حوار بین أرکون - بولکستاین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حوار بین أرکون - بولکستاین - نسخه متنی

محمد أرکون

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

محمد اركون

محمد اركون

مقاربة الوعي (الاسلامي) المعاصر


إننا نضع كلمة اسلامي بين قوسين لكي نلفت الانتباه إلى مسألة خاصة تتعلق بشرعيةإطلاق مثل هذا التعبير بالنسبة للمسلم الذي يقبل ـ حتى ولو قليلاً ـ أن يخضع لمعطيات التاريخ وعلم الاجتماع والتيولوجيا والتحليلات الخاصة بها. إذا كان الوعي يستأهل صفة(اسلامي) من وجهة نظر ذاتية ـ أي من وجهة نظر المسلم نفسه ـ فإنه من غير الممكن وصفه بذلك من وجهة نظر موضوعية إلا ضمن الحدود التي يكشفها التحليل النقدي.

كيف يمكنمقاربة بهذا الوعي؟ أين يمكن لنا استكشاف أمثلته الحقيقية ذات الأهمية؟ هل يجب أن نعطي امتيازاً خاصاً لأولئك الذين يحرسون المؤسسات والأملاك الدينية ويضمنوناستمراريتها؟ ما المكانة التي ينبغي تخصيصها للخطابات الرسمية التي تمجد خصائص الاسلام بحماس لا حد له، ولتلك المؤلفات المدرسية والمحاضرات الثانوية والجامعية،والمؤتمرات ومقالات الصحف: وحتى المجلات الاختصاصية؟

الخطاب الاسلامي اليوم ذائع ومنتشر أكثر من أي وقت مضى. ووفرته وتكاثره وانتشاره الواسع كانت قد أدت في وقت قصيرإلى غلبة الشخصية الجماعية على الشخصية الفردية. من الممكن إذن أن نختار من هذه الخطابات الكثيرة التي لا تنفك تتزايد وتطغى عينة تحتوي على الموضوعات والمعاييروالفرضيات الأساسية التي تشكل الشخصية الجماعية بأسرها. سوف نقترح للدراسة والتحليل هنا خاتمة أحد كتب مؤلف مصري معروف هو أنور الجندي.

1 ـ الاسلام هو الذي حرر العقلوالنفس الانسانية من الوثنيات من عبادة غير الله، وحرر الفكر والإرادة والعمل. ورفض استعلاء الوجدانيين والعقلانيين، وقرر أن أبرز مفاهيمه هي المطابقة بين العقيدةوالعمل والكلمة والسلوك.

2 ـ اعترف الاسلام بميول وعواطف الانسان، فقرر أن في الانسان ميولاً وعواطف مختلفة، وكلها فيه غريزية طبيعية أودعها فطرته لتكمل في شخصهونوعه. ولقد كانت الدعوة إلى الحرمات ووقف تيار هذه الميول بالرياضيات قبل الاسلام سبباً في تعطيل قوى النفس الانسانية. وقد أنكر الاسلام طريقين لتحرير الانسان هماالتقشف والإباحة. ووضع الاسلام طراق لتطهير النفس كالعبادات والصوم. وتهذيب النفس أصل من أصول الحضارة الاسلامية. ذلك أن على الانسان أن يتحرر من ميول النفس ورغائبهاوأهوائها وخضوعها لخير الله.

3 ـ إن الاسلام لم يعرف روح النسك التي عرفتها بيئات الأديرة والصوامع. ولم يكن في الاسلام دعوة إلى الرهبانية. بل كانت دعوته إلى: (قل منحرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).

