الحضور الإيراني في بلاط سيف الدولة الحمداني - حضور الایرانی فی بلاط سیف الدولة الحمدانی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حضور الایرانی فی بلاط سیف الدولة الحمدانی - نسخه متنی

بتول مشکین فام

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید











الحضور الإيراني في بلاط سيف الدولة الحمداني


الدكتورة بتول مشكين فام



مَنَّ اللّه‏ُ علي العرب والإيرانيين إذ جعلهم أمة واحدة لا تفصل بينها حدود جغرافية ولا يميّز بين أبنائها لغة أو أصل أو لون. وكانت هذه الأمة كلّها متشاركة في الآلام والآمال، ومتعاطفة ومتواسية حين يشتد الخَطْبُ، ومتفاعلة ثقافياً وعلمياً وفكرياً، حتي لا تري عالِماً من عُلَمائِها أو أديباً من أُدَبائها إلاّ وهو متأثّر بغيره من أصقاع العالم الإسلامي.


وتشكل حلب سيف الدولة واحدة من أبرز بقاع هذا التلاحم الرائع للأمة الإسلامية، وفي هذا البحث أُسلّط الضوء علي الحضور الإيراني في بلاط سيف الدولة في حقل الدفاع المشترك وفي حقل التفاعل الثقافي وهو حضور يعتبر نموذجاً جيداً لهذا التلاحم.


الدفاع المشترك:


من مظاهر التلاحم تواكُب الإيرانيين وبخاصة من خراسان علي حلب، وتوافد الآلاف من جنودهم مجهزة بالسلاح بين فرسانٍ ورجالةٍ علي الثغور الإسلامية للإنضمام إلي الجيوش الحمدانيّة المسلمة وللدفاع عن ثغور المسلمين أمام هجمات الصليبية.


بدأت القوات الخراسانية ـ وبغض النظر عن الحواجز الجغرافية والعنصرية والمذهبية ـ تتدفق علي حلب، وفي أحرج الظروف منذ سنة 352 الهجرية واستمر إرسال النجدات من خراسان حتي سنة وفاة سيف الدولة 356 الهجرية وأخذت هذه القوات الإيرانية ـ ومن منطلقٍ إسلامي بحتٍ ـ تدافع عن سيف الدولة العربيّ وقواته المقاتلة في الثغور، وتدفع عن المسلمين الخطر الصليبيّ الغاشم.


في المصادر التاريخية، تُطالعنا روايات، تؤكد علي تواجد الجموع الخراسانيّة في حلب سنة 352 الهجرية تريد الدفاع عن الحمدانيين تجاه غارات الصليبية. التقت هذه الجموع بسيف الدولة، وكان مريضاً، فطلب منهم الرجوع لشدة الغلاء والوباء في المصيصة وطرسوس فرجعوا.


في سنة 353 الهجرية وصلت إلي حلب جموعٌ من القوات الخراسانيّة في نحو خمسة آلاف، وصاروا في ركب سيف الدولة، فمضوا إلي المصيصة للجهاد، ولكنّهم وجدوا جيش الروم قد انصرف عنها، وتفرّقت جموع الخراسانيين لشدة الغلاء في الثغور بحلب، ورجع أكثرهم إلي بغداد وعادوا إلي خراسان.


وفي سنة 355 ـ 356 ه·· قطعت القوات الإيرانية ـ وللمرة الثالثة ـ مسافات طويلة بين خراسان وحلب، وجاءت لتخدم المصالح الإسلامية والأمة المتورطة بعدوٍ ينال من عزتها وشرفها وشرف أهلها.


وفي هذه المرة غزت القوات الخراسانية مع لؤلؤ الجرّاحي من أنطاكية إلي ناحية المصيصة، فالتقاهم ثلاثة آلاف فارس من الصليبيين، فنصر اللّه‏ هذه القوات، وقتلوا ألفاً من الجيوش الصليبيّة، وأسّروا جماعة منهم، وعادوا بالغنائم إلي أنطاكية، ورواية تجارب الأمم تنص علي دفاع الإيرانيين المستميت عن الثغور الإسلاميّة، وسقوط عدد كبير منهم شهداء إلي جوار إخوانهم المسلمين من العرب.


