شعارات العلمانیة (3) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

شعارات العلمانیة (3) - نسخه متنی

حسن حنفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

د

د. حسن حنفي

الشعارات العلمانية ( 3 )


وإذا كانت العلمانية قد رفعت شعارات 'العقل' و'العلم' و'الإنسان' و'الحرية' فإنها رفعت أيضاً شعارى'المجتمع' و'التقدم'، وكلها تجعل مُثلُ التنويرُ مثلاً علمانية صرفة، لا يشاركها فيها أحد من التيارات الفكرية الأخرى خاصة ولو كانت متصلة بالدين لأنه شعارات أتت مناهضةللدين طبقاً لتجربة الغرب مع المسيحية الغربية في مطلع العصور الحديثة، الإصلاح الديني وعصر النهضة.

ويتضمن شعار 'المجتمع' عدة شعارات أخرى مثل المساواة، والعدالةالاجتماعية من الناحية الاقتصادية، والديمقراطية والعقد الاجتماعي من الناحية السياسة، والقانون الوضعي وحقوق الإنسان من الناحية القانونية.

ومنذ مبادئ الثورةالفرنسية الثلاثة الشهيرة، بدأ شعاراً الإخاء والمساواة على أساس أنهما بناء اجتماعي جديد يرفض اللامساواة والتفاوت الطبقي كما كان الحال في المجتمع الإقطاعي. ولكنتشكيل المجتمع الرأسمالي في القرن التاسع عشر القائم على الربح أدى إلى ظهور الإيديولوجيات الاشتراكية الطوباوية والأخلاقية والدينية والعلمية دفاعاً عن الاشتراكيةوالعدالة الاجتماعية. بل إن المجتمعات الرأسمالية ذاتها تبنت كثيراً من المبادئ الاشتراكية لتحقيق المساواة بين المواطنين مثل قوانين العمل والتكافل الاجتماعيوالضمان الاجتماعي والتأمين ضد البطالة والعجز والشيخوخة إلى آخر ما هو معروف باسم الاشتراكية الاسكندنافية.

والسؤال الآن: لماذا يقتصر هذا الشعار على العلمانيةوحدها؟ ألا يوجد في كل ثقافة غربية أو شرقية، تقليدية أو علمانية؟ فإذا أخذنا التراث الإسلامي نموذجاً ألم تظهر قيم المساواة والعدالة الاجتماعية والتضامن الاجتماعي فيثناياه؟ وماذا عن الأحاديث النبوية الكثيرة في ذلك مثل 'الناس سواسية كأسنان المشط' و'أنا شهيد على أن عباد الله إخوانا'، 'ليس منا من بات شبعان وجاره طاو'، وكل الأدبياتالتي برزت في الستينات عن الإسلام والاشتراكية سواء نصوص القرآن أو الأحاديث أو نظريات الاستخلاف والعلاقة بين العمل والقيمة، والملكية العامة لوسائل الإنتاج التي تمسالصالح العام مثل الماء والكلأ والنار بالعقلية الصحرواية أي الزراعة والصناعة بالمعنى الحديث؟ وقد برزت عند المصلحين المحدثين أقاويل عمر وأبي ذر الغفاري مثل 'عجبتلرجل لا يجد قوت يومه ولا يخرج للناس شاهراً سيفه' أو 'والله لو كان الفقر رجلاً لقتلته'، وزيادة الأفغاني 'عجبت لك أيها الفلاح تشق الأرض بفأسك ولا تشق قلب ظالمك'. فلماذاتقتصر شعارات المساواة والإخاء والعدالة الاجتماعية على العلمانية الغربية وحدها إلا تقليداً للغرب ونسياناً للتراث؟

كما يتضمن شعار المجتمع العلماني شعارى 'العقدالاجتماعي' و'الديمقراطية' بالمعنى الغربي. فالإنسان مواطن في مجتمع، والمجتمع مجتمع المواطنين، وليس قِنّا عند إقطاعي أو من رعية عند ملك أو مؤمن في كنيسة. ويرتبطالإنسان بغيره عن طريق عقد اجتماعي يخوّل به جزءاً من سلطته إلى ممثل لمجموع المواطنين لتحقيق مصالح المجموع طبقاً لمبدأ الانتخاب الحر، وأولوية الإرادة الجماعية علىالإرادة الخاصة.