ـ ولم يستسلم المسلمون، ولم يكن إيمانهم بالقضاء والقدر داعية استسلام، بل داعية تحفز وعمل، وتضحية بالنفس فيسبيل الحق الذي آمنوا به واعتنقوه. أما المناضلة ضد الغيب بمفهوم كشف أسرار المادة وما يكمن فيها من تفاعل، فإنهم قد ذهبوا فيها إلى أبعد شوط، ولكنهم كانوا مؤمنين بالله،فعفوا عن مثل ألفاظ مناضلة الغيب أو صراع القدر أو قهر الطبيعة. وهذه كلها عبارات لا يقرها الاسلام. والاسلام يؤمن بتذليل الطبيعة لا تحدي الطبيعة. ويؤمن بلقاء الأجيال لاصراع الأجيال.

4 ـ لا يقر الاسلام نظرية تغير الأخلاق باختلاف البيئات والعصور، كما لا يقر نظرية التطور المطلق الذي يتحرك في فراغ. ولا يقر تقديس العقل ولا عبادةالباطل. إن مفهوم الأخلاق هو خلافنا الأساسي مع الفلسفات المادية. ومفهوم التوحيد هو تميزنا الأصيل عن الفلسفات الوثنية.

5 ـ في الاسلام ليس الانسان شريراً على وجهالاطلاق. وليست عليه مسؤولية خطيئة سابقة، وليست الخطيئة متأصلة في كيانه. هذه وجهة النظر المتشائمة التي لا يقرها الاسلام. وليس الانسان من طبيعة صالحة خيرة على إطلاقالقول. والاسلام يرى أن في الانسان طبيعة الخير والشر. وأن إيمانه بالله هو الذي يرده عن الشر. وليس الانسان عبداً لمواريثه أو لبيئته، بل إنه قادر بالفهم لمهمته أن يحررنفسه من كل الأخطاء. وكل موروث يمكن تغييره ولا تصد المواريث أو البيئة النفس الانسانية عن التحرر والتغيير.

6 ـ والأخلاق في مفهوم الاسلام قوانين أخلاقية ثابتة يميزبها الحسن والقبيح، والحلال والحرام، والخير والشر. والمسلم يرى العمل حسناً حين يأمر به الله. والمسلم يؤمن بأن إرادة الله وراء القوانين، وهي التي تجعل الحسن حسناً،والقبيح قبيحاً.

7 ـ وإن أبرز مفاهيم الاسلام أنه لا انفصال بين الدين والحياة، وبين الدنيا والآخرة، وبين الروح والجسم، وبين الواقع والمثال. فالاسلام يرفض تمزيقالجبهة الفكرية بين الاقتصاد والسياسة والاجتماع والدين، ويؤكد بقاء كل العناصر في اتجاه واحد قوامه (وحدة النفس الانسانية).

وبذلك يقضي على كثير من الأخطار التيتواجه الفكر المعاصر، والنفس الانسانية، والتي هي مصدر أزمة الانسان الحديث. إن أزمة القلق التي يعانيها المثقف المسلم اليوم إنما تعود إلى أصل واحد ومصدر واحد هو أنهترك مقوماته الأساسية وقيمه، في نفس الوقت الذي أخذ يواجه فيه النظريات والمذاهب العالمية. ولو أنه التقي بالفكر الاسلامي وهو صادر من قيمه ومقيم على قاعدته لما وقع مثلهذا التمزق، أو هذه الأزمة. ولعل أبرز مقومات الفكر الاسلامي الأساسية هو: تلك القدرة الدائمة على مقاومة كل عدوان، وظهور القوة المدخرة وبروزها على نحو مذهل إبانالتحدي، وذلك حتى في أشد فترات الضعف والقدرة الدائمة على مقاومة كل ما يضاد مفاهيمنا وقيمنا على مدى التاريخ كله، والإيمان بالذود عن مقوماتنا الأصيلة.

8 ـ إن روحالاسلام ومنهجه الجامع بين الأخلاق والشريعة في ظل عقيدة التوحيد لا يعارض سير الحضارة. بل هو يدفعها دفعاً إلى الغايات العليا. ولكنه يتعارض مع التجاوزات الإباحية التيفرضها الإلحاد والتي ليست من مفهوم الحضارة بمعنى أنها دعوة إلى التقدم. ومن هنا فإن القول بأن الدين عامة أو الاسلام يعارض تقدم الحضارة هو قول مردود، فالحقيقة أنهيعارض تقدم هذا الجانب من الإباحية والإلحاد والنظرية المادية، وهي ليست الحضارة. إن حضارة الاسلام تستهدف ترقية النفس وتحريرها من قيود الأهواء والشهوات بحيث تصبحربانية الهدف، إنسانية الطابع تعمل لله، وتتجه بالخير إلى الناس جميعاً.

