نحو اکتشاف جدید للثقافة الاسلامیة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نحو اکتشاف جدید للثقافة الاسلامیة - نسخه متنی

محمد زنیبر

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

نحو اكتشاف جديد للثقافة الإسلامية

محمد زنيبر

ارتبطت الثقافة الإسلامية بأصول روحية تجعل من الممكن حصر مضمونها، لكنهاارتبطت في نفس الوقت بتاريخ وبجغرافية مما جعلها تجتاز بأشكال من الاتصال والتلوين والاختمار. فالثقافة الإسلامية هي التي أوجدت الجدل وعلم الكلام والفلسفة الإسلاميةوالتصوف وكلها إفرازات نشأت عن الأطوار التي مر منها المجتمع الإسلامي في تجربته الطويلة التي ارتبطت بوثبة تاريخية كبيرة وحضارة غنية ما زالت في مسيس الحاجة إلى الدرسوالاستكشاف.

ونشأ عن ذلك تصوران للثقافة الإسلامية:

1 ـ تصور أساسي يرجع بنا إلى المصادر الأولى التي أسست الإسلام والتي لا يتجادل في صحتها أي مسلم، ونعني بهاالكتاب والسنة.

2 ـ تصور تاريخي يربط بالثقافة الإسلامية كل ما أنتجه المجتمع الإسلامي، عبر تاريخه الطويل، في ميدان العلوم والآداب والتقنيات والفنون، الخ.

ويترتب عن الجمع بين التصورين أشكال من الخلط والالتباس يتعثر بينها الباحثون ويتضرر منها البحث. وبديهي أن السبب يكمن في الإزدواجية التي نربطها بمعنى النسبة حينمانقول إسلامي. ففي صورة أولى تعني تلك النسبة علاقة بالجوهر، جوهر الإسلام أي بتعاليم الإسلام وروحه. مثال ذلك الزواج الإسلامي أو الإرث الإسلامي. فالأول يعني زواجاً يجريحسب مقتضيات الشرع الإسلامي، والثاني يعني، أيضاً، التقيد بالقواعد التي أقرها الإسلام فيما يخص الميراث طبقاً لما ورد في الكتاب والسنة. فنسبة الزواج والميراث نسبةالفرع إلى الأصل، أو هي نسبة عضوية لأنها تدخل في إطار تصور عام للإسلام.

وبخلاف ذلك قولنا الخزف الإسلامي أو الهندسة المعمارية الإسلامية. فما هو الرابط بين الخزفوالإسلام في المثال الأول؟ إنه الرابط الجغرافي، إذ يعني الخزف الذي صنع في بلاد الإسلام ولو كان صانعوه من غير المسلمين، ولو كان مقتبساً عن نماذج وجدت قبل الإسلام أوفي بلاد غير إسلامية. فنستطيع أن نقول الخزف الإسلامي ونحن نتحدث عن بعض المخلفات الأثرية التي وجدت بفارس والعراق منذ القرن الأول والتي تمثل استمراراً للتقاليدالصناعية التي وجدت في البلدين قبل الإسلام. وبالفعل، توجد أنواع من الخزفيات في كل البلاد الإسلامية، يمكن ربطها بالتراث الحضاري السابق للإسلام، على الأقل من بعضالجوانب. ومن الممكن أن يكون انضافت إليها بعض التحسينات في عهد الإسلام، إلا أن التحول الطارئ يبقى ذا صبغة تقنية وفنية، وليست له علاقة جوهرية بالإسلام، بل العلاقةعرضية كما يقول الفلاسفة. فنحن حينما نقول الخزف الإسلامي نعني به، في آن واحد، الخزف الذي وجد في الهند الإسلامية أو في آسيا الوسطى أو بفارس أو في العراق أو في المغرب أوفي الأندلس على اختلاف أشكاله وألوانه وجودته، وإذا قلنا إن النسبة عرضية فنعني بذلك أنها تاريخية لأن التاريخ يعني، في أساسه، احتكاك الجواهر بالأعراض.

