أدلة المفرقين بين الحد والقصاص
د.عمر الأشقر,د.محمد عثمان شبير,د.عبد الناصر أبو البصل,عارف علي عارف. أشهرمن ذهب هذا المذهب ودافع عنه واستدل له هو فضيلة الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي,وقد ضمن رأيه في هذا الموضوع بحثه الذي نشره مجمع الفقه الإسلامي في العدد السادس من مجلةالمجمع.
(والمدقق في بحث الشيخ وهبة,يجده لا يمنع من وصل العضو المقطوع في القصاص مطلقاً,ولا يبيحه في الحدود مطلقاً,فإنه يمنعه في القصاص إلا في حالة واحدة,هي إذنالمجني عليه للجاني بإعادة عضوه بعد الاقتصاص منه.)
ويبيحه للمقطوع عضوه في الحدود في حالة ثبوت الحكم بإقرار الجاني,أو توبته إذا ثبت الحكم بالشهادة,ويفهم من ذلك أنهلا يقول بجواز إعادة العضو المقطوع فيما إذا لم يتب المحدود,وثبت الحكم بالشهادة.
وقد ساق الشيخ وهبة أحد عشر دليلاً استدل بها للقول الذي ذهب اليه,وسنذكر هذه الأدلةونبين رأينا فيها :
الدليل الأول :'أنه قد تم إعمال النص التشريعي الآمر بالحد بمجرد القطع أو البتر,فيبقى ما عدا ذلك على أصل الإباحة الشرعية ,فيمكن أن نستفيد في عصرنامن معطيات تقدم الطب العلمي,وأما في الماضي فكان يظل موضع أثر القطع قائماً على ماهوعليه بسبب العجز عن مثل هذا التصور,وهو مجرد أمر واقع لا يحتج به كما يحتج بالوقائع التيلم تتعلق بها نصوص شرعية'.
وأورد قول السرخسي الحنفي الذي يقرر أنه لايجمع على السارق بين الحد بقطع يده والضمان للمال المسروق,لسيتدل به على أن قطع يد السارق هو جميعموجب الفعل,فلو أوجب الضمان مع القطع لم يكن جميع الفعل,فيكون نسخاً لما هو ثابت النص
والرد على هذا الدليل من وجوده:
1- إن الحكم الشرعي في السرقة هو الإزالةالتامة المستمرة لليد,وليس مجرد القطع والإبانة التي يعقبها إعادة اليد لأن هذا يفضي الى العبث,وينقض حكمة التشريع. ويمكننا أن نقول:إن مراد الشارع إتلاف يدالسارق,والقطع هو وسيلة الإتلاف,يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:'يتلف من البدن المحل الذي قامت به المعصية,فتقطع يد السارق,وتقطع رجل المحارب ويده'. ويقول ابن قدامة :'اليمنى آلة السرقة,فناسب عقوبته بإعدام آلتها'.
فابن تيمية عبر بإتلاف اليد,وابن قدامة بإعدامها,مما يدل على أن هذا هو فقههم للمسألة .
2- وإذاكان مرادهم بالقطع القطع الدائم المستمر فإنه لا تأثير لإمكان وصل اليد في هذا العصر في الحكم الشرعي.لأن إعادة وصل اليد ممنوع شرعاً.
3- ما استفاد من كلام السرخسيموضع نزاع بين أهل العلم,وما كان كذلك فلا حجة فيه,يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- :' إن تلفت الأموال بالأكل وغيره عند المحاربين أو عند السارق,فقيل:يضمنونها لأربابها كما يضمن سائر الغارمين,وهو قول الشافعي وأحمد - رضي الله عنهما - وتبقى مع الإعسار في ذمتهم الى مسيرة,وقيل :لا يجتمع الغرم والقطع,وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله تعالى- وقيل : يضمنونها مع اليسار فقط دون الإعسار,وهو قول مالك رحمه الله تعالى'.
