مؤثرات إسلامیة فی إنتاج بوشکین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

مؤثرات إسلامیة فی إنتاج بوشکین - نسخه متنی

مکارم الغمری

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

مؤثرات إسلامية في إنتاج بوشكين

د.مكارم الغمري

((الرسول)):

عرفت العربية شعراء يمجدون الرسول محمد (ص) ويتغنون بقيم الاسلام، كان منهمفي القديم حسان بن ثابت وكعب بن زهي، وفي العصر الحديث أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم والبارودي، وهذا من طبيعة الأمور، فالاسلام انطلق من شبه الجزيرة العربية، وجاء قرآنهبالعربية ثم انتشرت الدعوة الاسلامية شرقاً وعمت الكثير من شعوب الشرق في أفريقيا وآسيا فتغنى شعراء الفرس وآسيا الوسطى بالسيرة النبوية وتعاليم الاسلام، أما أن يخرجشعر بالروسية في بلاد لا تدين بالاسلام، وبعد مرور ثلاثة عشر قرناً من ظهور الاسلام ويون القرآن الكريم والرسول هما ملهما هذا الشعر وموضوعه فهذا ـ حقيقة ت مدعاة للدهشة.

إلا أن هذه الدهشة سرعان ما تزول في ضوء تبين الدور البالغ الأهمية للقرآن والسيرة النبوية بالنسبة للحياة الثقافية والروحية في روسيا في إطار الظروف التاريخيةالمحدودة للقرن الماضي، حين أصبح القرآن ـ على حد تعبير الناقد السوفيتي براجينسكي ـ ((مصدراً للتعبير عن الأفكار البطولية، والشجاعة الصلبة والنضال المنكر للذات فيالفترة التي سبقت حركة الديسمبريين)).

والحق أن سيرة الرسول (ص)، ذلك الأمي الذي تمكن بقوة الدعوة من أن يوحد شمل قبائل البدو عابدي الأوثان وأن يصنع منهم وبهم دولةتغزو الأمم شرقاً وغرباً قد حازت إعجاب وانبهار أولئك الذين لا يتخذون الاسلام ديناً، وكان من بينهم شرعانا بوشكين الذي يأتي في مقدمة شعراء روسيا الذين استلهموا القرآنوالسيرة النبوية، حيث تتبوأ قصائده ((قبسات من القرآن))، و ((الرسول)) مكانة هامة بين المؤلفات الأدبية الروسية المستوحاة من التراث الروحي الاسلامي والسيرة النبوية.

يستهل بوشكين قصيدة ((الرسول)) بمقطعين يلقيان الضوء في عجالة على ظروف الرسول قبل تلقي الوحي مباشرة، إن الرسول المنتظر تميزه روح غنية ((يضنيها)) التأمل في الكون والبحثعن حقيقة الوجود، ومن ثم تجنح روحه المتأملة إلى العزلة في الصحراء يؤرقها البحث عن إجابات شافية لأرق الفكر:

الرسول

يضنينا عطش الروح،

وفي الصحراء الموحشةكنا نتمدد،

ثم يرسل بوشكين صورة شعرية لظهور جبريل على الرسول:

فظهر لنا في مفترق الطريق،

سارافيم ذو الأجنحة الستة

وبأصابع خفيفة مثلما في حلم

لمسقرة عيني:

فانفرجت مقلتاي النبويتان،

كأنهما عين نسر مذعور.

في الوصف السابق يتخيل بوشكين صورة لجبريل بستة أجنحة، أي ثلاثة من كل جانب ولعل بوشكين قد استلهمصورة جبريل عن الآية من سورة فاطر: (الحمد لله فاطر السموات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولى أجنحة مثني وثلاث ورباع يزيد ي الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير).

إنظهور جبريل على الرسول يصيبه بالهلع الذي يرسمه الخيال الشعري لبوشكين في صورة ((النسر المذعور)) وهو ربما يكون قد استقي صورته عن تفسير للقرآن الكريم، فقد روى في الصحيح((أن رسول الله لما جاءه جبريل وهو في غار حراء ـ في ابتداء الوحي ـ رجع إلى خديجة يرجف فؤاده فقال زملوني، زملوني)).

إن الرسول الذي ((يرتجف فؤاده))، ويخر ((مغشياً عليه))أمام ظهور جبريل يشبهه بوشكين في الصورة الشعرية ((بالنسر المذعور))، ولعل اختيار تشبيه الرسول في خوفه ((بالنسر)) كان يني به بوشكين الدلالة على القوة والشموخ.

