تأملات في مسيرة العمل الاسلامي
عمر عبيد حسنه (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) آلعمران: 110.
من الحقائق الثابتة التي لا يختلف عليها إثنان من الناحية الشرعية، أن غاية الانسان المسلم في هذه الحياة هي تحقيق معنى العبودية لله سبحانه وتعالى في ذاتهومجتمعه بالمعنى الشامل الذي يعني أول ما يعني القيام بأعباء الاستخلاف في الأرض بأبعاده المتعددة ونشاطاته المتنوعة، وتعمير الكون وفقاً لمنهج الله، الذي أوقفنا عليهالرسل، وكان مسلكهم وسيرتهم أنموذجاً عملياً للسائرين على الطريق، وتعاملهم مع السنن التي تحكم الحياة والأحياء هو المنهج المنوط بالمؤمن سلوكه في عمليات الهدايةوالتغيير للوصول بالبشرية التائهة إلى تحقيق معنى العبودية في حياتها التي خلق الانسان من أجله.. أداء لأمانة المسؤولية التي حملها الانسان بعد أن أبت السماوات والأرضوالجبال أن يحملنها وأشفقن منها.
قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات: 56، وقال: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنهاوأشفقن منها وحملها الانسان...) الأحزاب: 72.
إذاً الانسان هو أساس التغيير في التصور الاسلامي، والتزام طريق النبوة في الحركة هو منهجه، والوصول إلى تحقيق العبوديةوالفوز برضا الله تعالى هو هدفه.
وهذا لا بد له من نية وهي اقتناع العقل وعزم القلب وانبعاث الهمة، والعمل الذي هو الاستجابة السلوكية والتعبير الإيجابي عن القناعةالعقيدية والنفسية والفكرية ودليل صدقها. قال تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون)فصلت: 30 وقال رسول الله (ص): ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)).
لذلك اختلفت النبوة عن الفلسفة وجاء عطاء الأنبياء مختلفاً تماماً عن نظرات الفلاسفةومعارفهم الباردة العاجزة. وقافلة النبوة في الهداية والعطاء مستمرة تكتسب كل يوم مواقع جديدة. حث لم يبق لنظرات الفلاسفة إلا بعض القيمة التاريخية التي لم تتجاوز الكتبوالمكتبات ولم يكن لها نصيب يذكر من التغيير الاجتماعي. من هنا نقول:
وسائل لا غايات.
إن الحكومات والجماعات والجمعيات والتنظيمات وصور التكتلات جميعاً التي يسعىإليها الناس إنما هي وسائل لتحقيق الأهداف وليست غايات بحد ذاتها، إنما تشرف هذه الوسائل بشرف غاياتها وتقصد للحصول على قدر أكبر من تحقيق تلك الغايات التي يقصر عنهاالجهد الفردي فتكون الجماعة ويكون التجمع وتكون القيادة. وبالتالي فلا يجوز بحال من الأحوال أن تنقلب هذه الوسائل إلى غايات بحد ذاتها وإنما يجب أن تبقى وسائلمحكوماً عليها بمقدار ما تحقق من الغايات التي سبقت الإلماحة إليها وهي تحقيق العبودية لله تعالى والفوز برضاه.
فليست غاية الدعوة إلى الله والعمل الاسلامي بصورهالمختلفة الأساسية، الوصول إلى الحكم والسلطة بأشخاصه وبمختلف الطرق الشرعية وغير الشرعية وينتهي الأمر، وإنما الحكم بحد ذاته لا يعدو في نظر المسلم أن يكون من وسائلتحقيق معنى العبودية ونشر الدعوة وحمايتها في مدىً أوسع ومساحة أشمل، ذلك أن المهم في نظر المسلم أن تتحقق المعاني التي يريدها الاسلام، وليس المهم أن يحكم أشخاص أوجماعات بأعيانهم.
ومن هنا يفترق منهج العمل الاسلامي عن المناهج الأرضية كافة التي تنحصر أهدافها وتتحقق عند الوصول إلى السلطة وتكون أقصى غاياتها الاحتفاظ بهاوتقسيم الغنائم على الأنصار لضمان ولائهم ودعمهم وعبوديتهم. لأنهم أصحاب المصلحة الحقيقية في الحكم والثورة كما يسمونهم، ومطاردة الخصوم لأنهم مكمن الخطر الدائب على ماحصلوا عليه من مكاسب شخصية، أما العمل الاسلامي فيتابع سيره وتلقى على عاتقه مسؤوليات جديدة ويتسع معنى تحقيق العبودية ويعظم التكليف. قال تعالى:
(الذين إن مكناهم فيالأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) الحج: 41.