9 ـ قرر الاسلام أن للوجود الانساني سنناً لا تتبدل ولا تتحول، ولا تزال عاملة على مقتضىنظامها المقرر لها.

10 ـ لا يقر الاسلام إقصاء الدين عن منطقة الحياة الاجتماعية، ومن هنا فقد أقام الاسلام منهجاً متكاملاً للخطوط العامة التي يقوم عليها سلوكالانسان في الحياة إزاء نفسه وإزاء باقي الجماعة.

11 ـ من طبيعة الاسلام قدرته على التوفيق ببراعة بين المتناقضات جميعاً دون أن يميل إلى جانب أو يغلب كفة على أخرى. فهويدعم الجماعية والفردية، ويربط الروحية والمادية، ويستوعب النفس والعقل الانساني. ومن طبيعة الاسلام الجمع بين الثبات والحركة. وهو يقيم الحركة في إطار الثبات وعلىقاعدته. وهو في نفس الوقت الذي لا يقر فيه التعصب والتزمت، لا يقر الانطلاق والحرية غير المنضبطة. والاسلام يطالب المسلمين بالحركة وتغيير وسائلهم وأساليب معيشتهموالأخذ من كل جديد في إطار قيمهم ومبادئهم، ودون التضحية بها.

12 ـ لا بد من التفرقة بين العقيدة في أصولها السمحة وبين عملية التطبيق في المجتمع الاسلامي، وكذلكالتفرقة بين مراحل القوة ومراحل الضعف. إن المبادئ الأساسية للاسلام ستظل قابلة للتطبيق، لأنها مثل أعلى في الأصالة. ولا ريب أن توقفاه وتغلب مذاهب أخرى عليها في هذاالعصر ليس إلا عرضاً من أعراض ضعف المسلمين وعجزهم عن القيام على منهجهم وهو عرض زائل يمر بكل الأمم. ثم تكون اليقظة عاملاً على تجاوزه. وفي المبادئ الاسلامية من المرونةوالسماحة ما يصلح المجتمع البشري كله، ويقدم له أصدق الحلول لمشاكله وقضاياه من خلال الإيمان بالله والأخلاق وقيام المسؤولية الفردية في ظل الإيمان بالبعث والجزاء.

13 ـ الإيمان بالقضاء والقدر كما جاءت به الأديان السماوية مفروض على المؤمنين في النتائج لا في الأسباب، فهم مطالبون بالأسباب، مفروض عليهم السعي والأخذ بها، مطالبونبعد ذلك بأن يتركوا النتائج لله. ومن هنا كانت عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر سر عظمة المسلمين الأولين، لأنهم أخذوا في الأسباب وبذلوا جهدهم في استقصائها إنفاذاً لأمرالله، ولم يأبهوا للنتائج الضارة المؤلمة، رضاء بقضاء الله. ففازوا بالحسنيين، وكان أحدهم حين يخرج للجهاد في سبيل الله لا يبالي أوقع على الموت أم وقع الموت عليه. ولقدكانت عقيدة خلود الروح من أقوى الدعائم التي دفعت المجاهدين المسلمين إلى الموت غير مكترثين، واستصغار الدنيا وزخرفها.

