دواعی الانفتاح علی الغیب نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

دواعی الانفتاح علی الغیب - نسخه متنی

فیصل العوامی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

دواعي الانفتاح على الغيب

* فيصل العوامي

إن قراءتنا لهذه الإشكالية لم تكن قراءة من وجهة دينية ـ أي لسنا في صددتوجيه اتهام ديني لأصحاب هذا الإشكال ـ ، وإن كان في ظني أن القصور في فهم الغيب ينبئ عن قصور في فهم الدين نفسه، خاصة أن الآيات القرآنية اعتبرت أن العاقل هو الذي يرىالغيب ويسلم به ويعتمد عليه، وغيره مَن لا يعتمد على ذلك ويقتصر على الواقعيات البحتة، لكن مع ذلك فهذه القراءة لم تكن في هذا الاتجاه، وإنما هي في اتجاه عملي، أي تنظرإلى طبيعة الإشكالات التي تقود على العقل والروح جراء التغافل عن الحقائق الغيبية.

لهذا فمن المستحسن أن نشخص الأضرار العقلية والروحية التي تهدد العقل بفعل التحفظالمستمر واللامحدود على الغيب بقصد أو بلا قصد، وفي الحين نفسه نستوضح الفوائد العقلية والروحية للانفتاح على الغيب. ولا شك أن الفوائد والمضار هنا بينهما تقارن، إذ مايمكن أن يكون ضرراً على فرض التحفظ يمكن أن يكون فائدة على فرض الانفتاح. فما هي تلك الفوائد والمضار في آن؟

أما ما يعود على العقل فأمران، أولهما علمنة الحقائق.. إذ إنما يمكن أن يحصل عليه الانسان من حقائق عبر الجهد المادي الشخصي وما يسعى للوصول إليه من خلال النظر في الماديات فقط، وإن كان له قيمة وقابل للتقدير، إلا أنه في كثير منالموارد التي يكون فيها صبغة غيبية يعدُّ ناقصاً وغير علمي، ولا يمكن أن يُعلمن إلا إذا استند الانسان إلى الغيب وسلّم بمؤديات أخباره.

لهذا لو أن الانسان أتعب نفسهواستنفر كل طاقاته وإمكاناته، محاولاً التعرف على الذات الإلهية ـ كما فعل بنو إسرائيل حين طلبوا من موسى (ع) أن يريهم الله جهرة ـ ، أو التعرف على نحو العلم التفصيليالمادي والتحليل الدقيق لا المعرفة العامة على كيفية خلق الله سبحانه وتعالى لهذا الكون، وكيفية اطلاعه التفصيلي على أفعال العباد ـ كما فعل بعض الأوائل من الفلاسفةالمسلمين ـ ، فإنه لم يحرز سوى مجموعة من الأوهام، التي تكون وبالاً على العقل والمعرفة معاً. إذ إن الانسان لم يؤت أدوات التفكير في مثل هذه الأمور الغيبية، ولا يسعه إذاأراد أن يحافظ على الحالة العلمية لعقله وتفكيره إلا أن يُسَلِّم بما جاء به الغيب وكفى. فبالنسبة لمعرفة الذات الإلهية مثلاً الغيب لم يكشف لنا شيئاً سوى أنه عرّفنا علىالخالق من خلال أسمائه وصفاته وحدد لنا مقاييس لهذه الأسماء والصفات ـ ، وألزمنا بها. بل ونهانا عن التفكير خارج حدودها. فقد ورد عن رسول الله (ص) أنه قال: (تفكروا في الخلقولا تفكروا في الخالق، فإنكم لا تقدرون قدره). وقال الإمام الصادق (ع): (إياكم والتفكر في الله فإن التفكر لا يزيد إلا تيهاً، إن الله عزوجل لا تدركه الأبصار ولا يوصفبمقدار).

لهذا لا يمكن التعرف عليه ذاتاً، وإنما يتعرف عليه من خلال أسمائه وصفاته وفقط، وبالشكل الذي طرحت فيه ووصفت به. لهذا قال الإمام علي (ع) في شأن ذل: (فلسنا نعلمكنه عظمتك، إلا أنا نعلم أنك حي قيوم، لا تأخذك سنة ولا نوم، لم ينته إليك نظر، ولم يدركك بصر).

