آليات الحجب
علي حرب الإبداع في التطبيق ( عند أركون )
يحار قارئ أركون ويتساءل إذا أراد أن يقيم نتاجه الفكري0 فما الجديد الذي أتى به ؟ ما الأصيلالمبتكر عنده ؟ ما الذي يؤثر عنه بعد كل هذه المؤلفات والكتابات ؟ لمعالجة مثل هذه الاسئلة سأقيم مقابلة بين أعمال أركون وأعمال فكرية أخرى , حديثة او قديمة , ولدتمفاعيلها وتركت اصداءها وأثبتت جدارتها , أعني عالميتها, كنصوص هامة مميزة فريدة مدهشة او رائعة0 فلنقارنه بميشال فوكو صاحب المنهج الحفري0 نحن نعرف أن فوكو أفتتح مجالاًجديداً للبحث , وأبتكر أدوات مفهومية جديدة, وأستخدم طريقة جديدة في التفكير غيرت رؤيتنا للكائن والحقيقة, للذات والمعرفة, للمؤلف والنص000 فبعد فوكو بتنا نقرأ العالموالنصوص على غير ما كنا نفعل من قبل0 باختصار لقد بنى الرجل عالماً مفهومياً جديداً وقدم عدة معرفية ذات فاعلية قصوى في الكشف والاستقصاء0 في المقابل ما الذي أبتكرهأركون ؟ لا يتوقف ناقد العقل الاسلامي في كل مقالة له , إذا لم أقل في كل صفحة , عن الدعوة الى الإفادة من فتوحات الحداثة الفكرية , وإلى أعتماد المنهجيات الجديدة في إعادةقراءة القرآن أو في أعادة كتابة تاريخ الاسلام0 هكذا هو يقف موقف الداعية إلى فتح ورشات جديدة للبحث, أو إلى تقديم إمكانيات جديدة للتطور والتغير , او إلى تجديد الفكرالاسلامي من الأساس 0 إنه لا يمل من القول بأن هدفه هو شق الطريق واقتراح برامج للعمل0 لنقرأ هذه الفقرة : ' ينبغي علينا إعادة تشكيل علم الربوبية, وعلم تيولوجيا الوحي ,وعلم تيولوجيا التاريخ, وتيولوجيا الاخلاق وفلسفة القانون , الخ0 ولكي ننجز كل هذا العمل بشكل مرض يلزمنا اولاً تشكيل علم ألسنيات حديثة للغة العربية وتشكيل نظريةمتماسكة للتأويل , وتشكيل علم سيميائيات الخطاب الديني , ثم تشكيل نظرية للرمز وانتروبولوجيا سياسية مع نظرية متكاملة عن المشروعية العليا , والسلطات السياسية التنفيذيةوالديالكتيك الذي يربط بينهما0
إن أركون يستخدم مناهج وأدوات جاهزه في تحليله لتاريخ الاسلام0 مثله بذلك مثل المهندس الذي يستخدم علوم الغرب في إشادة الأبنيةوالعمارات, ولكنه لا يبتكر طرزاً جديدة0 نعم إنه يبني أبنية حديثة مكان القديمة, ولكنه لا ينتج المعرفة التي بها يكون البناء0 بكلام أصرح إنه لا يبتكر مفاهيم بقدر ما يوظفالمفاهيم المبتكرة في نقده للمعرفة الاسلامية وأصولها0
إذن هو يحفر بأدوات غيره0 قد يعترض علي بالقول : إن الادوات هي في الأصل للحفر والتنقيب , فما العيب فيأستخدامها؟ جوابي هو أن نعيد النظر في مفهوم ' الحفر ' ذاته0 إذ هو مجاز لا يخلو من خداع0 فهو يقول لنا أن مثل المفكر في بحثه وتحليله مثل من يحفر في الارض, لابد له من أدواتللحفر والتنقيب0 بيد أن المفكر . إذ يبحث وينقب, إذ يشتغل على مواده وموضوعاته , إنما يبتكر أدواته ويجترح مفهوماته0
مع ذلك لا أقول بأن عمل أركون لا أهمية0 صحيح أنهيحفر بأدوات غيره 0 ولكنه يبتدع في توظيف الادوات المفهومية التي يطبقها على المجال الذي أفتتحه والذي سماه ' الاسلاميات التطبيقية ' 0 فهو يفتح ملفات قد احكم اغلاقها,ويحرث في حقل كان يمنع الحرث فيه, ويدخل الى مناطق كانت مستبعدة من دائرة الفكر0 على الأقل أنه يقوم بتصديع سقوف رمزية أو هدم قلاع تيولوجية من الكلام أو فرط أنظمة معرفيةفقدت فاعليتها , بل هو يفجر احياناً بأسئلته الخطيرة ألغاماً مفهومية في أرض العقل الاسلامي0
المصدر: الممنوع والممتنع