د. عبد الهادي الفضلي
نموذج تطبيق القواعد البلاغية
سنتناول هنا (حديث الوَلاء) ونتعامل معه وفق الخطوات التالية:
ـ ذكر نص الحديث. ـ تخرج الحديث.
ـ بيان معنى الحديث.
ـ بيان أسلوب الحديث.
ـ استخلاص النتيجة.
1_ نص الحديث:
(الوَلاء لُحْمَة كلحمة النسب).
وفي رواية أخرى: (الولاء لحمة كلحمة الثوب).
وفي ثالثة:
(الولاء لحمة كلحمة النسب لا تباع ولا توهب).
2_ تخرج الحديث:
رواه الشيخ الطوسي في (الإِستبصار) عن محمد بن أحمد بنيحيى عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي عن السكوني عن الإمام الصادق عن أبيه عن النبي (ص).
والرواية معتبرة، كما هو الظاهر من سندها المذكور.
3_ معنى الحديث:
قالالنبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث لبيان أن الوَلاء سبب آخر من أسباب التوارث، فكما أن النسب من أسباب الميراث، كذلك الولاء، فهو مثله في تسبيب التوارث، ذلك أنللميراث أسباباً توجبه قسَّمها الفقهاء إلى نسب وسبب، وقسموا السبب إلى الزوجية والولاء، وقسموا الولاء إلى ثلاثة أقسام، وهي ـ كما يلخصها الشيخ مغنية في (فقه الإمامجعفر الصادق):
'الأول: العتق: وهو أن يرث السيدُ عبدَه بشرط أن يعتقه تبرعاً، لا في كفارة أو نذر، وأن لا يتبرأ من ضمان جريرته وأن لا يكون للعبد وارث.
الثاني: ضمانالجريرة، والمراد بها الجناية، ومعنى ضمانها أن يتفق اثنان على أن يضمن كل منهما جناية الآخر، أو يضمن أحدهما ما يجنيه الآخر دون العكس، ويصح ذلك بشرط أن لا يكون للمضمونوارث قريب، ولا مولى معتق، فإذا كان الضمان من جانب واحد، قال المضمون للضامن: عاقدتُك على أن تنصرني وتدفع عني وتعقل عني وترثني، فيقول الآخر: قبلتُ.
وإذا كان الضمانمن الجانبين قال أحدهما: عاقدتك على أن تنصرني وأنصرك وتعقل عني وأعقل عنك وترثني وأرثك، فيقول الآخر: قبلتُ.
ومتى تم ذلك كان على الضامن بدل الجناية وله الميراث معفقد القريب، والمعتق، مقدماً على الإمام في الميراث.
الثالث: ولاء الإمام، إذا مات إنسان وترك مالاً ولا وارث له من أرحامه ولا ضامن جريرة ولا مولى معتق، كان ميراثهللإمام، إلاّ إذا كان الميت زوجة، فإن الزوج يأخذ النصف بالفرض والنصف الآخر بالرد، وإذا كان زوجاً أخذت الزوجة الربع والباقي للإمام'.
وقال ابن الأثير في (النهاية):'ومعنى الحديث: المخالطة في الولاء، وأنها تجري مجرى النسب في الميراث، كما تخالط اللحمة سَدَى الثوب حتى يصيرا كالشيء الواحد لما بينهما من المداخلة الشديدة'.
وشرحهالشيخ الطوسي على روايته له والتي نصها: (الولاء لحمة كلحمة النسب لا تباع ولا توهب) باحتمال دلالته على أن يكون المراد بذلك: المنع من جواز بيعه كما لا يجوز بيع النسب، وقدبيّن ذلك بقوله (لا تباع ولا توهب).
ويؤكد ذلك أيضاً ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى عن بنان عن محمد عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر ـ عليهما السلامـ قال: سألته عن بيع الولاء يحل؟ قال: لا يحل.
4_ الأسلوب البلاغي للحديث:
قال الشريف الرضي في (المجازات النبوية) بعد ذكره الحديث: 'وهذه استعارة لأنه ـ عليه الصلاةوالسلام ـ جعل التحام الوليّ بوليه كالتحام النسيب بنسيبه في استحقاق الميراث، وفي كثير من الأحكام، وذلك مأخوذ من لحمة الثوب وسداه، لأنهما يصيران كالشيء الواحد بمابينهما من المداخلة الشديدة والمشابكة الوكيدة'.
ويمكننا أن نقول أيضاً: إن كلمة (لحمة) إذا لحظت بمعنى (القرابة) ـ كما هو أحد معانيها وقد يكون مأخوذاً في الأصل منلحمة الثوب ـ يأتي أسلوب الحديث من نوع التشبيه البلاغي، وقد يسمى تشبيهاً مجملاً لحذف وجه الشبه منه وهو المداخلة.
أما إذا لحظت بمعنى لحمة الثوب، يأتي التشبيه ـ هناـ وليداً عن تشبيه قبله، وتقديره: (النسب لحمة كلحمة الثوب في المداخلة).
وفي كلتا الحالتين هو تشبيه مجمل.
هذا على رواية (الولاء لحمة كلحمة النسب).
وعلى رواية(الولاء لحمة كلحمة الثوب) يكون الأسلوب تشبيهاً أيضاً ومجملاً لحذف وجه الشبه منه كسابقه.
وعلى رواية (الولاء لحمة كلحمة النسب لا تباع ولا توهب) يكون التشبيه مفصلاًللتصريح بوجه الشبه.
5_ النتيجة:
وننتهي من كل ما تقدم إلى أن الولاء سبب من أسباب الإرث لتشبيهه بالنسب.
المصدر : أصول البحث