فإذاانتقلنا إلى الهندسة المعمارية، ننتهي إلى نفس الملاحظات. فالإسلام لم يحث المسلمين على لون خاص في الهندسة، بل ترك لهم كامل الحرية في هذا الشأن. لكن، كثيراً ما نصادفعبارة ((الهندسة المعمارية الإسلامية) في كتب التاريخ. وهي لا تعني أي تناقض. وإنما تعني اختيارات فنية سار فيها المسلمون منذ نشأة حضارتهم واستحكمت مع طول الزمان. وهذهالاختيارات ليس لها ارتباط بالإسلام بقدر ما لها من ارتباط بذوق المسلمين وميولهم كبشر.

فالبيت الإسلامي، مثلاً، من الكوخ المتواضع إلى القصر الشامخ لا يوجد أيتوجيه في شأنه بالنسبة للنصوص الإسلامية الأساسية ولهذا فهو يختلف من الشرق إلى الغرب، من حيث التصميم والزخرفة والهندسة ويتنوع تبعاً للمناخ ولطبيعة البلاد. ورغمالتنوع والاختلاف سمي إسلامياً لأن المسلمين سكنوه، لا لأنه يرتبط جوهرياً بالإسلام. وكذلك الشأن في المسجد الذي ليس مفروضاً فيه إلا احترام وجهة القبلة، باعتبارالتعاليم الإسلامية. فالمحراب الذي يقف فيه الإمام ويصلي الناس خلفه، يجب أن يكون مواجهاً للقبلة. وفيما عدا هذا الشرط البسيط ليس هناك أي تقييد فيما يخص هندسة المسجد،بحيث تبقى كامل الحرية للمهندس وصاحب الزخرفة والبناء في إنجاز عملهم حسبما توحي به لهم قريحتهم الفنية.

والملاحظ في تاريخ الفن الإسلامي أن أصحاب المعمار لميستثمروا حريتهم، فيبتكروا أشكالاً وأساليب مختلفة، بل ظلوا في الغالب، أولياء للنماذج الأولى، النماذج الكلاسيكية، مما جعل عامة المسلمين يضفون على تلك النماذج صبغةالقداسة، ويعتقدون أن الخروج عنها فيه نوع من البدعة. وهذا ليس بصحيح. فإذا رأوا مهندساً أو فناناً يخرج عن المألوف ويحاول أن يبتكر ويجدد، قابلوا عمله بنوع من التحفظ.والجمود الذي عانى منه الفن الإسلامي، في عصور الانحطاط، بالخصوص، يرجع إلى هذه الموقف وهاته العقلية. وفي عصرنا هذا رأينا أساليب هندسية عصرية تستعمل في إعادة بناء بيتالله الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة، فقوبل ذلك بالاستحسان ولم يثر المشروع الجريء الذي غير المعالم السابقة رأساً على عقب أي احتجاج، ولم ينسبه أي عالم للبدعةلسبب بسيط وهو أنه ليس هنالك أي ارتباط عضوي بين أي شكل من أشكال الهندسة المعمارية والإسلام. بل إن الإسلام يرحب بها جميعاً، ويعتبرها من الشؤون الدنيوية التي ترجعلأرباب الفن والخبرة.

وبالجملة، فمثال الهندسة المعمارية الإسلامية يبين لنا، بكل وضوح، المراد من النسبة الإسلامية. فهي نسبة لا تتصل بالجوهر، وإنما هي نسبةتاريخية تحكمت فيها ظروف وأحداث. فالصورة التي تبرز لنا بها تلك الهندسة ليس لها صبغة حتمية، بل كان من الممكن أن تبرز على أشكال أخرى، دون أن نجد في ذلك أي تناقض أو نشاز.