14 ـ إن أثر الاسلام واضح في كل الثورات التيقامت على القيود التي تمنع العقل من التفكير، أو تفرض جماعة خاصة تحتفظ بالأسرار وإليها ترد الأمور ومن الاسلام انطلقت الدعوة إلى تحرير الفكر البشري من الوثنية،وانطلقت الدعوة إلى حق كل إنسان أن يفهم كتاب الله دون وسيط، وأن يتصل بالله دون وسيط. وبالاسلام انطلقت الدعوة إلى التحرر من عقائد الآباء إذا لم تكن قائمة على الحقالواضح الذي يقره القلب. ومن مفهوم القرآن تحررت البشرية حضارياً من مفهوم العبودية الذي سيطر على كل الحضارات القديمة (فرعونية ـ وفارسية ـ ورومانية) وجعل البشر رقيقاًلمجموعة قليلة من السادة. ومن مفهوم القرآن والاسلام انتقلت البشرية من منهج التأمل النظري إلى التجريب، وإخضاع الأمور للبحث العلمي. ومن مفهوم القرآن انطلقت الدعوة إلىمقاييس الإيمان بالله وإعلائها على مقاييس العصبية والعنصرية، وخلق الجماعة التي تربطها رابطة الفكر والعقيدة بدلاً من الدم والعنصر. ومن منطق القرآن تحرر الانسان منأخطار البحث عن الله والكون، والموت والبعث.

لا يمكن تفسير التاريخ الاسلامي بالظروف المادية أو بتحديات الاقتصاد وحده. إن هناك عوامل مختلفة تحكم تاريخ الأمموبعضها غير مادي. وتاريخ الاسلام تحكمه عوامل كثيرة منها عوامل نفسية وروحية.

15 ـ لقد عجز العلم عن تقديم تفسير نهائي لكل الأشياء. وفي الاسلام ليس هناك تناقض بينالعلم والإيمان. والمسلم لا يجد في منجزات العلم ما يتعارض مع الإيمان. والفكر الغربي هو الذي فرق بين النظرة الدينية، والنظرة العقلية والعلمية.

16 ـ إن النضالاتالوطنية قد انطلقت تحت راية الجهاد في سبيل الله قبل أن تنطلق تحت راية الجهاد في سبيل الوطن. ولقد كان الاسلام في أغلب هذه النضالات رمزاً للمقاومة الروحية ضد الاحتلالوالاستعباد الاستعماري، وكان الضمان لاستمرار وحدة اللغة والثقافة، وكانت تتجسد فيه كل القيم النقية التي لم تكن متوفرة في ظل الاستعمار.

17 ـ الحركة قانون من قوانينهذا الكون، ولكنها ليست حركة مطلقة من كل قيد، وليست حركة عشواء بلا ضوابط ولا نظام. ولما كان لكل كوكب فلك ومدار ومحور، فإن الحياة البشرية كذلك لا بد لها من محور ثابت،ولا بد لها من فلك تدور فيه، وإلا انتهت إلى الفوضى.

18 ـ إن الفصل بين الدين والدولة هو نتاج وافد غريب. وهو من معطيات العقائد الأوروبية في تشكلها وصراعها خلال تاريخطويل. ولكنه ليس من معطيات الاسلام، بل إن الاسلام في تكامله وترابط القيم فيه يقيم من الدين والدولة كلاً متكاملاً. فالاسلام دين ومنهج حياة وشريعة وخلق. والمسيحيةبطبيعتها منهج يقوم على العبادة والوصايا الأخلاقية، وليست شريعة منفصلة، لأنها لم تكن إلا إحدى رسالات بني إسرائيل، مصدقة للتوراة، جاءت مكملة للناموس. وميزة الاسلامالتي خصته بأن يكون نظاماً متكاملاً هو أنه قد قدم مبادئ عامة وأصولاً ثابتة في مجال الشورى والعدالة والمساواة تصلح لاقامة مجتمع متماسك. وتترك للبشرية في تطورهاواختلاف عصورها وبنياتها القدرة على تقرير اسلوب مناسب في إطار هذه الأصول. وهو ما يحول دون الجمود ودون التعارض مع تطور المجتمعات. غير أن هذه الأصول واجبة الإقرار، وإنمقرراتها ثابتة لا تتعرض للتطور أو التحول. وهي تخضع أبداً لتغير المجتمعات. ومن ذلك حدود الله في الزنا والربا والخمر والسرقة.

