قراءة القرآن بين التغني به وتحسين الصوت
د. زهير سليمان
الحديث في القرآن هو الحديث عن الكونوالحياة ,لكن الحديث عن القرآن هو وظيفة إسلامية وإنسانية يقتضي معها الإعتنداء بهذا الكتاب الخالد النقي المحفوظ , والسير في كنهه وجوهره , والحرص على آدابه المتعددة ,في قراءته , أو التعامل معه , أو التعريف به , أو دراسته , لاسيما حينما نعلم أنه الكتاب السماوي الخاتم للوحي , والمتضمن لب اللباب لما ينطوي عليه من أسرار وجواهر مكنونةرواء للصادي , وبلاغته التي اعجزت البلغاء عن الوصول اليها , وقصرت أقلام الأدباء عن بيان علو مقامه , وكيف وهو كتاب الله تعالى الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا منخلفه تنزيل من حكيم حميد ) بل إضافة الى تحديه للعرب وخبراء بلاغتهم انه امتاز على كل المعجزات بأنه باق حجة في كل زمان و مكان .
و لا غزو من الإعتناء الواقي والحرصالكبير على كتاب وصفه الأمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام , حينما سأله رجل , بقوله ' ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس الا غضاضة ؟
فقال عليهالسلام : لأن الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان , ولا لناس دون ناس , فهو في كل زمان جديد , وعند كل قوم غض الى يوم القيامة ' وكما تصفه الزهراء البتول سيدة نساءالعالمين ( ع ) ' كتاب بينه بصائره وآي منكشفة سرائره , وبرهان متجلية ظواهره , مديم للبرية استماعه , وقائد الى الرضوان اتباعه , ومؤد الى النجاة أشياعه .....'.
فكانالإعتناء بالقرآن من أول نزوله على نبي العرب والعجم ( ص ) حين أمر ' عليه وآله السلام ' أن يكتب , ويحفظ , ثم اعتناء أمير المؤمنين علي بالقرآن وانشغاله بجمعه وعمل حاشية لهبالتبيان لبعض موارده .ولذا يقول عليه السلام , في إحدى وصاياه ' إعلموا أن القرآن نور الليل المظلم على ما كان من جهد وفاقه '.ولذا فقد أعتنى المسلمون بجمعه حتى كان هذاالذي بين الدفتين من دون زيادة ولا نقصان , كما يعتقده أتباع مذهب أهل البيت ( ع ) ( الشيعة ) وقسم كبير من المسلمين الآخرين .
واعتني في تفسيره ونال هذا الجانب الدرجةالأولى بعد جمعه , حيث باشر في تفسيره الصحابة الأوائل كإبن عباس الذي ' نمى هذا الإستعداد في نفسه ملازمته للإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بعد انتقال الرسول الىالرفيق الأعلى و' علي ' كما نعلم باب هذا المنهل الفياض من علوم النبوة وواضع حجر الأساس في الحضارة الروحية الأسلامية ' ثم من تلاه من المفسرين , على أختلاف طبقاتهم ,وتباين آرائهم ومذاهبهم , سواء آثر جانب المنقول , واكتفى بما جاء في الحديث والتفسير بالأثر وكما فعل ابن جرير الطبري , والجلال السيوطي في الدر المنثور في التفسيربالمأثورة ' أو من انتهج مذهب الجدل والفلسفة كتفسير الفخر الرازي , أو من اعتنى بعلوم العربية وبلاغتها , أو من ذهب بالمناهج الفكرية او الفقهية , أو من جعل من تفسيرهدائرة معارف عامة شاملة ..الخ .
وكذلك اعتني بقراءة القرآن الكريم , وحفظه , وتجويده , وإظهاره بالمظهر اللائق , لأن القراءة الوسيلة الناجحة في فهم القرآن الكريم , حيثنص القرآن المجيد نفسه على ذلك , حيث يقول سبحانه _ الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته اولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون ).
وقوله جلت قدرته ( إن الذينيتلون كتاب الله واقاموا الصلاة وانفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور و ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ).
القرآن افضل العبادة
جاءعن نبي الرحمة كما في مجمع البيان أنه ( ص ) , قال : ' أفضل العبادة قراءة القرآن ' .
كما جاء عن الأمام أبي جعفر الباقر عليه السلام في صفات اتباع مذهب اهل البيت ( ع ) : ' إنماشيعة علي ( ع ) الناحلون , الشاحبون , الذابلون , ذابلة شفاههم من الصيام ....'
الى أن يقول ' كثيرة صلاتهم , كثيرة تلاوتهم للقرآن , يفرح الناس ويحزنون '.
