ظروف الاستیعاب للمنطق نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

ظروف الاستیعاب للمنطق - نسخه متنی

عبدالله العروی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

ظروف الاستيعاب للمنطق

عبد الله العروي

عندما يقدم الدارس على الحكم والتقييم، في حالة استغلال دراسات جزئية، لا بد منالالتفات إلى ما يقوله أخصائيون آخرون عن ماهية ودور المنطق الأرسطي في ثقافتهم الأصلية والثقافات المتفرعة عنها.

هذا الاحتراز المنهجي يدعونا إلى افتراض أن تأويلالمسلمين لمنطق أرسطو لا يمكن أن يكون إلا تأويلاً إسلامياً أو إقليمياً أو قطاعياً، كالتأويل البيزنطي، والتأويل الإفرنجي المسيحي، وتأويل عهد النهضة إلخ.. فهو مجدودمحصور بالضرورة، ولا يمكن أن نأخذ عرضاً من عروضه ونقدمه اليوم كأنه الغاية. لنتذكر أنه في الوقت الذي كان الطلاب الشرقيون يتعلمون المنطق في كتاب قطب الدين الرازي كانالإنجليز يعتمدون على كتاب بوزانكه، ومع أن الكتابين هما شرحان لمنطق أرسطو، فالبعد بينهما بعد السماء عن الأرض. لنتذكر كذلك ما يجري اليوم في معاهد التدريس الغربية. لاأحد يستطيع أن يدعي أن تلقين المنطق الأرسطي اعتماداً على أمثلة نحوية أو لغوية يساوي التلقين اعتماداً على شواهد مأخوذة من الرياضيات العالية.

عندما نتكلم عادة علىالنص الأرسطي، المضمن في الكتب الثمانية، نتكلم على نص تقرير عاطل مجرد من كل سوابقه ولواحقه، في حين أن النص المفهوم لا بد أن يكون أعمق وأشمل من ذلك. توجد خلف النصالثقافة اليونانية بأصولها المختلفة وهذه إما معلومة مسبقاً وإما مجهولة، على درجات متفاوتة بالطبع. وتوجد فوق النص المعارف المتراكمة في العلوم القطاعية من لغوياتواجتماعيات وطبيعيات ورياضيات. النص، في حد ذاته، كالجهاز العظمي، لا تدب فيه الحياة، لا يحيى في ذهن المتقبل ويعود منتجاً، إلا إذا كسي بلحم وانتعش بدم تمدهما به العلومالقطاعية في صورتها الحالية. لذا نطرح سؤالاً يتحاشاه المتخصصون عندنا: إلى أي حدّ استوعب المسلمون المنطق الأرسطي؟ وليس من الضروري، للإجابة على هذا السؤال، أن نطالع كلالمؤلفات المنطقية القديمة. نلاحظ بالفعل أن النصوص التي تنشر الآن لا ترقى في معظمها حتى إلى مستوى مذكرات طلاب. مما يعني أن الكتب المهمة قد حققت وطبعت منذ زمن. إذا قررامرؤ أن يكتفي في هذا الباب بما ألّفه كل من الفارابي المتوفى سنة (339ه‍) وابن سينا (428) وابن حزم (465) والقزويني (493) والغزالي (505) وابن رشد (595) والفخر الرازي (666) والطوسي (672)وكلها شروح وتعاليق، لا أظن أحداً سيدعي أن هذا القدر غير كافٍ لإبداء رأي في القضية التي هي أعم من تلك التي يشتغل بها الدارسون المتخصصون.

بعد مقارنة المؤلفاتالمذكورة لا بد من الاعتراف أن نوعاً من الاستيعاب قد تمّ فعلاً. يدلّ عليه التقدم الواضح في التعبير. إن ابن حزم والغزالي استطاعا أن يعبرا ببساطة عن دقائق كان الفارابيوابن سينا يحومان حولها بدون طائل. ويدل على الاستيعاب كذلك التحرر النسبي من القوالب الموروثة عن التراجمة الأول. لكن هذه مسألة تقنية، كتب فيها أصحاب الاختصاص ولايزالون. علينا أن نعود إلى النقطة التي تهمنا بالدرجة الأولى لنتساءل: كيف تمّ التعامل مع النص الأرسطي، هل أخذ على أنه مقصور على منطوقه مفصول عن مادته الثقافية الأصليةأم لا؟ إذا كانت الأولى، ماذا يمكن أن ينتج نص مسطح كهذا؟ وإذا كانت الثانية، من وعي بذلك وماذا فعل لربط ذلك المنطق بجذوره الثقافية؟

إذا قلنا مع الدارسين الغربيينالمعاصرين إن مادة المنطق الأرسطي هي اللغة اليونانية، فالبلاغة الشعرية، فالبيان السياسي، فالجدال السوفسطائي، فالبرهان الرياضي، فالاستقراء الطبي والطبيعي، ماذاكان معروفاً من كل هذا وبصفة مستقلة عن النص الأرسطي نفسه لدى المسلمين؟ لا ينكر أحد أن قسطاً منه كان معروفاً، وهو ما نجده مبسوطاً عن ابن النديم وصاعد والشهرستانيوغيرهم، وما تشير إليه بعض ملاحظات ابن سينا وابن حزم عن الفوارق التعبيرية في اليونانية واللاتينية والعربية. أننا لا ننفي وجود علم موروث عن الثقافة اليونانية بقيمبثوثاً في المناطق الواسعة التي توحّدت ثقافياً اثر تأسيس امبراطورية اسكندر المقدوني. إلا أننا نود أن نعرف أكثر مما يشار إليه عادة في سطور معدودات.

