دین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دین - نسخه متنی

رفیق حبیب

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الدين: سلطة، أم إجماع أمة؟

د. رفيق حبيب

إذا كان لكل أمة ثوابتها ومقدساتها، فالدين هو العمود الفقري، والمحور الرئيسي، لهذه الثوابتوتلك المقدسات. وفي الحضارة العربية الاسلامية، يمثل الدين محوراً مهماً في تشكيل منظومة الحضارة، وقيمها، وأفكارها ومعاييرها. وبهذا تصبح ثوابت الدين، وأصوله، هي جوهرمقدسات الأمة، والتي تتجمع وتتبلور حولها، بقية المقدسات الحضارية الأخرى. بهذا، وفي السياق العربي الاسلامي، نجد أن الدين أحد أهم مقدسات الأمة، ومبادئ الدين تمثلجزءاً رئيساً من القيم الثابتة للأمة.

وكون الدين من المقدسات، ليس اكتشاف، لأن الدين نفسه قائم على قداسة العقائد والأفكار والقيم. فكل دين، هو منظومة من المسلماتالأساسية، التي تحظى بالقداسة، أي بالثبات، ومنها تخرج الفروع، ويكتمل البناء بالتفسير والاجتهاد. ولكن في الرؤية العلمانية، تثار مشكلات عديدة حول الدين بوصفه مقدساً.تلك المشكلات، التي تربط أحياناً بين قداسة المبادئ الدينية وبين نتائج سلبية، منها السلطوية، وربما التخلف.

لهذا، أصبح الجدل الديني، في أمتنا، يأخذ أبعاداً معقدة،ويتحول إلى حرب حقيقية. والجدل الدائر بين العلمانيين والاسلاميين، يشبه ساحة الحرب، في أدواته ونتائجه. لذا أصبح لزاماً علينا، أن نفكك هذه الحرب، ونكشف عن أبعادهاالضمنية والصريحة. والبداية في ظني، فهي فكرة المقدس نفسها. فالطرح العلماني الغربي، يميل إلى التلميح إلى قداسة الدين بوصفها أحد معوقات الحرية والتقدم والتنمية.والحقيقة أن الهجوم ينصبّ في جوهره حول القداسة؛ لأن وكلاء الغرب، يقدمون لنا القداسة، بوصفها أداة سلطة وتسلط ورجعية وقمع وقهر. بمعنى أن القداسة تفهم لدى وكلاء الغرب،بأنها سلطة يمارسها نفر من الناس، يدعون القداسة لأنفسهم، احتماء بالدين، ويمارسون قهراً على الآخرين، وعلى حرية التفكير، مما يؤدي إلى إيقاف فعل التفكير والإبداع،وبالتالي إعاقة التقدم والتحديث.

والأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يتجاوز لطرح إشكالية تنطوي على العديد من المغالطات. فوكلاء الغرب يطرحون تساؤلهم عمن يملك حقالتفسير، وبالتالي مَن يحدد الثابت من المتغير. وتتحول الحرب إلى إعادة تفسير لمجمل الدين، بل مجمل التاريخ العربي الاسلامي برمته. وهنا نصبح بصدد عملية منظمة وواضحةلفك القداسة نفسها، وإثارة الشكوك حول كل شيء، والأمر عندما يبدأ بالتاريخ، لينتهي بالدين، مروراً بالهوية، يصبح ضرباً لكل المنظومة الحضارية وثوابتها. لأنه يجعلالثابت متغيراً، بل ومشكوكاً فيه أصلاً. والأهم من ذلك، أن الغموض يثار حول انتماء الأمة نفسها، حيث يصبح تاريخها بلا معنى. وكل هذا يحدث تحت دعوى أن هناك تفسيراً جديداً،ورؤية جديدة، يقدمها وكلاء الغرب ضد ادعاءات الاسلام السياسي.

لا يمكننا، عند هذا الحد، أن نتجاوز ما يحدث، ولا يجوز أن نتصوره مجرد جدل يدور بين رؤى مختلفة. لأن مايجري على يد وكلاء الغرب، هو نزع لكل قداسة، وهو إنكار لكل مقدس، وإلغاء لكل ثابت. ومعنى ذلك، أننا أمة لم تولد بعد، وأننا مجرد صفحة بيضاء، لم يكتب فيها حرف، أو بمعنىأدق، أننا صفحة سوداء، مليئة بالأخطاء والتراجعات، تحتاج لأن يزال كل ما بها من سواد، فتعاد من جديد بيضاء، ثم يكتب فيها وكلاء الغرب، سطوراً من جديد.