بل كان المسلمونيتبارون بقراءة القرآن ويستشهدون فيه ويتحاجون عنده , ولا يقرأونه بالطريقة التي درج عليها المسلمون الان , فضلاً عمن لا يعرف قراءته , وكانوا يتشوقون اليه ويجلونهكثيراً ويستفتحون به , ويرافقونه دائماً , وينامون عليه ويصبحون فيه , شوقاً لمقامه وما يأملون به , حيث قال أبو عبد الله ( ع ) ' يدعى ابن آدم المؤمن أمامه للحساب فيتقدمالقرآن أمامه في أحسن صورة فيقول : يا رب أنا القرآن وهذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي , ويطيل ليله بترتيلي , وتفيض عيناه أذا تهجد فأرضه كما أرضاني.
قال :فيقول العزيز الجبار : عبدي أبسط يمينك فاملأها من رضوان الله , ويملأ شماله من رحمة الله , ثم يقال : هذه الجنة مباحة لك فاقرأ واصعد , فإذا قرأ آية صعد درجة '.
وهناكالكثير من الروايات الصحيحة السند والمعتبرة تشيد بقارىء القرآن , حتى لايكون القرآن مهجوراً مضيعاً ...كما فيه جوامع النعم , والخير , الحكمة , وهو البادىء بالحمد ,والثناء , والشكر لله الواحد الصمد .
القراءة بالصوت الحسن :
ومن الأمور المهمة التي أكدت عليها الشريعة المباركة هو استحباب قراءة القرآن الكريم بالصوت الحسن ,لإظهار عظمته واستذاقة فنه وكما كان يفعل الرسول ( ص ) والأئمة الأطهار من آله ( ص ) فقد ورد عن رسول الأنسانية محمد ( ص ) قوله ' اقرأوا القرآن بألحان العرب وأصواتها , وإياكمولحون اهل الفسق وأهل الكبائر ,
فإنه سيجيء م بعدي أقوام يرجعون القرآن ترجيع الغناء والنوح والرهبانية , لايجوز تراقيهم , قلوبهم مقلوبة وقلوب من يعجبه شأنهم '. كما جاء على لسان الرسول ( ص ) عن الأمام أبي عبد الله ( ع ) قال : قال النبي ( ص ) ' لكل شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن '.
وعن الأمام الصادق ( ع ) قال ' كان علي بن الحسين (ص ) أحسن الناس صوتاً بالقرآن وكان السقاؤون يمرون فيقفون ببابه يسمعون قراءته , كما كان أبو جعفر ( ع ) احسن الناس صوتاً.
ولم يقرأ المسلمون كتابهم قراءة المالين بل كماقال الرسول ( ص ) ' حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا'.
حرمة التغني بالقرآن :
لكن الحرمة العظمى لكتاب الله والمكانة المقدسة للقرآن المجيدتوجب رفع القرآن عن المقاصد السيئة غير اللائقة به , والتي لاتتناسب وكلام الله المجيد , سواء ما يتعلق بالآداب العامة او القراءة الغنائية , فقد ورد عن الخلف الصالح وماتعارفت عليه السنة المطهرة من حرمة الغناء , حتى وصفوه بقول الزور الذي ورد في القرآن الشريف .
وحيث أن ما يترتب عليه الغناء لا يجوز في خط القرآن الكريم , ولا في شكلقراءته ولا يناسب مقام كلام الله قط , لما يمتاز به هذا الكلام من العلو والرفعة , ثم الهدف المنشود فيه والنازل لأجله .
التعريف بالصوت الحسن وكذا الغناء :-
وقبلالولوج في الحديث عن الصوت الحسن وكذلك الغناء يمكن أن نعرف الأثنين , كما هو المتعارف عليه .
فتحسين الصوت يكون بتحسين اللفظ , والمكث عنده , وتقطيع التلاوة .نعمالتحسين هو ما يضاف على التجويد , من إصدار الصوت بما ينبغي من التفاعل مع الذكر الحكيم , لجلب نظر السامع وتوجيهه الى المعاني , بحيث يظهرالتأثير عليه علناً او ذاتاً فينفسه , فيحس بالجذب للقراءة , ويضاف الى ذلك ان يقرأ القرآن بالحزن كما ورد عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال ' إن القرآن نزل بالحزن فاقرأوه بالحزن '.
وقد جاء فيالكافي أيضاً عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ( ع ) قال : إن الله عز وجل أوحى الى موسى بن عمران ( ع ) ' إذا وقفت بين يدي فقف موقف الذليل الفقير , وإذا قرأت التوراةفأسمعنيها بصوت حزين '.