19 ـ الحرية في مفهوم الاسلام ألا يبقىالانسان عبداً لشهواته ولا عبداً لغير الله، وإلا يخضع لسلطان غير سلطان الخالق. ويأنف أن يكون عبداً للانسان. والحرية في الاسلام هي حرية جامعة شاملة تقوم على التحرر منقيود الجهل والخرافة والوثنية والتقليد. والاسلام أول من دعا إلى هذه الحرية. ولقد علم الاسلام الانسان كيف تتفق حرية الفكر مع استقامة الدين. ولقد عرف الاسلام (الحق)عاماً شاملاً بالنسبة للمسلمين وغير المسلمين، بينما عرف الغرب الحق على أنه شيء في أوروبا، وشيء في المستعمرات يختلف عنه. ولقد كان المسلمون صادقين في تطبيق حرية الفكرعلى الناس جميعاً، وحافظوا على القاعدة الأساسية: (لا إكراه في الدين). ولم يسفكوا دم أحد عقاباً له، لأنه قال رأياً يخالف رأي الاسلام، إلا إذا اتصل ذلك القائل بالخيانةالسياسية. وكما دعا الاسلام إلى تحرير الفكر دعا إلى تحرير الجسم، فالاسلام هو الدين الذين جاء ناقضاً للرق.

20 ـ إن أبرز معطيات الاسلام هي قدرته على معايشة الحضاراتوالثقافات المختلفة، واستمراره في مختلف الأزمنة والبيئات. فهو قادر على إجراء حركة التصحيح من داخله، ورد الشبهات ومقاومتها، والمحافظة الدائمة على طابعه الانسانيوأصله الرباني. إن ميزة الاسلام في شموله وتكامله أنه جمع بين الحريات والضوابط، وبين الفردية والجماعية وبين العلم والدين، وبين العقلانية والوجدان، وبين الروحوالمادة، وبين الوحي والعقل، وبين الدنيا والآخرة، وبين الغيب والشهادة وبين الثبات والتطور، وبين الماضي والحاضر، وبين المحافظة والتجدد، وبين الاسلام والانسانية...

كيف نقرأ هذا النص؟

إذا كنا قد خصصنا مكاناً واسعاً لخطاب عدواني واستبدادي ومناقض لأبسط الحقائق العلمية كهذا الخطاب، فإن ذلك يعود إلى أهميته التمثيليةسوسيولوجياً وانتشاره الواسع من الناحية الاجتماعية ـ الثقافية. من أندونيسيا إلى المغرب، إلى أفريقيا السوداء وحتى أوروبا وأمريكا. نلاحظ أن نفس الفرضيات والمسلمات،ونفس التصورات والاعتقادات تفرض نفسها على الجميع لكي تشكل خطاباً اجتماعياً ضخماً وجباراً. إن المسألة هي فعلاً مسألة خطاب جماعي اجتماعي وليست مسألة خطاب فردي ـ شخصي.إذا نظرنا إلى هذا النص من جانبه اللغوي نجد أن صاحب الخطاب (الفاعل) هو (الاسلام) باستمرار، أي الوعي العقائدي الجماعي الذي يرتبط في وقت واحد بالتاريخ الدنيوي (الزمني)وبالحالة السوسيولوجية الحاضرة وبرؤيا أخروية معروفة.

