دور البنوک الاسلامیة فی التنمیة الاجتماعیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دور البنوک الاسلامیة فی التنمیة الاجتماعیة - نسخه متنی

محمود الأنصاری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

د

د. محمود الأنصاري

دور البنوك الاسلامية في التنمية الاجتماعية


تمهيد: البنوك الإسلامية ظاهرة جديدة..

ومن طبيعة الظواهر الجديدةأنها تغري الباحثين بدراسة وتقصي كل ما يحيط بها من جوانب وأعماق وأبعاد.

وموقف الباحث من موضوع دور البنوك الإسلامية في التنمية الاجتماعية هو موقف المعالجةالنظرية للدور الذي يتصور أن تقوم به البنوك الإسلامية في مجال التنمية الاجتماعية.

ولما كان مفهوم التنمية الاجتماعية في حد ذاته هو الآخر مفهوم جديد بل وغير متفقعليه، وكانت البنوك الإسلامية هي الأخرى ظاهرة جديدة، فان الباحث سوف يقسم موضوع بحثه إلى الاجزاء الرئيسية الثلاثة التالية:

الجزء الأول:

مفهوم التنميةالاجتماعية

ومع تطور الدراسات التاريخية والحضارية المقارنة، أدرك المفكرون الاقتصاديون حقيقة الترابط بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فمما لاشك فيه أنالتنمية الاقتصادية تؤدي إلى جانب وظيفتها الاقتصادية وظيفة أخرى اجتماعية حيث أنها في المدى البعيد تستهدف رفاهية الانسان ورفع مستوى معيشته، والتنمية الاجتماعيةتؤدي إلى جانب وظيفتها الاساسية وظيفة أخرى اقتصادية حيث أنها في المدى البعيد تهدف إلى تحقيق أقصى استثمار ممكن للطاقات والامكانيات البشرية الموجودة في المجتمع.

تعريف مصطلح التنمية الاجتماعية:

حتى اليوم ما زال مصطلح التنمية الاجتماعية غير محدد المعالم.

وعلى الرغم من ذلك ولكي نمضي قدماً في بحثنا، فاننا مطالبون بأننصل إلى تعريف للتنمية الاجتماعية، حتى نستطيع أن نتبين دور البنوك الإسلامية في أحداثها وتحقيقها.

يعرف بعض المفكرين الاجتماعيين التنمية الاجتماعية بأنها عمليةتوافق اجتماعي، ويعرفها آخرون بأنها تنمية طاقات الفرد إلى أقصى حد مستطاع أو بأنها اشباع الحاجات الاجتماعية للانسان، أو الوصول بالفرد لمستوى معين من المعيشة، أوانها عملية تغيير موجه يتحقق عن طريقها اشباع احتياجات الافراد.

ويختلف تعريف التنمية الاجتماعية بحسب المجال الذي توجه إليه التنمية، وبحسب الخلفيات النظريةلواضعي التعريف، ففيما ورد في مناقشات مؤتمر القادة الاداريين المنعقد بالقاهرة (4 فبراير _ 2 مارس 1967).

نجد أن التنمية الاجتماعية لدى بعض المشتغلين بالعلومالانسانية والاجتماعية هي تحقيق التوافق الاجتماعي لدى أفراد المجتمع، بما يعنيه هذا التوافق من اشباع بيولوجي ونفسي اجتماعي.

ولدى المعنيين بالعلوم السياسيةوالاقتصادية هي الوصول بالانسان إلى حد أدنى لمستوى المعيشة لا ينبغي أن ينزل عنه باعتباره حقاً لكل مواطن تلتزم به الدولة.

ولدى المصلحين الاجتماعيين تعني التنميةالاجتماعية توفير التعليم والصحة والمسكن الملائم والعمل المناسب لقدرات الانسان، وكذلك الأمن والتأمين الاجتماعي، والقضاء على الاستغلال وعدم تكافؤ الفرص.

وعندرجال الدين تعني التنمية الاجتماعية، الحفاظ على كرامة الانسان باعتباره خليفة الله في أرضه، وتحقيق العدالة.