ويفهم من كلام شيخ الإسلام أن الاختلاف بين الأئمة إنما هو في المال المسروقإذا تلف,أما اذا كان قائماً فإنه يطالب به,وقد قال شيخ الإسلام قبل الكلام الذي نقلناه عنه:'إذا ظفر السلطان بالمحاربين ,وقد أخذوا أموال الناس فعليه أن يستخرج منهمالأموال التي للناس, ويردها عليهم,مع أقامة الحد على أبدانهم,كذلك السراق,فإن امتنعوا من إحضار المال بعد ثبوته عليهم عاقبهم بالحبس والضرب, حتى يمكنوا من أخذه بإحضارهأو توكيل من يحضره,أو الإخبار بمكانه,وهذه المطالبة والعقوبة حق لرب المال بخلاف إقامة الحد عليهم فإنه لا سبيل الى العفو عنه بحال'.
ولو لم يطالب السراق بالأموالالتي سرقها لأضر هذا بالناس ضرراً كبيراً,فإن الأموال اليوم تبلغ مئات الألوف والملايين من الدنانير,أيقال:إن العقوبة تمنع المطالبة بهذه الأموال!!.
الدليلالثاني:أنه لا سلطان للحاكم على المحدود بعد تنفيذه الحد,فإذا بادر السارق أو المحارب الى إعادة يده أو رجله التي دفنت أو رميت أو ماشاكل ذلك,بعمل جراحي,هل يحق لهذاالحاكم أن يتابعه ويتدخل في شأنه ؟ كما لا يحق له أن يتابعه إذا أراد إقامة أو تركيب يد صناعية أو رجل صناعية,فتكون إعادة العضو الطبيعي أجدى وأنفع وأولى.
والرد علىهذا الدليل تابع للرد الذي رددنا به على الدليل الأول, فإذا كانت الإزالة الدائمة للعضو المطلوب قطعه شرعاً داخله في الحكم كما بينا,فإنه يكون مطلوباً من الحاكم المسلممنع المقطوع عضوه في حد أو قصاص من إعادة ذلك العضو,ومنعه من ذلك لا يكلف الحاكم كبيرعناء,فإن العضو المقطوع إذا أمر بحفظه لمدة ساعات فسد,وأصبح غير صالح للإعادة,وكونه لميكن يؤمر بحفظه قديماً,فلأن الجاني لم يكن عنده القدرة على إعادته.
أما تركيب المحدود لعضو صناعي أو نقل عضو من شخص آخر فلا يتدخل الحاكم في ذلك,لأنه لا علاقة لهبالقصاص أو الحد الموكول تنفيذه الى الإمام.
الدليل الثالث: لقد تحققت اهداف الحد المالية والمعنوية بمجرد تنفيذه,ففي القطع إيلام وتعذيب وزجر ونكال وتشهير وإساءةسمعة ووخز للاعتبارات الأدبية والإنسانية,وكل ذلك تحقق بمجرد إقامة الحد دون النظر الى ما يعقب ذلك من أعمال يقوم بها الجاني بأفعال من عند نفسه.
وفي الرد على هذاالدليل لا نقول كما قال بعض أهل العلم:إنه لم يتحقق شيء من أهداف الحد مطلقاً,ولكننا نقول:إن ما تحقق منها ناقص, ولا تتم العقوبة إلا إذا كانت الإزالة دائمة,والنكالمستمراً,وقد بينت هذا فيما سبق.
الدليل الرابع :إن زراعة العضو من إنسان آخر كالقلب والكلية والرئة والعين أمرجائز للضرورة لإنقاذ حياة الإنسان,كما قرر مجمعالفقه,فيحوز بالأولى لأي إنسان إعادة ما قطع من أعضائه أثناء إقامة الحد عليه,فهو أولى بيده من أن تنقل اليه يد اخرى أو عضو آخر,فلم نجيز الحالة الأولى,ولا نجيز الحالةالثانية؟.