وعند دراسة حياة الأمير أبي فراس الحمدانيّ وما عاناه في الأسر تستوقفنا رواية أخري وأبيات شعرية لتؤكّد علي علاقة الحمدانيين بأبناء الأمة المسلمة في خراسان، فيُروي أنّ سيف الدولة بلغه أنّ بعض أسري

المسلمين عند الروم قالوا:


«إن ثَقُلَ علي الأمير دفع فدية الأسري كاتبنا بهذا الأمر صاحب خراسان».


ويُروي: أنّ سيف الدولة اتّهم ابن عمه أبا فراس الحمداني بهذا القول وقال: ومن أين يعرفه صاحب خراسان؟ فأنشد أبو فراس قصيدة يعاتب فيها سيف الدولة، ويشير إلي خراسان الّتي كانت آنذاك في عون الأمير الحمدانيّ، وصارت مطمح الأسري ورجاءهم لأمر الفداء أيضاً فيقول:





  • فإنَّ خُراسانَ إنْ أَنكرَتْ
    ومن أينَ يُنكرني الأَبعدونَ
    أمِنْ نَقْصِ جَدٍّ أمِنْ نَقْصِ أَبْ



  • عُلايَ، فَقَدْ عَرَفَتْها حَلَبْ
    أمِنْ نَقْصِ جَدٍّ أمِنْ نَقْصِ أَبْ
    أمِنْ نَقْصِ جَدٍّ أمِنْ نَقْصِ أَبْ



وفي ديوان الخطيب ابن نباتة، خطبة، يذكر فيها موافاة الجيوش الخراسانية التي يقول عنها: أنها كانت في أحسن ما يكون من العُدة والأجهزة التي لم يرَ مثلها، وأنها وفدت إبتغاء وجه ذي الجلال والتماساً للشرف الأكبر يوم المآل. ويتطرق إلي ما عاناه الخراسانيون في طريق وصولهم إلي حلب.


الأدباء الإيرانيون في البلاط الحمداني:


انتعشت العلوم والثقافة في حلب وسائر بلاد الشام، وفاقت حركة الثقافة والأدب علي عهد سيف الدولة نظيراتها في مصر والعراق، فصار المجتمع الثقافي والعلمي مفعماً بكل أسباب النماء العلمي والنتاج العقلي والتطور الأدبي، ثريّاً بكوكبة عظيمة من العلماء والكتّاب والشعراء، العرب منهم والإيرانيون الذين اعتلي بعضهم قمة الشهرة وذروة المجد، وأسدوا إلي التراث الإسلامي بإسهامهم المحمود في مسيرة الأدب العربي وتطويره.


جدير بالذكر أن القصور الحلبيّة كانت مزخرفة بأبيات مختارة لأعاظم الشعراء بأحرف فارسية بديعة مما تدل علي أن الأمير العربي كان معجباً أيما إعجاب بالخطوط الفارسية وفنون شريك العرب الحضاري، وذلك بغض النظر عن الفوارق اللغوية والمذهبية والعنصرية وبدافع عظيم منه للمثاقفة والتبادل الفني.


ومن أهم العوامل التي ساعدت علي إثراء الثقافة الإسلامية وآدابها في حلب، إهتمام الأمير الحمداني، بالأدباء والعلماء، فقد كان سيف الدولة أديباً، ذا ذوق وقدرة علي فهم الأدب، تتلمذ لدي أدباء كبار، ومؤلفين عظام في ذلك العصر، منهم الأديب الفارسي واللغوي، النحوي الإيراني ابن خالويه، وأبو بكر الصولي الذي يقول عن سيف الدولة أنه قرأ عليه علماً كثيراً، وكان ملازماً له في حداثته وتؤكد الروايات علي أن سيف الدولة لا يفتأ يُنمي ثقافته، وما كان ينقطع عن الاطلاع والقراءة، بل كان ينتهز جميع الفرص حتي فترات ما بين المعارك، فينصرف فيها إلي تزويد عقله وفكره بالقراءة والاستيعاب.


كان سيف الدولة راعياً عظيماً للعلوم والآداب والفنون مما جعل حلب عاصمته كعبة للقصاد من الفلاسفة الإيرانيين أمثال الفارابي المعلم الثاني، أكبر فلاسفة المسلمين، الذي تخرّج بتآليفه أبو علي ابن سينا، ويقال إنه حقق كتاب أرسطاطاليس وكتب عنه في شرحه سبعون سفراً، ولم يكن في وقته مثله ولم يكن أحد أبصر منه في هذا الفن.


