نشوة المطلقة نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نشوة المطلقة - نسخه متنی

عبد الوهاب بوحدیبة

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

عبد الوهاب بو حديبة

عبد الوهاب بو حديبة

النشوة المطلقة


يلعب الجنس دوراً مسيطراً في التصور الشعبي المسلم للجنة والنار، الأمر الذي يجعلهذا التصور موضع اهتمام وذلك لسببين: الأول، الاعتقاد أن في الجنة متسعاً لكل متع الجنس، والثاني، ما تنطوي عليه صور النعيم والجحيم من رموز تتصل بهذه الدراسة، ممايدعونا إلى التوقف عندها لبعض الوقت، لأنها تعمل على إدماج العالمين معاً: الدنيا والاخرة والاخرة والدنيا. تعالج هذا الامر في القرآن الكريم ما يقرب من ثلاثمئة آية وفقصيغ يكمل بعضها بعضاً، مشكلة بذلك نقطة انطلاق نحو كم هائل من تصورات التراث المفعمة بالبهجة والحيوية.

تناولت أحاديث الرسول بدورها بالشرح الأمور المتعلقة بالثوابوالعقاب، موضحة كيفية اكتساب رضى الله ورضوانه في الدنيا والآخرة، وقد لاحظ لويس جاردت ازدهار حركة أدبية ضخمة على جوانب تلك النصوص الشريفة مما يثري المفهوم المسلم عنالحياة الآخرة بتفصيلات جديدة مثيرة.

اجتناب الرغبة في متابعة التطور الذي خضعت له حركة التراث عبر عصورها الطويلة، لا يمنع بحال من التنويه بتأثير الثقافاتالمسيحية واليهودية والإيرانية والهندوكية لا تخلو الجنة من متع الشهوة، فالحور تسكنها، 'وجوههن من أربعة ألوان أبيض وأخضر وأصفر وأحمر، وأبدانهن خلقت من الزعفرانوالمسك والعنبر والكافور، وشعرهن من القز ومن أصابع أرجلهن إلى ركابهن من الزعفران والطيب ومن ركابهن الى أثدائهن من المسك ومن أثدائهن إلى أعناقهن من العنبر ومنأعناقهن إلى رؤوسهن من الكافور. ولو بزقت بزقة من الدنيا لصارت مسكاً مكتوب وفي صدورهن اسم أزواجهن واسم من أسماء الله تعالى.. وفي كل يد من أياديهن عشر أساور من ذهب وفيأصابعهن عشرة خواتم وفي أرجلهن عشرة خلاخل من الجوهر واللؤلؤ'.

'وما من عبد يصوم رمضان إلاّ زوّجه الله من الحور العين في خيمة من درة بيضاء مجوّفة.. على كل امرأة منهنسبعون حلة ولكل رجل سبعون سريراً من ياقوت حمراء، وعلى كل سرير سبعون فراشاً ولكل فراش امرأة ولكل امرأة ألف وصيفة مع كل وصيفة صحف من ذهب تطعم زوجها مثل ذلك'.

ويكونعلى الرجل من أهل الجنة سبعون حلّة كل حلّة تتلون في كل ساعة سبعين لوناً.. يرى وجهه زوجته وترى وجهها في وجه زوجها وليس بهم شعر إلاّ الحاجبين وشعر الرأس والعين.. ويزدادأهل الجنة كل يوم جمالاً وحسناً.. ويعطى الرجل قوة في الأكل والشراب والجماع، فيجامعها كما يجامع أهله في الدنيا ولكن النشوة تدوم أربعة وعشرين عاماً'.

وتبعاًللسيوطي، فالعبد المؤمن يتزوج بسبعين حوراء، إلى جانب زوجاته الآدميات، 'يرى مخ ساقها من ورائها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء.. فكلما أتى إلى واحدة وجدهابكراً وله ذكر لا ينثني، وله في كل دفعة شهوة ولذة لو وجدها أهل الدنيا لغشي عليه من شدة حلاوتها.