إنها الأمانة والمسؤولية التي تبدأ بعد الحكم وليس الاسترخاء والقعودعن أداء تلك الأمانة.
والمسلم كفرد والمسلمون كجماعة مطلوب إليهم دائماً أن يكونوا في مستوى إسلامهم بناءً، استجابة لخطاب التكليف، وفي مستوى عصرهم فهماً وحركةوإدراكاً لطبيعة المتغيرات التي لا تتوقف عند حد لتكون وسائلهم في العمل الاسلامي في مستوى العصر.
وإن الهاجس الدائم للمسلم الحق الذي يورث الفاعلية التي لا تنطفئمحاولة ارتياد آفاق أفضل، والحصول على نتائج أشمل، وامتلاك وسائل أكثر تطوراً وجدوى في مجال الدعوة إلى الله.
إن القعود عن التفكير بالتغيير والاستسلام لواقع الحالبسبب من الفهم القاصر للقضية الاسلامية والجمود على الوسائل المعروفة والوقوف عندها والاكتفاء بها وإعطائها صفة القداسة قضية أقل ما يقال عنها إنها تنافي الخلود لهذاالدين ومخاطبة الناس على قدر عقولهم ومطابقة الكلام لمقتضى الحال، إنه القبول بالواقع الاسلامي الذي لا نحسد عليه والذي بات لا يرضي إلا المنتفعين به بشكل أو بآخر، إنقبولنا بالصورة التي يقوم عليها الواقع الاسلامي الآن يعني التوقف حيث تتبدل مواقع الأفراد والجماعات في المجتمع الحاضر بين يوم وآخر، تبعاً لتبدل الوسائل وطرقالمواجهة.
إن وسائل العمل الاسلامي وطرائقه وأساليبه وهياكله وعناوينه التي أصبحت عند بعضهم ديناً لا يمكن تجاوزه إنما هي أمور اجتهادية تخضع لقانون التغييروالاستبدال وليست لها صفة القداسة والثبات، ذلك أن الأهداف الاسلامية من الثوابت، والوسائل لتحقيق هذه الأهداف من المتغيرات، بشرط واحد أن تكون أوعية هذه الوسائل شرعيةومحكومة بضوابط الشريعة أيضاً.. فالغاية لا تبرر الوسيلة الأمر الذي بدأ يتسلل إلى بعض النفوس بسبب من الاجتهاد المريض والرؤية القاصرة.
ويمكن أن تكون لبعض الوسائلجدوى في عصر معين، وقد تكون إنما جاءت استجابة لمواجهة مشكلات معينة في مجتمع له ظروفه واهتماماته.
أما وقد تبدل الزمان وتغيرت المشكلات وصورة المجتمع، فإن الجمودعلى وسائل بعينها في العمل وعدم القدرة على تجاوزها إنما هو حرب في غير معركة، وانتصار بغير عدو، ويخشى أن يكون مضيعة للعمر والأجر معاً.
لا بد أن تكون عملياتالمراجعة وإعادة النظر دائمة على ضوء المستجدات، ولا بد من الاستمرار باتهام أنفسنا بالتقصير عن إدراك الصور المثلى، ويبقى شعارنا أن عدم تحقيق النتائج هو بسبب منا: (قلهو من عند أنفسكم).
ومن يظن أنه علم فقد جهل، فالعمل الاسلامي مدعو دائماً لتغيير مواقعه التي تصبح عاجزة ن مواكبة الحياة إلى مواقع جديدة أكثر فاعلية على ضوءالامكانات المتوفرة والفرص المتاحة، وتجديد وسائله واستبدالها لتكون القدرة على العطاء في كل الظروف والأحوال.
