونوا نقلوها من حفظهم ، فإن ما
ذكره العلماء في ترجماتهم خاصة النوفلي
يدل على أنهم كانوا على درجة عالية من
العلم والحفظ والفهم


ويناسب هنا أن نورد مقطوعتين من مناظرات
ذلك المجلس، روتهما مصادر عديدة ، وكذلك
مناظرة الإمام(ع)في البداء والإرادة مع
سليمان المروزي متكلم خراسان في عصره ،
ننقل ذلك من كتاب عيون أخبار
الرضا(ع)للصدوق أعلى الله مقامه:


قال في عيون أخبار الرضا(ع):2/170:


(باب ذكر مجلس آخر للرضا(ع)عند المأمون مع
أهل الملل والمقالات، وما أجاب به علي بن
محمد بن الجهم في عصمة الأنبياء سلام الله
عليهم أجمعين:


حدثنا أحمدبن زياد بن جعفر الهمداني رضي
الله عنه، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن
هشام المكتب ، وعلي بن عبد الله الوراق رضي
الله عنهم قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم بن
هاشم قال: حدثنا القاسم بن محمد البرمكي
قال: حدثنا أبو الصلت الهروي قال: لما جمع
المأمون لعلي بن موسى الرضا(ع)أهل
المقالات من أهل الاسلام والديانات من
اليهود والنصارى والمجوس والصابئين وسائر
المقالات ، فلم يقم أحد إلا وقد ألزمه حجته
كانه ألقم حجراً ، قام إليه علي بن محمد بن
الجهم فقال له: يا بن رسول الله أتقول
بعصمه الأنبياء(ع)؟ قال(ع): نعم


قال: فما تعمل في قول الله عز وجل: وَعَصَى
آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ( سورة طـه:121) وفي
قوله عز وجل: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ
مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ
عَلَيْهِ ( سورة الانبياء:87) وفي قوله عز
وجل في يوسف(ع): وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ
وَهَمَّ بِهَا ( سورة يوسف:24) وفي قوله عز
وجل في داود: قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ
بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ
وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ
لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ
وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ (
سورة صّ:24) وقوله تعالى في نبيه محمد(ص):
وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ
مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ
أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ


( سورة الأحزاب:37)


فقال الرضا(ع): ويحك يا علي إتق الله
ولاتنسب الى أنبياء الله(ع)الفواحش، ولا
تتأول كتاب الله برأيك، فإن الله عز وجل قد
قال: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا
اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ


(سورة آل عمران: 7) وأما قوله عزوجل في آدم:
وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (سورة طـه:
121) فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه
وخليفة في بلاده ، لم يخلقه للجنة وكانت
المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض
وعصمته يجب أن تكون في الأرض لتتم مقادير
أمر الله ، فلما أهبطه الى الأرض وجعله حجة
وخليفة عصمه بقوله عز وجل: إِنَّ اللهَ
اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ
إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى
الْعَالَمِينَ ( سورة آل عمران: 33)


وأما قوله عز وجل: وَذَا النُّونِ إِذْ
ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ
نَقْدِرَ عَلَيْهِ، إنما ظن بمعنى استيقن
أن الله لن يضيق عليه رزقه، ألا تسمع قول
الله عز وجل: وَأَمَّا إِذَا مَا
ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ (
سورة الفجر: 16) أي ضيق عليه رزقه ولو ظن أن
الله لا يقدر عليه لكان قد كفر


وأما قوله عز وجل في يوسف:وَلَقَدْ
هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا فإنها همت
بالمعصية وهم يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم
ما تداخله! فصرف الله عنه قتلها والفاحشة
وهو قوله عز وجل: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ
عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ
مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ( سورة
يوسف: 24) يعني القتل والزنا وأما داود(ع)فما
يقول من قبلكم فيه؟


فقال علي بن محمد بن الجهم: يقولون إن
داود(ع)كان في محرابه يصلي فتصور له إبليس
على صورة طير أحسن ما يكون الطيور ، فقطع
داود صلاته وقام ليأخذ الطير ، فخرج الطير
الى الدار فخرج الطير الى السطح فصعد في
طلبه ، فسقط الطير في دار أوريا بن حنان ،
فاطلع داود في أثر الطير بامرأة أوريا
تغتسل ، فلما نظر إليها هواها ، وقد أخرج
أوريا في بعض غزواته ، فكتب الى صاحبه أن
قدم أوريا أمام التابوت ، فقدم فظفر أوريا
بالمشركين ، فصعب ذلك على داود ، فكتب إليه
ثانية أن قدمه أمام التابوت فقدم فقتل
أوريا ، فتزوج داود بامرأته !


قال: فضرب الرضا(ع)بيده على جبهته وقال:
إنا لله وإنا إليه راجعون ! لقد نسبتم
نبياً من أنبياء الله(ع)الى التهاون
بصلاته حتى خرج في أثر الطير ، ثم بالفاحشة
ثم بالقتل !


فقال: يا بن رسول الله فما كان خطيئته؟
فقال: ويحك ! إن داود إنما ظن أن ما خلق الله
عز وجل خلقاً هو أعلم منه فبعث الله عز وجل
إليه الملكين فتسورا المحراب ، فقالا:
خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ
فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا
تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ
الصِّرَاطِ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ
تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ
نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ
أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي
الْخِطَابِ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ
بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ
(سورة ص:22-24) فعجل داود(ع) على المدعى عليه
فقال: قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ
نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ ولم يسأل
المدعي البينة على ذلك ، ولم يقبل على
المدعى عليه فيقول له: ما تقول؟ فكان هذا
خطيئة رسم الحكم لا ما ذهبتم إليه! ألا
تسمع الله عز وجل يقول: يَا دَاوُدُ إِنَّا
جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ
فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ
وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ
عَنْ سَبِيلِ اللهِ ( سورة ص: 26)


فقال: يابن رسول الله فما قصته مع أوريا؟


فقال الرضا(ع): إن المرأة في أيام داود(ع)
كانت إذا مات بعلها أو قتل لا تتزوج بعده
أبداً ، وأول من أباح الله له أن يتزوج
بامرأة قتل بعلها كان داود(ع)فتزوج بامرأة
أوريا لما قتل وانقضت عدتها منه ، فذلك
الذي شق على الناس من قبل أوريا


وأما محمد(ص)وقول الله عز وجل: وَتُخْفِي
فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ
وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ
تَخْشَاهُ ( سورة الأحزاب:37) فإن الله عز
وجل عرف نبيه(ص)أسماء أزواجه في دار الدنيا
وأسماء أزواجه في دار الآخرة وأنهن أمهات
المؤمنين، وإحداهن من سمى له زينب بنت
جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة، فأخفى
إسمها في نفسه ولم يبده لكيلا يقول أحد من
المنافقين إنه قال في امرأة في بيت رجل
إنها إحدى أزواجه من أمهات المؤمنين، وخشي
قول المنافقين ، فقال الله عز وجل:
(وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ
أَنْ تَخْشَاهُ) ، يعني في نفسك وإن الله
عز وجل ما تولى تزويج أحد من خلقه إلا
تزويج حواء من آدم(ع)وزينب من رسول
الله(ص)بقوله: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ
مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ
لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ
فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا
قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ
أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً ( سورة الأحزاب:37)
، وفاطمة من علي(ص)


قال: فبكى علي بن محمد بن الجهم وقال: يا بن
رسول الله: أنا تائب الى الله عز وجل من أن
أنطق في أنبياء الله(ع)بعد يومي إلا بما
ذكرته) انتهى


وفي عيون أخبار الرضا(ع):2/159: ( باب في ذكر
مجلس الرضا(ع)مع سليمان المروزي متكلم
خراسان عند المأمون في التوحيد:


حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد
الفقيه رضي الله عنه قال: حدثنا أبو محمد
الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي قال:
حدثنا أبو عمرو محمد بن عمرو بن عبد العزيز
الأنصاري الكجي قال: حدثني من سمع الحسن بن
محمد النوفلي يقول: قدم سليمان المروزي
متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله ،
ثم قال له: ان ابن عمي علي بن موسى الرضا
قدم عليَّ من الحجاز وهو يحب الكلام
وأصحابه ، فلا عليك أن تصير إلينا يوم
التروية لمناظرته


فقال سليمان: يا أمير المؤمنين إني أكره
أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني
هاشم ، فينتقض عند القوم إذا كلمني ، ولا
يجوز الاستقصاء عليه قال المأمون: إنما
وجهت إليه لمعرفتي بقوتك ، وليس مرادي إلا
إن تقطعه عن حجة واحدة فقط


فقال سليمان: حسبك يا أمير المؤمنين ،
إجمع بيني وبينه ، وخلني والذم ، فوجه
المأمون الى الرضا(ع)فقال: إنه قدم الينا
رجل من أهل مروز وهو واحد خراسان من أصحاب
الكلام ، فإن خف عليك أن تتجشم المصير
الينا فعلت


فنهض(ع)للوضوء وقال لنا: تقدموني وعمران
الصابي معنا ، فصرنا الى الباب فأخذ ياسر
وخالد بيدي فأدخلاني على المأمون، فلما
سلمت قال: أين أخي أبو الحسن أبقاه الله ؟
قلت: خلفته يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدم ثم
قلت: يا أمير المؤمنين إن عمران مولاك معي
وهو على الباب فقال: ومن عمران ؟ قلت:
الصابي الذي أسلم على يدك


قال: فليدخل، فدخل فرحب به المأمون ثم قال
له: يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم !
قال: الحمد لله الذي شرفني بكم يا أمير
المؤمنين


فقال له المأمون: يا عمران هذا سليمان
المروزي متكلم خراسان


قال عمران: يا أمير المؤمنين إنه يزعم
واحد خراسان في النظر ، وينكر البداء ؟


قال: فلم لا تناظروه ؟ قال عمران: ذلك إليه


فدخل الرضا(ع)فقال: في أي شئ كنتم ؟


قال عمران: يا بن رسول الله هذا سليمان
المروزي


فقال له سليمان: أترضى بأبي الحسن وبقوله
فيه؟ فقال عمران: قد رضيت بقول أبي الحسن
في البداء على أن يأتيني فيه بحجة أحتج بها
على نظرائي من أهل النظر


قال المأمون: يا أبا الحسن ما تقول فيما
تشاجرا فيه ؟


قال(ع): وما أنكرت من البداء يا سليمان،
والله عز وجل يقول: أَوَلا يَذْكُرُ
الأَنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ
قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً ( سورة مريم:67 )
ويقول عز وجل: وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ
الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ( سورة الروم: 27
) ويقول: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ ( سورة البقرة:117) ويقول عز وجل:
يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ ( سورة
فاطر: 1 ) ويقول: وَبَدَأَ خَلْقَ
الأَنْسَانِ مِنْ طِينٍ ( سورة السجدة:7 )
ويقول: ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ
مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ
تَمْتَرُونَ ( سورة الأنعام: 2 ) ويقول عز
وجل: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ
اللهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا
يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ( سورة التوبة: 106 )
ويقول عز وجل: وَلا يُنْقَصُ مِنْ
عُمُرِهِ إِلا فِي كِتَابٍ ( سورة فاطر: 11 )


قال سليمان: هل رويت فيه من آبائك شيئاً؟
قال: نعم رويت عن أبي عن أبي عبد الله (ع)أنه
قال: إن لله عز وجل علمين علماً مخزوناً
مكنوناً لا يعلمه إلا هو ، من ذلك يكون
البداء ، وعلماً علمه ملائكته ورسله ،
فالعلماء من أهل بيت نبينا(ص)يعلمونه


قال سليمان: أحب أن تنزعه لي من كتاب الله
عز وجل قال: قول الله عز وجل لنبيه(ص):
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ
بِمَلُومٍ ( سورة الذريات: 54 ) أراد هلاكهم
ثم بدا لله تعالى فقال: وَذَكِّرْ فَإِنَّ
الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (
سورة الذريات: 55 )


قال سليمان: زدني جعلت فداك قال الرضا(ع):
لقد أخبرني أبي عن آبائه(ع)عن رسول
الله(ص)قال: إن الله عز وجل أوحى إلى نبي من
أنبيائه أن أخبر فلاناً الملك أني متوفيه
إلى كذا وكذا ، فأتاه ذلك النبي فأخبره
فدعا إلى الملك وهو على سريره حتى سقط من
السرير، وقال: يا رب أجلني حتى يشب طفلي
وأقضي أمري، فأوحى الله عز وجل إلى ذلك
النبي أن أئت فلاناً الملك فأعلمه أني قد
أنسأت في أجله وزدت في عمره إلى خمس عشرة
سنة فقال ذلك النبي(ع): يا رب إنك لتعلم أني
لم أكذب قط فأوحى الله عز وجل إليه: إنما
أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك والله لا يسأل
عما يفعل


ثم التفت إلى سليمان فقال: أحسبك ضاهيت
اليهود في هذا الباب قال: أعوذ بالله من
ذلك ، وما قالت اليهود ؟


قال(ع): قالت اليهود: يَدُ اللهِ
مَغْلُولَةٌ ( سورة المائدة:64 ) يعنون أن
الله تعالى قد فرغ من الأمر فليس يحدث
شيئاً فقال الله عز وجل: غُلَّتْ
أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا
ولقد سمعت قوماً سألوا أبي موسى بن
جعفر(ع)عن البداء فقال: وما ينكر الناس من
البداء وأن يقف الله قوماً يرجيهم لأمره ؟!


قال سليمان: ألا تخبرني عن إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ في
أي شئ أنزلت؟


قال(ع): يا سليمان ليله القدر يقدر الله عز
وجل فيها ما يكون من السنة الى السنة من
حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق ، فما قدره
في تلك الليلة فهو من المحتوم


قال سليمان: الآن قد فهمت جعلت فداك ،
فزدني


قال(ع): يا سليمان إن من الأمور أموراً
موقوفة عند الله عز وجل ، يقدم منها ما
يشاء ويؤخر ما يشاء ويمحو ما يشاء يا
سليمان إن علياً(ع)كان يقول: العلم علمان ،
فعلم علمه الله وملائكته ورسله فما علمه
ملائكته ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه
ولا ملائكته ولا رسله وعلم عنده مخزون لم
يطلع عليه أحداً من خلقه ، يقدم منه ما
يشاء ويؤخر منه ما يشاء ، ويمحو ما يشاء
ويثبت ما يشاء


قال سليمان للمأمون: ياأميرالمؤمنين
لاأنكر بعد يومي هذا البداء، ولاأكذب به
إن شاء الله


فقال المأمون: يا سليمان سل أبا الحسن عما
بدا لك، وعليك بحسن الإستماع والإنصاف قال
سليمان: يا سيدي أسألك ؟ قال الرضا(ع):سل عما
بدا لك


قال: ما تقول فيمن جعل الإرادة إسماً وصفة
مثل حي وسميع وبصير وقدير؟


قال الرضا(ع): إنما قلتم حدثت الأشياء
واختلفت لأنه شاء وأراد ، ولم تقولوا حدثت
الأشياء واختلفت لأنه سميع بصير، فهذا
دليل على أنهما ليستا مثل سميع ، ولا بصير
، ولا قدير قال: سليمان فإنه لم يزل مريداً
؟


قال(ع): يا سليمان فإرادته غيره ؟ قال: نعم
قال: فقد أثبت معه شيئاً غيره لم يزل؟! قال
سليمان: ما أثبت ! قال الرضا(ع): أهي محدثة ؟
قال سليمان: لا لا ما هي محدثة !


فصاح به المأمون وقال يا سليمان: مثله
يعايا أو يكابر؟! عليك بالإنصاف ، أما ترى
من حولك من أهل النظر ؟!


ثم قال: كلمه يا أبا الحسن فإنه متكلم
خراسان ، فأعاد عليه المسألة فقال: هي
محدثة يا سليمان فإن الشئ إذا لم يكن
أزلياً كان محدثاً ، وإذا لم يكن محدثاً
كان أزلي


قال سليمان: إرادته منه ، كما أن سمعه
وبصره وعلمه منه قال الرضا(ع): فأراد نفسه ؟
قال: لا قال(ع): فليس المريد مثل السميع
والبصير قال سليمان: إنما أراد نفسه كما
سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه قال
الرضا(ع): ما معنى أراد نفسه؟ أراد أن يكون
شيئاً وأراد أن يكون حياً أو سميعاً
بصيراً أو قديراً ؟ قال: نعم قال الرضا(ع):
أفبإرادته كان ذلك؟ قال سليمان: نعم قال
الرضا(ع): فليس لقولك أراد أن يكون حياً
سميعاً بصيراً معنى إذا لم يكن ذلك
بإرادته؟ قال سليمان: بلى ، قد كان ذلك
بإرادته


فضحك المأمون ومن حوله وضحك الرضا(ع)ثم
قال لهم: إرفقوا بمتكلم خراسان يا سليمان،
فقد حال عندكم عن حاله وتغير عنها،وهذا ما
لا يوصف الله عز وجل به فانقطع!!


ثم قال الرضا(ع): يا سليمان أسألك عن مسألة
قال: سل جعلت فداك


قال: أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس
بما تفقهون وتعرفون؟ أو بما لا تفقهون ولا
تعرفون؟ قال: بل بما نفقه ونعلم قال
الرضا(ع): فالذي يعلم الناس أن المريد غير
الإرادة ، وأن المريد قبل الإرادة ، وأن
الفاعل قبل المفعول ، وهذا يبطل قولكم: إن
الإرادة والمريد شئ واحد قال: جعلت فداك
ليس ذلك منه على ما يعرف الناس ولا على ما
يفقهون قال الرضا(ع): فأراكم ادعيتم علم
ذلك بلا معرفه وقلتم: الإرادة كالسمع
والبصر إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف
ولا يعقل ! فلم يحر جواباً !


ثم قال الرضا(ع): يا سليمان هل يعلم الله
جميع ما في الجنة والنار؟ قال سليمان: نعم


قال(ع): أفيكون ما علم الله تعالى أنه يكون
من ذلك ؟ قال: نعم


قال: فإذا كان حتى لا يبقى منه شئ إلا كان ،
أيزيدهم أو يطويه عنهم ؟


قال سليمان: بل يزيدهم


قال(ع): فأراه في قولك قد زادهم ما لم يكن
في علمه أنه يكون


قال: جعلت فداك فالمريد لا غاية له قال:
فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا
لم يعرف غاية ذلك، وإذا لم يحط علمه بما
يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن
يكون! تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبير


قال سليمان: إنما قلت لا يعلمه لأنه لا
غاية لهذا ، لأن الله عز وجل وصفهما
بالخلود ، وكرهنا أن نجعل لهما انقطاع


قال الرضا(ع): ليس علمه بذلك بموجب
لانقطاعه عنهم ، لأنه قد يعلم ذلك ثم
يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم ، وكذلك قال الله
عز وجل في كتابه: كُلَّمَا نَضِجَتْ
جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً
غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ (سورة
النساء: 56 ) وقال لأهل الجنة: عَطَاءً
غَيْرَ مَجْذُوذٍ ( سورة هود: 108 ) وقال عز
وجل: وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا
مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ ( سورة
الواقعة:32-33) فهو عز وجل يعلم ذلك ولا يقطع
عنهم الزيادة !


أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا ليس
يخلف مكانه ؟


قال: بلى قال: أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد
أخلف مكانه؟ قال سليمان: ل


قال: فكذلك كلما يكون فيها إذا ألف مكانه
فليس بمقطوع عنهم


قال سليمان: بلى يقطعه عنهم ولا يزيدهم


قال الرضا(ع): إذاً يبيد فيها وهذا يا
سليمان إبطال الخلود وخلاف الكتاب ، لأن
الله عز وجل يقول: لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ
فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ( سورة قّ: 35)


ويقول عز وجل: عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ
ويقول عز وجل: وَمَا هُمْ مِنْهَا
بِمُخْرَجِينَ ( سورة الحجر:48 ) ويقول عز
وجل: (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً) ( سورة
النساء:57) ويقول عز وجل: وَفَاكِهَةٍ
كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا
مَمْنُوعَةٍ ( سورة الواقعة:32-33) فلم يحر
جوابا !


ثم قال الرضا(ع): يا سليمان، ألا تخبرني عن
الإرادة فعل هي أم غير فعل؟ قال: بلى هي فعل
قال(ع): فهي محدثة لأن الفعل كله محدث قال:
ليست بفعل قال: فمعه غيره لم يزل ؟ قال
سليمان: الإرادة هي الإنشاء قال: يا سليمان
هذا الذي عبتموه على ضرار وأصحابه من
قولهم: إن كل ما خلق الله عز وجل في سماء أو
أرض أو بحر أو بر ، من كلب أو خنزير أو قرد
أو إنسان أو دابة ، إرادة الله ، وإن إرادة
الله تحيا وتموت وتذهب وتأكل وتشرب وتنكح
وتلذ وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر وتشرك
فيبرأ منها ويعاديها ، وهذا حدها قال
سليمان: إنها كالسمع والبصر والعلم


قال الرضا(ع): قد رجعت الى هذا ثانية
فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع؟
قال سليمان: لا قال الرضا(ع): فكيف نفيتموه؟
قلتم لم يرد ، ومرةً قلتم أراد ؟! وليست
بمفعول له قال سليمان: إنما ذلك كقولنا مرة
علم ومرة لم يعلم


قال الرضا(ع): ليس ذلك سواء ، لأن نفي
المعلوم ليس بنفي العلم ، ونفي المراد نفي
الإرادة أن تكون ، لأن الشئ إذا لم يرد لم
تكن إراده فقد يكون العلم ثابتاً وإن لم
يكن المعلوم بمنزلة البصر ، فقد يكون
الإنسان بصيراً وإن لم يكن المبصر، ويكون
العلم ثابتاً وإن يكن المعلوم قال سليمان:
إنها مصنوعة


قال(ع): فهي محدثة ليست كالسمع والبصر لأن
السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة
قال سليمان: إنها صفة من صفاته لم تزل


قال(ع): فينبغي أن يكون الإنسان لم يزل ،
لأن صفته لم تزل ؟!


قال سليمان: لا ، لأنه لم يفعلها


قال الرضا(ع): يا خراساني ما أكثر غلطك!
أفليس بإرادته وقوله تكون الأشياء ؟ قال
سليمان: لا قال: فإذا لم تكن بإرادته ولا
مشيئته ولا أمره ولا بالمباشرة ، فكيف
يكون ذلك ؟ تعالى الله عن ذلك ! فلم يحر
جواب


ثم قال الرضا(ع): ألا تخبرني عن قول الله عز
وجل: وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ
قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا
فَفَسَقُوا ( سورة الإسراء:16 ) يعني بذلك
أنه يحدث إرادة ؟ قال له: نعم


قال(ع): فإذا حدث إرادة كان قولك إن
الارادة هي هو أو شئ منه باطلاً ، لأنه
لايكون أن يحدث نفسه ولا يتغير عن حاله ،
تعالى الله عن ذلك


قال سليمان: إنه لم يكن عنى بذلك أنه يحدث
إرادة قال: فما عنى به ؟ قال: عنى فعل الشئ
قال الرضا(ع): ويلك كم تردد في هذه المسالة؟
وقد أخبرتك أن الإرادة محدثة لأن فعل الشئ
محدث ؟! قال: فليس لها معنى


قال الرضا(ع): قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها
بالإرادة بما لا معنى له ، فإذا لم يكن لها
معنى قديم ولا حديث بطل قولكم إن الله عز
وجل لم يزل مريداً


قال سليمان: إنما عنيت أنها فعل من الله
تعالى لم يزل


قال(ع): ألم تعلم أن ما لم يزل لا يكون
مفعولاً وقديماً وحديثاً في حالة واحدة؟


فلم يحر جواباً !


قال الرضا(ع): لا بأس أتمم مسألتك قال
سليمان: قلت إن الإرادة صفة من صفاته


قال: كم تردد أنها صفه من صفاته فصفته
محدثة أو لم تزل؟ قال سليمان: محدثة


قال الرضا(ع): الله أكبر ! فالإراده محدثة
وإن كانت صفة من صفاته ، لم تزل ؟!


فلم يردَّ شيئاً !!


قال الرضا(ع): إن ما لم يزل لا يكون مفعول


قال سليمان: ليس الأشياء إرادة ، ولم يرد
شيئ


قال الرضا(ع): وسوست يا سليمان ، فقد فعل
وخلق ما لم يزل خلقه وفعله ، وهذه صفة من لا
يدري ما فعل ! تعالى الله عن ذلك !


قال سليمان: يا سيدي فقد أخبرتك أنها
كالسمع والبصر والعلم


قال المأمون: ويلك يا سليمان ! كم هذا
الغلط والترداد إقطع وخذ في غيره ، إذ لست
تقوى على غير هذا الرد


قال الرضا(ع): دعه يا أمير المؤمنين لاتقطع
عليه مسألته فيجعلها حجة، تكلم يا سليمان
قال: قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم


قال الرضا(ع): لا بأس ، أخبرني عن معنى هذه
، أمعنى واحد أم معان مختلفة ؟


قال سليمان: معنى واحد قال الرضا(ع): فمعنى
الإرادات كلها معنى واحد؟


قال سليمان: نعم قال الرضا(ع): فإن كان
معناها معنى واحداً كانت إراده القيام
إرادة القعود وإراده الحياة إرادة الموت ،
إذا كانت إرادته واحدة لم تتقدم بعضها
بعضاً ولم يخالف بعضها بعضاً ، وكانت
شيئاً واحداً ؟! قال سليمان: إن معناها
مختلف


قال(ع): فأخبرني عن المريد أهو الإرادة أو
غيرها ؟ قال سليمان: بل هو الإرادة


قال الرضا(ع): فالمريد عندكم مختلف إذا كان
هو الإرادة ؟! قال: يا سيدي ليس الإرادة
المريد قال(ع): فالإرادة محدثة وإلا فمعه
غيره ؟ إفهم وزد في مسألتك


قال سليمان: فإنها إسم من أسمائه قال
الرضا(ع): هل سمى نفسه بذلك ؟


قال سليمان: لا لم يسم به نفسه بذلك


قال الرضا(ع): فليس لك أن تسميه بما لم يسم
به نفسه


قال: قد وصف نفسه بأنه مريد


قال الرضا(ع): ليس صفته نفسه ، إنه مريد
إخبار عن أنه أراد ، ولا إخبار عن أن
الإرادة اسم من أسمائه قال سليمان: لأن
إرادته علمه


قال الرضا(ع): يا جاهل ! فإذا علم الشئ فقد
أراده ؟! قال سليمان: أجل


فقال: فإذا لم يرده لم يعلمه؟! قال سليمان:
أجل قال: من أين قلت ذاك؟ وما الدليل على أن
إرادته علمه؟ وقد يعلم ما لايريده أبداً ،
وذلك قوله عز وجل: وَلَئِنْ شِئْنَا
لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ ( سورة الاسراء:86) ، فهو يعلم كيف
يذهب به وهو لا يذهب به أبداً !


قال سليمان: لأنه قد فرغ من الأمر ، فليس
يزيد فيه شيئاً قال الرضا(ع):هذا قول
اليهود فكيف قال تعالى: ادْعُونِي
أَسْتَجِبْ لَكُمْ؟ قال سليمان: إنما عنى
بذلك أنه قادر عليه قال: أفيعد ما لايفي به
؟! فكيف قال: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا
يَشَاءُ ( سورة فاطر:1 ) وقال عز وجل:
يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ
وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ( سورة
الرعد:39 ) وقد فرغ من الأمر؟!


فلم يحر جواباً !


قال الرضا(ع): يا سليمان هل يعلم أن
إنساناً يكون ولا يريد أن يخلق إنسانا
أبداً وأن إنساناً يموت اليوم ولا يريد أن
يموت اليوم ؟ قال سليمان: نعم


قال الرضا(ع):فيعلم أنه يكون ما يريد أن
يكون ، أو يعلم أنه يكون ما لايريد أن
يكون؟ قال: يعلم أنهما يكونان جميع


قال الرضا(ع): إذاً يعلم أن إنساناً حي ميت
قائم قاعد عمي بصير ، في حالة واحدة ، وهذا
هو المحال ! قال: جعلت فداك فإنه يعلم أنه
يكون أحدهما دون الآخر


قال: لا بأس فأيهما يكون ؟ الذي أراد أن
يكون أو الذي لم يرد أن يكون ؟


قال سليمان: الذي أراد أن يكون


فضحك الرضا(ع)والمأمون وأصحاب المقالات


قال الرضا(ع): غلطت وتركت قولك: إنه يعلم أن
إنساناً يموت اليوم وهو لا يريد أن يموت
اليوم ، وإنه يخلق خلقاً وإنه لا يريد أن
يخلقهم ! وإذا لم يجز العلم عندكم بما لم
يرد أن يكون ، فإنما يعلم أن يكون ما أراد
أن يكون


قال سليمان: فإنما قولي إن الإرادة ليست
هو ولا غيره


قال الرضا(ع): يا جاهل! إذا قلت ليست هو فقد
جعلتها غيره ، وإذا قلت ليست هي غيره فقد
جعلتها هو ! قال سليمان: فهو يعلم كيف يصنع
الشئ؟ قال(ع): نعم قال سليمان: فإن ذلك
إثبات للشئ قال الرضا(ع): أحلت ، لأن الرجل
قد يحسن البناء وإن لم يبن ، ويحسن الخياطة
وإن لم يخط ويحسن صنعة الشئ وان لم يصنعه
أبد


ثم قال(ع)له: يا سليمان هل تعلم أنه واحد لا
شئ معه ؟ قال: نعم


قال الرضا(ع)فيكون ذلك إثباثا للشئ قال
سليمان: ليس يعلم أنه واحد لا شئ معه


قال الرضا(ع): أفتعلم أنت ذاك؟! قال: نعم


قال: فأنت يا سليمان إذاً أعلم منه !! قال
سليمان: المسألة محال


قال: محال عندك أنه واحد لاشئ معه، وأنه
سميع بصير حكيم قادر قال: نعم قال: فكيف
أخبر عز وجل أنه واحد حي سميع بصير حكيم
قادر عليم خبير وهو لا يعلم ذلك ؟! وهذا رد
ما قاله وتكذيبه ، تعالى الله عن ذلك


ثم قال له الرضا(ع): فكيف يريد صنع ما لا
يدري صنعه ولا ما هو ؟ وإذا كان الصانع لا
يدري كيف يصنع الشئ قبل أن يصنعه، فإنما هو
متحير تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً قال
سليمان: فإن الإرادة القدرة


قال الرضا(ع): وهو عز وجل يقدر على ما لا
يريده أبداً ، ولا بد من ذلك لأنه قال
تبارك وتعالى: وَلَئِنْ شِئْنَا
لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ (سورة الاسراء: 86) فلوكانت
الإرادة هي القدرة كان قد أراد أن يذهب به
لقدرته


فانقطع سليمان !!


فقال المأمون عند ذلك: يا سليمان هذا أعلم
هاشمي ثم تفرق القوم


قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: كان
المأمون يجلب على الرضا(ع)من متكلمي الفرق
والأهواء المضلة كل من سمع به حرصاً على
انقطاع الرضا(ع)عن الحجة مع واحد منهم،
وذلك حسداً منه له ولمنزلته من العلم،
فكان لايكلمه أحد إلا أقر له بالفضل
والتزم الحجة له عليه ، لأن الله تعالى
ذكره يأبى إلا أن يعلي كلمته ويتم نوره
وينصر حجته ، وهكذا وعد تبارك وتعالى في
كتابه فقال: إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا
وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ
الأَشْهَادُ ( سورة غافر:51 ) يعني بالذين
آمنوا الأئمة الهداة وأتباعهم العارفين
بهم والآخذين عنهم بنصرهم بالحجة على
مخالفيهم ماداموا في الدنيا ، وكذلك يفعل
بهم في الآخرة ، وإن الله عز وجل لا يخلف
الميعاد ) انتهى


أقول: وقد ألف عدد من العلماء شروحاً
لحديث الإمام الرضا(ع)مع سليمان المروزي،
وكذلك حديثه مع عمران الصابي وقد أوردها
صاحب الذريعة الى تصانيف الشيعة&، كما في
ج1ص88 قال&: (إثبات حدوث الإرادة وإبطال
أزليتها) وأنها من صفات الفعل لا من صفات
الذات، للمولى خليل بن محمد زمان القزويني
، فرغ منه في سنة 1148 ، أثبت فيه مدعاه
بالبراهين العقلية ، وشرح فيه حديث عمران
الصابي ، وحديث سليمان المروزي وفيه
تحقيقات لا توجد في غيره، وهو كتاب مبسوط
رأيت نسخته عند الفاضل السيد محمد ناصر
الحسيني الطهراني بطهران أوله: رب هب لي
سمعاً يسمع آياتك)


والظاهر أن سليمان المروزي الذي ناظره
الإمام الرضا(ع)غير سليمان بن حفص المروزي
الشيعي الموثق ، الذي يروي عنه ابن قولويه&
في كامل الزيارات كما في ص380، والكليني&في
الكافي كما في:3/326 و:3/283 ، والصدوق &في
العيون كما في: 1/290، والفقيه كما في:3/310 ،
وقال في طريقه إليه:4/458: وماكان فيه عن
سليمان بن حفص المروزي فقد رويته عن أبي
رضي الله عنه ، عن سعد بن عبد الله ، عن
أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن سليمان
بن حفص المروزي) انتهى


وقد جعله السيد الخوئي&نفس سليمان بن حفص،
قال في معجم رجال الحديث: 9/254: (5438 - سليمان
بن حفص= سليمان المروزي المروزي ونقل كلام
الصدوق عن سليمان بن حفص الشيعي، قال:(لقي
سليمان بن حفص موسى بن جعفروالرضا(ص)
جميعاً ولا أدري هذا الخبر عن أيهما هو؟! )
انتهى


وهو أيضاً غير سليمان بن جعفر المروزي،
وسليمان بن داوود المروزي، وهما شيعيان من
أصحاب الكاظم والرضا والهادي(ع)


وقد رجح النمازي&في مستدركاته:4/146، أن
يكون سليمان المروزي هذا هو الذي روى عنه
البخاري والنسائي ، وهو ترجيح قوي ، فقد
قال ابن ماكولا الكلبايكاني في إكمال
الكمال:4/458: (سلمويه: جماعة أشهرهم أبوصالح
سليمان بن صالح المروزي صاحب ابن المبارك
، وسليمان بن صدقة التميمي ، وسلمة بن نجم
البخاري النحوي )


وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء:9/433: (161-
سلمويه (خ، س) الحافظ المعمر، أبو صالح ،
سليمان بن صالح الليثي ، مولاهم المروزي ،
صاحب ابن المبارك عنه: ابن راهويه ، وأحمد
بن شبويه وعدة يقال: عاش مئة سنة ) انتهى


وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب:4/174: إن
عمره جاوز المئة وتوفي قبل سنة 210 انتهى
ومواصفاته تقبل الإنطباق على صاحب
المناظرة


أما عمران الصابي، فلم أجد له إلا ترجمات
مقتضبة لم تذكر اسم أبيه وقد عرف بلقب
(الصابي) جماعة ، أقدم من وجدت منهم حنين بن
إسحاق العبادي الصابي الطبيب المشهور ،
توفي سنة260 ، ويحتمل أن تكون له علاقة
بعمران الصابي


ومنهم ثابت بن قرة الصابي الفلكي توفي سنة
288 ، وكان مقرباً عند الخليفة المعتضد،
ونقل كتباً عن اليونانية ، وألف في إثبات
عقيدة الصابئة بحياة الأفلاك ، ورد عليه
متكلم الشيعة في وقته الحسن بن موسى
النوبختي وألف كتباً في رد الفلاسفة ،
منها كتاب الرد على ثابت بن قرة (رجال
النجاشي ص63) ومنهم أبو إسحاق الصابي
ابراهيم بن هلال الأديب، الذي رثاه الشريف
الرضي&، وقد توفي هذا الصابي سنة 283


(5) وردت هذه الكرامة للإمام الكاظم(ع)مع
الرشيد، وللإمام الهادي(ع)مع المتوكل
أيضاً ويلاحظ الباحث أن الحجة على الخلفاء
العباسيين تامة كاملة ، فهم من السفاح
والمنصور الى المتوكل والمعتز، كانوا
يعرفون مقام الأئمة(ع)معرفة جيدة، وأنهم
محدثون من ربهم، وأن عندهم علم جدهم
المصطفى(ص)! لكنهم بسبب خوفهم الوهمي على
ملكهم ، قاموا باضطهادهم وسجنهم وقتلهم،
حتى قال الشاعر:


والله ما فعلت أميةُ فيهمُ معشارَ ما
فعلتْ بنو العباس !


وفي عيون أخبار الرضا(ع):2/90: (حدثنا محمد بن
الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال:
حدثنا محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبد
الله جميعاً ، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
الحسن بن علي بن يقطين، عن أخيه الحسين، عن
أبيه علي بن يقطين قال: استدعى الرشيد
رجلاً يبطل به أمر أبي الحسن موسى بن
جعفر(ص)ويقطعه ويخجله في المسجد ، فانتُدب
رجلٌ معزِّم فلما أحضرت المائدة عمل
ناموساً على الخبز فكان كلما رام أبو
الحسن(ع)تناول رغيف من الخبز طار من بين
يديه! واستفز من هارون الفرح والضحك لذلك !
فلم يلبث أبو الحسن(ع)أن رفع رأسه الى أسد
مصور على بعض الستور فقال له: يا أسد خذ عدو
الله ! قال: فوثبت تلك الصورة كأعظم ما يكون
من السباع فافترست ذلك المعزم! فخرَّ
هارون وندماؤه علىوجوههم مغشياً عليهم،
فطارت عقولهم خوفاً من هول ما رأوه! فلما
أفاقوا من ذلك قال هارون لأبي الحسن(ع):
سألتك بحقي عليك لما سألت الصورة أن ترد
الرجل فقال: إن كانت عصا موسى ردت ما
ابتلعته من حبال القوم وعصيهم فإن هذه
الصورة ترد ما ابتلعته من هذا الرجل ! فكان
ذلك أعمل الآشياء في آفاته نفسه ) انتهى


وفي الخرائج والجرائح:1/400: (ومنها ما روى
أبو القاسم بن أبي القاسم البغدادي عن
زرافة صاحب المتوكل أنه قال: وقع رجل مشعبذ
من ناحية الهند إلى المتوكل يلعب لعب
الحقة، ولم ير مثله ، وكان المتوكل لعاباً
، فأراد أن يُخجل علي بن محمد بن الرضا
فقال لذلك الرجل: إن أنت أخجلته أعطيتك ألف
دينار زكية قال: تقدم بأن يخبز رقاق خفاف
واجعلها على المائدة، وأقعدني إلى جنبه
ففعل وأحضر علي بن محمد(ع)للطعام وجعلت له
مسورة عن يساره كان عليها صورة أسد وجلس
اللاعب الى جانب المسورة ، فمد علي بن محمد
يده إلى رقاقة فطيرها ذلك الرجل في الهواء
، ومد يده إلى أخرى فطيرها ، فتضاحك الجميع
فضرب علي بن محمد(ع)يده إلى تلك الصورة التي
في المسورة، وقال: خذه! فوثبت تلك الصورة من
المسورة فابتلعت الرجل ، وعادت في المسورة
كما كانت! فتحير الجميع ونهض علي بن
محمد(ع)فقال له المتوكل:سألتك إلا جلست
ورددته فقال: والله لايرى بعدها ، أتسلط
أعداء الله على أولياء الله ؟! وخرج من
عنده ، فلم ير الرجل بعد ) !


ورواه ابن شهر آشوب في المناقب: 3/417، وقال
بعده: قال السوسي:


من صاحب الرشيد والإيوانِ والسبع والساحر
والرغفانِ


إذ طيَّر الخبز على الخوان وخلف هارون
وسادتانِ


وفيهمــا للسبـع تمثـالان فقال قول الحنق
الحردانِ


ياسبع خذ ذا الكفر والطغيان زمجر السبع
على المكانِ


وافترس الساحر ذا البهتان وافتقد السبع
عن العيانِ


معجزة للعالـم الربانــي الصادق اللهجة
واللسانِ


(31)الإمام الرضا(ع)سراج الله في خلقه


( بتاريخ 10 ذي القعدة 1421 ـ 4/2/2001 ـ 16/11/1379 )


الوقت ضيق، لكن لابد من التعرض ولو
باختصار للمسائل المرتبطة بالأئمة (ع)،
فنحن مقصرون وقاصرون في نفس الوقت في
معرفة كل واحد من الأئمة(ع)، وفي معرفة
مسألة الإمامة عموماً وعذر القصور مقبول،
لكن عذر التقصير غير مقبول فعلينا في
هاتين المسألتين واجب تجاه أنفسنا ، وواجب
تجاه الناس وبحث الإمامة بمعناها العام ،
أو بمعناها الخاص، لا يمكن استيفاؤه في
مثل هذا المجلس


إن واجب شكر المنعم قضية فكرية وفطرية ،
فلايشك أحد في حسن شكر المنعم ووجوبه ،
وكذا في قبح كفر المنعم وتحريمه !


والمنعم علينا بالعقل والكتاب والسنة هو
الله تعالى ، ثم الذي هو حرف الربط بيننا
وبينه تعالى ، وهو النبي(ص)، ثم الإمام(ع)


فالله تعالى هو مبدأ النعم كلها ، والنبي
والأئمة(ع)هم واسطة هذه النعم


ما هي الإمامة ، ومن هو الإمام ؟


إنها بحر المعرفة الذي لا قعر له ،
فالإمامة التي نبحث عنها ليست إمامة جماعة
، بل هي إمامة العالم وإمامة البشرية !
فلابد أن نفهم ما هو العالم وما هي
الإنسانية ، حتى نفهم إمامة الناس في هذا
العالم وكل البحوث في هذا الموضوع- وجزى
الله كتابها خيراً وشكر سعيهم - إنما هي
على قدر مؤلفيها وكتابها ، وليست على قدر
الموضوع ، حتى تكون إجابة وافية على سؤال:


ما هي الإمامة ، ومن هو الإمام؟ إن الأفق
بينهما بعيد


على أي حال إن المولود في مثل يوم الغد
صلوات الله عليه ، واحد من أئمة العالم
العظماء(ع)الذين يتحير فيهم العقل ، ليس
تحيراً بمقياس الخطابة بل بمقياس الدليل
والبرهان !


للإمام الرضا(ع)خمسة عشر لقباً ، ذكر
بعضها صاحب البحار& ، ولم يذكر البعض الآخر
، وأول لقب ذكره لقب: سراج الله (1)


سراج الله كلمة تكفي للفقيه المتعمق في
فقه الدين ، والحكيم المتعمق في الحكمة ،
أن يفكر ماهي الخصائص التي تميز بها
الإمام الرضا(ع)حتى صار لقبه: سراج الله في
خلقه !


إن للسراج صفتين: النور والحرارة ، وقد
وصف الله تعالى الشمس بأنها سراج ، في
قوله: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي
السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا
سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً ( سورة
الفرقان: 61) كما وصف النبي(ص)بأنه سراج فقال
تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا
أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً
وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللهِ
بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ( سورة
الأحزاب: 45-46)


فكما أن منظومة الكون المادي لها سراج هي
الشمس تعطيها الضوء والحرارة ، فكذلك
المنظومة الإنساينة لها سراج أيضاً !


إني أتحسر لأننا حتى الآن لم نصل الى
دقائق القرآن ولطائفه العظيمة ، وأن عمرنا
مضى ولم نفهم شيئاً يذكر ! فكم هو عميق هذا
الإرتباط بين سراجي منظومتي الكون
والإنسان ، وكم بيَّنَ الله تعالى لنا
بذلك من صفات سيد المرسلين (ص)؟! الشمس تعطي
الضوء والحرارة ، فتأخذ منها الطبيعة
غذاءها ونموها حسب استعدادها، وروح
النبي(ص)تشرق على معادن الناس بالنور
وحرارة الحياة، فتأخذ منها نموها
وتكاملها حسب استعدادها ! والناس أيضاً
معادن كمعادن الذهب والفضة والحديدالخ


وهذه الشمس النبوية لم تغب بعد رحيله(ص)بل
تواصلت وتواصل إشراقها وإن حجبتها الغيوم
! والإمام الرضا(ع)هو امتداد شمس النبوة في
الأرض ، وهو شمس له من بينهم خصوصيته التي
أعطاه الله إياها !


والنقطة المهمة هنا إضافة السراج الى اسم
(الله) تعالى من بين أسمائه الحسنى ،
فالإمام الرضا سراج مادي ومعنوي منسوب الى
الله تعالى ! وهذا اللقب تعبير كاف لنفهم
منه أن مكانة الإمام الرضا(ع)في أي أفق ؟!


لقد قرأنا أن الإضافة تكون مغلبة أو
مغيرة، وأن الشئ ما لم يضف يبقى في حد نفسه
وعنوانه لا يتجاوزه ، أما إذا أضيف فتصير
له حيثيتان واحدة ذات المضاف ، والثانية
ما اكتسبه بالإضافة


ثم يصل الأمر الى المضاف اليه ما هو ؟ ومن
هو ؟


والمسألة هنا أن الإمام الرضا(ع)بذاته
سراج، يعني أن معدن روحه المقدسة ونفسه
القديسة ، منبع للنور والحرارة، فأي نفس
مقدسة هذه التي (يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِئُ
وَلَو لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ) ؟ أما عندما
تضاف الى (الله) تعالى وتتصل بمنبع (كُنْ
فَيَكُونُ) فإن صفتها تكون: ( نُورٌ عَلَى
نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ
يَشَاءُ ) ، فالإضافة تعطيها نسبةً الى
المضاف إليه ، وحيثية وجود آخر


سراج الله وطرف الإضافة هنا اسم الله ،
وليس اسم العليم أو الرحمن أو الوهاب
مثلاً ! وخصوصية اسم (الله) أنه يجمع الألف
اسم من أسماء الله الحسنى ، وبذلك يكتسب
السراج من أشعة الأسماء الألف ! من أشعة
العليم والرحمن والرحيم الخ إنه أمر يتحير
العقل في تفهمه واستيعابه !


تُعرف قيمة الكلام من نفس الكلام، وتعرف
أيضاً من شخصية قائله، فكيف إذا كانت درجة
الكلام بعد كلام الله تعالى وقائله رسول
الله(ص)؟


وهذا الكلام الذي سأذكره قاله رسول
الله(ص)لولده الإمام موسى بن جعفر
الكاظم(ع)في وصف ولده الإمام علي
الرضا(ع)واستيعابه يحتاج الى تفكير طويل ،
لكنا نامل في هذه الدقائق أن نفهم منه
شيئاً !


قال الإمام الكاظم(ع): (ولقد رأيت رسول
الله(ص)في المنام وأمير المؤمنين (ع)معه ،
ومعه خاتمٌ وسيفٌ وعصاً وكتابٌ وعمامة ،
فقلت له: ماهذا؟ فقال: أما العمامة فسلطان
الله تعالى عز وجل، وأما السيف فعزة الله
عز وجل، وأما الكتاب فنور الله عز وجل ،
وأما العصا فقوة الله عز وجل ، وأما الخاتم
فجامع هذه الأمور ثم قال: قال رسول
الله(ص)والأمر يخرج الى علي ابنك ثم قال
أبو الحسن(ع): ثم وصفه لي رسول الله(ص)فقال:
عليٌّ ابنُك، الذي ينظر بنور الله، ويسمع
بتفهيمه، وينطق بحكمته، يصيب ولا يخطئ،
ويعلم ولا يجهل، وقد ملئ حكماً وعلماً،
وما أقل مقامك معه، إنما هو شئ كأن لم يكن،
فإذا رجعت من سفرك فأصلح أمرك، وافرغ مما
أردت فإنك منتقل عنه، ومجاور غيره، فاجمع
ولدك وأشهد الله عليهم جميعاً، وكفى بالله
شهيداً) (2)


عليٌّ ابنُك،الذي ينظر بنور الله إن كل
واحدة من هذا الكلمات في صفات الإمام
الرضا(ع)تحير العقول ! فدققوا فيها وافهموا
منها لقب: سراج الله !


وأعلى هذه الصفات قوله(ص): يصيب ولا يخطئ،
ويعلم ولايجهل فلم يكتف(ص)بالإثبات حتى ضم
اليه النفي، وختمه بصفة بليغة: وقد ملئ
حكماً وعلماً ! فهذه الجملة يصعب إدراكها ،
لأن من يعرف واقع تكوين الإنسان وأنه
(بناءٌ) مهما استوعب من العلم لا يمتلئ ،
ومهما استوعب من الحكمة والكمالات
العملية لا يمتلئ ! وأن الإنسان منهومُ
علمِ لا يشبع ، وطالبُ كمالٍ لا يقنع ، حسب
ما يفهمه لنفسه من الكمال !


أما الإنسان الذي يمتلئ علماً فلا من مزيد
، ويمتلئ كمالاً وحكمة فلا من مزيد ، فهو
سراج الله في خلقه ، وهو علي بن موسى
الرضا(ع)!


فكيف نتصور أننا قد فهمنا الإمام
الرضا(ع)؟!!


كيف ندعي أنا عرفنا الإمام الرضا(ع)الذي
قال فيه النبي(ص)لمن ذكر اسمه: قل: صلى الله
عليه ، قل صلى الله عليه ، قل صلى الله عليه
؟!


كيف عرفنا أي تربة دفن فيها ، ومن الذي ثوى
فيها ، وأي روضة من رياض الجنة في ذلك
البستان النبوي العظيم؟!!