ولا تقتصر النشوة على الحور، بل تنعم الأزواج الآدمية بمتع الحبالإلهي، فيعودون شباباً وأبكاراً مطهرين من البول والغائط والنخام والمني والمخاط. والنساء مطهرات من الحيض، إن المرأة تقول لزوجها في الجنة 'وعزة ربي ما أرى في الجنةشيئاً أحسن منك'.

عكفت بعض الدراسات التاريخية الجادة على إبراز بعض أوجه الشبه بين التراثين الإسلامي والمسيحي في مسألة الحياة الآخرة، بداية من تور أندريا، أرنز،جرم، وانتهاءً بالمعاصر غودفروي ديمومبينيس، الذي أخذ يقارن مفهوم الحياة الآخرة من وجهتي النظر المسلمة وتلك الخاصة بترنيمة الأسقف أفريم، ويخلص غودفروي إلى أن فكرةالحور تعود إلى أصل فارسي تبنتها شعوب الشرق الأدنى، لتبرز من جديد بشكل جلي في الديانة المسيحية. ويمضي مؤكداً التشابه البيّن بين ترانيم الأسقف أفريم وبين المفهومالمسلم، فالأسقف يعتقد أن الإنسان حين يعيش متبتلاً نقياً، تستقبله الحور بأرحامهن الصافية. ذلك لآن القديس لم يسقط في أحضان الحب الأرضي، ولهذا يجد الشباب الدائم فيالآخرة، وينصح الأسقف الكبار بالتمعن في الفردوس، حيث يرتد الشباب وتختفي التجاعيد من استنشاق عبيره ويفيض الجمال، ويمضي ضارباً المثل بالمعلم موسى، ليؤكد اختلافصورته في السماء عن تلك التي ظهر بها في الأرض، فقد أصبح في الفردوس بهياً فاتناً وذلك أمر يصعب على العامة أدراكه.

أما أندريه فيرى من ناحيته أن هذه المفاهيم الشعبيةكانت شائعة في الشرق، وقد خصص اليهود أيضاً بدورهم للأتقياء مقاماً مذهلاً يفيض بالخصوبة.. فالمتع كل المتع في انتظارهم بما فيها المتع الجنسية.

والإسلام من جانبهيقدم استمرارية مدهشة من الحياة الدنيا إلى الحياة الآخرة عبر رؤية كلية غنية بأدق التفصيلات، بحيث يجعلها عقيدة صحيحة ثابتة. في حين، نجد القديس متى في الجانب المسيحييطرح لب الرؤية الإنجيلية لحياة الإنسان القادمة مختزلاً إياها إلى سر مبهم غامض.. فقد حاول الصادوقيون إرباك السيد المسيح بقولهم له:

'يا معلم إن موسى قال إن امرءاًمات وليس له ولد فليتزوج أخوه أمرأته ولتقيم لأخيه ذرية، وقد كان عندنا سبعة أخوة تزوج أولهم ولم يكن له ذرية فترك زوجته لأخيه، وكذا الثاني والثالث إلى السابع، وآخرالكل ماتت المرأة أيضاً ففي يوم القيامة زوجة من تكون من السبعة أنهم كلهم حازوها، فأجاب يسوع وقال لهم لقد ضللتم إذ لم تعرفوا الكتاب ولا قدرة الله، لأنهم في القيامة لايزوجون ولا يزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء'.

بعبارة أخرى، إن المسيحي يكون في الفردوس غير جنسي، على حين ينعم المسلم في المقابل باللذة المطلقة. ويرجع السببفي ذلك إلى أن البعث في المسيحية يعد جزءاً من سر المسيح المبهم، حيث يعتبر الإنجيل الحياة الآخرة غير خاضعة للمعرفة أو للخيال. ويعلن الكاردينال دانيلو عن رأي مثير وآسرمن وجهة النظر الكاثوليكية بأن المسيح وحده يملك الحياة الآخرة. وقد تجلت هذه الحقيقة في عبارة المسيح الأخاذة حين تحدث إلى الحواريين عقب العشاء الآخير 'أنا ذاهب أعدمكاناً لكم' وكذلك حين أعلن في موضع آخر 'أن ارتفعت عن الأرض أجذب الجميع'. إذن، فكل ما يختص بالحياة الآخرة يملكه يسوع، الذي لم يطلب سوى أن يُترك له وحده أمر ذلك العالمالغامض. وهنا، كما يدلل دانيلو، يتلاشى الغموض، فالحياة الأخرى، ليست سوى يسوع. ولم يعد هناك إذن ما يقال عدا أن 'المسيح يبعث من جديد'، وتلك هي الكلمة الأخيرة فيالمسيحية، التي لا تزيد على مجرد علامة استفهام إن صحَّ لنا التعبير.

