محمد علي التسخيري
واجبات الدولة في مجال الدخل الفردي
ان سياسة الدولة ووظيفتها في مجال الدخل الفردي تتلخصان في مايلي:
أ ـ حماية الملكية الخاصة، والدفاع ومجابهة كل اعتداء على هذا القطاع. وتدخل في هذا الباب أحكام الغصب والسرقة وأمثالهما.
ب ـ مراقبة قيامها بواجبهاالاجتماعي، من حيث اعتبارها حقاً معه مسؤولية، لا حقاً مطلقاً. ومن هنا إذا انجرت الملكية الخاصة إلى سبيل تضيع فيه حقوق المجتمع، أو تحولت إلى عنصر مضرّ بها، أوقفالحاكم هذا الأمر. وهذا ما يستفاد من نصوص كثيرة، وأحكام معروفة، في مجال الحجر، أو الكسب المحرّم، أو أحاديث ((لا ضرر ولا ضرار))، ومنها على سبيل المثال قوله تعالى: (ولاتؤتوا السفهاء أموالكم) النساء/ 5، إذ نسب هذه الأموال (التي هي مملوكة ملكية خاصة لهؤلاء السفهاء) إلى المجتمع، وعيّن واجباتها لتقويم المجتمع، ليمنع بالتالي من فسحالمجال لهؤلاء السفهاء أن يتلاعبوا بالثروة الاجتماعية كيف يشاؤون.
ومن الواضح ان مفهوم السفاهة يحتاج إلى دقة في تعيين حدوده، وبالتالي مصاديقه. فإذا فسرنا السفهبعدم امتلاك التوازن والوعي والرشد المطلوب لتوجيه الأموال الوجهة الصحيحة، والاضطراب في التعرف، فإن هذا المفهوم سيفتح مجالاً واسعاً لسيطرة المجتمع على كثير منالتصرفات المضطربة، وأنواع البذل غير المتزنة.
أما أحاديث لا ضرر ولا ضرار فهي تشكل أساساً لقاعدة كبرى في مجال الأحكام الثانوية، وتفسح المجال لتدخل الدولة لحمايةالحقوق، ومنع الملكية من الاضرار لمصالح الأفراد من الآخرين، فضلاً عن الاضرار بالمصلحة الاجتماعية العليا. ويمكننا ـ هنا ـ أن نتصور تدخلاً كاملاً للدولة، للمنع منازدياد ثروة ما، عبر شمولها لمساحة اقتصادية واسعة الأبعاد، ولها أثر حساس على المصير الاقتصادي للأمة، أو عبر أدائها إلى إخلال بالتوازن العام لتوزيع الثروة، كما فيمجال الاقطاعيات الزراعية أو الصناعية، أو التجارة الواسعة، أو أي مجال آخر يرى خبراء الدولة انه سيترك أثره التكاثري المضر على الوضع الاجتماعي المتوازن. بل ويمكننا أننتصور تدخلاً للدولة لمنع بعض أنماط الإنتاج الكبرى لصالح حماية ذوي الدخل المتوسط من الضرر.
فإذا أضفنا إلى هذه الأمور، النصوص التي تؤكد دفع الضرائب الماليةالمستحقة لصالح المجتمع، نستنتج ان الاسلام سد الأبواب أمام استغلال حق الملكية الخاصة لتحقيق الأمور التالية:
1 ـ الاستهلاك أو التبادل اللامعقول، عبر الحجر علىالسفيه والمريض مرض الموت والمدين وغير ذلك.
2 ـ التبادل اللامشروع للملكية، بما لا ينسجم مع القيم الأخلاقية والاقتصادية التي يؤمن بها الاسلام عبر أحاديث منع الكسبالحرام.
يقول الشهيد الكبير الصدر: ((تصرف المالك في ماله بشكل يؤدي إلى الاضرار بالآخرين على نوعين:
أحدهما: التصرف الذي يضر شخصاً آخر ضرراً مالياً مباشراً،بانقاص شيء من أمواله كما إذا حفرت في أرض لك حفيرة تؤدي إلى انهدام دار مجاورة لفرد آخر.
والآخر: التصرف المضر بشكل غير مباشر والذي يؤدي إلى سوء حال الآخرين دون أنينقص فعلاً شيئاً من أموالهم، كالأساليب التي يتبعها المشروع الرأسمالي الكبير في تدمير المشاريع الصغيرة، فإن هذه الأساليب لا تفقد صاحب المشروع الصغير شيئاً منبضاعته التي يملكها فعلاً، وإنما قد تضطره إلى تصريفها بأرخص الأثمان، والانسحاب من الميدان، والعجز عن مواصلة العمل.
أما النوع الأول، فهو يندرج في القاعدةالاسلامية (لا ضرر ولا ضرار) فيمنع المالك وفقاً لهذه القاعدة من ممارسة ذلك النوع من التصرف.
وأما النوع الثاني، فاندراجه في تلك القاعدة العامة يرتبط بتحديد مفهومالقاعدة عن الضرر، فإذا كان الضرر يعني النقص المباشر في المال أو النفس ـ كما يرى كثير من الفقهاء ـ فلا يندرج هذا النوع في القاعدة، لأنه ليس اضراراً بهذا المعنى. وإذاكان الضرر بمعنى سوء الحال ـ كما جاء في كتب اللغة ـ فهو مفهوم أوسع من النقص المالي المباشر، ويمكن، وعلى هذا الأساس، ادراج النوع الثاني في هذا المفهوم، والقول بتحديدسلطة المالك على ماله، ومنعه من ممارسة كلا النوعين المتقدمين من التصرفات المضرة، لأنها جميعاً تؤدي إلى سوء حالة الآخرين، ومرد سوء الحال إلى النقص أيضاً)). والواقع ان تفسير الضرر يرجع فيه إلى العُرف، وهو بدوره ـ كما هو واضح ـ يطلق حقيقة عنوان الاضرار بذوي الحرف الصغيرة في المال المذكور.
وعلى أي حال، فحتى لو لم يتمالاستدلال، فإننا نجد أن لولي الأمر الصلاحية اللازمة للتحديد، تحقيقاً للمصلحة الاجتماعية العليا، والسير المتوازن للمجتمع.
3 ـ الاعتداء على حقوق الأفرادالآخرين، وحقوق المجتمع العليا عبر أحاديث منع الضرر.
4 ـ الفرار من أداء الوظائف الاجتماعية الكبرى عبر النصوص التي تفرض الزكاة والضرائب المالية الأخرى وتحرمالامتناع عنها، وبالتالي، نستطيع القول بأن أكبر وظيفة للدولة في مجال الملكية الخاصة هي حمايتها من جهة، والسيطرة عليها لتقوم بواجبها الاجتماعي من جهة أخرى.
*المصدر : الدولة الاسلامية