فتح باب الحوار والمناصحة:
وفي تقديرنا حتى نصلإلى الصورة الأفضل لوسائل العمل الاسلامي لا بد من فتح الباب على مصراعيه، بل وفتح النوافذ أيضاً في العمل الاسلامي لعمليات الحوار والنقد والمناصحة، وليس فقط فتح البابأمام ذلك وإنما التدريب عليه في أجواء العمل الاسلامي لتصب كل الخبرات في مجرى الحياة الاسلامية، ويستفاد من كل الطاقات، وتسدد كل الثغرات ويستشعر الأفراد جميعهممسؤولية الرقابة على العمل التي تحققها ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن العاملين للاسلام نواة المجتمع الاسلامي المنشود أحق بذلك من المجتمع بشكل عام بشرطأن تلتزم القاعدة التي تقول من كان آمراً بالمعروف فليكن أمره بمعروف... ونستطيع القول: إنه من فساد النظر: الاعتقاد بأن عملية النقد والمناصحة والأمر بالمعروف والنهيعن المنكر تحدث تشويشاً في الصف الاسلامي واضطراباً في العمل.. ذلك أن الصف أو الجماعة التي تخشى من الحوار وتخاف من المناصحة، ويلبس الشيطان على بعض أفرادها بأن الأمربالمعروف ومحاربة المنكر يهدد كيانها، جماعة لا يوثق بها ولا تستحق البقاء ولا تستأهل حمل رسالة الاسلام التي من أولى متطلباتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففاقدالشيء لا يعطيه
إن مطاردة عمليات المناصحة ومحاصرتها والقضاء عليها تنطوي على خطورة كبيرة تؤدي بأصل القضية في سبيل استبقاء الصورة الشكلية للعمل والدعوة، حيثتنقلب الوسيلة ـ التعاون في إطار الجماعة للوصول إلى قدر أكبر من الخير ـ غاية بحد ذاتها.
إن التسلط الفردي والإرهاب الفكري الذي يقع فيه أحياناً بعض العاملين للاسلمـ عندما يغيب عن ساحة العمل البعد الإيماني الغيبي وما يقتضيه من خفض الجناح ولين الجانب والخلق الكريم ـ يؤدي إلى لون من التشرذم وضرب من الطائفيات الجديدة تتمزق معهارقعة التفكير وتنمو الجزئيات وتغيب الكليات ويضطرب سلم الأولويات ويضيع تصنيف المشكلات ويتوقف العمل المنتج وتنقلب الوسائل إلى غايات ـ كما أسلفنا ـ وتتمحور الصورةالاسلامية حول أشخاص لا ترى القضية الاسلامية إلا من خلالهم وينقلب جهد العمل إلى صناعة المبررات وتتغلب عملية صناعة التبرير على عقلية دراسة أسباب التقصير، ولا تعالجهذه القضية إلا من خلال ممارسة الحرية الفكرية والحوار الشامل والتزام أدب الخلاف الاسلامي، وجعل المشروعية للمبادئ والأفكار وليس للوسائل والأشخاص.
إن العقيدةمقرها القلب ولا سلطان لأحد عليه إلا سلطان الدليل، والقناعة بالشيء هي الدافع لممارسته، والله تعالى خاطب النبي (ص) بأن الغاية من ابتعاثه إلحاق الرحمة بالعالمين. قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الأنبياء: 107.
وقال: (لست عليهم بمسيطر) الغاشية: 22، وقال مخاطباً نبيه أيضاً: (... أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)؟ يونس:99. وقال: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) آل عمران: 199. وهذه من الأبجديات الأولى في الدعوة إلى الله وإلحاق الرحمة بالعالمين.
التربية بالقدوة:
إن الخلقالحسن والسلوك الخير هو الذي يغري الناس بالاسلام وليس السوط والأثرة وحظوظ النفس.. فهل نعيد قراءة سلوكنا في العمل الاسلامي وطرائقنا في الدعوة إلى الله فيكون شعارنا(واخفض جناحك للمؤمنين) فقد نقع على الطريق في علل الجوارح كما وقع أبونا آدم ونتوب ولا ضير فهذا من طبيعة البشر، لكن الخطورة كل الخطورة أن نقع في علل النفوس من الكبروالعجب بالنفس كما سقط إبليس عندما قال: (أنا خير منه). العمل الاسلامي تفاعل لا ينقطعُ وتدافع بين الحق والباطل لا يتوقف. قال تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعضلهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) الحج: 40.
ومنهج الدين الحكيم أن يكون ذلك جدالاً لا قتالاًوتسلطاً، وحواراً لا حرباً واقتتالاً، قال تعالى: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن) فإذا كان هذا أدب الجدال مع أهل الكتاب فكيف يجب أن يكون مع المسلمينالمخالفين بوجهة النظر.