قال الصدوق(ره)في عيون أخبار الرضا(ع):1/313:
(حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن محمد بن
يحيى المعاذي النيسابوري قال: حدثنا أبو
الحسن علي بن أحمد بن علي البصري المعدل
قال: رأى رجل من الصالحين فيما يرى النائم
رسول الله(ص)فقال: يا رسول الله من أزور من
أولادك؟ فقال(ص): إن من أولادي من أتاني
مسموماً، وإن من أولادي من أتاني مقتولاً !
قال فقلت له: فمن أزور منهم يا رسول الله ،
مع تشتت مشاهدهم ، أو قال أماكنهم؟ قال(ص):
من هو أقرب منك ، يعني بالمجاورة وهو مدفون
بأرض الغربة قال: فقلت يا رسول الله تعني
الرضا؟ فقال(ص):


قل صلى الله عليه ، قل صلى الله عليه ،
ثلاثاً ) انتهى


صلى الله عليه عدد ما في علم الله ، صلاةً
دائمةً بقوام ملك الله


التعليقات


(1) في دلائل الإمامة لمحمد بن جرير الطبري
الشيعي ص359: (ويكنى أبا الحسن ، والخاص أبا
محمد ولقبه الرضا ، والصابر، والوفي، ونور
الهدى ، وسراج الله ، والفاضل ، وقرة عين
المؤمنين ، ومكيد الملحدين )


وفي البحار: 49/10 عن مناقب ابن شهر آشوب:
وألقابه: سراج الله ، ونور الهدى ، وقرة
عين المؤمنين ، ومكيدة الملحدين، كفؤ
الملك، وكافي الخلق، ورب السرير، ورب
التدبير، والفاضل، والصابر، والوفي،
والصديق، والرضي) انتهى


وقد وردت صفة (سراج الله) للأئمة(ع)في
أبيات قالها الإمام الحسين(ع)يوم عاشوراء
ففي مناقب ابن شهر آشوب:3/234: ثم استوى على
فرسه وقال:


أنا ابن عليِّ الخيرِ من آل هاشمٍ كفاني
بهذا مفخراً حيـن أفخرُ


وجدي رسولُ الله أكرمُ خلقه ونحن سراج
الله في الأرض يزهرُ


وفاطمُ أمي من سلالة أحمد وعميَ يدعى ذا
الجناحين جعفرُ


وفينا كتاب الله أنزل صادقاً وفينا الهدى
والوحي بالخير يذكرُ


ونحن أمان الله للخلق كلهم نسِرُّ بهذا في
الأنام ونَجهرُ


ونحن ولاةالحوض نسقي ولينا بكأس رسول
الله ما ليس ينكرُ


وشيعتنا في الناس أكرم شيعةٍ ومبغضنا
يـوم القيامة يخسـر


انتهى وقد رويت هذه الأبيات في بعض
المصادر بزيادة


(2) في عيون أخبار الرضا( ع):2/33: (حدثنا أبي
ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد ، ومحمد
بن موسى بن المتوكل ، وأحمد بن محمد بن
يحيى العطار ، ومحمد بن علي ماجيلويه رضي
الله عنهم قالوا: حدثنا محمد بن يحيى
العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران
الأشعري عبد الله بن محمد الشامي، عن
الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن أسباط ،
عن الحسين مولى أبي عبد الله ، عن أبي
الحكم ، عن عبد الله بن إبراهيم الجعفري ،
عن يزيد بن سليط الزيدي قال: لقينا أبا
عبدالله(ع)في طريق مكة ونحن جماعة ، فقلت
له: بأبي أنت وأمي أنتم الأئمة المطهرون ،
والموت لا يعرى أحد منه ، فأحْدِثْ إليَّ
شيئاً أٌلقيه إلى من يخلفني


فقال لي: نعم هؤلاء ولدي وهذا سيدهم،
وأشار الى ابنه موسى(ع)وفيه العلم والحكم
والفهم والسخاء والمعرفة بما يحتاج الناس
إليه فيما اختلفوا فيه من أمر دينهم ، وفيه
حسن الخلق ، وحسن الجوار ، وهو باب من أبواب
الله تعالى عز وجل ، وفيه أخرى هي خير من
هذا كله


فقال له أبي: وما هي بأبى أنت وأمي؟ قال:
يخرج الله منه عز وجل غوث هذه الأمة
وغياثها وعلمها ونورها وفهمها وحكمها،
وخير مولود وخير ناشئ ، يحقن الله الدماء
ويصلح به ذات البين ، ويلم به الشعث ويشعب
به الصدع ، ويكسو به العاري ، ويشبع به
الجائع ، ويؤمن به الخائف ، وينزل به القطر
، ويأتمر العباد ، خير كهل وخير ناشئ ، يبشر
به عشيرته أوان حلمه ، قوله حكم ، وصمته علم
، يبين للناس ما يختلفون فيه


قال: فقال أبي: بأبي أنت وأمي ، فيكون له
ولد بعده ؟ فقال: نعم ، ثم قطع الكلام


وقال يزيد: ثم لقيت أبا الحسن يعني موسى بن
جعفر(ع)بعدُ فقلت له: بأبي أنت وأمي إني
أريد أن تخبرني بمثل ما أخبرني به أبوك


قال فقال: كان أبي(ع)في زمن ليس هذا مثله


قال يزيد فقلت: من يرضى منك بهذا فعليه
لعنه الله


قال: فضحك ثم قال: أخبرك يا باعماره أني
خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر الى بنيَّ
فأشركتهم مع ابني علي، وأفردته بوصيتي في
الباطن، ولقد رأيت رسول الله(ص)في المنام
وأمير المؤمنين(ع)معه ، ومعه خاتمٌ وسيف
وعصا وكتاب وعمامة ، فقلت له: ما هذا ؟
فقال: أما العمامة فسلطان الله تعالى عز
وجل ، وأما السيف فعزة الله عز وجل ، وأما
الكتاب فنور الله عز وجل ، وأما العصا فقوة
الله عز وجل ، وأما الخاتم فجامع هذه
الأمور ثم قال: قال رسول الله(ص)والأمر
يخرج إلى علي ابنك


قال: ثم قال: يا يزيد إنها وديعة عندك فلا
تخبر إلا عاقلاً ، أو عبداً امتحن الله
قلبه للإيمان ، أو صادقاً ولا تكفر نعم
الله تعالى ، وإن سئلت عن الشهادة فأدِّها
، فإن الله تعالى يقول: إِنَّ اللهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا
الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَاً ( سورة
النساء:58 )


وقال الله عز وجل: وَمَنْ أَظْلَمُ
مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ
اللهِ ( سورة البقرة:140)


فقلت: والله ما كنت لأفعل هذا أبداً قال:
ثم قال أبو الحسن(ع): ثم وصفه لي رسول
الله(ص)فقال: عليٌّ ابنك ، الذي ينظر بنور
الله ، ويسمع بتفهيمه ، وينطق بحكمته ،
يصيب ولا يخطئ ، ويعلم ولا يجهل ، وقد ملئ
حكماً وعلماً ، وما أقل مقامك معه ، إنما
هو شئ كأن لم يكن ، فإذا رجعت من سفرك فأصلح
أمرك ، وافرغ مما أردت فإنك منتقل عنه ،
ومجاور غيره ، فاجمع ولدك وأشهد الله
عليهم جميعاً ، وكفى بالله شهيداً ثم قال:
يايزيد إني أوخذ في هذه السنة، وعليٌّ
ابني سمي علي بن أبي طالب(ع)وسميُّ علي بن
الحسين(ع)أعطيَ فهم الأول وعلمه ، ونصره
وردائه ، وليس له أن يتكلم إلا بعد هارون
بأربع سنين ، فإذا مضت أربع سنين فاسأله
عما شئت ، يجبك إن شاء الله تعالى )


الفصل العاشر


من أنوار الإمام المهدي صلوات الله عليه


(32)من هو الإمام صاحب الزمان(ع)؟


( بتاريخ 14 شعبان 1418 ـ 15/12/1997 ـ 24/9/1376 )


يوجد سؤالان مهمان:


الأول: من هو صاحب الزمان(ع)؟


والثاني: ما هو طريق الإرتباط به(ع)؟


وللجواب على سؤال من هو؟ لابد أن نحدد
الطريق الذي نسلكه للحصول على الجواب ،
فطريق معرفته(ع)يحتاج الى معرفة !


ذلك أن شخصية المعصوم(ع)ذات جنبتين، جنبة
بشرية ، وجنبة يتصل بها الإمام بالملأ
الأعلى ، وطريق المعرفة لابد أن يكون
متناسباً مع المطلوب معرفته ، ووسائلنا في
المعرفة لا تصلح لمعرفة هذه الشخصية
الفريدة ، فلا علماء الطبيعة ، ولا
الفلاسفة ، ولا العرفاء ، ولا الحكماء
العاديون ، يستطيعون ذلك ، لأن شخصية
المعصوم(ع)لا تخضع لوسائلهم في المعرفة


إن معرفة شخصية الإمام المعصوم(ع)وما خصه
به الله تعالى ، لا تتيسر إلا لمن وصل الى
مقام العصمة ، فهو الحكيم الذي يعرف ما
الخبر ، لا الفلاسفة عن طريق فلسفاتهم
ونظرياتهم، ولا علماء الطبيعة عن طريق
قواعدهم ووسائلهم ، ولا العرفاء عن طريق
عرفانهم وأدلتهم الذوقية! فقط ، من وصل الى
مقام العصمة وعاشه ، هو الذي يعرف المعصوم
ويعرفنا عليه !


وهكذا لابد لنا للحصول على جواب سؤالنا أن
نعرف الإمامة أولاً ما هي؟


ثم نعرف الإمام بشكل عام من هو ؟


ثم ننتقل الى معرفة صاحب الزمان(ع)من هو ؟


ومن عيون كلمات المعصومين(ع)في تعريف
الإمامة والإمام ، كلام الإمام الرضا(ع)
(تقدم حديث الإمام الرضا(ع)في وصف الإمامة
في الموضوع رقم:29)


ومن الطبيعي أنا لا نستطيع إكمال البحث في
ماهية الإمامة في هذا المجلس ولا في مئة
مجلس ، وإنما غرضنا أن نفتح الباب للذين
يبذلون جهدهم وأوقاتهم في التفكير في أعمق
العلوم الإسلامية كالفقه وأصول الفقه، أن
يتوجهوا بتفكيرهم الى علم أصول العقيدة


لقد عرَّف الإمام الرضا(ع)الإمامة أولاً،
ثم عرف الإمام وبين صفاته ، وتضمن كلامه في
الإمامة ثمانية وعشرين مبحثاً ! نتعرض
لكلمة واحدة منها في بيان درجة الإمامة
ورتبتها في قوس الصعود وسلسلة الموجودات


قال(ع): (إن الإمامة أجل قدراً، وأعظم
شأناً، وأعلا مكاناً ، وأمنع جانباً ،
وأبعد غوراً ، من أن يبلغها الناس بعقولهم
، أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا إماماً
باختيارهم)! والمهم للعلماء هو الدراية لا
الرواية


والتعبير الأول للإمام الرضا(ع)عن جلالة
الإمامة ، ومتعلق الجلالة القدر


والتعبير الثاني عن عظمتها ، ومتعلق
العظمة الشأن


والتعبير الثالث عن علوها ، ومتعلق العلو
المكان


والتعبير الرابع عن منعتها ، ومتعلق
المنعة عزة الجانب


والتعبير الخامس عن بعد غورها ، ومتعلق
الغور العمق !


وفي هذه الأوصاف يتجلىعلم الإمام
الرضا(ع)وإنما يعرف الإمام بالعلم !


إن من مصائبنا أنا نصرف أوقاتنا في فهم
كلمات الشيخ الرئيس ابن سينا وغيره، ولا
نصرفها في فهم كلام المعصوم الذي نراه
بإشارة واحدة في كلامه يذري مليار عقل
كعقل ابن سينا في مهب الريح !


إن كل كلمة من كلماته(ع)عالمٌ مواجٌ من
العلم! تحتاج الى بذل جهود عقلية لكي تفهم
، ويعرف منها الموضوع والمحمول والمتعلق
والمتعلق به ، وبذلك تفهم الإمامة ما هي؟
وهيهات أن تفهم حق فهمها !


في أي مرتبة تقع الإمامة من سلسلة الوجود
؟


أعظم شأناً وأبعد غوراً، من أن يبلغها
الناس بعقولهم ! تأملوا فقط في كلمة (أبعد
غوراً) لتروا أن الموضوع هنا مثل مناطق
الفراغ أو الثقوب السوداء ، التي يتكلم
عنها الفلكيون ، والتي كلما وصل اليها
شعاع انطفأ، أو نجم تلاشى وفني! إنها محيطٌ
بلا نهاية يقف الفكر البشري في ابتدائها
ولا يعرف غورها وانتهاءها !


فالإمام الرضا(ع)يقول إن شخصية الإمام
جهاز رباني ، عميق الغور ، أعظم من أن
يبلغها الناس بعقولهم !! الناس كل الناس
طبيعة الناس !


بعقولهم كل عقول أصحاب العقول ، بما فيها
عقل أفلاطون وعقل أرسطو، وعقل ابن سينا ،
وعقل الشيخ الأنصاري ! فكل العقول عندما
تصل الى هنا تنطفئ أشعتها ، وتتلاشى
قدراتها !


هذه هي الكلمة الأولى،والثانية: أو
يقيموا إماماً باختيارهم أو ينالوها
بآرائهم!


والسؤال هنا: ما هو الدليل على هذا المدعى
؟


علَّل الإمام الرضا(ع)عجز الناس عن إدراك
الإمامة واختيار الإمام ، بقوله (إن
الإمامة) وهذه هي العلة ، ثم أورد خمسة
عناوين عللها بهذه العلة !


(إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم
الخليل(ع)بعد النبوة والخلة مرتبةً ثالثة
، وفضيلةً شرفه بها ، وأشاد بها ذكره ،
فقال


ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته
أهل الصفوة والطهارة فقالفلم تزل في ذريته
يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتى ورثها
الله تعالى النبي(ص)فقال جل وتعالى


فكانت له خاصة فقلدها(ص)علياً(ع)بأمر الله
تعالى على رسم مافرض الله، فصارت في ذريته
الأصفياء الذين آتاهم الله العلم
والإيمان ، بقوله


فهي في ولد علي(ع)خاصة إلى يوم القيامة ،
إذ لا نبيَّ بعد محمد(ص)، فمن أين يختار
هؤلاء الجهال؟! )


فالإمامة إذن مقام خص الله به إبراهيم(ع)،
ولا بد من فهم الذي خص ، والمخصوص،
والمخصوص به! فالذي خص بالإمامة هو الله
سبحانه، باسمه الجامع لجميع صفات الكمال


والمخصوص بها إبراهيم(ع)، وقد استحق هذا
العطاء العظيم بعد أن وصل الى مقام النبوة
، ثم الى مقام الخلة ! ومقام النبوة هنا هو
مقام النبوة الإبراهيمية الذي يبدأ بقوله
تعالىوَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ
مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ
(سورةالأنعام:75) فبعد أن رأى إبراهيم باطن
الملك والملكوت صار نبياً ، ثم عَبَرَ
درجة الملك والملكوت فوصل الى الدرجة
الثانية ، درجة الخلة: وَمَنْ أَحْسَنُ
دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ
وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ
إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللهُ
إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً (سورة النساء: 125)


ثم امتحنه الله تعالى بما يمتحن خاصة
أنبيائه ، فبلغ مرحلة الإمامة ! قال الله
تعالى: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ
رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ
إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟
قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (
سورة البقرة: 124 )


وبهذا يتضح أن قول الإمام الرضا(ع)في عجز
الناس عن درك مقام الإمامة واختيار الإمام
، كلام واضح كالشمس: (إن الإمامة أجل قدراً
، وأعظم شأناً ، وأعلا مكاناً ، وأمنع
جانباً ، وأبعد غوراً، من أن يبلغها الناس
بعقولهم ،أو ينالوها بآرائهم ، أو يقيموا
إماماً باختيارهم) !


ونلاحظ هنا أن الإمام(ع)لم يستعمل كلمة
(شرَّفه بها) في النبوة الإبراهيمية
والخلة لأنهما صفتان تختصان بإبراهيم من
لدن آدم الى عيسى(ع)


حتى إذا وصل الى الإمامة قال: (وفضيلةً
شرفه بها ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في
ذريته أهل الصفوة والطهارة )


نعم هذه هي الإمامة مقام لا يدرك غوره ، خص
الله به ابراهيم بعد درجة نبوته الخاصة
العالية ، وبعد درجة الخلة لله الخاصة به
فعندئذ صار أهلاً لأن يشرفه بهذا التشريف
ويكون للناس إماماً !


إن الإمامة كلمة مقدسة ، تحمل معنىً
عظيماً ، وليست كلمة تلقلق باللسان!
فافهموها واعرفوا أين تستعملونها !


إن مشكلة الإنسان كثيراً ما تكون قلة فهمه
، فالذي يفهم يكثر تفكيره وتأمله ويقل
منطقه ، ويتقيد بكلماته أما الذي قليل
الفهم فيطلق منطقه وسلوكه بلا دقة، فتكثر
سقطاته، ويجر المشكلات والمصائب على نفسه
وغيره! فاحرصوا أن تكونوا علماء متعمقين ،
دقيقين في استعمال الكلمات !


هذه هي الإمامة مجملاً ، والوقت يمضي ولم
نصل الى خيوط شعاع من شمسها ، ولا حبات رمل
من ساحلها !


والإمامة هي المبدأ، فما هو المشتق
المتلبس بالمبدأ ؟ ما هو الإمام ؟ والبحوث
كثيرة، ووقتنا يتسع لقراءة بعض صفاته من
كلام الإمام الرضا(ع)


( الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد ، ولا
يعادله عالم ، ولا يوجد منه بدل ، ولا له
مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كله ، من غير
طلب منه له ولا اكتساب ، بل اختصاص من
المفضل الوهاب)


إن الفم الذي أطلق هذه الصفات للإمام
والذي وهبه الله إياها باستحقاق ، هو عالم
آل محمد(ع)


مخصوص بالفضل كله بالفضل كله ، وبكل
الفضل! والفضل أنواع عديدة، فالعلم فضل ،
والعفة فضل ، والغيرة فضلالخ وكل واحدة من
هذه الفضائل درجاتٌ ومراتب ، فالشجاعة
درجات ، والغيرة مراتب ، والعفة مستويات ،
والإمام مخصوص بالفضل كله ، بأنواع
الفضائل وأعلى مراتبها ! فالإطلاق هنا
شمولي وقد جاء به الإمام(ع)بعد لفظ العموم
فشمل به الأعداد والمراتب!


والمهم أن هذا المقام وفضائله الربانية
ليست كفضائل الطلب والإكتساب ، بل هي:
اختصاص من المفضل الوهاب ! فمن ذا الذي
يبلغ معرفة الإمام ، أو يمكنه اختياره؟!
هذا هو الإمام(ع)!


أما إمام الزمان أرواحنا فداه ، فقد ورد
له في مجموع الروايات والزيارات والأدعية
الصحيحة ، مئة واثنان وثمانون مقاماً وصفة
!


إحدى صفاته(ع): (متمُّ نور الله) وهي صفة
يتحير فيها العقل!


ففي القرآن آيتان مقترنتان ، نزلتا مرتين
، بتغيير في صيغة أولاهما دون الثانية
نزلتا أولاً في سورة الصف ، ثم نزلتا في
سورة التوبة !


قال تعالى: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُور
َاللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ
نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ


( سورة الصف:8-9 )


وقال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا
نُور َاللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى
اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ
كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ
الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
(سورة التوبة:32- 33 وسيأتي تفسيرها بالإمام
المهدي(ع)في الموضوع رقم: 33)


ولايتسع الوقت لبيان سبب ترتيب الآيتين
بهذا النسق، وارتباطهما، وسبب التغيير في
أولاهما، ولماذا قدم كره الكافرين
ومقاومتهم على كره المشركين، ولماذا ذكر
في سورة الأنفال آية 8 ، وفي سورة يونس آية
82 كُرْهَ المجرمين ولم يذكر كره فئات أخرى
غير الكافرين والمشركين والمجرمين؟!
عندما نفهم هاتين الآيتين ، نفهم من هو
الإمام الحجة بن الحسن صلوات الله عليه


الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْفالدين الذي أرسل الله به
رسوله(ص)أكمله بإمامة أمير المؤمنين(ع)، أي
بالضمان الرباني لاستمرار علم النبوة
وتطبيق وحيها! وقد علم الله تعالى وأخبر
رسوله(ص)بأن الأمة سوف تغدر بالإمام بعده
فقد قال النبي لعلي: (إن الأمة ستغدر بك
بعدي ، وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي،
من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه
ستخضب من هذا يعني لحيته من رأسه صحيح)
(مستدرك الحاكم:3/142)


علم سبحانه أن الليل سيغشى قبل أن يتجلى
النهار فقال: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى
وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى ! وأخبر
تعالى أنهم: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا
نُورَ اللهِ ثم أخبر يُرِيدُونَ أَنْ
يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ فقال سبحانه:
وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَيَأْبَى اللهُ
إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وقضى تجلي
النهار الموعود على يد الإمام
المهدي(ع)،فكان هو (متمُّ نور الله تعالى)!


لقد اكتمل الدين على يد جده
المصطفى(ص)بإمامة جده أمير المؤمنين (ع)لكن
هذا الإكتمال لم يتحقق به الهدف الذي هو
إتمام النور الإلهي، فجعله الله على يد
إمامنا المهدي(ع)وخصه الله بأنه: متم نوره
في الأرض!


إن عمله ودوره(ع)هو غاية الغايات ومنتهى
النهايات لبعثة نبينا(ص)وكل الأنبياء(ع)،
فهو الجزء الأخير للعلة التامة، وبه يظهر
الله دينه على الدين كله، وهو مقام اختصه
الله به من بين الأنبياء والأوصياء صلوات
الله عليه وعليهم ، ولا نبي بعد نبينا ،
ولا أحد أفضل منه(ص)


(33)معرفة الإمام المهدي(ع)بالنورانية


( بتاريخ: 12 شعبان 1419 ـ 11/9/1377 ـ 2/12/1998 )


هذه ليلةٌ ولد فيها المولود السعيد ،
والسبب المتصل بين الأرض والسماء ، الإمام
المهدي أرواحنا فداه


إن معرفة الإمام صاحب الزمان(ع)نوعان،
معرفة لعامة الناس أن يعرفوا إمامهم
المفترض الطاعة ومعرفة خاصة تسمى معرفته
بالنورانية ، وينبغي التعرف عليها من
الروايات والأدعية والزيارات الصادرة عن
الأئمة(ع)والتي هي كنزٌ من المفاهيم
الإسلامية والمعارف الإلهية ، غاية الأمر
أنها عميقة تحتاج الى فهم ، والفهم يحتاج
الى تأمل ومعايشة لمدرسة الوحي الإسلامية


إن من الأمور الدقيقة العميقة، القدرة
على التفريق بين الكلام الذي مصدره الفكر
البشري ، والكلام الذي مصدره مدرسة الوحي
الإلهي! وإن جهات الإفتراق بينهما كثيرة
وكبيرة من البداية الى النهاية! فالكلام
الناشئ من الفكر البشري كالسراج النفطي ،
الذي تُشْعِلُ فتيلته حتى يضئ، ويكون نوره
ضعيفاً، يرافقه الدخان ، ورائحة النفط ،
ولايمكنك فصلهما عنه !


لكن الكلام الصادر من الوحي سراجٌ متصل
بنور السماوات والأرض: اللهُ نُورُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ (سورة النور: 35 )
ولذا كان كلام الأئمة(ع)بحراًً من النور لا
نهاية له ! ومع أن وصفه بكلمة بحر غلط ،
لكننا مضطرون الى أمثال هذه التعابير ،
لعدم وجود غيرها في عالمنا الأرضي !


في الكلام الصادر من الوحي لا مجال لدخان
الخطأ ، ولا لدخان الهواء لأنه: يُوقَدُ
مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ
لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ
زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ
تَمْسَسْهُ نَارٌ


على أن هذا الإمتياز بين هذين الكلامين أو
(الفكرين) هو الإمتياز الأصغر !


أما الإمتياز الأكبر فهو أن الفكر الصادر
من التفكير البشري مباح لكل وارد ، فأي شخص
عنده قدرة تفكير يمكنه أن يفكر وينتج ، لا
شرط فيه لطهارة بدن ولاجيب، ولا صفات
كمال، ولا جمال! ولذا ترى في قمة الفكر
البشري أشخاصاً حتى من الوثنيين والمجوس
والزردشتين ، أمثال بهمنيار في مدرسة ابن
سينا ! وليس واضحاً ما يؤثره فيهم هذا
الفكر !


أما الفكر الناشئ من الوحي الإلهي فليس
مباحاً لكل وارد ، بل إن لأهله مواصفات
وشروطاً ، هكذا صانه الله تعالى إلا عن
أهله ، فاقرأ آخر آية النور: يَهْدِي اللهُ
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ
الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ
شَئٍْ عَلِيمٌ فهو علم خاص لمن قرر الله أن
يهديه اليه ، وهذا هو المائز الأكبر له عن
الفكر البشري العام، الذي يجعل المسافة
بينهماأبعد من السماء الى الأرض! ويجعله
علماً لأخص الخواص من البشر !


والشاهد على ذلك أن ابن سينا في أواخر
حياته ، بعد أن قضى عمره في التفكير البشري
، والتعمق في طرق الإستدلال النظرية ،
وتعبت جبهته من الإصطدام بصخور المعرفة
وصل الى الحقيقة وأعلن مقولة الوحي: (جل
جناب الحق أن يكون شريعة لكل وارد ) !


لقد فهم أن الحكمة الإلهية ليست كالفكر
البشري مباحة لكل وارد مهما كانت شخصيته
وسلوكه: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ
وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ
مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ
السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ
وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ ( سورة المائدة:15-16 ) فما لم
يتبع رضوان ربه ، لا يجد الطريق الى سبل
السلام ! وأين تنتهي به سبل السلام ؟ هذا
بحث آخر !


في هذا اليوم نستفيد من هذا الدعاء لمعرفة
الإمام(ع)معرفة ابتدائية ، فواظبوا عليه
جميعاً وأوصوا الناس أن يقرؤوه بعد صلاة
الصبح


وعندما تقرؤونه وجهوا فكركم القوي الذي
توجهونه الى المباحث العلمية العميقة
فتفهمونها ، وجهوه الىدقائق هذا الدعاء
ولطائفه


هذا الدعاء كنز معرفة ، وكل أدعية أهل
البيت(ع)كذلك ، وقد رواه السيد ابن طاووس
وغيره مرسلاً ومسنداً ، وإن كانت مضامينه
الغنية تغنيه عن الحاجة الى بحث سنده،
فبحث السند كما يعرف أهله ، نحتاج اليه
عندما لا يكون عندنا دليل على أن هذا
الكلام صادر من أهل بيت الوحي(ع)


فاستمعوا بدقة لما يقوله: (اللهم ربَّ
النور العظيم، وربَّ الكرسي الرفيع،
وربَّ البحر المَسْجُور، ومُنَزِّلَ
التوراة والإنجيل والزبور، وربَّ الظلِّ
والحَرُور، ومُنزلَ الفرقان العظيم ،
وربَّ الملائكة المقربين ، والأنبياء
والمرسلين


اللهم إني أسالك بوجهك الكريم ، وبنور
وجهك المنير ، وبملكك القديم ، يا حي يا
قيوم ، أسألك باسمك الذي أشرقت به
السماوات والأرضون ، يا حيَُ قبل كل حي ،
يا حيَاً بعد كل حي ، يا حيَاً لا إله إلا
أنت


اللهم بَلَّغْ مولانا الإمام الهادي
المهدي ، القائم بأمر الله ، صلوات الله
عليه وعلى آبائه الطاهرين ، في مشارق
الأرض ومغاربها ، وسهلها وجبلها ، وبرها
وبحرها، عني وعن والديَّ وعن المؤمنين ،
من الصلوات زنة عرش الله ، وعدد كلماته ،
وما أحاط به علمه ، وأحصاه كتابه) ( المزار
لابن المشهدي ص663) (1)


فتأمل في تسلسل فقرات الدعاء الى هنا


اللهم ربَّ النور العظيم بدأ الدعاء بإسم
الله تعالى ، وهو الأصل من أربعة أسماء هي
أركان من أسماء الله تعالى ، أولها إسم
(الله) ، وهو اسم الذات الإلهية ، الحاكي عن
جميع الأسماء الحسنى والأمثال العليا
وخصوصيات هذا الإسم مهمة ، وللدعاء به
دلالات ليست في غيره ، ولا يقبل التوحيد
إلا به: (لا إله إلا الله)


والثاني:(الرب)وهو الإسم الحاكي عن
ربوبيته التكوينية والتشريعية، وأفعاله
في جميع نشآت الوجود الإمكاني ولمعرفة
عظمة هذا الإسم إقرؤوا مثلاً هذه الآيات
من سورة آل عمران: إِنَّ في خَلْقِ
السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَار لآيَِاتٍ لأُولي
الأَلْبَابِ ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ
اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى
جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى
خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ
رَبَّنَا مَاخَلَقْتَ هَذَابَاطِلاً
سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ
فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا
لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ


رَبَّنأَ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا
يُنَادِى لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا
بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا
فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ
عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ
الأَبْرَارِ


رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا
عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ
الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ
الْمِيعَادَ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ
رَبُّهُمْ أَنِّى لا أُضِيعُ عَمَلَ
عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ
أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ
فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا
مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي
وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ
عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ
وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى
مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا
مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ
حُسْنُ الثَّوَاب ( سورة آل عمران: 190-195 )


فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ الى آخر
الأسرار في اسم (الرب) تبارك وتعالى


بعد هذين الإسمين نصل إلى الإسم الأعظم
للذات المقدسة ، الذي باطنه من خزائن
أسرار الله تعالى ، والذي ورد في ثلاث آيات
من القرآن الكريم:


في مطلع آل عمران: بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ ألم أَللهُ لا
إِلَهَ إِلا هُو َالْحَىُّ الْقَيُّوم ُ
نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ
وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالآنْجِيلَ


وفي مطلع آية الكرسي: اللهُ لا إِلَهَ
إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا
تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا
فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا
بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا
يُحِيطُونَ بِشَئٍْ مِنْ عِلْمِهِ إِلا
بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ
حِفْظُهُمَا وَهُو َالْعَليُّ
الْعَظِيمُ ( سورة البقرة: 255 )


وختامه في سورة طه: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ
لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ
حَمَلَ ظُلْمًا)


يبدأ دعاء العهد بالدعاء بإسم الله تعالى
الجامع لجميع الأسماء الحسنى (اللهم) ، ثم
يدعو بإسم الرب سبحانه (اللهم ربَّ النور
العظيم) ولا يتسع المجال الآن لبيان سلسلة
استعمالات اسم (الرب) ونلاحظ أن الدعاء
انتهى باسمي (يا حيُّ يا قيُّوم) ، فهو يجمع
الأركان الأربعة من أسماء الله تعالى


اللهم ربَّ النور العظيم تأملوا هذه
الكلمة التي بدأ فيها الدعاء ، وفي
ارتباطها بالمدعو له فمن هو النور العظيم
الذي بدأ الدعاء له بسؤال رب النور
العظيم؟


النور العظيم موضوع عظيم ، لايتسع وقتنا
للإفاضة فيه فنكتفي بالإشارة اليه عسى أن
يعفو الله تعالى عن ظلمنا له ، ويفتح لنا
باباً من الحكمة والمعرفة لحجته وخليفة
العصر والزمان صلوات الله عليه هذا النور
العظيم أين يجب أن نبحث عنه؟ هل كما يزعم
مخالفونا أن الشيعة يبحثون عنه في السرداب
!


مساكين هؤلاء ، لم يعرفوا أن هذا السرداب
بيت خليفة الله في أرضه وحجته على عباده ،
وأنه مشبع بنور الله العظيم كقلوب
المؤمنين !


نحن نستذكر في حرم بيت الإمام
المهدي(ع)وسردابه نور الله العظيم ، ونسعى
لأن تتصل قلوبنا بشعاع منه ! ونزوره بقولنا
(السلام عليك يا خليفة الله وخليفة آبائه
المهديين ، السلام عليك يا وصي الأوصياء
الماضين ، السلام عليك يا حافظ أسرار رب
العالمين الى أن نقول: السلام عليك يا ناظر
شجرة طوبى ، وسدرة المنتهى ، السلام عليك
يا نور الله الذي لا يُطْفَى ) (2)


إنه روحي له الفداء ذلك النور الرباني
العظيم الذي لا يطفأ فالذي نبحث عنه صلوات
الله عليه ، تبدأ صفاته بخليفة الله تعالى
حتى تصل الى نور الله الذي لا يطفأ ولا
ينطفئ ! وينتهي سيرنا الى هذا النور الإلهي
في سورة الصف وسورة التوبة ، حيث نجد أصل
ذلك النور العظيم الذي لا يطفى! قال تعالى:
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ
نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ
هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ
بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ( سورة
الصف:8-9 )


وقال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا
نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى
اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ
كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ
الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (
سورة التوبة:32- 33 )


وعندما نرجع الى المفسرين نجد أن الإمام
الصادق ، لسان الله الناطق(ع) فسرها
بالإمام المهدي أرواحنا فداه ، قال(ع): (لم
تخل الأرض منذ كانت من حجة عالم، يحيي فيها
ما يميتون من الحق ثم تلى هذه الآية:
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَاللهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ
نُورِهِ وَلَو ْكَرِهَ الْكَافِرُونَ)
(كمال الدين للصدوق ص221 )


وقال(ع)في قول الله عز وجل: هُوَ الَّذِي
أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ
الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ،
قال: والله ما نزل تأويلها بعد ، ولا ينزل
تأويلها حتى يخرج القائم(ع) فإذا خرج
القائم لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك
بالإمام إلا كره خروجه، حتى أن لو كان
كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت يا
مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله) ! (كمال
الدين ص670)


وقال أمير المؤمنين(ع)في قوله تعالى: هُوَ
الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى
وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى
الدِّينِ كُلِّهِ ، أظَهَرَ بعد ذلك؟
قالوا: نعم ، قال: كلا ، فوالذي نفسي بيده
حتى لا تبقى قرية إلا وينادى فيها بشهادة
أن لا إله إلا الله ، بكرة وعشياً ) انتهى
(مجمع البيان:5/280) (3)


وبهذا يتضح معنى المعرفة بالنورانية ،
وأن الإمام المهدي نور الله الأعظم في
أرضه صلوات الله عليه وعلى آبائه
المعصومين


إن على كل فرد منكم أن يتوجه بفكره وقلبه
الى الإمام المهدي أرواحنا فداه، ويسعى
لأن يتصل قلبه بشعاعه المبارك ، فلو أن
شعاعاً منه مس عقولنا، لأحدث فينا تحولاً
كبيراً


صلوات الله عليك يا مولاي يا صاحب العصر
والزمان أيُّ وجود خصك الله به ، تعجز
عقولنا عن فهمه ، وتعيا ألسنتنا عن وصفه ؟!


لقد جعلك الله نوره ، وعبر عنك بتعبيرين ،
فأضافك مرة الى إسمه الظاهر ومرة الى إسمه
المضمر فقال تعالى: يُرِيدُونَ
لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ
بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ
نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ فمن
الخصائص الذاتية للإضافة أن المضاف يكتسب
معرفته وخصائصه من المضاف إليه ، وكلما
كان المضاف اليه أعلى درجة كان حيث
التعريف في المضاف أعلى !


وفي الإضافتين المظاهرة والمضمرة بحث
عميق ، تكمن فيه معرفة الإمام صاحب
الزمان(ع)فالإضافة الأولى هي الظاهرة
لمرحلة ظهوره:لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ،
والثانية المضمرة لمرحلة غيبته(ع):
وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ، فهو(ع)مظهر إسم
الله الظاهر، ومظهر إسمه الباطن، فهو نور
الله الذي لا يطفى، وفيه جمع الله الغيب
والشهود ، ونحن الآن في عصر غيبته ، حتى
يأذن الله بظهور نوره فيه، فيتكئ على ركن
الكعبة ويخطب، ويبدأ نور الله مرحلة
الظهور المقدسة


هذا هو الإمام المهدي أرواحنا فداه ، الذي
ظلمناه فلم نعرفه ، ولم نؤد معه الأدب
المفروض له


لو أنكم قرأتم هذا الدعاء كل يوم بعد صلاة
الصبح ، وتأملتم في فقراته بدقة ، ثم
راقبتم سلوككم اليومي فجعلتم اهتامكم
بالإمام المهدي(ع)بقدر اهتمام أحدكم بنفسه
لرأيتم ماذا سيحدث لكم من نور في الفكر
والروح !


إن قاعدة: يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ
آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ
وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ
وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ (سورة
ابراهيم: 27)، قاعدة ثابتة ، شاملة لأنواع
الظلم وصغيره وكبيره: وَلَنْ تَجِدَ
لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً فلا بد أولاً
أن نطهر أنفسنا من الظلم لإمام الزمان
أرواحنا فداه ، والخطوة الأولى لذلك أن
نتذكره في مجالسنا ومحافلنا ودروسنا ، وأن
نكون في شهر رمضان في ضيافة الله وضيافته
فاتركوا الحواشي والإضافات من تفكيركم
واهتماماتكم ، واهتموا بالأصل والمتن!وهل
بلاؤنا ومشكلاتنا وسوء حظنا أفراداً
وجماعات ومجتمعاً إلا بسبب انشغالنا
بأنفسنا عن الله تعالى ، وعن وليه وحجته
أرواحنا فداه ؟!


إن الإمام المهدي(ع)هو السبب بين الأرض
والسماء ، والرابط بين الخالق تعالى وخلقه
! وشخصيةٌ كهذه لا يجوز أن يكون منسياً في
مجالسكم وتدريسكم ، فليكن ابتداء مجلس
أحدكم وختامه بذكر المولى الموعود ونور
الله في أرضه صلوات الله عليه ، لعل الله
يفتح لي ولك أبواب رحمته ولطفه


اللهم صل على وليك صاحب الزمان عددَ ما في
علمك صلاةَ دائمة بدوام ملكك وسلطانك
اللهم بحق فاطمةَ وأبيها وبعلها وبنيها
والسرِّ المستودع فيه


اجعلنا من شيعته وأنصاره ، ولا تفرق بيننا
وبينه أبداً في الدنيا والآخرة


والحمد لله رب العالمين


التعليقات


(1) في المزار لابن المشهدي&ص663: (ذكر العهد
المأمور به في زمان الغيبة: روي عن جعفر بن
محمد الصادق(ع)أنه قال: من دعا الى الله
أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار
قائمنا(ع)، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى
من قبره وأعطاه الله بكل كلمة ألف حسنة ،
ومحا عنه ألف سيئة ، وهو:


(اللهم رب النور العظيم ، ورب الكرسي
الرفيع ، ورب البحر المسجور ، ومنزل
التوراة والإنجيل والزبور ، ورب الظل
والحرور، ومنزل الفرقان العظيم، ورب
الملائكة المقربين، والأنبياء والمرسلين


اللهم إني أسالك بوجهك الكريم ، وبنور
وجهك المنير وبملكك القديم ، يا حي يا قيوم
، أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات
والأرضون، يا حي قبل كل حي، يا حياً بعد كل
حي ، يا حياً لا إله إلا أنت


اللهم بلغ مولانا الامام الهادي المهدي ،
القائم بأمر الله ، صلوات الله عليه وعلى
آبائه الطاهرين، في مشارق الأرض
ومغاربها، وسهلها وجبلها، وبرها وبحرها
عني وعن والديَّ وعن المؤمنين من الصلوات،
زنة عرش الله ، وعدد كلماته ، وما أحاط به
علمه ، وأحصاه كتابه


اللهم إني أجدد له في صبيحة هذا اليوم وما
عشت به في أيامي عهداً وعقداً وبيعةً له في
عنقي ، لا أحول عنها ولا أزول


اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه الذابين
عنه، المسارعين في حوائجه، الممتثلين
لأوامره المحامين عنه ، المستشهدين بين
يديه


اللهم وإن كان الموت الذي جعلته علىعبادك
حتماً يحول بيني وبينه فأخرجني من قبري
مؤتزراً كفني ، شاهراً سيفي ، مجرداً
قناتي ، ملبياً دعوة الداعي في الحاضر
والبادي


اللهم أرني طلعته الرشيدة ، وغرته
الحميدة ، وأكحل مرهمي بنظرة مني إليه
وعجل فرجه ، وسهل مخرجه ، وأوسع منهجه ،
واسلك بي محجته ، وأنفذ أمره ، واشدد أزره
، واعمر اللهم به بلادك ، وأحيِ به عبادك ،
فإنك قلت وقولك الحق على لسان نبيك محمد(ص):
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ
وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي
النَّاسِ (سورة الروم: 41) اللهم فأظهر لنا
وليك وابن بنت نبيك، المسمى باسم نبيك ،
حتى لا يظفر بشئ من الباطل إلا دحضه، ويحق
الحق ويحققه


اللهم واجعله مفزعاً للمظلوم من عبادك ،
وناصراً لمن لا يجد ناصراً غيرك ، ومجدداً
لما عطل من أحكام كتابك ، ومشيداً لما ورد
من أعلام دينك وسنن نبيك(ص)واجعله اللهم
ممن حصنته من بأس المعتدين


اللهم وسرَّ نبيك محمداً(ص)الطاهرين
برؤيته، ومن تبعه على دعوته ، وارحم
استكانتنا من بعده


اللهم اكشف هذه الغمة عن الأمة بحضوره ،
وعجل اللهم لنا ظهوره : إِنَّهُمْ
يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً
، برحمتك يا أرحم الراحمين ثم تضرب يديك
ثلاثاً تقول: العجل العجل العجل ، يا صاحب
الزمان ) انتهى


ورواه في مستدرك الوسائل:5/393، ورواه في
البحار:53/95و327، وفي:83/284 ، وفي: 91 /41 ، قال:
(نقل من خط الشيخ محمد بن علي الجبعي،
نقلاً من خط الشيخ علي بن السكون قدس الله
روحهما ، أخبرني شيخنا وسيدنا السيد الأجل
العالم الفقيه جلال الدين أبوالقاسم عبد
الحميد بن فخار بن معد بن فخار العلوي
الحسيني الموسوي الحائري أطال الله بقاءه
قراءة عليه ، وهو يعارضني بأصل سماعه الذي
بخط والده& المنقول من هذا الفرع في شهور
سنة ست وسبعين وستمائة قال: أخبرني والدي
رضي الله عنه قال: أخبرني الأجل العالم تاج
الدين أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن
الدربي أطال الله بقاءه سماعاً من لفظه
وقراءة عليه في شهر ربيع الأول سنة ست
وتسعين وخمسمائة ، قال: أخبرني الشيخ
الفقيه العالم قوام الدين أبو عبد الله
محمد بن عبد الله البحراني الشيباني&،
قراءة عليه سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة ،
قال: قرأت على الشيخ أبي محمد الحسن بن علي
قال: قرأت هذا العهد على الشيخ علي بن
إسماعيل قال: قرأت على الشيخ أبي زكريا
يحيى بن كثير ، قال: قرأت على السيد الأجل
محمد بن علي القرشي قال: حدثني أحمد بن
سعيد بقراءته على الشيخ علي بن الحكم قال:
قرأت على الربيع بن محمد المسلي قال: قرأت
على أبي عبد الله بن سليمان قال: سمعت
سيدنا الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع)يقول:
من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد
كان من أنصار قائمنا ، وإن مات أخرجه الله
إليه من قبره ، وأعطاه الله بكل كلمة ألف
حسنة ومحا عنه ألف سيئة ، وهذا هو العهدإلى
آخر الدعاء، وليس فيه: ثم تضرب بيدك الخ ثم
نقله في البحار:99/110 ، عن مزار ابن المشهدي
وله مصادر أخرى ذكرناه في معجم أحاديث
الإمام المهدي(ع):4/118


أقول: ورد هذا الدعاء بصيغ أخرى ليس فيها
هذا الدعاء للإمام المهدي(ع)، ففي مصباح
المتهجد للشيخ الطوسي&ص227: (ومما خرج عن
صاحب الزمان(ع)زيادة في هذا الدعاء ، إلى
محمد بن الصلت القمي: اللهم رب النور
العظيم ، ورب الكرسي الرفيع ، ورب البحر
المسجور ومنزل التورية والإنجيل ، ورب
الظل والحرور ، ومنزل الزبور والقرآن
العظيم ، ورب الملائكة المقربين
والأنبياء المرسلين ، أنت إله من في
السماء وإله من في الأرض، لا إله فيهما
غيرك، وأنت جبار من في السماء وجبار من في
الأرض، لا جبار فيهما غيرك ، وأنت خالق من
في السماء وخالق من في الأرض، لا خالق
فيهما غيرك، وأنت حكم من في السماء وحكم من
في الأرض، لا حاكم فيهما غيرك


اللهم إني أسألك بوجهك الكريم ، وبنور
وجهك المشرق ، وملكك القديم، يا حي يا
قيوم، أسألك باسمك الذي أشرقت به السموات
والأرضون ، وباسمك الذي يصلح عليه الأولون
والآخرون ، يا حياً قبل كل حي ، ويا حياً
بعد كل حي، ويا حياً حين لا حي ، يا محيي
الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت يا حي يا
قيوم


أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ،
وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب ،
رزقاً واسعاً حلالاً طيباً ، وأن تفرج عني
كل غم وهم ، وأن تعطيني ما أرجوه وآمله ،
إنك على كل شئ قدير ) انتهى


ورواه السيد ابن طاووس&في إقبال
الأعمال:1/239، قال: ( ومن الدعاء المختص
بالإفطار في شهر الصيام وما رويناه
بإسنادنا إلى المفضل بن عمر& قال: قال
الصادق (ع): إن رسول الله(ص)قال لأمير
المؤمنين(ع): يا أبا الحسن هذا شهر رمضان قد
أقبل فاجعل دعاءك قبل فطورك فإن
جبرئيل(ع)جاءني فقال يا محمد من دعا بهذا
الدعاء في شهر رمضان قبل أن يفطر ، استجاب
الله تعالى دعاءه وقبل صومه وصلاته ،
واستجاب له عشر دعوات، وغفر له ذنبه وفرج
همه ونفَّس كربته ، وقضى حوائجه ، وأنجح
طلبته ، ورفع عمله مع أعمال النبيين
والصديقين ، وجاء يوم القيامة ووجهه أضوأ
من القمر ليلة البدر، فقلت: ماهو يا
جبرئيل؟ فقال: قل: اللهم رب النور العظيم،
ورب الكرسي الرفيع، ورب البحر المسجور ،
ورب الشفع الكبير ، والنور العزيز ، ورب
التوراة والإنجيل والزبور والفرقان
العظيم أنت إله من في السموات وإله من في
الأرض لا إله فيهما غيرك ، وأنت جبار من في
السموات وجبار من في الأرض لا جبار فيهما
غيرك، أنت ملك من في السموات، وملك من في
الأرض ، لا ملك فيهما غيرك ، أسألك باسمك
الكبير ، ونور وجهك المنير، وبملكك القديم
يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم ،
أسألك باسمك الذي أشرق به كل شئ ، وباسمك
الذي أشرقت به السموات والأرض ، وباسمك
الذي صلح به الأولون ، وبه يصلح الآخرون يا
حياً قبل كل حي ، ويا حياً بعد كل حي ، ويا
حي لا إله إلا أنت، صل على محمد وآل محمد ،
واغفر لي ذنوبي ، واجعل لي من أمري يسراً
وفرجاً قريباً ، وثبتني على دين محمد وآل
محمد وعلى هدى محمد وآل محمد، وعلى
سنةمحمد وآل محمد، وعليه وعليهم السلام
واجعل عملي في المرفوع المتقبل ، وهب لي
كما وهبت لأوليائك وأهل طاعتك ، فإني مؤمن
بك ومتوكل عليك منيب إليك ، مع مصيري إليك
، وتجمع لي ولأهلي ولولدي الخير كله ،
وتصرف عني وعن ولدي وأهلي الشر كله أنت
الحنان المنان بديع السموات والأرض، تعطي
الخير من تشاء، وتصرفه عمن تشاء ، فامنن
عليَّ برحمتك يا أرحم الراحمين


وهو كما رأيت ليس فيه دعاء للإمام
المهدي(ع)، وقد رواه في الإقبال أيضاً :2/217
، بتفاوت وكذا في جمال الأسبوع ص87 ، ورواه
غيرهما أيضاً لكن يبدو أن أصل الدعاء عن
الإمام الصادق(ع)، ثم روي بدون الدعاء
للإمام المهدي(ع)وروي معه


أما وصفه(ع)بالنور الأعظم ، فلأنه خاتم
أنوار النبي وآله الطاهرين(ص)


(2) في المزار للشهيد الأول&ص203: (زيارة
سيدناومولاناحجة الله الخلف الصالح أبي
القاسم محمد المهدي صاحب الزمان صلوات
الله عليه وعلى آبائه ، بسر من رأى:


فإذا وصلت إلى حرمه بسر من رأى فاغتسل
والبس أطهر شيابك ، وقف على باب حرمه(ع)قبل
أن تنزل السرداب وزر بهذه الزيارة فقل:
السلام عليك ياخليفة الله وخليفة آبائه
المهديين السلام عليك يا وصي الأصياء
الماضين السلام عليك يا بقية الله من
الصفوة المنتجبين السلام عليك يا حافظ
أسرار رب العالمين السلام عليك يا ابن
الأوار الظاهرة السلام عليك يا ابن
الأعلام الباهرة السلام عليك يا ابن
العترة الطاهرة السلام عليك يا معدن
العلوم النبوية السلام عليك يا باب الله
الذي لا يؤتي إلا منه السلام عليك يا سبيل
الله الذي من سلك غيره هلك السلام عليك يا
ناظر شجرة طوبى وسدرة المنتهى السلام عليك
يا نور الله الذي لا يطفى السلام عليك يا
حجة الله التي لا تخفى السلام عليك يا حجة
الله على من في الأرض والسما السلام عليك
سلام من عرفك بما عرفك به الله ، ونعتك
ببعض نعوتك التي أنت أهلها وفوقه


