موقف من التراث الغربی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

موقف من التراث الغربی - نسخه متنی

حسن حنفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

د

د. حسن حنفي

الموقف من التراث الغربي


لا تعني الدعوة إلى تحجيم الغرب وردِّه إلى حدوده الطبيعية، والقضاء على أسطورة عالميته وبيانمحلّيته مثل أي تراث آخر، وأنّ عصر الهيمنة الأوروبية هو الذي أفرز هذه الهيمنة الثقافية ـ لا يعني كل ذلك أي دعوة إلى الانغلاق أو العودة إلى جنون الذات أو رفض التعرّفعلى الغير والانفتاح على الآخر، فتلك لم تكن سُنّة القدماء الذين تفتَّحوا على الثقافة المجاورة وفي مقدمتها اليونانية وتمثّلوها وعرفوها واحتووها داخل الإطار الحضاريالخاص، بل يعني أنّ فترة التعلم قد طالت، وأنّ فترة التتلمذ قد امتدّت، فنحن نتعلّم منذ قرنين وما زالت مرحلة الإبداع بعيدة في الأفق. إنّ التعلم من الغير وسيلة لا غاية،ومرحلة وليس تاريخاً، ومجرد باعث ومحرك وليس بديلاً عن الشيء ذاته. لقد تعلَّم القدماء قَرْناً واحداً هو القرن الثاني وما أن أتى القرن الثالث حتى ظهر الكندي أولالحكماء بادئاً علوم الحكمة. لقد كانت الدعوة إلى الانفتاح على الغرب لها ما يبرِّرها في أوائل القرن الماضي نظراً للتحدي الحضاري الذي كان يمثِّله الغرب علماً وصناعةوحريةً وديمقراطيةً، ودستوراً ونظماً برلمانيةً، ونهضةً وتقدماً وعمراناً. ولكن نظراً لطول المدّة انقلب الانفتاح إلى الضدِّ وهو التقليد، والتعلّم إلى تبعية. فنشأتظاهرة 'التغريب' في حياتنا الثقافية وفي وعينا القومي، والتي تبدو في الآتي:

1- اعتبار الغرب النمط الأوحد لكل تقدم حضاري ولا نمط سواه، وعلى كل شعب تقليده والسير علىمنواله، وقد أَدّى هذا بالتالي إلى إلغاء خصوصيات الشعوب وتجاربها المستقلة، واحتكار الغرب حقّ إبداع تجارب جديدة، وأنماط أخرى للتقدم.

2- اعتبار الغرب ممثلالإنسانية جمعاء، وأوروبا مركز الثقل فيه. تاريخ العالم هو تاريخ الغرب، وتاريخ الإنسانيّة هو تاريخ الغرب، وتاريخ الفلسفة هو تاريخ الفلسفة الغربية، الغرب فيه يصبّ كلشيء.

3- اعتبار الغرب المعلِّم الأبدي و'اللاّغرب' هو التلميذ الأبدي، وأنّ العلاقة بينهما أحادية الطرف، أَخْذٌ مستمرٌ من الثاني، وعطاء مستمرّ من الأول، استهلاكمستمرّ من الثاني وإبداع مستمرّ من الأول. ومهما تعلّم التلميذ فإنه يكبر تلميذاً، ومهما شَاخَ الأستاذ فإنه يظلُّ معلماً.

4- ردّ كل إبداع ذاتي لدى الشعوب غيرالأوروبية إلى الغرب. فكل دعوة إلى العقل ديكارتية أو كانطية، وكل دعوة إلى الحرية ليبرالية غربية، وكل نضال من أجل العدالة الاجتماعية ماركسية، وكل اتجاه نحو العلموضعية حتى أصبح الغرب هو الإطار المرجعي الأول والأخير لكل إبداع ذاتي غير أوروبي، كما كان الحال مع الحكماء الأوّلين بالنسبة لليونان فخرج ابن رشد أرسطيّاً.

5- أثرالعقلية الأوروبية على أنماط التفكير عامّة، وعلى كل عقلية ناهضة. فالعقلية الأوروبية هي العقلية التي تضع كل طرفي معادلة في علاقة تضادّ مثل: مثالية أو واقعية؟ صورية أومادية؟ ذاتية أو موضوعية؟ فردية أو اجتماعية؟ عقلانية أو حسيّة؟ كلاسيكيّة أو رومانسيّة؟

6- تحول ثقافتنا إلى وكالات حضارية وامتداد لمذاهب غربية، اشتراكية،ماركسية، وجودية، وضعية، شخصانية، بنيوية، حتى لم يعد أحد قادراً على أن يكون مفكّراً أو عالماً أو حتى مثقفاً إنْ لم يكن له مذهب ينتسب إليه، وتفرَّقنا شيعاً وأحزاباً،وضاعت الثقافة الوطنية. الكل يبحث عن الأصالة الضائعة فيهرع إلى الفنون الشعبية.

