أمن و السلام الإجتماعی هدف نظام العقوبات الإسلامی نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أمن و السلام الإجتماعی هدف نظام العقوبات الإسلامی - نسخه متنی

عبدالحمید أحمد أبو سلیمان

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

عبدالحميد أحمد أبو سليمان

عبدالحميد أحمد أبو سليمان

الأمن والسلام الاجتماعي هدف نظام العقوبات الإسلامي:


تأملات في نتائج دراسةاجتماعية لسكن الطلاب الجامعيين

ـ الأهمية الخاصة لقانون العقوبات الإسلامي:

لا يملك المرء إلا أن يلحظ إحساس الخوف الذي ينتاب عامة الناس من جرّاء وقع كلمةقانون العقوبات الإسلامي، وما يبدو عليهم من خوف ورهبة من قسوتها المتوهمة. ومما لا شك فيه أن روح التشريع الإسلامي لا يمكن أن تقصد إلى إثارة ذلك الإحساس، فكل ما يصدر عنالإسلام لابد أن يكون فيه النفع والأمن والطمأنينة للبشر.

مثل هذه الخواطر تمر بالذهن حين يثور الجدل حول قانون العقوبات الإسلامي. وهذا الإحساس بالخوف والرهبةيتجسد خاصة حين يدور البحث في أمر العقوبات التي شرعها الإسلام، والتي تتعلق بالأخطاء والجرائم ذات الصلة بالطبائع البشرية وما جبلت عليه من فطرية عواطفها ونوازعها،وما قد يقع فيه بعض الناس ـ وخاصة الشباب ـ من جريمة الزنا والعلاقات الجنسية غير المشروعة، وما يترتب عن ذلك من عقوبة صارمة قد تكون موتاً على أقسى صوره رجماً بالحجارة.

ولذلك فإنه ليس من المستغرب أن يقلب الإنسان بين وقت وآخر نظره وأن يعمل ذهنه في قضايا هذا القانون، ومن هذه القضايا التي يمكن أن تخطر بالبال وأن تمر بالذهن دون أنتتضح حكمتها، اشتراطُ شهادة أربعة شهود شهادةً صريحة قاطعة لإثبات جريمة الزنا، وذلك في الوقت الذي يكفي لإثبات جريمة القتل والقصاص شهادة إثنين فقط.

قضية منهج:

كانت هذه بعض الهواجس التي تمر بالخاطر بشأن قانون العقوبات الإسلامي والتساؤلات التي تعرض بشأنها، والتي لا تمكن الظروف والمشاغل وطبيعة الاختصاص من تركيز البحث فيهاوالوقوف طويلاً عندها. لقد كان من الواضح عندي أن الإجابة عن مثل هذه القضايا لا تكون إلا من خلال فهم جوانب الفطرة التي تتعلق بالقضايا الشرعية موضع البحث، وهذا يعنيمنهجية يتكامل فيها الوحي والعقل والطبائع والوقائع. وقد سبق لي أن كتبت في قضايا المنهجية الإسلامية وتكامل مصادر المعرفة في الوحي والعقل والطبائع والوقائع، وكانتتجربة الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا محاولةً للقضاء على الانفصام بين الفكر والواقع ووضع حد للمنهجية الجزئية الموروثة التي كانت تعبر عن ظروف زمانها ومكانهاوالتي ليس لنتائجها وما ترتب عليها من رؤية فكاك عن هذه الظروف.

وبذلك كانت مهمة تجربة الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا هي أن تضع وتطور هذه المنهجية الإسلاميةالشمولية، التي يتكامل فيها الوحي مع العقل والطبائع والوقائع على أساس تحليلي منضبط يقوم على اعتبار ظروف الزمان والمكان وطبيعة الخطاب ومناسبته للمخاطبين سناًوظرفاً ومعرفة وقدرة، والقضاء بشكل عملي على ظاهرة الفصام والجزئية التي أصابت العقل المسلم ومزقت نسيجه المعرفي والاجتماعي، وأدت إلى المواجهة في رحابهما بين العلماءوالسلاطين لينتهي الأمر إلى عجز كل منهما عن إدراك المستجدات وتقديم الحلول والبدائل. وكانت نتيجة هذا العجز المعرفي أن لجأ كل من الفريقين إلى استخدام سلاح الخوفوالإرهاب، فكرياً من جانب العلماء، وجسدياً من جانب السلاطين، وسيلةً أساسية للضبط والتحكم ومنعاً للانهيار الكامل والفوضى الشاملة. فكان ذلك سبباً في سلبية الإنسانالمسلم وخنوعه والقضاء على روح الاستخلاف ي كيانه وأسلوب ممارساته الفكرية والحياتية.