أشهد أنك الحجة على من مضى ومن بقي ، وأن
حزبك هم الغالبون وأولياءك هم الفائزون ،
وأعداءك هم الخاسرون ، وأنك خازن كل علم ،
وفاتق كل رتق ، ومحقق كل حق ، ومبطل كل باطل
رضيتك يامولاي إماماً وهادياً وولياً
ومرشداً ، لا أبتغي بك بدلاً ولا أتخذ من
دونك ولياً


أشهد أنك الحق الثابت الذي لا عيب فيه ،
وأن وعد الله فيك حق ، لا أرتابُ لطول
الغيبة وبعد الأمد ، ولا أتحيرُ مع من جهلك
وجهل بك منتظرٌ متوقعٌ لأيامك ، وأنت
الشافع الذي لا تنازع ، والولي الذي لا
تدافع ذخرك الله لنصرة الدين وإعزاز
المؤمنين ، والإنتقام من الجاحدين
المارقين


أشهد أنه بولايتك تقبل الأعمال وتزكى
الأفعال ، وتضاعف الحسنات وتمحى السيئات
فمن جاء بولايتك واعترف بإمامتك قبلت
أعماله وصدقت أقواله وتضاعفت حسناته
ومحيت سيئاته ، ومن عدك عن ولايتك وجهل
معرفتك واستبدل بك غيرك أكبه الله على
منخره في النار ، ولم يتقبل الله منه عملاً
، ولم يقم له يوم القيمة وزن


أُشهد الله وأشهدك يا مولاي بهذا ، ظاهره
كباطنه وسره كعلانيته ، وأنت الشاهد على
ذلك ، وهو عهدي اليك وميثاقي لدبك ، إذ أنت
نظام الدين ويعسوب المتقين وعز الموحدين ،
وبذلك أمرني رب العالمين ، لو تطاولت
الدهور وتمادت الأعمار لم أزدد فيك إلا
يقيناً ولك إلا حباً ، وعليك إلا متكلا
ومعتمداً ، ولظهورك إلا متوقعاً ،
ومنتظراً لجهادي بين يديك ، ومترقباً
فأبذل نفسي ومالي وولدي وأهلي وجميع
ماخولني ربي بين يديك ، وأتصرف بين أمرك
ونهيك


مولاي فإن أدركت أيامك الزاهرة وأعلامك
الباهرة ، فها أنذا عبدك ، متصرف بين أمرك
ونهيك ، أرجو به الشهادة بين يديك ، والفوز
لديك


مولاي فإن أدركني الموت قبل ظهورك ، فإني
أتوسل بك وبآبائك الطاهرين إلى الله
تعالى، وأساله أن يصلي على محمد وآل محمد،
وأن يجعل لي كرَّةً في ظهورك، ورجعة في
أيامك ، لأبلغ من طاعتك مرادي ، وأشفي من
أعدائك فؤادي


مولاي وقفت في زيارتك موقف الخاطئين
النادمين الخائفين من عقاب رب العالمين
وقد اتكلت على شفاعتك ، ورجوت بموالاتك
وشفاعتك محو ذنوبي ، وستر عيوبي ومغفرة
زللي ، فكن لوليك يا مولاي عند تحقيق أمله
، واسأل الله غفران زلـله، فقد تعلق بحبلك
وتمسك بولايتك ، وتبرأ من أعدائك


اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأنجز لوليك
ما وعدته


اللهم أظهر كلمته وأعلِ دعوته ، وانصره
على عدوه وعدوك يا رب العالمين


اللهم صل على محمد وآل محمد وأظهر كلمتك
التامة ، ومغيبك في أرضك الخائف المترقب


اللهم انصره نصراً عزيزاً وافتح له فتحاً
قريباً يسيراً اللهم وأعزَّ به الدين بعد
الخمول وأطلِعْ به الحق بعد الأفول،
واجْلُ به الظلمة، واكشف به الغمة اللهم
وآمن به البلاد واهد به العباد اللهم املأ
به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً
وجوراً ، إنك سميع مجيب


السلام عليك يا ولي الله ، إئذن لوليك في
الدخول إلى حرمك ، صلوات الله عليك وعلى
آبائك الطاهرين ، ورحمة الله وبركاته


فإذا نزلت السرداب فقل: السلام على الحق
الجديد ، والعالم الذي علمه لا يبيد ،
السلام على محيي المؤمنين ، ومبير
الكافرين


السلام على مهدي الأمم ، وجامع الكلم
السلام على خلف السلف ، وصاحب الشرف
السلام على حجة المعبود ، وكلمة المحمود
السلام على معز الأولياء ، ومذل الأعداء
السلام على وارث الأنبياء وخاتم الأوصياء
السلام على الإمام المنتظر والغائب
المشتهر السلام على السيف الشاهر والقمر
الزاهر والنور الباهر السلام على شمس
الظلام وبدر التمام السلام على ربيع
الأيتام وفطرة الأنام السلام على صاحب
الصمصام وفلاق الهام السلام على صاحب
الدين المأثور والكتاب المسطور والسلام
على بقية الله في بلاده ، وحجته على عباده
، والمنتهى إليه مواريث الأنبياء ، ولديه
موجود آثار الأصفياء السلام على المؤتمن
على السر، والولي للأمر ، والسلام على
المهدي الذي وعد الله تعالى به الأمم أن
يجمع به الكلم ويلم به الشعث ويملأ به
الأرض قسطاً وعدلاً ، ويمكن له وينجز به
وعد المؤمنين


أشهد أنك والأئمة من آبائك أئمتي
ومواليَّ في الحياة الدنيا ويوم يقوم
الأشهاد أسألك يا مولاي أن تسأل الله
تبارك وتعالى في صلاح شأني ، وقضاء حوائجي
وغفران ذنوبي ، والأخذ بيدي في ديني
ودنياي وآخرتي ، لي ولكافة إخواني
المؤمنين والمؤمنات ، إ نه غفور رحيم )


وفي البحار:99/116: ( وقال الشيخ المفيد
والشهيد ومؤلف المزار الكبير رحمهم الله
في وصف زيارته(ع): فإذا فرغت من زيارة جده
وأبيه فقف على باب حرمه فقل: السلام عليك
يا خليفة الله وخليفة آبائه المهديين ،
السلام عليك يا وصي الأوصياء الماضين ،
السلام عليك يا حافظ أسرار رب العالمين ،
السلام عليك يا بقية الله من الصفوة
المنتجبين ، السلام عليك يا ابن الانوار
الزاهرة ، السلام عليك يا ابن الاعلام
الباهرة ، السلام عليك يا ابن العترة
الطاهرة ، السلام عليك يا معدن العلوم
النبوية ، السلام عليك يا باب الله الذي لا
يؤتى إلا منه ، السلام عليك يا سبيل الله من
سلك غيره هلك ، السلام عليك يا ناظر شجرة
طوبى ، وسدرة المنتهى ، السلام عليك يا نور
الله الذي لا يطفى ، السلام عليك يا حجة
الله التي لا تخفى ، السلام عليك يا حجة
الله على من في الأرض والسماء )


(3) في كمال الدين للصدوق&ص221، عن عمار بن
موسى الساباطي ، عن الإمام الصادق(ع): قال:
سمعته وهو يقول: لم تخل الأرض منذ كانت من
حجة عالم ، يحيي فيها ما يميتون من الحق ،
ثم تلى هذه الآية: يريدون ليطفئوا نور الله
بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون
)


وفي كمال الدين ص670، عن أبي بصير قال: قال
أبو عبد الله ( الإمام الصادق(ع)) في قول
الله عز وجل: هو الذي أرسل رسوله بالهدى
ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون) قال: والله ما نزل تأويلها بعد ،
ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم(ع) فإذا
خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم ولا
مشرك بالإمام إلا كره خروجه ، حتى أن لو
كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت يا
مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله ) !


وفي مجمع البيان:5/280: روى العياشي
بالإسناد عن عمران بن ميثم ، عن عباية أنه
سمع أمير المؤمنين(ع)يقول: هو الذي أرسل
رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين
كله أظهر بعد ذلك ؟ قالوا: نعم ، قال: كلا
فوالذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا
وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله ،
بكرة وعشياً ) انتهى ولم نجده في نسخة
العياشي الموجودة


وفي تأويل الآيات:2/689: ما رواه أيضاً (محمد
بن العباس) عن أحمد بن إدريس ، عن عبد الله
بن محمد ، عن صفوان بن يحيى ، عن يعقوب بن
شعيب ، عن عمران بن ميثم، عن عباية بن ربعي
، أنه سمع أمير المؤمنين(ع)يقول:- كما في
مجمع البيان ، لكن فيه: وأن محمداً رسول
الله ورواه في تفسير الصافي :2/338 ، وفي حلية
الأبرار:2/649 وفي تفسير البرهان:4/329 ، وفي
المحجة: ص86 ، وفي البحار:51/60 ، جميعاً كما
في تأويل الآيات


وفي الكافي:1/432 ، عن محمد بن الفضيل ، عن
الإمام الكاظم(ع): سألته عن قول الله عز
وجل: يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم؟
قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير
المؤمنين(ع) بأفواههم قلت: والله متم نوره؟
قال: والله متم الإمامة، لقوله عز وجل:
الذين آمنوا بالله ورسوله ولنور الذي
أنزلنا ، فالنور هو الإمام قلت: هو الذي
أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ؟ قال: هو
الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه والولاية
هي دين الحق قلت: ليظهره على على الدين كله
؟ قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام
القائم ، قال: يقول الله: والله متم نوره ،
ولاية القائم ولو كره الكافرون ، بولاية
علي(ع)) ورواه ابن شهر آشوب في المناقب:3/82،
كما في الكافي مختصراً والبياضي في الصراط
المستقيم:2/74، كما في الكافي وغيرهم


(34)كيف يستحق الإمام مقام الإمامة ؟


( بتاريخ: 13 شعبان 1411 ـ 28/2/1991 ـ 9/12/1369 )


لابد لنا أن نستطرد البحث الى أصول الدين
، لنجبر ما فاتنا من التفسير فالواجب
علينا أن نبني أصول ديننا بناء علمياً
عميقاً ، ولا نرضى أن تكون ناقصة !


إن فقرة الدعاء هذه: اللهم عرفني حجتك،
فإنك إن لم تعرفني حجتك، ضللت عن ديني(1)
كلمة مملوءة بالخطورة ! فمسألة معرفة
الحجة لله على خلقه مهمة جداً ، وليست هي
كمعرفة العبادات أو المعاملات ، أو معرفة
الصحيح والأعم ، والبراءة والإشتغال !
ليست من هذه البحوث التي ندخل فيها بكل
قوتنا ! بل ترانا ندخل في بحوث العقائد
والإمامة ونحن نرتعش خوفاً ، لأنا لسنا من
فرسانها المسلحين ، لكن لابد من الكلام


اللهم عرفني حجتك إن المعرفة الكاملة
لحجة الله تعالى فوق مستوانا ! وهي مسألة
لم تستوف بحثاً ، وإن كان أعيان علمائنا
رضوان الله عليهم وجزاهم الله خيراً قد
بذلوا جهوداً كبيرة ولم يقصروا لكن السر
في عظمة المطلب وليس في تقصير الباحثين في
مسائل الإمامة!إن عظمة مطالب الإمامة وعلو
مقامها توجب أن لا نتوصل الى أعماقها
بسهولة


ومما يجب التنبيه عليه أن الشرط الأساسي
لمعرفة أصول الدين أن يكون مصدرنا فيها
القرآن والسنة فقط ، فمن القرآن نأخذ
أصولها ومن الروايات فروعها وتفصيلها ،
وما سبب الإنحرافات إلا أنا رجعنا في بحوث
العقائد إلى غير القرآن والأحاديث


والإمامة أهم من جميع مسائل البناء
العقيدي على الإطلاق ، لأنها المقدمة
الموصلة الى الله تعالى! وهذا واضح لكم
لأنكم أهل فضل والحمدلله، تعرفون بماذا
عُرف الله، وبماذا عُبد الله تعالى ،
وتعرفون معنى: لولانا ما عُرف الله،
ولولانا ما عُبد الله ، (2) وتعرفون أن
الإرتباط العلمي والعملي بين العبد وربه
يتوقف على توسط الإمامة الكبرى ، فلا
معرفة إلا عن طريقها ، ولا عبادة إلا عن
طريقها فما هي الإمامة ؟


نستعرض آية من القرآن هي أصل المطلب ،
ونذكر معناها بالإجمال ، وهي قوله تعالى:
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً
يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا
وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ
(السجدة:24) ، وفيها أربعة مباحث ، أرجو أن
تتأملوا فيها:


المبحث الأول: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ
فالإمامة أمر مجعول من الله تعالى، لا من
السقيفة‍! والقرآن يعطي هدايته لجميع
الناس بالعبارة وبالإشارة ، والعلماء
والواعون يفهمون هدايته ، ولا ذنب للقرآن
إذا لم يهتد به غلاظ القلوب والأذهان !
وعندما ندرس أصحاب المستويات العالية من
العلماء نجد أنهم بعد أن يستكملوا مراحلهم
العلمية يعودون الى مطالعة القرآن!
ومطالعة القرآن غير هذه القراءة العادية
المعروفة


وهذه الآية في مطلق الإمامة وليست في
الإمامة المطلقة ، لأنها في إمامة عدد من
أئمة بني إسرائيل ، ومع ذلك لا يصح فيهم
جعل البشر ، بل لا بد فيهم من جعل الله
تعالى وإذا كان هذا حال مطلق الإمامة،
فكيف بالإمامة المطلقة بعد خاتم الأنبياء
والرسل(ص)؟!


إن إمامة أئمتنا المعصومين(ع)وإمامة صاحب
العصر والزمان أرواحنا فداه إمامة مطلقة ،
وليست مطلق إمامة ، والفرق بينهما كبير


المبحث الثاني: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ
أَئِمَّةً ومن هنا للتبعيض ، فالذين
يصلحون لهذا المنصب الإلهي هم بعض
المؤمنين مع الرسل ، وليسوا كلهم


والمبحث الثالث: في بيان أصل الإمامة


والمبحث الرابع: في بيان فرع الإمامة فما
هو أصل الإمامة ، وما هو فرعها ؟


أما أصل الإمامة فهو: لَمَّا صَبَرُوا
وأما فرعها فهو: يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا
وهذا هو إعجاز القرآن! فإعجاز الفصاحة
والبلاغة فيه إعجاز لفظي ، ولكن إعجازه
لكبار المفكرين من العلماء أنه في آية
واحدة بل في جزء من آية ، يقدم العجائب !
وهو هنا يوجب على الباحث أن يفهم معنى
الصبر أولاً ، ثم يفهم معنى الهداية ، ثم
يفهم معنى الأمر في الآية ، ثم يفهم معنى
الهداية بالأمر !


أما الصبر فهو في اللغة حبس النفس ، وهو
مقولة نسبية متفاوتة المراتب ، أو مشككة
بالتعبير المنطقي ، وهو الجذر والطريق
لوصول الإنسان الى مستويات عالية من
الكمال الإنساني ، فبالصبر وصل كبار
الأنبياء والأئمة(ع)الى أن تكون عوالم
الكون في قبضة يدهم !


لو كنا نفهم هذا الطريق، لو أن أحداً
ربَّانا عليه لما كنا اليوم في مستوانا
هذا!


يبدأ الصبر بقلة الكلام ، فانظروا في
روايات الحث على قلة الكلام والنهي عن
كثرته ! وتعلموا أن تحفظوا أنفسكم بالصبر
عن الكلام ، لتروا أثره !


إن كبار المفكرين والعلماء والمرتاضين في
جهاد النفس ، إنما بلغوا ما بلغوا بتحقيق
شروط في سلوكهم ، من أولها الصمت والسكوت
وقلة الكلام !


فالصبر يبدأ بحفظ العين واللسان ، أي
بالصبر عن النظر والكلام ، وفي ذلك سر ،
وهو أن النقطة التي يبدأ منها فضول النفس
هو النظر واللسان!


ثم يتواصل الصبر، الى أن يصل الى الصبر
على كل الأمور: الصبر على المشتهيات ،
والصبر على المنازعات والمجادلات ،
والصبر على المؤلمات والمصائب الخ فإذا تم
ذلك فقد تمت ألف باء الصبر ، حتى يصل إلى
درجة الصبر عن جميع الدنيا ، ويتحقق
لصاحبه حبس النفس عن كل عالم المادة ،
ويخرج روحه من كل متعلقاتها


وإذا تم له ذلك ، وحبس نفسه عن كل عالم
المادة ، وما فيه من مال ومقام ولذائذ ،
فلم يصل الى درجة الإنسان الكامل أيضاً !
لأن قوله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا
صَبَرُوا ، يعني أنهم صبروا عن الدنيا وعن
البرزخ أيضاً! والبرزخ هنا هو الصور
الخيالية ، والصبر عليها يعني محوها من
عالم النفس والروح


فإذا تم له محو عالم الدنيا وعالم البرزخ
، يصل الى المرحلة الثالثة وهي الصبر عن
شؤون عالم الآخرة


فإذا استطاع أن يصبر على الآخرة بكل ما
فيها من نعميم ، يكون بذلك محا الدنيا
والبرزخ والآخرة من روحه ، وحينئذ يمكنه
أن يفرغ نفسه وروحه لله تعالى دون أن يكون
له فيه شريك ، ويصل الى درجة العبد المطلق


إن الله تعالى لا يقبل الشريك ، ولا يصح أن
تكون الدنيا ولا الآخرة شريكاً له في نفس
العبد المطلق وما لم يمح الإنسان من نفسه
وروحه كل الدنيا والبرزخ والآخرة ،
فلايستطيع أن يجمع نفسه ويقدمها لله تعالى
! وكما قال النبي(ص): إن الشرك أخفى من دبيب
النمل على صفاة سوداء في ليلة ظلماء (وسائل
الشيعة- آل البيت:16/254) (3) وهذا الكلام لم
يقله النبي(ص)لي ولك ، بل قاله لأعيان
الإنسانية الذين وصلوا الى هذه المراحل !


وعندما يصل الإنسان الى درجة العبد
المطلق يكون كما نقرأ في زيارة الجامعة:
وذلَّ كلُّ شئ لكم ، وأشرقتِ الأرضُ
بنوركم (العيون:1/304 ) !


كل شئ كل ما يصدق عليه أنه شئ في تلك
الحضرة ذليل ! وجيرئيل شئ وميكائيل شئ،
والكرسي واللوح والقلم، أشياء وكلها
ذليلة أمام الإمام الحجة بن الحسن صلوات
الله عليه !


وذل كل شئ لكم لماذا ؟ لأنه صار عبداً
مطلقاً، وقد قال النبي(ص) لعلي(ع): يا علي،
من خاف الله عز وجل خاف منه كل شئ ، ومن لم
يخف الله عز وجل أخافه الله من كل شئ ( من
لايحضره الفقيه:4/357) (4)


وهذه العبودية هي التي قالوا عنها
(العبودية جوهرة كنهها الربوبية) أي
ربوبية للأشياء بالله تعالى


أرأيتم النتيجة التي ينتهي إليها الصبر ،
وكيف يصل الإنسان الذي صبر نفسه في جنب
الله تعالى الى مقام العبد المطلق ،
ويستحق الإمامة المطلقة؟ فماذا نستطيع أن
نقول في مقام الإمام صاحب الزمان(ع)؟أليس
الأفضل أن نصمت ونكتفي بذكر اسمه الشريف
فقط ؟!


لإمام العصر وولي الأمر صلوات الله عليه
مئةٌ وثمانون صفةً أو لقباً ، ونيفاً ،


منها تعرف شخصيته ويعرف مقامه


فمن صفاته المئة والثمانين أنه: خليفة
الله


ومن صفاته المئة والثمانين أنه: حجة الله


ومنها أنه: ربانيُّ آيات الله


ومنها أنه: دليل إرادة الله


ومنها أنه: مدار الدهر


ومنها أنه: نور الله المطلق


ومنها أنه:صاحب السماء


ومنها أنه: ضياء الله المشرق


ومنها أنه: الكلمة التامة


ومنها أنه: الرحمة التي وسعت كل شئ ، نعم ،
الرحمة التي وسعت كل شئ !


فهل باستطاعتنا أن نفسر صفة واحدة من هذه
المئة والثمانين ؟ أم أنها جميعاً فوق
تفسيرنا ؟!


سيدي ، لقد عشنا عمرنا على مائدتك ،
وباسمك قدمنا أنفسنا الى الناس ، لكنا
عندما نراجع حسابنا ، نجد أننا ما عرفناك
ولا عرفنا قدرك ، ولا أدينا تجاهك واجب
الإحترام! بل إني أتساءل: كيف سيحاسبنا
الله تعالى لأنا أنقصنا من حقك ونزلنا
مقامك الى مستوياتنا ؟!


يا من هو الواسطة في فيض نعم الله على خلقه
، يا من جعله الله الذي منه الوجود فاعل ما
به الوجود وحاشاك أن نشركك معه في ذرة من
ملكه ، فقد تعلمنا منكم التوحيد والتنزيه
والتحميد ، فنحن نشهد ألا إله إلا الله
وحده لا شريك: أَلا لَهُ الْخَلْقُ
وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ
الْعَالَمِينَ ( سورة لأعراف:54) ونشهد أنك
تقول كجدك المصطفى: لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي
نَفْعاً وَلاضَرّاً إِلامَا شَاءَ اللهُ (
سورة الأعراف: 188) لكنا نعتقد أن ما استثناه
تعالى بقوله إِلاَّمَا شَاءَ اللهُ، هو
الكثير الكثير ، فقد جعلكم واسطة فيضه
وعطائه لخلقه ، فحيثما كان عطاء إلهي فأنت
موجود ، وحيثما كان فعل إلهي فأنت وسيلته
فالنَّفَسُ الذي نتنفسه من الله تعالى
بكم، والنظر الذي ننظر به من الله تعالى
بكم ، والخطوة التي نخطوها من الله بكم!


نحن نعتقد أنك لا تملك من نفسك شيئاً ،
لكنك تملك بالله عظيم ما ملكك! فأنتم أهل
البيت، وأنت يا إمام العصر: رحمة الله
الواسعة التي وسعت كل شئ! وخير لنا أن نصمت
عن مديحكم ونتركه لمن هو أكفأ منا ، فإنما
أردنا هذا اليوم أن نفهم أننا مقصرون
جاهلون عاجزون ، وأن نطلب العذر لتقصيرن


نحن بهذا الحديث عنك نعرض أنفسنا أمامك ،
لعلك تتفضل علينا بنظرة


أخبرني أحد الأشخاص الكبار الذين أثق بهم
، أنه سمع أنه توجد رياضة خاصة من يفعلها
يستطيع أن يرى واقعة كربلاء كما هي في
يومها ! وهذا أمر يتفق مع الكشوف العلمية
التي تؤكد أن الأحداث والوقائع في الأرض
محفوظة في عالم أثيري خاص، وأنه يمكن
للروح أن تتصل بها وتراها !


قال: لكنه لم يمكنه مشاهدة جميع وقائع
عاشوراء ، فهناك مقطع نحو ثلاث ساعات غير
قابل للمشاهدة لأحد، من حين هوى الإمام
الحسين(ع)من على ظهرجواده الى أن جمع
النبي(ص)دمه فصعد به وجعله على أسطوانة
العرش، فهو يهتز الى يوم القيامة! هذا
المقطع غير قابل للرؤية!


هذا هو الصبر الذي نتجت عنه الإمامة
الكبرى ، وهو نفسه صبر صاحب الزمان
أرواحنا فداه ، الذي يرى هذا المشهد كل يوم
صباحاً ومساء !


إن حياته(ع)كلها امتحان، وقد ورد أنه يوجد
عنده في البيت الذي يسكن فيه قميص جده
الحسين(ع)معلقٌ فوق رأسه وهو يراه ، فإذا
حان وقت ظهوره يراه قد صار دماً عبيطاً ! (5)


إن صبره لايشبه صبر أحد من الناس، بسبب
سعة علمه ورقة قلبه وشفافية مشاعره(ع)! فهو
يرى كل مظالم العالم وجناياته ، وهو يرى
مظالم جده النبي (ص)وأجداده
الطاهرين(ع)أمام عينيه،ولاشك أنه يتجول في
زيارة مشاهدهم المشرفة ، من بيت الله في
مكة ، الى قبر جده المصطفى وأجداده
المعصومين في المدينة المنورة ، الى قبر
جده أمير المؤمنين(ع)في النجف، الى قبر جده
الحسين في كربلاء ، الى بقية مشاهد
المعصومين(ع)، وتتجسد أمام عينيه مظالمهم
ومصائبهم !


وهو في ذلك يعيش حياته بقلب حي وإحساس
نابض، يعيش بقداسة روح جده أمير
المؤمنين(ع)الذي لا يتحمل أن يسلب نملة جلب
شعيرة ، حتى لو أعطي مقابلها الأقانيم
السبعة بما تحت أفلاكها! والذي عنده الموت
أهون من أن يرى امرأة مسلمة أو ذمية تسلب
حليها، ولا يستطيع أن يدافع عنها! (6)


فأي صبر هو صبر الإمام المهدي أرواحنا
فداه ؟!


وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً
يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا
هذا هو الصبر المطلق الذي يوصل الى
الإمامة المطلقة! فما هوالفرق بين مطلق
الإمامة ، والإمامة المطلقة؟


إن الإمامة مقولة لها شروط ترتفع درجتها
بها حتى تصل طبقاً لنظام العلة والمعلول
الى الإمامة المطلقة ، وتكون النسبة بينها
وبين مطلق الإمامة كنسبة مطلق الوجود الى
الوجود المطلق ، ومطلق العلم الى العلم
المطلق ، ومطلق القدرة الى القدرة المطلقة
!


فإذا التفتم إلى هذه الفروق عرفتم معنى
الرحمة المطلقة التي وصف بها الأئمة(ع)في
الزيارات والأدعية، فالرحمة المطلقة هي
التي وسعت كل شئ ، ومطلق الرحمة لا تسع كل
شئ


وينبغي هنا أن نعرف أن الآية في الأئمة
المختارين من بني إسرائيل ، وهؤلاء ليسوا
كأئمتنا(ع)أهل الصبر المطلق والإمامة
المطلقة


فالإمام المهدي صاحب الزمان أرواحنا
فداه، صاحب الإمامة المطلقة وليس مطلق
إمام ، وهذا يعني أنه صاحب العلم المطلق
بتعليم الله تعالى ، والقدرة المطلقة
بإقدار الله تعالى ، والرحمة المطلقة
بعطاء الله تعالى


فهو كلمة الله التامة ورحمته الواسعة
صلوات الله عليه


توجد رواية عن الإمام الرضا(ع)يصف فيها
الإمام المهدي(ع)ينبغي أن نقرأها ، فهي من
الغرر التي خص بها الحسن بن محبوب الزراد ،
الذي هو من كبار علماء الطائفة ، من أصحاب
الإجماع الذين أجمعت الطائفة على تصحيح ما
يصح عنهم (7) ، والأئمة(ع)لا يقولون كل
المطالب لكل أحد ، بل يدخرون بعضها لأهلها
قال الحسن بن محبوب&قال لي: ( لابد من فتنة
صماء صيلم ، تسقط فيها كل بطانة ووليجة ،
وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي ،
يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض ، وكل
حرَّى وحران ، وكل حزين لهفان ثم قال: بأبي
وأمي سميُّ جدي، شبيهي وشبيه موسى بن
عمران ، عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء
القدس! كم من حرى مؤمنة ، وكم مؤمن متأسف
حيران حزين عند فقدان الماء المعين!كأني
بهم آيس ما كانوا قد نودوا نداء يسمع من
بعد كما يسمع من قرب، يكون رحمةً على
المؤمنين وعذاباً على الكافرين)(العيون:1/9)
(8)


إن كلام الإمام لا مبالغة فيه فهو عين
الواقع ، وأوصافه لهذه الفتنة حقيقية


بأبي وأمي سميُّ جدي ، شبيهي وشبيه موسى
بن عمران ، عليه جيوب النور تتوقد بشعاع
ضياء القدس ! فالإمام الرضا(ع)الذي هو شرط
قبول الله تعالى لكلمة التوحيد من عباده،
يقول هذا الكلام للحسن بن محبوب الفقيه
الجليل! وفي هذا فليفكر العقل الكامل ،
وليصل إن استطاع الى أعماقه !


أي جيوب تتوقد على الإمام؟ والجيوب هي
طيات قبائه وعباءته وثيابه ، فهي لشدة
نوره تتوقد ، لا من النور العادي ، بل من
شعاع ضياء القدس !


فإلى أي مرتبة وصل الإمام في اتصاله بنور
الأنوار سبحانه ، حتى صارت روحه وبدنه
وثيابه تتوقد بشعاع ضياء القدس؟!


إنه نور الله في أرضه الذي قال عنه تعالى:
مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا
مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ
الزُّجَاجَةُكَأَنَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ
مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ
وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ
الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ
شئ عَلِيمٌ ( سورة النور:35)


إنه مدار الدهر وناموس العصر صلوات الله
عليه


وطريق الوصول إليه بأمرين: أولهما ،
التقوى ، فإن كتاب الله تعالى(هدىً
للمتقين) والإمام كتاب الله الناطق ، هدىً
للمتقين أيضاً والتقوى من إنسان بحسبه ،
ومنكم بحسبكم


وثانيهما ، التمسك بأهل بيت العصمة
والطهارة، وأن تجعلوا إمام الزمان(ع) أمام
نظركم ، لتكونوا مشمولين لنظره ولطفه فإن
أردتم أن تكونوا موضع لطفه ، وأن توصلوا
الناس به ، فلا بد أن تحققوا هذين الشرطين


وأوصيكم بأمرين يقربانكم من الله تعالى
وحجته صلوات الله عليه:


الأول، أن لا تنسوا ظلامة الصديقة الكبرى
فاطمة الزهراء(ع)، هذه الظلامة التي
يذكرها الإمام صباحاً ومساء ويتألم لها
ويذوب لها فؤاده ، فقد هجموا على بيتها
نهاراً جهاراً ، وأوصت أن يدفنوها ليلاً
سر


والثاني، أن تحافظوا على إحياء عاشوراء
وتحفظوا مقام سيد الشهداء(ع)


التعليقات


(1) في الكافي:1/337: ( علي بن إبراهيم، عن
الحسن بن موسى الخشاب، عن عبدالله بن موسى
عن عبد الله بن بكير ، عن زرارة قال: سمعت
أبا عبد الله(ع)يقول: إن للغلام غيبة قبل أن
يقوم ، قال: قلت ولم ؟ قال: يخاف وأومأ بيده
إلى بطنه ، ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر ،
وهو الذي يشك في ولادته ، منهم من يقول: مات
أبوه بلا خلف! ومنهم من يقول: حَمْل ، ومنهم
من يقول: إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين ، وهو
المنتظر غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن
الشيعة ، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا
زرارة


قال: قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان
أي شئ أعمل؟ قال: يا زرارة إذا أدركت هذا
الزمان فادع بهذا الدعاء: اللهم عرفني
نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك
، اللهم عرفني رسولك ، فإنك إن لم تعرفني
رسولك لم أعرف حجتك ، اللهم عرفني حجتك ،
فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني


ثم قال: يا زرارة لابد من قتل غلام
بالمدينة ، قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش
السفياني؟ قال: لا، ولكن يقتله جيش آل بني
فلان ، يجئ حتى يدخل المدينة ، فيأخذ
الغلام فيقتله ، فإذا قتله بغياً وعدواناً
وظلماً لا يمهلون ، فعند ذلك توقع الفرج إن
شاء الله) ( راجع مصباح المتهجد للطوسي ص412 )


وفي كمال الدين للصدوق&ص512: ( الدعاء في
غيبة القائم(ع): حدثنا أبو محمد الحسين بن
أحمد المكتب قال: حدثنا أبو علي بن همام
بهذا الدعاء ، وذكر أن الشيخ العمري قدس
الله روحه أملاه عليه وأمره أن يدعو به وهو
الدعاء في غيبة القائم (ع): اللهم عرفني
نفسك ، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف
نبيك ، اللهم عرفني نبيك فإنك إن لم تعرفني
نبيك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك
إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ، اللهم لا
تمتني ميتة جاهلية ، ولا تزغ قلبي بعد إذ
هديتني


أللهم فكما هديتني بولاية من فرضت طاعته
علي من ولاة أمرك بعد رسولك(ص)حتى واليت
ولاة أمرك أمير المؤمنين والحسن و الحسين
وعلياً ومحمداً وجعفراً وموسى وعلياً
ومحمداً وعلياً والحسن والحجة القائم
المهدي صلوات الله عليهم أجمعين


اللهم فثبتني على دينك واستعملني بطاعتك
، ولين قلبي لولي أمرك ، وعافني مما امتحنت
به خلقك ، وثبتني على طاعة ولي أمرك الذي
سترته عن خلقك ، فبإذنك غاب عن بريتك ،
وأمرك ينتظر ، وأنت العالم غير معلم
بالوقت الذي فيه صلاح أمر وليك في الإذن له
بإظهار أمره وكشف ستره ، فصبرني على ذلك
حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما
عجلت ، ولا أكشف عما سترته ، ولا أبحث عما
كتمته ، ولا أنازعك في تدبيرك ، ولا أقول
لمَ وكيفَ ، وما بال ولي الأمر لايظهر وقد
امتلأت الأرض من الجور ؟ وأفوض أموري كلها
إليك


أللهم إني أسألك أن تريني ولي أمرك ظاهراً
نافذاً لأمرك ، مع علمي بأن لك السلطان ،
والقدرة والبرهان والحجة والمشيئة
والإرادة ، والحول والقوة ، فافعل ذلك بي
وبجميع المؤمنين ، حتى ننظر إلى وليك
صلواتك عليه وآله ظاهر المقالة ، واضح
الدلالة ، هادياً من الضلالة ، شافياً من
الجهالة أبرِزْ يا رب مشاهده ، وثبت
قواعده ، واجعلنا ممن تقر عينه برؤيته،
وأقمنا بخدمته ، وتوفنا على ملته ،
واحشرنا في زمرته


أللهم أعذه من شر جميع ما خلقت وبرأت
وذرأت وأنشأت وصورت ، واحفظه من بين يديه
ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله ، ومن فوقه
ومن تحته ، بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به
، واحفظ فيه رسولك ووصي رسولك اللهم ومد في
عمره ، وزد في أجله وأعنه على ما أوليته
واسترعيته ، وزد في كرامتك له ، فإنه
الهادي والمهتدي والقائم المهدي ، الطاهر
التقي النقي الزكي ، والرضي المرضي ،
الصابر المجتهد الشكور


أللهم ولا تسلبنا اليقين لطول الأمد في
غيبته وانقطاع خبره عنا، ولا تنسنا ذكره
وانتظاره، والايمان وقوة اليقين في ظهوره
، والدعاء له والصلاة عليه، حتى لايقنطنا
طول غيبته من ظهوره وقيامه ، ويكون يقيننا
في ذلك كيقيننا في قيام رسولك صلواتك عليه
وآله ، وما جاء به من وحيك وتنزيلك ، وقوِّ
قلوبنا على الايمان به حتى تسلك بنا على
يده منهاج الهدى ، والحجة العظمى ،
والطريقة الوسطى , وقونا على طاعته ،
وثبتنا على متابعته ، واجعلنا في حزبه
وأعوانه وأنصاره ، والراضين بفعله ، ولا
تسلبنا ذلك في حياتنا ولا عند وفاتنا ، حتى
تتوفانا ونحن على ذلك غير شاكين ولا ناكثين
ولا مرتابين ولا مكذبين


أللهم عجل فرجه وأيده بالنصر ، وانصر
ناصريه ، واخذل خاذليه ، ودمر على من نصب
له وكذب به ، وأظهر به الحق ، وأمت به
الباطل ، واستنقذ به عبادك المؤمنين من
الذل ، وأنعش به البلاد ، واقتل به جبابرة
الكفر ، واقصم به رؤوس الضلالة ، وذلل به
الجبارين والكافرين، وأبِرْ به المنافقين
والناكثين وجميع المخالفين والملحدين، في
مشارق الارض ومغاربها، وبرها وبحرها ،
وسهلها وجبلها ، حتى لا تدع منهم دياراً ،
ولا تبقي لهم آثاراً ، وتطهر منهم بلادك،
واشف منهم صدور عبادك، وجدد به ما امتحى من
دينك، وأصلح به مابدل من حكمك، وغير من
سنتك،حتى يعود دينك به وعلى يديه غضاً
جديداً صحيحاً، لا عوج فيه ولا بدعة معه ،
حتى تطفئ بعدله نيران الكافرين، فإنه عبدك
الذي استخلصته لنفسك وارتضيته لنصرة نبيك،
واصطفيته بعلمك، وعصمته من الذنوب، وبرأته
من العيوب، وأطلعته على الغيوب، وأنعمت
عليه وطهرته من الرجس ونقيته من الدنس


أللهم فصل عليه وعلى آبائه الأئمة
الطاهرين ، وعلى شيعتهم المنتجبين ،
وبلغهم من آمالهم أفضل ما يأملون ، واجعل
ذلك منا خالصاً من كل شك وشبهة ورياء وسمعة
، حتى لا نريد به غيرك ، ولا نطلب به إلا
وجهك


أللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا ، وغيبة
ولينا ، وشدة الزمان علينا ، ووقوع الفتن ،
وتظاهر الأعداء ، وكثرة عدونا ، وقلة عددنا
اللهم ففرج ذلك بفتح منك تعجله ، ونصر منك
تعزه ، وإمام عدل تظهره إله الحق رب
العالمين


أللهم إنا نسألك أن تأذن لوليك في إظهار
عدلك في عبادك ، وقتل أعدائك في بلادك، حتى
لا تدع للجور يا رب دعامة إلا قصمتها ، ولا
بنيةً إلا أفنيتها ، ولا قوةً إلا أوهنتها
، ولا ركناً إلا هددته، ولا حداً إلا فللته
، ولا سلاحاً إلا أكللته ، ولا رايةً إلا
نكستها ، ولا شجاعاً إلا قتلته ، ولا جيشاً
إلا خذلته ، وارمهم يا رب بحجرك الدامغ ،
واضربهم بسيفك القاطع ، وببأسك الذي لا
ترده عن القوم المجرمين ، وعذب أعداءك
وأعداء دينك وأعداء رسولك بيد وليك وأيدي
عبادك المؤمنين


أللهم اكف وليك وحجتك في أرضك هول عدوه ،
وكد من كاده ، وامكر من مكر به ، واجعل
دائرة السوء على من أراد به سوءً ، واقطع
عنه مادتهم ، وارعب له قلوبهم ، وزلزل له
أقدامهم، وخذهم جهرة وبغتة،وشدد عليهم
عقابك،واخزهم في عبادك، والعنهم في بلادك
، وأسكنهم أسفل نارك ، وأحط بهم أشد عذابك
، وأصلهم ناراً واحش قبور موتاهم ناراً ،
وأصلهم حر نارك ، فإنهم أضاعوا الصلاة
واتبعوا الشهوات ، وأذلوا عبادك


أللهم وأحي بوليك القرآن ، وأرنا نوره
سرمداً لا ظلمة فيه ، وأحيِ به القلوب
الميتة ، واشف به الصدور الوغرة ، واجمع به
الأهواء المختلفة على الحق ، وأقم به
الحدود المعطلة ، والأحكام المهملة ، حتى
لا يبقى حق إلا ظهر ، ولا عدلٌ إلا زهر ،
واجعلنا يا رب من أعوانه ومقوي سلطانه
والمؤتمرين لأمره، والراضين بفعله،
والمسلمين لأحكامه ، وممن لا حاجة له به
إلى التقية من خلقك أنت يا رب الذي تكشف
السوء وتجيب المضطر إذا دعاك ، وتنجي من
الكرب العظيم ، فاكشف يا رب الضر عن وليك ،
واجعله خليفة في أرضك كما ضمنت له


أللهم ولا تجعلني من خصماء آل محمد، ولا
تجعلني من أعداء آل محمد، ولا تجعلني من
أهل الحنق والغيظ على آل محمد ، فإني أعوذ
بك من ذلك فأعذني ، وأستجير بك فأجرني


أللهم صل على محمد وآل محمد ، واجعلني بهم
فائزاً عندك في الدنيا والآخرة ومن
المقربين) انتهى


(2) في بصائر الدرجات ص81: ( أحمد بن موسى، عن
الحسن بن موسى الخشاب، عن علي بن حسان، عن
عبد الرحمن بن كثير ، قال سمعت أبا عبد
الله(ع)يقول: نحن ولاة أمر الله وخَزَنَةُ
علم الله ، وعَيْبة وحي الله ، وأهل دين
الله ، وعلينا نزل كتاب الله ، وبنا عبد
الله ، ولولانا ما عُرِفَ الله ، ونحن ورثة
نبي الله(ص)، وعترته )


وفي بصائر الدرجات ص125: ( حدثنا أحمد عن
الحسين بن راشد ، عن موسى بن القسم ، عن علي
بن جعفر عن أخيه قال: قال أبو عبد الله: إن
الله خلقنا فأحسن خلقنا وصورنا فأحسن
صورنا ، فجعلنا خُزَّانَهُ في سمواته
وأرضه ، ولولانا ما عُرف الله )


وفي بصائر الدرجات ص125: (حدثناعلي بن محمد،
عن القسم بن محمد، عن سليمان بن داود
المنقري ، عن سفيان بن موسى ، عن سدير ، عن
أبي جعفر(ع)قال سمعته يقول: نحن خزان الله
في الدنيا والآخرة وشيعتنا خزاننا ،
ولولانا ما عُرف الله )


(3) في وسائل الشيعة (آل البيت):16/254: (علي بن
إبراهيم في تفسيره عن أبيه، عن مسعدة بن
صدقة ، عن أبي عبد الله(ع)قال: سئل عن قول
النبي(ص): إن الشرك أخفى من دبيب النمل على
صفاة سوداء في ليلة ظلماء؟ قال: كان
المؤمنون يسبون ما يعبد المشركون من دون
الله ، وكان المشركون يسبون ما يعبد
المؤمنون ، فنهى الله عن سب آلهتهم لكي
لايسب الكفار إلاه المؤمنين، فيكون
المؤمنون قد أشركوا بالله من حيث لايعملون
فقال: وَلاتَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ
مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ
عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ( سورة الأنعام:
108)


وفي الخصال ص136: (حدثنا محمد بن الحسن بن
أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال حدثنا
محمد بن الحسن الصفار ، عن الحسن بن موسى
الخشاب ، عن يزيد بن إسحاق شعر ، عن عباس بن
يزيد ، عن أبي عبد الله(ع)قال قلت: إن هؤلاء
العوام يزعمون أن الشرك أخفى من دبيب
النمل في الليلة الظلماء على المسح الأسود
؟ فقال: لا يكون العبد مشركاً حتى يصلي لغير
الله ، أو يذبح لغير الله ، أو يدعو لغير
الله عز وجل لم تعط هذه الأمة أقل من ثلاث )


وفي معاني الأخبار ص379: ( حدثنا محمد بن
الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال:
حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن
يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبد الحميد
بن أبي العلاء قال: قال أبو عبد الله(ع): إن
الشرك أخفى من دبيب النمل وقال: منه تحويل
الخاتم ليذكر الحاجة ، وشبه هذا ! )


وفي الخرائج والجرائح:2/688: ( ومنها ما قال
أبو هاشم: سمعته يقول: من الذنوب التي لا
تغفر قول الرجل: ليتني لا أؤاخذ إلا بهذا !
فقلت في نفسي: إن هذا لهو الدقيق ، وينبغي
للرجل أن يتفقد من نفسه كل شئ فقال: صدقت يا
أبا هاشم إلزم ما حدثتك به نفسك، فإن الشرك
في الناس أخفى من دبيب النمل على الصفا ،
أو قال: الذر على الصفا، في الليله الظلماء
)


وفي مصنف ابن أبي شيبة:7/88: من خطبة
للنبي(ص)قال: (أيها الناس ، إتقوا هذا الشرك
، فإنه أخفى من دبيب النمل ، فقال له من شاء
أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب
النمل يا رسول الله؟ قال قولوا: اللهم إنا
نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه،
ونستغفرك لما لا نعلم )


(4) في من لا يحضره الفقيه:4/357: (يا علي من
خاف الله عز وجل خاف منه كل شئ، ومن لم يخف
الله عز وجل ، أخافه الله من كل شئ )


وفي بحار الأنوار:75/270: عن الإمام
الصادق(ع)يقول: من أخرجه الله من ذل
المعاصي إلى عز التقوى أغناه الله بلا مال
وأعزه بلا عشيرة ، وآنسه بلا بشر ، ومن خاف
الله خاف منه كل شئ ، ومن لم يخف الله أخافه
الله من كل شئ ، ومن رضي من الله باليسير من
المعاش رضي الله عنه باليسير من العمل ،
ومن لم يستح من طلب الحلال وقنع به ، خفت
مؤونته ونعم أهله ، ومن زهد في الدنيا أثبت
الله الحكمة في قلبه وأنطق به لسانه ،
وبصره عيوب الدنيا داءها ودواءها وأخرجه
من الدنيا سالماً إلى دار السلام)


وفي الجواهر السنية للحر العاملي ص361: (
وروى الحافظ البرسي قال: ورد في الحديث
القدسي عن الرب العلي أنه يقول: عبدي أطعني
أجعلك مثلي: أنا حي لا أموت، أجعلك حياً لا
تموت ، أنا غني لا أفتقر ، أجعلك غنياً لا
تفتقر أنا مهما أشاء يكون ، أجعلك مهما
تشاء يكون )


وفي شجرة طوبى للحائري:1/33: ( قال الله عز من
قائل: عبدي أطعني حتى أجعلك مثلي أقول للشئ
كن فيكون تقول للشئ كن فيكون ، وفي الخبر
العبودية جوهرة كنهها الربوبية ، ولهذا
ترى الأنبياء والأولياء والحجج ، سيما
أشرفهم وسيدهم رسول الله(ص)
وأوصيائه(ع)لمَّا أطاعوا الله عز وجل
أطاعهم كل شئ حتى البهائم والحيوانات )


(5) لم أجد الرواية التي ذكرها الأستاذ مد
ظله ، ووجدت شبيهاً لها في غيبة النعماني:
/243، عن يعقوب بن شعيب، عن الإمام
الصادق(ع)أنه قال له: ( ألا أريك قميص
القائم الذي يقوم عليه؟ فقلت بلى، قال:
فدعا بقمطر ففتحه وأخرج منه قميص كرابيس
فنشره ، فإذا في كمه الأيسر دم ، فقال: هذا
قميص رسول الله(ص)الذي عليه دم يوم ضربت
رباعيته، وفيه يقوم القائم، فقبلت الدم
ووضعته على وجهي ، ثم طواه أبو عبد الله(ع)
ورفعه )


(6) في نهج البلاغة(ع):1/68: ( ألا وإني قد
دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً
ونهاراً، وسراً وإعلاناً ، وقلت لكم
اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم
في عقر دارهم إلا ذلوا ، فتواكلتم
وتخاذلتم حتى شنت الغارات عليكم وملكت
عليكم الأوطان ! وهذا أخو غامد قد وردت
خيله الأنبار ، وقد قتل حسان بن حسان
البكري وأزال خيلكم عن مسالحها ، ولقد
بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة
المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها
وقلبها وقلائدها ورعاثها، ماتمتنع منه
إلا بالإسترجاع والإسترحام! ثم انصرفوا
وافرين ما نال رجلاً منهم كَلْمٌ ولا أريق
لهم دم ! فلو أن امرأً مسلماً مات من بعد
هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي
جديراً فيا عجباً والله يميت القلب ويجلب
الهم من اجتماع هؤلاء القوم على باطلهم
وتفرقكم عن حقكم !)