ولا يختلف هذا المفهوم كثيراً، حسب رأيي، عن ذلك المرتبط بالديانة اليهودية، فعلى الرغم من طرحالمفسرين اليهود لمجموعة أفكار عن الحياة الآخرة، من قبيل محاكمة الروح التي تستغرق عاماً كاملاً، فإن السعادة في الحياة الآخرة، حسب التوراة تتوقف على أزمنة الخلاص.هكذا يبقى العالم المستقبلي مجهولاً بالكلية حيث يعتبر الحاخام المتمكن جوسي أيزنبرغ أن كل ما قد نعلمه عن سعادة الإنسانية القادمة، أو أزمنة الرؤيا، يرتد إلى وقتالخلاص في هذا العالم، فليس في مقدور أحد وصف السعادة الآخرة. ويقتصر التلمود _أكثر النصوص دقة في المعتقد اليهودي _ على الإشارة بأن الحياة الآخرة تخلو من الطعام والشرابوالتناسل والتجارة والغيرة والكراهية والمنافسة، يستقر المؤمنون فحسب، تكللهم التيجان لينعموا بالحضور الإلهي، فهناك وعد ما ولكنه محجوب تماماً.

يتضح جلياً من هذهالنصوص المتنوعة عمق اختلاف الرؤية المسلمة عن تلك اليهودية والمسيحية، فعلى الرغم من تأثر الفكر المسلم بالديانات السابقة، فإنه يبقى محتفظاً بمحتواه الخاص بشأنالبعث والجنة. ويرجع اللبس لدى بعض المستشرقين إلى افتقارهم للفهم العميق، فقد استغرق بعضهم في تصورات خيالية بصدد المفهوم الإسلامي للحياة الآخرة، ليعلن آخر المطاف أنالإسلام دين مادي يتعارض مع الروحانية المسيحية. ولم ينج غودفروي من هذا الخلط، حين يعلن بدوره أن جنة الإسلام تصلح للبدو الرحل، فلا شمس محرقة ولا برد قارس، فقط ظلالوعيون وأشجار وجواهر وغلمان وخيام مرفهة منعمة. ويمضي في حماسته تلك ليثبت إمكانية رؤية وجه الله حسب المفهوم الإسلامي الذي يفتقر إلى إثبات العكس، ولكنه سرعان مايتراجع مستدركاً: ربما يقر الأصوليون برؤية المؤمنين لوجه الله، لكنهم لم يوضحوا الكيفية.

يلتقط لويس جاردت هذا الخيط معلقاً أن السعادة الأبدية في المفهوم الإسلاميغير متصلة بالذات الإلهية، ولم يسعف هذا الأخير تمكنه في الفكر الإسماعيلي وتيقنه بأن رؤيته تعالى مؤكدة بنص قرآني يخضع لتأويلات متنوعة، فيمضي مبرراً استحالة مقارنةالرؤية المسلمة بتلك المسيحية التي تموج بالبهجة المشعة المترتبة على ظهور الله. وتبقى هذه الرؤية في رأي لويس ماسينيه وليدة الحدس والتخمين، ينتفي فيها الإحلالوالبهجة القصوى.

والآن ننتقل إلى فخر الدين الرازي الذي يطرح بدوره رؤية مكثفة ذات مغزى عميق حيث تنقسم متع الحياة في رايه إلى ثلاثة مراتب: إشباع الرغبة، تسكينالحدة، ثم المتع الوهمية المرتبطة بالمال وما يشابه ذلك من متع. تبعث هذه الرؤية في الحقيقة من وجهة نظره على السخرية، لمشاركة الحيوان الإنسان في بعضها، أما النعمةالكبرى التي يذكرها تعالى فتختلف اختلافاً جذرياً عن تلك المتع الرخيصة، وتكمن في التشرب الروحي مع روح القدس التي يُضفي عليها التجلي الإلهي بهجة أخاذة.

