خصوصیة الحضاریة للمصطلحات نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

خصوصیة الحضاریة للمصطلحات - نسخه متنی

محمد عمارة

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

د

د. محمد عمارة

الخصوصيّة الحضاريّة للمصطلحات


من العبارات الشائعة على السنة جمهرة المثقفين، وفي كتابات كثير من المفكرين والعلماء،عبارة: (إنه لا مشاحة في الألفاظ والمصطلحات) .. بمعنى: أنه لا حرج على أي باحث أو كاتب أو عالم في أن يستخدم المصطلح، وبصرف النظر عن البيئة الحضارية أو الإطار الفكري أوالملابسات المعرفية أو الفلسفية والعقدية التي ولد ونشأ وشاع فيها.. فالمصطلحات والألفاظ ذات الدلالة الاصطلاحية هي ميراث لكل الملل والمذاهب والحضارات، ولجميع ألوانالمعرفة ونظرياتها، ولكل بني الإنسان..

أما إذا نحن نظرنا إلى الألفاظ والمصطلحات من زاوية 'المضامين' التي توضع في أوعيتها، ومن حيث 'الرسائل الفكرية' التي حملتها'الأدوات المصطلحات' فسنكون بحاجة _وحاجة ماسة وشديدة _ إلى ضبط معنى هذه العبارة، وتقييد إطلاقها، وتحديد نطاق الصلاح والصلاحية التي يشيع عمومها من عموم ما تحمل منألفاظ.

هنا سنجد أنفسنا عند الفحص والتدقيق، وفي كثير جدا من الحالات وبإزاء العديد من المصطلحات، أمام 'أوعية' عامة 'وأدوات' مشتركة بين الحضارات والانساق الفكريةوالعقدية والمذهبية، وفي ذات الوقت أمام 'مضامين' خاصة، و 'رسائل' متميزة تختلف فيها، وتتميز بها هذه 'الأوعية' العامة و 'الأدوات' المشتركة لدى أهل كل حضارة من الحضاراتالمتميزة، وعند كل نسق أو مذهب أو عقيدة من الأنساق الفكرية والمذاهب الاجتماعية والعقائد الدينية، وخاصة منها تلك التي امتلكت وتمتلك من السمات الخاصة والقسماتالمميزة ما جعلها ويجعلها ذات مذهبية خاصة وطابع خاص..

إن أحداً، لا يماري في أن مصطلحا مثل مصطلح 'السنة' قد شاع ويشيع استخدامه لدى مذاهب إسلامية متميزة، وفي علومإسلامية متعددة.. ولا مشاحة في استخدام كل هذه المذاهب وجميع تلك العلوم لمصطلح 'السنة'.

لكن.. من الذي يماري في اختصاص هذا المصطلح لدى كل مذهب، وفي إطار كل علم بمضمونمتميز ورسالة خاصة متميزة عن المضمون والرسالة التي له عند الآخرين؟.

فالسنة عند اللغوي لها معنى.. وعند عالم الحديث لها معنى آخر.. وعند عالم الفرق والمذاهب لها معنىثالث.. فلا مشاحة في وضع المصطلح ولا في استخدامه.. لكن المشاحة قائمة في إغفال التمايز بين المعاني والمضامين الموجودة في هذا الوعاء الواحد.

وإذا كانت هذه المشاحةواردة في مضامين المصطلح ومعانيه ورسائله الفكرية، في إطار مذاهب الحضارة الواحدة... فأحرى بها أن ترد، بل وتتأكد في مضامين المصطلحات التي تشترك في وضعها واستعمالهاحضارات متميزة في السمات والقسمات.

وليس كضرب الأمثال سبيلا لجلاء المعنى، وتأكيدا لصدق هذا المفهوم.

مصطلح: 'الشارع'..

فمن المصطلحات الشائعة في ميدان'التشريع' للقانون، مثلا مصطلح 'الشارع' يوصف به من 'يشرع' القانون فردا كان أو جماعة _مؤسسة _ فواضع القانون 'شارع' و 'مشرع' له.. والمجالس النيابية التي تمثل سلطان الأمة في'تشريع' القوانين هي 'هيئات تشريعية' تشرع القوانين.

'فالشارع' _هنا _ و 'مصدر التشريع' و 'واضع الشريعة' هو إنسان فردا كان أو هيئة تشريعية.

هذا هو حال مصطلح 'الشارع' و'التشريع' و 'الشريعة' في ميدان 'القانون'.. فهل _حقا _ 'لا مشاحة' في وضع واستخدام هذا المصطلح الشائع، وفيما يحمل 'وعاؤه' من 'مضمون'؟؟.