وفي نهج البلاغة:2/218: ( وأعجب من ذلك طارقٌ
طرقنا بملفوفة في وعائها ، ومعجونة شنئتها
، كأنما عجنت بريق حية أو قيئها ، فقلت أصلة
أم زكاة أم صدقة فذلك محرم علينا أهل
البيت؟! فقال لا ذا ولا ذاك ، ولكنها هدية
فقلت هبلتك الهبول ، أعن دين الله أتيتني
لتخدعني ، أمختبط أنت أم ذو جنة أم تهجر ؟!
والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت
أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها
جلب شعيرة ما فعلت ! وإن دنياكم عندي لأهون
من ورقة في فم جرادة تقضمها! ما لعلي
ولنعيم يفنى ولذة لاتبقى؟! نعوذ بالله من
سبات العقل وقبح الزلل وبه نستعين )


(7) قال الشيخ البهائي&في الحبل المتين ص7:
(في معرفة من اجتمعت العصابة على تصحيح ما
يصح عنهم وهم على ما حكاه الكشي ثمانية عشر
رجلاً ، ستة منهم من أصحاب أبي جعفر وأبي
عبد الله (ص)وهم: زرارة ، ومعروف بن خربوذ ،
وبريد العجلي، وأبو نصر الأسدي ، والفضيل
بن يسار ، ومحمد بن مسلم وقال بعضهم أبو
بصير ليث المرادي مكان أبي نصر الأسدي ،
وستة منهم من أصحاب أبي عبد الله(ع)وهم:
جميل بن دراج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد
الله بن بكير ، وحماد بن عثمان ، وأبان بن
عثمان وزعم بعضهم أن أفقه هؤلاء جميل بن
دراج


وستة منهم من أصحاب أبي ابراهيم وأبي
الحسن(ص)وهم: يونس بن عبد الرحمن ، وصفوان
بن يحيى بياع السابري ، ومحمد بن أبي عمير
، وعبد الله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب
، وأحمد بن محمد بن أبي نصر


وقال بعضهم مكان الحسن فضالة بن أيوب وقال
بعضهم: مكان فضالة عثمان بن عيسى وأفقه
هؤلاء يونس بن عبد الرحمن ، وصفوان بن يحيى
)


(8) في عيون أخبار الرضا(ع):1/9: ( حدثنا أبي
رضي الله عنه قال: حدثنا عبد الله بن جعفر
بن جامع الحميري ، عن أحمد بن هلال
العبرتائي ، عن الحسن بن محبوب ، عن أبي
الحسن الرضا(ع)قال قال لي: لا بد من فتنة
صماء صيلم تسقط فيها كل بطانة ووليجة،
وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من
ولدي،يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض،
وكل حرَّى وحران ، وكل حزين لهفان ، ثم قال:
بأبي وأمي سمي جدي ، شبيهي وشبيه موسى بن
عمران(ع)عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء
القدس ! كم من حرى مؤمنة وكم مؤمن متأسف
حيران حزين عند فقدان الماء المعين ! كأني
بهم آيس ما كانوا قد نودوا نداء يسمع من
بعد كما يسمع من قرب ، يكون رحمةً على
المؤمنين وعذاباً على الكافرين ! ) ورواه
في الإمامة والتبصرة ص114


(35)مولد الإمام المهدي(ع)


( بتاريخ: 14 شعبان 1415 ـ 26/10/73 ـ 16/1/1995 )


ورد في دعاء هذه الليلة: (اللهم بحق ليلتنا
ومولودها ، وحجتك وموعودها التي قرنتَ إلى
فضلها فضلك، فتمت كلمتك صدقاً وعدلاً ، لا
مبدل لكلماتك، ولا معقب لآياتك نورك
المتألق ، وضياؤك المشرق ، والعلَمُ النور
، في طخياء الديجور، الغائب المستور ، جل
مولده ، وكرم محتدُه ، والملائكة
شُهَّدُه) (1)


وتعبير: جل مولده، في وصف هذه الليلة يكشف
لنا عن جلالة المولود وقد ورد حديث في
جلالة المولد يكشف عن الجلالة الخاصة
للمولود أيضاً: (عن أبي بصير قال: سمعت أبا
عبد الله جعفر بن محمد(ع)يقول: إن في الليلة
التي يولد فيها الإمام ، لا يولد مولود إلا
كان مؤمناً ، وإن ولد في أرض الشرك نقله
الله إلى الإيمان ببركة الإمام ) (أمالي
الطوسي ص412)


وفي رواية البحار نقلاً عن خط الشهيد
الثاني(ره): (إن الليلة التي يولد فيها
القائمالخ) ( البحارج51/28 ) (2)


فالمسألة فوق قدرتنا على التعقل ، والذي
يمكننا أن نقوله إن كلام أهل البيت(ع)يتطلب
فهماً خاصاً وذوقاً خاصاً لاستيعابه، وهي
قدرة لا تحصل بالجهد الفكري ، بل بإفاضة
الله تعالى على من يشاء من عباده !


من أعيان علماء الشيعة المشهورين محمد بن
عبدالله بن جعفر الحميري &وله مسائل
أرسلها الى الحجة صلوات الله عليه بواسطة
السفراء ، وأجابه عليها ، وقد رواها
النجاشي والطوسي رحمهما الله (فهرس
النجاشي ص354)


قال الحميري&:(خرج التوقيع من الناحية
المقدسة حرسها الله بعد المسائل:


بسم الله الرحمن الرحيم لا لأمره تعقلون ،
ولا من أوليائه تقبلون ، حكمة بالغة فما
تغني النذر عن قوم لا يؤمنون


السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين


إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا ،
فقولوا كما قال الله تعالى: سلام على آل يس
السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته
الخ) (3)


والمهم هنا فهم الحديث وتذوقه ، وإدراك
لطائفه ، وملامسة رقائقه


لا لأمره تعقلون ولامن أوليائه تقبلون
عبارة غنية، مليئة بالمعاني، لأن خلاصة
مشكلة البشر أنهم لا يتعقلون أمر الله
تعالى ، ولا يقبلون من أوليائه !


ومجئ هذه العبارة في أول كلامه(ع)له
دلالات ، فهي مفتاح الباب ! وهي تشير الى
قوله تعالى:إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى
لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى
السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (سورة ق: 37)
وموضوعهما واحد ، وهو أن البشر لكي يصلوا
إلى وعي الحقائق وبلوغ المقامات العالية ،
أمامهم طريقان لا ثالث لهما: فإما أن
يدركوا بعقولهم أمر الله تعالى وأهدافه
وأسراره في خلقه ، وهيهات هيهات أن تدرك
عقول البشر ما هو فوق طاقتها وأعلى من
مستواها ؟! جل حناب الحق أن يكون شرعة لكل
وارد ، وجلت أسراره أن يبلغها عامة الناس !


فلم يبق إلا أن يقبلوا من أوليائه الذين
وصلوا بلطفه الى تعقل أمره ، وصاروا معدن
علمه ، ومخزن أسراره


لقد انفتح الباب إذن لمن أراد الطريق! فما
دمنا لا نستطيع نفهم أسرار الكون والحياة
والآخرة ، فما علينا إلا أن نقبل من أولياء
الله الذين تفضل الله بهم علينا ليعلمونا
ويوجهونا


ثم قال(ع)مرشداً الى الطريق الثاني: إذا
أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا فقولوا
وهي جملة عميقة محيرة، لأن معنى التوجه
بنا الى الله تعالى واضحة، فقد علمنا
النبي وأهل بيته(ص)كيف نتوجه بهم الى
تعالى، قال الإمام الباقر (ع): إذا أردت
أمراً تسأله ربك ، فتوضأ وأحسن الوضوء ثم
صل ركعتين وعظم الله وصل على النبي(ص)وقل
بعد التسليم: اللهم إني أسألك بأنك ملك،
وأنك على كل شئ قدير مقتدر، وبأنك ما تشاء
من أمر يكون، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك
محمد نبي الرحمة يامحمد يارسول الله إني
أتوجه بك إلى الله ربك وربي لينجح لي طلبتي
اللهم بنبيك أنجح لي طلبتي بمحمد ثم سل
حاجتك) (الكافي:3 /478)


وفي التهذيب:6/101: (اللهم إني لو وجدت شفعاء
أقرب اليك من محمد وأهل بيته الأخيار
الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي ، فبحقهم
الذي أوجبت لهم عليك أسألك أن تدخلني في
جملة العارفين بهم وبحقهم ) (4)


لكن المحير في كلام الإمام(ع)قوله: إذا
أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا !


فما معنى التوجه بهم(ع)الى الله وإليهم؟!
ما معنى هذه الكلمة الصادرة من ذلك الإمام
المطلق، والقديس الأعلى،الذي مقامه فوق
اللوح والقلم والكرسي والعرش ؟! أحاول
فيما يتسع الوقت أن نفهم شيئاً من هذه
الكلمة:


تعرفون أن الله تعالى قال في كتابه:
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ
لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ
عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ
جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (سورة غافر: 60)
فالدعاء يستتبع الإجابة لا محالة ،
ولاتتخلف عنه، فلماذا لانرى استجابة أكثر
أدعية الداعين؟!


الجواب: أن الدعاء لم يتحقق ، فلو
تحققت:ادْعُونِي ، لتحققت: أَسْتَجِبْ
لَكُمْ لا محالة ! فكيف يتحقق الدعاء ؟


إن الحكمة مبثوثة في الكتاب والسنة، وقد
بين الله تعالى شرط تحقق الدعاء بقوله:
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَر َّإِذَا
دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء
َوَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ
أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا
تَذَكَّرُونَ (سورة النمل:62)، فهذه الآية
تشرح آية: إدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ،
وتدلنا على أنه ليست كل دعاء دعاءً لله
تعالى ، فدعوته سبحانه تتحقق عندما تصدر
من صاحبها فتخرق الحجب بين الداعي وبين
الله تعالى، وخرق الحجب لايتم إلا
بالإضطرار،وبه تكون الإجابة قطعية ولو أن
شخصاً تحققت منه الحالة التي تحصل للمضطر
، ولو لم يكن مضطراً عملياً ، لكانت
استجابة دعائه قطعية أيضاً ، وهو أيضاً من
نوع الإضطرار وعلينا أن نفهم آيات القرآن
، وكلام حَمَلَة القرآن(ع)


نعم ، إن من القطعيات المسلَّمة أن
الإنسان المضطر ، كالذي يكون منقطعاً في
صحراء ، أو يضل الطريق في مكان خطر ، أو
يتوجه إليه خطر من شئ فتحصل عنده حالة
المضطر المنقطع ، ويلتجئ الى الله تعالى
ويدعوه يا الله فإن دعاءه يخرق الحجب ،
ويستجيب له الله تعالى قطعاً ! ولا فرق بين
أن يكون هذا الإنسان شيعياً أو سنياً ، بل
لا فرق بين أن يكون مسلماً أو كافراً !


وكذلك الأمر فيمن انقطع الى أولياء الله
وحججه صلوات الله عليهم ، فلو أن مضطراً
منقطعاً نادى: يا أبا صالح المهدي أدركني،
فلا بد أن يستجيب الله له ، لأنه سبيل الله
الأعظم وصراطه الأقوم ، والله تعالى هو
نور السماوات والأرض الذي منه الوجود ،
والإمام المهدي هو نور الله الذي به
الوجود والطلب ممن به جعل الله به الوجود ،
هو ثاني الطلب من صاحب الوجود عز وجل ، الذي
منه كل الوجود سبحانه ، فحكم الطلب فيهما
واحد


هذا هو الأمر الأول عن تأثير الإضطرار


أما الأمر الثاني، فهو أن المضطر قد يكون
مضطراً الى جاه أو مال أو أمر دنيوي أو
أخروي ، وكل هؤلاء يستجاب لهم فيما اضطروا
إليه عند انقطاعهم ودعائهم لكن في هؤلاء
المضطرين أناسٌ ليسوا مضطرين الى دنياً
ولا إلى آخرة ، بل مضطرون الى الله تعالى ،
ولا يعرفون غيره ، ولا يشعرون بغيره !
فهؤلاء يصلون الى المقام الذي قال عنه
الإمام الحسين(ع)في دعائه:ماذا وجد من
فقدك، وما الذي فقد من وجدك، لقد خاب من
رضي دونك بدلاً، ولقد خسر من بغي عنك
متحولاً،كيف يرجى سواك وأنت ماقطعت
الإحسان، وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدلت
عادة الإمتنان ) ( البحار:95/226 ) (5)


فهؤلاء وجدوا الله تعالى ولم (يجدوا) غيره
، وبذلك يحصلون على كل شئ ونفس الكلام يقال
بالنسبة إلى المضطر إلى ولي الله الأعظم
صلوات الله عليه، فلو اضطر اليه لشئ من
الدنيا أو الآخرة ، وتوسل به الى الله
منقطعاً ، فسوف يحصل على نظرة وعناية منه
يكون بها تلبية حاجته


لكن هذه الحاجات تشبه حاجات الأطفال
بالنسبة الى حاجة المضطر إلى نفس ولي الله
الأعظم صلوات الله عليه ، ومن كانت حاجته
من ربه نفس الإمام(ع)، فذلك سيحظى به ويكون
في مرتبة: وما الذي فقد من وجدك؟! وعند ذلك
يكون تعامل الإمام(ع)معه كما يقولون عن
الإكسير


يقولون إن الإكسير إذا مس أي شئ تحول الى
مادة أطلقوا عليها اسم الكبريت الأحمر ،
والكبريت الأحمر إذا مس أي مادة تحولت الى
الذهب الخالص ! فهنا ثلاث مراحل ، كما أن في
الإضطرار الى الإمام(ع)والوصول إليه ثلاث
مراحل وثلاثة مقامات ولا يتسع الوقت لشرح
هذه المقامات


على أي حال يقول(ع)طبق ما نقله المجلسي&في
المزار: إذا أردتم التوجه بنا إلى الله
وإلينا، فقولوا كما قال الله تعالى: سلامٌ
على آل يس الخ)


فما معنى العبارة الأولى:سلامٌ على آل يس؟


للقرآن قلب ، ولقلبه قلب هو سورة ياسين ،
وقلب سورة ياسين ، أي قلب قلب القرآن
كلمتان هما قوله تعالى:سَلامٌ
قَوْلاًمِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (سورة يس: 58) و:
سَلامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ ( سورة
الصافات:130 ) ، كلمتان: سلام في الأول ،
وياسين في الآخر


يا حسرةً على هذه الأمة حيث لم تمكن أهل
بيت نبيها(ص)أن يفسروا لها كتاب الله
تعالى! يا حسرةً على بيت الوحي والعلم
النبوي ، هاجموه وسدوا بابه ، ومنعوا فم
الإمامة أن ينطق !


تذكرت قول الإمام الرضا(ع)عن افتتاح
الأذان بكلمة (الله أكبر) وختامه بكلمة (لا
إله إلا الله) ليكون اسم الله تعالى في
الإفتتاح والختام ! (6) وهو يتصل بموضوعنا:
سلامٌ على آل يس، وفي هذه العبارة إعجاز
لايدركه إلا أهله، عندما تجمع سين سلام مع
سين ياسين، من الأول الى الآخر ذلك أن لحرف
السين من بين الحروف الأبجدية خصوصية في
حساب الجُمَّل ، هي تعادل الزُّبُر فيه مع
البينات ، والزُّبر هي الحروف ، والبينات
هي الحروف الناتجة من تلفظ الحروف


مثلاً حرف الشين زُبُره (ش) وبيناته أي
حروفه التي تظهر في لفظه ولا تظهر في
كتابته (ي ، ن) ولا تعادل في حساب الجمل
بينها ، لأن الشين


(300) والياء (10) والنون (50) والمجموع (60) فلا
تعادل بينه


أما السين فزُبُره (س) وهي بحساب الجمل (60)
وبيناتها ياء ونون ، وجمعهما (60) أيضاً ،
فقد تعادلت زُبُرُ هذا الحرف مع بيناته ،
وبذلك تميز على كل حروف الأبجدية (7)


وقد جاءت السين مرة في: سلام، وهو من أسماء
الذات المقدسة سبحانه وتعالى ، ومرة في اسم
الفعل ياسين في قوله تعالى: (يس
وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ)


وسينها مأخوذة من سين: سلام


وهنا سين أخرى مضمرة بالإضافة الى
السينين الظاهرتين ، وهي سين القلب السليم
في قوله تعالى:يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ
وَلا بَنُونَ إلا مَنْ أَتَى اللهَ
بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ( سورة الشعراء: 88-89 )،
فعندما يقول القلب السليم: سلام على آل
ياسين، فقد تم الأمر! وكما لا يتيسر الوصول
الى الله تعالى إلا بقلب سليم ، وإلا
بواسطة: لأمره تعقلون، ومن أوليائه
تقبلون، فكذلك لايتيسر الوصول الى سبيل
الله(ع) إلا بقلب سليم ، فهم(ع)وجه الله
الفاني فيه


وهنا نفهم لماذا قال(ع): فقولوا كما قال
الله تعالى: سلامٌ على آل يس


أختم الحديث بقصة ذات دلالة ، أنقلها عن
صاحبها بواسطة واحدة ، فقد كان لنا أستاذ
في مشهد قبل سفري الى النجف ، له درس خصوصي
لعدد من الطلبة، وكنت يومها كما أنا اليوم
في عداد صغار الطلبة ، وكان الدكتور صاحب
القصة يحضر ذلك الدرس، ولم أسمعها منه بل
سمعتها من المرحوم الشيخ علي أكبر
النهاوندي، وكذا من المرحوم الشيخ علي
أكبر نوغاني ، وقد سمعاها من صاحبها ،
وأذكر لكم هنا خلاصتها ، قال ذلك الدكتور :


كنت في غزو روسيا لإيران ، أثناء الحرب
العالمية الثانية ، أعمل قريباً من الجبهة
طبيباً جراحاً ، وذات يوم جاءني شخص وقال
لي:أصابتني رصاصة فأجْرِ لي عمليةً الآن،
واستخرجها قلت له: العملية ليس شيئاً
بسيطاً ، لابد أن يحضر طبيب التخدير
ويعطيك المخدر قال: لا تنتظر المخدر، جئ
بوسائلك وأجر لي عملية الآن


فرأيت نفسي أتحرك لتنفيذ أمره
كالمُسَيَّر بإرادته ، فأحضرت وسائلي
وتمدد هو وقال: بسم الله النور، بسم الله
النور، ثم تلفظ بإخفات بكلمتين أو ثلاث ،
فرأيته نام كأنه بدن بلا روح ! عرفت أنه رجل
له قدرة على خلع روحه وتجريدها من بدنه ،
فقلت في نفسي لقد وجدت كنزاً !


وما أن أتممت العملية ولم تكن صغيرة ،
وأكملت خياطة الجرح حتى رأيته حرك شفتيه
بهدوء وأعاد نفس الكلمات ، وجلس !


فسألته وتحدثت معه حتى عرفت أن له
ارتباطاً بصاحب الزمان صلوات الله عليه ،
فسألته هل رأيته؟ فقال: هيهات ، هيهات! وهل
أنا بمستوى من يراه ويتحدث معه؟! أين أنا
منه ؟!


قلت له: إذن ما هو عملك؟ قال: أنا مأمور أن
أتواجد هنا !


قلت له:أليس للمولى عناية بنا؟ ماذا يلاقي
المسلمون من هذا الجيش الروسي
والآذربيجاني من مصائب لا تحتمل ! فنظر
اليَّ ، ثم قال: ليرحلوا وغاب عني ! فقط قال
هذه الكلمة ، وغاب عني !


وفي ذلك اليوم عصراً وصلت برقية من مركز
القيادة الروسية بالإنسحاب الفوري ، وأخذ
الجيش الروسي والآذري بالإنسحاب من فورهم
!


يومها عرفت أني وجدت ما أبحث عنه! فهمت أن
الشخص من أصحاب الإمام المهدي روحي فداه
وأنه يملك شعاعاً من تلك الإرادة الربانية
القاهرة فهو يقول: ليرحلوا ، فيرحلون !


قال الدكتور: قلت له هل رأيته نفسه ؟ قال:
لا، هيهات أنا ارتباطي بسبعة أشخاص ، هم
يرونه فأين مقامه صلوات الله عليه ؟ وفي أي
درجة ومرتبة ذلك الإكسير الأعظم ؟ الذي
يتصل به سبعة أشخاص فيكونون كالكبريت
الأحمر ، ويملكون هم ومن يتصل بهم من
تلاميذهم ، ما شاء الله من اسمه الأعظم ؟!


وا أسفاه أنا لم نعرفك يا مولاي ، ولم نعرف
قدرك وحرمتك، أين أنت الآن؟ فانظر إلينا
بلطفك فإن لم يكن عند الحاضرين ما يقربنا
منك ، فقد وضعنا على رؤوسنا شعار خدمتك ،
واستجرنا بقبر عمتك فاطمة بنت موسى بن
جعفر(ع) اللهم صل وسلم على وليك، وخليفتك،
وحجتك، وكلمتك التامة في أرضك


إقرؤوا القرآن لتعرفوا معنى الكلمة
التامة ، أنظروا الى عيسى(ع)الى أي مقام
وصل: إِذْ قَالَ اللهُ يَاعِيسَى ابْنَ
مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ
وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ
بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ
فِي الْمَهْدِوَكَهْلاً وَإِذْ
عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَالتَّوْرَاةَ وَالأِنْجِيلَ وَإِذْ
تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ
الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا
فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ
الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي
وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي
وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ
إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا
إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ (سورة المائدة:110)
وإنما بلغ ذلك لأنه صار كلمة الله تعالى:
إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ
إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَة
ٍمِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ
مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا
وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ
(سورة آل عمران:45 )


أما الكلمة التامة التي هي فوق ذلك فليست
مقام عيسى المسيح(ع)بل هي مقام الإمام
المهدي(ع)(وكلمتك التامة في أرضك) فهذه من
صفاته(ع)في الدعاء بعد زيارة السلام على آل
ياسين


أما بماذا تتم الكلمة فاقرؤوا قوله تعالى:
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً
وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ
وَهُوَالسَّمِيعُ الْعَلِيمُ(سورة
الأنعام:115) فتمام الكلمة الإلهية يكون
بمنتهى الصدق الذي هو نهاية الحكمة
النظرية، وبمنتهى العدل الذي هو نهاية
الحكمة العملية فعندما يبلغ الإنسان
منتهى درجات الصدق والفقه ، تنكشف لقلبه
المقدس كل الحقائق وعندما يبلغ منتهى
درجات العدل يكون كلمة الله التامة، ويكون
مولود هذه الليلة جل مولده


التعليقات


(1) في مصباح المتهجد للشيخ الطوسي&ص842:
(ويستحب أن يدعى فيها بهذا الدعاء: ( اللهم
بحق ليلتنا ومولودها ، وحجتك وموعودها ،
التي قرنت إلى فضلها فضلك ، فتمت كلمتك
صدقاً وعدلاً ، لا مبدل لكلماتك ، ولا معقب
لآياتك ، نورك المتألق ، وضياؤك المشرق ،
والعلم النور في طخياء الديجور ، الغائب
المستور ، جل مولده، وكرم محتده،
والملائكة شهده، والله ناصره ومؤيده، إذا
آن ميعاده، والملائكة أمداده ، سيف الله
الذي لا ينبو، ونوره الذي لا يخبو ، وذو
الحلم الذي لا يصبو ، مدار الدهر ونواميس
العصر، وولاة الأمر ، والمنزل عليهم ما
يتنزل في ليلة القدر ، وأصحاب الحشر
والنشر، تراجمة وحيه ، وولاة أمره ونهيه


اللهم فصل على خاتمهم وقائمهم ، المستور
عن عوالمهم ، وأدرك بنا أيامه وظهوره
وقيامه ، واجعلنا من أنصاره، واقرن ثارنا
بثاره ، واكتبنا في أعوانه وخلصائه وأحينا
في دولته ناعمين، وبصحبته غانمين ، وبحقه
قائمين ، ومن السوء سالمين ؟ يا أرحم
الراحمين)


(2) في أمالي الطوسي&ص412: (أخبرنا محمد بن
محمد قال: أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمد
بن قولويه، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ،
عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن موسى بن طلحة
، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، قال:
سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد(ع)يقول: إن
في الليلة التي يولد فيها الإمام لا يولد
مولود إلا كان مؤمناً ، وإن ولد في أرض
الشرك نقله الله إلى الايمان ببركة الامام
)


وفي بحار الأنوار:51/28: ( نقل من خط الشهيد
عن الصادق(ع)قال: إن الليلة التي يولد فيها
القائم(ع)لا يولد فيها مولود إلا كان
مؤمناً ، وإن ولد في أرض الشرك نقله الله
إلى الايمان ببركة الإمام(ع))


(3) في الإحتجاج:2/315: (وعن محمد بن عبد الله
بن جعفر الحميري أنه قال: خرج التوقيع من
الناحية المقدسة حرسها الله، بعد المسائل:
بسم الله الرحمن الرحيم ، لا لأمره تعقلون
، ولا من أوليائه تقبلون ، حكمةٌ بالغةٌ
فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين


إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا ،
فقولوا كما قال الله تعالى: سلامٌ على آل
يس السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته
السلام عليك يا باب الله وديان دينه


السلام عليك يا خليفة الله وناصر حقه
السلام عليك يا حجة الله ودليل إرادته


السلام عليك يا تالي كتاب الله وترجمانه
السلام عليك يا بقية الله في أرضه الخ) (وقد
تقدم في الموضوع رقم:2)


(4) في الكافي:2/544: ( كان أمير
المؤمنين(ع)يقول: من قال هذا القول كان مع
محمد وآل محمد إذا قام قبل أن يستفتح
الصلاة: اللهم إني أتوجه إليك بمحمد وآل
محمد ، وأقدمهم بين يدي صلاتي ، وأتقرب بهم
إليك ، فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا
والآخرة ، ومن المقربين ، مَنَنْتَ عليَّ
بمعرفتهم ، فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم
وولايتهم فإنها السعادة ، فاختم لي بها ،
فإنك على كل شئ قدير)


وفي الكافي أيضاً:2/552: ( محمد بن يحيى ، عن
أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن
أبي داود، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر(ع)قال:
جاء رجل إلى النبي (ص)فقال: يا رسول الله
إني ذو عيال وعليَّ دَيْنٌ وقد اشتدت
حالي، فعلمني دعاء أدعو الله عز وجل به
ليرزقني ما أقضي به ديني ، وأستعين به على
عيالي ، فقال رسول الله(ص): يا عبد الله
توضأ وأسبغ وضوءك ، ثم صل ركعتين تتم
الركوع والسجود ثم قل: يا ماجد يا واحد يا
كريم يا دائم ، أتوجه إليك بمحمد نبيك نبي
الرحمة يامحمد يا رسول الله إني أتوجه بك
إلى الله ربك وربي ورب كل شئ أن يصلي على
محمد وأهل بيته ، وأسألك نفحة كريمة من
نفحاتك وفتحاً يسيراً ورزقاً واسعاً
ألمُّ به شعثي ، وأقضي به ديني ، وأستعين
به على عيالي)


وفي من لايحضره الفقيه:1/483: ( قال الصادق(ع):
إذا أردت أن تقوم إلى صلاة الليل فقل: اللهم
إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة وآله
وأقدمهم بين يدي حوائجي فاجعلني بهم
وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين ،
اللهم ارحمني بهم ولا تعذبني بهم واهدني
بهم ولا تضلني بهم، وارزقني بهم ولا
تحرمني بهم ، واقض لي حوائجي للدنيا
والآخرة ، إنك على كل شئ قدير ، وبكل شئ
عليم


وفي الإغاثة للسقاف ص20: ( ومن هذا الباب
جاء في الحديث الصحيح أن الأعمى استغاث
برسول الله(ص)أن يدعو الله له في رد بصره ،
فلم يدع له ، وإنما علمه التوسل
والإستغاثة بجاهه(ص)في الدعاء المسنون
المشهور الذي فيه: اللهم إني أتوجه إليك
بنبيك محمد نبي الرحمة - وهذا توسل- يا محمد
إني أتوجه بك الله في حاجتي لتقضى - وهذه
استغاثة صريحة - وخصوصاً أن النبي لم يخص
هذا الدعاء بحياته فقط، مع أنه حيٌّ في
قبره كما أخبر ، وجاءنا في الحديث الصحيح ،
وعلماء الأمة ذكروا هذا الحديث في أبواب
صلاة الحاجة من مصنفاتهم ولم يقل أحد منهم
إياكم أن تدعو به فإنه شرك !


وليس التوسل عبادة للمتوسل به إلى الله ،
فقد علم رسول الله ( ص ) الأعمى أن يقول:


( اللهم إني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي
الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في
حاجتي لتقضى) الحديث ، وهو صحيح مشهور بين
أهل العلم، رواه الترمذي:5/569، والبيهقي في
دلائل النبوة:6/166- 168، والحاكم:1/313)، وصححه
على شرطهما ، وأقره الذهبي وغيرهم ،
بأسانيد صحيحة )


وفي رفع المنارة للحافظ الممدوح ص15: ( وذكر
أثراً فيه التوسل بالنبي صلى الله عليه
وسلم لفظه: اللهم إني أتوجه إليك بنبيك
محمد نبي الرحمة ، يا محمد إني أتوجه بك
إلى ربك وربي يرحمني مما بي


قال ابن تيمية: فهذا الدعاء ونحوه روى أنه
دعا به السلف ، ونقل عن أحمد بن حنبل في
منسك المروزي التوسل بالنبي صلى الله عليه
وسلم في الدعاء اه‍


وهذا هو نص عبارة أحمد بن حنبل فقال في
منسك المروزي بعد كلام ما نصه: وسل الله
حاجتك متوسلاً إليه بنبيه صلى الله عليه
وسلم تُقْضَ من الله عز وجلاه‍ هكذا ذكره
ابن تيمية في الرد على الأخنائي ص168


والتوسل به صلىالله عليه وسلم معتمد في
المذاهب ومرغوب فيه، نص على ذلك الأئمة
الأعلام ، وكتب التفسير والحديث والخصائص
ودلائل النبوة والفقه ، طافحة بأدلة ذلك
بدون تحريم ، وهي بكثرة


وقد أكثر ابن تيمية من بحث النوع الثاني
من التوسل في مصنفاته قائلاً بمنعه ،
وقلده وردد صدى كلامه آخرون ! ويحسن ذكر
كلام ابن تيمية مع بيان ما فيه ، واقتصاري
على كلامه فقط هو الأولى لأن من تشبث
بكلامه لا يزيد عن كونه متشبعاً من موائده
دائرأ في فلكه ، والله المستعان )


(5) في بحار الأنوار:95/216: ( ومن الدعوات
المشرفة في يوم عرفة دعاء مولانا الحسين
بن علي صلوات الله عليه: الحمد لله الذي
ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا
كصنعه صنع صانع ، وهو الجواد الواسع ، فطر
أجناس البدائع ، وأتقن بحكمته الصنائع الى
آخره، وهو دعاء طويل وفيه ص226: (ماذا وجد من
فقدك، وماالذي فقد من وجدك لقد خاب من رضي
دونك بدلاً ، ولقد خسر من بغى عنك متحولاً
، كيف يرجى سواك وأنت ما قطعت الإحسان ،
وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة
الإمتنان )


وفي بحار الأنوار:95/214: (وقال الكفعمي في
حاشية البلد الأمين المذكور على أول هذا
الدعاء: وذكر السيد الحسيب النسيب رضي
الدين علي بن طاووس قدس الله روحه في كتاب
مصباح الزائر قال: روى بشر وبشير الأسديان
أن الحسين بن علي بن أبي طالب (ص)خرج عشية
عرفة يومئذ من فسطاطه ، متذللاً خاشعاً
فجعل يمشي هوناً هوناً حتى وقف هو وجماعة
من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل
مستقبل البيت، ثم رفع يديه تلقاء وجهه
كاستطعام المسكين ، ثم قال: الحمد لله الذي
ليس لقضائه دافع الخ


(6) في وسائل الشيعة (آل البيت):5/418: ( عن
الإمام الرضا(ع)أنه قال: إنما أمر الناس
بالأذان لعلل كثيرة ، منها أن يكون
تذكيراً للناس ، وتنبيهاً للغافل ،
وتعريفاً لمن جهل الوقت واشتغل عنه، ويكون
المؤذن بذلك داعياً إلى عبادة الخالق،
ومرغباً فيها ، مقراً له بالتوحيد ،
مجاهراً بالإيمان معلناً بالإسلام ،
مؤذناً لمن ينساها وإنما يقال له مؤذن ،
لأنه يؤذن بالأذان بالصلاة


وإنما بدأ فيه بالتكبير وختم بالتهليل،
لأن الله عز وجل أراد أن يكون الإبتداء
بذكره واسمه ، واسم الله في التكبير في أول
الحرف ، وفي التهليل في آخره )


ورواه في من لا يحضره الفقيه:1/299


(7) قال الشيخ عباس بن نخي في كتاب مقتطفات
ولائية: ( الزُّبُر: الحرف الأول من الإسم
الحرفي ( والإسم الحرفي هو الكلمة التي
يتلفظ بها كل من الحروف الأبجدية: نحو ألف
، باء )، ويسمى ما خلا الحرف الأول من حروف
الإسم الحرفي ( البينات ) ، فعلى سبيل
المثال: أول حروف كلمة ( محمد ) هو الميم ،
وأول لفظه الميم ( الميم ) أي ( م ) تسمى (
الزبر ) ويطلق على حروفها التالية وهي ( ي )
و ( م ): ( البينات ) وفي اصطلاح ( علم الجفر )
يطلق على تلفظ حروف الزبر والبينات ( بسط
التلفظ ) أو


( البسط الباطني ) و ( السبط الظاهري )


وعلى سبيل المثال إذا تلفظنا ( محمد )
بأسماء حروفه وهي: ميم ، حاء ، ميم ، دال،
يكون مجموع حروف المتحصلة: م ي م ، ح ا ، م ي
م ، د ال


وقال أيضاً: حساب الأبجدية يعني حساب
الأحرف الهجائية المجموعة في الترتيب
الأبجدي (مقابل الترتيب الألفبائي) (أبجد
هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ) ، ويقال له
( حساب الجُمَّل ) ، حيث لكل حرف معادل رقمي
حسب الجدول التالي:


ا ب ج د ه و ز ح ط ي ك ل م ن


1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 20 30 40 50


س ع ف ص ق ر ش ت ث خ ذ ض ظ غ


60 70 80 90 100 200 300 400 500 600 700 800 900 1000


(36)وأشرقت الأرض بنور الإمام المهدي(ع)


( بتاريخ: 14 شعبان 1416 ـ 6/1/1997 ـ 16/10/1374 )


إن قضيتنا الأساسية هي قضية هذه الليلة
ومولودها الحجة بن الحسن صلوات الله عليه
لكنا نشير الى هذه الضائقة الإقتصادية
التي تمر بطلبة العلوم الدينية ، وما ينتج
عنها من مشكلات معيشية ، تجعل بعض الطلبة
تفتر هممهم عن طلب العلم


ينبغي لهؤلاء أن يعرفوا أي نعمة خصهم بها
الله تعالى، وأي ألطاف أولاهم؟! فإن أعظم
النعم هو إحياء النفوس التي قال الله
تعالى عنها: وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً
( سورة المائدة:32 )


جاء رجل إلى الإمام الحسن(ع)بهدية فقال له:
أيما أحب اليك، أن أرد عليك بدلها عشرين
ضعفاً ، عشرين ألف درهم، أو أفتح لك باباً
من العلم تقهر فلاناً الناصبي في قريتك ،
تنقذ به ضعفاء أهل قريتك ؟ إن أحسنت
الإختيار جمعت لك الأمرين ، وإن أسأت
الإختيار خيرتك لتأخذ أيهما شئت؟!


فقال: يا ابن رسول الله فثوابي في قهري ذلك
الناصب واستنقاذي لأولئك الضعفاء من يده ،
قدره عشرون ألف درهم ؟


قال: بل أكثر من الدنيا عشرين ألف ألف مرة


قال: يا بن رسول الله فكيف أختار الأدْوَن
؟! بل أختار الأفضل ، الكلمة التي أقهر بها
عدو الله وأذوده عن أوليائه


فقال الحسن بن علي(ص):قد أحسنت الإختيار،
وعلمه الكلمة وأعطاه عشرين ألف درهم ،
فذهب فأفحم الرجل ، فاتصل خبره به فقال له
حين حضر معه: يا عبدالله ما ربح أحد مثل
ربحك، ولااكتسب أحد من الأوداء مثل ما
اكتسبت: مودة الله أولاً، ومودة محمد وعلي
ثانياً، ومودة الطيبين من آلهما ثالثاً،
ومودة ملائكة الله تعالى المقربين رابعاً
، ومودة إخوانك المؤمنين خامساً واكتسبت
بعدد كل مؤمن وكافر ماهو أفضل من الدنيا
ألف مرة ، فهنيئاً لك هنيئاً ) (الإحتجاج
:1/11 والبحار :2 /8 وتفسير العسكري ص347 )


هذه هي قيمة إحياء النفس بالمفهوم
القرآني


والمهم أن نعرف بماذا يتم إحياء النفوس
حتى نحيي أنفسنا وأنفس غيرنا ؟


هذا شهر رمضان يقبل علينا ، ونفوس الناس
تتهيأ فيه لتلقي الفيض والعطاء الإلهي ،
لمجاهدتهم نوازع الشهوات وأهم واجباتكم
أنتم طبقة العلماء والفضلاء ، أن تستفيدوا
من هذه الفرصة في إحياء نفوس الناس:وَمَنْ
أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا
النَّاسَ جَمِيعاً ! وإن من أهم مصاديق
إحياء الأنفس تعريفها بعقائد الإسلام
خاصة إمام زمانها(ع)، وذلك للحديث الصحيح
عن رسول الله(ص): (من مات ولم يعرف إمام
زمانه مات ميتة جاهلية) (1)


فإحياء النفوس في عصرنا معرفته وتعريف
الناس به، وإيجاد الإرتباط بين أيتام آل
محمد(ص)وبين هذا الأب المحجوب الغائب عن
الأنظار(ع)فإن الإرتباط بالله تعالى لا
يتحقق إلا عن طريق الإرتباط بهم(ع)
الإرتباط بمن منه الوجود لا يتحقق إلا
بالإرتباط بمن به الوجود !


وعندما نريد التعرف على شخصيته(ع)وما
تحتويه وما يحيط بها ، تقف محركات عقولنا
عن العمل ، وكيف لا ، والإمام الرضا(ع)يقول
في وصفه :


( بأبي وأمي سميُّ جدي ، شبيهي وشبيه موسى
بن عمران ، عليه جيوب النور تتوقد بشعاع
ضياء القدس! ) (العيون :1/9 ، وقد تقدم في
الموضوع رقم:34)


إنها لأوصافٌ تحير العقل وقد ورد في صفة
المسيح(ع)أن عليه جلابيب النور ، ففي
مناظرة الإمام الرضا(ع)مع علماء النصارى:
(ثم قال للجاثليق: يا نصراني كيف علمك
بكتاب شعيا(ع)؟ قال: أعرفه حرفاً حرفاً قال
لهما: أتعرفان هذا من كلامه: يا قوم إني
رأيت صورة راكب الحمار لابساً جلابيب
النور ، ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء
القمر ؟


فقالا: قد قال ذلك شعيا(ع) قال الرضا(ع): يا
نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى(ع): إني
ذاهب الى ربكم وربي والبارقليطا جاءٍ ، هو
الذي يشهد لي بالحق كما شهدت) (عيون أخبار
الرضا(ع) :2/145)


لكن وصف الإمام المهدي(ع)أبلغ من ذلك:
(عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس! )
، ومع ذلك فلا نستطيع أن نعرف حقيقة جلابيب
النور على نبي الله عيسى ، وجيوب النور على
الإمام المهدي(ص)!


إن أحاديث أهل البيت(ع)جواهر مكنونة ، لم
نعرف الى الآن كنوزها في معرفة الله تعالى
، ومعرفة وسائط فيضه وعطائه(ع) ! ونيل هذه
الكنوز أمر صعب ، لا يحصل بالبحث والتعمق
الفكري كما هو الحال في بقية العلوم، بل هو
عطاء يختص به الله من يشاء من عباده


إن معرفة ولي الله الأعظم(ع)تحتاج الى أن
يشمر خواص العلماء الأتقياء الذين
اشتغلوا سنين طويلة في معالجة المسائل
الفكرية ، ويدرسوا تعابير المعصومين (ع)
الواردة في الأدعية والزيارات ،
ويستخرجوا من كنوزها !


كم قرأنا هذه العبارة في دعاء
الندبة:بنفسي أنتَ من عقيدِ عزٍَ لا
يُسَامَى، لكن مهما فكرنا فيها لوعي
معناها لكان قليلاً! فمامعنى (عقيد العز)
ومن أي دوحة تفرع، والى أين بلغت رفعة هذا
الفرع بحيث (لا يُسَامى) ، هكذا بصيغة
المطلق المبني للمجهول ! فلا يمكن لفضل ولا
شرف ولا منقبة ، أن تسامي مقامه الشريف(ع)!


إن للإمام المهدي صلوات الله عليه صفات
مشتركة مع بقية المعصومين(ع) وصفات خاصة
به،ويكفي أن نقرأ قوله تعالى:
وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا
وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِئَ
بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ
لا يُظْلَمُونَ ( سورة الزمر:69 )


فظاهر الآية عن مشهد من يوم القيامة ، لكن
هل تشرق الأرض قبل ذلك بهذا النور
الرباني، وهل للآية معنى آخر؟ بلى ، فقد
ذكر المفيد في الإرشاد، والشيخ الطوسي،
والشيخ الصدوق، وعظيم الطائفة الفضل بن
شاذان النيشابوري، وعلي بن إبراهيم القمي
أعلى الله مقامهم ، روايات في تفسيرها قال
القمي&:2/253(حدثنا محمد بن أبي عبدالله(ع)
قال: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثني القاسم
بن الربيع قال: حدثني صباح المدائني قال:
حدثنا المفضل بن عمر أنه سمع أبا عبد
الله(ع) يقول في قوله: وَأَشْرَقَتِ
الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا: رب الأرض يعني
إمام الأرض، فقلت: فإذا خرج يكون ماذا ؟
قال: إذاً يستغني الناس عن ضوء الشمس ونور
القمر ويجتزئون بنور الإمام )!! (2)


الآن تشرق الأرض بنور الشمس ، لكن سيأتي
يوم قبل يوم القيامة تشرق بنور الله عز وجل
من نور وليه وحجته(ع)!


وقوله(ع): إذاً يستغني الناس عن ضوء الشمس
ونور القمر ويجتزئون بنور الإمام ، سواء
تعبيراً حقيقياً أو رمزياً ، فهو يكشف عن
حقيقة عظيمة هي أن الإمام المهدي(ع)سرٌّ
رباني كبير، وأنه عندما يحضر من عالم
الغيب إلى عالم الشهود تقوم أشعة بدنه
وجيوب النور التي خصه الله بها ، مقام نور
الشمس والقمر! كما أن أشعة نفسه المباركة
تشرق على البشر فتخرج معادن الإنسانية من
القوة إلى الفعل، والناس كما قال رسول
الله(ص)معادن كمعادن الذهب والفضة! فكيف
نستطيع معرفة شخصية من هذا النوع ؟


كان لرسول الله(ص)درعان، وهما من جملة
مواريث النبوة عند الأئمة (ع)، وأحد
الدرعين علامة الإمامة العامة ، وقد كان
الأئمة(ع)يلبسونها فتستوي عليهم ، لأن من
علامات الإمام أن تستوي عليه درع رسول
الله (ص) ! (وإذا لبس درع رسول الله(ص)كانت
عليه وفقاً، وإذا لبسها غيره من الناس
طويلهم وقصيرهم زادت عليه شبراً )
(الكافي:1/388 ) (3)


هذه هي الدرع الأولى، أما الثانية فهي
خاصة للمهدي القائم(ع)ولا تستوي إلا عليه !
قال الإمام الصادق(ع): (ومن صار إليه السلاح
منا أوتي الإمامة، ولقد لبس أبي درع رسول
الله فخطت على الأرض خطيطاً، ولبستها أنا
فكانت وكانت، وقائمنا من إذا لبسها ملأها
إن شاء الله ) ( بصائر الدرجات ص195) فهي درع
جعلها الله آيةً خاصةً لخاتم الأنبياء
رسول الله(ص)وخاتم الأوصياء الإمام
المهدي(ع)! ولاتستوي على غيرهما حتى على
أمير المؤمنين(ع)أفضل الأولين والآخرين
بعد النبي(ص)!


ذلك أن أعظم مدارين وتسلسلين في دائرة
الوجود هما النبوة والإمامة ، وختم مدار
النبوة برسول الله(ص)، وختم الإمامة
بالإمام المهدي(ع)، فلا تعجب إذا كانت بعض
الصفات تختص به(ع)ويشترك فيها مع جده رسول
الله(ص) وهناك نقطة هي أن النبي(ص)هو (
الخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل)(4)
فالنبي(ص)خاتم لكل المراحل السابقة ،
وفاتح لمرحلة جديدة مستقبلة ، أما صاحب
الزمان(ع)فهو الخاتم المطلق !


ومن هنا كان من صفاته(ع)أنه (المنتهى إليه
مواريث الأنبياء ، ولديه آثار الأصفياء)
المزار للشهيد الأول(ع)ص203 ، فهو نقطة
نهاية المطاف في دائرة النبوة والإمامة ،
وعلى يده يحقق الله ثمراتها ، وفيه يجمع
الله ما شاء من ألطافه الخاصة التي وزعها
في أنبيائه وأوليائه،ماكان أعطاه الى نوح
وإبراهيم وموسى وعيسى، فيجمعها في خاتم
الحجج ومحقق أهداف الأنبياء(ع) !


هذا هو الإمام صاحب الزمان صلوات الله
عليه ! الذي تحار فيه العقول كلما اقتربت
فراشاتها من وهج سراجه !


إن معرفته تحتاج الى إذن رباني خاص: وَمَا
تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ
رَبُّ الْعَالَمِينَ (سورة التكوير:29)،
ولذا كان علينا أن نطلب من الله تعالى أن
يعرفنا إياه(ع): اللهم عرفني نفسك، فإنك إن
لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني
رسولك فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف
حجتك ، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم
تعرفني حجتك ضللت عن ديني الكافي ج1ص337 فلو
كانت معرفته مسألة بسيطة لما احتاجت الى
هذا التضرع ! بل هي من النعم التي تحتاج إلى
رحمة وإذن رباني خاص !


إن الذي نملكه أن نداوم ليلاً نهاراً على
ذكر الله تعالى ثم ذكره(ع)، وذكره من ذكر
الله تعالى ، فافتتحوا أيامكم واختموها
بذكر اسمه الشريف ، واذكروه في مجالسكم
ومحافلكم حيثما كنتم، لعله يتعطف علينا
بنظرة مما أعطاه الله ، وإن النظرة منه
لتغير عالماً بأكمله !


سيدي يا حجة الله في أرضه أيُّ شخصية
ربانية أنت ؟وما الذي ضمته جوانحك من
أسرار الله تعالى؟ أيها الكتاب المستور،
ياصاحب الدين المأثور! (سلام الله وتحياته
وصلواته على مولاي صاحب الزمان، صاحب
الضياء والنور والدين المأثور، واللواء
المشهور، والكتاب المنشور، وصاحب الدهور
والعصور)(5)


أنت الكتاب المسطور فِي رَق مَنشُور ،
والنور على النور ، وحامل سر الله المستور
في قلبك الطاهر ، المستسر عن قلوب الجميع !


إقرؤوا هذه الأدعية والزيارات لتعرفوا
سعة سلطان الله الذي أعطاه لوليه وحجته
صاحب الزمان أرواحنا له الفداء ، في أحدها:
(السلام عليك يا حجة على من في الأرض
والسماء)! (تقدم من البحار:99/116) وفي
أحدها:(أشهد أنك الحجة على من مضى وعلى من
بقي)! (تقدم بكامله من المزار للشهيد
الأول&ص203) ولا يتسع الوقت لشرح معنى
كونه(ع)حجة على من مضى ومن بقي !


إن الإمام المهدي وجه الله تعالى ، لكن أي
وجه لله هو(ع)؟ نقرأ في دعاء الندبة: أين
وجه الله الذي يتوجه اليه الأولياء،ولفهم
هذه الكلمة العميقة ينبغي أن نعرف
هؤلاءالأولياءالذين يتوسلون الىالله
تعالىبوجهه الذي هوالإمام المهدي
(ع)فلنقرأ من صفتهم في القرآن:أَلا إِنَّ
أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ
وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا
وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى
فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي
الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ
اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (
سورة يونس:62-64 ) ، فلا بد أن يبلغوا هذه
الدرجة العالية حتى يكونوا أهلاً لشرف
التوسل الى الله بحجته الإمام المهدي(ع)!
روحي وأرواح العالمين لك الفداء من جوهرة
مخزونة بالأسرار طالما جهلناك وانشغلنا
بغيرك عنك، وابتعدنا بأفكارنا عنك! وسنبقى
بعيدين ما لم تعطف علينا بنظرة ، كما عطفت
على ذلك الرجل الحلي ، فعَمَرَ الله قلبه
بحبكم أهل البيت ، فهل تكون قلوبنا كقلبه
ونفوز منك بنظرة تكون إكسيراً لقلوبنا !


ذلك المؤمن لم يكن يطيق أن يسمع أو يتذكر
ظلامة الصديقة الكبرى الزهراء(ع)حتى يندفع
في ذكر مثالب ظالميها كان لا يستطيع أن
يتصور كيف هاجموا بيت الزهراء(ع)وضربوها
وكسروا ضلعها


كان يفقد صبره كلما تصور أن الظلامة وصلت
الى أن الزهراء(ع)عاشت بقية عمرها بعد
أبيها(ص)تعاني من ذلك اليوم ، حتى نحلت
وصار جسمها كالخيال ، هيكلاً من جلد وعظام
، وأوصت أن يواروها في قبرها ليلاً حتى لا
يشارك ظالموها في تشييعها ! فكان ينطلق
لسانه في مثالب قاتليها !


وصل خبره إلى الوالي ، فأمر بالقبض عليه
وتعذيبه ، فضربوه حتى كسروا جميع أسنانه
وقطعوا لسانه ، فقال بعضهم لبعض كفى!
فثقبوا أنفه وربطوا فيه خيطاً ، وطافوا به
في الأسواق ليكون عبرة لغيره ! ثم أخذوه
الى بيته جنازة وألقوه في داره ، وانصرفوا
!


وفي اليوم الثاني تفاجأ الجميع عندما
رأوه يصلي سليماً معافىً لا أثر فيه لشئ
مما حدث له ! بل كان حيوياً مشرق الوجه كأنه
شاب رغم شيخوخته !


سألوه عما حدث له فقال: عندما رموا بي هنا
عرفت أني في آخر ساعة من عمري ، فقد شاهدت
الموت بأم عيني ! أردت أن أنادي مولاي
الحجة بن الحسن(ع)فلم أستطع ، فناديته
بقلبي (يا صاحب الزمان) وإذا به جالسٌ إلى
جنبي ، فنظر اليَّ نظرةً ووضع يده على جسمي
وقال لي: إنهض واسع في تحصيل قوت عيالك !
فنهضت كما تروني أحسن مما كنت !


ما الذي حدث ، وكيف التأمت جراحه ، وصار له
لسان بدل لسانه ، وعادت اليه أسنانه،
والتأمت جروحه؟! وصار وجهه العادي المتجعد
وجهاً جميلاً مشرقاً ؟! أي إكسير هذا الذي
صنع كل ذلك بمسحة واحدة ، على مكان واحد من
بدن ذلك المؤمن ؟!