فماذا سيكتبون؟!هذا هو جوهر المشكلة، بل قل الحرب، لأن ما سيكتب، ليس إلا مقدسات جديدة، نعم، مقدسات الحضارة الغربية.

النزاع إذن حسب ظني، ليس نزاعاً حول القداسة في حد ذاتها. فليسصحيحاً أن الطرح العلماني يحاول أن يحررنا من سلطان قداسة تجرنا للتخلف، وليس صحيحاً أيضاً أن المشكلة تكمن في وجود القداسة وما تعنيه من قهر وسحق للحرية، بل الصحيح أنالمشكلة تكمن في مقدسات الأمة العربية الاسلامية، التي لا توافق على مقدسات الحضارة الغربية، وقد تعاديها.

لذلك، فوكلاء الغرب يقومون بمهمة تفكيك مقدسات الأمة، منأجل إحلال مقدسات الحضارة الغربية بدلاً منها. وليس هذا مجرد تصور، بل هو الواقع، وما يحدث يفضحه. فلنأخذ مثلاً: فالخطاب العلماني الغربي، يرى أن الاسلام ليس ديناًودولة، وأن التاريخ الاسلامي، ليس فيه منظومة الدين والدولة، بل فيه ممارسات متخلفة واستغلال للدين وغيرها. والحقيقة في رأي وكلاء الغرب، أن العلمانية تتفق مع الاسلام،وأن فصل الدين عن الدولة، وعن الدنيا، هو وسيلتنا في التقدم، لأن الخلط بينهما كان وسيلتنا للتخلف.

معنى ذلك، أن ما يقوم به وكلاء الغرب، هو نزع المقدس، وهو وحدانيةالدين والدنيا، وإحلال لمقدس آخر، وهو الفصل بين الدين والدنيا. والمقدس الأول عربي اسلامي، والمقدس الثاني غربي.

والأكثر أهمية من ذلك، أن الهجوم على فصل الدين عنالدنيا، والهجوم على العلمانية، هو في رأي وكلاء الغرب، ليس فقط تخلفاً، بل هو أيضاً، أي خروج على القانون. معنى ذلك أن العلمانية أصبحت مقدساً، ووكلاء الغرب يمثلون هذاالمقدس، وهم حماته.

وتتضح الصورة أكثر، عندما يتحالف وكلاء الغرب، مع نظام الحكم التابع، ويستندون إلى أدواته في البطش والقهر، كما يتحالفون مع الغرب، وأدواته فيالترغيب والترهيب، ويصبح جملة هذا التحالف متجهاً إلى نزع قداسة وحدانية الدين والدنيا، وفرض قداسة الفصل بين الدين والدنيا.

فالمشكلة ليست في القداسة، ولا فياستخدام السلطة، بل المشكلة في المقدس نفسه، المشكلة في مقدسات الأمة، التي يراد لها الإبادة، لصالح مقدسات الغرب الكونية كما يزعمون.

تلك الحرب تستنفر نفراً منالشباب، وتجعل بعض المدافعين عن مقدسات الأمة، يميلون للعنف، ويؤكدون أن حماية المقدس، لن تكن إلا باستخدام السلطة. فجماعات العنف، قدمت صوراً للدين، بلغت شأناً فيالتطرف. فالتصورات التي تجعل حاكمية الدين مفضية لحاكمية الأمير، وتلك التي تروج لفرض الدين بالسلطان، وغيرها، تؤدي في النهاية إلى طرح تصور عن الدين، كمقدس، يخالفالدين، ويخالف فكرة القداسة نفسها.

والمشكلة السائدة لدى جماعات العنف، أنها تطرح تصورات تميل للإفراط، والتشدد في غير موضعه، والتطرف في الفكر والسلوك. وهذاالنموذج لا يعبر عن السائد لدى الناس، لأنه نموذج متطرف، والسائد لدينا هو الاعتدال، والميل للوسطية، التي هي سمة الأمة العربية الاسلامية.