ثم يصوربوشكين التغيير الذي يحدث مع الرسول بعد أن أوتي النبوة، إذ تتكشف أمامه أسرار عالم ما وراء الطبيعة الذي لا يدركه العاديون من البشر، فإثر ظهور جبريل للرسول يحدث معهالتالي:

فأصغيت إلى رعدة السماء،

وتحليق الملائكة في الأعالي،

وسريان حركة أغوار البحار،

ونمو الكرمة النائية.

في الوصف السابق يبدو تأثر بوشكينبسورتي ((النجم) و ((المعراج)). ففي الآيات الكريمة (1 ـ 18) من سورة النجم:

(والنجم إذا هوى ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى، ذومرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، أفتمارونه على ما يرى، ولقد رآه نزلة أخرى، عند سدرةالمنتهى، عندها جنة المأوى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربه الكبرى).

إن ((آيات ربه الكبرى)) تنعكس في الخيال الشعري لبوشكين في سماعالرسول ((لرعدة السماوات))، وحركة ((تحليق الملائكة في الأعالي)) و ما يدور في ((أغوار البحار)).

ثم أليس سماع الرسول ((لرعدة السماوات)) و ((تحليق الملائكة في الأعالي)) هواستلهام لقصة المعراج التي رأى فيها الرسول جبريل ((عند سدرة المنتهى التي هي في السماء السابعة قرب العرش))؟

ثم يصور بوشكين ((البعث)) الذي يحدث في أعضاء جسد الرسول،وهو تغيير تتطلبه المهام المقبلة في الدعوة، فلسان الحكمة يستبدل بلسان الرسول الأمي كي يكون قادراً على إبلاغ الرسالة:

انحنى الملاك على فمي،

وانتزع لسانيالآثم،

الخامل والمراوغ،

وبيده اليمنى المضرجة

وضع في فمي المشدوه

حد الحية الحكيمة

إن الوصف السابق يبدو مستهلماً عن الآية (1) من سورة العلق: (إقرأباسم ربك الذي خلق)، وهو ((أول خطاب إلهي وجه إلى النبي (ع) وفيه دعوة إلى القراءة والكتابة والعلم))، وتمثلاً لصورة النبي الأمي الذي سيتعين عليه القراءة يتصور بوشكينجبريل وهو يقوم بتغيير لسان الرسول الأمي ليضع مكانه لسان الحكمة القادر على العلم والقراءة.

ثم يكمل بوشكين صورة ((بعث)) أعضاء جسد الرسول برسم صورة شعرية لقصة شق صدرالرسول:

وشق صدري بسيفه،

واقتلع قلبي المرتجف،

وأقحم في صدري المشقوق

جذوة متأججة النيران.

فانطرحت في الصحراء كالجثة،

ويعكس المقطع السابق معرفةبوشكين بقصة ((شق الصدر)) التي اقترنت بسيرة الرسول محمد، وهو ـ ربما ـ يكون قد أسس صورته الشعرية معتمداً على سورة الشرح الآيات (1 ـ 3): (ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك،الذي أنقض ظهرك)، وقد وردت قصة شق صدر الرسول كذلك في كتاب واشنطون ايرفينج الذي أشرنا إليه آنفاً، والذي كان بوشكين على دراية به.

ثم بعد أن تتم عملية ((التحصين))الروحية والجسدية للرسول يتعين عليه أن ينهض كي يضطلع بأعباء الرسالة التي ((بعث)) من أجلها والتي سيسري نورها عبر ((البحار والأراضي))، ليخترق لهيبها ((قلوب الناس)):

وناداني صوت الله

((انهض، يا رسول، وابصر،

لب إرادتي،

وجب البحار والأراضي

وألهب بدعوتك قلوب الناس)).

ألا يبدو المقطع السابق ـ والأخير ـ مستلهماً عنمعاني الآيات (1 ـ 3) من سورة المدثر: (يا أيها المدثر، قم فأنذر، وربك فكبر).

وقد اختلف النقاد الروس في تحديد شخصية الرسول المقصود في قصيدة بوشكين ((الرسول))، فبينماذهب البعض إلى ربط الصورة الشعرية للرسول عند بوشكين بسيرة المسيح عيسى، نجد البعض الآخر يؤكد أن النبي المقصود هو الرسول محمد، وربما يكون مرجع هذا الاختلاف ظهور اسمسارافيم محل جبريل، ويبدو اسم سارافيم قريباً في نطقه من اسم الملاك إسرافيل وهو الملك المكلف بأن ينفخ في الصور يوم القيامة، وقد تأثر بوشكين بمشهد يوم القيامة فيالقرآن وانعكس هذا التأثير في استلهامه لمشاهد من يوم القيامة في قصائده ((قبسات من القرآن)).