إن الإجابة عن هذا السؤال لن تكونواحدة لدى أبناء كل الحضارات الإنسانية، وفي إطار كل الأنساق الفكرية ومن قبل كل المعتقدين بمختلف المذاهب والمعتقدات..

إن ابن الحضارة الغربية _الذي لا يؤمن بوجودشريعة إلهية تنظم الجانب المدني والاجتماعي والاقتصادي والسياسي للدولة والاجتماع البشري والعمران الإنساني _يؤمن بأن الإنسان، فردا كان أو طبقة أو أمة، هو المصدرالأول الأخير للشريعة والتشريع.. فالإنسان هو 'الشارع' سواء أكان ذلك في إطار أصول الشريعة قواعد ومبادىء القانون الطبيعي، كما تسمى في الحضارة الغربية والتي هي تحسينوتقبيح عقليين. أي فعل إنساني خالص، بمقاييس إنسانية خالصة من أية ضوابط _أو كان ذلك في إطار فروع الشريعة: القانون.

فهذا المصطلح 'الشارع' بهذا المعنى طبيعي وصادق فيهذا الإطار: إطار الحضارة التي لا تؤمن بوجود 'شارع' غير هذا الإنسان، وخارج هذا 'الواقع المادي'.. سواء أكان السبب في ذلك هو الطابع المادي الإلحادي لهذه الحضارة، أمالمنحى والتوجه العلماني الذي يرفض وجود مدخل لـ 'الإلهي' في شئون 'الدولة والعمران'.

ولما كان هذا الموقف هو 'شأن غربي' خالص وسمة خاصة من سمات الحضارة الغربية، وقسمةمتميزة ومميزة من قسمات طابعها المادي ومذهبها العلماني، فإنه ليس من المشترك الإنساني العام.. حتى يصبح مصطلحها فيه ومضمون هذا المصطلح مما، لا مشاحة فيه في أية حضارةمن الحضارات..

مصطلح: 'الإقطاع'..

ومثال رابع على إمكانية 'المشاحة في الألفاظ والمصطلحات' نجده إذا نحن وقفنا امام مصطلح 'الإقطاع'!

ففي الحضارة الغربية، حيثفلسفتها المالية تجعل الملكية المطلقة _الملكية الحقيقية _ ملكية الرقبة في الثروات والأموال للإنسان، فردا كان في النموذج الليبرالي _أو طبقة الأجراء في النموذجالشمولي الماركسي في هذه الحضارة نجد 'الإقطاع' كمصطلح إنما يعني: الملكية الكاملة للسادة الإقطاعيين لوسائل الإنتاج _الأرض الزراعية _ مع الملكية المقيدة للعاملين فيهاالأقنان.

أما في الحضارة الإسلامية حيث صاغت الوسطية الإسلامية مذهبا اقتصاديا متميزا، جعل الملكية المطلقة الحقيقية، ملكية الرقبة في الأموال والثروات لله سبحانهوتعالى، مع تقرير حقوق الملكية المقيدة ملكية المنفعة المجازية أي ملكية الوظيفة الاجتماعية للمال، مع تقرير هذه الحقوق للإنسان الحائز للمال، باعتباره مستخلفا فيحيازته واستثماره والانتفاع به عن الله سبحانه وتعالى، من حيث صفته كإنسان مستخلف _مطلق الإنسان المستخلف _ وليس بصفته كفرد أو كطبقة، في هذا النموذج الحضاري ذي الفلسفةالمالية المتميزة نجد لمصطلح 'الإقطاع' مضمونا متميزا: فهو تمليك 'للمنفعة' لا 'الرقبة'. ولقد كان في التطبيقات الإسلامية وسيلة لإحياء الأرض الموات والانتفاع بها مع بقاءملكية الرقبة _الملكية الحقيقية في الأرض _لله سبحانه وتعالى. أي للإنسان الأمة _ الناس المستخلفين عن الله في الأرض، وفي كل الثروات والاموال!

فنحن هنا بإزاء مصطلح'لا مشاحة في لفظه' لكن المشاحة واردة في المضمون على نحو أكيد!

ولن يستطيع قارىء أن يقرأ، ولا دارس أن يدرس التاريخ الاجتماعي والاقتصادي للإسلام وحضارته، ويعي معنى:'إقطاع' الرسول صلى الله عليه وسلم أو الخلفاء أرض كذا لفلان.. وناحية كذا لفلان.. ومرفق كذا لفلان.. إلا إذا هو وعى المضمون المتميز لمصطلح 'الإقطاع' في حضارتنا عن نظيره فيالحضارة الغربية.. وإلا فستكون 'كارثة _ فكرية' إذا نحن درسنا 'الإقطاع' في تاريخنا بمضامين مصطلحه لدى الآخرين؟!