وطريقة هذا الدين الدفع بالتي هي أحسن والصبر الجميل والصفح والمسامحة حتى على الكيد والأذى. ومجتمعه وتجمعه هو مجمع البلاغ المبين، ونجاةالعاملين لا تتحقق بالانسحاب من المجتمع والاستعلاء عليه، والنكوص عن عملية البلاغ المبين والنزول إلى المخابئ وتغييب سياسة الدعوة وممارسة العاملين وسلوكهم عنالأنظار الأمر الذي يعطل عملية البلاغ المبين ويؤدي إلى النمو غير الطبيعي، ويوقف الحوار ويعطل عملية الرقابة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باسم أمن الدعوة. إن قضية الدعوة السرية كوسيلة لحماية الدعوة من أعدائها والتي توضع لها عاجة بعض المسوغات والفلسفات المرضية نظرياً لا تلبث أن تزحف لتمارس على الدعوة نفسها وتحول دونأداء وظيفة التصويب الأساسية والرقابة العامة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبذلك يتكرر خرق السفينة من المستهمين فيها لعدم رؤيتهم والأخذ على أيديهم، ثمتنتهي إلى الغرق.
إن الدعوة إلى السرية لم تقتصر على مواجهة أعداء الدعوة ولم تتوقف عند عتبة الدعوة الاسلامية وإنما تسللت تحت اسم المصلحة إلى أجوائها فأصبحت ممراًلتقديم الولاءات وإبعاد الكفاءات عن مواطن الحل والعقد.
وكان أول ضحايا الدعوة إلى السرية مقومات العمل الاسلامي وليس أعداؤه.
إن سياسة الخفاء كوسيلة من وسائلالدعوة ونشر هذا الدين إلى جانب أنها تتعارض مع عملية البلاغ المبين مسؤولية المسلم التي بها نجاته ـ كما أسلفنا ـ فهي تتعارض مع الهدي النبوي حيث كان النبي (ص) يخرجلتجمعات الناس ويعرض دعوته على الوفود في موسم الحج وغيره ويحتمل في سبيل ذلك الأذى وهو الأحوج إلى الأمن، ذلك أن إيذاء المشركين والمبطلين لدعاة الاسلام من لوازم الحق،وهو الثمن الذي لا بد منه للعقيدة، وفرق كبير بين من يدفع ثمن ثباته على العقيدة وبين من يقبض ثمن العقيدة، ولا نزال نذكر من سيرته (ص) عندما جمع المشركين عند الصفا ليقوللهم: إني رسول الله إليكم بين يدي عذاب أليم.. فقال أبو لهب: تباً لك.. ألهذا جمعتنا؟
وهديه في بيان أعظم الجهاد الذي هو إظهار الحق وقولته أمام الإمام الظالم هكذاجهاراً نهاراً لا خفاء فيه.
قال رسول الله (ص): ((إن من أعظم الجهاد قولة حق عند سلطان جائر)).
إن مسؤولية المسلم تتحدد بإظهار الحق والثبات عليه ولو كان ثمن ذلك حياتهوليس شيئاً آخر.
ويجب أن لا يغرب عن بالنا ما ألحقت الدعوات السرية والباطنية في بالاسلام من كيد، وما لحق فكرها من انحراف وعقيدتها من زيغ، لأنها مشت في الأنفاقالمظلمة ولم يكن هناك سبيل للتصويب والحوار ورصد نتائجه باسم الحفاظ على الكيان والسرية والأمن.
الاحتساب وعدم الاحتراف بالاسلام:
ولعل من أهم الشروط لنجاحعملية البلاغ المبين والوصول بالدعوة إلى نفوس الناس امتلاك الدعاة خصائص وصفات متفوقة حتى يستطيعوا أداء المهمة المنوطة بهم، وقد يكون من أهمها الاحتساب والزهد بما فيأيدي الناس والابتعاد عن مزاحمتهم على ما هم فيه وعدم الاحتراف بالاسلام. قال تعالى محذراً أتباع الرسالة الخاتمة: (يا أيها الذين آمنوا إن كثيراً من الأحبار والرهبانليأكلون أموال الناس بالباطل...) التوبة: 34. لقد كان فساد ـ القلب ـ الأحبار والرهبان سبباً في فساد الجسد وسقوط الأمم السابقة وجعلها وسائل إيضاح للأمة الاسلامية التيتحمل الرسالة الخاتمة فلا تنتقل إليها العلل التي أصابت الأديان السابقة على يد أتباعها ودعاتها. وما من الأنبياء نبي إلا كانت له حرفة وكان شعار الأنبياء جميعاً:(وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين) الشعراء: 109.
