العرب والمسلمون بين أزمة الغذاء وتحديات الوجود الحضاري
أ.د.محيي الدين عبدالحليم هالتني البيانات الإحصائية التي أعلنتها المنظماتالدولية حول المستقبل الغامض الذي ينتظر العرب والمسلمين في ظل التضخم الكبير لأعداد السكان، من دون أن يقابل ذلك زيادة تذكر في حجم الإنتاج اللازم لتوافر الطعام معالعجز الكبير في الموارد المالية المتاحة لتوافر الحد الأدنى من الحاجات الأولية للإنسان في الدول الإسلامية، ففي الوقت الذي يزداد فيه الطلب على الغذاء بمعدلات كبيرة،فإن نسبة الزيادة السكانية في هذه الدول قد بلغت 2.7%، وهو أعلى المعدلات في العالم مقابل 0.9% في الدول الغربية، وقد أدى هذا الوضع إلى ارتفاع نسبة ما تستورده من الغذاء حتىبلغ 70% من مجموع استهلاكها السنوي للطعام، وتشير البيانات الإحصائية إلى أن ما بين 30 و100 مليون شخص يعانون الآن من عملية الموت البطيء بسبب الجوع والعوز، ويكفي أن نعرف أنمعدلات وفيات الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ست سنوات يزيد على الخمسين في المئة، كما تشير هذه المعدلات إلى أنه من بين كل خمسة أطفال قبل سن الخامسة والنصف يموت طفل مسلمبسبب نقص التغذية، وفي بعض المناطق يموت أربعة من كل سبعة أطفال قبل بلوغ سن الرابعة·
وتشير الإحصاءات إلى أن 50% من مجموع السكان في الدول الإسلامية لا يحصلون علىالقدر الكافي من الطعام، ويتعرضون دائماً للمجاعات، وقد زاد الطين بلة قيام الدول الصناعية الغنية بتصدير علف الحيوان لغذاء الإنسان، كما أشار بذلك أحد التقاريرالصادرة عن البنك الدولي، وقد ترتب على هذا الوضع المتردي في هذه الدول ارتفاع الإصابة بأمراض فتاكة مثل: الكساح والبرص، ما اضطر هذه الدول إلى الاستدانة للحصول علىالواردات الغذائية، حتى بلغت الديون المتراكمة عليها مبلغاً ضخماً يصعب سداده في ظل الإمكانات المتاحة، ما يهدد حاضرها ومستقبلها وذلك بسبب سيطرة الدول الدائنة علىصانع القرار في الدول المدينة، حتى أصبحت الدول الإسلامية أسيرة لمن يقدم لها الطعام، فمن لا يملك طعامه لا يملك قراره·
ويؤدي سوء التغذية في البلاد الإسلامية إلىالحد من وجود قوى عاملة منتجة ومبدعة، إضافة إلى نقص في متوسطات الأعمار حتى بلغت بين 33 ـ 42 سنة مقابل 74 سنة في دول غرب أوروبا، ما يقضي على كل أمل للحاق بركب التقدمالتكنولوجي الذي يسود العالم الآن، والذي أسفر عن ثورة هائلة في مختلف مناحي الحياة في العالم المتقدم·
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو أنه إذا كان الطعام يستهلكالجانب الأكبر من الناتج القومي للدول الإسلامية لتلبية الحاجات للإنسان بها، فماذا يتبقى لهذه الدول لتنفق منه في مجالات البحث العلمي وتطوير التعليم وغير ذلك منالمتطلبات الضرورية لتوافر الحد الأدنى من الحياة الكريمة لشعوبها؟
إن المشكلة هنا تكمن في سوء الإدارة وغياب التخطيط العلمي ودكتاتورية الأنظمة لأن ثمة علاقةعضوية بين الإدارة الناجحة والتقدم الاقتصادي، ويكفي أن نعرف أن دولة مثل اليابان تفتقر إلى الموارد الطبيعية والأراضي الصالحة للزراعة قد حققت قفزات هائلة في مختلفميادين الحياة، وأصبحت عملاقاً اقتصادياً ضخماً يناطح الدول الرأسمالية الكبرى في أوروبا والولايات المتحدة، وإذا كانت اليابان قد حققت هذه المعجزة الاقتصاديةالمدهشة، فإنها قد بدأت أولاً بإصلاح النظام السياسي والإداري بها، كما نحجت في بناء الإنسان الياباني بناءً صحيحاً سوياً، منتمياً إلى وطنه، وعاشقاً لبلده إلى حدالعبادة، ومن ثم فإن النجاح السياسي والإداري كان العامل الرئيس في تحقيق الثورة اليابانية الهائلة في مختلف مجالات الحياة، وهذا بخلاف الاتحاد السوفييتي السابق ودول
أوروبا الشرقية التي أقامت نهضتها
