القرآن والجمال في العلوم الطبيعية
منتصر محمود مجاهد مسلمات المنهج Method Postulates
1 _ عدم التقليد:
قال تعالى {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بلنتبع ما ألفينا عليه آباءنا، أو لو كان أباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون} البقرة 170. وفي هذا إبطال للتقليد لأن معرفة المتقدم بالتقليد يلزم الدور أو التسلسل، لأنهيجب على الإنسان أن يطلب العلم بالدليل لا بالتقليد لأن القول بالتقليد يفضي ثبوته إلى نفيه فيكون باطلا.
وهذا يعني ألا يتقيد الباحث بأقوال سابقة، بل يجب عليه أن يقفموقف الناقد حتى يكون هناك إبداع علمي.
2 _ عدم ابتاع الظن:
قال تعالى {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله، إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} الإنعام 116.أي لا يملكون أن يشيروا برأي ولا بقول ولا بحكم يستند على الحق، أي أنهم يتركون العلم المستيقن ويتبعون الظن فلا ينتهوا إلا إلى الضلال. وقوله تعالى {مالهم به من علم إلاأتباع الظن} النساء 157، أي مالهم به من علم ثابت قطعي لكنهم يتبعون الظن أي القرائن التي ترجح بعض الآراء الخلافية. 3 _ عدم اتباع الهوى:
قال تعالى {وإن كثيراً ليضلونبأهوائهم بغير علم} الأنعام 119. وقوله تعالى {فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا} النساء 135.
وألا يعتمد الباحث على أقوال مجردة في النفس كالهوى الذاتي لأن اتباع الهوىإفساد وفساد. قال تعالى {ولو أتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن} المؤمنون 71. وبذلك يجب أن تكون هناك قوامية بالعدل الذي ينفى الهوى الذي يضل الإنسان.
4 _عدم البغض والكراهية:
قال تعالى {ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى}المائدة 8. أي إقامة العدل المطلق الذي لا يتأثر بالقرابة أو المصلحة بأيحال من الأحوال بعيدا عن المؤثرات، فلا يحملكم الشنآن على أن تميلوا عن العدل. 5 _ عدم تحريف الكلم عن مواضعه:
قال تعالى {من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه}النساء 46. وهو تحريف الكلم عن المقصود به ليوافق الأهواء، ويتخذونه حِرفة وصنعة يوافقون بها أهواء غيرهم.
6 _ عدم البغي والشقاق في القول بالحق:
قال تعالى {إنماالسبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} الشورى 42. أي ظلم الناس بعدوانهم والتكبر في الأرض تجبراً وفساداً بالاعتداء على الناسولهم العذاب بسبب ظلمهم وبغيهم.
7 _ الإنصاف في القول عند بغي البعض على بعض:
قال تعالى {قالوا لا تخف، خصمان بغى بعضنا على بعضٍ فأحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدناإلى سواء الصراط}. فهو الحكم بالعدل مع عدم الظلم والجور والإرشاد إلى طريق الحق الواضح. مع عدم الميل إلى رأي دون الأخر، بل يجب على الإنسان أن يأخذ موقفا حياديا.
8_ عدم التبديل في القول:
أي أن الإنسان لا يبدل ما سمعه أو رآه أي يجب أن يكون موضوعيا. قال تعالى {فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه} البقرة 181. وهذاجانب من جوانب الأمانة العلمية أي أن الإنسان يكون أمينا على كل شيء.
9 _ الأمانة العلمية مع العدل بين الناس:
قال تعالى {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلهاوإذا حكمتم بين الناس أن تحكوا بالعدل} النساء 58. فالخطاب عام لكل واحد في كل أمانة، كما هو أمر بأداء الأمانات إلى أربابها. فالأمانة والعدل هنا حق لكل إنسان دونالتفريق بين هذا أو ذاك, وإنما هو حق لكل إنسان بوصفه إنسانا فهذه الصفة صفة الناس والتي يترتب عليها حق العدل في المنهج الرباني.
10 _ عدم الادعاء في حالة تعطيل الحواسالمدركة:
قال تعالى {مثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء فهم لا يعقلون} البقرة 181 أي أن لهم حواس ولكن لا ينتفعون بها ولا تؤدي وظيفتها فكأنهلم توهب لهم هذه الحواس وهذا منتهى الزراية لمن يعطل تفكيره ويغلق منافذ المعرفة والهداية.