أن أية قراءة للنص ينبغي ألا تلجأ إلى أسلوب الرفض القاطع أو التفنيد (العلمي) الذي يحتقر هذا النوع من الكتابة.سوف نلجأ فيما يخصنا نحن إلى البحث عما يمكن تسميته بالحقائق الشغالة. إن هذه (الحقائق) تفرض نفسها كرد فعل عنيف تقوم به المجتمعات التي تريد أن تعوض عن واقعها البائسوالمزري، وعن الانهيار الهائل لبناها التقليدية وذلك بواسطة الرفع الزائد من قيمة التراث الاسلامي والافتخار به. يتيح هذا الهروب داخل الذات المضخمة والمشكلة سابقاًعبر القرون تجنب أثر الصدمات التي تصيب الأنا الفردية والأنا الجماعية نتيجة للاحتكاك بالحضارة الحديثة. إن هذه الظاهرة ليست مقصورة على البلدان الاسلامية فحسب وإنماهي موجودة أيضاً في كل بلدان العالم الثالث الواقعة تحت الضغط الهائل لعملية التحديث والتصنيع. لكنها تتخذ في الاسلام مظهراً تراجيدياً بسبب أن الصراعات والتمزقات التيعرفها الغرب ما بين التراث والحداثة تزداد تعقيداً وصعوبة هنا نتيجة لانقطاعين تاريخيين لم يعالجا حتى اليوم وهما:

1 ـ انقطاع الاسلام الحديث بالقياس إلى الاسلامالكلاسيكي في أعلى ذراه الفكرية والابداعية.

2 ـ الانقطاع التاريخي للعالم الاسلامي بالقياس إلى أوروبا الحديثة، أي أوروبا التي تشكلت بدءاً من القرن السادس عشر.

إن هذه الملاحظة الأخيرة تدعونا إلى ضرورة القيام بقراءة تفكيكية ـ تركيبية للخطاب الاسلامي المعاصر. ينبغي فعلاً تفكيك الأحكام التعميمية المزعجة والتبسيطات السطحيةالرديئة والتعبيرات الهائجة والأوامر الاعتباطية والهواجس العصابية التي تغذي الوعي الخاطئ للخطاب الاسلامي. والأسوأ من ذلك هو أن هذه الأشياء التي عددناها مستخدمة منقبل الوعي الخاطئ لهذا الخطاب كنوع من شعور الجماهير بوعيها وبالواقع وبأنها تصبو لتحقيق رسالة تاريخية!

إن تحليلات كهذه سوف تصطدم حتماً بعقبة اجتماعية ـ ثقافيةناتجة عن هيمنة الخطاب الاسلامي الذي نريد أن نضعه الآن موضع التفكيك والنقد. وكيف يمكن القيام بتحليل كشاف لهذا الخطاب ينزع عنه التقديس والأسطرة، ثم نريد في الوقت ذاتهأن يصل تحليلنا هذا _قراءتنا هذه) إلى الوعي الساذج للمؤمنين، أي الوعي الواحد الذي لا يتجزأ (indiviste) والذي يخلط بين التاريخي والأسطوري؟ إن مشكلة توصيل المعارف العلميةللجمهور العريض كانت قد طرحت كثيراً في الماضي ولا تزال تطرح حتى الآن، ولكنها لم تحل أبداً ضمن ساحة العلوم الانسانية خصوصاً. هذا ما يفسر لنا وجود تلك المسافة الدائمةالتي تفصل الناس المتخصصين عن الناس العاديين، أو (العلميين) عن الايديولوجيين، أو العقلانيين عن المؤمنين. ينبغي أن نتجنب في الحالة الراهنة التطرف في عقلنة مواقفوجودية معقدة حيث أن الشعائر والعبادات لا تزال ترسخ وتدعم بشدة التنظيرات (الفكرية) للبسيكولوجيا الجماعية (علم النفس الجماعي). لهذا السبب فإننا نعتقد أن الخطابالاسلامي المتزمت والصحيح سوسيولوجياً، لكن الخاطئ أو غير المقبول إطلاقاً من ناحية ابستمولوجية، ينبغي ألا يرفض دفعة واحدة ودون نقاش. يجب علينا أن نفككه من الداخل، فيكل بناه التركيبية والتكوينية، وذلك لكي نستمر في التواصل مع أنصاره الذين يشكلون الأغلبية الساحقة في المجتمعات الاسلامية.


المصدر: تأريخية الفكر العربي الاسلامي

/ 1