إن الإكسير من خواصه على ما يذكرون أنه
يحدث انقلاباً في ماهية الأشياء، لكنه
انقلاب محدود ! لا يصل الى هذا الإنقلاب
الجذري !


نعم لقد حصل ذلك ، وهذا ما يمكن أن يحصل لك
إذا خطوت الى المولى خطوة واستحقيت منه
نظرة ، تحدث انقلاباً في عالم ملكك
وملكوتك !


قال ذلك المؤمن: نظر اليَّ نظرة ، ثم وضع
يده على بدني وقال: قُمْ ، واسْعَ إلى رزقك
، وكِدَّ على عيالك ! فلم يكن من الضروري أن
يمسح بيده على بقية جراح بدنه ، فتلك اليد:
يد ولي الله ، يد الله تعالى


صلى الله عليك صلى الله عليك ،صلى الله
عليك عدد ما في علم الله ،


صلاة دائمة بدوام ملك الله تعالى اللهم صل
على محمد وآل محمد


التعليقات


(1) قال الصدوق&في كمال الدين:2/409: (حدثنا
محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه
قال: حدثني أبو علي بن همام قال: سمعت محمد
بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول: سمعت
أبي يقول سئل أبو محمد الحسن بن علي(ع)وأنا
عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه(ع): إن
الأرض لاتخلو من حجة لله على خلقه إلى يوم
القيامة وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه
مات ميتة جاهلية ، فقال: إن هذا حق كما أن
النهار حق ، فقيل له: يا ابن رسول الله فمن
الحجة والإمام بعدك؟ فقال: إبني محمد هو
الامام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات
ميتة جاهلية ، أما إن له غيبة يحار فيها
الجاهلون ويهلك فيها المبطلون ، ويكذب
فيها الوقاتون ، ثم يخرج فكأني أنظر إلى
الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة )


وروى البرقي في المحاسن:1/153: ( عنه (أحمد بن
أبي عبد الله البرقي) عن أبيه ، عن النضر بن
سويد ، عن يحيى الحلبي ، عن بشير الدهان قال
قال أبو عبد الله(ع): قال رسول الله(ص): من
مات وهو لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ،ثم
قال: فعليكم بالطاعة، قد رأيتم أصحاب علي،
وأنتم تأتمون بمن لايعذر الناس بجهالته،
لنا كرائم القرآن، ونحن أقوام افترض الله
طاعتنا ، ولنا الأنفال ولنا صفو المال )


وروى في ص154: عنه ( أحمد بن عبد الله البرقي
) عن أبيه ، عن النضر ، عن يحيى الحلبي، عن
حسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد
الله(ع)عن قول رسول الله(ص): من مات ليس له
إمام مات ميتة جاهلية، فقال: نعم، لو أن
الناس تبعوا علي بن الحسين(ع) وتركوا عبد
الملك بن مروان اهتدوا فقلنا: من مات لا
يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ميتة كفر ؟
فقال: لا ، ميتة ضلال )


أما المصادر السنية فروت الحديث بتغييرات
عديدة ، فبعضهم أبقى فيه لفظ الإمام لكن
حذف معرفة الإمام وجعلها بيعة الإمام ،
كما في مسند الطيالسي ص1259، عن ابن عمر قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية ، ومن
نزع يداً من طاعة جاء يوم القيامة لا حجة
له)


وبهذا التعديل في الحديث النبوي استطاع
معاوية ابن أبي سفيان أن يستغل الحديث
ويجعله دعوة الى بيعته ، كما في صحيح ابن
حبان:7/49: عن معاوية قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: من مات وليس له إمام مات
ميتة جاهلية )


وبعضهم جعله حديثاً موجهاً ضد من يخرج على
الحاكم حتى لو كان جائراً ! كما في معجم
الطبراني الكبير:10/350 ( عن ابن عباس قال قال
رسول الله (ص): من فارق جماعة المسلمين قيد
شبر فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه ، ومن
مات ليس عليه إمام فميتته جاهلية ، ومن مات
تحت راية عمية يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة
فقتلته جاهلية )


أما إمام هؤلاء الرواة فهو البخاري، فقال
في صحيحه:8/87: (عن ابن عباس عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: من كره من أميره شيئاً
فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات
ميتة جاهلية ورواه أيضاً في نفس الصفحة
بعدة روايات ورواه أيضاً في:8/105 ، ورواه
مسلم:6/21، والبيهقي في سننه:8/156 و:10/234 ،
وأحمد في مسنده:1/297 و310 ، ونحوه في :2 /70 و93
و123 و/445 وفي:3/446 الخ


(2) في عيون أخبار الرضا(ع):2/145: ( ثم قال
للجاثليق: يا نصراني كيف علمك بكتاب
شعيا(ع)؟ قال: أعرفه حرفاً حرفاً قال لهما:
أتعرفان هذا من كلامه: يا قوم أني رأيت
صورة راكب الحمار لابساً جلابيب النور ،
ورأيت راكب البعير ضوؤه مثل ضوء القمر ؟
فقالا: قد قال ذلك شعيا(ع) قال الرضا(ع): يا
نصراني هل تعرف في الإنجيل قول عيسى(ع): إني
ذاهب الى ربكم وربي ، والبار قليطا جاءٍ ،
هو الذي يشهد لي بالحق كما شهدتموه، والذي
يفسر لكم كل شئ، وهو الذي يبدأ فضائح
الأمم، وهو الذي يكسر عمود الكفر فقال
الجاثليق: ما ذكرت شيئاً من الإنجيل إلا
ونحن مقرون به ! ) ورواه الصدوق&في التوحيد /
424


(3) في من لايحضره الفقيه للصدوق&:4/418: (وروى
أحمد بن محمد بن سعيد الكوفى قال: حدثنا
على بن الحسن بن فضال ، عن أبيه ، عن أبي
الحسن علي بن موسى الرضا(ص)قال: للإمام
علامات:


يكون أعلم الناس، وأحكم الناس ، وأتقى
الناس ، وأحلم الناس ، وأشجع الناس وأسخى
الناس ، وأعبد الناس ، ويولد مختوناً ،
ويكون مطهراً ، ويرى من خلفه كما يرى من
بين يديه، ولا يكون له ظل ، وإذا وقع على
الأرض من بطن أمه وقع على راحتيه رافعاً
صوته بالشهادتين، ولا يحتلم، وتنام عينه
ولا ينام قلبه، ويكون محدثاً، ويستوي عليه
درع رسول الله(ص)، ولا يرى له بول ولا غائط ،
لأن الله عز وجل قد وكل الأرض بابتلاع ما
يخرج منه ، وتكون رائحته أطيب من رائحة
المسك، ويكون أولى بالناس منهم بأنفسهم،
وأشفق عليهم من آبائهم وأمهاتهم ، ويكون
أشد الناس تواضعاً لله جل ذكره ، ويكون آخذ
الناس بما يأمر به ، وأكف الناس عما ينهى
عنه ، ويكون دعاؤه مستجاباً حتى أنه لو دعا
على صخرة لانشقت بنصفين، ويكون عنده سلاح
رسول الله(ص)، وسيفه ذو الفقار ، ويكون
عنده صحيفة يكون فيها أسماء شيعته إلى يوم
القيامة ، وصحيفة فيها أسماء أعدائه إلى
يوم القيامة، وتكون عنده الجامعة وهي
صحيفة طولها سبعون ذراعاً فيها جميع ما
يحتاج إليه ولد آدم، ويكون عنده الجفر
الأكبر والأصغر: إهاب ماعز وإهاب كبش ،
فيهما جميع العلوم حتى أرش الخدش وحتى
الجلدة ونصف الجلدة وثلث الجلدة، ويكون
عنده مصحف فاطمة(ع)) ورواه في معاني
الأخبارص102


وفي الكافي للكليني&:1/388: ( علي بن محمد ، عن
بعض أصحابنا ، عن ابن أبي عمير ، عن حريز ،
عن زرارة ، عن أبي جعفر(ع)قال: للإمام عشر
علامات: يولد مطهراً ، مختوناً ، وإذا وقع
على الأرض وقع على راحته رافعاً صوته
بالشهادتين ، ولا يجنب ، وتنام عينه
ولاينام قلبه، ولا يتثاءب ولايتمطى، ويرى
من خلفه كما يرى من أمامه، ونجوه كرائحة
المسك والأرض موكلة بستره وابتلاعه ، وإذا
لبس درع رسول الله(ص)كانت عليه وفقاً ، وإذا
لبسها غيره من الناس طويلهم وقصيرهم زادت
عليه شبراً ، وهو مُحَدَّثٌ إلى أن تنقضي
أيامه )


وفي الكافي:1/232 من حديث عن الإمام
الصادق(ع)قال:( وإن عندي لسيف رسول الله(ص)،
وإن عندي لراية رسول الله(ص)ودرعه ولامته
ومغفره ، فإن كانا صادقين فما علامة في درع
رسول الله (ص)؟ وإن عندي لراية رسول
الله(ص)المغلبة ، وإن عندي ألواح موسى
وعصاه ، وإن عندي لخاتم سليمان بن داود ،
وإن عندي الطست الذي كان موسى يقرب به
القربان ، وإن عندي الإسم الذي كان رسول
الله(ص)إذا وضعه بين المسلمين والمشركين
لم يصل من المشركين إلى المسلمين نشابة ،
وإن عندي لمثل الذي جاءت به الملائكة


ومثل السلاح فينا كمثل التابوت في بني
إسرائيل ، في أي أهل بيت وجد التابوت على
أبوابهم أوتوا النبوة ، ومن صار إليه
السلاح منا أوتي الإمامة ، ولقد لبس أبي
درع رسول الله(ص)فخطت على الأرض خطيطاً ،
ولبستها أنا فكانت وكانت ، وقائمنا من إذا
لبسها ملأها إن شاء الله) وروا في بصائر
الدرجات ص195 بنحوه


وفي بصائر الدرجات للصفار&ص206: (حدثنا
ابراهيم بن محمد، عن الحسين بن موسى
الخشاب، عن محسن بن محمد، عن أبان بن
عثمان، عن أبي عبدالله(ع) قال: لبس أبي درع
رسول الله(ص)ذات الفضول،فخطت، ولبست أنا
فكان وكان) ورواه في الكافي:1/234 ، وفيه "
ولبستها أنا ففضلت"


وفي الكافي:8/331 ، عن الإمام الصادق(ع)قال: (
درع رسول الله(ص)ذات الفضول لها حلقتان من
ورق في مقدمها وحلقتان من ورق في مؤخرها ،
وقال: لبسها علي(ع) يوم الجمل)


وفي كامل الزيارات ص233، قال:(حدثني الحسين
بن محمد بن عامر ، عن أحمد بن إسحاق بن سعد
، عن سعدان بن مسلم ، عن عمر بن أبان ، عن
أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله(ع)، قال:
كأني بالقائم على نجف الكوفة وقد لبس درع
رسول الله(ص) فينتفض هو يها فتستدير عليه ،
فيغشيها بخداجة من إستبرق ، ويركب فرساً
أدهم بين عينيه شمراخ ، فينتفض به انتفاضة
لا يبقى أهل بلد إلا وهم يرون إنه معهم في
بلادهم ، فينشر راية رسول الله(ص)عمودها من
عمود العرش وسائرها من نصر الله ، لا يهوي
بها إلى شئ أبدا إلا هتكه الله فإذا هزها
لم يبق مؤمن إلا صار قلبه كزبر الحديد ،
ويعطي المؤمن قوة أربعين رجلاً ، ولا يبقى
مؤمن إلا دخلت عليه تلك الفرحة في قبره ،
وذلك حين يتزاورون في قبورهم ويتباشرون
بقيام القائم ! فينحط عليه ثلاث عشر آلاف
ملك وثلاثمائة وثلاث عشر ملكاً


قلت: كل هؤلاء الملائكة ، قال: نعم الذين
كانوا مع نوح(ع)في السفينة ، والذين كانوا
مع ابراهيم(ع)حين ألقي في النار ، والذين
كانوا مع موسى(ع)حين فلق البحر لبني
اسرائيل، والذين كانوا مع عيسى(ع)حين رفعه
الله إليه ، وأربعة آلاف ملك مع النبي(ص)
مسومين ، وألف مردفين ، وثلاثمائة وثلاثة
عشر ملائكة بدريين ، وأربعة آلاف ملك
هبطوا يريدون القتال مع الحسين(ع)فلم يؤذن
لهم في القتال فهم عند قبره شعث غبر يبكونه
الى يوم القيامة ، ورئيسهم ملك يقال له:
منصور ، فلا يزوره زائر إلا استقبلوه، ولا
يودعه مودع إلا شيعوه ، ولايمرض مريض إلا
عادوه ، ولا يموت ميت إلا صلوا على جنازته
، واستغفروا له بعد موته ، وكل هؤلاء في
الأرض ينتظرون قيام القائم(ع)إلى وقت
خروجه !)


(4) في كامل الزيارات لجعفر بن محمد بن
قولويه&ص97 ، من زيارة النبي(ص): السلام من
الله والسلام على محمد أمين الله على وحيه
وعزائم أمره ، ومعدن الوحي والتنزيل ،
والخاتم لما سبق ، والفاتح لما استقبل ،
والمهيمن على ذلك كله ، والشاهد على الخلق
، السراج المنير ، والسلام عليه ورحمة
الله وبركاته


وفي الكافي: 4/572: ( السلام على رسول الله ،
السلام على أمين الله على وحيه وعزائم
أمره ، الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل
، والمهيمن على ذلك كله ، والسلام عليه
ورحمة الله وبركاته) وراجع مصباح المتهجد
ص741


(5) في مصباح الزائر: ص312، (في زيارة مولانا
صاحب الأمر صلوات الله عليه وما يلحق
بذلك، إذا أردت زيارته صلوات الله عليه
وسلامه فليكن ذلك بعدزيارة العسكريين (ص)،
فإذا فرغت من العمل هناك ، وبلغت من
زيارتهما هناك فامض إلى السرداب المقدس
وقف على بابه ، وقل ثم تنزل مقدماً رجلك
اليمنى وتقول: بسم الله وبالله ، وفي سبيل
الله وعلى ملة رسول الله(ص)، أشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً
عبده ورسوله ، وكبر الله واحمده وسبحه
وهلله ، فإذا استقررت فيه فقف مستقبل
القبلة وقل:


سلام الله وبركاته وتحياته وصلواته على
مولاي صاحب الزمان ، صاحب الضياء والنور ،
والدين المأثور، واللواء المشهور،
والكتاب المنشور ، وصاحب الدهور والعصور ،
وخلف الحسن ، الإمام المؤتمن ، والقائم
المعتمد ، والمنصور المؤيد، والكهف
والعضد، عماد الاسلام ، وركن الأنام ،
ومفتاح الكلام ، وولي الأحكام ، وشمس
الظلام ; وبدر التمام ، ونضرة الأيام ،
وصاحب الصمصام ، وفلاق الهام، والبحر
القمقام ، والسيد الهمام، وحجة الخصام ،
وباب المقام ، ليوم القيام ، والسلام على
مفرج الكربات ، وخواض الغمرات، ومنفس
الحسرات ، وبقية الله في أرضه، وصاحب
فرضه، وحجته على خلقه،وعيبة علمه، وموضع
صدقه، والمنتهي إليه مواريث الأنبياء،
ولديه موجود آثار الأوصياء، وحجة الله
وابن رسوله ، والقيم مقامه، وولي أمر
الله، ورحمة الله وبركاته اللهم كما
انتجبته لعلمك، واصطفيته لحكمك ، وخصصته
بمعرفتك ، وجللته بكرامتك ، وغشيته
برحمتك، وربيته بنعمتك، وغذيته بحكمتك،
واخترته لنفسك، واجتبيته لبأسك، وارتضيته
لقدسك ، وجعلته هاديا لمن شئت من خلقك ،
وديان الدين بعدلك ، وفصل القضايا بين
عبادك) ورواه في البحار :102/ 83


(37)كيف نعرف الإمام المهدي(ع)ونعرفه للناس
؟


( بتاريخ: 14 شعبان 1412 ـ 19/2/1992 ـ 30/11/1370 )


هل عرفنا صاحب الزمان أرواحنا فداه كما
يجب ، حتى نتكلم فيه ونعرفه للناس؟ أم نحن
أول الأصناف العشرة الذين قال عنهم أمير
المؤمنين(ع): (عشرة يعنتون أنفسهم وغيرهم:
ذو العلم القليل يتكلف أن يعلم الناس
كثيراً ، والرجل الحليم ذو العلم الكثير
ليس بذي فطنة الخ ) (1)


نحن نردد هذه الكلمة العظيمة لأمير
المؤمنين(ع)، لكن قلما نعمل بها ! فلماذا
ترانا لا نتعب من الكلام فيما نقوله للناس
، مع علمنا القليل ؟


يجب أن نعترف بأنا أنانيون نحب أنفسنا،
وقد نعبدها ، ولذا لا نشعر بالتعب !


وسبب أنانيتنا أننا لا نعترف بجهلنا في
هذا الموضوع وذاك وذلك ! فنُدخل أنفسنا فيه
، ونقول فيه بغير علم ، فنُتعب أنفسنا
ونُتعب الناس !


نعم ، نحن نعرف عن صاحب الزمان أرواحنا
فداه ، أنه موجود وأنه الإمام الثاني عشر
من أئمة أهل بيت النبوة الطاهرين(ع) ، وأنه
الموعود على لسان جده سيد المرسلين(ص)،
المذخور لتنفيذ هدف رب العالمين بأن يملأ
الأرض قسطاً وعدلاً ، كما ملؤوها ظلماً
وجور


لكني لا أقصد المعرفة الواجبة على كل
المكلفين ، بل أقصد تعريف شخصيته تعريفاً
علمياً يكون جامعاً مانعاً وبهذا المعنى
فأنا لا أعرف عنه شيئاً ! وأقصد نفسي دونكم
لأني لا علم لي بكم


لكنا مع ذلك نتكلم في معرفته صلوات الله
عليه ، لأنه نوع من التقرب والتوسل به إلى
الله تعالى ، فذكر أهل البيت(ع)ذكر لله عز
وجل ، وإلا فنحن لسنا أهلاً لنكون من خدام
خدامهم


من أين لنا أن نستطيع تعريف صاحب الزمان
صلوات الله عليه ، ونحن نقرأ في زيارة
الناحية المقدسة:السلام عليك سلام من عرفك
بما عرَّفك الله به ونعتك (2)


وهذا يعني أنا لا يمكننا أن ندعي معرفته
وتعريفه ، فما نقوله لا يصلح أن يكون
تعريفاً له، بل تعريفه فقط ما عرفه الله
تعالى به، فهو التعريف الصحيح، وغيره منا
كلام ملؤه الغلط !


سلام من عرفك بما عرَّفك الله به ونعتك
فبماذا عرَّفه الله تعالى ؟


عرَّفه الله بما رواه الشيخ الطوسي قدس
الله نفسه الزكية، في مصباح المتهجد ،
قال(ره): (ويستحب أن يدعى فيها بهذا الدعاء:


اللهم بحق ليلتنا ومولودها، وحجتك
وموعودها، التي قرنت إلى فضلها فضلك، فتمت
كلمتك صدقاً وعدلاً ، لا مبدل لكلماتك ،
ولا معقب لآياتك، نورك المتألق، وضياؤك
المشرق ، والعلم النور في طخياء الديجور ،
الغائب المستور، جل مولده، وكرم محتده،
والملائكة شهده، والله ناصره ومؤيده، إذا
آن ميعاده، والملائكة أمداده ، سيف الله
الذي لا ينبو، ونوره الذي لا يخبو، وذو
الحلم الذي لا يصبو) (3)


نورك المتألق، وضياؤك المشرق فأي عالم
هذا من عوالم الله عز وجل ، الذي لا نصل
اليه؟ وأي جهاز رباني هذا ، الذي لا نستطيع
أن ندركه؟!


بحق ليلتنا ومولودهاالتي قرنت إلى فضلها
فضلك


أيُّ فضل قُرِنَ الى أيِّ فضل ؟! فصاحب
الزمان صلوات الله عليه هو فضل الله
العزيز الحكيم ، ذي العزة والمجد والعطاء
قرنه إلى فضل ليلة النصف من شعبان فما
حقيقة هذين الفضلين وما معنى اقترانهما ؟!


هذه العبارات لم أستطع تفسيرها، ولا
أستطيع الآن أن أعبر عما فهمته منها !


لذا أتركها إلى عبارة أخرى من زيارة
الناحية المقدسة التي فيها: سلام من عرفك
بما عرَّفك الله به ، وفيها هذه العبارة:
السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى وسدرة
المنتهى!


إن قدرة الإنسان على الخيال أوسع من قدرته
على الرؤية بالبصر بكثير ، فلاحظوا الى أي
مدى يصل بصركم وما تراه أعينكم ، ثم إلى أي
مدى يبلغ خيالكم ؟! طبعاً الفارق بينهما
كبير وبهذه النسبة يكون الفرق بين ما
يبلغه الخيال وما يبلغه العقل! فالعقول
تدرك المجردات التي لا يدركها الخيال !
فعقولنا مثلاً تدرك ما وراء الفضاء ، لكن
خيالنا لا يدركه إلا فضاء ! وتدرك العدم ،
ولا يدركه خيالنا إلا وجوداً !


فهل سمعتم بشخص ينظر من الأرض إلى الجنة
وإلى شجرة طوبي ، وإلى سدرة المنهتى؟! إنه
الإمام صاحب الزمان أرواحنا فداه !


السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى وسدرة
المنتهى فإذا كان نظره(ع)يصل إلى شجرة طوبى
وسدرة المنتهى ، فإلى أين يصل تصوره ، وإلى
أين يصل إدراك عقله الشريف؟! هنا نعرف
لماذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم(ع)!


فإن حدود علم جبرئيل(ع)وقدرته على الإدراك
تقف عند سدرة المنهتى ، ففي المناقب من
حديث ابن عباس عن المعراج: فلما بلغ إلى
سدرة المنتهى فانتهى إلى الحجب فقال
جبرئيل: تقدم يارسول الله ليس لي أجوز هذا
المكان ولو دنوتُ أنملةً لاحترقت!
(المناقب لابن شهر آشوب:1/155)


بل لا بد أن نقول إن جبرئيل لا يستطيع أن
يصل الى حيث وصل الإمام المهدي(ع)، الذي
يصل مدى نظره إلى سدرة المنتهى ، فيكون
جبرئيل تحت نظره، فضلاً عن قدرة تصوره، ثم
قدرة تعقله صلوات الله عليه، فكيف يمكننا
أن نعرِّف الإمام المهدي(ع)بغير هذا
التعريف: السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى
وسدرة المنتهى، السلام عليك يا نور الله
الذي لا يطفى


إنه نور الله الذي لا يطفأ ، ففيه اجتمعت
كل المعرفة وكل العلوم روحي فداه! وقد
يتصور بعضهم أن هذه الأبحاث لا فائدة فيها
، لكنه لا يلتفت الى أن مشكلاتنا جاءت من
تنقيصنا لمقام النبي(ص)والأئمة المعصومين
من عترته الطاهرين(ع)، ولأنا لم نقدرهم حق
قدرهم، ولم نعطهم حقهم ومقامهم الذي أعطاه
الله لهم، فتخيلناهم في مقامات دنيا، بل
صادرنا أحياناً مقاماتهم لأنفسنا! مع أن
الذين ينقصونهم مقاماتهم ولو درجة واحدة ،
فضلاً عمن يصادرونها ويدعونها لأنفسهم،
ينطبق عليهم قول الله تعالى:كَلا
إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
لَمَحْجُوبُونَ سورة المطففين:15،


وهذه هي خسارة الأبد، وعذاب الكمد !


وعبارة أخرى في نفس زيارة الناحية هذه
تقول:أشهد أنك الحجةوأنك خازن كل علم،
وفاتق كل رتق، ومحقق كل حق ، ومبطل كل باطل
فهذه مقامات أربعة لصاحب الزمان صلوات
الله عليه ، تتعلق بما أعطاه الله من العلم
والقدرة ومن الصعب علينا أن نتصور معانيها
:


خازن كل علم ، بهذا الشمول وبأصرح أدوات
التعميم !


وكذلك تصور الصفات الأربع التي تتعلق
بالقدرة التي أعطاه الله إياها ، وهي فوق
ما أعطى لعيسى بن مريم(ع)من إحياء الموتى
بإذنه وغيرها !


فالإمام المهدي(ع)بإشارة منه بالمشيئة
الربانية التي تستمد من(كن فيكون) فاتقُ كل
رتق، وراتق كل فتق فهو الهادم لكل باطل ،
والباني لكل حق ، في عالمي المادة والمعنى
وهو المحق لجميع الحقوق المتروكة
والمجهولة ، ومبطل الباطل الظاهر والمخفي
!


إنها مقامات فوق تصورنا وعرفنا المحدود
كما ذكرنا ولا عجبَ ما دام الله تعالى قد
جعله خاتم دينه ، وبقيته المذخورة لإصلاح
أرضه ، والمحقق لهدف أنبيائه(ع)، وجمع فيه
الكرامات والكمالات التي وزعها في غيره !


سأل أحدهم الإمام الصادق(ع)عن الإمام
المهدي(ع)إذا ظهر كيف يسلمون عليه؟ فقال:
يقولون السلام عليك يا بقية الله ، ثم قرأ:
بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (سورة هود: 86 ) (4)


فهو(ع)بقية الله، الذي انتهت إليه مواريث
الأنبياء(ع)والموجود لديه آثار الأصفياء ،
فهو قِطافٌ منهم جميعاً ، وعصارةٌ لهم
جميعاً ، وخلاصةُ عطر استخلصها الله من
عطور العالم ، وجعلها في زجاجة نورانية ،
فكانت الإمام المهدي أرواحنا فداه صلوات
الله عليك يا بقية الله في أرضه


فكيف يمكن لنا أن ندعي أننا ننتسب إلى هذه
الشخصية العظيمة ، وأننا من خدامه أو خدام
خدامه صلوات الله عليه وعليهم؟! لكنه هو
الكريم سليل الأمجاد الكرماء ، نأمل ببركة
دم جده الحسين(ع)أن ينظر إلينا نظرة رضاً ،
تشملنا بها رحمة ربنا عز وجل ، وإلا فنحن
لا شئ ، وليس في أعمالنا ما يقربنا إلى هذا
العالم العلوي من العلم والقدرة الإلهية !


نقل المجلسي&من كتاب السلطان المفرج عن
أهل الإيمان ، قضية عجيبة فيها كلمة من
الإمام(ع)تفتح أبواباً من المعرفة، قال
المجلسي&: (ومن ذلك ما نقله عن بعض أصحابنا
الصالحين من خطه المبارك ما صورته: عن محيي
الدين الإربلي أنه حضر عند أبيه ومعه رجل ،
فنعس فوقعت عمامته عن رأسه ، فبدت في رأسه
ضربة هائلة فسأله عنها فقال له: هي من صفين
!


فقيل له: وكيف ذلك ووقعة صفين قديمة ؟!
فقال: كنت مسافراً إلى مصر فصاحبني إنسان
من غزة ، فلما كنا في بعض الطريق تذاكرنا
وقعة صفين ، فقال لي الرجل: لو كنت في أيام
صفين لرويت سيفي من علي وأصحابه ! فقلت: لو
كنت في أيام صفين لرويت سيفي من معاوية
وأصحابه ! وها أنا وأنت من أصحاب
علي(ع)ومعاوية لعنه الله فاعتركناعركة
عظيمة، واضطربنا فما أحسست بنفسي إلا
مرمياً لما بي ! فبينما أنا كذلك وإذا
بإنسان يوقظني بطرف رمحه ، ففتحت عيني
فنزل إليَّ ومسح الضربة فتلاءمت ، فقال:
إلبَثْ هنا ، ثم غاب قليلاً وعاد ومعه رأس
مخاصمي مقطوعاً والدواب معه ، فقال لي: هذا
رأس عدوك ، وأنت نصرتنا فنصرناك:
وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ
إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ فقلت من
أنت؟ فقال: فلان بن فلان ، يعني صاحب
الأمر(ع)، ثم قال لي: وإذا سئلت عن هذه
الضربة ، فقل ضربتها في صفين!)(البحار:52/75 )


والأمر هنا يتصل بمعرفة الإمامة، فقد ربط
الإمام(ع)قوله: نصرتنا فنصرناك بقوله
تعالى: وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ
يَنْصُرُهُ، لأن نصرة أهل البت(ع)نصرةٌ
لله تعالى، فقد نصر هذا المؤمن الله تعالى
ضد الناصبي عدو الله ! والذي نصره على
الناصبي ليس الإمام المهدي(ع)بل الله
تعالى، مثل قوله تعالى لنبيه(ص): فَلَمْ
تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ
قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ
الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً
إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( سورة
الأنفال:17 )


فلم تكن القدرة في يد الإمام
المهدي(ع)التي لمست جرحه فشفي من فوره قدرة
بشرية ، بل قدرة ربانية جرت على يد الإمام
المهدي(ع)، لكن ذلك يحتاج الى رقي فكري
لإدراكه وتعقله


إن القدرة التي جعلها الله تعالى في
الإمام المهدي(ع)أعظم من القدرة التي
جعلها في يد نبيه موسى(ع):وَنَزَعَ يَدَهُ
فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ
(الأعراف:108(


فقد كان موسى(ع)ينزع يده من تحت إبطه فتضئ
للناظرين بإذن الله، ويمسح بها فتشفي
الأعمى والمريض بإذن الله ، ولكن السر
الإلهي الذي في يد الإمام المهدي(ع)أعظم
وأعم ، بل لا تقاس يده بيد موسى (ص)لأن ملك
محمد وآله أعظم مما أوتي الأنبياء(ع)! فعن
أمير المؤمنين(ع)قال لجابر بن عبد الله:
نعم يا جابر إن ملكنا أعظم من ملك سليمان
بن داود ، وسلطاننا أعظم من سلطانه (
البحار :27/306 ) (5)


عن أبان بن تغلب، عن الإمام الصادق(ع)أنه
عندما يظهر الإمام المهدي (ع): (فينشر راية
رسول الله(ص)عمودها من عمود العرش وسائرها
من نصر الله ، لا يهوي بها الى شئ أبداً إلا
هتكه الله، فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار
قلبه كزبر الحديد ، ويعطى المؤمن قوة
أربعين رجلاً ، ولا يبقى مؤمن إلا دخلت
عليه تلك الفرحة في قبره، وذلك حين
يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام
القائم، فينحط عليه ثلاث عشر آلاف ملك
وثلاثمائة وثلاث عشر ملكاً قلت: كل هؤلاء
الملائكة؟ قال: نعم ، الذين كانوا مع نوح
في السفينة ، والذين كانوا مع إبراهيم حين
ألقي في النار، والذين كانوا مع موسى حين
فلق البحر لبني اسرائيل، والذين كانوامع
عيسى حين رفعه الله إليه، وأربعة آلاف ملك
مع النبي(ص)مسومين، وألف مردفين،
وثلاثمائة وثلاثة عشرملائكة بدريين،
وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون القتال مع
الحسين(ع) فلم يؤذن لهم في القتال )


إن حضور هؤلاء الملائكة من زمن نوح(ع)إلى
عاشوراء الحسين(ع)(ولا يوم كيومك يا أبا
عبد الله) له دلالات مهمة ، منها تسلسل
قضية الصراع في الأرض بين الهدى الإلهي
والضلال البشري ، وحضور الملائكة الشهود
والأنصار في ختامه على يد الإمام
المهدي(ع)!


وهذا الإنسان الذي يحشد له الله تعالى هذه
القوة ، ويربطه بهذه الأمجاد ، لا يمكن
تعريفه إلا بالقول: نورك المتألق ، وضياؤك
المشرق ، والعلم النور في طخياء الديجور ،
الغائب المستور ، جل مولده ، وكرم محتده ،
والملائكة شهده ، والله ناصره ومؤيده (6)


والمهم في الموضوع: ماذا يجب علينا أن
نعمل ؟


أولاً ، يجب علينا نحن فئة طلبة العلم
والعلماء أن ندرك أنه لا يمكننا أن نقوم
بعمل مفيد إلا بتوفيق الله تعالى ، فلابد
أن نترك الإدعاء بأننا شئ ، ونتوجه إليه عز
وجل أن ينظر الينا نظرة رحيمة يجعلنا بها
مقبولين عنده وعند رسوله وآله(ص)علينا أن
لا ندعي أننا أصحاب أهل البيت(ع) وأصحاب
الإمام المهدي وجنوده أرواحنا فداه ! بل لا
أدعي أني باسط يديه بالوصيد في أعتاب صرحهم
الرباني المشيد ، وإنما نحن سائلون عند
فنائهم !


مولاي يا صاحب الزمان ، إن الله تعالى
يقول:وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ،
ونحن سائلون على بابك ويقول عز وجل:
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ ،
ونحن أيتامكم أهل البيت ، لأنا منقطعون
عنكمفمن أيتم منا ، ومن أكدى ؟! صلوات الله
عليكم


وثانياً، أن نعرف أن الحق ما حققه أهل
البيت(ع)، والباطل ما أبطلوه (فالحق ما
رضيتموه، والباطل ما سخطتموه) فمادمنا
نعتقد بإمامتهم وعصمتهم (ع)، فعندما يصل
إلينا ما أحقوه وما أبطلوه ، فقد انتهى
الأمر ، ووجب على العقل أن يُسْلِم
ويُسَلِّم ، لأن الكلام في مقابلهم غلط!
ولا مجال لقول هكذا أرى وهكذا أفهم! فما
أراه وما أفهمه مقابل هؤلاء(ع)فضول القول!
إن عقائدنا من ناحية نظرية تتلخص في
كلمتين فقط: فالحق ما رضيتموه والباطل ما
سخطتموه كما أن عملنا يتلخص في كلمتين
أيضاً: المعروف ما أمرتم به والمنكر ما
نهيتم عنه


اللهم صل على محمد وآل محمد


التعليقات


(1) في الخصال للصدوق&ص437: (حدثنا أحمد بن
محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه قال:
حدثنا أبي، وسعيد بن عبد الله قالا: حدثنا
أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن الحسن بن
علي بن أبي عثمان ، عن موسى بن بكر ، عن أبي
الحسن الأول(ع)، عن أبيه قال: قال أمير
المؤمنين(ع): عشرة يفتنون أنفسهم وغيرهم:


ذو العلم القليل يتكلف أن يعلم الناس
كثيراً والرجل الحليم ذو العلم الكثير ليس
بذي فطنة والذي يطلب ما لا يدرك ولا ينبغي
له والكاد غير المتئد


والمتئد الذي ليس له مع تؤدته علم وعالم
غير مريد للصلاح ومريد للصلاح وليس بعالم
والعالم يحب الدنيا والرحيم بالناس يبخل
بما عنده


وطالب العلم يجادل فيه من هو أعلم ، فإذا
علمه لم يقبل منه )


(2) في مزار ابن المشهدي&ص586: (زيارة أخرى
له(ع):إذا وصلت إلىحرمه بسر من رأى فاغتسل
والبس أطهر ثيابك، وقف على باب حرمه(ع)قبل
أن تنزل السرداب ، وزر بهذه الزيارة وقل:
السلام عليك يا خليفة الله وخليفة آبائه
المهديين السلام عليك يا وصي الأوصياء
الماضين السلام عليك يا حافظ أسرار رب
العالمين السلام عليك يا بقية الله من
الصفوة المنتجبين إلى آخرها وقد تقدمت
برواية أخرى من المزار لابن المشهدي&في
موضوع ( معرفة الإمام المهدي(ع)بالنورانية
)


(3) في مصباح المتهجد للشيخ
الطوسي&ص842:ويستحب أن يدعى فيها بهذا
الدعاء: (اللهم بحق ليلتنا ومولودها،
وحجتك وموعودها ، التي قرنت إلى فضلها
فضلك، فتمت كلمتك صدقاً وعدلاً ، لا مبدل
لكلماتك ، ولا معقب لآياتك ، نورك المتألق
، وضياؤك المشرق ، والعلم النور في طخياء
الديجور ، الغائب المستور ، جل مولده ،
وكرم محتده ، والملائكة شهده ، والله
ناصره ومؤيده ، إذا آن ميعاده ، والملائكة
أمداده ، سيف الله الذي لا ينبو ، ونوره
الذي لا يخبو ، وذو الحلم الذي لا يصبو،
مدار الدهر ونواميس العصر ، وولاة الأمر ،
والمنزل عليهم ما يتنزل في ليلة القدر ،
وأصحاب الحشر والنشر، تراجمة وحيه ، وولاة
أمره ونهيه


اللهم فصل على خاتمهم وقائمهم، المستورعن
عوالمهم، وأدرك بنا أيامه وظهوره
وقيامه،واجعلنا من أنصاره، واقرن ثارنا
بثاره،واكتبنا في أعوانه وخلصائه، وأحينا
في دولته ناعمين، وبصحبته غانمين، وبحقه
قائمين ، ومن السوء سالمين؟ ياأرحم
الراحمين)


(4) في الكافي:1/411: ( محمد بن يحيى ، عن جعفر
بن محمد قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم
الدينوري ، عن عمر بن زاهر ، عن أبي عبد
الله(ع)قال: سأله رجل عن القائم يسلم عليه
بإمرة المؤمنين؟ قال: لا ، ذاك إسمٌ سمى
الله به أمير المؤمنين(ع)، لم يسم به أحد
قبله ولا يتسمى به بعده إلا كافر قلت: جعلت
فداك كيف يسلم عليه؟ قال: يقولون: السلام
عليك يا بقية الله ، ثم قرأ: بقية الله خير
لكم إن كنتم مؤمنين )


(5) في بصائر الدرجات للصفار&ص429، عن الإمام
الباقر(ع)قال: (إن ذا القرنين قد خير
السحابين فاختار الذلول، وذخر لصاحبكم
الصعبقال قلت وما الصعب؟قال: ما كان من
سحاب فيه رعد وصاعقة أو برق فصاحبكم يركبه
! أما إنه سيركب السحاب ويرقى في الأسباب
أسباب السموات السبع والأرضين السبع ، خمس
عوامر ، واثنتان خرابان ! )


وعن الإمام الصادق(ع): ( إن الله خير ذا
القرنين السحابين الذلول والصعب فاختار
الذلول ، وهو ما ليس فيه برق ولا رعد ، ولو
اختار الصعب لم يكن له ذلك لأن الله ادخره
للقائم(ع))


وفي الكافي:1/471: (عن أبي بكر الحضرمي قال:
لما حمل أبو جعفر(ع)إلى الشام إلى هشام بن
عبد الملك وصار ببابه قال لأصحابه ومن كان
بحضرته من بني أمية: إذا رأيتموني قد وبخت
محمد بن علي ثم رأيتموني قد سكت ، فليقبل
عليه كل رجل منكم فليوبخه ثم أمر أن يؤذن
له فلما دخل عليه أبو جعفر(ع)قال بيده:
السلام عليكم فعمهم جميعاً بالسلام ثم جلس
، فازداد هشام عليه حنقاً بتركه السلام
عليه بالخلافة وجلوسه بغير إذن ، فأقبل
يوبخه ويقول فيما يقول له: يا محمد بن علي
لا يزال الرجل منكم قد شق عصا المسلمين
ودعا إلى نفسه وزعم أنه الإمام سفهاً وقلة
علم ، ووبخه بما أراد أن يوبخه ، فلما سكت
أقبل عليه القوم رجل بعد رجل يوبخه حتى
انقضى آخرهم ، فلما سكت القوم نهض(ع)قائماً
ثم قال: أيها الناس أين تذهبون وأين يراد
بكم ، بنا هدى الله أولكم وبنا يختم آخركم
، فإن يكن لكم ملك معجل فإن لنا ملكا مؤجلا
وليس بعد ملكنا ملك لأنا أهل العاقبة يقول
الله عز وجل: وَالْعَاقِبَةُ
لِلْمُتَّقِينَ فأمر به إلى الحبس فلما
صار إلى الحبس تكلم فلم يبق في الحبس رجل
إلا ترشفه وحن إليه ، فجاء صاحب الحبس إلى
هشام فقال: يا أمير المؤمنين إني خائف عليك
من أهل الشام أن يحولوا بينك وبين مجلسك
هذا ، ثم أخبره بخبره ، فأمر به فحمل على
البريد هو وأصحابه ليردوا إلى المدينة ،
وأمر أن لا تخرج لهم الأسواق ، وحال بينهم
وبين الطعام والشراب ، فساروا ثلاثاً لا
يجدون طعاماً ولا شراباً حتى انتهوا إلى
مَدْيَن فأغلق باب المدينة دونهم ، فشكا
أصحابه الجوع والعطش قال: فصعد جبلاً يشرف
عليهم فقال بأعلى صوته: يا أهل المدينة
الظالم أهلها أنا بقية الله ، يقول الله:
بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا
عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (سورة هود:86 )،


قال: وكان فيهم شيخ كبير فأتاهم فقال لهم:
يا قوم هذه والله دعوة شعيب النبي ، والله
لئن لم تخرجوا إلى هذا الرجل بالأسواق
لتؤخذن من فوقكم ومن تحت أرجلكم فصدقوني
في هذه المرة وأطيعوني وكذبوني فيما
تستأنفون ، فإني لكم ناصح ، قال: فبادروا
فأخرجوا إلى محمد بن علي وأصحابه الأسواق
، فبلغ هشام بن عبد الملك خبر الشيخ ، فبعث
إليه فحمله فلم يدر ما صنع به )


وفي الكافي:8/210: ( عن أبي بصير قال: كنت مع
أبي جعفر(ع)جالساً في المسجد إذ أقبل داود
بن علي ، وسليمان بن خالد ، وأبو جعفر عبد
الله بن محمد أبو الدوانيق ، فقعدوا ناحية
من المسجد فقيل لهم: هذا محمد بن علي جالس ،
فقام إليه داود بن علي وسليمان بن خالد ،
وقعد أبو الدوانيق مكانه حتى سلموا على
أبي جعفر(ع)فقال لهم أبو جعفر: ما منع
جباركم من أن يأتيني ؟! فعذَّروه عنده ،
فقال عند ذلك أبو جعفر: أما والله لا تذهب
الليالي والأيام حتى يملك ما بين قطريها ،
ثم ليطأن الرجال عقبه ، ثم لتذلن له رقاب
الرجال ، ثم ليملكن ملكاً شديداً ، فقال له
داود بن علي: وإن ملكنا قبل ملككم؟ قال: نعم
يا داود إن ملككم قبل ملكنا وسلطانكم قبل
سلطاننا الخ)


(6) في كامل الزيارات لابن قولويه&ص233:
(حدثني الحسين بن محمد بن عامر، عن أحمد بن
إسحاق بن سعد ، عن سعدان بن مسلم ، عن عمر
بن أبان ، عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد
الله(ع)قال: كأني بالقائم(ع)على نجف الكوفة
وقد لبس درع رسول الله(ص)فينتفض هو بها
فتستدير عليه فيغشيها بخداجة من إستبرق ،
ويركب فرساً أدهم بين عينيه شمراخ ،
فينتفض به انتفاضة ، لا يبقى أهل بلد إلا
وهم يرون أنه معهم في بلادهم ، فينشر راية
رسول الله(ص)عمودها من عمود العرش وسائرها
من نصر الله ، لا يهوي بها إلى شئ أبداً إلا
هتكه الله فإذا هزها لم يبق مؤمن إلا صار
قلبه كزبر الحديد ، ويعطى المؤمن قوة
أربعين رجلاً ، ولا يبقى مؤمن إلا دخلت
عليه تلك الفرحة في قبره ، وذلك حين
يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام
القائم ، فينحط عليه ثلاث عشر آلاف ملك
وثلاثمائة وثلاث عشر ملكاً


قلت: كل هؤلاء الملائكة ؟ قال: نعم ، الذين
كانوا مع نوح في السفينة ، والذين كانوا مع
إبراهيم حين ألقي في النار، والذين كانوا
مع موسى حين فلق البحر لبني إسرائيل،
والذين كانوا مع عيسى حين رفعه الله إليه ،
وأربعة آلاف ملك مع النبي(ص)مسومين ، وألف
مردفين ، وثلاثمائة وثلاثة عشر ملائكة
بدريين ، وأربعة آلاف ملك هبطوا يريدون
القتال مع الحسين(ع)فلم يؤذن لهم في
القتال، فهم عند قبره شعث غبر يبكونه إلى
يوم القيامة، ورئيسهم ملك يقال له: منصور ،
فلا يزوره زائر إلا استقبلوه ، ولا يودعه
مودع إلا شيعوه، ولا يمرض مريض إلا عادوه ،
ولا يموت ميت إلا صلوا على جنازته
واستغفرواله بعد موته وكل هؤلاءفي الأرض
ينتظرون قيام القائم(ع)الى وقت خروجه)


وفي كامل الزيارات ص352: (حدثني محمد بن
الحسن بن أحمد بن الوليد ، عن محمد بن
الحسن الصفار ، عن الحسن بن علي بن عبد
الله بن المغيرة ، عن العباس بن عامر ، عن
أبان، عن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله(ع)قال:
إن الله وكل بقبر الحسين(ع) أربعة آلاف ملك
شعثاً غبراً ، فلم يزل يبكونه من طلوع
الفجر إلى زوال الشمس ، فإذا زالت الشمس
هبط أربعة آلاف ملك وصعد أربعة آلاف ملك ،
فلم يزل يبكونه حتى يطلع الفجر ويشهدون
لمن زاره ويشيعونه إلى أهله ، ويعودونه
إذا مرض ، ويصلون عليه إذا مات )


وفي كامل الزيارات أيضاً ص353: ( حدثني محمد
بن جعفر ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب
، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم
، عن عمر بن أبان الكلبي ، عن أبان بن تغلب
قال: قال أبو عبد الله(ع): هبط أربعة آلاف
ملك يريدون القتال مع الحسين(ع)فلم يؤذن
لهم في القتال، فرجعوا في الإستيذان،
فهبطوا وقد قتل الحسين(ع) فهم عند قبره شعث
غبر يبكونه إلى يوم القيامة ، رئيسهم ملك
يقال له منصور ، فلا يزوره زائر إلا
استقبلوه ، ولا يودعه مودع إلا شيعوه ، ولا
يمرض مريض إلا عادوه ، ولا يموت إلا صلوا
على جنازته واستغفروا له بعد موته وكل
هؤلاء في الأرض ينتظرون قيام القائم(ع))


وفي كمال الدين للصدوق& ص671: ( وبهذا
الإسناد ، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد
الله(ع): كأني أنظر إلى القائم(ع)على ظهر
النجف ، فإذا استوى على ظهر النجف ركب
فرساً أدهم أبلق بين عينيه شمراخ ، ثم
ينتفض به فرسه فلا يبقى أهل بلدة إلا وهم
يظنون أنه معهم في بلادهم ، فإذا نشر راية
رسول الله(ص)انحط إليه ثلاثة عشر ألف ملك
وثلاثة عشر ملكاً كلهم ينتظر القائم(ع)،
وهم الذين كانوا مع نوح(ع)في السفينة،
والذين كانوا مع إبراهيم الخليل(ع)حيث
ألقي في النار ، وكانوا مع عيسى(ع) حيث رفع،
وأربعة آلاف مسومين ومردفين، وثلاثمائة
وثلاثة عشر ملكاً يوم بدر ، وأربعة آلاف
ملك الذين هبطوا يريدون القتال مع الحسين
بن علي(ص)فلم يؤذن لهم فصعدوا في
الإستيذان، وهبطوا وقد قتل الحسين(ع)فهم
شعث غبر يبكون عند قبر الحسين(ع) إلى يوم
القيامة وما بين قبر الحسين(ع)إلى السماء
مختلف الملائكة )


وفي غيبة النعماني: ص309: ( أخبرنا أحمد بن
محمد بن سعيد قال: حدثنا علي بن الحسن
التيملي قال: حدثنا الحسن ومحمد ابنا علي
بن يوسف ، عن سعدان بن مسلم ، عن عمر بن
أبان الكلبي ، عن أبان بن تغلب قال: سمعت
أبا عبد الله(ع)يقول: -


كما في رواية كامل الزيارات الأولى
بتفاوت يسير ، وفيه: عليه خوخة من استبرق
انتفضت به حتى تستدير عليه ، ثم يركب فرساً
أبلق أدهمشمراخ بين قلت: مخبوءة أو يؤتى
بها ؟ قال: بل يأتيه بها جبرئيل، يهبط تسعة
آلاف ملك صعدوا إلى السماءفهبطوا إلى
الأرض وقد قتل )


وفي غيبة النعماني: ص‍310: (أخبرنا
عبدالواحد بن عبدالله بن يونس قال:حدثنا
محمد بن جعفر القرشي قال: حدثنا أبو جعفر
الهمداني قال: حدثنا موسى بن سعدان ، عن
عبد الله بن القاسم الحضرمي ، عن عمر بن
أبان الكلبي ، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو
عبدالله(ع): - كما في رواية كامل الزيارات
الأولى بتفاوت ، وفيه: إذا استوى على ظهر
النجف لبس الأبيضأدهم أبلق من عمد عرش
اللهقلت: أمخبوٌّ هي أم يؤتى بها؟ قال: بل
يأتي بها جبرئيل(ع) أشد من زبر الحديدمؤمن
ميتفرجعوا في الإستيمار)


وفي دلائل الإمامة ص243- كما في رواية
النعماني الثانية بتفاوت ، بسنده إلى أبان
بن تغلب ، عن أبي عبد الله(ع): -


وفي العدد القوية ص‍74 - أوله، كما في
رواية كامل الزيارات الأولى بتفاوت ،
مرسلاً عن الصادق(ع)


وفي إثبات الهداة:3/493 - ملخصاً ، عن كمال
الدين


وفي:ص530/531- ملخصاً ، عن رواية كامل الزيارت
الأولى ، وقال: ورواه ابن طاووس في مصباح
الزائر نقلاً عن مزار ابن قولويه ، مثله


وفي البحار:11/69- عن النعماني ملخصاً
وفي:14/339 - بعضه ، عن كمال الدين وفي:45 /226-
بعضه ، عن رواية كامل الزيارات الثانية
وفي:52/325- عن كمال الدين وفي:ص328 - عن رواية
كامل الزيارات الأولى ، وأشار إلى مثله عن
روايتي النعماني وفي: ص391 - عن العدد القوية


(38)الإمام المهدي(ع)في حديث اللوح


( بتاريخ: 13 شعبان 1414 ـ 26/1/1994 ـ 6/11/1372 )


طلب مني بعض الأفاضل أن أتكلم في موضوع
يتعلق بولادة الإمام المهدي(ع) ولعل بعضهم
يتصورأني مقل في الكلام في هذه الأمور
العقيدية وأنه يجب أن أتكلم أكثر ، لكن
القضية ليست من عالم البخل والكرم ، بل
لأني على يقين بأن مسائل المعصومين صلوات
الله عليهم فوق تصورنا وإدراكنا فسبب قلة
الكلام هو القصور والجهل والعجز ! وعندما
أتكلم أحسب ذلك من باب الضرورة ، وباب ما
لايدرك كله لا يترك كله


الحمد لله أنكم بلغتم درجة من العلم
تستطيعون فيها أن ترجعوا الى آيات القرآن
وروايات النبي(ص)وأهل البيت(ع)وتتأملوا
فيها ، وتستخرجوا منها المطالب والدقائق ،
فاشكروا ربكم على هذه النعمة ، واشكروه على
نعمة قبلها هي أنكم دونتم أسماءكم في خدام
الإمام المهدي(ع)وهي نعمة لا تستطيعون
شكرها !