ولم يجانبالرازي الحقيقة بشأن رؤية الله، جوهر نعم الجنان فضلاً عن النعم الوفيرة الأخرى، التي تمتد لتشمل المتع المادية التي وعد بها الله عباده المتقين. وليس مثالاً للعجب، عجزغير المسلم عن فهم الرؤية المسلمة، فكيف يخطر بباله، وفقاً للمفهوم المسيحي، أن إعمال اللحم _سبب الخطيئة الأولى _ قد يجد له متسعاً في الحياة الآخرة، خصوصاً أن خلاصالإنسان في نظره يتحقق فقط عبر التضحية بالجنس، الذي ينحصر دوره في الحياة الأرضية.

أما بالنسبة للمسلم فإن إيروس، إله الحب، يتضمن مغزى جوهرياً أجلّ، لقد عصىالإنسان ربه ولكنه كفّر بما فيه الكفاية عن تلك المعصية، وحسبه أن الطرد من الجنة والهبوط إلى الأرض، بكل ما تحفل به هذه من نقم وفتن وابتلاء، كفيل بأن يقهره ويكبحه، ومنثم فإن المسؤولية التي يحملها الإنسان والحساب الذي تخضع له أعماله، يتيحان له فرصة ثمينة للبرهنة على أصالة معدنه وصلاحه، من خلال سعيه الى حياة يشوبها العدل والفضيلة،لتفتح له من جديد أبواب جنان الحياة الدنيا.

إن الجنة لهي التحقيق الكامل للإنسان نفسه، الذي يتأتى فقط من خلال الحب، فالحب حركة تجاوز بها الإنسان ذاته، يتفوق عليهافي اتجاه الاخرين. ولهذا فليس اتفاقاً أن جهنم تعني العزلة والوحدة، أي غياب الحب، في حين تشدو الجنة في المقابل بالحب الكامل والكلي والشامل. إنها اتحاد منسجم مع العالموالنفس.. والله. فالجنة تعني في المقام الأول مصالحة الإنسان مع الطبيعة ومع المادة، ذلك الامر الذي يفسر بدوره غزارة النعم المادية التي يتسم بها مفهوم التراث المعنيبالجنة، التي تعد في بعض منه عيداً لكل الحواس.

ولحاسة السمع أيضاً نصيب وافر في هذا العيد، حيث تنساب موسيقى الفردوس لتعلو باللحن الكوني أصوات المؤمنين والأنبياء..والله تعالى. ويكمن مغزى إدماج الكلام الإنساني في عالم الفردوس في تلاوة القرآن الكريم، التي تشكل جزءاً من مباهج الحياة الآخرة.

من المدهش حقاً، ضآلة الدور المنوطبالخضرة بالمقارنة مع غيرها من رموز الجمال. أجل، إنه يؤكد وجودها من حين لآخر، فالسماء تمطر وتزدان الجنان بالطيور والأشجار والزهور، ولكنها جميعاً تتخذ طابعاً حجرياًحيث تتكون من الأحجار الكريمة. إن الرمز الحجري يسود كافة أشكال الرموز، مبرزاً جدل المادة والحس، ذلك لأن الحياة برمتها ترتكن إلى الحب الذي يمحو الفروق ويوحدالمتناقضات ويرقق المادة، مضفياً محتوى كلياً وإيجابياً على اللامادية الخفية ليمنح الوجود معنى في عالم ما بعد الوجود.

يعكس المسلم بذلك عمقه الشخصي على المادة،مما يجعله في حاجة إلى مضاعفة الإستعارات والصور والرموز وإثرائها، حتى تعبر عن حلمه العميق الضخم. فما يروى عن الجنة يعمل على ترسيخ أحلام النفس وتأكيدها كما يعلقبشلارد، بحق، في أن المرء حين يحلم بعمق فإنه يحلم بعمقه. وهذا يعني، أننا حين نحلم بالقيمة الخفية للمادة نحلم بكينونتنا الخفية. ولكن هيهات، فالأسرار العظيمة لكينونةالإنسان تظل محجوبة في أعماقه الخفية. والخصوصية المسلمة تكمن في تحقيق هذا عبر وساطة الرمز الحجري، فالياقوت يمكنه أن يوقظ داخل الإنسان لحناً من الصور والأحلاموالخيال مسكناً آلامه، كل آلامه الماضية والحاضرة والمستقبلية! فعرش الله من الياقوت، ملك الأحجار الكريمة، فهو كما يصفه الأبشيهي 'يورث لابسه مهابة ووقاراً كما يسهلقضاء الحوائج ويدر الريق في الفم ويقطع العطش ويدفع السم ويقوي القلب'.