الاقتصادية والعسكرية في ظل نظم قمعية تم فيها قهر إرادة الإنسان وتحطيم معنوياته، وكذلك في أندونيسيا التي أقامت نظاماً هشاًظاهره القوة وباطنه الفساد، ما أسفر عن سقوط النظام للوهلة الأولى بعد أن تبين أن الطفرة الاقتصادية التي تمت في عهد <سوهارتو> خلال الأربعين عاماً التي حكمها قداستشرى فيها الظلم والقهر كما انتشرت السرقات والرُشا، وفي أول اختبار لصلابة هذا النظام تهاوى هذا البنيان في أوحال الدكتاتورية وسوء الإدارة وفساد الحكم، وفوجئالعالم بالشعب الأندونيسي المسلم يتكفف قوت يومه، ولا يكاد يجد ما يسد رمقه· وفي ضوء هذا الوضع الخطير الذي تعيشه الدول الإسلامية، فإنه لابد من وقفة عاجلة وحاسمةلوضع الأمور في نصابها الصحيح لأن هذه الدول ليست فقيرة في مواردها الطبيعية أو طاقاتها البشرية، أو المساحة الزراعية القابلة للاستصلاح بها، ولكنها فقيرة في أسلوبالإدارة وفي السياسة العامة التي تحكم الأوضاع بها، ويكفي أن نذكر أن إسرائيل على الرغم من صغر حجمها وحداثة عهدها واحتلالها لأراضي العرب، تتفوق على البلاد العربيةكلها ليس فقط في نوعية المنتجات التي تصدرها إلى الخارج، ولكنها تتفوق في وفرة الإنتاج ونوعه، كما أن الأسواق الدولية تقبل على منتجاتها، ولم تصدر شهادة دولية واحدة ضدهذه المنتجات، وكذلك فإن الإدارة الإسرائيلية قد حققت نجاحاً كبيراً في تسويق الإنتاج الزراعي من الفاكهة والخضراوات والحبوب، ما جعل الدول الإسلامية تستعين بخبرتهاوخبرائها، إن المقارنة بيننا وبينهم تدعو إلى الأسف وإلى الحزن، فقد أتاح النظام الإسرائيلي للإنسان الفرصة لكي يبدع ويضيف، ويقدم ما لديه من أفكار لإثراء الحياة هناك،في حين أن الإنسان الذي يعيش في عالمنا الإسلامي لا يستطيع أن يقدم شيئاً في ظل أنظمة استبدادية لا هم لها إلا البقاء في السلطة، ولو على أشلاء المرضى وجثث الضحاياومستقبل الشعوب، ويكفي أن نعرف أن متوسط دخل المواطن الإسرائيلي يفوق متوسط دخل المواطن العربي بنحو عشرين مرة·
وإذا كانت الدول العربية والإسلامية تحتفظ في باطنأرضها بالكنوز الهائلة والموارد الطبيعية ووفرة المياه والمساحات الشاسعة من الأراضي، فإن الأمر هنا يحتاج إلى وقفة أمينة وصادقة مع النفس لمعرفة الأسباب التي أسهمت فيهذا الاختلال، ويكفي أن نعرف أن الوطن الإسلامي يشغل مساحة جغرافية تقدر بنحو ثلاثة بلايين هكتار منها 2.2 بليون صالحة للإنتاج المحصولي، لا يزرع منها حالياً إلى 242مليوناً فقط، أما باقي المساحة الصالحة للزراعة فلم يتم الاستفادة منها حتى الآن، وتتعرض المياه المتوافرة بها إلى الضياع وعدم الاستغلال، إضافة إلى الثروة البشريةالقادرة على العطاء مما يتسبب في تقليص نصيب الفرد من الأراضي الزراعية إلى أقل من ثلث هكتار وذلك من مجموع مساحة العالم البالغة 13 بليون هكتار·
وقد أدى سوء توزيعالموارد الطبيعية والطاقات البشرية في العام الإسلامي إلى تفاوت الدخول، وإلى حدوث اختلالات كبيرة في مستويات المعيشة بين أبناء الوطن الواحد، إضافة إلى عدم القدرة علىتحقيق الحد الأدنى من التناسب والتوازن في توزيع السكان والموارد والاعتماد على سلعة واحدة وندرة رأس المال وانخفاض مستوى المعرفة التقنية، وعدم الاستفادة من الأساليبالمتقدمة في الإنتاج، وارتفاع نسبة الأمية، وعدم التوازن بين الإنتاج والاستهلاك، إضافة إلى عدم التنسيق بين الدول الإسلامية في غيبة استراتيجية واضحة المعالم ترسمالطريق وتحدد الأوليات، كل هذه الأمور والمعوقات تنذر بخطر محدق يجب تداركه قبل أن يتفاقم الأمر ويصعب السيطرة عليه، ويحدث انهيار في البنية الأساسية لهذه المجتمعات،وذلك في إطار برنامج عمل يحقق التكامل والتوازن، ويتجاوز الخلافات والتناقضات السياسية والأيديولوجية في عالم يقوم نظامه على التكتلات الاقتصادية·