وعی الکفیل باحداث النفیر الحضاری نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

وعی الکفیل باحداث النفیر الحضاری - نسخه متنی

عبدالمجید النجار

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

الوعي الكفيل باحداث النفير الحضاري

عبد المجيد النجار

أ _ الوعي الاستعلائي: إنّ من عوامل تخلّف المسلمين وعطالتهمالحضارية ما يستشعره الفرد المسلم في نفسه من إحساس بالدّونية والضآلة بحكم المغلوبية الحضارية التي هو فيها، فذلك الشعور من شأنه إرخاء إرادته وتثبيط عزمه، ودفعه إلىالاستكانة والقعود، وحينما يصبح ذلك شعوراً جماعياً فإنّه يؤدّي إلى قعود جماعي، وانكفاء دون الانطلاق والمبادرة في مجال العمل البنّاء. ولإدراك هذا المعنى إدراكاًواعياً من قبل أعداء الأمة الإسلامية، فإنهم ما فتئوا منذ زمن يعملون بأساليب متنوّعة على بثّ الشعور الانهزامي في نفوس المسلمين وترسيخه فيها، وكان ذلك محوراً أساسياًمن محاور الغزو الثقافي، فمن نظرية رينان Renan التي تتّهم العقلية الشرقية عموماً والإسلامية خصوصاً بالنقص الطبيعي بالنسبة للعقلية الأوربية، إلى حملة المستشرقينبادّعاء أنّ التراث الإسلامي ليس إلاّ إعادة خالية من الابتكار للتّراث اليوناني والمسيحي القديم، إلى الحملات الإعلامية الراهنة التي تظهر أنّ كلّ نقص وشرّ إنما هو منقبل المسلمين، وأنّ كلّ خير وكمال إنما هو من قبل الغرب وحضاراته. إنّها أساليب تلتقي كلّها عند قتل العزّة في نفس المسلم، وتعطيل انطلاقه بإركاسه في الانهزاميةواستنقاص الذات.

وتفادي هذه الحالة من الانهزامية واستنقاص الذات لايكون إلا بمعالجة النّفوس ببثّ روح العزّة والاستعلاء فيها، وذلك بإشعار الفرد المسلم بطرقمختلفة ومتنوعة برفعة ذاته وعلّو شأنه باعتباره مسلماً، وذلك في الحدود التي لا ينقلب فيها الشعور بالاستعلاء إلى كِبر واستعظام مرضي للنفس يُستنقص فيه الآخرونويُستحقرون، وإنما في حدود الاعتزاز بالنفس والشعور بقيمة الذّات، والتخلّص من مركّب النّقص والانهزامية.

وقد يبدو أنّ معالجة المسلم على هذا النّحو في الواقع الذييعيشه اليوم أمر بعيد المنال؛ إذ هو يعيش عملياً واقع النقص ويتشرّب أنفاسه صباح مساء، فمن مظاهر التخلّف الذي عليه المسلمون في الإنجاز المادّي بأنواعه مما يجعلهم عالةعلى عالم الغرب، إلى مظاهر الإذلال التي يتعرّض لها العالم الإسلامي في كل شبر منه على يد قوى الاستكبار، إلى حملات الدّعاية المتنوعة ضدّ المسلمين في أبواق الصّحافة،ومنابر الثقافة الغازية، فكيف إذن يمكن مع هذه الحال انتشال المسلم من هذه الهاوية النفسية ليحقن بأمصال العزّة، وتنتعش نفسه بدبيب معاني الاستعلاء فيها؟

إن ذلك أمرممكن من خلال حملة دعوية تتّجه إلى عامّة أفراد المسلمين على مختلف مستوياتهم من خلال برامج التربية، وما هو مُتاح من وسائل الإعلام، ومن خلال سبل الدّعوة العامّة التيتستعمل فيها اليوم أساليب تجعلها واسعة الانتشار، عميقة الأثر في القطاع العريض من الناس، نذكر منها خصوصاً الشرائط السّمعية والبصرية فقد أضحت واسعة الانتشار ميسورةالتناول والتداول، ذات تأثير بالغ في الخاصّة والعامّة. ولا تهمل هذه الحملة الدّعوية أيضاً ما هو أرفع وأعمق من طرائق البحث العلمي المؤيّد بالتحليل والاستدلال فإنّلها تأثيراً في قطاع غير يسير من المسلمين الذين يستجيبون لنشريات الخطاب العلمي العميق أكثر مما يستجيبون لغيرها. ومع اختلاف وسائل هذه الدّعوة فإنها تلتقي جميعاً عندبثّ العزّة والاستعلاء في نفس المسلم، وذلك من خلال توعيته بجملة من المقدّرات التي يتوفّر عليها، والتي من شأنها أن تشعر من يعيشها بوعي بالعزّة والاستعلاء، فيكون إذنالوعي بها مكوّناً لوعي استعلائي، ولعلّ من أهمّ روافد ذلك الوعي الملتقية عنده والمكوّنة له ما يلي:

أوّلا: الوعي الإيماني:

وذلك بأن يبصّر المسلم بأنّ إيمانهبالإسلام وانتماءه إلى أمّته هو مبعث عزّة واستعلاء، وذلك بالنظر إلى ما ينطوي عليه هذا الإيمان من الحقّ المطلق الذي لا يدانيه حقّ في جميع فروعه وشعبه، وبالنظر إلى مايتأسّس عليه من توحيد لله تعالى الذي يتحرّر به المسلم من عبودية كلّ ما سواه، كما أنّه يتحرّر به من أن يخضع لرأي بشر مثله يحكّمه في حياته، وآراء البشر حبالى بالنقائصوالنقائض، فذلك كلّه من شأنه أن يشيع في النفس الشعور بالكرامة والعزّة، إذ الإنسان يفخر ويزهو بعلوّ مصدره في الاهتداء، وقوّة ملاذه في الاحتماء، وكفى المؤمن باللههادياً وحامياً، فهو مصدر فخره وزهوه.