معنى ذلك أننا إذا أردنا أن نعرف الثقافة الإسلامية، أو بالأحرى قواعد الثقافة الإسلامية، يجب أن نعود إلى التصور الأول، التصور الأساسي، الذي يحصرها في تراث محدودومعروف، الكتاب والسنة. والموضوع الذي نعرض له الآن ليس جديداً. فقد أثير منذ بداية الخوض في العقيدة الإسلامية والشروع في وضع العلوم الإسلامية. فقد اختلفت الآراء فيعدد من القضايا وظهرت فرق وقام جدال في المجتمع الإسلامي، ابتداء من القرن الأول للهجرة. وكان للفكر اليوناني والفارسي والهندي ولمذاهب الغنوصية تأثيرها في النقاشالقائم، مما جعل عدداً من العلماء المسلمين يبحثون عن المعايير التي تمكنهم من التمييز بين ما هو إسلامي وما هو غير إسلامي، فانتهوا إلى المبدأ الذي يجعل الارتباطبالأصول هو المعيار الذي لا يقبل الجدال. فكان أصحاب هذا الموقف هم مؤسسي مذهب السنة والجماعة. فالمناهج الذي اتخذوه هو الذي يجيب، بالضبط، على السؤال المطروح: ما هي أصولالثقافة الإسلامية؟ ويكفي أن نأخذ فكرة عن المجهود الذي بذلوه ليتضح لنا الاتجاه الذي ساروا فيه.

فهم، حينما عرضوا لتفسير القرآن، حاولوا جهد المستطاع أن يكتشفوا ماأثر عن النبي (ص) وعن صحابته من أقوال وتوضيحات عن مختلف الآيات القرآنية، وظلوا على العموم، مسايرين للنصوص، في معانيها اللغوية، فلم يميزوا بين ظاهر وباطن كما فعلتمذاهب أخرى ولم يغرقوا في التأويل، وربطوا بين الآيات وأسباب نزولها. ويعتبر تفسير الطبري ((جامع البيان)) خلاصة لهذا المجهود العلمي الضخم. وفيما يخص جمع السنة النبويةاتخذوا منهاجاً نقدياً مدققاً وصارماً مبنياً على غربلة الروايات المختلفة ما بين شفوية ومكتوبة وترتيبها حسب درجتها في الصحة. فظهرت كتب الحديث المشهورة وكتب السيرةوالطبقات المبنية على التحقيق والتوثيق. وتظافرت الجهود في هذا الشأن وساهم العديد من العلماء في الميدان مما جعل الحصيلة تقدم، في النهاية، أكثر ما يمكن من الضمانات.بحيث يجد الباحث، اليوم، أمامه مجموعة من النصوص التي وقع الإجماع على صحتها، فتكون إلى جانب القرآن الكريم الأساس الذي يستند إليه الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية.

فإذا أردنا أن نعرف اتجاه الإسلام في الميدان الفكري والثقافي، يجب علينا أن نقف عند هاته الأصول ونعيد قراءتها بكل تركيز وتعمق، ونخلصها من كل ما لصق بها أو خالطهامن عناصر دخيلة. وإذا كان هذا الاحتياط ضرورياً في كل عصر وآن، فإنه أشد ضرورة في وقتنا هذا، غذ طغت عادة التأويل، وتحكم الاختيار الإيديولوجي في توجيه الأفهام. فهنالكمَن يرى فيا لإسلام أساس الديمقراطية الحديثة، وهنالك مَن يرى فيه جانب السلطة القوية، وهنالك مَن يكتشف فيه دعوة اشتراكية الخ. وقبل الوصول إلى استنتاجات وأحكام من هذاالنوع، يجب التعرف على الإسلام من خلال نصوصه.

فمن دون شك أننا سنكتشف للإسلام وجهاً خاصاً به، يميزه عن كل المذاهب والإيديولوجيات العصرية، سيما إذا اعتبرنا أن هاتهالأخيرة تضع نفسها في حدود العالم المحسوس وفي إطار الفعالية داخل الدائرة التي يستطيع العقل البشري أن يتحكم فيها، في حين أن الإسلام يتميز بشمولية تجمع بين عالمالمحسوس وما وراء الطبيعة، بين الشهادة والغيب، وتطلب من المؤمن أن يضعهما كليهما في نفس الاعتبار وأن يعمل للثاني عما يعمل للأول: ((عمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمللآخرتك كأنك تموت غداً)). فهو لا ينفي طاقة العقل البشري، ويعتمد عليها كقوة تساعد الإنسان على الإدراك والتصور والاستدلال، كما تشهد على ذلك الآيات القرآنية، لكنه لايعتبرها طاقة مطلقة لا حدود لها، لأن العقل البشري يقف في مستوى معين لا يتجاوزه ((وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)).