( ولذلك فان قراءة القرآن بصوت حسن مندوب في الشريعة , وأن تأثير السماع للصوت الحسن الخالي من الترجيع , وم شكل الغناء كما سيأتي , يختلفأختلافاً جوهرياً وليس فقط أختلافاً ثانوياً يتعلق بالترنيم والتنميق . كما أن الأيقاع الموسيقي يختلف في تحسين الصوت عن الغناء .حيث إن في تحسين الصوت لايأخذ نفسالوتيرة والقافية والأسترجاع , كما هو المعروف في الغناء ).
أما الغناء فأن الأيقاع الموسيقي يسيطر على الحالة , وبذبذبات متناسقة ومسترجعة , تخلو من الخشوع والتأدب ,بل تذهب الى أكثر من ذلك , لتسلب الأتزان والاستقرار . فضلا عن الاهداف والأبتغاءات .
أما الغناء فقد ورد تعريفه في المعجم الوسيط : 'هو التطريب والترنم بالكلام الموزونوغيره , يكون مصحوباً بالموسيقى '.
والمغني : محترف الغناء .
وفي مجمع البحرين غناء : ك( كساء ) وهو الصوت المشتمل على الترجيع المطرب , أو ما يسمى بالعرف غناء وإن لميطرب سواء كان في شعر أو قرآن أوغيرها .
وقال الشافعي : الغناء تحسين الصوت وترقيقه .
وفي السرائر : أنه الصوت المطرب .
وفي الشرائع وجامع المقاصد , أنه : الصوتالمشتمل على الترجيع المطرب , وقيل أنه الصوت اللهوي .
كما قيل أيضاً وهو التعريف الذي جاء به الشيخ محمد رضا آل الشيخ في تفسير الغناء بأنه صوت الأنسان الذي من شأنهإيجاد الطرب بتناسبه لمتعارف الناس .
والطرب : هو الخفة التي تعتري الأنسان فتكاد أن تذهب بالعقل وتفعل فعل المسكر المتعارف .
ولذا لا يعتبر الحداء أو النشيد منالغناء .
وبالتالي فان القراءة الجيدة وحسن الصوت لا يرقى الى هذا الحد من التغني بالقرآن الذي لايليق به ذلك , ومن جوز التغني فأمره الى الله تعالى .
وقراءة القرآنبالتغني حرام لدى كافة المذاهب الأسلامية , وبين الفقهاء والعلماء ذلك في كتبهم وبحوثهم , ومما جاء في ' عيون الأخبار ' عن الأمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن آبائه عنعلي ( ع )قال :
سمعت رسول الله ( ص ) يقول :
أخاف عليكم استخفافاً بالدين , وبيع الحكم , وقطيعة الرحم , وأن تتخذوا القرآن مزامير , تقدمون أحدكم وليس بأفضلكم في الدين '.
وجاء في الوسائل ايضاً , عن سليمان بن مسلم الخشاب , عن عبد الله بن جريح المكي , عن عطاء بن أبي رباح , عن عبد الله بن عباس , عن رسول الله ( ص ) في حديث له :
إن من أشراطالساعة إضاعة الصلوات , وإتباع الشهوات , والميل الى الأهواء ...الى أن قال ...فعندما يكون أقوام يتعلمون القرآن لغير الله , ويتخذونه مزامير , ويكون أقوام يتفقهون لغير الله, وتكثر اولاد الزنا , ويتغنون بالقرآن ,... الى أن قال : يستحسنون الكوبة والمعازف , وينكرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... الى أن قال : فأولئك يدعون في ملكوت السمواتالأرجاس والأنجاس '.
وفي الوسائل في باب تحريم الغناء حتى في القرآن جاء في الحديث عن النبي ( ص ) قوله : إذا علمت أمتي خمس عشرة خصلة حل بهم البلاء , إذا كان الفيء دولاً ,والأمانة مغنماً , والصدقة مغرماً ,وأطاع الرجل امرأته ,وعصى أمه , وبر صديقه , وجفا أباه , وارتفعت الأصوات في المساجد , وأكرم الرجل مخافة شره , وكان زعيم القوم أرذلهم ,ولبسوا الحرير , واتخذوا القينات والمعازف , وشربوا الخمور , وكثر الزنا فارتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء , وخسفاً أو مسخاً , وظهور العدو عليكم ثم لا تنصرون '.
وهناكالعديد من الروايات والأحاديث التي تمنع ذلك وما تظافر آراء العلماء والفقهاء إلا إتحاد بالاتفاق .