ويبقى سؤال، لماذا اتجه بوشكين إلى تمثل شخصية الرسول محمد؟

إنالإجابة على هذا السؤال تكمن في إعجاب بوشكين بسيرة الرسول، وهو الإعجاب الذي يشهد عليه استلهامه لمراحل مختلفة من السيرة النبوية في أكثر من قصيدة، وبخاصة في مجموعةقصائد ((قبسات من النور)). بالإضافة إلى ذلك ((فتمثل)) شخصية الرسول محمد يرتبط بالمنهج الفني لبوشكين في علاقته ((بتمثل الشخصيات غير الروسية والتي بواسطتها يعبر بوشكين فيشكل رمزي عن أفكار الحرية))، فهذه (الرمزية الدينية تتحول إلى غطاء مجازي شفاف يعكس معنى حقيقياً واضحاً من خلفه))، إن شخصية الرسول ـ هنا ـ في بحثها عن الحقيقة تبرز كمعادلللوجود الانساني الحقيقي في دأبه نحو الحقيقة.

((قبسات من القرآن)):

وتبرز مجموعة القصائد التسع التي يجمعها العنوان ((قبسات من القرآن)) (1824) كأكبر شاهد على تأثربوشكين بالتراث الروحي للشرق العربي الاسلامي، وكبرهان دامغ على قدرة القيم القرآنية على عبور آفاق الزمان والمكان والتغلغل في نفوس أناس لا يؤمنون بعظمة القرآنالكريم.

وتعكس ((قبسات من القرآن)) المكانة الهامة التي أحدثها القرآن في التطور الروحي لبوشكين، فقد ((أعطى القرآن أول دفعة للنهضة الدينية عند بوشكين، ومن ثم فقد كانله أهمية ضخمة في حياته الداخلية))، فضلاً عن ذلك فالقرآن كله ((أول كتاب ديني يدهش خيال الشاعر بوشكين ويقوده إلى الدين))، ففي وقت كتابة ((قبسات من القرآن)) كان بوشكين((يحاول أن يخفي عن أصدقائه ذلك الانتقال من العلاقة غير الجادة بموضوعات الدين إلى العلاقة الجادة به وهو ما كان يحدث آنذاك في تلك الفترة في داخل روحه)).

ويبدوالاهتمام الكبير من جانب النقد الروسي ثم السوفيتي بدراسة قصائد ((قبسات القرآن)) متسقاً مع المكانة الفكرية والفنية التي تحتلها هذه القصائد بين مؤلفات بوشكين.

ويبرز الاستفسار حول الأسباب التي أثارت اهتمام بوشكين بالقرآن في مقدمة الاستفسارات التي أثيرت بصدد ((قبسات من القرآن)) ـ فكما تقرر الناقدة لوبيكوفا ـ ((على امتدادمائة عام وأكثر حاول الباحثون في إنتاج بوشكين أن يحددوا السبب الذي جذب بوشكين تجاه القرآن؟ وما الذي حفزه على كتابة القبسات؟))، وهذا الاستفسار لا يخلو ـ بالطبع ـ منلهجة الدهشة والتعجب!!

وسنحاول، بداية أن نوجز أهم الآراء التي تناولت بالدراسة ((قبسات من القرآن)).

اختلف الباحثون في تحديد الأسباب التي أثارت اهتمام بوشكينبالقرآن، فقد ربط البعض بين هذا الاهتمام وبين شخصية الشاعر وسيرته الذاتية، فقد أشارت الباحثة كاشتاليفا إلى أن اهتمام بوشكين بالقرآن كان مرده أسباباً شخصية، فجدهإبراهيم هانيبال كان من المسلمين. ولهذا السبب كان من الضروري ((أن يستشعر بوشكين تجاه القرآن اهتماماً شخصياً خاصاً. وكذلك شاهد الناقد جوكوفسكي في توجه بوشكين إلىالقرآن ((تجسيداً وتعبيراً عن المعاناة الذاتية للشاعر)).