وكان نموذج رجال أمثال ابن حزم وابن تيمية وابن خلدون الذين كان جمعهم لعلمالوحي وعلم الطبائع والوقائع مع تمثل نير منضبط التفكير، هو الدليل الحي الهادي لتجربة الجامعة الإسلامية العالمية وذلك بتحويل منهج أولئك النوادر ليكون مدرسةً تُحتذىفي تجديد العقل المسلم وتوليد المعارف والبدائل الإنسانية المهتدية بقيم الوحي ومقاصده ومبادئه. وبذلك يصبح فكر أمثال هؤلاء الرجال ومنهج تفكيرهم مدارسَ تتجدد وتحتذى،وليس شهباً وفلتات عشوائية في أفق الفكر الإسلامي.

فتكامل علم الرجال المجتهدين وممارساتهم الحياتية، أمثال ابن تيمية وابن خلدون وابن حزم، هو الذي يفسر إذاً عطاءهمالمعرفي وطاقاتهم الاجتهادية.

فإذا واجه الدارس قضية الفهم السلبي لأمر مهم وخطير كقضية طبيعة العقوبات الإسلامية والغاية منها، فإن الحل لابد أن ينبثق من خلال منهجشمولي إسلامي متكامل، فهذا هو المنهج الذي يمكن أن ينظر بواسطته في قضايا نظام العقوبات الإسلامي وغاياته ومقاصده وحكَمه، دون قهر روح الإنسان وتحطيم ثقته بذاته وفطرتهوإشاعة مشاعر الخوف والرعب في ثنايا نفسه، والانتهاء به إلى خضوع العبد المقهور خوفاً ورهبة، لا خيارَ الحر الكريم في إتباع سبل الخير والرشاد.

من ثمار منهج تكاملالوحي والطبائع:

كان تطوير حرم الجامعة الإسلامية العالمية (ماليزيا) في ضاحية بتالينج جايا وما تبعه من تخطيط وبناء الحرم الجامعي الجديد في ضاحية غومباك تجربةً فيبناء مدينة جامعية إسلامية، قصد منها أن تحقق القيم الإسلامية في سكن الطالب المسلم على أساس من فهم حاجاته وطبائعه في إطار هذه المدينة الجامعية وفي ظروف ماليزياوإمكانات الموقع والموارد المتاحة.

وكان من بين القضايا التي كان لابد من التصدي لها وضع أفضل تنظيم ممكن يحقق القيم الإسلامية في أسلوب سكن الطالب المسلم.

وقدكان التصدي لتطوير هذا الحرم يتطلب إدراك القيم الإسلامية وفهم الطبائع والحاجات الإنسانية وما تستتبعه في أحوال السكن، وذلك للوصول إلى حلول وتصورات ناجعة تقدم أفضلالخدمات السكنية بأقل التكاليف. ومن العجيب أن التحليل النفسي والاجتماعي الذي اقتضاه أسلوب سكن الطلاب في إطار القيم الإسلامية قاد إلى رؤية جديدة لمقاصد تشريعالعقوبات في الإسلام، ولحكمة شهادة الأربعة في جريمة الزنا، ولحكمة عقوبة الشهود إذا كانوا أقل من أربعة، واعتبار شهادتهم جريمة قذف وتشهير في حق الأبرياء.