والمهم أن تعملوا على أن تدون أسماؤكم في
التأمل والتعمق في روايات أهل
البيت(ع)التي وزانها وزان القرآن ، فهي
تعبير معصوم له أبعاد ، وظاهر وباطن،
لأنها صادرة ممن أعطاهم الله تعالى إحاطة
خاصة بالوجود ، فكلامهم يصدر عن هذه
الإحاطة ، وليس كمن يحيط بالقليل ويتكلم
الكثير !


إن كلماتهم صلوات الله عليهم تخاطب الناس
كل الناس في كل العصور ، ولذا صار فيها علم
للعامة والخاصة ، وهو ما نعبر عنه بأنها
للعامة عبارات وللخاصة إشارات !


وأحاديثهم(ع)متفاوتة المستويات، تبعاً
للموضوع أو لنقل الراوي بالمعنى وغير ذلك
من الأسباب وبعضها يبلغ بمطالبه الراقية
مقاماً من الرفعة يحير العقول ، ومن ذلك
حديث اللوح الذي يرويه الكليني أعلى الله
مقامه في الكافي ، وعندما ترجعون اليه
أنتم ستجدون أنه بلغ عند أبي بصير أنه قال
لعبد الرحمن بن سالم: لو لم تسمع في دهرك
إلا هذا الحديث لكفاك ، فصنه إلا عن أهله ) !
وهذا هو:


عن الإمام الصادق(ع)قال: قال أبي لجابر بن
عبد الله الأنصاري إن لي إليك حاجة فمتى
يخف عليك أن أخلو بك فأسألك عنها؟ فقال له
جابر:أي الأوقات أحببته ، فخلا به في بعض
الأيام فقال له: يا جابر أخبرني عن اللوح
الذي رأيته في يد أمي فاطمة(ع)بنت رسول
الله(ص)وما أخبرتك به أمي أنه في ذلك اللوح
مكتوب؟فقال جابر: أشهد بالله أني دخلت على
أمك فاطمة(ع) في حياة رسول الله(ص)فهنيتها
بولادةالحسين، ورأيت في يديها لوحاً
أخضر، ظننت أنه من زمرد ، ورأيت فيه كتاباً
أبيض شبه لون الشمس فقلت لها: بأبي وأمي يا
بنت رسول الله(ص)ما هذا اللوح؟ فقالت: هذا
لوحٌ أهداه الله إلى رسول الله(ص)فيه إسم
أبي وإسم بعلي وإسم ابني وإسم الأوصياء من
ولدي وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك


قال جابر فأعطتنيه أمك فاطمة(ع)فقرأته
واستنسخته


فقال له أبي: فهل لك يا جابر أن تعرضه علي؟
قال: نعم ، فمشى معه أبي إلى منزل جابر
فأخرج صحيفة من رق فقال: يا جابر أنظر في
كتابك لأقرأ عليك


فنظر جابر في نسخته فقرأه أبي ، فما خالف
حرف حرفاً ، فقال جابر:


فأشهد بالله أني هكذا رأيته في اللوح
مكتوباً بسـم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب
من الله العزيز الحكيم لمحمد نبيه ونوره
وسفيره وحجابه ودليله نزل به الروح الأمين
من عند رب العالمين عظِّم يا محمد أسمائي ،
واشكر نعمائي ولا تجحد آلائي، إني أنا
الله لاإله إلا أنا ، قاصم الجبارين ،
ومديل المظلومين، وديان الدين إني أنا
الله لاإله إلا أنا، فمن رجا غير فضلي أو
خاف غير عدلي، عذبته عذاباً لا أعذبه
أحداً من العالمين ، فإياي فاعبد ، وعليَّ
فتوكل إني لم أبعث نبياً فأكملت أيامه
وانقضت مدته إلا جعلت له وصياً، وإني
فضلتك على الأنبياء وفضلت وصيك على
الأوصياء ، وأكرمتك بشبليك وسبطيك حسن
وحسين ، فجعلت حسناً معدن علمي ، بعد
انقضاء مدة أبيه وجعلت حسيناً خازن وحيي،
وأكرمته بالشهادة ، وختمت له بالسعادة ،
فهو أفضل من استشهد وأرفع الشهداء درجة ،
جعلت كلمتي التامة معه وحجتي البالغة عنده
، بعترته أثيب وأعاقب ، أولهم علي سيد
العابدين وزين أوليائي الماضين ، وابنه
شبه جده المحمود محمد، الباقر علمي ،
والمعدن لحكمتي سيهلك المرتابون في جعفر ،
الراد عليه كالراد عليَّ ، حقَّ القول مني
لأكرمنَّ مثوى جعفر ، ولأسرنَّه في أشياعه
وأنصاره وأوليائه


أتيحت بعده لموسى فتنة عمياء حندس، لأن
خيط فرضي لا ينقطع ، وحجتي لا تخفى، وإن
أوليائي يسقون بالكأس الأوفى، من جحد
واحداً منهم فقد جحد نعمتي ، ومن غير آية
من كتابي فقد افترى عليَّ


ويلٌ للمفترين الجاحدين عند انقضاء مدة
موسى عبدي وحبيبي وخيرتي في علي وليي
وناصري ، ومن أضع عليه أعباء النبوة ،
وأمتحنه بالاضطلاع بها ، يقتله عفريت
مستكبر، يدفن في المدينة التي بناها العبد
الصالح ، إلى جنب شر خلقي


حق القول مني لأسرنه بمحمد ابنه ، وخليفته
من بعده ، ووارث علمه ، فهو معدن علمي ،
وموضع سري ، وحجتي على خلقي ، لا يؤمن عبد
به إلا جعلت الجنة مثواه وشفَّعته في
سبعين من أهل بيته كلهم قد استوجبوا النار


وأختم بالسعادة لابنه علي وليي وناصري،
والشاهد في خلقي، وأميني علي وحيي أخرج
منه الداعي إلى سبيلي ، والخازن لعلمي ،
الحسن


وأكمل ذلك بابنه (م ح م د)رحمةً للعالمين،
عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى، وصبر أيوب ،
فيذل أوليائي في زمانه ، وتتهادى رؤوسهم
كما تتهادى رؤوس الترك والديلم ، فيقتلون
ويحرقون ، ويكونون خائفين مرعوبين وجلين ،
تصبغ الأرض بدمائهم ، ويفشو الويل والرنا
في نسائهم ، أولئك أوليائي حقاً ، بهم أدفع
كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل
وأدفع الآصار والأغلال، أولئك عليهم
صلوات من ربهم ورحمة ، وأولئك هم المهتدون


قال عبد الرحمن بن سالم: قال أبو بصير: لو
لم تسمع في دهرك إلا هذا الحديث لكفاك ،
فصنه إلا عن أهله) انتهى(الكافي:1/527 ، وقد
تقدم بتمامه في الموضوع رقم:25)


هذا لوحٌ أهداه الله إلى رسول
الله(ص)وأعطانيه أبي ليبشرني بذلك


يتضح بذلك أن شأن نزول هذا اللوح مناسبة
ولادة الإمام الحسين(ع)وأن الله
تعالىورسوله(ص)قدأخبرا الزهراء(ع)في اليوم
الأول لولادته بما سيجري عليه ، وكان لابد
من إخبارها بذلك !


والإمام الحسين(ع)له جاذبية خاصة في
القلوب بمجرد ذكر اسمه: إن للحسين محبة
مكنونة في قلوب المؤمنين، فكيف لشخصه
ولطفولته في قلب أمه الزهراء(ع)؟!


وكيف يكون حالها عندما عرفت أن طفلها هذا
الذي هو في يومه الأول ، سيقطع رأسه غريباً
فريدأً عطشانأً على شاطئ الفرات ؟!


هنا يتجلى مقام فاطمة(ع)عند الله تعالى ،
وهنا يحين موعد البشارة الإلهية
للرسول(ص)ولها بالأئمة المعصومين من ذرية
الحسين(ع)وبدورهم في هذه الأمة ، إلى
مهديهم المذخور لإصلاح العالم(ع)


فقالت: هذا لوحٌ أهداه الله إلى رسول
الله(ص)فيه إسم أبي وإسم بعلي وإسم ابني
وإسم الأوصياء من ولدي، وأعطانيه أبي
ليبشرني بذلك !


هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لمحمد
نبيه


فقد جمع بين اسم العزة واسم الحكمة ، وهو
بحث نكتفي بالإشارة إليه ، ونواصل القراءة
لنتعرف على هذا الكتاب ممن ؟ إلى من ؟


لاحظوا عناوين المخاطب والمخاطب !


المخاطِب هو: الله ، العزيز ، الحكيم


والمخاطَب هو: نبيه ، ونوره ، وسفيره ،
وحجابه ، ودليله


وفي كل واحد من هذه العناوين بحث لا يتسع
له وقتنا ، فقط أرجو أن تتأملوا في كلمة
(نوره) ، ففي آخر آية النور:يَهْدِي اللهُ
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ
الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ
شَئٍْ عَلِيمٌ ( سورة النور: 35 )


ومما أريد الإشارة إليه أن من يدقق في
الحديث القدسي يلاحظ أولاً ، أنه ذكر
أسماء الأئمة(ع)جميعاً مع أهم خصائص كل
منهم ، وهو مطابق لما صح عندنا من ذكرهم في
التوراة والإنجيل قبل تحريفهما بعددهم
وأسمائهم، وقد بقي نص في التوراة بعد
تحريفها يذكر عددهم ! قال ابن كثير في
البداية والنهاية: 6/280: (وفي التوراة التي
بأيدي أهل الكتاب ما معناه: أن الله تعالى
بشر إبراهيم بإسماعيل وأنه ينميه ويكثره
ويجعل من ذريته اثني عشر عظيماً) انتهى


ويقصد ابن كثير ما في التوراة الفعلية-
العهد القديم والجديد: :1/25- طبعة مجمع
الكنائس الشرقية، في سفر التكوين،
الإصحاح السابع عشر، قال: ( 18 - وقال
إبراهيم لله ليت إسماعيل يعيش أمامك 19-
فقال الله: بل سارة امرأتك تلد لك ابناً
وتدعو اسمه إسحق ، وأقيم عهدي معه عهداً
أبدياً لنسله من بعده 20 - وأما إسماعيل فقد
سمعت لك فيه ، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره
كثيراً جداً اثني عشر رئيساً يلد ، وأجعله
أمة كبيرة 21- ولكن عهدي أقيمه مع إسحق الذي
تلده لك سارة في هذا الوقت، في السنة
الآتية )


وقد ترجمها كعب الأحبار (اثني عشر
قيِّماً) وترجمها بعضهم (اثني عشر إماماً)
فالنص موجود في التوراة ، وفي مصادر السنة
والشيعة ، وهو مؤيد لبشارة نبينا(ص)


ونلاحظ ثانياً، أنه لم يذكر في الحديث
القدسي من أصحاب الأئمة(ع) وشيعتهم إلا
أصحاب الإمام الصادق(ع)في ثلاث كلمات: حق
القول مني لأكرمن مثوى جعفر ، ولأسرنه في
أشياعه وأنصاره وأوليائه


لكن عندما يصل الكلام الى الإمام
المهدي(ع)في آخر حديث اللوح، يفصل الله
الكلام عن أوليائه(ع)ويعبر عنهم بأنهم
أولياء الله تعالى! فيقول عز وجل: (وأكمل
ذلك بابنه (م ح م د) رحمة للعالمين، عليه
كمال موسى ، وبهاء عيسى، وصبر أيوب، فيذل
أوليائي في زمانهالخلاحظوا أنه تعالى نسب
أصحاب الإمام الصادق(ع)حملة أحاديث أهل
البيت(ع)بعد الفتن الشديدة التي لاقاها
الشيعة ، ونسبهم الى الإمام الصادق(ع):
لأكرمن مثوى جعفر ولأسرنه في أشياعه
وأنصاره وأوليائه ، لكنه تكلم عن أصحاب
المهدي(ع) فنسبهم الى نفسه فقال(أوليائي)
ثم تكلم عن إذلال الطغاة لهم وتقتيلهم
وتشريدهمالى أن قال: أولئك أوليائي حقاً !
وأرجو ان أوفق للحديث عن فرق أهل عصر
الغيبة عن أهل عصر الحضور


ونلاحظ هنا ، أن حديثه تعالى عن الإمام
المهدي(ع)جاء بشكل حديث عن أصحابه
والمؤمنين في زمنه! فلماذا قال: بهم أدفع
كل فتنة عمياء حندس، وبهم أكشف الزلازل،
وأدفع الآصار والأغلال، ولم يقل (به) ؟
كأنه تعالى يقول إن وجود وليي المهدي أعلى
من أن أقول به أدفع الفتن والزلازل ، فهذه
أدفعها بخدامه وأصحابه! وهو محورهم وسيدهم
والقدرات التي أعطيناه إياها أعظم من ذلك !


إن ما أنقله عن المرحوم السيد جمال الدين
الخونساري المعروف بصاحب روضات الجنات ،
وهو من أكابر علمائنا(ره)يوضح المطلب ، فقد
أوصى أن يعد له قبر خارج أصفهان ، مع أن في
المدينة مقبرة تاريخية يرغب المؤمنون أن
يدفنوا فيها، لأنها مليئة بالعلماء
والصالحين، ولما سألوه عن السبب سكت،
فألحوا عليه حتى قال لهم: كان لي صديق تاجر
أثق بصدقه وتدينه وقد أصر عليَّ أن أكون
وصيه فقبلت رغم أني لا أقبل الوصية عن أحد،
ونقل لي& هذه القصة: قال: ذهبت إلى حج بيت
الله الحرام عن طريق العراق حتى أفوز
بزيارة الأئمة(ع)في ذهابي ورجوعي ، وعندما
وصلت إلى النجف كان عندي رسالة بحوالة
فأردت أن أستلمها يوم حركة القافلة ،
فتأخرت إلى المغرب ، وجئت لألتحق بالقافلة
فوجدتها قد خرجت وأقفلوا باب سور النجف ،
فبتُّ في تلك الليلة داخل السور ، وخرجت
أول الصبح مسرعاً لألتحق بالقافلة ، ولكني
كلما مشيت في الصحراء لم أجدها ! فرجعت إلى
النجف متحيراً فوجدت باب السور قد أغلق
أيضاً ، فبتُّ خارج السور !


وفي وسط الليل رأيت فجأة شخصاً درويشاً
عليه ثياب رثة ، قال لي: أنت البارحة تخلفت
عن القافلة ، فلماذا تركت صلاة الليل؟!
إنهض وتعالى معي !


فخطوت معه أقداماً فرأيت شخصاً جليلاً
فنظر إلينا وقال للدرويش: خذه إلى مكة !
فقال لي الدرويش: إذهب وتعال في الوقت
الفلاني ، فذهبت وعدت إليه في الوقت الذي
عينه فقال لي: إمش خلفي وضع قدمك مكان قدمي
! وتقدم أمامي ولم يمش إلا بضع خطوات حتى
رأيت نفسي صرت في مكة ! فأراد أن يودعني
فقلت له: كم تتفضل عليَّ إذا أكملت جميلك
وأرجعتني بعد الحج إلى النجف ، فقَبِل
وواعدني في يوم ومكان !


وبعد أن أكملت مناسكي قصدت المكان فوجدته
، فقال لي كما قال أولاً: إمش خلفي وضع قدمك
مكان قدمي ، وبعد خطوات رأيت أني صرت في
النجف ! فقال لي: لا تقل لرفقائك، قل لهم
جئت مع أحدهم ووصلنا قبلكم ثم قال لي: لي
إليك حاجة قلت: أنا حاضر ، ما هي ؟ قال:
سأقولها لك في أصفهان وعدت إلى أصفهان حتى
كان يوم رأيت فيه صاحبي الدرويش بين
الحمالين في سوق أصفهان، فجاءني وقال لي:
أنا ذلك الشخص الذي أوصلتك الى مكة ، وهذا
وقت حاجتي التي وعدتني بها! قلت نعم فما
هي؟ قال: أناأسكن في المكان الفلاني، وفي
اليوم الفلاني أموت، فتعال إلى مكاني، وفي
صندوقي ثمانية توامين ، فاصرفها على
تكفيني ودفني وادفني وأخذني الى المحل
الذي اختاره قبراً فدلني عليه ، وقال
إدفنني هنا !


قال صاحب روضات الجنات&: هذا هو المكان
الذي اختاره ذلك الولي اخترته أنا لأدفن
فيه !


إن هذا مستوى الخادم من أصحابه(ع)! وإذا
كان خدامه يقومون بعمل آصف بن برخيا ، فكيف
به هو صلوات الله عليه ؟!


وا حسرتنا على عمرنا الذي قضيناه ، ولم
نعرف ماذا عملنا فيه ، وعمن ابتعدنا ؟ فكم
نذكره(ع)حتى يذكرنا ؟ وكم عملنا له حتى
يجازينا ؟!


ذلك الإمام الذي يصفه الله تعالى بأنه
خاتم الأئمة(ع)وتكملتهم ورحمة للعالمين ،
عليه كمال موسى ، وبهاء عيسى ، وصبر أيوب !


رحمةً للعالمين لم يقلها سبحانه لأحد إلا
لرسول الله(ص): وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا
رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ( سورة الأنبياء:
107 ) ، ولشخص آخر هو صاحب الزمان(ع)!


ولا يمكننا أن نفهم معنى: رَحْمَةً
لِلْعَالَمِين، إلا إذا فهمنا معنى:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ،
فبعدها إسمان من أسماء الله الحسنى:
الرَّحْمَنِ الرَّحِيم ، والسبب في ذلك أن
ربوبية عوالم الوجود من عوالم الملك
والملكوت ، لها لب ولها قشر، سنة الله في
مخلوقاته: إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ
اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي
الأَلْبَاب ( سورة آل عمران:190) ،
فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ
كُلِّ شئ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون ( سورة
يس:83 ) ، أما القشر الذي هو عالم الملك،
فيحتاج الى ربوبية وتربية بواسطة إسم
الرحمن ليسير نحو تكامله وأما اللب الذي
هو عالم الملكوت ، فيحتاج الى ربوبية بإسم
الرحيم، ليبلغ كماله


إن القرآن معجزة لكافة الناس ، وهو معجزة
بالأخص للذين يفهمون! فهم الذين يدركون أن
كمال البشرية لايتحقق إلا بالقرآن الذي
نزل على قلب سيد المرسلين(ص) وأن الذي يجمع
مظهر الإسمين معاً: الرحمن الرحيم، هما
شخصان في الوجود: خاتم النبيين(ص)وخاتم
الوصيين الإمام المهدي(ع)!


هذا هو مقام الحجة بن الحسن أرواحنا فداه
، وإنما يعرفه الإنسان إذا وصل مستوى
يؤهله لمعرفة:رحمة للعالمين، ويصل الى مخ
الحكمة والعلم ، فيفهم أنه حيثما ذهب في
مناطق الوجود وتعقل أن الفاعل الذي منه
الوجود هو ذات الخالق المقدس عز وجل ، فإن
ما به الوجود في كل العوالم ، هو حجة الله
على خلقه الحجة بن الحسن صلوات الله عليه


هذه سعة ولاية الإمام المهدي(ع)، وهذه
عظمة مقامه أرواحنا له الفداء !


إرجعوا الى روايات أهل البيت(ع)واقرؤوا
نصوصها وافهموا منها ، وعرِّفوا الناس ما
فهمتم من مقام النبي وآله(ص)خاصة الإمام
المهدي(ع)، فلا مظلوم في عصرنا مثله !


هذا الوجود المقدس الذي لو لم يخلقه الله
تعالى لما ختم عهده في اللوح إلى
نبيه(ص)بوصفٍ صار به ثاني نبيه فقال عنه:
رحمة للعالمين!


أما صفات الإمام الأخرى في عهد اللوح فهي:
عليه كمال موسى، وبهاء عيسى وصبر أيوب(ع)،
ولا يتسع الوقت لنبين كمال موسى وبهاء
عيسى ، ونشير إلى صبر أيوب الذي هو مثل في
صبر الأنبياء(ع)، فهل رأيت أصبر من إنسان
كشف له الحجاب فهو يرى الأمور على واقعها
ولو بعد عصرها ، يزور قبر جدته الصديقة
الكبرى فتتجسد له ظلاماتها ، ويرى الضلع
الكسير ، والجسم العليل!


ويزور قبر جده موسى بن جعفر فيرى ساقه
المرضوضة من حلق القيود ، وبدنه الناحل
المسموم !


ويزور جده علي بن موسى الرضا فيرى وجهه
الذي غيره السم ، ويرى في النجف ضربة السيف
على مفرق جده !


ثم يعرج على كربلاء فيرى ذلك البدن التريب
الذي لم تستطع الملائكة أن تنظر إليه وتراه
! نعم إن عليه صبر أيوب صبر أيوب(ع)!


اللهم إنا مقصرون اللهم إنا قاصرن اللهم
بالحرمة التي لوليك الحجة عندك ، هذه
الحرمة الرفيعة التي أنزلتها مع جبرئيل في
عهدك لنبيك ، المكتوب على لوح من عندك ،
وبينت فيه مقام أولياء الإمام المهدي(ع)،
وأنك تدفع بهم البلاء والفتن ، وجعلت
مقامه في درجة عليا فوق مقامهم أن تعفو عنا
، وتشمل حالنا نحن الفقراء بنظرة منه في
هذا اليوم


اللهم إن ما نطلبه منك ، بالحق الذي لك
عليه والحرمة التي لك عنده ، والحق الذي
جعلته له عليه ، والحرمة التي جعلتها له أن
تجعله ينظر الينا ويرفع يده بالدعاء لنا


(39)شمس النبي(ص)تتجلىبالإمام المهدي(ع)


( بتاريخ: 14 شعبان1421- 11/11/2000 - 21/8/1379 )


بمناسبة هذه الليلة التي هي أفضل الليالي
بعد ليلة القدر ، نتوجه جميعاً الى ولي
نعمة العالم صلوات الله عليه: اللهم بحق
هذه الليلة ومولودها


روى علي بن إبراهيم بن هاشم القمي، عن
أحمد بن إدريس الأشعري، عن محمد بن عبد
الجبار ، عن محمد بن أبي عمير الأزدي ، عن
حماد بن عثمان الناب ، عن محمد بن مسلم
الثقفي ، عن الإمام باقر العلوم(ع)في قول
الله عز وجل: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى
وَالنَّهَار ِإِذَا تَجَلَّى؟ قال:
النهار هو القائم منا أهل البيت ، إذا قام
غلب دولة الباطل والقرآن ضرب فيه الأمثال
للناس، وخاطب الله نبيه به ونحن ، فليس
يعلمه غيرنا )


والرواية من ناحية السند صحيحة ، فسندها
ستة من أعاظم مشايخ المحدثين رضوان الله
عليهم ، فعلي بن إبراهيم شيخ القميين ،
وأحمد بن إدريس الأشعري من مشايخ الحديث
الثقات ، وكذا محمد بن عبد الجبار ، وأما
محمد بن أبي عمير الأزدي فقد أجمعت
الطائفة وعملت بمسانيده ومراسيله، وبعده
حماد بن عثمان الناب ، وبعده محمد بن مسلم
، وهؤلاء الثلاثة من أصحاب الإجماع الذين
أجمعت الطائفة على تصحيح ما يصح عنهم
وتمتاز هذه الرواية أيضاً بأن راويها محمد
بن مسلم الثقفي رحمه الله أحد الأربعة
الذين هم بنص الإمام(ع)أمناء الله على
حلاله وحرامه ، وأوتاد الأرض ، وأركان
الدين ! فهذه الخصوصيات في السند قلما
تجتمع في رواية


أما من ناحية الدراية فلا تكفي هذه الفرصة
إلا لقطرات من بحرها:


ولكي يكتمل فهمنا لقوله تعالى في سورة
الليل:وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى،
ينبغي أن نقارنها بسورة الشمس:
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا فالبدء في
سورة الشمس من الشمس إلى النهار، والبدء
هنا من الليل إلى النهار! والنهار هناك
يجلِّي الشمس بالتفعيل ، أما هنا فهو
يتجلى ، بالتفعل !


وفي قول الإمام الباقر(ع):والقرآن ضرب فيه
الأمثال للناس، وخاطب الله نبيه به ونحن ،
فليس يعلمه غيرنا، مطالب عميقة خفية


فما هي تلك التجلية ، وهذا التجلي ،
ولماذا التعدي هنا واللزوم هناك ؟


وما هي تلك الشمس ، وذلك النهار ؟


ما هو تفسير ذلك ، وما هو تأويله ، وهدفه
الذي يرمي إليه ؟!


إن الشمس في المنظومة الشمسية هي المحور،
وهي مشعل الحياة، وعملها أنها تنمي
بأشعتها الطاقات الكامنة في الموجودات
الأرضية ، وتوصلها إلى كمالها المناسب لها


أما منظومة العالم الكبير فهي منظومة
محيرة ، لم يفهمها إلا الخواص من أولي
الألباب ، ولها لب ولها قشر ، أي أنها
تنقسم إلى عالم ظاهري وعالم باطني ، وقد
أشار إلى كليهما القرآن


وباطن العالم له منظومة أيضاً ، فمنظومة
الملكوت توازي منظومة الملك وشمس هذه
المنظومة ومحورها ذات نبينا الأعظم
محمد(ص)بحكم برهان العقل والنقل ، فمقام
خاتمية الأنبياء(ع)هو مقام الإنسان الأول
الذي لا ثاني له ، وثانيه إنما هو وجود
تنزيلي ، أما الوجود الحقيقي فهو منحصر
بفرد لا يتثنى ولا يتكرر ، وهو نبينا
محمد(ص) وهو آية الإسم الواحد والأحد عز
وجل، لم يكن له ثان ولا يكون ، وهو قوله
تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا
وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا ونسبة الوجود
التنزيلي إليه(ص)نسبة القمر إلى الشمس،
وهو معنى قوله تعالى:فَقُلْ تَعَالَوْا
نَدْعُ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ (
سورة آل عمران:61)، وهو معنى قوله (ص): أنا
أديب ربي، وعلي أديبي ومعنى قول الله
تعالى:وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا
وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَ


إن بناء السورتين ، والإنتقاء الرباني
لألفاظهما ، والعلاقة الجدلية بينهما، كل
واحد منها يتضمن أسراراً عظيمة تبهر
العقول! وكم أتأسف لأنا لم نفهم القرآن كما
يجب ، ولا أدينا حق بحوثه


إن انبساط نور الشمس في ضحاها يعني انبساط
نور النبي(ص)في عالم الملكوت ، والنهار إذا
جلاها يعني تجلي خاتمية النبوة بخاتمية
الإمامة بالإمام المهدي(ع)! وهي إشارة
قرآنية كافية لأن تدرك مقام الإمام
المهدي(ع)فأي سر فيه صلوات الله عليه أوجب
التعبير في هذا الصحيح من الدرجة الأولى
الذي لا شك في صدوره عن منبع الوحي، بأنه
هو المقصود بقوله تعالى: وَالنَّهَارِ
إِذَا تَجَلَّى؟!


إنه صلوات الله عليه قوس النهار في منظومة
عالم الملكوت ، الذي لا يفهم أحد حقيقة
دوره وتأثيره الآن في منظومة عالم الملكوت
، ولماذا ادخره الله تعالى وجعل دوره في
آخر الزمان ؟ وماذا سيحقق على يده عند
ظهوره الموعود ؟! إنها حقائق كبيرة ثابتة ،
ومذهلة !


فكروا في قوله تعالى:وَالشَّمْسِ
وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا فمن الذي
يجلي شمس خاتم الأنبياء(ص)ويظهرها ؟


قال بعض المفسرين إنها الأرض أو الظلمة ،
فهي التي تجلي الشمس !


لكن السياق وأصالة عدم التقدير يدلان على
أن الذي يجليها هو النهار، فهو الإمام
المهدي خاتم الأئمة(ع)، الذي يجلي شمس خاتم
الأنبياء(ص)!


هل ترانا عرفنا الإمام صاحب الزمان
أرواحنا فداه ؟!


إن ما نصل إليه من قشور في معرفة شخصيته
المقدسة ، إنما هو على قدر فهمنا ، وليس
على قدر شخصيته ! فأنَّى لنا أن نفهم الذي
يمثل شمس خاتم الأنبياء(ص)في منظومة عالم
الملكوت ، ويجليها في ظهوره الموعود بوعد
ربه ؟! وعالم الملكوت أعم من عالم الدنيا
والبرزخ والآخرة !


إنه صلوات الله عليه هو الذي يجلي شمس
نبوة نبينا(ص)التي مقدماتها نبوات
الأنبياء(ع)، وينشر ضحاها على كل عوالم
الوجود! ففي نظام العالم يوجد خاتمان لا
أكثر ، أولهما خاتم الأنبياء(ص)والثاني
خاتم الأوصياء والحجج(ع)!


السلام عليك يا مولاي يا صاحب الزمان ، يا
من قبل مجيئه لا يتم بسط نور شمس الخاتمية
السلام على الحق الجلي ، والنهار إذا
جلاها: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ
الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ
زَهُوقاً ( سورة الإسراء:81)


أنت الذي أنزل الله تعالى في حقه:
وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا
وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ
بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ
وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ
لا يُظْلَمُونَ (الزمر: 69) ،


أنت الذي ذخرك الله تعالى ليسرَّ بظهورك
جميع الأنبياء(ع)، وينهي معاناتهم ، ويختم
محنتهم ، ويحقق على يدك ثمرة بعثاتهم:
وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَ


وأنت الذي على يدك يتنجز ضحى بعثة جدك
المصطفى(ص)وضحى شمسه المقدسة ، ويتحقق
الغرض من خلق البشر والعالم


إقرؤوا عن الإمام صاحب الزمان(ع)واعرفوه
وعرِّفوا الناس به ، فكلكم ولله الحمد
فضلاء ، وكثير منكم علماء من مستوى جيد ،
فواجبكم استخراج جواهر المعرفة من كلمات
المعصومين صلوات الله عليهم، وإيصالها
الى أيتام الإمام صاحب الزمان(ع)الذين هم
في عصر الغيبة متعطشون حيارى ! عرفوا هذه
الجواهر لأصحابها الموالين ، عرفوهم على
مواليهم(ع) !


لخاتم الأنبياء(ص)اسمان إسم في السماء
(أحمد) وإسم في الأرض(محمد) وهذان الإسمان
وضعهما الله تعالى له ، ولم يجمعا في
العالم إلا في الحجة بن الحسن(ع)!


هذا بابٌ ، والباب الثاني أن أحداً لم
يجمع بين إسم النبي(ص)وكنيته إلا الحجة بن
الحسن(ع)، فإسمه اسم خاتم
الأنبياء(ص)وكنيته أبو القاسم ومضافاً الى
هذا فقد جمع كنى الأئمة المعصومين كلها(ع)،
ولهذا معنى بليغ فانظروا إلى أحاديث
المعراج ، حيث رأى النبي(ص)من ملكوت الله
ما رأى ! وعندما رأى أنوار الأئمة الإثني
عشر من عترته(ع)رأى نور المهدي من بينهم
يتلألأ كأنه كوكب دري ، فقال: يا رب من
هؤلاء ومن هذا ؟ قال: يا محمد هم الأئمة
بعدك المطهرون من صلبك ، وهو الحجة الذي
يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويشفي صدور قوم
مؤمنين (2)


ونظراً لضيق الوقت نكتفي بقول النبي(ص)في
خطبته يوم الغدير ، عندما رفع بيد
علي(ع)وأبلغ الأمة إمامته من بعده ، وأتم
عليهم الحجة فقال: ألا من كنت مولاه فهذا
علي مولاه وأوصى الأمة بعدة وصايا
وافتتحها كلها بـ (ألا) التي هي أداة تنبيه
، ومن هذه الوصايا تنبيهه على مقام الإمام
المهدي(ع)، فقد قال(ص): ألا إن خاتم الأئمة
المهدي


ألا إنه خيرة الله ومختاره


ألا إنه وارث كل علم والمحيط به


ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل والمنبه
بأمر إيمانه


ألا إنه الرشيد السديد ألا إنه المفوض
إليه ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه ألا
إنه الباقي حجة ولا حجة بعده ولا حق إلا
معه، ولا نور إلا عنده ألا إنه لا غالب له
ولا منصور عليه ألا وإنه ولي الله في أرضه
، وحكمه في خلقه، وأمينه في سره وعلانيته
(الإحتجاج ج1ص61) (3)


لاحظوا قوله(ص)في هذه الخطبة: ألا إنه وارث
كل علم والمحيط به وقوله(ص): ألا إنه الباقي
حجة ولا حجة بعده ولا حق إلا معه ، ولا نور
إلا عنده لتعرفوا كيف يتحقق به:
(وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا)


والأهم من ذلك أن صفة الرحمة للعالمين
منحصرة بالنبي(ص): وَمَا أَرْسَلْنَاكَ
إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، وقد وصف
الله تعالى بها الإمام المهدي(ع)في حديث
اللوح القدسي: وأكمل ذلك بابنه (م ح م د)
رحمة للعالمين ، عليه كمال موسى ، وبهاء
عيسى ، وصبر أيوب ) ! وهو أعلى مقام يعطيه
الله تعالى لخاتم الأوصياء (ع)خص به خاتم
الأنبياء(ص)


إن واجبكم أيها الفضلاء أن تتعرفوا على
مقامات الإمام المهدي(ع) وتعرِّفوا أيتام
آل محمد(ص)على ما عرفتموه منها ، لأن
معرفتها الكاملة غير ممكنة فبعملنا في
تحصيل الفقه وتحصيل معرفة النبي وآله
المعصوين(ص)، وفي تبليغ الناس أحكام
الحلال والحرام، وتعليمهم مقامات النبي
وآله(ص)، نأمل أن نكون محل نظر صاحب الزمان
ورعايته(ع)، إن شاء الله


التعليقات


(1) في تفسير القمي:2/425: ( أخبرنا أحمد بن
إدريس قال: حدثنا محمد بن عبد الجبار، عن
ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن محمد
بن مسلم قال سألت أبا جعفر (الامام
الباقر(ع)) عن قول الله عز وجل: والليل إذا
يغشى؟ قال: الليل في هذا الموضع فلان ، غشي
أمير المؤمنين في دولته التي جرت له عليه
وأمير المؤمنين(ع)يصبر في دولتهم حتى
تنقضي قال: والنهار إذا تجلى، قال: النهار
هو القائم(ع)منا أهل البيت ، إذا قام غلب
دولته الباطل والقرآن ضرب فيه الأمثال
للناس ، وخاطب الله نبيه به ونحن ، فليس
يعلمه غيرنا ) وعنه في البحار:24/71


وي تأويل الآيات:2/807 في قوله تعالى: والليل
إذا يغشى: ( جاء مرفوعاً عن عمرو بن شمر ، عن
جابر بن يزيد ، عن أبي عبد الله(ع)في قول
الله عز وجل: والليل إذا يغشى ، قال: دولة
إبليس إلى يوم القيامة ، والنهار إذا تجلى:
وهو القائم(ع)إذا قام ) وعنه في البحار:24/398


(2) في كفاية الأثر للخزاز القمي&ص69: (حدثنا
أبو الحسن علي بن الحسن بن محمد ، قال
حدثنا أبو محمد هارون بن موسى رضي الله عنه
في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين
وثلاثمائة، قال حدثني أبوعلي محمد بن
همام، قال حدثني عامر بن كثير البصري ، قال
حدثني الحسن بن محمد بن أبي شعيب الحراني ،
قال حدثنا مسكين بن بكير أبو بسطام ، عن
سعد بن الحجاج ، عن هشام بن زيد ، عن أنس بن
مالك ، قال هارون: وحدثنا حيدر بن محمد بن
نعيم السمرقندي، قال حدثني أبو النصر محمد
بن مسعود العياشي، عن يوسف بن المشحت
البصري ، قال حدثنا إسحاق بن الحارث ، قال
حدثنا محمد بن البشار ، عن محمد بن جعفر،
قال حدثنا شعبة ، عن هشام بن يزيد، عن أنس
بن مالك قال: كنت أنا وأبو ذر وسلمان وزيد
بن ثابت وزيد بن أرقم عند النبي(ص) ودخل
الحسن والحسين(ص)فقبلهما رسول الله(ص)،
وقام أبوذر فانكب عليهما وقبل أيديهما ،
ثم رجع فقعد معنا، فقلنا له سراً: رأيت
رجلاً شيخاً من أصحاب رسول الله(ص) يقوم
إلى صبيين من بني هاشم فينكب عليهما ويقبل
أيديهما فقال: نعم لو سمعتم ما سمعت فيهما
من رسول الله(ص)لفعلتم بهما أكثر مما فعلت
قلنا: وماذا سمعت يا أبا ذر؟ قال: سمعته
يقول لعلي ولهما: يا علي والله لو أن رجلا
صلى وصام حتي يصير كالشن البالي إذا ما نفع
صلاته وصومه إلا بحبكم يا علي من توسل إلى
الله بحبكم فحق على الله أن لا يرده يا علي
من أحبكم وتمسك بكم فقد تمسك بالعروة
الوثقى قال: ثم قام أبو ذر وخرج، وتقدمنا
إلى رسول الله(ص)فقلنا: يا رسول الله
أخبرنا أبو ذر عنك بكيت وكيت قال: صدق أبو
ذر ، صدق والله ، ما أظلت الخضراء ولا أقلت
الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر قال: ثم
قال(ع)خلقني الله تبارك وتعالى وأهل بيتي
من نور واحد قبل أن يخلق آدم بسبعة آلاف
عام ، ثم نقلنا إلى صلب آدم ، ثم نقلنا من
صلبه في أصلاب الطاهرين إلى أرحام
الطاهرات فقلت: يا رسول الله فأين كنتم
وعلى أي مثال كنتم ؟ قال: كنا أشباحاً من
نور تحت العرش نسبح الله تعالى ونمجده، ثم
قال(ع): لما عرج بي إلى السماء وبلغت سدرة
المنتهى ودعني جبرئيل(ع)فقلت: حبيبي
جبرئيل أفي هذا المقام تفارقني فقال: يا
محمد اني لا أجوز هذا الموضع فتحترق
أجنحتي ثم زج بي في النور ماشاءالله،
فأوحى الله إلي: يا محمد إني اطلعت إلى
الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبيا ،
ثم اطلعت ثانيا فاخترت منها علياً فجعلته
وصيك ووارث علمك والإمام بعدك ، وأخرج من
أصلابكما الذرية الطاهرة والأئمة
المعصومين خزان علمي، فلولاكم ما خلقت
الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار


يا محمد أتحب أن تراهم ؟ قلت: نعم يا رب
فنوديت: يا محمد ارفع رأسك ، فرفعت رأسي
فإذا أنا بأنوار علي والحسن والحسين وعلي
بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد
وموسى بن جعفر وعلي بن موسى ومحمد بن علي
وعلي بن محمد والحسن ابن علي والحجة
يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري فقلت: يا رب
من هؤلاء ومن هذا ؟ قال: يا محمد هم الأئمة
بعدك المطهرون من صلبك ، وهو الحجة الذي
يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ويشفي صدور قوم
مؤمنين


قلنا: بآبائنا وأمهاتنا أنت يا رسول الله
لقد قلت عجباً فقال(ص): وأعجب من هذا أن
قوماً يسمعون مني هذا ثم يرجعون على
أعقابهم بعد إذ هداهم الله ، ويؤذوني فيهم
، لا أنالهم الله شفاعتي)


وفي المحكم والمتشابه ص25: ( قال أبو
عبدالله محمد بن إبراهيم بن جعفر النعماني
في كتابه في تفسير القرآن: حدثنا أحمد بن
محمد بن سعيد بن عقدة قال: حدثنا جعفر بن
أحمد بن يوسف بن يعقوب الجعفي ، عن إسماعيل
بن مهران ، عن الحسين بن علي بن أبي حمزة ،
عن أبيه ، عن إسماعيل بن جابر قال: سمعت أبا
عبد الله جعفر بن محمد الصادق(ع)يقول:( في
حديث طويل عن أنواع آيات القرآن تضمن
مجموعة أسئلة لأمير المؤمنين(ع)عن آيات
القرآن وأحكامه، منها سؤال عن أقسام النور
في القرآن، وعن قوله تعالى: اللهُ نُورُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ
نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ
الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ
الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ
مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ
وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ
الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ
شئ عَلِيمٌ (سورة النور:35 )، فقال أمير
المؤمنين(ع): (فالمشكاة رسول الله(ص)
والمصباح الوصي، والأوصياء(ع)والزجاجة
فاطمة ، والشجرة المباركة رسول الله(ص)
والكوكب الدري القائم المنتظر(ع)الذي يملأ
الأرض عدلاً ) وهو في البحار :93/3 ، عن المحكم
والمتشابه


وفي الطبراني الكبير:8/120: (حدثنا علي بن
سعيدالرازي ثنا علي بن الحسين، ثنا عنبة
بن أبي صغيرة ، ثنا الأوزاعي، عن سليمان بن
حبيب قال: سمعت أبا أمامة يقول: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: سيكون بينكم وبين
الروم أربع هدن ، يوم الرابعة على يد رجل من
أهل هرقل يدوم سبع سنين فقال له رجل من عبد
القيس يقال له المستورد بن خيلان: يا رسول
الله من إمام الناس يومئذ؟ قال: المهدي من
ولدي إبن أربعين سنةكأن وجهه كوكب دري، في
خده الأيمن خال أسود، عليه عباءتان
(قطوانيتان) كأنه من رجال بني إسرائيل،
يملك عشرين سنة، يستخرج الكنوزويفتح
مدائن الشرك) انتهى


وقد ورد هذا الوصف للإمام المهدي(ع)في
أحاديث أخرى كما في عيون أخبار الرضا(ع):2/60
، وكمال الدين وتمام النعمة ص252 ، وكفاية
الأثر ص136، وص 185، والغيبة للطوسي ص147 وغيره


(3) في الإحتجاج:1/61: (حدثني السيد العالم
العابد أبو جعفر مهدي بن أبي حرب الحسيني
المرعشي رضي الله عنه قال: أخبرنا الشيخ
أبو علي الحسن بن الشيخ السعيد أبي جعفر
محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه قال:
أخبرني الشيخ السعيد الوالد أبو جعفر قدس
الله روحه قال: أخبرني جماعة عن أبي محمد
هارن بن موسى التلعكبري قال: أخبرنا أبو
علي محمد بن همام قال: أخبرنا علي السوري
قال: أخبرنا أبو محمد العلوي من ولد الأفطس
، وكان من عباد الله الصالحين ، قال: حدثنا
محمد بن موسى الهمداني قال: حدثنا محمد بن
خالد الطيالسي قال: حدثنا سيف بن عميرة ،
وصالح بن عقبة، جميعاً عن قيس بن سمعان، عن
علقمة بن محمد الحضرمي، عن أبي جعفر محمد
بن علي(ع)أنه قال:


حج رسول الله(ص)من المدينة وقد بلغ جميع
الشرايع قومه غير الحج والولاية ، فأتاه
جبرئيل(ع)فقال له: يا محمد ان الله جل اسمه
يقرؤك السلام ويقول لك: إني لم أقبض نبياً
من أنبيائي ولا رسولاً من رسلي إلا بعد
إكمال ديني وتأكيد حجتي، وقد بقي عليك من
ذاك فريضتان مما تحتاج أن تبلغهما قومك:
فريضة الحج ، وفريضة الولاية والخلافة من
بعدك ، فإني لم أخل أرضي من حجة ولن أخليها
أبداً ، فإن الله جل ثناؤه يأمرك أن تبلغ
قومك الحج وتحج ويحج معك من استطاع إليه
سبيلاً من أهل الحضر والأطراف والأعراب
وتعلمهم من معالم حجهم مثل ما علمتهم من
صلاتهم وزكاتهم وصيامهم وتوقفهم من ذلك
على مثال الذي أوقفتهم عليه من جميع ما
بلغتهم من الشرائع


فنادى منادي رسول الله(ص)في الناس: ألا إن
رسول الله يريد الحج وأن يعلمكم من ذلك مثل
الذي علمكم من شرائع دينكم ويوقفكم من ذاك
على ما أوقفكم عليه من غيره فخرج(ص)وخرج
معه الناس وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع
فيصنعوا مثله ، فحج بهم وبلغ من حج مع رسول
الله(ص)من أهل المدينة وأهل الأطراف
والأعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على
نحو عدد أصحاب موسى السبعين ألفاً الذين
أخذ عليهم بيعة هارون ، فنكثوا واتبعوا
العجل والسامري ، وكذلك أخذ رسول
الله(ص)البيعة لعلي بالخلافة على عدد
أصحاب موسى فنكثوا البيعة واتبعوا العجل
والسامري سنة بسنة ومثلاً بمثل( من حديث
طويل فيه خطبة النبي(ص)في الغدير وهي خطبة
بليغة طويلة ننقل منها فقرات ، منها ما
يتصل بالإمام المهدي(ع)) قال(ص) :


معاشر الناس: إنه آخر مقام أقومه في هذا
المشهد فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر
ربكم ، فإن الله عز وجل هو مولاكم وإلهكم
ثم من دونه محمد وليكم القائم المخاطب لكم
، ثم من بعدي علي وليكم وإمامكم بأمر ربكم
، ثم الإمامة في ذريتي من ولده إلى يوم
تلقون الله ورسوله ، لا حلال إلا ما أحله
الله ولا حرام إلا ما حرمه الله ، عرفني
الحلال والحرام وأنا أفضيت بما علمني ربي
من كتابه وحلاله وحرامه إليه


معاشر الناس: إن علياً والطيبين من ولدي
هم الثقل الأصغر ، والقرآن الثقل الأكبر ،
فكل واحد منبئ عن صاحبه وموافق له ، لن
يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، هم أمناء
الله في خلقه وحكماؤه في أرضه ، ألا وقد
أديت ، ألا وقد بلغت ألا وقد أسمعت ، ألا
وقد أوضحت ، ألا وإن الله عز وجل قال وأنا
قلت عن الله عز وجل ، ألا إنه ليس أمير
المؤمنين غير أخي هذا ولا تحل إمرة
المؤمنين بعدي لأحد غيره


ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه ، وكان منذ أول
ما صعد رسول الله(ص)شال علياً حتى صارت رجله
مع ركبة رسول الله(ص)، ثم قال:


معاشر الناس: هذا علي أخي ووصيي وواعي
علمي وخليفتي على أمتي وعلى تفسير كتاب
الله عز وجل والداعي إليه والعامل بما
يرضاه والمحارب لأعدائه والموالي على
طاعته والناهي عن معصيته


معاشر الناس: النور من الله عز وجل فيَّ
مسلوكٌ ثم في علي، ثم في النسل منه إلى
القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق
هو لنا ، لأن الله عز وجل قد جعلنا حجة
علىالمقصرين والمعاندين والمخالفين
والخائنين والآثمين والظالمين من جميع
العالمين


معاشر الناس: أنذركم أني رسول الله قد خلت
من قبلي الرسل أفإن مت أو قتلت انقلبتم على
أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله
شيئا وسيجزي الله الشاكرين ، ألا وإن عليا
هو الموصوف بالصبر والشكر ثم من بعده ولدي
من صلبه


معاشر الناس: إنه سيكون من بعدي أئمة
يدعون إلى النار ويوم القيامة لا ينصرون


معاشر الناس: إني أدعها إمامة ووراثة في
عقبي إلى يوم القيامة ، وقد بلغت ما أمرت
بتبليغه حجة على كل حاضر وغائب


معاشر الناس: النور من الله عز وجل في
مسلوك ، ثم في علي ، ثم في النسل منه إلى
القائم المهدي الذي يأخذ بحق الله وبكل حق
هو لنا ، لأن الله عز وجل قد جعلنا حجة
علىالمقصرين والمعاندين والمخالفين
والخائنين والآثمين والظالمين من جميع
العالمين ألا إن خاتم الأئمة منا القائم
المهدي، ألا إنه الظاهر على الدين ألا إنه
المنتقم من الظالمين ألا إنه فاتح الحصون
وهادمها ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل
الشرك ألا إنه مدرك بكل ثار لأولياء الله
ألا إنه الناصر لدين الله ألا إنه الغراف
في بحر عميق ألا إنه يسم كل ذي فضل بفضله ،
وكل ذي جهل بجهله ألا إنه خيرة الله
ومختاره ألا إنه وارث كل علم والمحيط به
ألا إنه المخبر عن ربه عز وجل والمنبه بأمر
إيمانه ألا إنه الرشيد السديد ألا إنه
المفوض إليه ألا إنه قد بشر به من سلف بين
يديه ألا إنه الباقي حجة ولا حجة بعده ولا
حق إلا معه ، ولا نور إلا عنده ألا إنه لا
غالب له ولا منصور عليه ألا وإنه ولي الله
في أرضه ، وحكمه في خلقه ، وأمينه في سره
وعلانيته ألا إن الحلال والحرام أكثر من
أن أحصيهما وأعرفهما ، فآمر بالحلال وأنهى
عن الحرام في مقام واحد ، فأمرت أن آخذ
البيعة منكم والصفقة لكم بقبول ما جئت به
عن الله عز وجل في علي أمير المؤمنين
والأئمة من بعده ، الذين هم مني ومنه ،
أئمة قائمة منهم المهدي إلى يوم القيامة
الذي يقضي بالحق) انتهى ورواه الفتال
النيسابوري&في روضة الواعظين ص94 ، وعنه في
البحار البحار:37/211


(40)أصحاب الإمام المهدي(ع)إخوان للنبي(ص)


( بتاريخ: 14 شعبان 1420- 23/11/1999 - 2/9/1378 )


في ليلة ولادة ولي العصر ، وصاحب الأمر ،
المؤتمن على غيب الله تعالى وسره ، نتوسل
بما يسر الله من القول في حقه ، أرواحنا
فداه


إن بعض الكلمات الواردة في حقه(ع)يصعب
فهمها وتصور أعماقها ، كالفقرة التي في
دعاء الندبة: بنفسي أنتَ من عقيدِ عزٍَ لا
يُسَامَى ، يعني أعطاك الله تعالى مقاماً
بلغت به أوج عزة لا يستطيع أحد أن يصل إليه
أو يساميه وفهم هذه الجملة يتوقف على فهم
ماهي الإمامة، ومن هو الإمام المهدي(ع)
الذي تختم به ؟


كان العالم كله ينتظر وجود آدم وبنيه(ع)،
ذلك الذي يحمل سر قوله تعالى: إِنِّي
أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ (سورة
البقرة:30 )


وكان كل بني آدم ينتظرون نبوات الأنبياء
ورسالات الرسل(ع)، لأنها مُعَلِّمة
الآدميين ومربيتهم ، وطريقهم إلى بلوغ
كمالهم


وكانت كل النبوات والرسالات تنتظر خاتم
الأنبياء والرسل(ص)، لأن تربية الإنسانية
ووصولها الى أوجها إنما تتحقق وتبلغ
ثمراتها برسالته(ص)


لكن الأمر العظيم أن خاتمة الرسالات كانت
تتطلع إلى الإمام المهدي(ع) خاتم
الأئمة(ع)، ومحقق أهداف الرسالة الخاتمة !