إن هذه المعاني حينما تتشرّبها النفوس في حركة دعوية ناجحة فإنّ من شأنها أن تحدث في نفوس المسلمين اليوم انقلاباً من استشعارالهوان والدونية إلى استشعار العزّة والاستعلاء، وذلك ما حدث في صدر الدّعوة حينما انقلب حال المستضعفين في مكة بما اُشربوه من إيمان من استشعار للهوان إزاء الأسياد منقريش إلى استشعار للقوّة والاستعلاء والشموخ على أهل الكفر كافّة. وذلك هو أيضاً ما جاء في البيان القرآني في قوله تعالى: (وَلا تَهِنُوا ولا تَحزَنُوا وأنتُمُ الأعلونَإن كُنتُم مُّؤمنينَ) (آل عمران/ 139) فالإيمان يثمر في النّفس الاستعلاء والعزّة.

ثانياً الوعي الحضاري:

وذلك بأن يبصّر المسلم بأن الأمّة التي ينتمي إليها هي أمّةساهمت في البناء الحضاري للإنسانية بقسط وافر من شأنه أن يكون سبباً للاعتزاز والفخر، وهي أمّة تحمل من القدرة في كلّ زمن ما تستطيع به أن تساهم في التحضّر الإنسانيباستمرار، وإن تعطّل عطاؤها في بعض الأزمان فإنما ذلك لظروف عارضة ما إن تنقضي حتى تعود إلى العطاء، وذلك لأنّها تتوفّر في بنائها الدّيني والثقافي على مقوّمات أساسيةللبناء الحضاري، وهي مقوّمات ثابتة إذا ما استنهضت فإنها تثمر الحضارة في كل حين.

يمكن إحداث هذا الوعي الحضاري من خلال المقارنة بين الحضارة الإسلامية وبينالحضارات الأخرى بما فيها الحضارة القائمة الآن، وإبراز المزايا التي كانت عليها الحضارة الإسلامية بإزاء العيوب والنقائص التي عليها الحضارة الرّاهنة خاصّة فيمايتعلق بالبعد الإنساني الرّوحي الذي أولته الحضارة الإسلامية أهمية بالغة، فكان فيها محقّقاً للقدر الكبير من الأمن والأمان في النفس والمجتمع، بينما أهملته الحضارةالراهنة فكان ما نشهده اليوم من الخواء الروحي الذي أثمر ثماراً مرّة من الحيرة والقلق واليأس في النفوس، ومن التسلط والهيمنة والاستبداد والعنف في المجتمع البشري كماتشهد به حركات الاستعمار القديم والجديد.

ولا يفوت أن نشير إلى أنّ إشراب النفوس لهذه المعاني ينبغي أن يكون بحكمة تُتفادى فيها أثار سلبية قد تتمثّل في حصول ضرب منالانتماء إلى الماضي انتماء مرضياً يكشف عن مجرّد هروب نفسي إليه كتعويض عن دونية الحاضر إزاء الحضارة القائمة، وهو ما نراه حاصلاً عند الكثير من المسلمين اليوم.

ب _الوعي الخلافي: إن من دواعي قعود الإنسان، وقصوره عن العمل التعميري، هو عدم وعيه بمهمّته في الحياة وغايته من الوجود، فغياب ذلك الوعي يجعله تائهاً لا يمضي في طريق بيّنيثمر فيه ما يؤدّي إلى غاية، ويكتفي إذن بأقل قدر يكفيه لحفظ الوجود، ويسلك في ذلك أيسر طريق ممكن، وإذا كان الإسلام قد رسم للإنسان غاية واضحة لحياته، وكلّفه بمهمّةبيّنة يؤدّيها أثناء وجوده، وهي مهمّة الخلافة في الأرض، فإنّ العامّة من المسلمين اليوم لا يستقرّ في نفوسهم تصوّر واعٍ لهذه المهمّة، بل هم بين جاهل بها أصلاً، وبينمختلط عليه شأنها، فلا يعيها الوعي الصحيح، وقلّ منهم من يتصوّرها على حقيقتها، ويؤمن بها كما هي مطلوبة منه في أوامر الدّين. ولو افترضت سؤالاً يُلقى على أفراد المسلمينيطلب فيه تحديد غايتهم في الحياة ومهمتهم فيها لكانت الأجوبة مصدّاقاً لهذا التقرير.

ولمّا كان واقع العموم من المسلمين على هذا النّحو من غيبة الوعي بغاية الحياةفإنّ سبباً مهمّاً من أسباب الاندفاع إلى العمل البنّاء قد غاب عن نفوسهم، فإذا هم على نحو ما يُرى من فتور في المبادرة، وقعود عن النهوض لتحقيق الغاية الخلافية التيكلّفوا بها بتحقيق التعمير في الأرض بفصوله المختلفة، وغفلة عن أن يدرجوا ما يبذل من بعض الجهود في إطار تلك الغاية، فإذا هو شتات لا يربطه رابط.

المصدر : عوامل الشهود الحضاري


/ 1