والإشكالالأول الذي كان يعرض نفسه في تخطيط سكن الطلاب هو العدد الأنسب لسكن الطلاب في الغرفة الواحدة، خاصة أن المألوف في هذه الجامعة وفي جامعات كثيرة غيرها اشتراك عدد منالطلاب في الغرفة الواحدة مما يفقد الفرد الخصوصية التي يحتاج إليها، ويجعل الصحبة في السكن بين هؤلاء الزملاء مجالاً للخلاف والتنازع.

وأخذت في تحليل الأوضاعالنفسية والاجتماعية لسكن الطالب في أحوال أعداد الصحبة المختلفة بدءاً بسكن الطالب الواحد منفرداً، وبالطبع فإنه قد يظنّ للوهلة الأولى أن سكن الطالب الواحد في غرفةمستقلة هو أفضل أحوال السكن.

وبالتمعن الاقتصادي والاجتماعي والنفسي وجدت أن هذا ليس بالحل الأمثل لسكن عامة الطلاب. فاقتصادياً، وفي بلد مثل ماليزيا تتحمل الدولةفيه جل تكلفة تعليم الدارسين، فإن سكن الطالب المنفرد أمر غير ممكن، نظراً للأعداد الكبيرة من الطلاب. وهو أيضاً ليس الأفضل من الناحية النفسية والاجتماعية. فالطالبصغير السن الذي ألف عناية أسرته وقضاء كل حاجاته في المأكل والملبس وما إليه من الاحتياجات، سيكون في حالة نفسية مضطربة، لأنه يجد نفسه فجأة مطالباً بتدبير أمور حياتهمأكلاً وملبساً بعيداً عن أسرته وبيئته. ولذلك فالسكن المنفرد المعزول ليس الوضع الأمثل لمثل هذا الطالب، لأن استئناسه بزملائه ومشاركتهم التجربة أمر أفضل وأقدر علىتمكينه من التكيف مع بيئته الجديدة في يسر، وإعانته على تحقيق استقلاليته وثقته بنفسه في بيئته الجديدة على غير السابق والمألوف في حياته.

وقد يخطر بالبال أيضاً أنسكن إثنين في غرفة واحدة يمثل الحل الأمثل، ولكن الأمر عند التمعن فيه يتجلى على غير ذلك، فبالنظر الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والأخلاقي يظل هذا الحل ليس أفضل الحلولمن جوانب عديدة.

فاقتصادياً ما يزال هذا السكن مكلفاً، والأهم من ذلك أنه أخلاقياً قد يشجع على الانحراف، وإن كان ذلك قد لا يحدث بالضرورة. أما الإشكال الأهم الذي لامفر منه فهو الإشكال الاجتماعي النفسي، وهذا الإشكال يكمن في صعوبة حل أي نزاع يقع بين الطرفين لأنه لا يوجد طرف ثالث يسهل مهمة حل الخلافات التي لابد أن تنشب بين رفاقالسكن الواحد.

وقد ينصرف الذهن إلى أن سكن الثلاثة في الغرفة الواحدة هو الحل الأمثل، والحقيقة أن ذل ليس بالضرورة صحيحاً، لأن هذا الحل أيضاً غير موفق، وذلك أن الطبعالبشري عامة قد يميل إلى تشجيع إثنين من بين الثلاثة على إقامة علاقة أوثق بينهما مما يترك ثالثهم في حالة عزلة نفسية قاسية، ولذلك نهى رسول الله (ص) عن التناجي والهمس بينإثنين في حضرة ثالث.

وهذا يقودنا بالطبع إلى فكرة سكن الأربعة في الغرفة الواحدة، وللعجب فإننا سنجد أن سكن الأربعة هو السكن الأمثل الذي يحقق الحد الأدنى للتفاعلالاجتماعي المتكامل أو ما يمكن أن يسمى بالحد الأدنى للمجتمع الإنساني المتكامل.

فمن الواضح أن الأربعة صحبة تختفي فيها كثير من السلبيات ويتحقق معها كثير منالفوائد، فنحن نجد أنه إذا توثقت العلاقة بين إثنين لأمر ما فسوف يجد الآخران في صحبتهما لأحدهما الآخر تعويضاً ومتنفساً، ولابد أن تنتهي العلاقة بين الأربعة بشكل عامإلى حالة تفاعل اجتماعي وصحبة جماعية شاملة، كما أننا سنجد أيضاً أنه إذا قام نزاع بين أي طرفين من الأطراف الأربعة فإن وجود أطراف أخرى سوف يسهل مهمة فض النزاع وإعادةالمياه إلى مجاريها.