أقام الفارابي في كنف سيف الدولة لا يأخذ منه من المال إلاّ ما يسد رمقه (أربعة دراهم في اليوم) لأنه كان يقتصر علي القناعة، ولا يحتفل بأمر مكسب ولا مسكن. وأخذ يُعلم طلابه ويكتب كتبه في المنطق والإلهيات ومباحث ما بعد الطبيعة فبلغت مؤلفاته المائة.


أنِسَ الفارابي بلُقيا سيف الدولة، كما أنِسَ الأمير العربي بلُقيا هذا الفيلسوف الإيراني الذي لم تمنعه شيخوخته وهو في الثمانين من عمره أن يصحبه في إحدي غزواته إلي دمشق سنة 339 الهجرية وكأنما هذا السفر الطويل قد أنهك قوي الشيخ الجليل فلم يكد يصل إلي دمشق حتي وافته منيّته، فحزن عليه الأمير الحمداني حُزناً عميقاً، ولمكانة هذا العالم الإيراني عند سيف الدولة صلّي بنفسه عليه في أربعة من خواصه.


ومن الأدباء الإيرانيين الذين قصدوا سيف الدولة، ابن خالويه، ولد هذا العالم في همذان، ثم استقر به المقام في حلب، وصار بها أحد أفراد الدهر في كل قسم من أقسام الأدب والعلم، وكانت إليه الرحلة من الآفاق، وآل حمدان يكرمونه ويدرسون عليه، وذلك ليضموا علوم الإيرانيين الوافدين إلي علومهم العربية والتقليدية ويستوعبوا آدابهم الجمّة.


أ لّف ابن خالويه كتباً كثيرة في مجال اللغة والنحو، منها كتاب «لَيْس» الذي يدل علي إطلاع هذا العالم الإيراني العظيم، فإن هذا الكتاب مبني من أوله إلي آخره علي أنه لَيْسَ في كلام العرب كذا ولَيْسَ كذا.


ساهم ابن خالويه مساهمة كبيرة في تنشيط حركة العلم والنقد بحلب، وتربي علي يديه ثُلّة من الطلاّب، تخرج منهم قارئ كبير وهو أبو الطيب عبدالمنعم بن غلبون الحلبي المتوفي سنة 389 الهجرية، وله كتاب «الإرشاد في القراءات السبع».


خاض ابن خالويه في قصور الأمير أبي فراس مناظرات نقدية، اتصف بعضها بالحدة ضد المتنبي وابن جني. وخلافاً لزعم بعض المؤلفين لم يجر الطرفان وراء الدوافع القومية في هذه المناظرات، ولم تكن هذه الأفكار في الحسبان، بل شكل ابن خالويه الفارسي مع الأمير العربي أبي فراس جبهة أدبية، خاضا فيها مباحث نقدية مع المتنبي وأنصاره ساعدت علي انتعاش الأدب والذوق الرفيع عند الشعراء والأدباء في القرن الرابع والقرون التي تلته. وربما التحاسد والتغاير علي قرب المنزلة من سيف الدولة وعدم تقدير المتنبي لعلم ابن خالويه التقدير الجليل كانا من دوافع الطرفين لخوض هذه المجالس الأدبية ـ النقدية.


ويقصد عالم إيراني آخر وهو علي بن عبدالعزيز الجرجاني بلاط راعي الأدب، الأمير العربي سيف الدولة، ليوثّق التواصل الثقافي بين العرب والإيرانيين، ويزيد لبنة إلي صرح الحضارة الإسلامية، فيفيد علماءها وأدباءها ويتأثر بحصيلة علومهم وآدابهم.


تأثر الجرجاني بالبيئة الأدبية في حلب كما يخبرنا الثعالبي بقوله: «وممن خرّجته تلك البلاد وأخرجته وكلامه مقبول محبوب، آخذ بمجاميع القلوب القاضي أبو الحسين علي بن عبدالعزيز الجرجاني، فإنه جني ثمارها واستصحب أنوارها حتي ارتقي إلي المحل العلي وتطبع بطبع البحتري.


استعان الجرجاني بما أخذه من الآمدي والصولي ليؤلف كتاباً، رادّاً فيه علي الوزير البويهي الصاحب بن عباد، ومتوسطاً بين المتنبي وخصومه، وذلك بنقد منهجي وموضوعية نقدية، أحسن فيها الجمع بين الآراء النظرية والعرض التطبيقي، واستبدل موازنة الآمدي بالمقايسة، فتحري الإنصاف وقاس الشعراء علي ما كان في تاريخ الشعر والشعراء فلم يستهجن خطأهم ولم يفرد عيوب الشعراء أو حسناتهم بالتمييز.