والجواب :أن حكمة الشارع قضت بإزالة العضو المطلوب إزالته شرعاً لتحقيق الصلاح والفلاح للأفراد والمجتمعات,واستمرار إزالة تلك الأعضاء فيه مزيد من تحقيقأمن المجتمع,وتقليل مشكلاته,وبعودة الأعضاء المقطوعة يحصل فساد وإفساد,أما نقل الأعضاء الصحيحة الى رجل مريض فهو من باب العلاج المشروع,فالأمران لا يستويان,وهذا القياسهوالذي يقول فيه أهل العلم قياس مع الفارق.
الدليل الخامس: إن التوبة تسقط جميع الحدود التي هي حق الله تعالى في مذهب الحنابلة,يقول ابن تيمية وابن القيم,رحمهما الله:ليس في شرع الله وقدره عقوبة تائب ألبتة,لقوله (ص):'التائب من الذنب كمن لاذنب له'.فهذا الذي أقر ثم أقيم الحد عليه ثم تاب,كيف لا نوافقه على تمكينه من إعادة يده؟. والجواب:أن الذي حققه شيخ الإسلام ان تيمية - رحمه الله تعالى- أن التوبة إنما تسقط عقوبة الحد إذا جاء مرتكبه معترفاً بذنبه مقراً به قبل أن نقدر عليه,وقبل أن تقوم عليهالبينة,فهذا لا يقام عليه الحد إلا إذا طلب هو إقامة الحد عليه,أما إن ادعى التوبة بعد ثبوت البينة عليه فلا تسقط العقوبة عنه,وإلا فإنه لن يقام الحد على أحد,لأنه بإمكاناللصوص والمحاربين إدعاء التوبة كذباً.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية مبيناً قوله في المسألة :
'حقيقة قولنا إن التائب لا يعذب لا في الدنيا ولا في الآخرة,لا شرعاًولا قدراً,والعقوبات التي تقام من حد,أو تعزيز,إما أن يثبت سببها بالبينة,مثل قيام البينة بأنه زنى أو سرق أو شرب,فهذا إذا أظهر التوبة لم يوثق بها,ولو درىء الحد بإظهارهذالم يقم حد,فإن كل من تقام عليه البينة يقول:قد تبت.
وإن كان تائباً في الباطن,كان الحد مكفراً,وكان مأجوراً على صبره.
وأما إذا جاء هو بنفسه فاعترف وجاء تائباً,فهذالا يجب أن يقام عليه الحد في مذهب أحمد,نص عليه في غير موضع,وهي من مسائل التعليق,واحتج عليها القاضي بعدة أحاديث,وحديث الذي قال:'أصبت حداً فأقمه علي,فاقيمت الصلاة' يدخلفي هذا,لأنه جاء تائباً,وإن شهد على نفسه كما شهد به ماعز والغامدية واختار إقامة الحد أقيم عليه,وإلا فلا ,كما في حديث ماعز:'فهلا تركتموه؟'.والغامدية ردها مرة بعد مرة. فالامام والناس ليس عليهم إقامة الحد على مثل هذا,ولكن هو إذا طلب ذلك أقيم عليه,كالذي يذنب سراً,وليس على أحد أن يقيم عليه حداً,لكن إذا اختار هو أن يعترف ويقام عليهالحد,أقيم,وان لم يكن تائباً.وهذا كقتل الذي ينغمس في العدو هو مما يرفع الله به درجته كما قال النبي (ص):'لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له,وهل وجدت أفضل من أن جادتبنفسها لله'. وقد قيل في ماعز:إنه رجع عن الإقرار,وهذا هو أحد القولين فيه في مذهب أحمد وغيره,وهو ضعيف,والأول أجود.وهؤلاء يقولون :سقط الحد لكونه رجع عنالإقرار.ويقولون:رجوعه عن الإقرار مقبول.وهو ضعيف,بل فرق بين من أقر تائباً,ومن أقر غير تائب,فإسقاط العقوبة بالتوبة- كما دلت عليه النصوص- أولى من إسقاطها بالرجوع عنالإقرار,والإقرار شهادة منه على نفسه,ولو قبل الرجوع لما قام حد بإقرار,فإذا لم تقبل التوبة بعد الإقرار مع أنه قد يكون صادقاً,فالرجوع الذي هو فيه كاذب أولى'.