وخلال هذه المعاناة الفكرية في حل قضية سكن الطلبة والأبعاد الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي بين أفراد الجماعة الإنسانية، اتضح لي فجأة دلالةجمع الأربعة من الناحية الاجتماعية والنفسية، وبالتالي ألقى هذا التحليل أمامي ضوءاً جديداً على دلالة اشتراط نصاب الأربعة شهود في حد جريمة الزنا من الناحية النفسيةوالاجتماعية، ووجدت أن الدلالة الاجتماعية النفسية لاجتماع الأربعة تضع عندي حداً للتساؤل الذي كثيراً ما كان يخطر بالبال عن حكمة اشتراط أربعة شهود لإثبات جريمة الزناوإنزال العقوبة بأطرافه، كما وجدت أن هذا التحليل يوضح عندي معنى إنزال العقوبة بالشهود إن قل عددهم عن أربعة أو لم تكن شهادتهم صريحة قاطعة بما يجعل القصد منها الإشهاروالإصرار والاستهتار.

الدلالة الاجتماعية لشهادة الأربعة:

وجاءت هذه الدراسة من خلال التحليل النفسي الاجتماعي الذي قمت به في دراسة سكن الطلاب في المدينةالجامعية حيث اتضح لي أن للعدد أربعة دلالة نفسية واجتماعية كبيرة، فقد وجدت أن الأربعة يمثلون الحد الأدنى للتفاعل الاجتماعي الإنساني المتكامل مع كل ما يمكن أن ينشأعنه من توازن اجتماعي وإشباع للحاجات الإنسانية. ولذلك كان الحد الأدنى لإثبات جريمة الزنا أربعة شهود، يشهدون شهادةً صريحة قاطعة، لأن شهادة الأربعة تعني الإشهار فيأربع، ومَن أشهر في أربعة فد أشهر في مجتمع، فالأربعة هو الحد الأدنى لما يمكن أن يسمى مجتمعاً.

وهكذا يتضح من هذا التحليل وما قاد إليه من إدراك الدلالة شهادةالأربعة أن المعيار هو اعتبار أن الفعل قد تم أمام المجتمع جهراً وعلانية، وفي ذلك إشاعة وللفاحشة والفساد، وعدوان على حرية الآخرين وخيارهم، وتعريض لهم ولصغارهم دونخيار منهم لمفاسد المنحرفين، والله سبحانه وتعالى لا يحب الجهر بالسوء.

أما عقوبة الشهود الذين يل نصابهم عن الأربعة ولو كانت شهادة صريحة قاطعة، فقد وضح هذا التحليلأن حكمتها في أن عقوبة الجلد أو الرج إنما هي للإشهار وليست للفعل في حد ذاته، وذلك معناه أن الشهود دون الأربعة قد حولوا ما هو زلة أو خطيئة تمت في خفاء ليصبح فضيحةوتشهيراً، وأن ما كان في دائرة الخاص تم إخراجه إلى دائرة العام. ولذلك لا يجب أن تغيب عن أذهاننا دلالةُ اشتراط الشهود الأربعة لإثبات جريمة الزنا لأنه لو كانت عقوبةالجلد أو الرجم للفعل لكفى فيها إثنان ولكان للقرائن مكانها في إثبات الفعل. ولذلك فلابد من أربعة شهود ولابد أن تكون الشهادات صريحة قاطعة بقصد الإشهار وسلوكالاستهتار.

(والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون. إلا الذين تابوا من بعد ذلكوأصلحوا فإن الله غفور رحيم) النور: 4 ـ 5.