فلماذا يقتصر هذان الشعاران على العلمانية وحدها كما وردت من الغرب في الفكر العربي الحديث، والإصلاح الديني ما زال يجدد ويجتهد لتحقيق غايات الأمةابتداء من موروثها الثقافي تحقيقاً للتغير من خلال التواصل وليس تقليداً للغير من خلال الانقطاع؟ ألم ينص القرآن على الشورى؟ ألم يحّذر الحديث من التسلط والاستئثاربالرأي؟ 'لا خاب من استشار'؟ لقد جعل علماء الأصول الإمامة عقداً وبيعة واختياراً. فإمام المسلمين ممثل لهم في مصالحهم وليس ممثلاً عن الله أو نائباً أو خليفة له. والخروجعلى الإمام الظالم واجب شرعي لأن الإمام خرق العقد من طرفه بظلمه، ولم يستمع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا إلى النصيحة.

ويتضمن شعار المجتمع مفهوم'القانون الوضعي' في مقابل الشريعة الإلهية، الإرادة العامة في مقابل الإرادة الإلهية. وقد كانت هذه تجربة الغرب عندما جعلت الكنيسة نفسها ممثلة للإرادة الإلهية ولمتراع مصلحة الناس. فثار الناس عليها واضعين الإرادة الجماعية التي تعبر عن مصالحهم ضد الإرادة الإلهية الممثلة في الكنيسة. وأصبح القانون الوضعي الذي يعبر عن القانونالطبيعي الذي يعبر بدوره عن حقوق الإنسان هو أساس القانون والدستور في المجتمع.

وأخيراً ترفع العلمانية شعار 'التقدم' وتجعل ما سواه من دعاة التخلف والعودة إلىالوراء. وتفخر العلمانية الغربية بأنها أنجبت للعالم مفهومين أساسيين في العصر الحديث، الإنسان والتقدم.

فلماذا يقتصر شعار 'التقدم' على العلمانية الغربية وحدها؟أليس التقدم جوهر كل تاريخ، ومسار كل حضارة، فقد تحول الدين من السماء إلى الأرض ومن الله إلى الإنسان في التراث الشرقي القديم، في الصين من ديانات الصين القديم إلىكونفوشيوس ولاوتزى، وفي الهند من الهندوكية إلى البوذية، وعند اليونان من الأساطير إلى الفلسفة، وفي حضارات ما بين النهرين من الآلهة إلى قوانين حمورابي.

إن مفهومالعودة إلى الوراء في الزمن الماضي هو أحد المفاهيم الموروثة بالفعل التي تجعل التاريخ متناقصاً في الكمال جيلاً وراء جيل، وتجعل العصر الذهبي إلى الوراء وليس إلىالأمام، وأن الإيمان يتناقص مع الزمن. ولكن هذا التصور كان باستمرار تصور السلطة السياسية دفاعاً عن نفسها ضد المعارضة. أما تصور المعارضة للتاريخ فكان يجعل المستقبلخيراً من الماضي، وأن العدل سينتصر على الظلم مهما طال الزمن.

هذه الشعارات العلمانية أيضاً ليست خالية من العيوب إذا كانت وافدة من الغرب. فلم تمنع من وقوعه في أبشعأنواع الاستغلال واقتصاد السوق القائم على الربح بالرغم من رفع شعار المساواة والعدالة الاجتماعية. ولم تمنع شعارات الديمقراطية والعقد الاجتماعي من ظهور النازيةوالفاشية والعنصرية ونظم التسلط والتحايل على القانون وتغييره طبقاً لموازين القوى وتبدل المصالح. كما انتهى مفهوم التقدم المطلق إلى نكوص وإفلاس وتشاؤم والرغبة فيالعودة إلى الوراء ونمط الحياة البدائية البسيطة الساذجة في الفن والفكر وأساليب الحياة العامة. فقد حصل الغربي على التقدم ولكنه لم يحصل على السعادة. وكانت نهايةالتقدم الانتحار واليأس والضياع والحرب وانتهاك حقوق الإنسان والتصنت على حياته الخاصة باسم التقدم في المعلومات.

إن الفكر العربي في مرحلته الراهنة في حاجة إلىنظرة لهذه الشعارات العلمانية عن طريق ردها إلى مصادرها ونشأتها في الغرب كتجربة خاصة لشعب خاص وبيان حدودها إذا ما انتقلت إلى غيرها من الثقافات. كما يحتاج الفكر العربيإلى أن يؤصل احتياجاته وغاياته في موروثة الثقافي لعله يستطيع أن يحقق التغير من خلال التواصل، وأن يبدع مرتين في نقد الثقافة الوافدة ونقد الثقافة الموروثة بدلا من أنيقلد الوافد ويرفض الموروث.



المصدر : الدين والثقافة والسياسة في الوطن العربي

/ 1