وقد دلعلى عدم إقامة الحد على التائب قبل القدرة عليه قوله تعالى في المحاربين: ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أويصلبوا أو تقطع أيديهموأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم*إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم.)(المائدة /34-35).فقد صرحتالآية بأن توبوا تنفعهم في إسقاط عقوبة الحد عنهم إذا كانت قبل أن نقدر عليهم,ومفهوم الآية:عدم سقوط العقوبة إذا أظهروا التوبة بعد القدرة عليهم.
وينبغي أن ننبه الىأن عقوبة الحد لا يجوزالعفوعنها في حال بلوغها القاضي أو الحاكم,أما إذا عفا من أمسك بالسارق أو المحارب قبل أن يبلغ به السلطان فلا حرج عليه,يقول شيخ الإسلام ابنتيمية:'إذا تاب من الزنى والسرقة أو شرب الخمر قبل أن يرفغ الى الإمام فالصحيح أن الحد يسقط عنه كما يسقط عن المحاربين بالإجماع إذا تابوا قبل القدرة'.
ونقل ابن تيميةاتفاق أهل العلم على وجوب إقامة الحد إذا كانت التوبة بعد الرفع الى الحاكم,وفي ذلك يقول:'ولهذا اتفق أهل العلم - فيما أعلم- على أن قاطع الطريق واللص ونحوهما إذا رفعوا الىولي الأمر ثم تابوا بعد ذلك لم يسقط الحد عنهم,بل يجب إقامته وإن تابوا'.
الدليل السادس : أنه لو نبتت سن جديدة أو أصبع جديدة بعد القصاص أو الحد لا تستأصل مرة أخرى,فيالراجح لدى الفقهاء لأن النابت نعمة جديدة من الله تعالى أو هبة مجددة ليس للمجني عليه قلعه وليس هو في حكم المقلوع أو المقطوع.
وفي الرد على هذا الاستدلال :يقال : هذاقياس مع الفارق,فإن المقتص منه قلعت سنه,فاستوفى المقتص حقه بقلع تلك السن,فأنعم الله على الجاني بسن أخرى,وهذا ليس فعلاً للبشر,أما إعادة الجاني اليد المقطوعة في الحدودفإنها فعل للإنسان مطلوب من الحاكم عدم تمكينه منه.
الدليل السابعة : لاشك أن إعادة اليد أو غيرها مصلحة ضرورية لصاحبها, ولا تصادم هذه المصلحة مع النصوص الشرعيةالآمرة بتطبيق الحدود والقصاص,إذ إن النصوص قد أعملت,وفرغ منها,وهو ساكت عن ما وراء تنفيذ مقتضاها الواضح.
ولو كان هذا الاستدلال صحيحاً فإن الشارع لم يكن ليأمر بقطعالعضو أصلاً,فلما كانت المصلحة التي راعاها الشارع تقضي إزالة ذلك العضو إزالة إعدام وإتلاف كان في إعادته مصادمة للمصلحة المعتبرة شرعاً,فهذه المصلحة التي أشار اليهافضيلة الشيخ من المصالح الملغاة,والمصالح المتوهمة,ومصادمتها للنصوص حاصلة بناء على الفقه الذي ذكرته أكثر من مرة,وخلاصته أن الشرع أمر بإتلاف اليد حين أمر بقطعها. وقوله :'إن النصوص قد أعملت ...'الخ سبق بيان ما فيه.