أما توجيه السلوك الإنساني توجيهاً أخلاقياً بَنّاءً فإنه يعتمد في جوهره على حسن التنشئة وسلامة التربية وتيسير إحصانالشباب. ومن أهم ما تتم به مدافعة الرذيلة والانحراف النصح والتوعية وحسن القدوة والحض على التوبة والعظة والاعتبار. فضلاً عن الوسائل التربوية فإن لولي الأمر، حمايةًلحقوق الناس وأعراضهم، إنزال عقوبات تعزيرية بالفساق تصون المجتمع من تفشي مظاهر الانحلال والفساد.

وفي معالجة الرسول (ص) النفسية والتربوية في هذا المجال قدوةحسنة، فنحن نجد أنه (ص) حين أتاه فتى يافع أجهدته شهوته يستأذنه (ص) في الزنا، يلجأ إلى أساليب المعالجة التربوية الفعالة في مدافعة غريزة الفتى وشهواته وتمكين نفسه من ضبطغرائزها والتحكم فيها ولذلك قرب الرسول (ص) الفتى إليه في رفق ولم يلجأ إلى نهره أو زجره في هذا الموقف الحرج، بل ولم يتهدده أو يتوعده أو يصب على رأسه مواعظ العذابوالتحريم، بل نجده (ص) يخاطب قلب الشاب وكرامته ومكامن الخير في نفسه وطبعه، وذلك حين يذكره بأن كل النساء أمهات وأخوات وخالات وعمات، فإذا كان لا يرضى أن يدنس الناسُعرضَه، فكيف يرضى لنفسه أن يدنس أعراض الناس وأن يرضى لهم ما لا يرضى لنفسه.

ووجه الرسول الكريم النصح إلى شباب الأمة بأسلوب عملي لمدافعة الشهوات بالحض على الزواجوالإحصان، أو رياضة النفس وعونها على الطاعة والطهر والبعد عن المعصية والفحش فقال: ((يا معشر الشباب! مَن استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومَن لم يجد فعليه بالصوم فإنه لهوجاء)).

وقد قال تعالى: (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً) الإسراء: 32، (يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان، ومَن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمربالفحشاء والمنكر) النور: 24، (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم) النور: 30، (أتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكرالله أكبر والله يعلم ما تصنعون) العنكبوت: 45، (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومَن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلواوهم يعلمون، أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم) آل عمران: 135 ـ 136.

ويستفاد من التحليل السابق أيضاً أن الجهر والإشهار والإصرار والاستهتار هي الأمور المقصودة عامة فيمايتعلق بنزوات النفوس والغرائز، مثل الزنا وشرب الخمر وتعاطي المخدرات. ولذلك نجد أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (رض) حين اطلع خلسة على شاربي خمر في منزلهم باعتلاء جدارالدار ورأى من أمرهم ما رأى وأراد عقابهم، جادلوه بأنهم كانوا في خاصة وخلوة ولم يجهروا بالسوء، لذلك عدل الخليفة الراشد عن عقابهم وملاحقتهم.

وعلى العكس من ذلك فإننانجد أن العقوبة في الأموال والدماء مقصود بها الفعل لذاته، ولذلك نجد أنه وفق قواعد الشريعة يكفي لإثبات الأموال والدماء شاهدان من العدول، ولا يمكن قياساً على جرائمالغرائز وخطاياها التفريطُ في الدماء والأموال ودرء العقوبات بحجة الخصوصية عدم الإشهار، بل يكفي في إثبات جرائمها إثنان من الشهود كما يؤخذ بالقرائن في إثباتها حفظاًللحقوق والأموال وحقناً للدماء.

الأمن هو الحكمة الأعم لقانون العقوبات الإسلامي:

وعلى أساس من تحليل الأمر على النحو الذي أوردناه فإننا نجد أن الحكمة الأعم فيأمر العقوبات في النظام الإسلامي أنها تهدف إلى إشاعة الأمن في المجتمع المسلم وحماية أعضائه من عدوان المعتدين، ساء في أمر النزوات والغرائز أم في أمر الأموال والدماء.