ويقيم بعضهم مثل بيتردي سوتوي تصوره للتنميةالاجتماعية على أنها مرادفة لمفهوم الارشاد التربوي.

وفي تقرير إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بهيئة الأمم تعرّف التنمية الاجتماعية بأنها عملية تربويةتنظيمية، ذلك انها في نهاية الأمر مجموعة من الاجراءات لتطوير الاتجاهات الاجتماعية لدى الأهالي وتشجيعهم على تقبل الأفكار الجديدة واكتساب المعلومات النافعةوالمهارات العملية سواء بالنسبة للأفراد أو الجماعات.. حيث يمثل كل هذا أبعاداً أساسية في سبيل التوصل إلى عملية الانطلاق الذاتي.

واستشفافاً لما تتضمنه وتستهدفهالتعريفات العديدة المختلفة لمفهوم التنمية الاجتماعية، وفي ضوء ما تشير إليه الاتجاهات المختلفة للمفهوم، يمكن تلخيص المسألة في أن هناك عدداً من المحاور تعمل عليهاالتنمية الاجتماعية وهذه المحاور في مجموعها تمثل المفهوم الذي يقصده تعريف التنمية الاجتماعية. هذه المحاور هي:

تحقيق التوافق الاجتماعي (بمعنى تخفيف حدة الصراعداخل الشخص وبينه وبين البيئة إلى أقل حد ممكن)، وتنمية طاقات الفرد، واكساب وتعميق القيم الروحية بما يؤدي إلى احداث تأثيرات عميقة وايجابية في بناء الشخصية وبالتاليفي انماط الممارسات السلوكية، وتأكيد الامن والتأمين الاجتماعي، وتحقيق العدالة واتاحة سبيل تكافؤ الفرص، وتعديل الاتجاهات بما يتفق مع القيم الروحية.. كل ذلك في اطارأيديولوجية علوية غير وضعية تستهدف تكريم الانسان كخليفة لله على الأرض.

ويكاد يكون ذلك المفهوم في التعريف بالتنمية الاجتماعية هو الذي يمثل الاتجاه الغالب في كثيرمن الكتابات والمناقشات العلمية.

أما السبيل إلى تحقيق ذلك، فهي كل الوسائل الفعالة القادرة على تحقيق التنمية على مختلف هذه المحاور سواء كانت هذه الوسائل مباشرة أوغير مباشرة، مرئية أو غير مرئية.

ولما كانت الوسائل الفعالة كثيرة وعديدة، فاننا سنقصر حديثنا هنا على البنوك الإسلامية وحدها، كمؤسسة من مؤسسات المجتمع التي تمثلإحدى وسائل احداث التنمية الاجتماعية وتحقيقها.

الجزء الثاني: التعريف بالبنوك الإسلامية:

للتعرف على دور البنوك الإسلامية في التنمية الاجتماعية، يجد الباحثأن هناك حاجة للتعريف بالبنوك الإسلامية: فكرها، فلسفتها، الوظائف التي تقوم بها، كتوطئة ضرورية لامكان التعرف على مدى مناسبة البنوك الإسلامية كوسيلة من وسائل التنميةالاجتماعية وبالتالي مدى وحدود الدور الذي يمكن أن تؤديه البنوك الإسلامية في هذا المجال.

تعريف البنك الإسلامي:

البنك الإسلامي هو مؤسسة مصرفية لتجميع الأموالوتوظيفها في نطاق الشريعة الإسلامية بما يخدم بناء مجتمع التكافل الإسلامي، وتحقيق عدالة التوزيع، ووضع المال في المسار الإسلامي.

والبنوك الإسلامية تضيف الكثيرعلى المهام التقليدية للبنوك التجارية لتجعل من البنك الإسلامي اداة تحقيق وتعميق للاداءات المرتبطة بالقيم الروحية، ومركزاً للأشعاع، ومدرسة للتربية، وسبيلاً عملياًإلى حياة كريمة لأفراد الأمة الإسلامية.