اتخذ الجرجاني تجاه المتنبي موقفاً ثالثاً، فلم يرفعه إلي درجة العصمة ولم ينف عنه كل فضل، بل وضع الأشياء في نصابها، وعلل الأمور تعليلاً منطقياً مبرراً، وأظهر الحسنات والإيجابيات من جهة، وبيّن الهفوات والسلبيات من جهة أخري.


وقف الجرجاني أمام القضايا المختلفة في كتابه «الوساطة بين المتنبي وخصومه» وقفة واضحة، ففتح في ذلك العصر أمام النقد العربي منافذ جديدة، أخذ النقاد القادمون يهتدون بها من بعده.


ومن الأدباء الإيرانيين الذين وفدوا علي حلب واستوطنوها أبو الطيب اللغوي تابع هذا العالم الإيراني في هذه المدينة توسّعه في العلم، ثم اتصل ببلاط سيف الدولة ووقف بجانب المتنبي وابن جني في وجه ابن خالويه وأنصاره. وفي حلب عُرف هذا الأديب بلقب اللغوي الحلبي، ولمكانته العلمية الأدبية العظيمة لُقّب هذا الإيراني ب·· (حجة العرب) .


ومن الأدباء الإيرانيين الكبار الذين وفدوا علي سيف الدولة أبو علي الفارسي المولود بمدينة فسا سنة 288 الهجرية.


كان أبو علي الفارسي إمام وقته في العلم، دَرَسَ عليه الشريفان الرضي والمرتضي، وعن مكانته العلمية قال عضد الدولة: «أنا غلام أبي علي الفسوي في النحو».


دخل أبو علي الفسوي حلب في سنة 341 الهجرية، ومعه تلميذه ابن جني الذي شغف به حباً، ولازمه أربعين سنة ولم يترك حلقته العلمية حتي تمهّر.


أملي الفارسي في حلب «المسائل الحلبيات» علي طلبة العلم. وكانت له مع المتنبي مساجلات ومجالس، ولم تكن العلاقة بينهما علي ما يرام، ولم تتحسن إلاّ في آخر حياة المتنبي عندما التقيا بشيراز لدي عضد الدولة. وساعد حضوره في البلاد العربية ولا سيما حلب علي انتعاش الأدب ورونقه، وتربية ثُلّة من الأدباء والعلماء، منهم إمام العلوم العربية ابن جني، الذي أتاحت له رفقته بهذا الأستاذ الكبير أن يتعرّف في بلاط سيف الدولة علي المتنبي وأن تنعقد بينهما صداقة رفيعة، فيشرح ديوانه، وأتاحت له تلك الرفقة أيضاً أن يحظي برعاية البويهيين، وأن تعلو مكانته عندهم، وقد خلّف أستاذه في التدريس ببغداد حين لبي نداء ربه.


ألف ابن جني «اللمع في العربية»، جمعه من كلام شيخه الفارسي، وأفاد في كتابه المشهور ـ الخصائص ـ من ملاحظات أستاذه الفارسي، وسجّل كل خواطره ولفتاته النحوية والصرفية، وهي لفتات وخواطر اندفع ينميها ويضيف إليها من عقله الخصب النادر ما جعله يتقن ظواهر التصريف والنحو علماً وفقهاً وتأويلاً وتحليلاً، بل ما صيّره. كما يقول الثعالبي القطب في لسان العرب، وصاحب الرياسة في الأدب.


وفي أواسط القرن الرابع غادر الأديب الإيراني أبو بكر الخوارزمي بغداد متوجهاً إلي حلب فأقام بها وتأثَّر ببيئتها الثقافية كما صرّح بذلك في قوله: «ما فتق قلبي وشحذ فهمي، وصقل ذهني وأرهف حدّ لساني، وبلغ هذا المبلغ بي إلاّ تلك الطرائف الشامية، واللطائف الحلبية التي علقت بحفظي، وامتزجت بأجزاء نفسي وغصن الشباب رطيب، ورداء الحداثة قشيب».


شارك الخوارمي في ندوات سيف الدولة العلمية، ونهل من علم أقطابها العظام، وتركت هذه المجالس أثرها في حياته، حتي أنه كان يتذكرها ويحنّ إليها ويتحسر عليها، فقد سُلبت تلك الأيام سلباً ونُزعت من يديه غصباً، فكأنه يقطع تلك الفترة وثباً.