ففي حالة خطايا النفوس ونزواتها التي لا يملك الإنسان عامة أن يأمن الوقوع فيها بقطع وفي كل الأحوال وطيلة حياته، نجد أن عقوبة هذا النوع من الخطايا والجنايات ليستمقصودة للفعل في ذاته، ولكنها لعملية إشهاره والإصرار عليه والاستهتار بما يترتب عليه. والنزوات لا يتطلب إرضاؤها أو الوقوع في أوضارها الإشهار، فمن أشهر ليس له مخرج منالعقاب، وذلك حفظاً لأمن الناس ورعاية لحقوقهم الدينية والخلقية. وبذلك فإن الفرد لابد أن يشعر بالأمن والطمأنينة لا الخوف والرهبة حين يعلم أن الحكمة من العقوبة التيتتعلق بالجرائم الناجمة عن النزوات هي منع أهل الفساد من إقحام فسادهم في حياة الناس وأهليهم والتغرير بصغارهم دون إرادة أو رغبة منهم. فإنزال العقوبة بالمفسد المستهترتبعث الطمأنينة والإحساس بالأمن في نفوس أفراد المجتمع. وقسوة العقوبة إلى جانب أنها حماية حاسمة وصارمة لحقوق الإنسان الأساسية في الخيار، فإنها تدل أيضاً على فداحةالفاحشة وما يترتب عليها من آثار اجتماعية خطيرة في مجال الأسرة والمجتمع، قال تعالى: (ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً) الإسراء: 32، وقال: (الزانية والزانيفاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) النور: 2.

إن من أهم مزايا أحكام الشريعة الإسلامية ونظام المجتمع الإسلامي، معرفة معنى الحرية الإنسانية وإدراك حدودها، وذلك علىغير حال المجتمع العلماني المادي الذي يبدو أنه قد فقد الدليل لمعرفة معنى الحرية الإنسانية ومغزى ضوابط النظام الاجتماعي الإنساني. وهذا الجهل والتخطب في هذا الأمرالأساسي يؤدي بالضرورة إلى الفوضى في العلاقات الإنسانية ويؤدي إلى انهيار النظام الاجتماعي الإنساني برمته. فكل نظام في الوجود له حدود وقواعد، وليس النظام الاجتماعيالإنساني في ذلك بدعاً، ولذلك يجب مراعاة أسس النظام الإنساني وقواعده وحدوده والوقوف عندها. وعدم القدرة على معرفة قواعد الاجتماع الإنساني وحدود أدائه يعني أيلولةذلك النظام حتماً إلى التدهور والانهيار.

أما الجرائم المتعلقة بالأموال والدماء فإننا نجد أن العقوبة فيها على العكس من عقوبة جرائم الغرائز والنزوات، مقصودةللفعل في ذاته وليس للإشهار ولا تفزع العقوبة في مجال الأموال والدماء نفوس عامة الناس الأسوياء، فالإنسان السوي من عامة الناس لا يضمر في نفسه قصد قتل الأبرياء أو سرقةأموالهم وممتلكاتهم، ولكن الإنسان السوي من عامة الناس لابد أن يخطر بباله إمكان تعرضه خلال حياته للعدوان على حياته أو ماله، ولذلك فإن هذا الإنسان يجد في فعالية عقوبةالعدوان على الأموال والدماء وتوجهها إلى واقعة الفعل في ذاته حمايةً له وحفظاً لأمنه.

وإذا كان المقصود من عقوبة العدوان على النفوس والأموال توفيرَ الحمايةللأبرياء، فإن هذا لا يعني أيضاً قصد العقاب لذاته. فالعقاب ليس غاية في حد ذاته في كل الأحوال، ولكن القصد هو تحقيق الأمن، وما يتحقق به الأمن في حده الأدنى هو الحدالمطلوب من العقوبة. ولذلك فإن الشريعة أعطت أولياء الدماء الحق في العفو وشجعت عليه، لأن العفو إنما يصر عن القدرة والإحساس بالأمن.

وليس صحيحاً أن طلب الحد الأدنىمن العقوبات الفعالة تفريط في تحكيم الشريعة والالتزام بها، وأنه قد يؤدي أيضاً إلى التفريط في عبادات الذكر، فالفروض من عبادات الذكر إنما تمثل الحد الأدنى من عباداتالذكر، بل هما حالتان تمثلان وجهين لمفهوم واحد وغاية واحدة.