أما على مستوى جماهيرالأمة أنفسهم، فنكتشف حقائق مهمة، فلدى هذه الجماهير إيمان عميق بمقدساتها الدينية والحضارية. وهو إيمان لا يخلو من البساطة والفطرة، كما لا يخلو من العمق والدراية. بلإن فطرته فيها حدس وعمق متميزان. نعني بذلك، أن السائد لدى الناس، واضح ومحدد، ليس فيه غموض، وفيه وعي حقيقي بالثابت والمتغير.

كما يلاحظ أن الناس، تعرف الثابت، وتكشفأية محاولة للخروج عنه، وتعرف حدود المقدس، وتميل في مجموعها إلى الاتزان والتوازن والاعتدال.

تلك الحقيقة تعني أن الناس أنفسهم ـ حسب تصورنا ـ تعرف الإفراطوالتفريط، فلا تميل للتشدد إلا في موضعه، ولا تميل لأية محاولات لتبديل مقدسات الأمة، لذلك فإن محاولات وكلاء الغرب لا تجد صدى لديها، ومحاولات الاسلام السياسي تحققالإحياء الديني والحضاري، ولكن محاولات جماعات العنف، يقف تأثيرها عند ما هو متفق عليه، ويبطل تأثيرها فيما هو شاذ وغير متفق عليه.

وبرغم ذلك، فإن السائد دينياً لدىالأمة كلها، يميل أحياناً للإفراط بقدر ضئيل، أو التفريط بقدر أضأل، وقد يميل السائد لدى الناس إلى الخرافة بدرجة، أو العقلانية بدرجة. بل ن جماع الصراعات التي تدور حولالناس، يمكن أن تختزل في تحولات ما، في هذا الاتجاه أو ذاك.

ما نرمي له، هو أن الأمة هي حاملة مقدساتها، والدين منها. والأهم أن الدين متحقق بالأمة، ومقدساته تحقققداستها بالأمة. وثوابت الدين، هي كذلك لأن الأمة فهمتها واتفقت عليها. وتحقق الدين في الأمة وبها، يعني أن حاكمية الدين، هي نتاج الإيمان به، ونتاج إتّباع مبادئه.فحاكمية الدين، تتحقق من خلال أمة تحكم الدين في أمورها، فتصبح له الحاكمية.

والنزاع حول المقدس في الدين، نزاع يتجاوز أحياناً حد المعقول، فعندما يحاول وكلاء الغربإثبات شرعية فصل الدين عن الدنيا، نتصور معهم أن القضية تحتاج إلى إثبات، وأن الدليل على صدقها هو مربط الحكم عليها. وتلك أزمة ننجذب لها على المستوى الثقافي، لأنالتأسيس الثقافي قضية مهمة. ولكن الحقيقة فيما وراء ذلك، أن الحوار حول المقدس الديني، في وعي جماهير الأمة، جائز عندما نكون بصدد الاجتهاد في تفسير المقدس، أي جائزعندما يكون الحوار من داخل المقدس، أما عندما يكون الحوار من خارج المقدس، فإنه يصبح اعتداءً على المقدس يرفض من الأساس. وربما تكون المشكلة التي نعاني منها الآن، هي فيإدراك الجميع أن المقدس ملك الأمة، وأن سلطة المقدس، تحملها الأمة بالوكالة والاستخلاف، نتيجة إيمانها به. مما يجعل محاولات تفكيك المقدس، تميل إلى الغموض والالتباس،حتى تضلل الأمة، دون أن تعلن صراحة رفضها للمقدس. لذلك يأتي خطاب وكلاء الغرب ملغماً، يعلن قبول المقدس، ثم ينسفه من داخله، ثم يراوغ حوله، ثم يبذر بذور الشك والغموض، حتىيفككه بالالتباس، ولا نقول التدليس.

تلك قضية، تجعلنا نشعر بقدر التعدي على حرية الأمة، ككيان له تاريخه وتراثه، والتعدي على حرية الأمة أيضاً، بوصفها صاحبة السلطة،في تحديد مقدساتها وصونها.

* المصدر : المقدس والحرية

/ 1