كما أن الهدف من اقامة البنك الإسلامي هو انه يقوم بتطبيق نظام مصرفي جديد يختلف عن غيره من النظم المصرفية القائمة في أنهيلتزم بالاحكام القطعية التي وردت في الشريعة الإسلامية في مجال المال والمعاملات، وأنه يضع في اعتباره وهو يقوم بهذه الوظيفة أنه يعمل على تجسيد المبادىء الإسلامية فيالواقع العملي لحياة الأفراد، وأنه يعمل على اقامة مجتمع إسلامي عملي، فتعميق الروح الدينية لدى الأفراد يعتبر جزءاً من وظيفته التي يقوم بها على مستوى المجتمع الذييعمل فيه.

والبنوك الإسلامية هي أجهزة مالية تستهدف التنمية وتعمل في اطار الشريعة الإسلامية وتلتزم بكل القيم الأخلاقية التي جاءت بها الشرائع السماوية، وتسعى إلىتصحيح وظيفة رأس المال في المجتمع، وهي أجهزة تنموية اجتماعية، مالية من حيث انها تقوم بما تقوم به البنوك من وظائف في تيسير المعاملات، وتنموية من حيث انها تضع في خدمةالمجتمع وتستهدف تحقيق التنمية فيه.

والبنك الإسلامي هو البنك الذي بني على العقيدة الإسلامية ويستمد منها كل كيانه ومقوماته، فهذه العقيدة تمثل البناء الفكري الذييسير عليه هذا البنك، وعلى ذلك فالمتوقع أن يكون للبنك الإسلامي خط فكري يختلف تمام الاختلاف عن الخط الفكري لغيره من البنوك أيديولوجية تتمثل في:

أـ ان النظامالاقتصادي الإسلامي هو النظام الذي يسير عليه، ويؤمن به.

ب_ وفي ذلك أن البنك جزء من تنظيم إسلامي عام.

ج_ وفي انه بنك ملتزم بتعاليم الإسلام وتجسيد المبادىءالإسلامية.

د_ وفي التزامه بالشمولية في السلوك الإسلامي.

ه‍_ وفي أن صفته الإسلامية صفة شمولية بالضرورة.

و_ وفي التزامه بموقف الإسلام من الربا.

فحيثيعلن البنك عن هويته الإسلامية، ويلتزم في عمله بالعقيدة الإسلامية، فان هذه العقيدة توجب أن تكون مناشط البنك وممارساته ملتزمة بما توجبه العقيدة في مجال المالوالمعاملات، أي أن يكون محكوماً بمجموعة من المبادىء على رأسها:

_ التوافق والمواءمة والموازنة بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع، وأساس ذلك أن كلا المصلحتين العامةوالخاصة يكمل كلاهما الآخر في الإسلام.

_ ان النشاط الاقتصادي وان كان مادياً بطبيعته الا أنه مطبوع بطابع ديني أو روحي، وأساس ذلك أنه بحسب الإسلام لا يتعامل الناسمع بعض فحسب، وانما يتعاملون أساساً مع الله، وأن خشيته تعالى وابتغاء مرضاته والتزام تعاليمه هي التي تصوغ علاقات الأفراد بعضهم ببعض.

_تسامي هدف النشاط الاقتصادي،فان المصالح المادية وان كانت مستهدفة ومقصودة، الا انها ليست مقصودة لذاتها، وانما كوسيلة لتحقيق الفلاح، والارتفاع إلى مستوى الخلافة بتعمير الدنيا وتسخير طاقاتهالخدمة الانسان.

_ عدم الفصل بين الجانب المادي والجانبين الروحي والاخلاقي، فالمادة في نظر الإسلام ليست نقيضاً للروح بل مكملة لها، والنمو في ذات الفرد وفي بيئتهالاجتماعية، انما يعتمد أصلاً على استغلال أمثل لكل ما أودع الله النفس والجسم والعقل والروح والمحيط الطبيعي استغلالاً يكمل بعضه بعضا.