فالموازنة في ضمير الإنسان بين الدنيا والآخرة توحيإليه بسلوك متوازن، فلا يتكالب على الأولى بشرهٍ ونهم حتى يقع في مهاوي الأنانية والاحتكار والرأسمالية، ولا يقف نفسه على الثانية فينسى كل شيء ويتخلى عن الكد ويسقط فيمساوئ الإهمال والحرمان، فهاته الموازنة بين الدنيا والآخرة تعطي للأخلاق دورها وللقيم وضوحها وللمبادئ رسوخها وقوتها فتلتقي مع فكرة ((الأمة الوسط)) التي نعت بهاالقرآن الكريم الأمة الإسلامية.

وموضوع من هاته الأهمية يستحيل معالجته في مقال قصير وإنما كان قصدي أن أبين أن الفكر الإسلامي له خصوصيته وطرافته التي يجب البحثعنها والمحافظة عليها، بعيداً عن كل تساهل في التشبيه والمقارنة، ويجب النظر إليه ككل، كنسق واحد، لا يمكن الفصل بين أجزائه دون المساس بروحه وغائيته.

وفي معالجة هذاالموضوع الأساسي، يمكننا أن نقول إن علماء السنة انقسموا إلى طائفتين:

1 ـ طائفة وقفت عند النصوص في ظاهرها فتتبعتها في منعرجاتها وتفاصيلها، مقتصدة ي مجهود التركيبوالتنسيق. وهذا ما نجده لدى عدد من المفسرين والمحدثين الذين يلقون هذه التبعية على عاتق القارئ المؤمن، وهذا هو موقف الأكثرية منهم.

2 ـ طائفة تعمقت أكثر في دراسةالنصوص فحاولت أن تقدم عن الإسلام صورة متناسقة وشاملة رابطة بين الأصول والفروع والمبادئ والغايات في بناء واضح المعالم والقسمات. وهو ما نلمسه لدى بعض المفكرين الكبارمثل الغزالي وابن عربي وابن حزم وعدد من أقطاب الصوفية. فهؤلاء اهتموا بالكشف عن ((روح)) الإسلام أي حاولوا أن يتجاوزوا التعاليم الفرعية الخاصة بالعبادات والمعاملات إلىالكشف عن حكمة الإسلام ومقاصده. وهو ما جعلهم يتعرضون للانتقاد، بل والاستنكار.

لكن دور هؤلاء العلماء المفكرين في المحافظة على الإسلام والدفاع عنه وإبراز مزاياهمهم جداً ولا يمكن تقديره، لأنهم يقربون الدين من مدارك الإنسان ومن شعوره ومن حياته اليومية بما فيها من نعيم وبؤس. وقد سُمّي الغزالي حجة الإسلام لأنه عرف كيف يربط بينالإسلام والعقل البشري بمنهاج يجمع بين الحدس والعقل ويرتكز على منطق واضح قوي في استدلاله. فالإنسان، حين يرتفع إلى مستوى من الإدراك والوعي، في حاجة إلى أسلوب الخطابالفلسفي وهو ما التجأ إليه الغزالي، الذي له مكانه المتميز بين الفلاسفة المسلمين.

وعلى هذا النهج قامت السلفية في العصر الحديث على يد جمال الدين الأفغاني ومحمدعبده، لتقدم صورة مجددة عن مقاصد الدعوة الإسلامية وارتباطها بالحضارة والتقدم العلمي وتحرير الإنسان. فقد أعاد أصحاب هاته المدرسة قراءة القرآن والحديث، على ضوءالتطورات التي دخلت على العالم المعاصر، واعتباراً للتدهور العام الذي أصاب المسلمين في مختلف أقطارهم. فخرجوا برؤية جديدة تختلف عن مواقف الجمود والتعصب التي سيطرتعلى علماء المسلمين في العصور المتأخرة، وأبرزوا أن الإسلام مع النهوض والتطور أي أنه يرحب بكل المكاسب الإيجابية التي تمخضت عنها الحضارة الحديثة.