مصطلح: 'الاحتكار' !

ومثال خامس على هذا الذي نقولنجده إذا نحن وقفنا أمام مصطلح 'الاحتكار'.

ففي الحضارة الغربية بتياراتها الاجتماعية المختلفة، وحتى عند الذين يدركون المساوىء الاجتماعية لسيطرة الاحتكارات علىالنظام الاقتصادي لمجتمع من المجتمعات.. نجد النظرة إلى 'الاحتكار' هي النظرة إلى مرحلة حتمية من المراحل التي لابد وأن يمر بها المجتمع على درب تطور الامتلاك لأدواتالإنتاج.. فالاحتكار _في هذه النظرة الغربية _ هو نبت طبيعي، حتمي.. حتى وإن رآه البعض ضارا..!

أما في المذهبية الاقتصادية الإسلامية، التي حكمت وتحكم حيازة الإنسانللمال ببنود عقد وعهد استخلاف الله _المالك الحقيقي للمال _ للإنسان في هذا المال.. فإن الاحتكار ممنوع، ومرفوض من الأصل والأساس. ومحال أن يتسق وجوده _فضلاً عن سيادته _ معمذهبية الإسلام في الأموال.. 'من احتكر للمسلمين طعاما ضربه الله بفقر وإفلاس' كما يقول الحديث النبوي الشريف _وذلك وعيد للمجتمع والحضارة التي تبيح الاحتكار _ الذييقودها إلى فقر الأمة، وإفلاس نظامها، وعجزه عن تحقيق الغاية من تحضر الإنسان! وهذا الاحتكار الذي يقتل الأمة عندما يغتال العدل في حياتها الاقتصادية والاجتماعية هوالذي يتحدث الرسول (ص) عن أهله فيقول: يحشر الحكارون وقتلة النفس في درجة واحدة؟! كما يقطع بأنه 'لا يحتكر إلا خاطىء'!

مصطلح: 'اليسار'

فمن الناس من ينطلق من مقولة'انه لا مشاحة في الألفاظ والمصطلحات' إلى الدعوة لاستخدام هذا المصطلح _مصطلح 'اليسار' في الدلالة على التيار الاجتماعي الداعي إلى استخدام 'الصراع الطبقي' أداة لتسويدطبقة الأجراء على طبقة الملاك تمهيدا لإلغاء التمايز الطبقي، وإقامة المجتمع اللاطبقي الذي تلغى فيه سائر ألوان الملكية الخاصة.

من الناس من يدعو إلى استخدام هذاالمصطلح ذي النشأة الغربية والمضمون الغربي بدعوى أنه لا مشاحة في الألفاظ والمصطلحات، بل ومنهم من يحاول 'أسلمته'، و 'أسلمة' مضمونه عندما يدعوه 'اليسار الإسلامي'؟!

أما نحن فإننا نرى أن 'المشاحة' واردة وقائمة بل وواجبة تجاه هذا المصطلح _مصطلح 'اليسار _ فـ 'اليسار' في العربية لغة امتنا وتراثنا وديننا وحضارتنا وأداة إبداعنا إنمايعني اليسر المقابل للعسر والغنى المقابل للفقر والإعسار _ (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة).. ومن ثم فإن 'أهل اليسار' والاتجاهالفكري والاجتماعي لأهل اليسار _في اصطلاح العربية _ هم أهل الغنى _ لا الفقر_ واتجاه اليسر _ لا البؤس_؟!.. فكيف تقسر لغتنا على أن يقبل جسمها الاصطلاحي هذا الضد الغريب الذييبلغ في الإعراب درجة النقيض؟!

مصطلح: 'عقلي' و 'عقلاني':

وهو الذي غدا _في الحضارة الغربية _ وصفا لمذهب في الفكر والبرهنة والبحث والاستدلال.. فهو فيها _وفي قواميسها_ 'مذهب يقول بسلطان العقل وحده.. فلا يفسح المجال للظواهر الوجدانية ولا الإرادية في الأعمال الذهنية.. ويرفض الحقيقة النقلية التي لا يقرها العقل'.. فهو 'وصف للنظرياتوالاتجاهات الفلسفية التي تجعل العقل المصدر الوحيد لكل ضروب المعرفة الإنسانية.. فالإنسان لا يحصل على المعرفة من الخارج بل من عقله هو.. وأحكام العقل مطلقة فوق شروطالزمان والمكان، وضرورية وكلية، وعامة مشتركة بين جميع الناس.