_ ان الموارد الاقتصادية يجبأن تتوجه وتتركز في انتاج السلع والخدمات التي تشبع الحاجات السوية للانسان.

_ ان العائد الاجتماعي وليس العائد المادي يمثل مقياساً رئيسياً يخضع له الانتاج.

_أنه يتحتم تحقيق التوازن في الاستثمارات، بمعنى الا يطغي توظيف الأموال في ناحية على توظيف الأموال في بقية النواحي، بل يجب توجيه الاستثمار إلى جميع المسالك التيتمليها ضرورات المجتمع.

_ ان تخضع الاستثمارات لعدد من التحديدات على رأسها الا تستثمر الأموال الا فيما ترضى عنه الشريعة وتبيحه، وأن تكون العمليات الوسيطة من تمويلأو تسويق أو توزيع داخلة جميعاً في دائرة الحلال، وأن تكون كذلك كل الخطوات الاجرائية من أجور إلى ساعات عمل... الخ داخل دائرة الحلال.

الجزء الثالث: كيف تؤدي عملياتالبنك الإسلامي الى التنمية الاجتماعية:

ان الالتزام العقيدي يلزم البنك الإسلامي منذ البداية بالتزامات في شكل وطريقة اتقاء العاملين فيه، وفي تخطيط وتشكيل الهيكلالتنظيمي له، بل وفي المسئوليات والعلاقات الوظيفية بين الأفراد.

فحيث يقرر الالتزام العقيدي أن النفس لا تكلف إلا ما في وسعها فانه يلفت نظر البنك إلى ذلك التفاوتبين الناس في الامكانات والقدرات ومن ثم يوجب عليه أن يتيح الفرصة العادلة المتكافئة للناس ليختار من بينهم الاصلح والاقدر على العمل فيه.. وذلك يؤسس ويعمق مشاعر الاحساسبالعدالة بين أفراد المجتمع، ويؤسس الاطمئنان إلى أن مواهب الله الطبيعية هي وحدها _وليس غيرها _ المعيار الذي يقوم على أساسه التفضيل.

وحيث يقرر الالتزام العقيدي أنه(فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فاذا عزمت فتوكل على الله، ان الله يحب المتوكلين).

فانهذا الالتزام يوجب على البنك في تشكيل هيكله التنظيمي أن يتوفر في قياداته ما أوجبه الإسلام من صفات العدل والرحمة وعدم الاستبداد بالرأي وطلب المشورة وتحري مصلحةالمرؤوسين والنصح لهم، وأن يراعي في علاقاته التنظيمية ما أوجبه الإسلام من مبادىء في العلاقات الانسانية بين الرؤساء والمرؤوسين.

وحيث يقرر الالتزام العقيدي (ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)، فانذلك يلفت نظر البنك إلى أن مفهوم السلطة في الجهاز التنظيمي للبنك محدوداً ومقيداً، منظماً ومضبوطاً بأن الطاعة انما تكون في غير معصية.

وحيث يوجب الالتزام العقيدينشر الدعوة وعدم كتمان الحق، فان ذلك يلفت نظر البنك الإسلامي إلى أن يهيىء العاملين فيه بكل وسائل التهيئة المعرفية والموعظة الحسنة.

وحيث يقرر الالتزام العقيديصفات اساسية للمسلم كالإيمان واقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والوفاء بالعهد والصبر والصدق (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، ولكن البر من آمن بالله واليومالآخر والملائكة والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدواوالصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون).

فان ذلك يلفت نظر البنك إلى اتخاذ التدابير التي تلزم لتوفير هذه الصفات في العاملينفيه وفي قياداته، وإلى غرس هذه الصفات وتنميتها وتعميقها والتأكيد على سيادة التعامل بها بين العاملين وبعضهم، وبينهم وبين الناس.

وهكذا يعمل البنك الإسلامي منذالبداية وفي محيطه الداخلي على عدد من محاور التنمية الاجتماعية.