فالخدمة الكبيرةالتي قدمتها المدرسة السلفية للمجتمعات الإسلامية هي أنها جعلتها تحتضن التطور وتقتبس كثيراً من مظاهر التقدم عن الدول الأوربية التي هي غير مسلمة، دون أن تشعر بتناقضأو تحرج أو انحراف عن الإسلام. ولا نحتاج إلى التذكير بأن تيار العالمية والمعاصرة وتأثير العالم المتقدم على العالم المتخلف ما كانا ليتركا لأي دولة أن تعيش منزويةومتجاهلة لما يجري حواليها.

لكن المشكلة التي تظل مطروحة بالنسبة للمجتمع الإسلامي تكمن في تقييم الاتجاه الذي يسير فيه ذلك التيار: هل يزكيه مسبقاً ويتبناه كمثلأعلى ويحاول ربطه بالتعاليم الإسلامية عن طريق التساهل في التأويل، كما يقع كثيراً؟ نحن نعلم أن التطور الذي سار فيه العالم المعاصر في كل الجهات المتقدمة يطرح عدةمشاكل اجتماعية ونفسية وأخلاقية. والمتتبعون لأخبار البلاد ((المتقدمة)) في أوربا وأمريكا يعرفون الأزمات التي تمر منها ويطلعون يومياً على ما يجري فيها من فضائح وجرائمشنيعة. وأكبر فلاسفتها ومفكريها المعاصرين حكموا عليها بالإفلاس.

صحيح أن الحضارة الحديثة حققت عدة مكاسب بالنسبة للإنسان على المستوى العلمي والمادي والسياسي.ولكن المثل الأعلى الذي تتجه إليه هو: مجتمع الاستهلاك أي المجتمع الذي يغري الإنسان بالتجاوب مع رغباته ومداعبة غرائزه وتخدير فكره بالرفاهية المصطنعة. فهو مجتمع يغاليفي فكرة الاستمتاع والتنعم، فيبتعد حينئذ عن ((التوسط)) الذي دعا إليه الإسلام، ضامناً له تحرره من كل العبوديات البارزة والمقنعة، بحيث أن الاستهلاك ليس شراً في حد ذاته،إذا لم يتجاوز الحدود المعقولة فيسد أمام الإنسان مدارج الحياة الرفيعة، ويحجب عنه الآفاق البعيدة ويقيده في دوامة الرغبات والحاجات اليومية، جاعلاً منها جوهر الحياةوبذلك يغلقه في عبودية لا يشعر بوطأتها لأنها تنطوي على نوع من التخدير.

وإذن، فالتعامل مع تيار العالمية والمعاصرة والتقدم لا يمكن أن يكون على أساس الاستسلاماللامشروط، إذا حاولنا أن نطبق الدعوة الإسلامية تطبيقاً صحيحاً. فالمشروع الذي أتى به الإسلام، دون أن يرفض أي مكسب إيجابي في الحضارة المعاصرة، يقدم في نفس الوقت مايقوّم اعوجاجها ويعود بالإنسان إلى طريق التحرر من متاهات الأوهات والتخدير وما يكمن خلفها من عبوديات. إنه مشروع مجتمع جديد ما زال المسلمون بعيدين عن إقامته، لأنهيتطلب كثيراً من الدرس والتهيئ والتخطيط.

فهو، في خاتمة المطاف، مجهود يتجه للمزيد من استكشاف ينابيع الثقافة الإسلامية ومضامينها، على ضوء التجارب التي مرت منهاالإنسانية والقضايا الجديدة التي طرحت على الإنسان في هذا العصر. مما يقتضي إعادة لقراءة القرآن ودراسة السنة. وهو الاستنتاج الذي ينتهي إليه عدد من المفكرين المسلمينالمعاصرين، وكأنهم ينتهون إلى الاقتناع بأن المجهود الذي بذله الأجداد في هذا الصدد لم يعد كافياً ولا وافياً بحاجتنا الراهنة.

المصدر : مجلة الاسلام اليوم /العدد 3/1985م

/ 1