بل إن هذا المذهب الغربي في العقلانية قد ذهب إلى حد 'تأليه' العقل، عندما تحدث فلاسفته العقلانيون عن ماأسموه 'العقل المكون' بكسر الواو وهو الذي جعلوه 'المبدأ الواضع للقيم والقواعد العامة في النظر والعمل، وهو المنتج لجميع المقولات، والمشرف على تطورها 'أي الواضعوالمنتج' للعقل المكون _بفتح الواو _.

أما الإسلام الذي لا يقيم ثنائية متناقضة بين 'العقل' و 'الوجدان' ولا بين 'العقل' و 'النقل'.. بل يرى المعرفة الإنسانية قائمة علىساقين اثنتين: كتاب الوحي وعلومه: وكتاب الكون _وعلومه _ فإنه يرى في العقل ملكة من ملكات الإنسان، معبرة عن فعل التعقل والإدراك، وليست عضوا ماديا من أعضاء الإنسان. ويرىلهذه الملكة _التي يعرفها بأنها 'لطيفة ربانية' _تعلقا بـ 'القلب' _أي جوهر الإنسان ومصدر الوجدان _ لا القلب كعضلة صنوبرية في القفص الصدري؟!

مصطلح: 'مذهب إنساني':

فالمذهب الإنساني Humanism _في الفكر الوضعي الغربي _ هو المرجعية المقابلة والمناقضة للمرجعية الإلهية والدينية.. والمذهبية البشرية المقابلة والمناقضة للمقدس الديني..حدث ذلك بسبب ملابسات النهضة الأوربية والإحياء الغربي، عندما رفض روادهما لاهوت الكنيسة، وما اصطبغ بصبغته من أدب وفلسفة وعلم وفن.. ودعوا إلى تحرير العقل من هذهالمرجعية الدينية المقدسة.. مستبدلين بها 'الإنسانيات'، وهي _في واقعهم _ كانت اللغات والآداب والثقافة اليونانية واللاتينية..

لقد قام التناقض _في واقعهم _ أو أقاموه _بين 'الديني' و 'الإنساني' فرفضوا الديني، وأحلوا الإنساني _اليوناني اللاتيني _ محله وشيدوا عليه مذاهب ونظريات النهضة الغربية الحديثة.. وجدت قواميسهم على الحديث عن هذاالذي قام لديهم كمضمون لمصطلح 'المذهب الإنساني'!

فهل نقدم هذا المضمون زادا وطعاما _ولا نقول طعما _ لأبناء الحضارة الإسلامية الذين لم يعرف دينهم _ولا علومه _ ولمتعرف حضارتهم _ولا علومها _ هذا الفصام النكد بن 'الإلهي _ المقدس' وبين 'الإنساني'؟..لأن الإنسان _في عقيدتها وتصوراتها _هو خليفة عن الله، محكومة رسالته في إعمار الأرضبشريعة عهد وعقد الاستخلاف؟!.. هل نقدم للعقل المسلم هذا الطعم 'الغريب _ والمنكر' بحجة أنه لا مشاحة في الألفاظ والمصطلحات؟!

فإذا كان هذا القاموس _كأغلب قواميس العلوموالفنون في ثقافتنا المعاصرة _ هي بضاعة غربية ترجمت وعربت أدركنا دور القاموس _في مكتبتنا المعاصرة _ في احتلال العقل العربي والمسلم، وفي تلوينه بلون الحضارة الغربية،وإسهامه في 'تغريب' هذا العقل، وخاصة في ميدان العلوم الإنسانية التي تتمايز فيها الحضارات، ومن ثم تتمايز فيها مضامين الكثير من مصطلحات هذه العلوم والفنون على النحوالذي ضربنا عليه بعض الأمثال.

وهنا تبرز الرسالة الفكرية والمهمة الحضارية للمصطلح والقاموس. فهو الأداة الطبيعية لرؤية وفهم وتفسير تراث أمتنا. إن في الفكر النظريمنه، أو في التطبيقات التي مثلت واقع الأمة وتجربتها بهذا الميدان _ففيه المعاني المنضبطة لمصطلحات 'الفكر' و 'لواقع الحياة'.

وهو السبيل إلى وضع لبنة في صرح الاستقلالالحضاري لأمتنا عندما يضع وييسر للعقل العربي والمسلم سبل إدراك ما لحضارتنا من 'خصوصية' في المعاني والمضامين والمفاهيم.. فيسهم بذلك في تحرير العقل من إسار التبعية وأسرالتغريب.

وهو خطوة على طريق طويل هو طريق الاستقلال الحضاري الذي هو جوهر الاستقلال!



المصدر : اشكالية التحيز/ ج1

/ 1