الدليل الثامن :'الحدود حق الله تبارك وتعالى,وحدود الله مبنية على الدرء والإسقاط والمسامحة ,والقصاص حقوقالعباد,وهو يقوم على مبدأ المماثلة في الفعل والمحال والمنفعة,ثم إن إعادة اليد إثارة لغيظ المجني عليه مما يدفعه لحب الانتقام والثأر,فسداً للذرائع,ودفعاً للخصوماتوالمنازعات لم يجز إعادة المقطوع في القصاص لأنه من حقوق العباد'.
وقريباً من هذا الدليل الحادي عشر الذي قال فيه:'إن الاعتبارات الإنسانية وسماحة الإسلام ورحمة اللهبعباده تؤكد القول بجواز إعادة اليد'.
أما أن القصاص حقوق العباد,وهي قائمة على التشاح فقول سديد,وأما أن حدود الله مبنية على الدرء و الإسقاط فإنه سديد إذا كانتالطريق المثبتة للحدود غير قوية,فالحدود تدرأ بالشبهات,فلأن يخطىء الحاكم في العفو خير من أن يخطىء في العقوبة.
أما أن الحدود تقوم على الدرء والإسقاط بعد ثبوتهابالطرق الشرعية للقاضي,وأن الرحمة وسماحة الإسلام تقضي بجواز إعادة الأعضاء المقطوعة في الحدود فليس بسديد لما يأتي:
1- أن الله تبارك وتعالى نهى الحكام أن تأخذهمرأفة عند تنفيذ العقوبة على من ارتكب الحدود,فقد أمر الله أن يجلد كل من الزاني والزانية مئة جلدة ثم قال: ( ولاتأخذكم بهما رأفة في دين الله )(النور/ 2).
2- 'العقوباتالشرعية - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - كلها أدوية نافعة يصلح الله بها مرض القلوب,وهي من رحمة الله بعباده,ورافته بهم,الدخلة في قوله تعالى:'وما أرسلناك إلا رحمةللعالمين'(الأنبياء / 107 ).
فمن ترك هذه الرحمة النافعة لرأفة يجدها بالمريض فهوالذي أعان على عذابه وهلاكه,وإن كان لا يريد إلا الخير'.
3- 'عدم جواز تأخير الحد بعدثبوته بالبينة أو الإقرار - كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- لا يحبس ولا مال يفتدى به ولا غيره,بل تقطع يده في الأوقات المعظمة أو غيرها,فإن إقامة الحدود منالعبادات,كالجهاد في سبيل الله'.
4- 'أن الشيطان هو الذي يأمر بالرأفة على أهل المعاصي في العقوبات عموماً وفي أمر الفواحش خصوصاً' كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية,'فإنهذا الباب مبناه على المحبة والشهوة والرأفة,التي يزينها الشيطان بانعطاف القلوب على أهل الفواحش والرأفة بهم,حتى يدخل كثير من الناس بسبب هذه الآفة في الدياثة وقلةالغيرة'.
5- ما جاء من نهي الرسول(ص) عن الشفاعة في حدود الله,وغضبه غضباً شديداً ممن فعل ذلك,وإخباره أن عدم إقامة الحدود على أهل الجاه والمال وإقامتها على الضعفاءكانت من الأسباب التي أدت الى أهلاك الأمم من قبلنا.
الدليل التاسع :ليس في إعادة اليد اوأي عضو قطع عبث أو تحايل على أحكام الشريعة,لأن العبث والتحايل في الوضع القائمالذي يفر من تطبيق الحدود الشرعية ويعطل النصوص الآمرة بها , ويمكن تطهير اليد المقطوعة بالماء قبل تركيبها,علماً بأنني ذكرت عن الشيخ التقي أن المذاهب الأربعة تعتبر هذهاليد المعادة,مادام زرع العضو مرة أخرى,طاهرة وليس نجساً.