يبدو الأمر وكأن تقرب الإنسان إلى الله يتمّ عبر تصالح الاول مع الطبيعة. فذلك ما يعنيه تحققالمتعة عبر إشباع البدن والقضاء على الإحباط قضاء مبرماً. ولهذا توضح الكتابات الإسلامية، دون أدنى لبس، أن متع الجنان حسية وليست مادية، فطابع الجنان لي مادياً ولكنطبيعة الإنسان هي التي تكتسب روحانية تتفق وهذه المتع الصافية المجردة والمطلقة. فهذه المتع ليست على شاكلة تلك الأرضية، حيث لا غائط ولا توالد في الجنة.

إن متعالجنان تستحوذ على البدن كله، تحوله إلى حسن مطلق. فالإسلام يحض على تحقيق الرغبات بشكل كامل وليس العكس. والمغزى هنا نفسي أكثر منه دينياً، فالتصور الإسلامي للجنة مفعمبالإيجابية وبالتأكيد على الذات، إن الإسلام لا يقمع الغريزة، حيث تُلبى كل رغبات الإنسان في الجنة وتؤخذ برمتها على محمل الجد، فالسلام يعم عبر تحقيق الذات وإشباعها،حيث يلتقي الأولون والآخرون، ولا يقتصر الحب المكثف على الزوجات بل يشمل أيضاً الحور، مشيراً بذلك إلى تجاوز الذاتية في اتجاه الآخرين، فلكل إنسان رفيق واحد على الأقل'ما في الجنة عزب'.

يزدحم الفردوس بأهل الجنان فبدونهم تفقد الجنة معناها، فلا يمكن تصور جنة خاوية. أكثر من هذا، يوضح ما يروى عن الجنة أن رغبة المؤمن في لقاء الحورليست من طرف واحد فحسب. فالحور تنتظر أيضاً وصول المؤمن بفارغ صبر 'وإذا اشتقن أن يرين سادتهن في الدنيا يخرجن من أبواب القصور فيقول لهن رضوان ادخلن منازلكن فيقلن لاندخل حتى نرى سادتنا فيخرجهن رضوان إلى أعلى الجنان فتنظر كل حوراء إلى سيدها وهو لا يعلم'.

إذن الإنسان متوقع (بفتح القاف) أليس هو موضوع الرغبة والانتباه والحب؟ إنهموضوع الحب الفردوسي حتى أثناء وجوده على الأرض، فالتجاوز نحو الاخرين عامل السعادة الأبدية الأساسي في الدار الاخرة، والجنة زمن المتع المعلقة، حيث الانتصاب الدائموحيث تمتد النشوة إلى أربعة وعشرين عاماً. وعلى المرء أن يقر أن الحياة في الجنان نشوة أبدية مطلقة وأن نشوة الحياة الدنيا مجرد نموذج مصغّر يهدف إلى تدريب الإنسانوتمرسه استعداداً لاستقبال المتعة القصوى. في الواقع، إن صور الجنان تثير وعي المؤمن الذي يأخذ على عاتقه إثراء كينونته وعكسها مباشرة في قلب تلك الرؤية الشاملة.

إنالإثارة ليست قاصرة على المتعة النهائية، فهي مرحلة واحدة وحسب في مصالحة الإنسان، مرحلة تتبع تآلفه مع الأشياء ومن ثم إعداده لرؤية الله الباهرة. إن المشهد الأخير منرسالة السيوطي يتضمن وصف متعة الجنان العليا، التي تتسم بالجماعية وبالامومة الكونية. أو بعبارة أخرى، إن المتع تتم عبر العبور من لقاء الآخر في شكل الأنثى الخالدة إلىالاجتماع مع زمرة المؤمنين الآخرين.. وأخيراً لقاء الخالق العظيم.