اتفاق المسلمين على حرمة التغني بالقرآن :-
وما أجمع عليه علماءمذهب أهل البيت ( ع ) فقد اتفق عليه علماء أهل السنة أيضاَ , فقد ورد على لسان الكثير من العلماء والمشايخ في هذا الصدد . سيما في التعليق على قراءات ما اشتهر من المقرئينالمصريين وغيرهم من القراء اللبنانيين والعراقيين الذين يمتازون بأسلوبهم وطورهم الخاص , وكذلك قراء بعض البلدان الأسلامية الأخرى كما في الجمهورية الأسلامية في ايرانوالحجاز وسوريا وغيرها .
وهؤلاء القراء لكل اسلوبه وخصائصه المميزه , سواء في اتقانه للقراءات العشر المشهورة أو اقتصاره على قراءة واحدة كما هو المتعارف على روايةحفص بن سليمان الأسدي الكوفي عن عاصم بن أبي النجود الكوفي .
فمن القراء من أكد على الصوت من اجل التأثير على السامع , وتساهل في التفاعل مع القراءة نفسها والألفاظالمجيدة للقرآن ,حتى أساء الأسلوب .وانشغل بنوع الأداء , واللحن , والموسيقى الصوتية , وكاد أن يتناسى ما هو فيه , ولذا فقد علماء الأزهر بحرمة التغني بالقرآن , سواء منالمشايخ القدامى أو الحاليين كالشيخ عبد الحليم محود مثلاً .وكذلك من المقرئين أنفسهم كما سمعت عن المقرىء الشيخ محمود خليل الحصري , ولذا فقد يؤاخذ البعض المقرىءالمشهور عبد الباسط عبد الصمد بانه يسرف بصوته , كما يذكر ذلك عنه احد زملائه القراء فيقول : إن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد لا يختلف بالقراءة والتلاوة عن اي قارىء للقرآنالكريم , إنما أذا ارادنا ان نذكر ما يتميز به عن غيره فيمكننا الاشارة الى طول نفسه في التلاوة والقراءة أكثر من غيره , بحيث يستطيع أن يقرأ من الآيات بنفس واحد , مالايستطيع غيره أن يقرأه , أما من حيث الأداء والتجويد فلا يتميز عن غيره من القراء في الاذاعة المصرية .
وفي صدد حديثه عما يؤخذ على الشيخ عبد الباسط في التنغيموالتطريب في تلاوته وجعل المستمع يهتم بالصوت بدل الاهتمام بمضمون الايات القرآنية يقول : التطريب والتنغيم لا يخص الشيخ عبد الباسط في قراءته فذلك موجود في قراءةوتلاوة كل قراء الأذاعة المصرية ولا يختلف الشيخ عبد الباسط في قراءته عن غيره من زملائه . وكل ما هناك ان الشيخ عبد الصمد يمتاز بطبقة عالية في الصوت فاذا ارتفع بصوتهأصبح صوته نحيفاَ رفيعاً دقيقاً بحيث لا يوجد مثل له عند غيره من القراء , أما الذي يصغي الى الصوت ولا يفكر في المعنى فهذا شأنه .
قراءة القرآن وسيلة تربوية :
ولهذافلا نريد للقرآن الكريم أن يكون وسيلة لهو والعياذ بالله , بعد المفهوم الكبير للقرآن من انه مدرسة الأجيال ودار تربية حتى في قراءته التي لابد أن يتلقنها الطفل والصبيوينشأ على أنغامها وأفكارها , ومعانيها , وحلاوتها , حتى لا تفسده العاديات , ولا تؤثر عليه الناشئات من أعمال الفسقة والشياطين , وهذا ما داب عليه آباؤنا وأجدادنا من قبلحيث ان الطفل كان يفتح عينيه على المشايخ في محلته والكتاتيب فيتعلم القرآن ,ويدرس معانيه , ويحفظه كلاً أو جزءاً , حتى تكتمل فيه معالم الجمال القرآني , فتعجن في دمه ,وتخالط لحمه وعظمه ,وتؤثر فيه خطوط الطور التجويدي للقرآن , فتبقى معه دائماً , بل أن الابتداء بالقرآن وتعليمه الناشئة واجب قبل دراسته للفقه وأصول الاسلام وعقائده ,وحينما نرجع الى الوراء نرى الكتاتيب التي انتشرت في بلاد الاسلام , كما في النجف الأشرف , وكربلاء , والحلة , والكاظمية , والسليمانية , والبصرة وكذلك في قم , ومشهد وغيرهامن مدن فارس , وفي لبنان , وشمال افريقيا , وبالخصوص السودان , ومصر حيث يعتنى في مصر بحفظ القرآن الكريم وتعليمه وكل ما يتعلق بتجويده وتلاوته لا سيما في القاهرة عند مقامسيدنا الامام الحسين ( ع ) حيث يذكر أن حول المقام الطاهر لسبط المصطفى ما يقارب الخمسة عشر ألفاً من حفاظ القرآن الكريم , وهو رقم ليس بالقليل , كذلك حول مقام السيدة زينب ,والسيدة نفيسة , ومقام سيدي أبو العباس المرسي بالأسكندرية .