وهكذا هو شأن سائر الأمور الموقوف علمُها أو علمُ حكمها على الغيب، فإنهلا يسمع الانسان العاقل إلا أن يسلم بها، لأنه لا يمكن أن يصل إلى شيء فيها. ومن هنا فإن التنكر للحقائق والممارسات ذات الطابع الغيبي بالاعتماد على العقل المجرد، هو ظلمللعقل والعلم معاً. ومَن يريد المحافظة على عقله لابد أن يُعلمِنَه بالحقائق الغيبية، أما مَن يدع كل ذلك ويعتمد فقط على مؤديات الواقع المجرد فإنه لن يملأ عقله إلابالأوهام، وما أبلغ ضرر هذه الأوهام على العقل.

هذا هو الضرر الأول ـ أو الفائدة إذا نظرنا لها بصورة عكسية ـ الذي يعود على العقل. وأما الثاني فهو هداية العقل. فالغيبهو نور يضيء الطريق للعقل، وبدونه تتعثر حركة التفكير. وهذا الأمر يُنظر إليه تارة من جانب معنوي وتارة من جانب منهجي. فأما المعنوي فهو ما يظهر من الاتصال المباشروالعضوي بين الروح ـ القلب والنفس ـ والعقل في خصوص القضايا العلمية، إذ إن الروح لها دخل كبير في ضبط الحقائق التي يحللها العقل، ولهذا جاء في الآيات القرآنية مزج بينالعقل والقلب ـ والقلب اشارة إلى الروح إذ تارة يعبر عنها بالقلب وتارة بالنفس في الاصطلاح القرآني ـ في مجال تحصيل العلوم، حيث قال تعالى: (لهم قلوب لا يفقهون بها)الأعراف/ 1790. (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها) الحج/ 46. (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) محمد/ 24. فمع أن مجال التفقه والتعقل والتدبر هو العقللأنه هو الذي يتعامل مع الأفكار، إلا أن الآيات تلقي بالمسؤولية على القلب، وذلك اشارة إلى أن للروح دوراً أساسياً في تحصيل العلوم وضبطها، طبعاً لا بالمنهجية ولابالمعنى المشهور والمتبع من قبل كل المتصوفة الذين يقولون بأن العلوم الحقيقية لا يمكن تحصيلها إلا عبر الرياضة النفسية وليس النظر، وإنما بالمنهجية القرآنية التي تمزجبين القوتين الروحية والعقلية بأسلوب منظم.

وإدخال الروح يعني بالنتيجة إدخال الغيب بالمعنى الأعم الذي أشير إليه في بداية البحث، حيث يفترض من الانسان أن يتصلبالغيب بشتى الطرق حتى تنفتح روحه للعلم. ولهذا جاء في رواية طويلة رواها المجلسي عن الصادق (ع) أنه قال إلى عنوان البصري: (ليس العلم بالتعلم، إنما هو نور يقع في قلب مَنيريد الله تبارك وتعالى أن يهديه، فإن أردت العلم فاطلب أولاً في نفسك حقيقة العبودية، واطلب العلم باستعماله، واستفهم الله يستفهمك).

وأما المنهجي فهو أن الغيب يرسممناهج عقلية دقيقة من شأنها إيصال الانسان إلى الحقائق، إنه يهديه إلى الحقائق التي يحتاجها عبر العديد من المناهج والعديد من القيم والوصايا، التي لو خالفها واعتمد علىغيرها مما يبدعه عقله المجرد، لكان وقوعه في الخطأ أقرب من غيره.

هذا بايجاز ما يعود على العقل، وأما ما يعود على الروح العملية ـ وليس النظرية التي تتصل بالعلمالمتحدث عنها سلفاً ـ فأمران مهمان: الأول الايجابية وهي تقتضي بعث روح التفاؤل لدى الانسان في تعاطيه مع الحياة. وللتأكيد على هذا الأمر المسلم به فإنه إذا اتصل الانسانبالغيب عن طريق أدواته المتاحة وهي الممارسات المنصوصة أو المقرة بعدم الردع، والشيء من شأنها جميعاً ايجاد خططه مع الله سبحانه وتعالى في كل حين من شدة أو رخاء إذا اتصلالانسان بالغيب بهذه الطريقة، فإن الغيب يبعث لديه الاطمئنان ويشعره دائماً بملازمة العناية العليا له. يقول تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر اللهتطمئن القلوب) الرعد/ 28. فذكر الله سبحانه وتعالى بصورة دائمة يبعث الاطمئنان في قلب الانسان المؤمن، ويجعله دائم التفاؤل. ولا يخفى ما لذلك من أثر على مسيرة الانسان فيالحياة، بل وعلى خصوص عملية التفكير عنده. أما مَن يتهاون بذكر الله سبحانه، وينشغل عنه بما هو دونه متنكراً للأثر الغيبي له، فإن كل ما في الحياة من هموم وأمراض نفسيةوتشاؤم يعشش في قلبه ويجعله دائم الرعب، كثير الاضطراب. ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: (سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله) آل عمران/ 151.