ذلك أن الاحتراف بالاسلام وتوظيف الاسلام لمآرب شخصية يشوه وجه العاملين لهذا الدين، ويقيم جداراًنفسياً يحول دون وصول دعوة الله واستنقاذ البشر مما هم فيه لدرجة قد تساهم مساهمة سلبية في إيذاء الدعوة وتحنيط الدعاة.
لذلك كان لا بد من التجليل عملياً على أن مجتمعالدعوة الاسلامية مجتمع عطاء وليس مجتمع أخذ.. مجتمع واجبات قبل أن يكون مجتمع حقوق.. مجتمع هداية وليس مجتمع جباية.. مجتمع الإيثار وليس مجتمع الأثرة، وأن هذه القضية لاتتحقق بشعار يرفع أو بزمن بسيط بل لا بد من ممارسة من العاملين ليصبح ذلك خلقاً، ومن اختبارات من الناس ليقفوا على الحقيقة ويتجاوزوا صور التضليل والتشويه التي تمارس علىالعاملين للاسلام حتى يكون ذلك منهج دعوة وليس وسيلة دعاية.
وبمجرد أن يخرج العمل الاسلامي عن هدف الاحتساب فإن أعداءه أقدر على دفع الثمن واحتواء العمل الاسلامي،ولا يعدم عمل من الأعمال منتفعين به ومستغلين له.
جماعة المسلمين:
من الخطأ العقيدي والتاريخي والحضاري الاعتقاد بأن الاسلام حكراً على جماعة بعينها إلى درجةتعلن معها أنها جماعة المسلمين أو أنها تمتلك الحق المحض وغيرها يعيش على الباطل المحض. ومن هنا يبدأ الانحراف وتتسع زاويته ويبدأ التعسف في إصدار الأحكام على الناس إلىدرجة قد تصل إلى تكفير من لا ينسلك في طريقها ولا يرى رأيها، ما أن الاسلام ليس حكراً على طائفة أو حزب أو جنس بشري وإنما هو دين الله الخاتم ورسالته الخالدة للبشريةجميعاً وأن الرسول الكريم (ص) هو وحده محل القدوة والأسوة ومصدر التلقي. قال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة...) وأن أي إنسان أو جماعة أو طائفة أو جنس بشري لايمتلك ذلك، مهما علا شأنه، فإنه يبقى متبعاً وليس بمبتدع، ويبقى الاسلام هو الحاكم على سلوكه ولا يجوز بحال من الأحوال أن يكون سلوكه هو المنهج والمقياس، وأن نصيبالمسلمين أفراداً وجماعات من نصرة الاسلام متفاوت بمقدار ما يقدم كل منهم للدعوة وبمقدار ما يقترب بسلوكه من المثل الأعلى محمد (ص).
والاسلام دين جماهير الأمة وأملهذه الجماهير وهدفها والله تعالى يقول: (إنما المؤمنون إخوة) والرسول (ص) يقول: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله)) من هنا يمكن القول:
إن الجماعاتوالجمعيات التي تدعو للاسلام ليست مراكز احتكارات له بعيدة عن جماهير الأمة ومنفصلة عن جسمها وهدفها، وإنما هي مجموعات ترجو أن تكون أكثر كسباً للقضية الاسلامية وأشداهتماماً بها، وإنما هي مجموعات ترجو أن تكون أكثر كسباً للقضية الاسلامية وأشد اهتماماً بها، يجب أن تكون مراكز متقدمة تتمثل الاسلام وتعطي أنموذجاً عملياً للحياةالاسلامية، وتدرب على المعاني الاسلامية، وتمثل الاسلام بصورة عملية لتغري بسلوكها الجاهلين بحقيقة هذا الدين وتكون لهم دليلاً ومرشداً ولا تحتكر الخير وتنتهي إلىتشكل غريب في جسم الأمة بعيد عن حمل أهداف الجماهير المسلمة والدفاع عنها، والتحمل في سبيلها متمثلة قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهونعن المنكر وأولئك هم المفلحون) آل عمران: 104.