تمّ استيعابالمنطق، هل تمّ التمييز بين فصوله وأجزائه؟ لا نرى وجود نص أصلي مباشر، كما توجد نصوص تأسيسية مباشرة للعلوم الإسلامية المحضة كاللغة أو الفقه أو الحديث، يعرب ويحقق فيعملية مستمرة. لا نرى تقدماً في التعريب والتحقيق موازياً للتقدم في الفهم والتأويل. قد تكون دعوة العودة إلى أرسطو الحقيقي، التي شهدتها الأندلس قبيل ابن رشد وأثناءحياته، عائدة إلى التعرف على نص غير النص الذي اعتمد في الشرق قبل ثلاثة قرون. لكن هذا النص الجديد لا نعرفه، هو أيضاً، معرفة مباشرة. نحكم بأنه أكمل وأوفى لأن شروح ابنرشد تكتسي تلك الصفة. وحتى لو صحّ ما يقال عنه، فيكون اكتشافاً يتيماً كما كان الاكتشاف الأول يتيماً. لم تؤسس عليه حركة تحقيقية متواصلة، مثل ما نلاحظ عند أصحاب الحديث،وعند نقاد الشعر.

لا يكفي، للحكم على أثر المنطق في الفكر الإسلامي، أن نحصر الكلام في المضمون فقط، لا بد لنا من الالتفات إلى ظروف التلقين، سيما ونحن نعلم ما دار حولذلك من نقاش حادّ منذ القرن الماضي وإلى يومنا هذا في كل البلاد المتقدمة. لا ينفصل أبداً المنطق عن طرق تلقينه. نجد عند طه حسين في كتابه الأيام صفحات ممتعة وعميقة حولظروف التعليم في الأزهر. والدلالة في شهادة طه حسين هي أنه كان يتعلم المنطق رغم أنه كان لا يبصر. كان إذن متساوياً مع زملائه المبصرين. لم يكن إذن المنطق المدروس آنذاكيتطلب أكثر من تصور القضايا في الذهن والحفظ لأن الأمثلة كانت كلها مأخوذة من اللغة. هل يتصور هذا في قاعة درس عصرية؟ إذا كان المنطق يدرس على الطريقة الأزهرية كيف نتعجبإذا استعمل أساساً في الجدال والخطابة والنقد؟ وكيف نتعجب إذا بقيت المعارضة له حيّة تستغل نفس الاعتراضات التي فاه بها اللغويون والنحاة منذ البداية؟

لننتقل منالأزهر إلى معهد تعليمي أوروبي، نلاحظ على التوّ أن لا أحد يتصور تلقين المنطق بدون رسم أو خط، أي بدون كتابة وبدون لجوء إلى رموز عددية أو هندسية. وندرك في الحين كيف أمكنلهذا المنطق الذي لا يكتفي بالعبارة الشفوية أن يتطور من منطق شكلي أو صوري إلى منطق رمزي. فالرمز هو الذي يظهر ما خفي من علاقة المنطق، وبخاصة في شكل البرهان،بالرياضيات، وبالتالي يوضح أنه لغة فوق اللغات وبالتالي لا يتأثر في شيء بالاعتراضات التي تنبثق من تفحص إحدى اللغات الطبيعية، أي النحو فيما يخصنا. فعدم انتشار الملكةالكتابية وضيق رقعة الترميز، إذا كانت الأمثلة تعتمد على حروف هجائية منطوقة فقط، كل هذا، الناجم عن أوضاع اجتماعية معينة، منع الأنصار والخصوم من الاهتداء إلى الطريقالمؤدي إلى تطور مستمر. والدليل على ما نقول هو سكوت متّى على ما قرره السيرافي من أن: 'لا سبيل إلى إحداث لغة في لغة مقررة بين أهلها'. (ص122) و: 'ليس في قوة اللفظ من أي لغة كانأن يملك ذلك المبسوط (العقلي) ويحيط به' (ص 126). يكفي أن نبدل اللفظ بالرمز لكي يرتفع الامتناع ويتطور المنطق إلى درجة أعلى. إلا أن مثل هذا التطور لم يكن وارداً في إطارثقافة شفوية وفي مجتمع غير متجانس.

لو تصورنا أن المسلمين عرفوا المنطق لا كعلم مستقل عن المحيط الثقافي، بل كعبارة عن الواقع اليوناني، فقاموا بتحقيق نص المسندالأرسطي في عملية جماعية لا تتوقف وتظهر باستمرار وفي كل مرحلة مرحلة مستوى أشمل وأعمق من تلك الأرضية الثقافية، لتمّ لديهم بالضرورة تفكيك المسند إلى مكوناته، ولتجلّىارتباط كل كتاب من الكتب الثمانية بمجموعة معينة من المعارف المكتسبة طيلة القرون السابقة، ولما ظهر لهم كشكل من أشكال الكائن المختلفة كما تصور ذلك المترجمون والشراحالأوائل، وجلهم نصارى ورثوا هذا التأويل عن أسلافهم، ولاتضح كذلك أثناء التفكيك اتصال كتاب البرهان بالرياضيات، ولظهر بالتالي أن ما يجب القيام به ليس التعريب، إبدالكلمة بأخرى، بل الترميز، إبدال فكرة برقم أو تخطيط. هل يتصور أحد أنه يمكن أن تحل السبّورة محل اللوح، والتباشير محل القلم، والمقعد محل الحصير، والمدرسة محل الزاوية أوالمسجد في ظروف غير هذه وبدون هذه المسبقات الفكرية والثقافية؟

المصدر : مفهوم العقل





/ 1