وفي بلاط الحمدانيين درس الخوارزمي شعر المتنبي، وتدبّر معانيه، وقد نقل عنه تلميذه الثعالبي فصلاً كاملاً في اليتيمة، يتضح من خلاله، تأثر الخوارزمي البالغ بالمتنبي.


اتّصل الخوارزمي في بلاط سيف الدولة بابن خالويه والشمشاطي والبكتمري، والعجلي والناشئ الأصغر، والخليع الشامي، والوأواء الدمشقي، والتلعفري، والنحوي الرقي. فكانوا يُنشدون أشعارهم له، فيحفظ ما شاء منها وما يتذوقه، فيرويها في مجالس درسه بنيسابور، وبلغ به الأمر أنّه انفرد من بين علماء نيسابور برواية أشعار بعض الشعراء الحمدانيين كأبي طالب الرقي.


ومن الأدباء الإيرانيين الذين كانوا علي ارتباط بالبلاط الحمداني، أبو الفرج الأصفهاني. أهدي أبو الفرج كتابه المشهور ـ الأغاني ـ إلي سيف الدولة، فأعطاه ألف دينار واعتذر إليه ورغم ما أخذه البعض علي الأمير هذا العطاء المحدود، إلاّ إن هذا الكتاب نال إعجاب الباحثين والمؤلفين الحمدانيين في حلب، فأخذوا يروون أخباره كما فعل ذلك الأديبان علي بن دينار ومحمد بن أحمد المغربيّ.


استنتاج:


1 ـ عاش الحمدانيون والإيرانيون في القرن الرابع الهجري في ظل أخوّة الإسلام والتاريخ والأدب، رغم بُعد الحدود الجغرافية وتنوع الأعراق، لم تحُل الحساسيات العرقية والمذهبية واللغوية دون لقاء أبناء الأمة في إيران وبلاد الحمدانيين.


2 ـ حقق الإيرانيون والحمدانيون ما نطمح إليه اليوم، فكأن الفواصل الجغرافية واللغوية والثقافية بينهما قد زالت، وكأن العالم الإسلامي آنذاك صار تلك القرية الصغيرة التي نرجو الحياة فيها، ونتمني أن تربط أبناءها أواصر ثقافية وثقي، ويتبادل أصحابها المعلومات، ويتعرّف بعضهم علي البعض الآخر، ويتعاون أبناؤها ويتعاضدون علي أساس الإيمان والتقوي، بغض النظر عن النزعات الطائفية والقومية التي تنخر عروتها الوثقي.


3 ـ كان المسلمون في القرن الرابع علي وعي سياسي ـ ثقافي كبير، تبلور في مواقف كشفوا من خلالها عن روح دفاعية مشتركة وغيرة إسلامية مدهشة، فتحركت قواتها من أقصي شرق العالم الإسلامي لتدافع عن إخوانها العرب، وهذا هو مظهر الحياة فيها، إذا اشتكي منه عضو تداعي سائر الجسد بالسهر والحمي.. فأين نحن من هذه الحالة التي كانت سائدة في القرن الرابع الهجري؟ أيحدث مثل هذا (التداعي) في عالمنا الإسلامي اليوم بعد عشرة قرون مضت علي تلك الحياة الإسلامية.


4 ـ لم تكن ثمة حساسيات عنصرية تسود المناقشات النقدية في البلاط الحمداني، فهناك أديب إيراني يخالف المتنبي، والآخر يدافع عنه، ويأتي ثالث ليتوسط ويؤلف كتاباً راداً فيه علي الوزير الإيراني دفاعاً عن المتنبي. وإيراني يدرِّس الأمير العربي وأبناءه وآخر يملي مسائله الحلبية وثالث يعلّم أبناء حلب دون أن يحتفل بمكسب وأمر مسكن. وإيراني يؤلف مصنفات يقوّم بها لسان أبناء الأمة العربية، وآخر يرضي بملازمة ابن جني له ليسجل آراءه وتعليلاته ويثريها. حدث كل ذلك في ظل أمير عربي مسلم يرعي العلم والأدب ويستقطب كبار العلماء من أقصي العالم بسماحته وثقافته التي تقوم علي المثاقفة والتبادل الفكري والأدبي بين الأمة المسلمة.





























/ 1