7- خلق بؤرٍ وفئات ثقافية معزولة لدى الشعوب غير الأوروبية بحيث تكون مناصرة للغربوجسراً لانتقاله. وتنتهي هذه الفئة ـ إذا ما تولَّت الحُكْم ـ بموالاة الغرب، فيتحوّل التغريب الثقافي إلى عمالة سياسية مما يسبّب ثورات الشعوب الوطنية على الفئة كلهاتأكيداً للهوية والثقافة الوطنية في جدلية تاريخية بين الأنا والآخر.

إنّ التراث الأوروبيّ في حقيقة الأمر إنّما يعبِّر عن الوعي الأوروبي، وهو موضوع فلسفي واحد ظهرفي الفلسفة المعاصرة، خاصة في الظاهريّات، فلا توجد فلسفات غربية بل فلسفة أوروبية تعبّر عن وعي أوروبي: تطوّراً وبناءً، تكويناً ورؤيةً.

ويشمل تطوّر الوعي الأوروبينشأته ثم بداية تطوّره ثم نهايته. فمن حيث النشأة يجد الوعي الأوروبي أصوله في ثلاثة: الأصل اليوناني الروماني، والأصل اليهودي المسيحي، والبيئة الأوروبيّة نفسها. ولايُذْكَر الأصل الشرقيّ القديم على الإطلاق قبل الأصلين الأولين، ولا يذكر الأصل الإسلامي قبل النهضة الحديثة. وذلك لأنّ الغرب قد اعتبر اليونان أصلاً عبقرياً على غيرمثالٍ إذْ لم يسبقهم أحد، وكأنّ الهند لم تؤسِّس المنطق الصّوري في البوذية، ولم تسهم في نشأة علم الحساب. وكأنّ فيثاغورس وطاليس لم يكونا على اتصال بالنِّحلات الشرقية،وكأنّ أفلاطون لم يدرس الرياضيات في مصر، ولمَّا كان الغرب وريث اليونان فقد ظلّ نسيجاً عبقرياً مثله على غير منوال.

وبالرغم من التباين والخلاف في جوهر كلِّ مناليهودية والمسيحية ـ كما لاحظ سلسوس من قبل ـ إلا أنّ الأصل اليهودي المسيحي قد جمع بينهما ابتداءً من الكتاب المقدّس، حيث ضُمَّ العهدُ الجديد كخاتمةٍ للعهد القديم،وكنهايةٍ للنبوّة واكتمال لها بالرغم من رفض اليهود. ونظراً للتآلف الطائفي العنصري بين الحضارتين اليهودية والمسيحية ضد الحضارات الأخرى، إسلاميَّة كانت أو 'بدائية'فقد أصبحتا مصدراً واحداً. وكأنّ الإسلام لم يكن تحقّقاً لصدق اليهودية والمسيحية في التاريخ، سواء من حيث الصحّة التاريخية للكتب المقدّسة أو من حيث التصديق بالعقائد،أو من حيث أحكام السلوك العملي لأهل الكتاب. وكأنّ الحضارة الإسلامية بعد ترجمتها إلى اللاتينيّة لم تكن أحد روافد النهضة الأوروبية الحديثة والفلسفات العقلية، وكأنالرُّشْدية اللاتينيّة لم تساهم في نشأة العلم الحديث في الغرب.

ولا يكاد أحد يذكر البيئة الأوروبية نفسها، كأنّما الحضارة الأوروبية حضارة بلا بيئة، نشأت بلا عواملودوافع، بلا ظروف وملابسات، سواء فيما يتعلَّق بطبيعة المُعطى الديني الذي كان لديها، مثل عقيدة الاختيار التي كانت موجودة وراء العنصرية والاستعمار، أو الروحانيّةالغالية والقائلة إنّ ملكوت السماوات ليس في هذا العالم ، وإنّ للداخل الأولوية المطلقة على الخارج، مما سبّب ردّ فعل جذري تبدّى في المادية الفظّة، واعتبار ملكوتالسماوات في هذه الأرض مقرّراً أولوية الخارج على الداخل. ولا يكاد أحد يذكر أيضاً طبيعة السلطة الدينية التي نشأت في الغرب واعتبار أنّ للوحي مصدرين: الكتاب والتراث،الوحي والكنيسة مما تسبّب في نشأة السلطة الدينية واحتكارها للتفسير وللعلم، وسيطرتها على السلطة السياسية. وقد أحدث هذا ردّ فعل مضادّ لصالح العلم والعقل والسلطةالمدنية، فنشأ الوعي الأوروبي معادياً للسلطة الدينية داعياً للعلمانية، معادياً للدين باسم العلم والعقل والمدنية. هذه هي الظروف التي نسج الغرب حولها مؤامرة الصمتليجعل الحضارة الأوروبية نموذجاً للحضارة العالمية التي يتعين على كل حضارة أخرى الاقتداء بها. عصرها كل العصور، ومذاهبها كل المذاهب، وتاريخها كل التاريخ، إبداعاتهاللتقليد، وتقنياتها للنقل، وكأنّ علم اجتماع المعرفة لا يُطبَّق إلاَّ على ثقافات الآخرين.



المصدر : دراسات فلسفية

/ 1