إذا أدركنا طبيعة نظام العقوبات على الوجه الذي سلف، وتكامل فهمنا للطبائع مع فهم هداية الوحي، فإن نظامالعقوبات الإسلامي يصبح كما أسلفنا مصدراً للإحساس بالأمن والطمأنينة على عكس ما يسببه العض الناقص لهذا النظام، ذلك العرض الذي يروج لصورته المرعبة والمشوهة بعضُالمخلصين عن جهل، وبعضُ أصحاب الأغراض عن حقد، مما يؤدي إلى إشاعة الخوف والرهبة وانعدام الإحساس بالأمن بشكل واع أو غير واع في نفوس عامة الناس، فيقضي على مشاعر الكرامةوالمبادرة والإبداع الخير في نفوسهم.

هذه الخواطر كما يرى القارئ الكريم وهذا الفهم لنظام العقوبات الإسلامي لم يكونا وليدي تأمل نظري مجرد في النصوص، ولكنهما جاءانتيجة تمعن في الطبائع الاجتماعية والنفسية من خلال الاستجابة لحاجات اجتماعية ونفسية بعينها، فأدى ذلك التمعن إلى فهم يبدو أوفى وأشمل لنصوص الشريعة وأهدافهاودلالاتها في قضية نظام العقوبات الإسلامي ودلالاته النفسية والاجتماعية في إشاعة الأمن والطمأنينة بين الناس.

وبغضّ النظر عن مدى صحة النتائج التي وصل إليها هذاالتمعن والنظر والتحليل، فإن المهم أن هذا التمعن مثّل تجربة حية في نفس الكاتب جسدت ما يمكن أن يحقق التكامل بين هداية الوحي الإسلامي وإدراك الطبائع في الكائناتومعرفة الواقع وظروفه ومتطلباته. وعلى أي حال فإن أهم نتيجة لهذا النظر والتأمل أنه مع التزامه قواعد الشريعة قدم منهجاً في عرض مفهوم العقوبة في الإسلام من شأنه تأليفقلوب الناس، ودفع مشاعر الخوف والإرهاب عنهم، تلك المشاعر التي إذا سيطرت على النفوس شلتها وقضت على مكامن القوة والفعل فيها.

ن الأمل أن يفضي مثل هذا المنهج الشموليالمتكامل ـ بين هداية الوحي وضوابط العقل ودواعي الطبائع ومستلزمات الوقائع ـ الذي تسعى الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا للأخذ به، إلى تكوين عقليات إبداعيةمنهجية لدى الدارسين من الشباب المسلم، تتميز بالتكامل والمعرفة والشمولية والانضباط، فيكون بذلك مصدراً فعالاً لتجديد طاقات الأمة واستعادة مكانتها والمشاركةالإيجابية الرائدة اللائقة بها في مسيرة الحضارة الإنسانية وهدايتها من متاهات دروب العلمانية المادية.

درس في المنهجية:

توضح التأملات السابقة كيف أن الدراسةالنفسية الاجتماعية بشأن سكن الطلاب أمكن أن تلقي ضوءاً على قضية مهمة من قضايا الشريعة وأن توضح دلالتها والغاية منها، فلا تبقى وكأنها قضية تحكمية اعتباطية، فأصبحتبذلك قواعدَ ذاتَ معنى ودلالة في طبائع النفوس البشرية وأسس التنظيم الاجتماعي.

إن الأهمية الكبرى لهذه التجربة عند الكاتب تكمن في أنها تمثل تجربة حية عملية فيفوائد المنهجية الإسلامية الشمولية وفعاليتها، تلك المنهجية التي توحد مصادر المعرفة الإسلامية وتحقق التكامل بينها والفائدة المرجوة منها في طلب الإنسان للمعرفةالحقة وبناء المجتمع السليم، وعلى الله قصد السبيل وهو الهادي إلى سبيل الرشاد.



* المصدر:اسلامية المعرفة /العدد14/1998 م

/ 1