فإذا انتقلنا إلى عمليات البنك الإسلامي، وجدنا كنقطة بداية أن الالتزام العقائدي يوجب على البنكالا يتعامل بالربا.. فماذا يعني ذلك في مجال التنمية الاجتماعية؟

أنه يعني أولا وقبل كل شيء تطبيق منهج الله في المجتمع بكل ما يمكن أن يترتب على ذلك من آثار على النموالاجتماعي للأفراد.

انه يعني مساعدة الفرد على أن يمارس الجانب الاقتصادي من عقيدته.

انه يعني اطفاء الصراع الذي يمكن أن يدور في نفسه من جراء تناقض ممارساتهالعملية مع معتقداته الدينية.

انه يعني توفير راحة الضمير وهدوء البال للفرد في علاقته مع نفسه وعلاقاته مع الآخرين.

انه يعني القضاء على الازدواجية في الشخصيةالمسلمة بين القول والعمل.

انه يعني غرس وتعميق المعايير والقيم الروحية لدى الفرد.

انه يعني كمحصلة عامة تحقيق التوافق الداخلي للفرد وتحقيق التوافق بينه وبينالمجتمع، الأمر الذي يعني أن يسير المجتمع إلى الصورة التي يقل فيها الصراع إلى أقل حد ممكن.

والالتزام العقيدي للبنك الإسلامي بعدم التعامل بالربا في مجال التوظيفيوجب على البنك الإسلامي تركيز الاهتمام على الاستثمار المباشر وعلى التمويل بالمشاركة غنماً وغرماً.

فماذا يعني في مجال التنمية الاجتماعية اهتمام البنك الإسلاميبالاستثمار المباشر؟ ان الالتزام العقائدي للبنك يوجب عليه بشكل عام في مجال الاستثمار _مباشر أو غير مباشر _ مجموعة من التحديدات سلف أن أشرنا اليها، منها الاعتبارالاجتماعي، ومنها ادخال المكاسب الاجتماعية والمكاسب النفسية بين حساباته عند دراسة جدوى المشروعات، ومنها الاهتمام بالمشروعات التي تستجيب للحاجات السوية للانسان،ومنها التنمية المتوازنة في كل القطاعات.. وهكذا يضفي الالتزام العقائدي على استثمارات البنك معناها الحقيقي وقيمتها العظمى في تنمية المجتمع.

أما ماذا يعني في مجالالتنمية الاجتماعية قيام البنك بالمشاركة في التمويل؟ أنه يعني قيام البنك في التنمية بدور إيجابي.. دور الشريك لا دور الوسيط.. والفرق بين الدورين بيّن واضح، ان الشريكيتحمل مسئولية كاملة في دراسة المشروعات وادارتها والسهر عليها ورعايتها والعمل على انجاحها، لان نجاحه هو.. يتوقف على نجاح تلك المشروعات. كما وأن التضامن الذي يقومعليه عقد المشاركة يجعل البنك الإسلامي يهتم بالناحية الأخلاقية والكفاءة المهنية لدى شريكه أكثر مما يبحث في مقدرته المالية، فهو يستطيع أن يقدم ماله لمن يثق في كفاءتهولو كان فقيراً.. ان عقد المشاركة يجسد عملياً دخول العنصر الأخلاقي في الاقتصاد والمعاملات.

أما الجانب الثالث من أنشطة البنوك الإسلامية، فهو دعوتها إلى ايتاءالزكاة والقيام بجمعها وانفاقها في مصارفها الشرعية، ودور الزكاة في التنمية الاجتماعية غني عن البيان، فقد قيل فيه وعنه الكثير غير اننا نود ان نشير فقط إلى أن صورةالزكاة قد بهتت في حس أجيالنا المعاصرة حتى أصبحت الاجيال تحسبها أحساناً فردياً هزيلاً، وحتى كادت الزكاة أن تصبح فريضة مهجورة لولا اهتمام البنوك الإسلامية بالاسهامفي احياء الدعوة لايتائها.