فإن فهمت هذا ، فهمت من هو إمام العصر
والزمان صلوات الله عليه !


سئل الإمام الصادق(ع)عن تفسير قوله تعالى:
الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ
الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ
يُنْفِقُونَ ؟ فقال: المتقون شيعة علي(ع)،
والغيب فهو الحجة الغائب ، وشاهد ذلك قول
الله عز وجل: وَيَقُولُونَ لَوْلا
أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ
فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ
فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ
الْمُنْتَظِرِينَ (كمال الدين:2/340) (1)


وعندما يستدل الإمام الصادق(ع)فعلى نوابغ
البشرية أن يشغِّلوا أفكارهم ويتأملوا في
أعماق كلامه! فقد استدل هنا بقوله
تعالى:وَيَقُولُونَ لَوْلا أُنْزِلَ
عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِالخ ومعناه
أن نزول الآية من الله تعالى أمر محقق ،
وقد أمر الله نبيه(ص)أن يتنظرها:
فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ
الْمُنْتَظِرِينَ! وأن هذه الآية
المنتظرة من الغيب المختص بالله تعالى:
فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ


وعلى هذا فخاتم الأنبياء ، الشخص الأول في
العالم ، وعصارة الخلقة والبعثة(ص)، مأمور
بأن يعدهم بآية غيب الله التي ستتحقق على
يد ولده الموعود(ع)ويقول لهم: إِنِّي
مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ !!


إن وجود العالم من بدوه إلى ختمه كان
ينتظر وجود النبي(ص)، وهو ينتظر مهديه
الموعود(ع)!


هذا هو الإمام المهدي ، الذي يوجد فيه كل
ما ضيعه العالم !


هو الذي تتطلع إليه الأنبياء من لدن
آدم(ع)إلى النبي الخاتم(ص)!


إنه المقام الكبير والمنزلة العظيمة بنص
صحيح السند لا شبهة فيه ، فرسول
الله(ص)خاتم الأنبياء وسيد الرسل ينتظر
حفيده الموعود المهدي(ع)ويتمنى لقاء
أصحابه فيقول وددت لو رأيت إخواني ! أو
يقول: آه شوقاً إلى إخواني ! قالوا أولسنا
إخوانك يا رسول الله ؟ قال: أنتم أصحابي
وإخواني الذين لم يأتوا بعد ! فقالوا: كيف
تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله ؟


فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة
بين ظهري خيل دهم بهم ، ألا يعرف خيله؟
قالوا: بلى يا رسول الله ، قال: فإنهم يأتون
غراً محجلين من الوضوء ، وأنا فرطهم على
الحوض ألا لَـيـُذادنَّ رجال عن حوضي كما
يذاد البعير الضال! أناديهم ألا هلمَّ
فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك فأقول: سحقاً
سحقاً! (صحيح مسلم:1/150، وراجع المحاسن
للبرقي:1/173 ) (2)


هكذا فاعرفوا صاحب الزمان ، وهكذا
عرِّفوه للناس !


وهذا شهر رمضان قد أقبل إليكم ، شهر الله
تعالى ، وشهر القرآن: شَهْرُ رَمَضَانَ
الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً
لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ


شهر إمام الزمان(ع)الذي تنزل عليه ملائكة
ليلة القدر: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي
لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا
لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا
بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ


تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ تعبير محلّى بـ
(أل) للدلالة على جنس الملك والملكوت
وتتنزل معها الروح ، التي هي في كفة وجميع
الملائكة في كفة !


نعم ، تتنزل بكل أمر على ولي الأمر !


لا تصرفوا أوقاتكم في هذا الشهر بما لا
طائل فيه ، إصرفوها فقط في ذكر الله تعالى
، لأن الشهر شهر الله ، وفي القرآن ، لأن
الشهر شهر القرآن ، والقسم الثالث لإمام
الزمان(ع)، فاعملوا في هذا الشهر لكي
تدوَّنَ أسماؤكم في سجله(ع)


أتركوا خدمة زيد وعمرو! فهل تجعلون أنفسكم
خدماً لمن ينسى نفسه وشخصيته ويفقد توازنه
عند أقل قدرة يملكها ؟!


كونوا خداماً لمن يمسك الله به السماء أن
تقع على الأرض !


إعرفوا قدر شخصياتكم ، ولا تبيعوها بثمن
بخس دراهم معدودة !


بيعوا أنفسكم لله تعالى، للقرآن ، لصاحب
الزمان(ع)، وكيف يمكن للإنسان أن يكون
عاشقاً لله تعالى ، مع عشقه لغيره؟! أو
عاشقاً لصاحب الزمان مع عشقه لغيره ؟!


مزاج عشق ، بس مشكل پسند است قبول عشق
برطاق بلند است


ترجمته: من صفات العشق أن فيه شمماً ،
يتعزز في قبول من ينتسب إليه !


فلا تجعلوا العدم شريكاً للوجود ، ولا
تخلطوا المعدوم بالموجود !


لا تدخلوا الظلمات بالنور ، واحبسوا
أنفسكم على صاحب الزمان(ع)، فقد قال الإمام
الباقر(ع)لعبد الحميد الواسطي: يا عبد
الحميد أترى من حبس نفسه على الله عز وجل
لا يجعل الله له مخرجاً ؟ بلى والله ليجعلن
الله له مخرجاً، رحم الله عبداً حبس نفسه
علينا ، رحم الله عبداً أحيا أمرن


قال قلت: فإن متُّ قبل أن أدرك القائم ؟
قال: القائل منكم أن لو أدركت قائم آل محمد
نصرته كان كالمقارع بين يديه بسيفه ، لا بل
كالشهيد معه) (3)


رحم الله عبداً أحيا أمرناإذا سرتم خطوة
في هذا الطريق فأنتم مخلصون ولستم(مشركين)
فاقتصروا على كلمتين:من منه الوجود الحي
القيوم سبحانه ومن به الوجود وهو صاحب
الزمان أرواحنا فداه فغيرهما ليس شيئاً
يذكر


فإن حبستم أنفسكم عليهما ، فقد تكونون من
أهل هذا الحديث الشريف:


في بصائر الدرجات للصفار&ص104: (حدثنا
العباس بن معروف ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي
الجارود عن أبي بصير عن أبي جعفر(ع)قال قال
رسول الله(ص)ذات يوم وعنده جماعة من
أصحابه: اللهم لَقِّني إخواني مرتين، فقال
من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول
الله؟ فقال: لا ، إنكم أصحابي، وإخواني قوم
في آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد
عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من
قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام
أمهاتهم ، لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط
القتاد في الليلة الظلماء ، أو كالقابض على
جمر الغضا! أولئك مصابيح الدجىينجيهم الله
من كل فتنة غبراء مظلمة)


والعباس بن معروف موثق بتوثيق النجاشي،
عن حماد بن عيسى ، أحد الذين أجمعت الطائفة
على تصحيح ما يصح عنه ، عن أبي الجارود ،
الموثق بتوثيق المفيد ، عن أبي بصير ، أحد
أركان الأرض والأوتاد الأربعة


اللهم لقني إخواني قالها النبي(ص)مرتين لا
مرة واحدة ! قالها الذي نَفَسُهُ ،
ونَظْرته ، وكلمته ، تعدل عالم الوجود!
فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا
رسول الله؟ فقال: لا، إنكم أصحابي فأنتم
فقط بمستوى الأصحاب أما الإخوان فغيركم !


روحي لك الفداء يا صاحب الزمان، من أنت
أيها الرباني حتى بلغ تلاميذك الذين
ربيتهم ، وخدامك الذين يتشرفون بخدمتك،
درجة أن يحسبوا إخواناً للنبي(ص)، فيتمنى
لقاءهم والحديث معهم ؟!


أي سرٍّ كامنٍ في شخصك، أودعتَ منه فيهم ،
يا غيب الله المكنون ، وسره المرموز ؟!
(وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم
يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء
آبائهم ، من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم
وأرحام أمهاتهم ! لأحدهم أشد بقية على دينه
من خرط القتاد في الليلة الظلماء أو
كالقابض على جمر الغضا أولئك مصابيح الدجى
ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة)


ما هذا المعدن وهذه التربية التي جعلتهم
أصلب في دينهم ممن يمسك جريدة شوك القتاد
فيخرطها بيده في الليل دون أن يرى أين
يصيبه شوكها ، أو كالذي يمسك بيديه جمراً
شديد الحرارة ، غير مكترث باحتراق يده ؟!


وما هذه الدرجة من الإيمان التي جعلت
النبي(ص)يتشوق إلى لقائهم؟! فأخبره الله
تعالى بأسمائهم وأسماء آبائهم ، قبل
ولادتهم بقرون ؟!


هؤلاء هم عصارة العالم وثمرات النبوة
والإمامة ، الذين ربتهم غيبة الإمام
(ع)ورباهم الإمام(ع)في غيبته، الذين صبروا
وعَبَرُوا الإمتحانات الإلهية حتى وصلوا
إلى مقام الأخوَّة لرسول الله(ص)وهي درجة
عظيمة تلي درجة المعصومين(ع)، وإن لم تصل
إلى درجة المؤاخاة لأمير المؤمنين(ع)


هؤلاء الذين وصلوا بصبرهم ، وبحبسهم
أنفسهم على الله ورسوله وحجته إلى هذا
المستوى الرفيع !


وكذلك هو عصر الغيبة عصر بلاء وامتحان ،
وإخراج للجواهر الكامنة إلى عالم الفعلية
، بأنواع من الإبتلاء والإمتحان !


في الإمامة والتبصرة ص130: (عن عبد الرحمن
بن سيابة ، عن أبي عبد الله (ع)أنه قال: كيف
أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم؟
يتبرأ بعضكم من بعض؟! فعند ذلك تميزون،
وتمحصون، وتغربلون، وعند ذلك اختلاف
السيفين وإمارة من أول النهار ، وقتل وخلع
من آخر النهار )


فعند ذلك تميزون وهذه هي المرحلة الأولى ،
مرحلة الفرز وتمييز الخبيث من الطيب !


والثانية: تمحصون ، كتمحيص المعدن ،
كالذهب عندما يصهر وتضاف إليه مواد لإخراج
ثفالته


والثالثة: تغربلون ، كغربلة الحنطة
لاستخراج زوانها ، وحبها الضعيف الذي يسقط
من الغربال !


وفي رواية الشيخ الطوسي&أن الإمام عندما
وصل إلى المرحلة الثالثة التي هي الغربلة
، قالها ثلاثاً (لا يكون فرجنا حتى تغربلوا
ثم تغربلوا ثم تغربلوا ، يقولها ثلاثاً ،
حتى يذهب الله تعالى الكدر ويبقى الصفو)
وهو يعني أن خلط الأوراق في المؤمنين
وغربلتهم قرب الظهور ، تحصل ثلاث مرات! (4)


وتكون الغربلة الثالثة أصعبها (إنه لا بد
من أن تكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة
، حتى يسقط فيها من يشق الشعر بشعرتين ، حتى
لا يبقى إلا نحن وشيعتنا)


هذا هو الطريق ، وهذا هو المسار الذي
ينتظره رسول الله(ص)في أمته ! وهذا هو
التكامل الذي سنه الله تعالى بقوانينه في
ابتلاء الأمم والأنبياء والأئمة (ع)، حتى
تصل شجرة البشرية إلى ثمرتها في دولة
العدل الإلهي !


إنها من أسرار الغيبة التي قدرها الله
تعالى لخاتم الأئمة من عترة نبيه(ص) وجمع
فيها غيبات أنبيائه كلهم(ع)


وهذا هو الغائب الذي جعله الله مظهراً
لغيبه ومظهراً لشهادته ، فهو في غيبته في
مقام غيب الغيوب، فإذا جاء وقت ظهوره جعله
الله مظهراً للشهادة (محق كل حق، ومبطل كل
باطل) ! فأي قدرة يعطيه إياها حتى يستطيع أن
يحق بيده كل حق ، ويبطل بيده كل باطل ،
بالعموم الوضعي لهذه الكلمة


صلوات الله عليك يا منتهى الآمال (
المنتهى إليه مواريث الأنبياء ، ولديه
موجود آثار الأصفياء ، المؤتمن على الصدق
، والولي للأمر


إقرؤوا عن واحد من مواريث الأنبياء(ع)حتى
تعرفوا ما خبرها؟! أحدها قوله تعالى:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ
إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً
قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ
فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا
تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ
الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ
عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ
أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ
كُنْتُمْ صَادِقِينَ ( سورة البقرة:30-31 ) ثم
تصل إلى صحف آدم وإدريس ونوح، وقميص
إبراهيم ، وعصا موسى، وخاتم سليمان ،
وعليه كمال موسى وبهاء عيسى وصبر أيوب حتى
تصل إلىمواريث محمد(ص)من القرآن كمانزل،
وتفسيره وتأويله، والجفر والجامعة ومصحف
فاطمة ، وسلاح النبي(ص)بمعجزاته ، ودرعه
الخاصة ، ورايته العقاب، وعمامته سلطان
الله، وسيفه قدرةاللهوالأهم من ذلك من
صفاته(ع): أنه المؤتمن على سر الله الأعظم!
(السلام عليك يا حافظ أسرار رب العالمين،
السلام عليك يا حافظ أسرار رب العالمين)


يا ابن رسول الله ، نحن ظلمناك ، ظلمناكم
أهل البيت ، فكل ما عندنا منكم ، وبيمنكم
رزق الورى ، وبوجودكم ثبتت الأرض والسماء


لقد وضعنا على رؤوسنا شعار خدمتك ، لكنا
خدمنا الآخرين أكثر مما خدمناك ، بل أسأنا
اليك !


غير أن كرمكم أهل البيت لا منتهى له،
فليشملنا عفوكم لما مضى ، ولتشملنا
عنايتكم لنكون مقبولين عند الله في خدمتكم
فيما بقي من عمرنا


إنا نأمل أن تشملنا منك نظرة عناية ، من
نظراتك التي تحول عالماً بكامله !


فأنت الذي به َأَشْرَقَتِ الأَرْضُ
بِنُورِ رَبِّهَا، فماذا يكون لو أزلت
ظلماتنا بإشراقة نورك؟ وأنت الذي قال الله
تعالى عنه: إعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي
الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، فأحيِ هذ
القلوب بما أعطاك الله


اللهم صل على خليفتك وحجتك ، عددَ ما في
علمك ، صلاةً دائمةً بدوام ملكك ، واجعلنا
من أعوانه وأنصاره ، وأشياعه وأتباعه


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


التعليقات


(1) في كمال الدين:2/340: (حدثنا علي بن أحمد بن
محمد الدقاق رضي الله عنه قال: حدثنا أحمد
بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسى بن
عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد ، عن
علي بن أبي حمزة ، عن يحيى بن أبي القاسم
قال: سألت الصادق(ع)عن قول الله عز وجل: (
الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ
هُدىً لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ
يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) قال(ع): المتقون:
شيعة علي(ع)، والغيب: فهو الحجة الغائب ،
وشاهد ذلك قول الله عز وجل: (وَيَقُولُونَ
لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ
رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ للهِ
فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ
الْمُنْتَظِرِينَ) انتهى


وفي تأويل الآيات:1/31: (قال علي بن إبراهيم
رحمه الله ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير،
عن جميل بن صالح ، عن المفضل، عن جابر، عن
أبي جعفر(ع)قال: آلم ، وكل حرف في القرآن
مقطعة،من حروف اسم الله الأعظم الذي يؤلفه
الرسول والإمام(ع) فيدعو به فيجاب قال قلت
قوله: ذَلِكَ الْكِتَابُ لارَيْبَ فِيهِ؟
فقال: الكتاب أمير المؤمنين لا شك فيه إنه
إمام هدى للمتقين فالآيتان لشيعتنا ، هم
المتقون الذين يؤمنون الغيب ، وهو البعث
والنشور ، وقيام القائم والرجعة )


(2) في بصائر الدرجات ص104: (حدثنا العباس بن
معروف عن حماد بن عيسى عن أبي الجارود عن
أبي بصير عن أبي جعفر(ع)قال قال رسول
الله(ص)ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه:
اللهم لقني إخواني مرتين ، فقال من حوله من
أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول الله؟فقال:
لا إنكم أصحابي، وإخواني قوم من آخر
الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد عرفنيهم
الله بأسمائهم وأسماء آبائهم، من قبل أن
يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ،
لأحدهم أشد بقية على دينه من خرط القتاد في
الليلة الظلماء ، أو كالقابض على جمر الغضا
أولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة
غبراء مظلمة)


وفي صحيح مسلم النيسابوري:1/150: (وددت أنا
قد رأينا إخواننا قالوا: أولسنا إخوانك يا
رسول الله؟ قال أنتم أصحابي، وإخواننا
الذين لم يأتوا بعد فقالوا كيف تعرف من لم
يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت
لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل
دهم بهم ، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلى يا
رسول الله قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من
الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض ، ألا ليذادن
رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال!
أناديهم ألا هلمَّ ، فيقال إنهم قد بدلوا
بعدك! فأقول سحقاً سحقاً !) ورواه أحمد في
مسنده:2/300 وص408 ، والبيهقي في سننه:1/83 و:4/78 ،
وابن حبان:3/321 ، ومجمع الزوائد:10/66 وغيرهم
بدون نقيصة ، لكن رواه النسائي في سننه:1/93
، بدون ذم الصحابة في آخره !


(3) في المحاسن للبرقي:1/173: (عنه ، عن ابن
فضال ، عن علي بن عقبة ، عن عمر بن أبان
الكلبي ، عن عبد الحميد الواسطي ، قال: قلت
لأبي جعفر(ع): أصلحك الله، والله لقد تركنا
أسواقنا انتظاراً لهذا الأمر حتى أوشك
الرجل منا يسأل في يديه !


فقال: يا عبدالحميد أترى من حبس نفسه على
الله لا يجعل الله له مخرجاً؟ بلى والله
ليجعلن الله له مخرجاً ، رحم الله عبداً
حبس نفسه علينا ، رحم الله عبدا أحيا أمرنا
قال فقلت: فإن مت قبل أن أدرك القائم؟ فقال:
القائل منكم: إن أدركت القائم من آل محمد
نصرته كالمقارع معه بسيفه والشهيد معه له
شهادتان ) ورواه في كمال الدين ص644، وعنه في
البحار:52/126


(4) في الإمامة والتبصرة ص130: (سعد بن عبد
الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ،
عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عبد الله
بن عبد الرحمن الأصم ، عن الحسين بن
المختار القلانسي ، عن عبد الرحمن بن
سيابة ، عن أبي عبد الله(ع)أنه قال: كيف
أنتم إذا بقيتم بلا إمام هدى ولا علم ؟
يتبرأ بعضكم من بعض ؟ فعند ذلك تميزون
وتمحصون وتغربلون ، وعند ذلك اختلاف
السيفين ، وإمارة أول من النهار ، وقتل
وخلع من آخر النهار )


ورواه في الإمامة والتبصرة ص130، عن سعد بن
عبد الله عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب،
عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عبد الله بن
عبد الرحمن الأصم ، عن الحسين بن المختار
القلانسي ، عن عبد الرحمن بن سيابة ، عن
أبي عبد الله(ع)، وفي كمال الدين ص348 وغيرهم


وفي الغيبة للطوسي ص339: (وروي عن جابر
الجعفي قال: قلت لأبي جعفر(ع) متى يكون
فرجكم ؟ فقال: هيهات هيهات لا يكون فرجنا
حتى تغربلوا ثم تغربلوا ثم تغربلوا ،
يقولها ثلاثاً ، حتى يذهب الله تعالى
الكدر ويبقى الصفو )


وفي قرب الإسناد ص369: ( وقال: من علامات
الفقه الحلم والعلم والصمت ، إن الصمت باب
من أبواب الحكمة ، إن الصمت يكسب المحبة
وهو دليل على الخير وكان جعفر(ع)يقول:
والله لا يكون الذي تمدون إليه أعناقكم
حتى تميزون وتمحصون ، ثم يذهب من كل عشرة
شئ ولا يبقى منكم إلا نزر ، ثم تلا هذه
الآية: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ
الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ
مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ
وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ
اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ)


وفي الكافي:1/370: (علي بن إبراهيم، عن محمد
بن عيسى، عن يونس، عن سليمان بن صالح رفعه
عن أبي جعفر(ع)قال قال: إن حديثكم هذا
لتشمئز منه قلوب الرجال ، فمن أقرَّ به
فزيدوه ، ومن أنكره فذروه ، إنه لا بد من أن
يكون فتنة يسقط فيها كل بطانة ووليجة، حتى
يسقط فيها من يشق الشعر بشعرتين، حتى لا
يبقى إلا نحن وشيعتنا) ورواه النعماني&في
الغيبة ص202، وفي بصائر الدرجات ص43


وفي الكافي:1/370: ( محمد بن يحيى والحسن بن
محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن القاسم بن
إسماعيل الأنباري، عن الحسن بن علي عن أبي
المغرا، عن ابن أبي يعفور قال سمعت أبا
عبدالله(ع)يقول: ويلٌ لطغاة العرب ، من أمر
قد اقترب! قلت: جعلت فداك كم مع القائم من
العرب؟ قال: نفر يسير ، قلت: والله إن من
يصف هذا الأمر منهم لكثير، قال: لا بد
للناس من أن يمحصوا ويميزوا ويغربلوا ،
ويستخرج في الغربال خلق كثير ) ورواه
الطبري&في دلائل الإمامة ص456 ،
والنعماني&في كتاب الغيبة ص204 ، وغيرهم


وفي الكافي:8/67: ( علي بن إبراهيم ، عن أبيه
، عن ابن محبوب عن علي بن رئاب ويعقوب
السراج ، عن أبي عبد الله(ع)أن أمير
المؤمنين(ع)لما بويع بعد مقتل عثمان صعد
المنبر فقال: الحمد لله الذي علا فاستعلى ،
ودنا فتعالى ، وارتفع فوق كل منظر ، وأشهد
أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله ، خاتم النبيين،
وحجة الله على العالمين ، مصدقاً للرسل
الأولين ، وكان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً ،
فصلى الله وملائكته عليه وعلى آله


ألا وإن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث
الله نبيه(ع)والذي بعثه بالحق لتبلبلن
بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوطة القدر
، حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم
، وليسبقن سابقون كانوا قصروا وليقصرن
سابقون كانوا سبقوا والله ما كتمت وشمة ،
ولا كذبت كذبة ، ولقد نبئت بهذا المقام
وهذا اليوم


ألا وإن الخطايا خيل شمس ، حمل عليها
أهلها وخلعت لجمها ، فتقحمت بهم في النار !
ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها
وأعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة وفتحت لهم
أبوابها ووجدوا ريحها وطيبها وقيل لهم:
أدْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ ، ألا وقد
سبقني إلى هذا الأمر من لم أشركه فيه ، ومن
لم أهبه له ، ومن ليست له منه نوبة إلا بنبي
يبعث ! ألا ولا نبي بعد محمد(ص)، أشرف منه
على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم


حق وباطل ولكل أهل ، فلئن أمر الباطل
لقديماً فعل ، ولئن قل الحق فلربما ولعل،
ولقلما أدبر شئ فأقبل ، ولئن رد عليكم
أمركم إنكم سعداء ! وما عليَّ إلا الجهد !
وإني لأخشى أن تكونوا على فترة ملتم عني
ميلة كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ،
ولو أشاء لقلت عفا الله عما سلف ، سبق فيه
الرجلان وقام الثالث كالغراب همه بطنه ،
ويله لو قص جناحاه وقطع رأسه كان خيراً له
، شغل عن الجنة والنار أمامه ، ثلاثة
وإثنان خمسة ليس لهم سادس: ملك يطير
بجناحيه ونبي أخذ الله بضبعيه وساع مجتهد
وطالب يرجوا ومقصر في النار ، اليمين
والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة
عليها يأتي الكتاب وآثار النبوة ، هلك من
ادعى وخاب من افترى إن الله أدب هذه الأمة
بالسيف والسوط ، وليس لأحد عند الإمام
فيهما هوادة ، فاستتروا في بيوتكم ،
وأصلحوا ذات بينكم ، والتوبة من ورائكم من
أبدى صفحته للحق هلك )


(41)الإمام المهدي(ع)باب الله الذي لايؤتى
إلا منه


( بتاريخ: 12 شعبان 1422- 29/10/2001 - 9/8/1380 )


بما أن شهر رمضان أقبل ، فإن عليكم جميعاً
واجب التبليغ بعد التفقه ، خاصة في هذا
العصر ، امتثالاً لقوله تعالى:وَمَا كَانَ
الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً
فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ
مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي
الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ
إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ ( سورة التوبة:122 )


إن الحاجة إلى التبليغ والإنذار في
زماننا لا تحتاج إلى بيان ، فقد كثر إلقاء
الشبهات، ومحاولات تضعيف مباني العقائد
المقدسة، فوجب على كل طالب علم انتسب إلى
صاحب الزمان(ع)أن يبذل جهده في أداء واجبه


شهر رمضان شهر الله تعالى ، وكل ما هو
موجود وكل ما هناك فهو من الله ، وعند الله
، وإلى الله وفي هذا الكلام لا مثلَ ، ولا
شبيهَ ، ولا نظير


ترى كيف ينال ما عند الله تعالى؟


إن الذي يريد منكم أن يدعو الناس في شهر
رمضان إلى الله تعالى لينالوا ما عنده ،
يجب أن يعرف طريق الدعوة إلى الله عز وجل


لقد قلتم كثيراً وتقولون كثيراً، ولم
تحصلوا على النتيجة المطلوبة في الناس!


فلا بد أن تعرفوا السبب والمشكلة ، لا بد
من معرفة الداء ، ثم معرفة الدواء لماذا لا
يؤثر الكلام ونشاطات التوعية في الناس؟!
السبب أن لكل قفل مفتاحاً ولكل بيت باباً ،
ونحن ضيعنا الباب ، ولم نعرف المفتاح !


نقل الشيخ المفيد والشهيد وصاحب المزار
الكبير أعلى الله مقامهم ، هذه الزيارة ،
وكل عبارة منها مَعْلَم هداية ، إحدى
فقراتها تقول: السلام عليك يا باب الله
الذي لا يؤتى إلا منه (المزار للشهيد
الأول&ص203) (1)


يكفي لأهل التعمق أن يتأملوا في هذه
العبارة ، ففيها نفي وإثبات ، وفي نفيها
حصر مطلبي ! أولاً ، ماذا يعني باب الله؟ من
هذا الذي أتى الله به إلى هذا العالم في مثل
غد ؟ تاريخ ولادته (ن و ر ) واسمه في القرآن
نور ، وصفته في الأحاديث: نور الأنوار !


باب الله الذي لا يؤتى إلا منه والتعبير
بباب الله تعالى، ليس خطأ ولا مبالغة فإن
فقه أحاديث أهل البيت(ع)هو الفقه الأكبر


باب الله أضيف الباب إلى هذا الإسم الجامع
لجميع الأسماء الحسنى والصفات العليا !
فباب الله يعني: باب الرحمن ، وباب الرحيم
، وباب العليم ، وباب الحكيم ، وباب الباسط
، وباب الرازق وتمام الألف خصوصية وخصوصية
المنحصرة في ذاته المقدسة ، والتي لا تنال
إلا عن هذا الطريق


إذا أردتم أن تعرفوا الناس على الله تبارك
وتعالى ، فعرفوهم على وليه وحجته وباب
معرفته ، الإمام صاحب الزمان أرواحنا فداه
، وأينما عقدتم مجلساً، في مدينة أو قرية،
فنوروا مجلسكم بذكره وإسمه الشريف ،
ووجهوا القلوب إليه صلوات الله عليه ،
وافتتحوا مجلسكم بزيارة آل ياسين: سلام
على آل ياسين فمعرفة الله تعالى لا يمكن أن
تحصل إلا عن طريق معرفتهم صلوات الله عليهم
اللهم صلى على محمد وآل محمد


باب الله بهذه الدقة في التعبير ،
والإستثناء المفيد للحصر القطعي ،
وتأكيده بالنفي ، وبلفظ يؤتى المطلق
المبني للمجهول ، الذي يعني أن كل آت في كل
مكان في كل مقام ، من جبرئيل في الملأ
الأعلى ، إلى الإنسان العادي على كرتنا
الأرضية ، إنما يأتي ببركتهم صلوات الله
عليهم


قيل الكثير في الإمام المهدي(ع)، وما قيل
وما سيقال ، إنما هو ألف باء في سفر مقام
قائم آل محمد صلوات الله عليه


وما قيمة ما قيل ويقال أمام قول الله
تعالى لنبيه في الإمام المهدي في حديث
المعراج: وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي
وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي، وبه
أطهر الأرض من أعدائي وأورثها أوليائي،
وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي السفلى
وكلمتي العليا، وبه أحيي عبادي وبلادي
بعلمي ، وله أظهر الكنوز والذخائر
بمشيئتي، وإياه أظهر على الأسرار
والضمائر بإرادتي، وأمده بملائكتي لتؤيده
على إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذلك وليي
حقاً، ومهديُّ عبادي صدقاً ) (2) فتأملوا
مَن هو القائل؟ الله عز وجل ومَن المخاطب
؟! سيد الكائنات والشخص الأول في العالم(ص)
ومَن هو موضوع الكلام ؟! الإمام المهدي
الموعود أرواحنا فداه


وتأملوا متى كان زمان الخطاب؟ سُبْحَانَ
الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى
الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي
بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ
آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
الْبَصِيرُ وأينَ كان مكان الخطاب؟: ثُمَّ
دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ
قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ( سورة النجم:8-9 )
حيث لا يصل إليه ملك مقرب ولا نبي مرسل !


إن هذا المديح الإلهي يشتمل على عشرة
مطالب ، يعلم عمقها قائلها تبارك وتعالى ،
ويفهمها سيد رسله الذي خاطبه بها(ص)، أما
نحن فإن استطعنا أن نعالج بأفهامنا عبارة
واحدة منها فهو أمر كبير! وأنى لنا
بأعماقها وحقائقها ولطائفها ؟!


قال الله تعالى لنبيه(ص): وبالقائم منكم
أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي
وتكبيري وتمجيدي ، وهذا هو المطلب الأول
المتعلق بالله تعالى ، والذي يخشع عنده
الفهم والعقل! فإن المعارف الإلهية عدة
كلمات تتلخص بـ (سبوح ، قدوس ، لا إله إلا
الله ، الله أكبر)


وعندما أراد الله تعالى أن يخلق
آدم(ع)أخبر الملائكة: وَإِذْ قَالَ
رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ
فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا
أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا
وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ
نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ
قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا
تَعْلَمُونَ ( سورة البقرة:30 )


أما السر الذي قال عنه تعالى: إِنِّي
أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ ، فقد بينه
لمن يفهم أسراره فقال لنبيه(ص)في
معراجه:وبالقائم منكم أعمر أرضي بتسبيحي
وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي وبذلك
تعرف مقام ذلك الشخص العظيم الذي به يعمر
الله أرضه بذكره! هذا هو المطلب المرتبط
بالإمام المهدي(ع)مما يتعلق بالله تعالى
وتقديسه


والمطلب الثاني: وبه أطهر الأرض من أعدائي
وأورثها أوليائي ففي عالم الخلق خطان
صعودي ونزولي، أولياء الله وأعداؤهوغرض
الله تعالى من خلق الإمام المهدي(ع)هذا
الجوهر الفريد في مخلوقاته ، إعمار الأرض
بتنزيهه وتقديسه ، هذا ما يتعلق بذاته
المقدسة ، وأن يطهرها به من أعدائه ، وأن
يورثها به لأوليائه !


والمطلب الثالث: وبه أجعل كلمة الذين
كفروا بي السفلى وكلمتي العلي


سبحان الله، من هو الإمام المهدي؟ وماذا
أودع في شخصيته من قدرة وأسرار حتى صار
تحقق علو كلمته العليا به؟! وتحقق سفول
كلمة الكفر السفلى به؟!


والمطلب الرابع: وبه أحيي عبادي وبلادي
بعلمي ولا يتسع الوقت لشرح هذه الفقرة ،
لكنا نلاحظ أنه تعالى استعمل إلى هنا لفظ
(بِهِ) ، ثم استعمل لفظ (له وإياه) ، والله
يعلم ماذا قال الله تعالى في هذه الباء
واللام ، وماذا فهم منهما النبي(ص) والله
يعلم أي يوم سيكون ذلك اليوم الذي سيظهر
فيه ما قاله الله تعالى لرسوله(ص)عن وليه
المهدي صلوات الله عليه ؟!


إن العلماء الحكماء القرآنيون وحدهم
يفهمون معنى: وله أظهر الكنوز والذخائر
بمشيئتي ، وليس الحكماء بالفلسفة
اليونانية أو الغربية !


إنها كل الذخائر المعنوية والمادية ،
ذخائر عالم الملك والملكوت ، وكنوزهما
ومكنوناتهما ، يظهرها الله لوليه وحجته
المهدي(ع)! فأين منها ذخائر الأكاسرة
والقياصرة والفراعنة ، وملوك الأرض
وأغنياؤها ؟! إنها ذخائر الأنبياء
والأوصياء ودفائن السفراء(ع)، يجمعها الله
ويظهرها له !


وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي
والسر والواحد منها لا ينهض بتحمله العالم
كله ، فكيف بجمعها؟! فأي قلب قلب الإمام
المهدي(ع)الذي يتحمل أسرار رب العالمين عز
وجل؟! نعم هذا هو إمام الزمان أرواحنا
فداه!


وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري
وإعلان ديني وإنفاذ أمر الله تعالى يعني
به قوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا
أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ
فَيَكُونُ ( سورة يس: 82) فخزانة ذلك الأمر
قلب صاحب الزمان(ع)!


ذلك وليي حقاً وصفة حقاً هنا لا بد أن
تتناسب مع قائلها وموضوعها !


ومهديُّ عبادي صدقاً أي هو المهدي من
عبادي بالهداية الخاصة الكاملة !


لقد بدأ كلام الله تعالى عن وليه المهدي
باسم(القائم)وختم باسم (المهدي)


وكلاهما من ألقابه الخاصة(ع)ولهما دلالات
، وفيهما أسرار !


وهذا الحديث الذي رواه الشيخ الطوسي&في
كتاب الغيبة ، يفسر معنى لقب المهدي(ع)وعسى
أن نتوفق في فرصة أخرى لشرحه وفهم بعض
لطائفه وإشاراته، فقد سأل أحدهم الإمام
الصادق(ع):لأي شئ سمي المهدي؟ قال: لأنه
يهدي إلى كل أمر خفي، وسمي القائم لأنه
يقوم بعدما يموت ، إنه يقوم بأمر عظيم (3)


يهدي إلى كل أمر خفي وكل أداة عموم ، وأول
خفي على البشر الله تعالى: كنت كنزاً
مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي
أعرف(رسائل الكركي:3/159) (4) فهو يشمل كل أمر
خفي من أعلى الوجود إلى أدناه ، فهو هاد في
كل هذه الدائرة ! وهذا البعد العلمي
لشخصيته(ع)


أما معنى قيامه(ع)فنكتفي بقول الإمام
الصادق(ع): إنه يقوم بأمر عظيم !


هذا هو صاحب الزمان، ولي العصر، وصاحب
الأمر، وقطب الوجود، وقوس العالم !


وختام الكلام ، وعصارة هذه النص الشريف:
أن كل ما جاء به الأنبياء(ع) من آدم(ع) إلى
الخاتم(ص)، وكل ما حمله وتحمله الأوصياء من
شيث إلى أبي محمد الحسن العسكري(ع) ، فإنما
تتحقق فعليتها ويتجلى ظهورها علمياً
وعملياً بظهور الإمام المهدي أرواحنا
فداه


اللهم صل وسلم على وليك صاحب الزمان
وخليفة الرحمان


عددَ ما في علمك ، صلاةَ دائمة بدوام ملكك
وسلطانك


التعليقات


(1) في المزار للشهيد الأول&ص203: (زيارة
سيدنا ومولانا حجة الله الخلف الصالح أبي
القاسم محمد المهدي صاحب الزمان صلوات
الله عليه وعلى آبائه ، بسر من رأى: فإذا
وصلت إلى حرمه بسر من رأى فاغتسل والبس
أطهر شيابك ، وقف على باب حرمه(ع)قبل أن
تنزل السرداب وزر بهذه الزيارة فقل:


السلام عليك يا خليفة الله وخليفة آبائه
المهديين السلام عليك يا وصي الأوصياء
الماضين السلام عليك يا بقية الله من
الصفوة المنتجبين السلام عليك يا حافظ
أسرار رب العالمين السلام عليك يا ابن
الأنوار الظاهرة السلام عليك يا ابن
الأعلام الباهرة السلام عليك يا ابن
العترة الطاهرة السلام عليك يا معدن
العلوم النبوية السلام عليك يا باب الله
الذي لا يؤتى إلا منه السلام عليك يا سبيل
الله الذي من سلك غيره هلك السلام عليك يا
ناظر شجرة طوبى وسدرة المنتهى السلام عليك
يا نور الله الذي لا يطفىالخ وقد تقدمت
الزيارة في موضوع معرفة الإمام
المهدي(ع)بالنورانية


(2) في أمالي الصدوق&ص731: (حدثنا محمد بن
موسى بن المتوكل رضي الله عنه، قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن
عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد
النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن أبيه ، عن
أبي حمزة الثمالي ،عن سعد الخفاف ، عن
الأصبغ بن نباتة ، عن عبد الله بن عباس ،
قال: قال رسول الله((ص)): لما عرج بي إلى
السماء السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ،
ومن السدرة إلى حجب النور، ناداني ربي جل
جلاله: يا محمد ، أنت عبدي وأنا ربك ، فلي
فاخضع ، وإيايَ فاعبد ، وعليَّ فتوكل ، وبي
فثق ، فإني قد رضيت بك عبداً وحبيباً
ورسولاً ونبياً ، وبأخيك علي خليفةً
وباباً ، فهو حجتي على عبادي ، وإمام لخلقي
، به يعرف أوليائي من أعدائي ، وبه يميز حزب
الشيطان من حزبي، وبه يقام ديني ، وتحفظ
حدودي ، وتنفذ أحكامي ، وبك وبه وبالأئمة
من ولده أرحم عبادي وإمائي، وبالقائم منكم
أعمر أرضي بتسبيحي وتهليلي وتقديسي
وتكبيري وتمجيدي، وبه أطهر الأرض من
أعدائي وأورثها أوليائي ، وبه أجعل كلمة
الذين كفروا بي السفلى وكلمتي العليا ،
وبه أحيي عبادي وبلادي بعلمي، وله أظهر
الكنوز والذخائر بمشيئتي ، وإياه أظهر على
الأسرار والضمائر بإرادتي وأمده بملائكتي
لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني، ذلك
وليي حقاً ، ومهديُّ عبادي صدقاً) ( وعنه في
البحار:18/341 ، و: 23/128، و:51/66)


(3) في الغيبة الشيخ الطوسي&ص471: (عنه ، عن
موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم
الحضرمي ، عن أبي سعيد الخراساني قال: قلت
لأبي عبد الله(ع): المهدي والقائم واحد؟
فقال: نعم فقلت: لأي شئ سمي المهدي؟ قال:
لأنه يهدي إلى كل أمر خفي ، وسمي القائم
لأنه يقوم بعدما يموت ، إنه يقوم بأمر
عظيم) انتهى


ومعنى قوله ( لأنه يقوم بعدما يموت ) أن
غيابه(ع)عند الناس كموته ، أو موت ذكره


وفي علل الشرائع:1/161: (حدثنا أبي رحمه الله
قال: حدثنا سعد بن عبدالله عن الحسن بن علي
الكوفي ، عن عبد الله بن المغيرة عن سفيان
بن عبد المؤمن الأنصاري ، عن عمرو بن شمر،
عن جابر قال: أقبل رجل إلى أبي جعفر(ع)وأنا
حاضر فقال: رحمك الله إقبض هذه الخمسمائة
درهم فضعها في موضعها فإنها زكاة مالي،
فقال له أبو جعفر(ع): بل خذها أنت فضعها في
جيرانك والأيتام والمساكين ، وفي إخوانك
من المسلمين، إنما يكون هذا إذا قام
قائمنا فإنه يقسم بالسوية ويعدل في خلق
الرحمن ، البر منهم والفاجر ، فمن أطاعه
فقد أطاع الله ، ومن عصاه فقد عصى الله ،
فإنما سمي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي ،
يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار
بأنطاكية، فيحكم بين أهل التوراة
بالتوراة ، وبين أهل الإنجيل بالإنجيل ،
وبين أهل الزبور بالزبور ، وبين أهل
الفرقان بالفرقان ، وتجمع إليه أموال
الدنيا كلها ما في بطن الأرض وظهرها ،
فيقول للناس تعالوا إلى ما قطعتم فيه
الأرحام وسفكتم فيه الدماء ، وركبتم فيه
محارم الله ، فيعطي شيئاً لم يعط أحدا كان
قبله قال: وقال رسول الله(ص): وهو رجل مني
إسمه كاسمي يحفظني الله فيه ويعمل بسنتي ،
يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ونوراً ، بعدما
تمتلئ ظلماً وجوراً وسوءاً - وشراً - )
انتهى ورواه النعماني في كتاب الغيبة ص237


وفي الخرائج والجرائح للراوندي:2/862: ( وعن
محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن أحمد بن
محمد بن أبي نصر ، عن أبي جميلة المفضل بن
صالح ، عن جابر بن يزيد قلت لأبي جعفر(ع):
لأي شئ سمي المهدي ؟ قال: لأنه يهدي لأمر
خفي ، يبعث إلى الرجل من أصحابه لا يعرف له
ذنب فيقتله)


وفي مصنف عبد الرزاق:11/372: (أخبرنا عبد
الرزاق ، عن معمر عن مطر ، قال كعب: إنما
سمي المهدي لأنه يهدي لأمر قد خفي، قال:
ويستخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها
أنطاكية)


وفي البحار:52/390: ( عن الإمام الباقر(ع)قال:
إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أمر خفي ،
حتى أنه يبعث إلى رجل لا يعلم الناس له
ذنبا فيقتله ، حتى أن أحدهم يتكلم في بيته
فيخاف أن يشهد عليه الجدار )


(4) لم أجد سنداً للحديث القدسي المشهور
على الألسن: (كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن
أعرف فخلقت الخق لكي أعرف) ويظهر أن
الأستاذ يقبله، وكذاعدد من علماء الشيعة
والسنة الذين ذكروه وارتضوه ، وبعضهم نسبه
إلى الله تعالى على أنه حديث قدسي ،
كالمحقق الكركي&في رسائله:3/159، قال:(ويؤيد
ذلك الحديث القدسي (كنت كنزا مخفياً
فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأن أعرف) وابن
أبي جمهور & في غوالي اللئالي:1/55،
والمجلسي&في البحار:84/199و344، والسبزواري
&في شرح الأسماء الحسنى:1/37 ، قال ( ومن
الخفيات مقام الخفى من مقامات النفس مقام
الخفا المشار إليه بقوله: كنت كنزاً مخفيا
فأجبت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف )


وكذلك الآمدي من علماء السنة في
الإحكام:1/13، قال: (قال(ع)حكاية عن ربه: كنت
كنزاً لم أعرف ، فخلقت خلقاً لأعرف به )
وغيرهم وقد أنكره بعضهم


(42)الحكمة: طاعة الله ومعرفة الامام(ع)


( بتاريخ: 14 شعبان 1417- 25/12/1996 - 5/10/1375 )


ينبغي أن نعرف أن شهر رمضان ربيع تحيا فيه
القلوب الميتة ، وتصير أرضية مستعدة لتقبل
بذور المعرفة الدينية ، والأحكام الشرعية


شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ
فِيهِ الْقُرْآنُ وللنفوس فيه استعداد
خاص ، فإلى ماذا ندعوها ؟ وبأي طريقة
ندعوها ؟


لقد دلنا القرآن والحديث المعتبر على ذلك
فقال تعالى: أدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ ( سورة النحل:125)


فالدعوة يجب أن تكون إلى سبيل الرب تعالى
، وأن تكون بالحكمة ، فما هي سبيل الرب؟
وما هي الحكمة؟ هنا ينبغي أن الإلتفات إلى
أن الذاتي الذي لا يتناهى في الكمال
والجمال عز وجل قال: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ
مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ
فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا
يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُو الأَلْبَابِ (
سورة البقرة: 269) فكشف لنا أن الحكمة لا
تعطى لكل أحد ، بل لأشخاس خاصين مختارين
اختياراً ! وأفهمنا سبحانه أنه هو الذي
الكثير عنده قليل ، قد وصف القليل من
الحكمة بأنه خير كثير: وَمَنْ يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً
كَثِيراً !


أما ما هي الحكمة ، فإن المرجع في تفسير
كلام الله تعالى ، هم تراجمة وحيه عز
وجل،المفسرون الشرعيون لكلامه، وهذه
الرواية الشريفة في الكافي (:1/185) صحيحة
السند ، فهي عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن
عيسى ، عن يونس، عن أيوب بن الحر ، عن أبي
بصير ، عن أبي عبد الله الصادق(ع) في قول
الله عز وجل: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ
فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً؟
فقال(ع): طاعة الله ومعرفة الامام (1)


مجلسنا ليس مجلس خطابة ، فأنتم والحمد لله
علماء قم ، والمهم في مثل هذا الموضوع أن
نتعرف على فقه الآية والرواية ، ونتأمل
بدقة ماذا يستفاد من الكتاب والسنة؟
الحكمة هي قوله تعالى: هُوَ الَّذِي
بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً
مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ( سورة الجمعة:2)


إن دقة النظر في فقه القرآن والحديث يجب
أن تأخذ في اعتبارها أن بعثة جميع
الأنبياء من آدم الى الخاتم(ع)تبدأ بتلاوة
الآيات وتنتهي بالحكمة


إن فهم حديث الإمام الصادق(ع)يتوقف على
فهم تلك الحكمة التي تنتهي إليها بعثة
الأنبياء(ع)، وتلك الحكمة التي أمر الله
نبيه أن يدعو الناس بها ، وتلك الحكمة التي
لا يؤتيها الله لكل أحد ، بل لمن يشاء
ويختار من عباده ، وتلك الحكمة التي من
يؤتى منها قليلاً فقد أوتي خيراً كثير


إن تلك الحكمة التي لها مبدأ ومنتهى ،
فمبدؤها طاعة الله عز وجل ، ومنتهاها
معرفة الإمام(ع)! فأي خط هذا الذي أوله الله
تعالى ، وختامه خاتم الأوصياء ، المنتهي
إليه مواريث الأنبياء(ع)!


مهما فكرنا في هذه الحقيقة فهو قليل ، فإن
نتيجتها أن كل التكوين والتشريع يبدأ
بنقطة وينتهي بنقطة يبدأ بذات القدوس
المتعال عز وجل ، وينتهي بإمام العصر
والزمان أرواحنا فداه !