وهذا الذي ذكره فضيلته هنا ليس دليلاً,وإنما هو رد لقول من قالوا:إن قطع العضو ورده بهذه الطريقة إنما هوعبثوتحايل على أحكام الشرع,وقد بينت من قبل أنه إذا كان القصد من الحد الإيلام والتعذيب فحسب,فيمكن أن يكون بغير طريق قطع العضو,مما يدل على أن القطع على الدوام هو المطلوب.
وأحب أن أضرب هنا مثلاً تتضح فيها مدى العبثية في هذه الصورة,هب أننا أردنا أن نقطع يد إنسان اقترف حداً,وهب أن هذا الرجل يريد إعادة يده بعد قطعها ,وقد تقدم بطلب الىالحاكم يطلب فيه أن يكون القطع في المستشفى الذي ستوصل فيه اليد,لأن من أصول الصنعة أن يكون القطع في مكان نظيف حتى لايثلوث العضو المقطوع,وفي مكان قريب حتى يسهل علىالأطباء وصل اليد المقطوعة بسرعة,لأن تأخير وصل اليد قد يفسدها,وهب أن الحاكم وافق على هذا الطلب بحضور طائفة من المؤمنين كي يكون في ذلك نكال وعبرة ,فماذا يمكن أن يحدث؟
سنرى في المستشفى فريقين من الأطباء,الفريق الأول مستعد لإجراء عملية القطع تنفيذاً لعقوبة الحد,ونرى فريقاً آخر من الأطباء ينتظر أن ينهي الفريق الأول عمله ليقوموابوصل العضو المقطوع,ولننظر الى المريض وقد دخل الموضع الذي ستقطع فيه يده مخدراً فاقداً للوعي,وقد تكون الغرفة التي ستقطع اليد فيها غرفة عمليات معقمة,ذات واجهة زجاجيةكي يشاهد الناس منها عملية القطع,أو غرفة مغلقة مجهزة بآلة تصوير تلفزيونية تقوم ببث عملية القطع على المشاهدين في أماكن جلوسهم,فماذا ترى؟ ترى الفريق الأول قام بالقطعسريعاً,وخرج من غرفة العمليات,وأسرع الفريق الثاني لوصل اليد المقطوعة,ليفيق الرجل بعد ساعات ليجد عضوه قد نزع ثم أرجع,وليجد نفسه يعاني من آلام مبرحة,وقد يكون الفريقالواصل لليد هو الفريق القاطع لها نفسه.
أظن هذه الصورة هي أرقى صورة يمكن أن يتصورها القائلون بهذا القول في ضوء دعواهم سماحة الإسلام ورحمته,ولكن هل يمكن لأهل الرأيأن يقبلوا نسبة هذه الصورة الى الشريعة الإسلامية الغراء؟إنني أجد هذا الفعل قريباً الى العبث بعيداً عن أمر الله وشرعه,والله أعلم بالصواب.
الدليل العاشر: ليسالمراد من حسم موضع القطع إلا التداوي وقطع النزيف الدموي,ولا يقصد به الاستئصال الأبدي إلا من ناحية الواقع فقط,لا من ناحية الإمكان العلمي,فذلك أمر مسكوت عنه فيالنصوص,والأصل في الأشياء الإباحة.
وهذا أيضاً ليس بدليل,وإنما هو رد على الذين استدلوا بحديث حسم اليد على عدم إعادتها,صحيح أن القصد من وراء الحسم التداوي,وأنه واجبعلى الدولة ,ولكن مقتضى هذا عدم إعادة العضو المقطوع,لأن الجهة القاطعة لعضوه بأمر الحاكم ستهمل إعادة اليد,وتعنى بإيقاف النزف وتضميد الجرح فحسب,وهذا يقضي بعدم إمكانإعادة العضو لفساده بالتأخير.
المصدر :دراسات فقهية في قضايا طبية معاصرة.