11 _ العدل والقوامة بالقسط والشهادة بالحق:
قال تعالى {يا أيها الذينأمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنياً أو فقيراً فالله أولى بهما} النساء 135. أي إقامة العدل والاستقامة وإقامةالشهادة لله دون تحيز ولا محاباه، فلا تمنعكم القرابة ولا المنفعه عن أداء الشهادة، فإن الحق حاكم على كل إنسان ولا فرق في ذلك بين الغني والفقير.
12 _ الموضوعية:
أوردنا فيما سبق بعض الكلمات كالأمانة والإنصاف والعدل وغيرهم مما يعنيه مفهوم الموضوعية، لأن ما تعنيه الموضوعية في مناهج البحث Methodology هو غياب لكل عوامل التحيز وكفلتأثيرها أو لا تتأثر بدافعك وعرفك وقيمك وموقفك الاجتماعي، هذا الموقف السلبي للموضوعية والاقتصار عليه أمر لا يدعمه المنطق Logic فالموضوعية العلمية موقف وحكم ولا يمكنأن تكون امتناعا عن اتخاذ موقف أو توقفا عن إصدار حكم، بل تدل لفظه الموضوعية على محتواها دلالة مباشرة، فالحكم الموضوعي قد التزم بالموضوع المحكوم عليه، وهذا يمتد علىمحور يجمع بين الباحث الصادر عنه الحكم وبين محتوي حكمه موضوع الدراسة، وإن كان هذا موقفا سلبيا إلا أنه يضمر مقومات إيجابية، فهو يتعلق بتحديدات الباحث وتعريفاتهوتصوراته لأهم عناصر المشروع العلمي. وإذا كانت الموضوعية من عناصر المشروع العلمي، فإننا نتفق في بعض الجوانب ونختلف في جانب آخر.
أما جوانب الإنفاق فهي كالعدلوالأمانة والإنصاف وعدم الظلم وعدم تبديل القول وما إلى ذلك أو ما يقتضيه البحث العلمي في عملية نقل الآراء أو أخذها عن الغير دون تأويل أو تحريف أو قياس سواء كان النصصحيحا أو خاطئا ففي كلتا الحالتين لا يجوز التبديل له. حقيقة أن عدم الوقوف مع النص موقفا إيجابيا أمر يرفضه الإسلام والفطرة السليمة لأن الإسلام لا يريد من الباحث أنيكون سلبيا بل يطلب منه دائما أن يقيم الشهادة لله ولو على نفسه أو أقرب الناس إليه, أي لا يخشى في الحق لومة لائم، وهذا ما يطلبه المنهج الرباني في قوله تعالى: {يا أيهاالذين أمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والإقربين، إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما، فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا، وإن تلووا أوتعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيراً} النساء 135.
بل جعل كتمان الشهادة أثم يستحق المسلم عليه العقاب. قال تعالى {ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه أثم قلبه واللهبما تعملون عليم} البقرة 283. وهذا هو موقف المسلم بأن يقيم الشهادة لله ويأخذ بالحق متى تبين له ذلك، ويعرف الباطل ثم ينقده ويفنده، ولكن ترك الأمور هكذا دون تمييز أو نقدأو إنصاف فإنه تمييع للقضايا العلمية ومساواة بين الحق والباطل.
أما النواحي التي نختلف فيها ما يسمى بالتجرد لدى الباحث من قيمه وعرفه وميوله وأهوائه، أما عن الميولوالأهواء فأنها من الأمور التي يجب على الباحث أن يتجرد منها وهذا ما يعطى الحقيقة العلمية قيمتها.
أما تجرد الباحث من القيم والمبادئ الدينية فهذا أمر يرفضه القرآنكلية وجزئية، لأن مفهوم التجرد الذي يبغيه القرآن أن يتجرد
الإنسان من شهواته ونزواته، أما أن يتجرد من عقيدته وقيمه وأخلاقه فهذا أمر مرفوض، لأن التجرد من العقيدةيعني الكفر. وهذه سمة المفارقة في الموضوعية بين نظرة القرآن إليها والفكر الغربي الذي لا يعينه أكثر من معرفة الحقيقة العلمية وإن أدت إلى دمار كل القيم والأخلاق ولكنالقرآن يطلب من المسلم أن يتبين الحقيقة العلمية مع ملازمة العقيدة والأخلاق في كل الأحوال والتي لا يمكن لأي باحث مسلم أن يستغني عنهما لأنهما هما المقومان الرئيسيانللوازع الضميري في الحق والعدل والشهادة وعدم الظلم.
13 _ اتباع الصادقين في قولهم:
قال تعالى {يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} التوبة 119. أيالقول الحق الصادق الذي يصدر عن الصادقين، فليس هناك غبار على أقوالهم.