أما البعض الآخر فقد أكد وجود أسباب موضوعية في القرآن وفي الظروف الواقعية المحيطة بالشاعر، فقد أشارالناقد سلومينسكي إلى وجود تواز ((بين الموتيفات المستلهمة عن القرآن وملامح الظروف التاريخية الروسية))، وفي نفس الاتجاه يذهب الناقد ستراخوف الذي يؤكد أن أسباب توجهبوشكين إلى القرآن تكمن في جوهره ((فالقرآن على ما يبدو، قادر على التأثير بقوة على الناس، وفي الوقت الحاضر تصنع روح هذا الكتاب غزوات كبيرة في الهند والصين، وهو ينتصرهناك على الأديان القديمة للانسانية)). كذلك أشار الناقد براجينسكي إلى أن تأمل بوشكين في القرآن كان ((فلسفياً)) فقد لجأ إليه ((من أجل الوعي بدروس التاريخ ولخدمة الواقع)).

وقد حاول الناقد سولوفي التوفيق بين وجهتي النظر السابقتين فأشار إلى وجود أسباب ((ذاتية)) وأخرى ((موضوعية)) دفعت بوشكين إلى استلهام القرآن، فمن جهة ((كان بوشكين يسعىإلى إعطاء تصور موضوعي عن بعض خصائص القرآن من واقع معالجته الواقعية للواقع المعاش))، ومن جهة أخرى ((فقبسات من القرآن))، ((ترتبط بالجانب العاطفي للشاعر وبالسيرة الذاتيةله)).

وقد امتد الاختلاف في وجهات نظر الباحثين إلى الاتجاه الفني الذي تنتمي إليه ((القبسات))، فبينما شاهد البعض في ((قبسات من القرآن)) امتداداً للرومانتيكية في إنتاجبوشكين، نجد البعض الآخر يجد بها تعبيراً عن مرحلة انتقالية من الرومانتيكية إلى الواقعية في إنتاجه، ((فالقبسات)) توجد عند منابع المنهج الواقعي الجديد))، أما البعضالآخر فقد أكد ((تدعيم)) المنهج ((الواقعي)) في ((قبسات من القرآن)).

كذلك اختلف الباحثون في تحديد الشكل الذي تم من خلاله استلهام القرآن الكريم في ((قبسات من القرآن))،فبينما أكد الناقدان جوكوفسكي وبيلكين، ((التزام)) بوشكين بالموضوعية في استلهام النصوص القرآنية، نجد النقاد توماشيفسكي، ولوبيكوف، وسالوفوي، يشيرون إلى ((حرية))استلهام القرآن في ((قبسات من القرآن)).

غير أنه من الواضح أن بوشكين في دراسته للقرآن ((اعتمد في نفس الوقت على الترجمة الفرنسية إلى جانب الترجمة الروسية))، لذا فإننانستهدف في دراستنا ((لقبسات من القرآن)) البحث في ((القيم الأخلاقية)) المستلهمة عن القرآن في إطار علاقتها بالرؤية الاسلامية لها. وتعبير ((القيم الأخلاقية))، مقتبس عنتصريح لبوشكين يشير فيه إلى أن أسباب اهتمامه بالقرآن تكمن ـ على حد تعبيره ـ في ((أن الكثير من القيم الأخلاقية موجزة في القرآن في قوة وشاعرية)).

وقبل الولوج في تحليلقصائد ((قبسات من القرآن)) تجدر الإشارة إلى أن فترة كتابتها تعود إلى عام 1824، ولهذا العام خصوصيته في السيرة الذاتية لبوشكين وفي طريق تطوره الفني وأيضاً في الظروفالاجتماعية المحيطة به، فمن المعروف عن بوشكين إقامته في عام 1824 في المنفى في ضيعة ميخائيلوفسكي (إقامة محددة) مطارداً من السلطة ومراقباً من أقرب الناس إليه، وفي تلكالفترة ((بلغت عبقرية بوشكين علواً لم تصل إليه من قبل)). وبالإضافة إلى ما سبق، فهذه الفترة كانت ((فترة لاكتناز الثقافة الشرقية في وعي الشاعر، فقد تعرف بوشكين على بعضأعمال مؤرخي التاريخ البارزين بما في ذلك أعمال الألماني شليجل الذي كان يولي أهمية كبيرة لثقافة شعوب الشرق)).

وعلاوة على ذلك فعام 1824 كان العام السابق لنشوب أولثورة في تاريخ الحركة التحريرية في روسيا في القرن التاسع عشر: انتفاضة الديسمبريين، وكان بمثابة فترة تحضيرية في تاريخ الفكر الديسمبري الذي سبق الانتفاضة ومهد لها.

المصدر: مؤثرات عربية واسلامية في الأدب الروسي


/ 1