خير القراءة :
ان خير يجب ان يتمتع به القارىء للقرآن هو حسن الاداء , والتجويد المتقن , والالتزامبأحكامه وشروطه , والتفاعل مع القراءة كعبادة أسلامية , وكوسيلة تبليغية مباشرة , حتى تصل الآيات الشريفة بكل اجلال وخشوع لقلب السامع ,وكذا القارىء نفسه .
والقرآن هوالثقل الأول الذي أوصانا به نبينا الأكرم ( ص ) فلاينبغي الافراط في اسلوب الاداء بما يزيد عن الحد المطلوب لا يصال المعنى الواضح و وما ينجر أوينساب الى أن ينهدم الخشوعوالطاعة في قلب المستمع أو القارىء بخيال طربي , وانشغال تهواه النفس الأمارة بالسوء .
ولنسأل انفسنا : كيف كان الصحابة والتابعون يقرأون القرآن ؟ لماذا اشتهر الأمامالسجاد أبو محمد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع ) بحسن أدائه للقرآن , وجودة صوته وحسنه , وأن تحسين القراءة بحسن الصوت الخاشع , مع الالتزام بالقواعد المطلوبةوالمفروضة من الادغام , والأخفاء , والمد , والوقفات , وشروط الوصل , والقطع , وتسكين الحرف , ومده , حسب موقعه في الآية , هو الهدف المطلوب والملزم لقارىء القرآن الكريم . إن الاتقان التام للأحكام والقواعد والممارسة تكسب الانسان خبرة تغنيه عن التقليد , لاسيما التقليد الأعمى الذي يحصل لدى البعض من أجل اظهار أصواتهم بشكل يسمح لهم أنيقال عنهم قراء أو قادرون على القراءة وإن كان الحساب على الله وليس لأحد على أحد أن يحكم إلا على ظاهره وكما يقال ' فلنا الظاهر وعلى الله السرائر '.
ويذكر أحد أساتذةالقراءات وهو الاستاذ محمد أسكندر يلدا , أن على القارىء .أن يرقى الى ما يجب عليه من الابتعاد عن الرياء , وحب الجاه , والسمعة ,ويذكر حديثاً عن النبي ( ص ) قوله ' أكثر منافقيامتي قراؤها , وأحد الثلاثة الذين أول ما يحاسبهم ربهم يوم القيامة هو قارىء يقرأ رياء , ليقول عنه الناس أنه قارىء فيدخل الناس والعياذ بالله , وإنما الأعمال بالنيات , وإنلكل امرىء ما نوى .
إن علماء الدين وحماة الشريعة مدعوون اليوم , أكثر من أي وقت مضىء لرفع صوتهم , وبيان آراء الاسلام في المسائل الهامة التي يعيشها الناس , هادينومبلغين الأمم , مشخصين حاجتهم لما يجب ان يبلغوهم بها وينبهوهم عليها .
كما أن فتح المعاهد , والمراكز العلمية الخاصة بالقرآن مهمة وضرورة , ينبغي الاسراع فيها ,وإيجاد المتخصصين بالقرآن الكريم , بكل ما يتعلق به من قراءة ,وتفسير , وتبليغ , وبحث وغيرها ,وأن الأمة لا تكتمل حياتها ما لم يكتمل عملها بوصية نبيها الكريم بالثقلين كتابالله وعترته أهل بيته , وأن التخلف عن هذا المسار , وعدم التصدي له - كما ينبغي - سيفسح المجال أمام المتلاعبين , والمنافقين , والمتسترين بالدين للقيام بأفعالهم ومخططاتهمالخبيثة.
إن الاعتناء بالقرآن , وقراءته , وتهذيبها , وتنقيتها من الشوائب والمصائب وظيفة شرعية تستدعي النهوض بها , وليس الأمر يقتصر على شروح القرآن علومه الاخرى . كما أن على الامة أن تعتني بثقافتها القرآنية التي تعتبر الثقافة الأصلية في الشريعة ,والتي يمكن تميزها عن غيرها.
المصدر : رسالة القرآن .