14 _ البرهان أو العلم اليقيني:
وهو القائم على الدليل وليس على الظن قال تعالى {قل هاتوابرهانكم إن كنتم صادقين} البقرة 111. وقال تعالى {قل هاتوا برهانكم} الأنبياء 24. أي طلب الدليل على ما يدعيه الإنسان من قول بشرط أن يكون مبرهنا عليه وصادقا وأن يحضر الحجةوالدليل على ما زعم إن كان صادقا. 15 _ إسقاط إلوهية ما دون الله تعالى:
قال تعالى {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر، لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا للهالذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون} فصلت 37. فالحقيقة أن هذه الآية فتحت مجال البحث في العلوم الطبيعية بطريقة منهجية، وذلك في إسقاطها ألوهية كل ما يعبد من دون اللهوجعلها من المسخرات التي يجب البحث فيها وأنها من الدلائل على وجود الله عز وجل، وما يدلل على ذلك بدء الآية بذكر الفلكيات وهي الليل والنهار وتقديم ذكر الليل على النهارتنبيها على أن الظلمة عدم والنور وجود، والعدم سابق على الوجود 'بالنسبة للعالم' وهذا كالتنبيه على حدوث الأشياء ودلالتها على وجود الصانع'
16 _ ألا يخضع الباحث لضغوط:
أي يكون حراً لأن الإنسان لا يستطيع علما إلا عندما يكون حراً، لأن سلب الحرية يعني سلب الباحث لمقوم من مقومات البحث العلمي بشرط أن يكون في حريته وسطا بين هذا وذاك.17 _ إبطال السحر والتنجيم والشعوذة والخرافات الباطلة:
قال تعالى {يعلمون الناس السحر، وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت، وما يعلمان من أحدٍ حتى يقولاإنما نحن فتنه فلا تكفر} البقرة 102.. وهذا يعني ألا يعتقد الباحث في السحر والتنجيم ولا يعتمد عليهما وعلى الخرافات التي أثبت العلم بطلانها وذلك كالقول بأن الأرضمحمولة على قرن ثور وغير ذلك من الأمور التي يجب على الباحث أن ينقدها ويبين خطأها ثم يتركها وبذلك يضع يده على بداية الطريق الصحيح للعلم.
18 _ الموقف النقدي منالسابق:
يجب على الباحث أن تكون نظرته ناقدة، لأنه ربما يكون السابق قد بنى نظرياته على غير أساس من الصحة. قال تعالى {أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون}البقرة 170. أي أنه يجب على الباحث أن يضع الأقوال السابقة على بساط البحث والاختبار حتى يتبين له صحة ما ذهب إليه من سبق وما ذهب إليه هو. 19 _ الاختبار مع العمل:
النظرة العقلية بالنسبة للسابق تكون نظرة تحليلية نقدية باحثة عن الحقيقة لأن إخراج الباحث لما هو سابق يسأل عنه سواء كان مؤيدا أو معارضا ويطلب منه الدليل على صحة ماذهب إليه فإما أن يأتي بالدليل أو يقام عليه الدليل لدحض حجته. قال تعالى {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيهم، قل هاتوا برهانكم إن كنتمصادقين} البقرة 111.
كما لا تكون آراؤه ذات أماني فقط فلابد من التحقق من هذه الفكرة بالعمل الجاد المثمر حتى يصل إلى الحقيقة، لأنه ليس بعد الحق إلا الضلال.
20 _ عدمالبدء بفروض ملغية وذلك عند البحث عن الحقيقة وذلك كثبات الأرض وعدم دورانها.
21 _ الفصل بين الثابت والمتغير:
إن الفصل بين الثابت والمتغير في الكون أمر ضروريبالنسبة للباحث حتى يكون هناك إنجاز علمي دون مضيعة للوقت في البحث فيما ينفع البشر دون تدخل منهم وذلك مثل إشراق الشمس وتعاقب الليل والنهار وإنزال المطر وإرسال الرياحوغير ذلك فيما يخضع للقانون الكوني الثابت، أما غير ذلك من المتغيرات فللباحث حق البحث فيها. هذه هي مسلمات المنهج والتي يجب على الباحث أن يبدأ منها كنقطة انطلاقةللبحث العلمي الصحيح مع وجود العناصر والأدوات المكملة لقواعد المنهج. وإذا كانت هذه الأمور السابقة مسلمات إلا أنها من الممكن أن تكون عوائق للمنهج. وذلك عندما يأخذالباحث الطريق العكسي أي التنحي عن هذه المسلمات ونفيها وعدم الأخذ بها تكون عوائق للمنهج يضاف إلى ذلك:
المصدر : أسس المنهج القرآني في بحثالعلوم الطبيعية