ليس هذا الكلام خطايباً بل هو عين البرهان
، غاية الأمر أن بعض الناس مصابون بهبوط في
مستوى العلم والفكر ، وقد وصل إدراك
حواسهم الىحد من الضعف بحيث لم يصلوا إلى
الآن إلى أن عالم الطبيعة وما وراءه يتلخص
في كلمتين: من منه الوجود ، ومن به الوجود


إن هذه الحقيقة هي التي ينص عليها هذا
الحديث الشريف ! فالحكمة تبدأ من الله
تعالى ، وتنتهي بوليه الأعظم صلوات الله
عليه، وهذا هو ما قلناه مراراً: ما منه
الوجود ، وما به الوجود ، وشرحه لا يتسع له
مجلسنا هذ


ما يتسع له المجال اليوم فهم هذا الحديث
الشريف عن الإمام الباقر(ع)قال: من مات
وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية ، ومن مات
وهو عارف لإمامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو
تأخر ، ومن مات و هو عارف لإمامه كان كمن هو
مع القائم في فسطاطه (الكافي:1/371 ) (2)
فليتأمل أصحاب الفكر في هذا الحديث: من مات
وهو عارف لإمامه فإنه بهذه المعرفة يصل إلى
الإمام النقطة النهائية في الوجود ، ويكون
معه في فسطاطه أي في خيمة الإمام الخاصة ؟!
هذه معرفة الإمام(ع)!


وهذه المعرفة تحتاج إلى أصول ثلاثة ، نشرع
في بيانها ما اتسع الوقت !


فالموضوع هو إمام الزمان(ع)وفي هذه الكلمة
عنوان ومعنون ، معنون بجنبة عمومية وجنبة
خصوصية فعندما يعرف الإنسان إمام زمانه ،
تحصل له بالدرجة الأولى معرفة الإمامة ما
هي ، ثم معرفة من هو الإمام بعنوانه العام
، ثم من هو إمام الزمان بصفة خاصة


أما ما هي الإمامة ؟ فهي مفهوم سام في علوه
، بحيث لا يمكن للإنسان أن يعرف معنى كلمة
الله العليا ما هي ، إلا إذا يعرف الإمامة:
وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ
بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ
إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً
قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا
يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ( سورة
البقرة:124) وقد ورد في تفسير هذه الآية من
أحاديث الأئمة (ع)كلمات بليغة عميقة،
وكلماتهم(ع)ذات أفق عال ، مهما تعمق الفكر
في غورها فإنما يصل إلى رشح من فياض
فراتها! فقد قالوا إن إبراهيم(ص)عبر أربع
مراحل وامتحانات حتى وصل إلى الإمامة ! قال
الإمام الصادق(ع): إن الله تبارك وتعالى
اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً ،
وإن الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً
، وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه
خليلاً ، وإن الله اتخذه خليلاً قبل أن
يجعله إماماً ، فلما جمع له الأشياء قال:
إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً،
قال فمن عظمها في عين إبراهيم قال: وَمِنْ
ذُرِّيَّتِي؟ قال: قَالَ لا يَنَالُ
عَهْدِي الظَّالِمِينَ قال: لا يكون
السفيه إمام التقي! ( الكافي:1/175) (3)


والإتخاذ الإلهي في مرحلة العبودية
والنبوة والرسالة، والجعل الإلهي في
مرحلة الإمامة ، يحتاج إلى بحث مفصل !
وكذلك درجات العبودية والنبوة والرسالة ،
وينبغي أن تتأملوا في التعبير في تركيبه
ومادته وهيئته


وقد ورد في تعليل اتخاذ الله لإبراهيم
خليلاً أنه لم يسأل مخلوقاًً قط! فكروا في
هذا السمو الإنساني، وإلىأي درجة وصل هذا
الشخص الثاني في سلسلة النبوة(ص)وأنه في
حياته لم يسأل أحداً إلا الله تعالى هذا في
تعامله مع الله تعالى ، أما في تعامله مع
الخلق ، فلم يسأله أحد وقال له: لا !


إن كلام الإمام الصادق(ع)يعني أن
إبراهيم(ص)عندما تمت فيه جنبة تعامله مع
الحق ومع الخلق ، ووصل إلى تلك النقطة
العالية من السمو ، في ذلك الوقت قال له
الله تعالى: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ
إِمَاماً !


هذه هي الإمامة ! فلا تنقصوا هذا المنصب
الرباني قدره، ولا تخونوا السنن الإلهية،
ولا تمدوا أيديكم إلى الأسرار الربوبية،
وإن شهر رمضان شهر توضيح الإمامة للناس،
وشهر تعريف الإمام للناس، فعرفوا الناس
بمقام الإمامة العظيم!


هذا عن الإمامة ، فمن هو ذلك الإمام الذي
فُصِّلَتْ له هذه الحُلَّة؟ أقرأ لكم متن
الحديث الشريف فقط بدون شرح ، فلم يبق معنا
وقت:


(لأن الله تبارك وتعالى نصب الإمام علماً
لخلقه ، وجعله حجةً على أهل مواده وعالمه،
وألبسه الله تاج الوقار، وغشاه من نور
الجبار ، يمد بسبب إلى السماء ، ولتنقطع
عنه مواده، ولا ينال ما عند الله إلا بجهة
أسبابه ، ولا يقبل الله أعمال العباد إلا
بمعرفته)(الكافي:1/203)


إن خصائص الإمام(ع)تصل إلى أربعين خصوصية،
أحدها:


ألبسه الله تاج الوقار فأي تاجٍ تاجُ
الوقار هذا الذي على رأس الإمام؟ الذي
يتوِّجهُ به الله تعالى وحده لا شريك له ،
بدون وساطة أحد من الملائكة ولا من البشر ،
حتى خير خلق الله تعالى وسيد المرسلين(ص)!


فلا حق لأحد من المخلوقات في اختيار
الإمام(ع)ومن يختاره هو ذات القدوس تبارك
وتعالى !


وغشَّاهُ من نور الجبار فهذا الهيكل
القدسي مغشّىً بنور يتوقف فهمه على فهم
سورة النور ! التي سميت بسورة النور لوجود
آيتين فيها عن النور الإلهي في الأرض! قال
الله تعالى: الله نُورُ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ
فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي
زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا
كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ
مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ
وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي الله
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ الله
الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَالله بِكُلِّ شئ
عَلِيمٌ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ
تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ
يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ
وَالآصَالِ ( سورة النور:35-36) فهذا النور
الرباني في هذه البيوت المقدسة ، بيوت
الأنبياء والأوصياء(ع)، التي أذن أن ترفع ،
وأمر أن تحب وتطاع


ومن خصائص إمام زماننا صلوات الله عليه
ماورد في كلام للإمام الرضا(ع) قال: (بأبي
وأمي سميُّ جدي، شبيهي وشبيه موسى بن
عمران ، عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء
القدس كم من حرى مؤمنة ، وكم مؤمن متأسف
حيران حزين عند فقدان الماء المعين كأني
بهم آيس ما كانوا قد نودوا نداء يسمع من
بعد كما يسمع من قرب ، يكون رحمةً على
المؤمنين وعذاباً على الكافرين )


عليه جيوب النور تتوقد بشعاع ضياء القدس
تعبير بليغ عجيب يشير إلى قوله تعالى:
الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ
مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ
وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا
يُضِئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ
نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي الله
لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ، وَيَضْرِبُ
الله الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَالله
بِكُلِّ شئ عَلِيمٌ ( سورة النور:35)


وقد ورد في صفة المسيح(ع)تعبير جلابيب
النور بدل جيوب النور ، ففي مناظرة الإمام
الرضا(ع)مع علماء النصارى (قال للجاثليق:
يا نصراني كيف علمك بكتاب شعيا(ع)؟ قال:
أعرفه حرفاً حرفاً قال لهما: أتعرفان هذا
من كلامه: يا قوم إني رأيت صورة راكب
الحمار لابساً جلابيب النور ، ورأيت راكب
البعير ضوؤه مثل ضوء القمر ) (عيون أخبار
الرضا(ع):2/145)


كما ورد عن أمير المؤمنين(ع)وصف الإمام
المهدي(ع)بالكوكب الدري قال: (المشكاة رسول
الله(ص)والمصباح الوصي والأوصياء ،
والزجاجة فاطمة، والشجرة المباركة رسول
الله(ص)، والكوكب الدري القائم المنتظر
الذي يملأ الأرض عدلاً) ( المحكم والمتشابه
ص25)


وعن الإمام الكاظم(ع)في تفسير قوله تعالى:
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، قال:
يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم ،
قال يقول الله: وَالله مُتِمُّ نُورِهِ
وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، نوره
ولاية القائم (الكافي: 1/32)


إن أعلى الكلمات في الوصف كلمة (النور) لأن
الله تعالى وصف بها نفسه فقال: الله نُورُ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، ثم وصف فيها
النبي والإمام فقال: مَثَلُ نُورِهِ
كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ
الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ
الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ
دُرِّيٌّ


فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ
وختام هذه البيوت وأفضلها بيت رسول
الله(ص)، ونوره الذي فيه هو الإمام
المهدي(ع)


يَهْدِي الله لِنُورِهِ مَنْ
يَشَاءُأضافه الله تعالى إلى اسمه بضمير
الغيب، وفيه دلالة خاصة، تشير إلى الترابط
بين غيب الله وغيبة وليه التي خصه بها في
طولها وامتحاناتها ، فاستحق أن يضاف اسمه
إلى غيب: هُوَ الله أَحَدٌ ، غيب الغيوب
تبارك وتعالى! فهو(ع)النور المضاف إلى ضمير
هو في قل هو الله أحد !


هذا هو إمام الزمان أرواحنا فداه ، شمس
الله المشرقة على هذا العالم وإن ظللها
السحاب الغائب الحاضر المشغول في عبادته
وعمله مع جنود الله


الذي يأتمر الخضر بأمره ، ويتعلم منه
العلم اللدني !


أين هو الآن ؟ أين يقف بين يدي ربه أو يجلس
؟!


أينما كان روحي فداه فهناك قلب هذا العالم
!


هناك حقائق كل الأسماء الحسنى والكلمات
العليا !


هناك الذي عليه جلابيب النور، وعليه جيوب
النور تتوقد بشعاع ضياء القدس


يا من بيده عصا آدم، وفي إصبعه خاتم
سليمان ، وعلى بدنه قميص إبراهيم الذي
منعه من النار


يا من عنده جبة النبي(ص)المضمخة بدمه
الطاهر يوم أحد


يا من بيده قميص سيد الشهداء
الحسين(ع)الذي استشهد فيه في كربلاء


يا من إليه انتهت مواريث الأنبياء ، ولديه
آثار الأولياء


يا من يخاطب العالم عندما يتكئ على الكعبة
بين الركن والمقام ، فيقول: من أراد أن ينظر
إلى محمد وعلي فلينظر اليَّ !


يا بقية الله في أرضه ، يا ولي الله وحجته
على خلقه أنظر إلينا نظرة رعاية ليكتب
الله أسماءنا في سجل مواليك ، ويجعل همنا
في هذا الشهر المبارك أينما كنا ، كلمتين:
طاعة الله ومعرفة الإمام


التعليقات


(1) في الكافي:1/185: (علي بن إبراهيم، عن محمد
بن عيسى، عن يونس، عن أيوب بن الحر ، عن أبي
بصير ، عن أبي عبد الله(ع)في قول الله عز
وجل: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ
أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً؟ فقال: طاعة
الله ومعرفة الإمام) ورواه في المحاسن: 1/148
وفي شرح الأخبار :3/578 ، والحسني في تأويل
الآيات:1/97 )


(2) في المحاسن:1/155: (عنه، عن أبيه ، عن علي
بن النعمان ، عن محمد بن مروان، عن الفضيل
بن يسار قال: سمعت أبا جعفر(ع)يقول: من مات
وليس له إمام فموته ميتة جاهلية ، ولا يعذر
الناس حتى يعرفوا إمامهم ، ومن مات وهو
عارف لإمامه لايضره تقدم هذا الأمر أو
تأخر ، ومن مات عارفاً لإمامه كان كمن هو
مع القائم في فسطاطه )


وفي الكافي:1/371: (عدة من أصحابنا ، عن أحمد
بن محمد ، عن علي بن النعمان، عن محمد بن
مروان ، عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا
جعفر(ع)يقول: من مات وليس له إمام فميتته
ميتة جاهلية، ومن مات وهو عارف لإمامه لم
يضره ، تقدم هذا الأمر أو تأخر ومن مات و هو
عارف لإمامه ، كان كمن هو مع القائم في
فسطاطه ) ورواه النعماني في كتاب الغيبة ص
330


وفي المحاسن:1/174: (عنه، عن علي بن النعمان ،
قال: حدثني إسحاق بن عمار وغيره، عن الفيض
بن مختار قال: سمعت أبا عبد الله(ع)يقول: من
مات منكم وهو منتظر لهذا الأمر كمن هو مع
القائم في فسطاطه ، قال: ثم مكث هنيئة ، ثم
قال: لا ، بل كمن قارع معه بسيفه ، ثم قال:
لا والله إلا كمن استشهد مع رسول الله(ص))


وفي الإمامة والتبصرة ص122: ( سعد بن عبد
الله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً،
عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن خالد، عن
محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت
الصادق جعفر بن محمد(ص)يقول:من مات منتظراً
لهذا الأمر كان كمن كان مع القائم في
فسطاطه، لا، بل كان كالضارب بين يدي رسول
الله(ص)بالسيف) ورواه في كمال الدين ص338
والقاضي النعمان في شرح الأخبار:3/571


وفي الغيبة للطوسي&ص459: (عنه، عن ابن فضال،
عن ثعلبة بن ميمون قال: أعرف إمامك فإنك
إذا عرفته لم يضرك تقدم هذا الامر أو تأخر
، ومن عرف إمامه ثم مات قبل أن يرى هذا
الأمر ثم خرج القائم(ع)كان له من الأجر كمن
كان مع القائم في فسطاطه)


(3) في الكافي:1/175: ( محمد بن الحسن ، عمن
ذكره ، عن محمد بن خالد ، عن محمد بن سنان ،
عن زيد الشحام قال: سمعت أبا عبد
الله(ع)يقول: إن الله تبارك وتعالى اتخذ
إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً ، وإن
الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً ،
وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه
خليلاً ، وإن الله اتخذه خليلاً قبل أن
يجعله إماماً ، فلما جمع له الأشياء قَالَ
إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ،
قال: فمن عظمها في عين إبراهيم قال: قَالَ
وَمِنْ ذُرِّيَّتِي؟ قال: قَالَ لا
يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ قال: لا
يكون السفيه إمام التقي )


وفي الكافي:8/146: (يحيى الحلبي، عن بشير
الكناسي قال: سمعت أبا عبدالله((ع)) يقول:
وصلتم وقطع الناس ، وأحببتم وأبغض الناس ،
وعرفتم وأنكر الناس ، وهو الحق ، إن الله
اتخذ محمداً(ص)عبداً قبل أن يتخذه نبياً ،
وإن علياً(ع)كان عبداً ناصحاً لله عز وجل
فنصحه، وأحب الله عز وجل فأحبه، إن حقنا في
كتاب الله بيِّن ، لنا صفو الأموال ولنا
الأنفال ، وإنا قومٌ فرض الله عز وجل
طاعتنا ، وإنكم تأتمون بمن لا يعذر الناس
بجهالته وقال رسول الله(ص): من مات وليس له
إمام مات ميتة جاهلية ، عليكم بالطاعة فقد
رأيتم أصحاب علي(ع)


ثم قال: إن رسول الله(ص)قال في مرضه الذي
توفي فيه: أدعوا لي خليلي ، فأرسلتا إلى
أبويهما ، فلما جاءا أعرض بوجهه وقال:
ادعوا لي خليلي، فقالا: قد رآنا لو أرادنا
لكلمنا ، فأرسلتا إلى علي(ع)فلما جاء أكب
عليه يحدثه ويحدثه حتى إذا فرغ لقياه
فقالا: ما حدثك؟ فقال: حدثني بألف باب من
العلم يفتح كل باب إلى ألف باب )


(43)الإمام المهدي(ع)عين الحياة


( بتاريخ: 15 شعبان 1423-22/10/2003- 9/7/1381 )


بمناسبة نصف شعبان ، وكلنا على مائدة صاحب
الزمان الإمام المهدي(ع) الذي ينبغي أن
يكون ضيوفه أناساً كاملين ، أعلى من
مستوانا


السلام عليك يا أمين الله في خلقهفالخلق
على وجه الإطلاق تحت إشرافه (ع)وكل الكون
على مائدته لكن المصيبة أنا نعيش على
مائدة نعرف الجالسين عليها وخدمتها ، ولا
نعرف صاحبها ! أليس ذلك من المصائب؟!


لم نعرفه هو صلوات الله عليه ، ولا أدينا
أقل حقوقه علينا ! فكيف لنا أن نعرف ربه
والمنعم عليه وعلى آبائه جلت عظمته ؟!


بعض الذين لايتوقع أن يصلوا الى أهدافهم ،
بلغوها ووصلوا وبعض الذين يتوقع أن يصلوا ،
تخلفوا عن القافلة ! ونحن مع هؤلاء
المتخلفين


ورد في دعاء يوم الجمعة التسليم على صاحب
الزمان أرواحنا فداه بسبعة عناوين ، كل
واحد منها فيه بحث مفصل ، والعنوان الأخير
منها هو:


(السلام عليك ياعين الحياة) (1)


فهو(ع)عين الحياة ومعرفة عين الحياة تتوقف
على معرفة أصل الحياة ، وأي حياة هذه ,
ونبعها أي نبع هو ؟


إن فهم الكلمات في روايات المعصومين(ع)
يحتاج الى تتبع استعمال الكلمة في الآيات
والروايات ، والتعمق والتحقيق في معناها


إمام الزمان عين الحياة وفهم غورها أعلى
من مستوانا ، فقد وردت في القرآن ، وبينها
الله تعالى لنبيه(ص)في ليلة المعراج !


فالمبيِّن هو الله تعالى ، والمبيَّن له
خاتم الأنبياء(ص)، أما نحن فإن وصلنا
بالتتبع والتأمل الى فهم شئ من ذلك ،
فهنيئاً لنا


في القرآن آيتان تعطيانا ضوءاً على العين
والمعين والحياة:


الأولى ، قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ
يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) (الملك:30)
والحديث الذي ورد في تفسيرها برواية شيخ
الطائفة الصدوق(ره) يقول إن الماء المعين
هو الحجة ابن الحسن صلوات الله عليه (2)


فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ إن
تعبيرات القرآن مهمة جداً عند أرباب
الإشارات


والدقة هنا أن ذات القدوس الحق ، ذلك
القدرة التي لاتتناهى والكمال والجمال
الذي لايتناهى ، أعطى الأمر هذه الأهمية
فقال: (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ)


الآية الثانية قوله تعالى: (اعْلَمُوا
أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الحديد:17)
والملفت في هذه الآية أن الله تعالى لم
يبتدئ بكلام ، بل قال: (إعلموا) ، وهذا يدل
على أن المطلب الذي يليها مهم ، ينبغي أن
يفتح قفله بمفتاح العلم ، وهو: (أَنَّ
اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا) ! (3)


هذا هو القرآن أما التفسير والبيان فقد
كان في تلك الليلة المباركة ، ليلة كان
المخاطِب فيها هو الله رب العالمين ،
والمخاطَب فيها الشخص الأول في العالم
الذي لم يسبقه سابق ولم يلحق به لاحق ، فكل
من كان قبله أو يكون بعده ، هم دونه كان
البيان من ذلك المخاطِب لذلك المخاطب ،
وفي ذلك المقام الذي قال الله تعالى عنه
(ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ
قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى)(لنجم:9) هناك
بيَّن الله ، وسمع الرسول البيان ، حيث أرى
الله حبيبه المصطفى صورة ولده الإمام
المهدي(ع) وقال لها ( به أحيي الأرض بعد
موتها وبه أحيي عبادي وبلادي) (4) فذلك هو
عين الحياة في دعاء يوم الجمعة


إن كلمات الله تعالى من ذلك النوع وذلك
المستوى ، ونحن فقط نشير اليها بإشارات :


أولاً: أرى الله شبيه الإمام
المهدي(ع)لحبيبه المصطفى(ص)على صورة شخص
قائم ، وقال له: (وبالقائم منكم أعمر أرضي
بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري
وتمجيدي)


كلمة (أعمر) بهيئة الإفعال بماذا أعمرها
(بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري
وتمجيدي) في ذلك الوقت يأتي تفسير (سبوح
قدوس رب الملائكة والروح)


إن أعماق وتخوم ( الله أكبر لا إله إلا
الله ) لاتنكشف إلا في ذلك الوقت !


والجملة الأخرى: به أذل أعدائي ، وبه أورث
الأرض وأوليائي )


والجملة الأخرى: (به أجعل كلمة الذين
كفروا بي السفلى وكلمتي العليا)


(وله أظهر الكنوز والذخائر بمشيئتي،
وإياه أظهر على الأسرار والضمائر بإرادتي)


كل واحدة من هذه الكلمات فيها بحث فهنا
المشيئة الإلهية وهنا الإرادة الربانية
وأمده بملائكتي لتؤيده على إنفاذ أمري
وإعلان ديني


والجملة التي تلفت النظر: (وبه أحيي عبادي
وبلادي بعلمي)


ينبغي أن نفهم معنى عين الحياة من حديث
المعراج


فأي حياة هي؟ وأي عين فوارة بإرادة الله
تعالى ، كانت من الأزل باسم شخص جعل الله
قلبه عين حياة علم الله !


ذلك هو قلب الحجة بن الحسن صلوات الله
عليه


السيد ابن طاووس كان يقرأ هذا الدعاء كل
يوم جمعة ، ويترنم ببيت شعر عسى أن يصل الى
قلبه الذي روضه بتلك الرياضات شعاع من تلك
الكلمات


( قال السيد ابن طاووس&: يوم الجمعة ، وهو
يوم صاحب الزمان صلوات الله عليه وباسمه ،
وهو اليوم الذي يظهر فيه عجل الله فرجه ،
أقول متمثلاً وأشير إليهم صلوات الله
عليهم:


محبكم وإن قبضت حياتي وزائركم وإن عقرت
ركابي ) (جمال الأسبوع ص41 )


عين حياة علم الله كلمة تنفتح منها أبواب
وكل الأسرار في تلك العين ، لكنها عين في
الظلمات ، وقبلها تعبير لطيف: (السلام عليك
ياسفينة النجاة)


إن طريق الوصول الى عين الحياة في الظلمات
أن يصير الإنسان الخضر ، وما ينبغي أن يقال
فقد قيل(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى
لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى
السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)


مالم تصر الخضر ، لايمكن أن تصل في هذه
الظلمات


وأن يصير الإنسان الخضر مسألة نسبية لكل
شخص بحسبه


وأن تصير أنت الخضر يتحقق بأن تذهب في شهر
رمضان الآتي الى المناطق المستضعفة
البعيدة التي فيها أيتام لرسول الله
محجوبون عن دار ولي العصر أرواحنا فداه ،
أولئك الأيتام الذين ابتلوا بكلاب نابحة
وذئاب مفترسة، هاجمت القطيع الذي غاب
رعاته !


لقد بلغت الهجمة علينا الى حد أنهم يرسلون
الحجاج الى الحج ، أو والمعتمريتن الى
العمرة ، وبدل أن يرجعوا الينا بهدية
ارتباطهم بالله تعالى وبإمام الزمان
أرواحنا فداه ، يرجع بعضهم بشبهات
الوهابية المظلمة


الى أي زمن وصلنا ؟! والأمر المؤسف أنه
لايوجد أحد في يفكر في حل مشكلة الدعاية
المسمومة ضد مذهب أهل البيت(ع) في الحج
والعمرة ! فالذين يرسلوهم يفكرون
اقتصادياً وأن يأخذوا من الحجاج
والمعتمرين المال ! ولا يفكرون أن حجاجنا
يذهبون الى زيارة بيت الله ، من أجل
الإستضاءة بنور رسول الله(ص) ولا يذهبون
ليجلسوا على مائدة الوهابيين !!


والذين يرسلونهم معهم ينشغلون لاطائلات


إنهم بذلك يساعدون الذين يرتكبون أعظم
خيانة في حق عقائد الأمة ومقدساتها ،
ويلقون الشبهات في أذهان بسطاء المسلمين!


ماهو واجبنا الشرعي تجاه ذلك ؟


إن واجبكم أن تركزوا طاقتكم وهمتكم على
ترسيخ أسس العقيدةبالمذهب الحق ! نحن في
زمن نحن يشغلنا التفكير بمناصبنا عن
التفكير بواجبنا


فلو أنا فكرنا لما وصلنا الى هذا الوضع لو
أنا فكرنا لما وصلنا الى أن ينعقد في طهران
ينعقد مجلس للدعاية للوهابية


لو أنا فكرنا لما طبع ونشر في هذا البلد
كتاب اسمه (أسطورة شهادة الزهراء(ع)) ! أي
أسطورة ؟! هذا العمل التحريكي ليس تفرقة ،
أما الطالب الذي يذهب للتبليغ ويدافع عن
المذهب الحق فيتهمونه بالتفرقة !!


هذا هو الوضع وفي هذا الوضع لا أمل لنا
بأحد !


أملنا فقط بأمرين: الأول بنفس صاحب
الزمان(ع)


والثاني قلوبكم الطاهرة أنتم الطلاب
المشتغلون بجدية في طلب العلم ، الذين
تحملتم هذه المشقات التي يواجهها طالب
العلم


أنتم اشتغلوا وكونوا أقوياء إن المعرفة
في حكمة الدين لا في فلسفة اليونان، في
حكمة القرآن ، في روايات أهل بيت العصمة
والطهارة(ع)


إبحثوا عن القوة في هذه الكلمات الثلاث:


- الدعوة الى سبيل الرب , من هو سبيل الرب ؟
هو الحجة ابن الحسن صلوات الله عليه: (أنتم
السبيل الأعظم والصراط الأقوم) ( الزيارة
الجامعة: عيون أخبار الرضا(ع):1/ 307):


(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي
هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)
(النحل:125) لاتتصوروا أن عناية ولي الله
الأعظم لاتشملكم ، فلا تغفلوا عنه


إن أقبلتم عليه لايمكن أن لا تنالوا من
فيضه هل يمكن أن تقبلوا على الشمس ولا
يشملكم شعاعها ؟!


وإن شملتكم عنايته ورعايته ، وإن مسح بيده
على رؤوسكم ، فإن يده المباركة هي تلك اليد
التي إن مسحت على رأس أحد كان له عقل
أربعين رجلاً ، وتلك العناية إن وصلت الى
قلب أحد صار كزبر الحديد ، وذلك اللطف إن
مس شخصاً عادياً كيف يكون ! فما بال طلبة
العلم والعلماء ؟!


(في الكافي:1/25: عن الإمام الباقر(ع):إذا قام
قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد فجمع
بها عقولهم وكملت به أحلامهم


وفي كمال الدين ص653: قال أمير
المؤمنين(ع)وهو على المنبر: يخرج رجل من
ولدي في آخر الزمان أبيض اللون ، مشرب
بالحمرة ، مبدح البطن ، عريض الفخذين ،
عظيم مشاش المنكبين ، بظهره شامتان: شامة
على لون جلده ، وشامة على شبه شامة النبي(ص)
، له اسمان: اسم يخفى واسم يعلن ، فأما الذي
يخفى فأحمد وأما الذي يعلن فمحمد ، إذا هز
رايته أضاء لها ما بين المشرق والمغرب ،
ووضع يده على رؤوس العباد فلا يبقى مؤمن
إلا صار قلبه أشد من زبر الحديد ، و أعطاه
الله تعالي قوة أربعين رجلا ، ولا يبقى ميت
إلا دخلت عليه تلك الفرحة وهو في قبره ، وهم
يتزاورون في قبورهم ويتباشرون بقيام
القائم)


جاءت امرأة الى بغداد وسألت عن الواسطة
الى إمام الزمان(ع)فدلوها على الحسين بن
روح(5) ، فجاءت اليه وقالت له: جئت
للإمام(ع)بمال فأخبرني ما هو لأسلمه لك ؟
قال لها إذهبي وألقه في دجلة وارجعي اليَّ
!


ذهبت وألقتها وعادت ، فلما جلست قال
لجاريته: أئتني بالحقة فأتت بها كما هي
مبتلة بالماء مقفلة !


أراد أن يريها مكانة الشخص الذي وصل اليه
شعاعه ، أن يريها القطرة التي لمست شفته من
ماء عين الحياة ! يقول بذلك لها: أنا الخضر
وصلت الى عين الحياة ، وكل من وصل اليه كان
مثلي !


ذلك الشخص الذي أضاع في رمال صحراء سرخس
سبيكة من سبائك كانت معه أمانة
للإمام(ع)ولم يجدها فصنع سبيكة بدلها
ووضعها مكانها ، ولما فتحها أمام الحسين
بن روح ، قلب السبائك واستخرجها من بينها ،
وقال له: هذه ليست سبيتنا ، هذه لك أنت
وضعتها مكانها ، سترجع الى سرخس فائتنا
بالسبيكة التي أضعتها من مكانها ! ولما رجع
وجد مكانها ووجدها (6) !!


سيدي أنت عين الحياة والذين وصلوا الى عين
الحياة هؤلاء


فهل نستطيع أن نكون الخضر لا يأس ( وَلا
تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ الله)


إن المهم اليوم هو: أن يقرر كل واحد منكم
أن يخصص قدراً من وقت يومه ليقرأ سيرة
الإمام أرواحنا فداه ، من كمال الدين
للصدوق ، والغيبة للشيخ الطوسي ، والغيبة
للنعماني ، وما تعب فيه المجلسي في البحار
، طالعوها وتعمقوا فيها، صيروا فقهاء في
هذه الروايات، عارفين بإمام الزمان (ع) ،
وأرشدوا الناس الى هذه المعرفة


التعليقات


(1) في البحار:99/215: (يوم الجمعة ، وهو يوم
صاحب الزمان صلوات الله عليه وباسمه ، وهو
اليوم الذي يظهر فيه عجل الله فرجه
زيارته(ع):


السلام عليك يا حجة الله في أرضه ، السلام
عليك يا عين الله في خلقه ، السلام عليك يا
نور الله الذي به يهتدي المهتدون ، ويفرج
به عن المؤمنين


السلام عليك أيها المهذب الخائف ، السلام
عليك أيها الولي الناصح ، السلام عليك يا
سفينة النجاة السلام عليك يا عين الحياة ،
السلام عليك صلى الله عليك وعلى آل بيتك
الطيبين الطاهرين


السلام عليك عجل الله لك ما وعدك من النصر
وظهور الأمر ، السلام عليك يا مولاي أنا
مولاك عارف باولاك واخراك ، أتقرب إلى
الله تعالى بك وبآل بيتك ، وأنتظر ظهورك ،
وظهور الحق على يدك ، وأسأل الله أن يصلي
على محمد وآل محمد ، وأن يجعلني من
المنتظرين لك ، والتابعين ، والناصرين لك
على أعدائك ، والمستشهدين بين يديك في
جملة أوليائك


يا مولاي يا صاحب الزمان ، صلوات الله
عليك وعلى آل بيتك ، هذا يوم الجمعة ، وهو
يومك المتوقع فيه ظهورك ، والفرج فيه
للمؤمنين على يدك ، وقتل الكافرين بسيفك ،
وأنا يا مولاي فيه ضيفك وجارك ، وأنت يا
مولاي كريم من أولاد الكرام ومأمور
بالإجارة فأضفني وأجرني ، صلوات الله عليك
، وعلى أهل بيتك الطاهرين) ( جمال الأسبوع
لابن طاووس ص41)


(2) استفاضت الروايات عن أهل البيت(ع)
بتفسير قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ
إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ
يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ) (الملك:30)
بالإمام المهدي(ع)


ففي كمال الدين للصدوق(ره)ص325: (عن أبي
جعفر(ع)في قول الله عز وجل:(قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ
غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ
مَعِينٍ) فقال: هذه نزلت في القائم ، يقول:
إن أصبح إمامكم غائباً عنكم لاتدرون أين
هو ، فمن يأتيكم بإمام ظاهر ، يأتيكم
بأخبار السماء والأرض وحلال الله عز وجل
وحرامه؟ ثم قال(ع): والله ما جاء تأويل هذه
الآية ، ولابد أن يجئ تأويلها ) (ورواه
بأسانيد أخرى في ص 351 و360، ونحوه في
الكافي:1/339 ، وغيره خاصة مصادر التفسير )


وفي كفاية الأثر للخزاز القمي(ره)ص120:
(أخبرنا محمد بن عبد الله بن المطلب
الشيباني ، قال حدثنا محمد بن الحسين بن
حفص الحثعمي الكوفي ، قال حدثنا عباد ابن
يعقوب ، قال حدثنا علي بن هاشم ، عن محمد بن
عبد الله ، عن ابي عبيدة بن محمد بن عمار ،
عن أبيه ، عن جده عمار قال: كنت مع رسول
الله(ص)في بعض غزواته ، وقتل علي(ع)أصحاب
الألوية وفرق جمعهم ، وقتل عمرو بن عبد
الله الجمحي، وقتل شيبة بن نافع ، أتيت
رسول الله(ص) فقلت له: يا رسول الله، صلى
الله عليك ، إن علياً قد جاهد في الله حق
جهاده فقال: لأنه مني وأنا منه ، وارث علمي
، وقاضي ديني ، ومنجز وعدي ، والخليفة بعدي
، ولولاه لم يعرف المؤمن المحض ، حربه حربي
وحربي حرب الله ، وسلمه سلمي وسلمي سلم
الله ، ألا إنه أبو سبطيَّ والأئمة ، من
صلبه يخرج الله تعالى الأئمة الراشدين ،
ومنهم مهدي هذه الأمة فقلت: بأبي أنت وأمي
يا رسول الله ما هذا المهدي ؟ قال: يا عمار
إن الله تبارك وتعالى عهد اليَّ أنه يخرج
من صلب الحسين تسعة ، والتاسع من ولده يغيب
عنهم ، وذلك قوله عز وجل: (قُلْ
أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ
غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ
مَعِينٍ) ، يكون له غيبة طويلة يرجع عنها
قوم ويثبت عليها آخرون ، فإذا كان في آخر
الزمان يخرج فيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً
ويقاتل على التأويل كما قاتلت على التنزيل
، وهو سميِّي وأشبه الناس بي


يا عمار ستكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك
فاتبع علياً وحزبه ، فإنه مع الحق والحق
معه يا عمار إنك ستقاتل بعدي مع علي صنفين:
الناكثين والقاسطين ، ثم تقتلك الفئة
الباغية قلت: يا رسول الله أليس ذلك على
رضا الله ورضاك ؟ قال: نعم على رضا الله
ورضاي ، ويكون آخر زادك من الدنيا شربة من
لبن تشربه


فلما كان يوم صفين خرج عمار بن ياسر الى
أمير المؤمنين(ع)فقال له: يا أخا رسول الله
أتأذن لي في القتال؟ قال: مهلاً رحمك الله
، فلما كان بعد ساعة أعاد عليه الكلام
فأجابه بمثله ، فأعاد عليه ثالثاً ، فبكى
أمير المؤمنين (ع)، فنظر إليه عمار فقال: يا
أمير المؤمنين إنه اليوم الذي وصفه لي رسول
الله(ص) فنزل أمير المؤمنين(ع)عن بغلته
وعانق عماراً وودعه ثم قال: يا أبا اليقظان
جزاك الله عن الله وعن نبيك خيراً ، فنعم
الأخ كنت ونعم الصاحب كنت ثم بكى(ع)وبكى
عمار ثم قال: والله يا أمير المؤمنين ما
تبعتك إلا ببصيرة ، فإني سمعت رسول
الله(ص)يقول يوم خيبر: يا عمار ستكون بعدي
فتنة ، فإذا كان ذلك فاتبع علياً وحزبه
فإنه مع الحق والحق معه ، وستقاتل
الناكثين والقاسطين ، فجزاك الله يا أمير
المؤمنين عن الاسلام أفضل الجزاء ، فلقد
أديت وأبلغت ونصحت ثم ركب وركب أمير
المؤمنين(ع)، ثم برز الى القتال، ثم دعا
بشربة من ماء فقيل له: ما معنا ماء فقام
إليه رجل من الأنصار فأسقاه شربة من لبن ،
فشربه ثم قال: هكذا عهد إليَّ رسول
الله(ص)أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من
اللبن ثم حمل على القوم فقتل ثمانية عشر
نفساً ، فخرج إليه رجلان من أهل الشام
فطعناه وقتل رحمه الله )


(3) قال الله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ
يُحْيِى الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ
بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ) (الحديد:17) وقد استفاض
تفسيرها عن أهل البيت(ع)بأن إحياء الأرض في
هذه الآية غير يختلف عن الآيات الأخرى ،
وأن القصود به إحياؤها في آخر الزمان
بالإمام المهدي(ع)


ويؤيده: سياق الآية الذي يتكلم عن خشوع
مجتمع المؤمنين لله تعالى وأن لايكونوا
قساة القلوب من طول الأمد كالذين طال
عليهم الأمد من قبلهم ، فهو كلام عن مستقبل
الأمة الإسلامية !(أَلَمْ يَأْنِ
لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ
قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ
مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا
كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ
فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ
مِنْهُمْ فَاسِقُونَ اعْلَمُوا أَنَّ
اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا
قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الحديد:16-17) كما
يؤيده أن الله تعالى استعمل تعبير إحياء
الأرض في عدة مواضع ، ولم يصدِّره
بـ(إعلموا) إلا في هذا المورد ، وأنه
استعمل تعبير إعلموا في بضعة وعشرين
موضعاً ، كلها مهمة وتمثل أهم الأمور التي
ينبغي للمؤمنين أن يعلموها وإحياء الأرض
السنوي لايحتاج الى تنبيه بقوله: (إعلموا)


وفي كمال الدين للصدوق(ره)ص668: (عن أبي
جعفر(ع)في قول الله عز وجل: اعْلَمُوا
أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا ، قال: يحييها الله عز وجل
بالقائم بعد موتها - بموتها كفر أهلها -
والكافر ميت ) (ونحوه في الكافي:8/267)


وفي الغيبة للنعماني ص24: عن الإمام
الصادق(ع)(إنما الأمد أمد الغيبة فإنه أراد
عز وجل يا امة محمد أو يا معشر الشيعة:
لاتكونوا كالذين اوتوا الكتاب من قبل فطال
عليهم الأمد)


وفي الغيبة للطوسي ص175، عن ابن عباس: (يعني
يصلح الأرض بقائم آل محمد(ص) من بعد موتها ،
يعني من بعد جور أهل مملكتها )


وفي معجم أحاديث الإمام المهدي(ع)4/362: عن
الإمام الحسن العسكري(ع)قال لعمته حكيمة:
(يا عمتا بيتي الليلة عندنا ، فإنه سيولد
الليلة المولود الكريم على الله عز وجل
الذي يحيي الله عزوجل به الارض بعد موتها)


وفي مفردات الراغب ص 16: (وقوله تعالى:
اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا ، عبارة عن كل تكوين بعد
إفساد وعود بعد بدء ، ولذلك قال بعض
المفسرين يعنى به تليين القلوب بعد
قساوتها )


وفي تفسير القرطبي:17/252: ( قوله تعالى:
اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِي الأَرْضَ
بَعْدَ مَوْتِهَا ، أي يحيي الأرض الجدبة
بعد موتها بالمطر وقال صالح المري: المعنى
يلين القلوب بعد قساوتها وقال جعفر بن
محمد: يحييها بالعدل بعد الجور )


(4) في أمالي الصدوق(ره) ص731: ( حدثنا محمد بن
موسى بن المتوكل رضي الله عنه قال: حدثنا
محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، عن موسى بن
عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد
النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن أبيه ، عن
أبي حمزة الثمالي ، عن سعد الخفاف ، عن
الأصبغ بن نباتة ، عن عبد الله بن عباس ،
قال:


قال رسول الله(ص): لما عرج بي إلى السماء
السابعة ومنها إلى سدرة المنتهى ، ومن
السدرة إلى حجب النور ، ناداني ربي جل
جلاله: يا محمد ، أنت عبدي وأنا ربك ، فلي
فاخضع ، وإياي فاعبد ، وعلي فتوكل ، وبي
فثق ، فإني قد رضيت بك عبدا وحبيبا ورسولا
ونبيا ، وبأخيك علي خليفة وبابا ، فهو حجتي
على عبادي ، وإمام لخلقي ، به يعرف أوليائي
من أعدائي ، وبه يميز حزب الشيطان من حزبي
، وبه يقام ديني ، وتحفظ حدودي ، وتنفذ
أحكامي ، وبك وبه وبالائمة من ولده أرحم
عبادي وإمائي ، وبالقائم منكم أعمر أرضي
بتسبيحي وتهليلي وتقديسي وتكبيري وتمجيدي
، وبه اطهر الارض من أعدائي وأورثها
أوليائي ، وبه أجعل كلمة الذين كفروا بي
السفلى وكلمتي العليا ، وبه احيي عبادي
وبلادي بعلمي ، وله أظهر الكنوز والذخائر
بمشيئتي ، وإياه أظهر على الأسرار
والضمائر بإرادتي ، وأمده بملائكتي
لتؤيده على إنفاذ أمري وإعلان ديني ، ذلك
ولي حقا ، ومهدي عبادي صدقاً ) (وهو في
البحار: 18/341 وفي الجواهر السنية للحر
العاملي ص235)


وفي بحار الأنوار:21/286: (قال السيد ابن
طاووس رحمة الله في كتاب إقبال الأعمال:
روينا بالأسانيد الصحيحة والروايات
الصريحة إلى أبي المفضل محمد بن عبد
المطلب الشيباني رحمه الله من كتاب
المباهلة ، ومن أصل كتاب الحسن بن إسماعيل
بن اشناس من كتاب عمل ذي الحجة فيما رويناه
بالطرق الواضحة عن ذوي الهمم الصالحة لا
حاجة إلى ذكر أسمائهم ، لأن المقصود ذكر
كلامهم ، قالوا: لما فتح النبي(ص)مكة
وانقادت له العرب ، وأرسل رسله ودعاته إلى
الأمم وكاتب الملكين: كسرى وقيصر يدعوهما
إلى الإسلام وإلا أقرا بالجزية والصغار ،
وإلا أذنا بالحرب العوان أكبر شأنه نصارى
نجران وخلطاؤهم من بني عبد المدان ، وجميع
بني الحارث بن كعب ومن ضوى إليهم ونزل بهم
من دهماء الناس على اختلافهم هناك في دين
النصرانية من الا روسية والسالوسية
وأصحاب دين الملك والمارونية والعباد
والنسطورية وأملئت قلوبهم على تفاوت
منازلهم رهبة منه ورعبا ، فإنهم كذلك من
شأنهم إذ وردت عليهم رسل رسول الله
(ص)بكتابه ، وهم عتبة بن غزوان ، وعبد الله
بن أمية ، والهدير بن عبد الله أخو تيم بن
مرة ، وصهيب بن سنان أخو النمر بن قاسط
يدعوهم إلى الاسلام ، فإن أجابوا فإخوان ،
وإن أبوا واستكبروا فإلى حظة المخزية إلى
أداء الجزية عن يد ، فإن رغبوا عما دعاهم
إليه من أحد المنزلين وعندوا فقد آذنهم
على سواء ، وكان في كتابه(ص): (قُلْ يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى
كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا
الله وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا
يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً
مِنْ دُونِ الله فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ) قالوا: وكان رسول الله(ص)لا
يقاتل قوما حتى يدعوهم ، فازداد القوم
لورود رسل نبي الله صلى الله عليه واله
وكتابه نفوراً وامتزاجاً ، ففزعوا لذلك
إلى بيعتهم العظمى ، وأمروا ففرش أرضها ،
وألبس جدرها بالحرير والديباج ، ورفعو
الصليب الأعظم وكان من ذهب مرصع أنفذه
إليهم قيصر الاكبر ، وحضر ذلك بنو الحارث
بن كعب وكانوا ليوث الحرب وفرسان الناس ،
قد عرفت العرب ذلك لهم في قديم أيامهم في
الجاهلية ، فاجتمع القوم جميعا للمشورة
والنظر في أمورهم ، وأسرعت إليهم القبائل
من مذحج وعك وحمير وأنمار ومن دنا منهم
نسباً وداراً من قبائل سبأالى آخر القصة
الطويلة وفيها محاحة أحد القساوسة لهم بما
وجده في كتبهم من صفة النبي(ص) ، ومنها أن
آدم(ع)رأى صورة النبي(ص)والأئمة من بعده
عند العرش (فسأل ربه جل وتعالى فقال: رب
نبئني بأسماء هذه الصور المقرونة بصورتي
محمد ووصيه ، وذلك لما رأى من رفيع درجاتهم
والتحاقهم بشكلي محمد ووصيه(ص)، فأوحى الله
عز وجل إليه: هذه أمتي ، والبقية من بني
فاطمة الصديقة الزاهرة وجعلتها مع خليلها
عصبة لذرية نبيي هؤلاء وهذان الحسنان وهذا
فلان وهذا فلان ، وهذا كلمتي الذي أنشر به
رحمتي في بلادي ، وبه أنتاش ديني وعبادي ،
ذلك بعد أياس منهم وقنوط منهم من غياثي )
انتهى


(5) في كمال الدين للصدوق ص519: قال الحسين بن
علي بن محمد المعروف بأبي علي البغدادي
ورأيت تلك السنةبمدينة السلام
امرأةفسألتني عن وكيل مولانا(ع)من هو؟
فأخبرها بعض القميين أنه أبو القاسم
الحسين بن روح وأشار إليها ، فدخلت عليه
وأنا عنده ، فقالت له: أيها الشيخ أي شئ
معي؟ فقال: ما معك فألقيه في دجلة ثم ائتني
حتى أخبرك !


قال: فذهبت المرأة وحملت ما كان معها
فألقته في دجلة ، ثم رجعت ودخلت إلى أبي
القاسم الروحي قدس الله روحه فقال أبو
القاسم لمملوكة له: أخرجي إليَّ الحقة ،
فأخرجت إليه حقة ، فقال للمرأة: هذه الحقة
التي كانت معك ورميت بها في دجلة ، أخبرك
بما فيها أو تخبريني؟ فقالت له: بل أخبرني
أنت ! فقال: في هذه الحقة زوج سوار ذهب ،
وحلقة كبيرة فيها جوهرة ، وحلقتان صغيرتان
فيهما جوهر ، وخاتمان أحدهما فيروزج
والآخر عقيق فكان الأمر كما ذكر ، لم يغادر
منه شيئاً ثم فتح الحقة فعرض عليَّ ما فيها
! فنظرت المرأة إليه فقالت: هذا الذي حملته
بعينه ورميت به في دجلة ، فغشيَ عليَّ وعلى
المرأة فرحاً بما شاهدناه من صدق الدلالة


ثم قال الحسين لي من بعد ما حدثني بهذا
الحديث: أشهد بالله تعالى أن هذا الحديث
كما ذكرته لم أزد فيه ولم أنقص منه وحلف
بالأئمة الإثني عشر صلوات الله عليهم لقد
صدق فيما حدث به ، ما زاد فيه ولا نقص منه )


(6) في كمال الدين للصدوق(ره)ص516: (45 - حدثنا
أبو جعفر محمد بن علي بن أحمد بن بزرج بن
عبد الله بن منصور بن يونس بن برزج صاحب
الصادق(ع)قال: سمعت محمد بن الحسن الصيرفي
الدورقي المقيم بأرض بلخ يقول:


أردت الخروج إلى الحج وكان معي مال بعضه
ذهب وبعضه فضة ، فجعلت ما كان معي من الذهب
سبائك وما كان معي من الفضة نقرا وكان قد
دفع ذلك الماك إلي لأسلمه الى الشيخ أبي
القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه قال:
فلما نزلت سرخس ضربت خيمتي على موضع فيه
رمل ، فجعلت أميز تلك السبائك والنقر ،
فسقطت سبيكة من تلك السبائك مني وغاضت في
الرمل وأنا لا أعلم قال: فلما دخلت همدان
ميزت تلك السبائك والنقر مرة أخرى ،
اهتماماً مني بحفظها ففقدت منها سبيكة
وزنها مائة مثقال وثلاثة مثاقيل - أو قال:
ثلاثة وتسعون مثقالاً ـ قال: فسبكت مكانها
من مالي بوزنها سبيكة وجعلتها بين السبائك
، فلما وردت مدينة السلام قصدت الشيخ أبا
القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه وسلمت
إليه ما كان معي من السبائك والنقر ، فمد
يده من بين تلك السبائك إلى السبيكة التي
كنت سبكتها من مالي بدلاً مماضاع مني فرمى
بها إليَّ وقال لي: ليست هذه السبيكة لنا،
وسبيكتنا ضيعتها بسرخس حيث ضربت خيمتك في
الرمل فارجع إلى مكانك وانزل حيث نزلت ،
واطلب السبيكة هناك تحت الرمل فإنك ستجدها
وستعود إلى هاهنا فلا تراني !


قال: فرجعت إلى سرخس ونزلت حيث كنت نزلت ،
فوجدت السبيكة تحت الرمل وقد نبت عليها
الحشيش ، فأخذت السبيكة وانصرفت إلى بلدي،
فلما كان بعد ذلك حججت ومعي السبيكة فدخلت
مدينة السلام وقد كان الشيخ أبو القاسم
الحسين بن روح رضي الله عنه مضى ، ولقيت
أبا الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه
، فسلمت السبيكة إليه )


( وهو في الخرائج والجرائح: 3/1125 ،
والبحار:51/342 )


تم الكتاب والحمد لله رب العالمين


/ 118