وأبسط ما يقال عن المعنى الحركي للدعوة إلى الزكاة واحيائها ودور ذلك في التنمية الاجتماعية أن الزكاة هي النتيجة الحتمية للموقف الايجابيالذي يتخذه المسلم حيال قضية الانتاج أو النشاط الاقتصادي النافع، فكأن إيمان المسلم لا يكتمل إلا اذا حقق انتاجاً اقتصادياً يسد حاجاته أولا ثم يزيد عن ذلك، ويتوافر فيهالنصاب، ثم يزيد عن النصاب، أو يتحقق فائض من الانتاج أو الدخل. هذا الفائض هو 'مطرح الزكاة'.

ويزيد من وضوح دور الزكاة في التنمية الاجتماعية أن 'الفهم الصحيح للزكاةليس هو مجرد سد جوع الفقير أو اقالة عثرته بدريهمات، وانما وظيفتها الصحيحة تمكين الفقير من اغناء نفسه بنفسه بحيث يكون له مصدر دخل ثابت يغنيه عن طلب المساعدة من غيره،ولو كان هذا الغير هو الدولة فمن كان من أهل الاحتراف أو الاتجار أعطى من صندوق الزكاة ما يمكنه من مزاولة مهنته أو تجارته، بحيث يعود عليه من وراء ذلك دخل يكفيه بل يتمكفايته وكفاية اسرته بانتظام'.

شروط نجاح البنك الإسلامي في أداء دوره في التنمية الاجتماعية:

هذه الشروط يمكن تلخيصها في:

_ ضرورة التزام البنك الإسلاميالتزاماً كاملاً بأحكام الشريعة الإسلامية التي قام عليها وهي الإسلام.. قولاً وعملاً، شكلاً ومضموناً، التزامه بمبادىء الإسلام في تكوين رأس ماله، في انتقائه للعاملينبه، وتنظيماته ولوائحه، في طريقة تعبئته لموارده، في طريقة وأساليب توظيفه لأمواله.

_ التحري الدقيق في اختيار قيادات البنك بما يضمن أن تكون هذه القيادات نماذج حيةللشخصية المسلمة الواعية، المؤمنة بقضيتها.

_ الوضوح الفكري لمهمة ووظيفة البنك الإسلامي لدى كل العاملين في البنك من الادارة العليا إلى أدنى مستوى تنفيذي.

_توفر الوعي الاستراتيجي لدى قيادات البنك بالقدر الذي يقابل عظمة المهمة التي يقومون بها.

_ قيام قيادات البنك باعداد تخطيط واضح للأهداف، واعداد برامج العملاللازمة لتحقيقها.

_ التقويم المستمر للاداء والنتائج.

_ العمل على انتشار وحدات البنك حتى مستوى الحي ما أمكن ذلك يبقى بعد ذلك الاشارة إلى نقطة ذات أهمية بالغة،تلك هي أن البنوك الاسلامية مطالبة بالاهتمام باجراء بحوث ميدانية لتأكيد الاثبات العملي لدور البنوك الإسلامية في التنمية الاجتماعية وللتعرف على أكثر الطرق والوسائلفعالية في احداث هذه التنمية والاسراع بها.

ولا يفوت الباحث في ختام دراسته أن يشير إلى أمرين:

أولهما: أن معطيات البحث في معظمها جاءت معطيات نظرية& لعدم توفرالبيانات المتصلة بالدراسة بحكم حداثة نشأة البنوك الإسلامية من جهة وبحكم صعوبة التوصل في مجال اثبات الآثار الاجتماعية إلى بيانات ذات دلالة احصائية.

ومن ثم فقداعتمد الباحث اعتماداً كبيراً على التحليل المنطقي.

ثانيهما: أن الباحث وان كان قد بذل جهده في تنحية تحيزاته الشخصية الا أنه في نهاية الأمر لا يمكن اغفال أنه مسلملا يستطيع أن يوارى عاطفته الإسلامية ازاء قضية من أهم قضايا العصر.. هي البنوك الإسلامية.



* المصدر:مجلة المسلم المعاصر /العدد37/1404

/ 1