المدهش هنا حقاً، هو تلك الوحدة في موضوع الحب الإبداعي التطهيري، حيث يتم التحول الصادق من خلالالحب، وما يسفر عنه من ترسيخ صحيح لإيروس، الذي يمكن عن طريقه وحده فهم المراحل الأولى للحوار مع الله تعالى. ويبدو أن حلقة ما تضيق ثم تبدأ بخلق الزوجين الأولين على حافةالجنة. فمن عدن إلى عدن تُلحظ استمرارية باهرة. وتشير وجهة النظر هذه، إلى أن الملحمة الأرضية مجرد حلقة فحسب، حلقة أساسية ليس أكثر. على الإنسان أن يعاني ويتحمل التمرسبالحياة والتاريخ حتى يتمكن من معرفة نفسه. إن عليه أن يصبح أرضياً حتى يصير علوياً، فهذا هو درب الإنسان الكبير، وإذا خلت تلك الاستمرارية من الطابع المأسوي، فالفضليعود إلى المرور عبر الحب الذي سبق اكتشافه السقوط، والذي سعد به الإنسان على الأرض بقدر متفاوت قبل تحقيقه بشكل كلي ومتكامل في الجنان. فمن خلال الحب وحده يمكن التغلبعلى الفاصل بين الأرضي والعلوي، أو بين الحاضر والمستقبل. فالحب حاجة ماسة ونداء حثيث ينشد الكمال الذي يتحقق في الحياة الآخرة بشكل كلي وتام.

الإسلام، إذن، اقتصادمتعة يعمل على ترسيخها في الوعي الفوقي، إن إدماج القدسي بالجنسي هو، في نظري، الدرس العظيم والثواب المستحق لهذه الرؤية المسلمة للحياة الآخرة، وهي في التحليل النهائيمغزى ما يدعوه القرآن الكريم بالمثل.

يجد الفكر الأصولي في كتابة الإمام الراغب أقوى تعبير يسمح بالتحليل في أغنى وأجمل مناهجه، فالذي يهم _فيما وراء موضوع الرغبة _فعالية الرغبة وفعالية الإنسان الذي يجرب المتعة ويمارسها، وليس طبيعة المتعة ذاتها.

يعرّف الإمام الراغب الجنة بأن فيها لكل امرىء ما يشتهيه، حيث الإشباع الكاملوالمطلق للرغبة.. وهذا مما لا يمكن معرفته من خلال القوة المتخيلة فحسب، فالقرآن يخبرنا عن الجنان (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ماتدّعون)، فالإنسان خُلق كائناًذا شهوة، أو بعبارة أخرى: إن الإنسان قادر على التخيّل والحس، فالجنان مملكة الخيال. ويشير الراغب إلى الحديث الشريف 'إن في الجنة سوقاً تباع فيها الصور'، بمعنى أن 'السوقعبارة عن اللفظ الإلهي الذي هو منبع القدرة على اختراع الصورة بحسب المشيئة، وانطباع القوة الباصرة ثابت إلى دوام المشيئة، وليس مجرد انطباع معرض للزوال دون اختيار..'

الجنة، إذن، مملكة الخيال. وقد تختلف مراتب اللذة وأنواعها وإن شملها جميعاً اسم اللذة، ولكن تبقى القوة المتخيلة والتوافق بين الحسّ والخيال أساس الاعتقاد في الجنة.

'فاذا اختلفت الشهوات لم يبعد أن تختلف المعطيات واللذات، والقدرة واسعة والطاقة البشرية عن الإحاطة بعجائب القدرة قاصرة، والرحمة الإلهية ألقت بواسطة النبوة لكافةالخلق القدر الذي احتملته أفهامهم فيجب التصديق بما فهموه والإقرار بما وراء منتهى الفهم'.

هكذا يصبح من السهل إدراك الكيفية التي حررت بها صور الجنان والحياة الآخرةالوعي المسلم، ليثبت من جديد وجود الجنسي مع القدسي.



المصدر: الاسلام والجنس

/ 1