لهذا فإنالانفتاح على الغيب بشتى الطرق، والتواصل المستمر معه بالممارسات المشروعة، تكسب الانسان ايجابية واطمئناناً في الحياة لا يمكن أن يحصل عليها من أي مكان كان. وأماالانغلاق عن الغيب فإنه يفعل خلاف ذلك تماماً. هذا ما لخصه الإمام علي (ع) في قوله: (الذكر نور ورشد، النسيان ظلمة وفُقد). كما ورد في الدعاء عن الإمام زين العابدين (ع): (إلهيبك هامت القلوب الوالهة، وعلى معرفتك جمعت العقول المتباينة، فلا تطمئن القلوب إلا بذكرك، ولا تسكن النفوس إلا عند رؤياك).

الثاني: تشذيب الحالة الذاتية. فالانجرافوراء العلم مع تناسي الغيب، قد يبعد الانسان عن الهدف الحقيقي والأسمى للعلم وهو كسب رضا الله سبحانه وتعالى، مما يؤدي إلى إصابة الانسان بأمراض الكبر والغرور والخيلاءوالتباهي بالعلم وما أشبه من الأمراض النفسية. وذلك أن العلم ميزة يمكن أن يتميز بها الانسان على سائر البشر، حتى عُدّ ذلك شبيهاً بالأصل العقلائي لشدة ارتكازه عندالعرف، لهذا يصح الادعاء بأن الأمر بالعلم في الشريعة أو الحث عليه بالطرق المختلفة إنما هو من باب الإرشاد لا المولودية.

فحين يقول الباري جل وعلا: (قل هل يستوي الذينيعلمون والذين لا يعلمون) الزمر/ 9. (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) المجادلة/ 11.

وحين يقول الرسول (ص): (اطلبوا العلم ولو بالصين..). فإن هذا الحثوالترغيب إنما هو ارشاد إلى حكم العقل بوجوب طلب العلم وبالتالي لزوم التمييز بين العالم والجاهل، وليس أمراً مولوياً حتى يستفاد منه الوجوب، أو ترغيباً مولوياً حتىيستفاد منه الاستحباب.

وحيث إن العلم ميزة عقلائية ـ وشرعية أيضاً حيث اعتبرها الشارع ميزة ـ ، فإن الانسان إذا تشبع بالعلم ورأى في نفسه القدرة الكافية على التعاملمع الأفكار، في حين رأى من جانب آخر من قد يكون أقل مستوى منه، قد يصاب بأمراض العلم ويسترسل معها، حتى تأخذه بعيداً فيتنامى عنده الغرور والإعجاب بالذات، ويتوسع عندهالكبر إلى حد لا يطاق، فتجده ينظر إلى نفسه نظرة طاووسية معجباً بذاته وكأن لا أحد يفهم العلم والحياة غيره.

ذلك يحدث إذا لم يكن الانسان متصلاً بالغيب، لأن الغيبيربطه بما هو أكبر وأسمى، وهو الهدف من وراء العلم والتعلم، من طلب رضى الله سبحانه والقرب منه والدعوة إليه، وكل ذلك يجعل عينه مفتوحة على حركته النفسية وسلوكياتهالاجتماعية، فيعتدل فيها. ومن أروع ما يمكن أن نستعين به على ذلك هو قول رسول الله (ص): (من طلب العلم لله لم يُصِب منه باباً إلا ازداد في نفسه ذلاً، وفي الناس تواضعاً،ولله خوفاً، وفي الدين اجتهاداً، وذلك الذي ينتفع بعلمه فليتعلمه، ومن طلب العلم للدنيا والمنزلة عند الناس والحظوة عند السلطان لم يصب منه باباً إلا ازداد في نفسهعظمة، وعلى الناس استطالة، وبالله اغتراراً، ومن الدين جفاء، فذلك الذي لا ينتفع بالعلم فليكف وليمسك عن الحجة على نفسه، والندامة والخزي يوم القيامة).

فالاتصالبالغيب يضع الانسان دائماً أمام هدفه الحقيقي، لهذا فإن كل ما عدا ذلك الهدف يتصاغر عنده، ويصبح كأن لا قيمة له.

تلك كانت جملة من الأضرار ـ ذكرتها على سبيل الاختصارالشديد ـ التي قد تعود على الانسان جراء ابتعاده عن الغيب وعدم تمسكه به بالأدوات والوسائل المشروعة دينياً، وهي إن اجتمعت لدى الانسان أصبح تكوينه الروحي والعقليرصيناً.

/ 1